المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجنائز الجنازة بالفتح والكسر واحد. وقيل: بالفتح الميت، وبالكسر الأعواد - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ١

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌تقديم

- ‌المبحث الأولحياة المؤلف

- ‌حياة المؤلف:

- ‌مولده

- ‌أسرته:

- ‌نشأته وطلبه للعلم:

- ‌مصنفاته

- ‌أخلاقه وثناء العلماء عليه

- ‌تلاميذه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثانيترجمة الإمام مو فق الدين ابن قدامة

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم ورحلاته:

- ‌مشايخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌بلوغه درجة الاجتهاد:

- ‌أولاده:

- ‌مصنفاته:

- ‌شعره:

- ‌رثاؤه:

- ‌المبحث الثالثأهمية كتاب الممتع في شرح المقنع

- ‌المبحث الرابعمنهجه في كتاب الممتع

- ‌المبحث الخامسموارده في كتاب الممتع

- ‌المبحث السادسالنسخ الخطية للكتاب

- ‌وصف النسخ الخطية للكتاب

- ‌نماذج من المخطوطات

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌كتاب الطهارة:

- ‌باب المياه

- ‌فصل [في الماء الطاهر غير المطهر]

- ‌فصل [الماء النجس]

- ‌باب الآنية:

- ‌باب الاستنجاء:

- ‌باب السواك وسنة الوضوء

- ‌باب فرض الوضوء وصفته:

- ‌فصل [في صفة الوضوء]

- ‌باب مسح الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغَسل

- ‌فصل [في الأغسال المستحبة]

- ‌فصل في صفة الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب اجتناب النجاسات

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌باب النية

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة الأثمان

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب ذكر أهل الزكاة

الفصل: ‌ ‌كتاب الجنائز الجنازة بالفتح والكسر واحد. وقيل: بالفتح الميت، وبالكسر الأعواد

‌كتاب الجنائز

الجنازة بالفتح والكسر واحد. وقيل: بالفتح الميت، وبالكسر الأعواد التي يحمل عليها.

قال المصنف رحمه الله: (يستحب عيادة المريض، وتذكيره التوبة والوصية).

أما كون عيادة المريض تستحب؛ فلما روى البراء بن عازب: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز وعيادة المرضى» (1) رواه البخاري.

ولقوله عليه السلام: «عائد المريض في مخرف من مخارف الجنة» (2).

والمخرف البستان.

وقال: «ما من رجل عاد مريضاً مُمْسِياً إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له [حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة، وإن عاده مُصْبِحاً خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له] (3) حتى يمسي» (4) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

وخريف: فعيل بمعنى مفعول.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1182) 1: 417 كتاب الجنائز، باب الأمر بإتباع الجنائز.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (2568) 4: 1989 كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل عيادة المريض. عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عائد المريض في مخرفة الجنة» .

وأخرجه الترمذي في جامعه (967) 3: 299 كتاب الجنائز، باب ما جاء في عيادة المريض. بنحوه. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وأخرجه أحمد في مسنده (22492) 5: 283. بنحوه.

(3)

ساقط من ب.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (3098) 3: 185 كتاب الجنائز، باب في فضل العيادة على وضوء.

وأخرجه الترمذي في جامعه (969) 3: 300 كتاب الجنائز، باب ما جاء في عيادة المريض.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1442) 1: 463 كتاب الجنائز، باب ما جاء في ثواب من عاد مريضاً.

ص: 594

وأما كون تذكيره التوبة يستحب فلأنها واجبة عليه على كل حال. وهو أحوج إليها في هذه الحال من بقية الأحوال. فإذا ذكره فتاب كان سبباً لحصول مثل هذه التوبة (1) العظيمة المخلصة له من الهلكة.

وأما كون تذكيره الوصية يستحب؛ فليخرج عن عهدة قوله عليه السلام: «ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يوصي به إلا ووصيته مكتوبة عنده» (2) متفق عليه.

قال: (وإذا نُزل به تعاهد بَلَّ حلقه بماء أو شراب، وندّى شفتيه بقطنة، ولَقَّنه قول: لا إله إلا الله مرة. ولم يزد على ثلاث إلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه بلطف ومداراة. ويقرأ عنده سورة يس ويوجهه إلى القبلة).

أما كون متولي حال المريض يستحب له أن يتعاهد بَلَّ حلقه بماء أو شراب ويندي شفتيه بقطنة إذا نزل به. والمراد إذا غلب على الظن موته فلأن ذلك يطفئ من حرارةِ كربه وشدة موته، ويسهل عليه النطق بالشهادة.

وأما كونه يستحب له أن يلقنه قول: لا إله إلا الله؛ فلما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لقنوا موتاكم (3) -أي المحتضر للموت- شهادة أن لا إله إلا الله» (4) رواه مسلم.

وروى معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة» (5) رواه أبو داود.

(1) في ج: المثوبة.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2587) 3: 1005 كتاب الوصايا، باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم: وصية الرجل مكتوبة عنده.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1627) 3: 1249 كتاب الوصية، باب العمرى.

(3)

في ب: مواتكم.

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه (916) 2: 631 كتاب الجنائز، باب تلقين الموتى: لا إله إلا الله.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (3116) 3: 190 كتاب الجنائز، باب في التلقين.

ص: 595

وأما كونه يلقنه مرة فلأن بذلك يخرج عن عهدة حديث أبي سعيد، ويحصل الثواب المذكور في حديث معاذ.

وأما كونه لا يستحب له أن يزيد على ثلاث مع عدم كلامه بعد الشهادة فلئلا يضجره.

وروي عن عبدالله بن المبارك: «أنه قال لرجل لقّنَه عند موته فأكثر: إذا قلتُ مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم» (1).

وأما كونه يستحب له أن يعيد تلقينه بعد الكلام فليكون آخر كلامه الشهادة فينال ما ذُكر في حديث معاذ المتقدم.

وأما كونه يعيد تلقينه بلطف ومداراة فلأن اللطف والمدارة في كل موضع مطلوب فهاهنا أولى لشدة الحاجة إليه.

وأما كونه يستحب له أن يقرأ سورة يس عنده فلقوله عليه السلام: «اقرأوا يس على موتاكم» (2) رواه أبو داود وابن ماجة.

ولأنه يسهل خروج الروح.

وأما كونه يستحب له أن يوجهه إلى القبلة فلما روى عبيد بن عمير عن أبيه وكان له صحبة «أن رجلاً قال: يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم ما الكبائر؟ فقال: هي سبع فذكر منها استحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً» (3) رواه أبو داود.

(1) ذكره الترمذي في الجنائز، باب ما جاء في تلقين المريض عند الموت والدعاء له عنده 3:308.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3121) 3: 191 كتاب الجنائز، باب القراءة عند الميت.

أخرجه ابن ماجة في سننه (1448) 1: 466 كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (2875) 3: 115 كتاب الوصايا، باب ما جاءفي التشديد في أكل مال اليتيم.

ص: 596

قال: (فإذا مات أغمض عينيه، وشَدَّ لَحْيَيْه، وليّن مفاصله، وخلع ثيابه، وسجاه بثوب يستره، وجعل على بطنه مرآة أو نحوها، ووضعه على سريرِ غُسْله متوجهاً منحدراً نحو رجليه).

أما كون من تقدم ذكره يستحب له أن يُغمض عيني المريض إذا مات فلما روت أم سلمة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه. وقال: إن الروح إذا قبض يتبعه البصر

مختصر» (1) رواه مسلم.

و«لما حضرت عمر الوفاة قال لابنه عبدالله: إذا رأيت روحي بلغت لهاتي فضع كفك اليمنى على جبهتي واليسرى تحت ذقني وأغمضني» .

ولأنه إذا لم تغمض عيناه يقبح منظره. ولا يؤمن دخول الهوام فيهما والماء وقت غسله.

وأما كونه يستحب له أن يَشُدّ لَحْيَيْه فلما تقدم من قول عمر.

ولأنهما لو تركا لقبح منظره وربما دخل في فمه الهوام والماء.

وأما كونه يستحب له أن يُلَيِّن مفاصله. ومعناه: أنه يرد ذراعيه إلى عضديه، وعضديه إلى بطنه. ثم يردهما، وساقيه (2) إلى فخذيه. ثم فخذيه إلى بطنه. ثم يردهما فلتبقى أعضاؤه المذكورة لينة على الغاسل سهلة في حال غسله.

ولأنه لو لم يفعل ذلك لجفت عليه أعضاؤه ولسمج منظره ولم يَتَأتّ (3) غسله.

وأما كونه يستحب له أن يخلع ثيابه؛ فلئلا يحمى جسده فيسرع إليه الفساد ويتغير. وربما خرجت منه نجاسة فلوثت ثيابه ونجّستها.

وأما كونه يستحب له أن يسجيه بثوب يستره؛ فلأن عائشة رضي الله عنها قالت: «سجي النبي صلى الله عليه وسلم بثوب حبرة» (4) متفق عليه.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (920) 2: 634 كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حُضر.

(2)

في ب: وساقه.

(3)

في ب: ينال.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (5477) 5: 2189 كتاب اللباس، باب البرود والحبرة والشملة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (942) 2: 651 كتاب الجنائز، باب تسجية الميت.

ص: 597

ولأنه أعظم في كرامته.

وينبغي أن يعطف فاضل الثوب من عند رأسه تحت رأسه، ومن عند رجليه تحت رجليه لئلا يرتفع بالريح.

وأما كونه يستحب له أن يجعل مرآة أو نحوها على بطنه؛ فلئلا تنتفخ بطنه. والأصل فيه ما روي عن أنس «أنه مات مولى له عند المغيب. فقال: ضعوا على بطنه شيئاً من حديد» (1).

وأما كونه يستحب له أن يضعه على سرير غسله فلأنه يُبعد الهوام ويرتفع عن الأرض.

وأما كونه يستحب له أن يضعه على ذلك متوجهاً إلى القبلة فلما تقدم من قوله عليه السلام: «قبلتكم أحياء وأمواتاً» (2).

وأما كونه يستحب له أن يضعه منحدراً نحو رجليه. ومعناه: أن يكون رأسه أعلى من رجليه فلينحدر ماء الغسل فلا يتراجع منه شيء.

قال: (ويسارع في قضاء دينه، وتفريق وصيته، وتجهيزه إذا تيقن موته: بانخساف صدغيه، وميل أنفه، وانفصال كفيه، واسترخاء رجليه).

أما كون من تقدم ذكره يستحب له أن يسارع في قضاء دين الميت؛ فلما فيه من إبراء الذمة. قال عليه السلام: «نفس الميت معلقة بدَينه حتى يقضى عنه» (3). قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وأما كونه يستحب له أن يسارع في تفريق وصيته فليحصل له أجرها.

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 385 كتاب الجنائز، باب ما يستحب من وضع شيء على بطنه

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (1079) 3: 389 كتاب الجنائز، باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه» .

ص: 598

وأما كونه يستحب له أن يسارع في تجهيزه فلقوله صلى الله عليه وسلم: «إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت (1) فآذنوني به وعجلوه فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله» (2) رواه أبو داود.

وأما قول المصنف رحمه الله: إذا تيقن موته؛ فراجع إلى قضاء الدين وتفريق الوصية والتجهيز؛ لأن الأولين لا ولاية لأحد عليهما إلا بعد الموت. والتجهيز قبل تيقن الموت تفريط.

وأما قوله: بانخساف صدغيه

إلى آخره؛ فتنبيه على العلامات الدالة على الموت المحصلة لليقين في ذلك.

(1) ساقط من ب.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3159) 3: 200 كتاب الجنائز، باب التعجيل بالجنازة وكراهية حبسها.

ص: 599

فصل في غسل الميت

قال المصنف رحمه الله: (غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية).

أما كون غسل الميت فرض كفاية فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فُرض على أمتي غسل موتاها، والصلاة عليها، ودفنها» .

و«قال لأم عطية ونسوة معها لما ماتت ابنته: اغسلنها» (1) متفق عليه.

و«قال في المحرم الذي وقصته ناقته: اغسلوه وكفنوه» (2).

ولأن في تكفينه ستراً له فلم يكن بد من فعله لما يأتي في الكفن (3).

وأما كون الصلاة عليه فرض كفاية فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا على من قال: لا إله إلا الله» (4).

ولأن الصلاة مذكورة فيما تقدم من قوله عليه السلام: «فرض على أمتي» .

وأما كون الدفن فرض كفاية فلأنه أيضاً مذكور في الحديث المذكور أولاً (5).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1204) 1: 425 كتاب الجنائز، باب يلقى شعر المرأة خلفها.

وأخرجه مسلم في صحيحه (939) 2: 648 كتاب الجنائز، باب في غسل الميت.

(2)

سيأتي تخريجه من حديث ابن عباس ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(4)

أخرجه الدارقطني في سننه (3) 2: 56 كتاب العيدين، باب صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه. من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

سبق قبل قليل.

ص: 600

قال: (وأولى الناس به وصيّه. ثم أبوه. ثم جده. ثم الأقرب فالأقرب من عصباته. ثم ذوو أرحامه إلا الصلاة عليه فإن الأمير أحق بها بعد وصيه).

أما كون وصي الميت أولى الناس بغسله فـ «لأن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس» (1) فَقُدِّمت بذلك.

و«أوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين» فقُدِّم بذلك.

ولأنه حقٌ للميت فقُدِّم وصيه على غيره؛ كتفريق ثلثه.

وأما كونه أولى الناس بالصلاة عليه فلإجماع الصحابة عليه. روي «أن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر، وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب» (2).

«وابن مسعود أوصى بذلك الزبير» (3).

«وأبا بكرة أوصى به أبا برزة» .

«وأم سلمة أوصت به سعيد بن زيد» (4).

«وعائشة أوصت به أبا هريرة» (5).

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10969) 2: 455 كتاب الجنائز، في المرأة تغسل زوجها ألها ذلك.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 397 كتاب الجنائز، باب غسل المرأة زوجها.

وأخرج مالك في الموطأ عن عبدالله بن أبي بكر «أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين توفي» . (3) 1: 194 كتاب الجنائز، باب غسل الميت.

(2)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج عبدالرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري قال: «صلى عمر على أبي بكر، وصلى صهيب على عمر» (6364) 3: 471 كتاب الجنائز، باب من أحق بالصلاة على الميت.

(3)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6365) 3: 471 كتاب الجنائز، باب من أحق بالصلاة على الميت.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 29 كتاب الجنائز، باب من قال: الوصي بالصلاة عليه أولى إن كان قد أوصى بها إليه.

(4)

أخرجه البيهقي في الموضع السابق.

(5)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج عبدالرزاق في مصنفه عن نافع قال: سمعته يقول: «صليت على عائشة والإمام يومئذ أبو هريرة» (6366) 3: 471 كتاب الجنائز، باب من أحق بالصلاة على الميت.

ص: 601

«وأبا سريحة أوصى به زيد بن أرقم فجاء عمرو بن حُريث ليتقدم وهو أمير الكوفة فقال ابنه: أيها الأمير إن أبي أوصى أن يصليَ عليه زيد بن أرقم. فقدم زيداً» .

ولأنه حقٌ للميت فقدم الوصي فيه كالغسل.

وأما كونه أولى الناس بتكفينه ودفنه فلأنهما في معنى الغسل والصلاة فوجب أن يثبت فيهما حكمهما بالقياس عليهما.

وأما كون الأب أولى ممن بعده في جميع ما ذكر غير الصلاة فلأنه يشارك الابن في العصوبة ويختص بفضل الحنو والشفقة.

وأما كون الجد أولى ممن بعده في ذلك فلمشاركة الأب في المعنى.

وأما كون الأقرب فالأقرب من عصباته أولى من ذوي أرحامه فلأن الأقرب من العصبة أولى (1) بالميراث فكذا فيما ذكر.

فعلى هذا يقدم بعد الأب والجد الابن ثم ابنه وإن نزل. ثم الأخ على ترتيب الميراث.

وأما كون ذوي أرحامه أولى من سائر الناس فلما ذُكر في العصبات.

وأما كون الأمير أحق بالصلاة على الميت بعد وصيه فلقوله عليه السلام: «لا يُؤَمّنَّ الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه» (2) رواه مسلم.

خرج منه الوصي لما تقدم فيبقى فيما عداه على مقتضاه.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الجنائز. ولم ينقل أنه كان يستأذن العصبات.

وروى أبو حازم قال: «شهدت حسيناً حين مات الحسن وهو يدفع في قفا سعيد بن العاص أمير المدينة ويقول: لولا السنة ما قدمتك» (3). وذلك ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1) في ب زيادة: فالأقرب أولى.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (673) 1: 465 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة.

(3)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6369) 3: 471 كتاب الجنائز، باب من أحق بالصلاة على الميت.

وأخرجه الطبراني في الكبير (2912) 3: 136 قال في المجمع: ورجاله موثقون.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 28 كتاب الجنائز، باب من قال: الوالي أحق بالصلاة على الميت من الولي.

ص: 602

وعن عمار مولى بني هاشم قال: «شهدت جنازة أم كُلثوم بنت علي، وزيد بن عمر فصلى عليهما سعيد بن العاص وخلفه ثمانون من الصحابة» (1) رواه الإمام أحمد.

والمراد بالأمير الإمام. فإن لم يكن فالوالي من قبله. فإن لم يكن فالحاكم.

قال: (وغسل المرأة أحق الناس به الأقرب فالأقرب من نسائها. ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه في أصح الروايتين. وكذلك السيد مع سُرِّيَتِه).

أما كون غسل المرأة أحق [الناس به](2) الأقرب فالأقرب من نسائها فلأن ذلك قد قُدم به في الرجل وكذا يجب أن يكون في المرأة.

فعلى هذا أم المرأة أولى بغسلها لأنها من النساء بمنزلة الأب. ثم جدتها لأنها من النساء بمنزلة الجد. ثم بنتها وإن نزلت لأنها من النساء بمنزلة [الابن وإن نزل. ثم أختها لأنها من النساء بمنزلة](3) الأخ. ثم الأقرب فالأقرب على ترتيب الميراث.

وأما كون كل واحد من الزوجين له غسل صاحبه في أصح الروايتين:

أما كون الزوج له ذلك في روايةٍ «فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: لو مِتِّ قبلي لغسّلتك» (4) رواه ابن ماجة.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3193) 3: 208 كتاب الجنائز، باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم.

وأخرجه النسائي في سننه (1978) 4: 71 كتاب الجنائز، اجتماع جنائز الرجال والنساء.

وأخرجه الدارقطني في سننه (13) 2: 79 كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر.

وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6337) 3: 465 كتاب الجنائز، باب كيف الصلاة على الرجال والنساء.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11568) 3: 8 كتاب الجنائز، في جنائز الرجال والنساء

ولم أره في أحمد. وكلهم لم يذكر العدد.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

(3)

ساقط من ب.

(4)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1465) 1: 470 كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها.

ص: 603

و «لأن علياً رضي الله عنه غسّل فاطمة رضي الله عنها» (1) ولم ينكره منكر فكان إجماعاً.

وأما كونه ليس له ذلك في روايةٍ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله إلى رجل ينظر إلى فرج امرأة وابنتها» (2). والزوج يجوز له العقد على بنت امرأته إذا ماتت قبل الدخول واستباحة النظر إلى فرجها. فيجب أن يحرم عليه النظر لئلا يكون ناظراً إلى فرج امرأة وابنتها.

ولأنها فرقة تبيح أختها وأربعاً سواها فوجب أن يحرم النظر واللمس كالمطلقة قبل الدخول.

وأما كون الرواية الأولى هي الصحيحة في المذهب فلما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة، وفعل علي رضي الله عنه، وعدم إنكار الصحابة.

وأما كون الزوجة لها ذلك في روايةٍ فلأن عائشة رضي الله عنها قالت: «لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غَسّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نِسَاؤه» (3).

و«لأن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس» (4).

و«غسلت امرأة أبي موسى زوجها» (5).

(1) أخرجه الدارقطني في سننه (12) 2: 79 كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 396 كتاب الجنائز، باب الرجل يغسل امرأته إذا ماتت.

(2)

أخرجه الدارقطني في سننه (92) 3: 268 كتاب النكاح، باب المهر.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (16228) 3: 469 كتاب النكاح، الرجل يقع على أم امرأته أو ابنة امرأته ما حال امرأته؟ . كلاهما موقوفان على عبدالله.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (3141) 3: 196 كتاب الجنائز، باب في ستر الميت عند غسله.

وأخرجه أحمد في مسنده (26349) 6: 267.

وأخرجه الشافعي في مسنده (570) 1: 206 صلاة الجنائز وأحكامها.

(4)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10976) 2: 456 كتاب الجنائز، في المرأة تغسل زوجها ألها ذلك؟ .

وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6119) 3: 409 كتاب الجنائز، باب المرأة تغسل الرجل.

ص: 604

قال ابن المنذر: أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم على أن للمرأة أن تغسل زوجها.

ولأن آثار النكاح من عدة الوفاة والإرث باقية فكذلك الغسل.

وأما كونها ليس لها ذلك في روايةٍ فلأن البينونة حصلت بالموت وزالت عصمة النكاح المبيحة للنظر واللمس فوجب أن لا يجوز لها غسل زوجها كالأجنبية.

وأما دعوى الإجماع فيبطلها وقوع الخلاف.

وأما العدة فهي من آثار الوطء والموت لا من أحكام النكاح.

وأما الإرث فإنه يعتمد الزوجية عند الموت لا عند الأخذ بخلاف الغسل فإنه يعتمد حل النظر عند فعله ولا سبب حينئذ يقتضي الحل.

وأما كون حكم السيد مع أمته كحكم الزوج مع زوجته فيما ذكر فلأنها فراش له ومملوكة. وحكم الملك في إباحة اللمس والنظر حكم الزوجة حال الحياة. بل بقاء الملك آكد لأنه يجب عليه تكفينها ومؤنة دفنها كما يجب عليه نفقتها وكسوتها حال الحياة بخلاف الزوجة.

قال: (وللرجل والمرأة غسل من له دون سبع سنين. وفي ابن السبع وجهان).

أما كون كل واحد من الرجل والمرأة له غسل من له دون سبع سنين ذكراً كان أو أنثى فلأن من له دون سبع سنين لا عورة له لما يأتي في النكاح.

ولذلك «لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسّله النساء» .

وقال ابن المنذر: أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم أن المرأة تغسل الصبي الصغير.

وأما كونه له غسل من له سبع في وجهٍ فلأنه فاقد أهليةِ فهم الخطاب وليس محلاً للشهوة فجاز لغير نوعه غسله كالطفل.

وأما كونه ليس له ذلك في وجهٍ فلأنه بلغ سناً يحصل له فيه التمييز أشبه من له فوق السبع. وقد نبه الشرع على الفرق بين من له سبع وبين من له دون ذلك حيث أمر الأولياء أن يأمروا ابن السبع بالصلاة فإنه قد جاء في الحديث: «مروهم بالصلاة

ص: 605

لسبع» (1). وإذا كان بينهما فرق وجب أن لا يجوز غسل ابن السبع لأن الجواز ثابت فيمن له دون ذلك فلو ثبت الجواز في ابن السبع لم يكن بينهما فرق.

وظاهر كلام المصنف رحمه الله أن من له أكثر من سبع لا يجوز لغير نوعه غسله قولاً واحداً. وهو صحيح صرح به صاحب النهاية فيها لأنه حينئذ يصير محلاً للشهوة، ويحرم النظر إلى عورته المغلظة، ويعتبر تخييره بين أبويه فلم يجز لغير نوعه غسله (2) كالبالغ.

قال: (وإن مات رجل بين نسوة، أو امرأة بين رجال، أو خنثى مشكل يُمِّم في أصح الروايتين، وفي الأخرى يصب عليه الماء من فوق القميص ولا يمس).

أما كون من مات بين غير نوعه ممن ذكر يُيَمم على الصحيح في المذهب فلما روى واثلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجال» (3) أخرجه تمام في فوائده.

ولأن النظر واللمس محرم في حق غير [ذي](4) المحرم في حال الحياة فكذلك بعد الممات.

وإذا حرم على من ذُكر النظر تعذر غسله له شرعاً ومن تعذر غسله فالتيمم قائم مقامه.

وأما كونه يُصب عليه الماء من فوق القميص ولا يمس على روايةٍ فلأنه أمكن الغسل مع ستر ما حرُم النظر إليه. وقد ورد للغسل في القميص أصل وهو «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل فيه» (5).

(1) أخرجه أبو داود في سننه (494) 1: 133 كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة.

(2)

ساقط من ب.

(3)

ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (42232) 15: 574 الباب الثاني في أمور قبل الدفن، الفصل الثاني في الغسل.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 398 كتاب الجنائز، باب المرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة، عن مكحول مرسلاً.

(4)

ساقط من ب.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (3141) 3: 196 كتاب الجنائز، باب في ستر الميت عند غسله.

وأخرجه أحمد في مسنده (26349) 6: 267.

وأخرجه الشافعي في مسنده (563) 1: 204 باب صلاة الجنائز وأحكامها.

ص: 606

قال: (ولا يُغسل مسلم كافراً ولا يدفنه إلا أن لا يجد من يواريه غيره).

أما كون المسلم لا يجوز أن يغسّل الكافر فلقوله تعالى: {لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم} [الممتحنة: 13]. وقوله: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة: 51]. وفي غسلهم (1) تول لهم.

وقال أبو حفص العكبري: يجوز ذلك. وحكاه قولاً لأحمد رضي الله عنه؛

لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الضال قد مات. قال: اذهب فواره» (2) رواه أبو داود.

واستدل الشافعي رحمه الله عليه بهذا الحديث وزاد فيه: «اذهب فغسله وكفنه وادفنه» (3).

وأما كونه لا يجوز له أن يدفنه إذا وجد من يواره غيره؛ فلما تقدم في الغسل.

ويجوز عند أبي حفص لما تقدم من قوله: «اذهب فواره» ومن قوله: «وادفنه (4» ).

وأما كونه يجوز له ذلك إذا لم يجد من يواره غيره؛ فـ «لأن قتلى بدر أُلقوا في القليب» (5).

(1) في ب: غسله.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3214) 3: 214 كتاب الجنائز، باب الرجل يموت له قرابة مشرك.

(3)

أخرجه الشافعي في مسنده (572) 1: 207 صلاة الجنائز وأحكامها.

(4)

في ب: فادفنه.

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه (498) 1: 194 أبواب سترة المصلي، باب المرأة تطرح عن المصلى شيئاً من الأذى.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1794) 3: 1418 كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين.

ص: 607

ولأنه يَتضرر بتركه ويتغير ببقائه.

وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه إذا لم يجد غيره يقوم بأمره إنما يجوز له مواراته دون غسله. وصرح به صاحب النهاية؛ لأن الحجة في ذلك رمي الكفار في القليب وخوف التأذي ببقائهم وكلاهما مفقود في الغسل.

قال: (وإذا أَخذ في غسله سَتر عورته وجرده. وقال القاضي: يغسله في قميص خفيف واسع الكمين).

أما كون الغاسل يستر عورة الميت ويجرده على غير قول القاضي؛ فلأن ذلك أمكنُ لتغسيله، وأبلغ في تطهيره.

ولأن الحي يستر عورته ويتجرد إذا اغتسل فالميت أولى.

ولأنه إذا غُسّل في ثوبه تنجس ثوبه بما يخرج منه. وقد لا يطهر بصب الماء عليه فيتنجس الميت به.

وأما كونه يُغسله في قميص خفيف واسع الكمين على قول القاضي فلما روت عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم غُسّل في قميصه» (1).

وقال سعد بن أبي وقاص: «اصنعوا لي كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم» (2).

والأول أولى لما ذكر.

وأما النبي صلى الله عليه وسلم فذلك كان خاصاً به. ألا ترى أنهم قالوا: «نجرده كما نجرد موتانا» (3) رواه أبو داود.

وقال ابن عبد البر: روي عن عائشة رضي الله عنها من وجه صحيح. وذَكر الحديث بطوله.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3141) 3: 196 كتاب الجنائز، باب في ستر الميت عند غسله.

وأخرجه أحمد في مسنده (25774) ط إحياء التراث.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (966) 2: 665 كتاب الجنائز، باب في اللحد ونصب اللبن على الميت.

(3)

سبق تخريجه في الحديث قبل السابق عن عائشة.

ص: 608

فظاهر هذا أن تجريد الميت فيما عدا العورة كان مستفيضاً فيما بينهم. ومثل هذا لم يكن ليخفى على النبي صلى الله عليه وسلم بل الظاهر أنه كان يأمر به لأنهم كانوا ينتهون إلى أمره في الشرعيات.

وأما سعد فإنه قال: «الحدوا لي لحداً، وانصبوا عليّ اللبن نصباً كما صُنع برسول الله صلى الله عليه وسلم» (1).

قال: (ويُستر الميت عن العيون ولا يحضره إلا من يعين في غسله).

أما كون الميت يُستر عن العيون فلأنه ربما كان به عيب يستره في حياته، وربما بدت عورته. قالت عائشة:«غسلنا بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم فأُمِرنا أن نجعل بينها وبين السقف ثوباً» .

ولأن الآدمي إذا مات صار جميعه بمنزلة العورة في الإكرام والاحترام ولهذا وجب ستره بالكفن.

وأما كونه لا يحضره إلا من يعين في غسله فلأنه لا حاجة إلى حضوره بخلاف من يعين الغاسل بصب [الماء](2) ونحوه.

قال: (ثم يرفع رأسه برفق إلى قريب من الجلوس، ويعصر بطنه عصراً رفيقاً، ويُكثر صب الماء حينئذ).

أما كون الغاسل يرفع رأس الميت إلى قريبٍ من الجلوس ويعصر بطنه حينئذ فليخرج ما في جوفه من فضلة مخافة أن يخرج ذلك بعد الغسل والتكفين فيفسده.

وأما كون ذلك برفق فلأن الميت في محل الشفقة والرحمة.

وأما كونه يكثر صب الماء حين يعصر بطنه فليذهب بما يخرج ولا تظهر رائحته.

(1) سبق تخريجه قريباً.

(2)

زيادة من ج.

ص: 609

قال: (ثم يلف على يده خرقة فينجيه. ولا يحل مس عورته. ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة).

أما كون الغاسل يلف على يده خرقة فينجي الميت بها فلأن في ذلك إزالة للنجاسة وطهارة للميت من غير تعدي النجاسة إلى الغاسل.

فإن قيل: ما صفة التنجية؟

قيل: أن يلف على يده خرقة ويغسل أحد الفرجين ثم ينحي الخرقة، ويأخذ أخرى ويغسل الفرج الآخر.

وذكر القاضي في المجرد أنه يكفي خرقة واحدة للفرجين، والأخرى لبقية بدنه.

وهو محمول على أن الخرقة كلما خرج عليها نجاسة غسلها المعاون وأعادها. وإلا فقد ذكر أصحابنا أن كل خرقة يخرج عليها شيء لا يعتد بها.

وأما كونه لا يحل مس عورة الميت فلأن رؤيتها حرام فلمسها بطريق الأولى.

وأما كونه يستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة فلأنه يأمن معه مس العورة المحرم مسها.

قال: (وينوي غسله ويسمي، ويدخل أصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما).

أما كون الغاسل ينوي غسل الميت ويسمي في غسله فلأن غسله طهارة يعتد بها فاشترط فيها النية والتسمية كغسل الجنابة.

وأما كونه يدخل أصبعيه مبلولتين بالماء كما ذكر المصنف رحمه الله فلأن في ذلك تحصيلاً لإزالة ما على تلك الأعضاء من الأذى. والأصبعان هاهنا السبابة والإبهام.

قال: (ويوضئه. ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه).

أما كون الغاسل يوضئ الميت فلما روت أم عطية أنها قالت: «لما غسّلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» (1) متفق عليه.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1197) 1: 423 كتاب الجنائز، باب يبدأ بميامن الميت.

وأخرجه مسلم في صحيحه (939) 2: 648 كتاب الجنائز، باب في غسل الميت.

وأخرجه أبو داود في سننه (3145) 3: 197 كتاب الجنائز، باب كيف غسل الميت.

وأخرجه الترمذي في جامعه (990) 3: 315 كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت.

وأخرجه النسائي في سننه (1884) 4: 30 كتاب الجنائز، ميامن الميت ومواضع الوضوء منه.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1459) 1: 469 كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت.

وأخرجه أحمد في مسنده (27341) 6: 408.

ص: 610

وأما كونه لا يُدخل الماء في فيه ولا أنفه إذا وضأه وإن كان ذلك من الوضوء في حق الحي على الصحيح من المذهب فلأنه إذا أدخل الماء فيهما لا يمكنه إخراجه فربما دخل بطنه ثم خرج فأفسد وضوءه.

قال: (ويضرب السدر. فيغسل برغوته رأسه ولحيته وسائر بدنه. ثم يغسل شقه الأيمن. ثم الأيسر. ثم يفيض الماء على جميع بدنه. يفعل ذلك ثلاثاً يمر في كل مرة يده. فإن لم ينق بالثلاث أو خرج منه شيء غسله إلى خمس. فإن زاد فإلى سبع. ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً).

أما كون الغاسل يضرب السدر فلتحصل له رغوة لأن الرغوة تزيل الدرن، ولا تتعلق بالشعر، وتزول بمجرد مرور الماء.

وأما كونه يغسل رأس الميت ولحيته وسائر بدنه «فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم: اغسلوه بماء وسدر» (1).

و«قال للنساء اللواتي غسّلن ابنته: اغسلنها بماء وسدر» (2).

وقال الخرقي: ويكون في كل المياه شيء من السدر.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1753) 2: 656 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب سنة المحرم إذا مات.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1206) 2: 866 كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1202) 1: 424 كتاب الجنائز، باب كيف الإشعار للميت.

وأخرجه مسلم في صحيحه (939) 2: 646 كتاب الجنائز، باب في غسل الميت.

ص: 611

وقال ابن حامد: الذي وَجدتُ عليه أصحابنا أنه يكون في الغسلة وزن درهم ونحوه من السدر فإذا كان كثيراً سلبه التطهير.

واختار القاضي وأبو الخطاب أن يغسله أول مرة بثَفَل السدر ثم يغسله بعد ذلك بالماء القراح؛ لأن الإمام أحمد رضي الله عنه شبه غسله بغسل الحياة.

ولأن السدر إن كان كثيراً سلبه الطهورية. واليسير لا يؤثر.

وينبغي أن يتخذ الغاسل ثلاثة آنية: كبير يجمع فيه الماء الذي يَغسل به الميت يكون بالبُعد منه، وإناءان صغيران يكون أحدهما بيد الغاسل يقلب به والآخر بيد المعاون يغترف به من الكبير ويقلب ما فيه في الذي بيد الغاسل. وإنما كان كذلك والله أعلم ليكون الكبير مصوناً فإذا فسد ما في الصغير من رشاش وغيره كان ما بقي في الكبير كافياً.

وأما كونه يبدأ بغسل شقه الأيمن ثم الأيسر فلقوله عليه السلام: «وابدأن بميامنها» (1) متفق عليه.

ولأن التيامن مسنون في غسل الحي فكذلك في غسل الميت.

وأما كونه يفيض الماء على جميع بدن الميت فليعم البدن بالغسل.

وأما كونه يفعل ذلك ثلاثاً فلأن في حديث النسوة اللاتي غسلن ابنته: «اغسلنها ثلاثاً» (2).

وأما كونه يمر يده في كل مرة. والمراد على بطنه فلأن فيه إخراجاً لما في بطنه وأمناً من فساد الغسل بما يخرج بعده (3).

وأما كونه يغسله إل خمس ثم إلى سبع إذا لم يَنْقَ بالثلاث «فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنسوة اللاتي غسلن ابنته: اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك» (4).

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

سيأتي تخريجه في الحديث التالي.

(3)

في ب: بعد.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (1200) 1: 424 كتاب الجنائز، باب يجعل الكافور في آخره.

وأخرجه مسلم في صحيحه (939) 2: 646 كتاب الجنائز، باب في غسل الميت.

ص: 612

وأما كونه يفعل ذلك إذا خرج منه نجاسة فلأن الخارج ينقض طُهر الحي. ولا طهر للميت سوى الغسل فوجب أن يبطله.

ولأن الغسل في حق الميت وجب لزوال العقل وفقد الحواس فجاز أن يبطل بما تبطل به الطهارة الصغرى بخلاف غسل الجنابة.

ولأنه وجب غسله بما لا يوجب الغسل فجاز أن يتأكد بوجوبه من الحدث لأنه ليس بممتنع أن يبطل الغسل بما لا يوجب الغسل كخلع الخف لا يوجب غسل الرجل وينقض الطهارة فيها.

وقال أبو الخطاب: لا يعاد غسله بل يَغسل موضع النجاسة ويُوضأ لأن حكم الحي كذلك فكذلك الميت.

والأول المذهب؛ لما ذكر.

وقد تقدم التنبيه على الفرق بين غسل الميت وغسل الحي.

ويؤيد إعادة الغسل عموم قوله عليه السلام: «اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك» (1). فإن الظاهر أنما قال ذلك من أجل توقع النجاسة.

وأما كونه يجعل الكافور في الغسلة الأخيرة فلأن في الحديث المذكور: «واجعلن في الأخيرة كافوراً» . وفائدة الكافور أنه يصلب الجسم ويطرد عنه الهوام بريحه.

قال: (والماء الحار والخلال والأشنان يستعمل إن احتيج إليه).

أما كون ما ذكر يستعمل إن احتيج إليه مثل أن يحتاج إلى الماء الحار لشدة البرد أو لإزالة وسخ لا يزول إلا به. أو إلى الأشنان لكثرة الوسخ. أو إلى الخلال لكون الوسخ لا يخرج إلا به فلأن إزالة الوسخ مطلوبة شرعاً وذلك وسيلة إليه.

وأما كونه لا يستعمل إن لم يحتج إليه مثل أن يكون الماء البارد ليس شديد البرد ويكون الحار يرخي بدن الميت ويكون الوسخ يمكن إزالته بغير الخلال كالدلك ونحوه فلأن ذلك لم ترد به السنة مع أنه لا حاجة إليه.

(1) سبق تخريجه في الحديث السابق.

ص: 613

والمستحب أن يكون الخلال حيث يحتاج إليه من شجرة لينة كالصفصاف ونحوه مما ينقي ولا يجرح.

قال: (ويُقص شاربه، ويقلم أظفاره، ولا يسرح شعره ولا لحيته. ويظفر شعر المرأة ثلاثة قرون، ويسدل من ورائها).

أما كون الميت يُقص شاربه ويُقلم أظفاره فلأن ذلك تنظيف يسن في الحياة فيسن بعد الموت قياساً على حال الحياة.

وينبغي أن يترك ذلك معه في القبر لأنه بعض أجزائه.

وأما كونه لا يسرح شعره ولا لحيته فلما روي عن عائشة رضي الله عنها «أنها رأت ميتاً يسرح شعره. فقالت: لم تنصون ميتكم؟ » (1) ذكره أبو عبيد في الغريب.

وهو مشتق من تسريح الناصية.

وروى الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لا يسرح شعر الميت» .

ولأنه لا يخلو من تمعيط وتقطيع.

واختار ابن حامد وأبو الخطاب في بعض تصانيفه التسريح لقوله عليه السلام: «افعلوا بموتاكم كما تصنعون بعرائسكم» (2).

وأما كون المرأة يظفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها؛ فلما روت أم عطية قالت: «ظفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها -تعني ابنة النبي صلى الله عليه وسلم» (3) متفق عليه.

(1) أخرجه أبو عبيد في الغريب 2: 352.

وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6232) 3: 437 كتاب الجنائز، باب شعر الميت وأظفاره.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 390 كتاب الجنائز، باب المريض يأخذ من أظفاره وعانته.

(2)

قال ابن حجر: هذا الحديث ذكره الغزالي في الوسيط بلفظ: «افعلوا بموتاكم ما تفعلون بأحيائكم» ، وتعقبه ابن الصلاح بقوله: بحثت عنه فلم أجده ثابتاً، وقال أبو شامة في كتاب السواك: هذا الحديث غير معروف، انتهى. تلخيص الحبير: 2: 218.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (1204) 1: 425 كتاب الجنائز، باب يلقي شعر المرأة خلفها.

وأخرجه مسلم في صحيحه (939) 2: 647 كتاب الجنائز، باب في غسل الميت.

ص: 614

قال: (ثم ينشفه بثوب. فإن خرج منه شيء بعد السبع حشاه بالقطن. فإن لم يستمسك فبالطين الحر. ثم يغسل المحل ويوضأ. وإن خرج منه شيء بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل).

أما كون الغاسل ينشف الميت بثوب؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما غسل وُشِّح (1) بثوب» .

ولأنه إذا لم ينشف تنشتر الرطوبة إلى أكفانه فيفسد بالبلل. وربما عفنت وأدى ذلك إلى فساد الميت.

وأما كونه يحشو مخرجه بقطن إذا خرج منه شيء بعد السبع؛ فلأن في ذلك منعاً لخروج النجاسة.

ولأن من تكرر خروج النجاسة منه يصير في معنى المستحاضة. وحشو القطن مشروع في حقها فكذلك يشرع فيما هو في معناها.

ولم يتعرض المصنف رحمه الله إلى أنه يلجم المحل بالقطن فإن لم يمتنع حشاه. وصرح به أبو الخطاب وصاحب النهاية فيها. وعلله بأن الحشو فيه توسيع المخرج ومباشرة له فلا يفعل إلا إذا اضطر إليه.

وفي كلام المصنف رحمه الله إشعار بأنه لا يعاد الغسل بعد السبع؛ لأنه قال: فإن خرج شيء بعد السبع حشاه بالقطن. وصرح بعدم الإعادة بعد السبع في المغني وصاحب النهاية فيها. وإنما لم يعد ذلك لما فيه من الحرج والمشقة.

ولأنه آخر العدد المذكور صريحاً في حديث أم عطية.

وأما كون ذلك يحشى بالطين الحر إذا لم يستمسك بالقطن؛ فلأنه أبلغ من القطن؛ لأنه صلب يمسك، ويمنع ما يصل إليه ويتصل به من نفوذ إلى خارج.

ومعنى الطين الحر الخالص.

وأما كون المحل يغسل فلإزالة النجاسة.

(1) في ج: وشجوه.

ص: 615

وأما كون الميت يوضأ فلأنه انتقضت طهارته بالخارج فيجب أن يعاد ليكون على وضوء.

وأما كونه لا يعاد إلى الغسل إذا خرج منه شيء بعد وضعه في أكفانه فلأنه لو أعيد لاحتيج إلى غسل الأكفان وتجفيفها ويتأخر دفنه وذلك عسر ومخالفة للسنة.

ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان الخروج بعد السبع أو بعد الثلاث لأن العلة المذكورة موجودة فيهما.

قال: (ويُغسل المحرم بماء وسدر، ولا يُلبس المخيط، ولا يُخمر رأسه، ولا يُقرب طيباً).

أما كون المحرم يغسل بماء وسدر فلما روى ابن عباس «أن محرماً وقصت به ناقته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر» (1).

وأما كونه لا يُلبس [المخيط](2) فلأنه محرم بدليل قوله في تكملة الحديث: «فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً» . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور: «وكفنوه في ثوبيه» .

وأما كونه لا يخمر رأسه ولا يقرب طيباً فلأن تكملة الحديث: «ولا تخمروا رأسه ولا تقربوه طيباً» متفق عليه.

ولأنه أثر عبادة ورد الشرع باستطابتها فوجب أن يدفن صاحبها على حاله كالشهيد.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1753) 2: 656 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب سنة المحرم إذا مات.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1206) 2: 866 كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات.

(2)

ساقط من ب.

ص: 616

قال: (والشهيد لا يُغسل إلا أن يكون جنباً بل ينزع عنه السلاح والجلود. ويزمل في ثيابه. وإن أحب كفنه بغيرها. ولا يصلى عليه في أصح الروايتين).

أما كون الشهيد لا يغسل إذا لم يكن جنباً فلأن ابن عباس رضي الله عنهما روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد أن ينزع عنهم الجلود والحديد ويدفنوا في ثيابهم [بدمائهم] (1» ) (2) رواه أبو داود وابن ماجة.

وفي حديث جابر: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد. ثم يقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد. وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة. وأمر بدفنهم في ثيابهم ولم يغسلهم ولم يصل عليهم» (3) رواه البخاري.

وأما كونه يغسل إذا كان جنباً «فلأن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال حنظلة بن الراهب! إني رأيت الملائكة تغسله. قالوا: إنه جامع أهله ثم سمع الهيعة فخرج فقُتل» (4). وذلك منهم على سبيل التعليم.

ولأنه غسل واجب فلا يسقط بالموت كغسل الجنابة.

وأما كونه ينزع عنه السلاح والجلود فلما تقدم في حديث ابن عباس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود.

وأما كونه يزمل في ثيابه فلأن في حديث ابن عباس: «ويدفنوا في ثيابهم» (5).

وأما كونه يكفن بغيرها إن أحب من يكفنه ذلك فلما روي «أن صفية

(1) زيادة من ج.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3134) 3: 195 كتاب الجنائز، باب في الشهيد يغسل.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1515) 1: 485 كتاب الجنائز، باب ما جاءفي الصلاة على الشهداء ودفنهم.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (1282) 1: 452 كتاب الجنائز، باب من يقدم في اللحد.

(4)

أخرجه الحاكم في المستدرك (4917) 3: 225 كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب حنظلة بن عبدالله.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 15 كتاب الجنائز، باب الجنب يستشهد في المعركة.

(5)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 617

أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن فيهما حمزة فكفنه في أحدهما. وكفن في الآخر رجلاً آخر» (1).

وأما كونه لا يصلى عليه في روايةٍ فلما تقدم في حديث جابر من «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل قتلى أحد ولم يصل عليهم» (2).

وأما كونه يصلى عليه في روايةٍ فـ «لأن ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد» (3).

والأولى أصح لأن حديث ابن عباس لا أصل له عند أصحاب الحديث. وعلى تقدير صحته فالجواب عنه من وجهين:

أحدهما: أنه يمكن الجمع بينه وبين حديث جابر فيحمل حديث ابن عباس على من مات في غير المعترك، أو على أن الصلاة كانت بمعنى الدعاء بخلاف حديث جابر فإنه لا يمكن حمله على ذلك.

الثاني: أن حديث جابر راجح من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن حديث جابر رواه جابر وأنس، وكانا شاهدين أحداً بخلاف ابن عباس.

الثاني: أن حديث جابر متفق على بعضه وهو ترك الغسل مختلف في استعمال بعضه فكان أولى مما هو مختلف في استعمال جميعه.

الثالث: أن حديث جابر ناقل لحكم الأصل مثبت لحكم متجدد، وخبر ابن عباس مبق لحكم الأصل فكان خبر جابر أولى.

(1) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6194) 3: 427 كتاب الجنائز، باب الكفن. عن ابن عباس.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1513) 1: 485 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم.

ص: 618

قال: (وإن سقط من دابته، أو وجد ميتاً ولا أثر به، أو حمل فأكل أو طال بقاؤه غُسل وصلي عليه).

أما كون من سقط من دابته فمات يغسل ويصلى عليه فلأن موته بسبب السقوط أشبه ما لو مات بذلك في غير المعركة.

ولأنه مات بغير قتل المشركين أشبه من مات على فراشه.

وأما كون من وجد ميتاً ولا أثر به يغسل ويصلى عليه فلأن غسل الميت والصلاة عليه واجبان وإنما تسقطهما الشهادة. وقد شككنا في حصولها. بل الظاهر أنه ليس بقتيل فلا يسقطان بمشكوك.

وأما كون من حمل فأكل أو طال بقاؤه يغسل ويصلى عليه فـ «لأن سعد بن معاذ أصابه سهم. فمات بعد ذلك. فغسله النبي صلى الله عليه وسلم وصلى عليه» .

وكذلك «عتبة بن ربيعة أصاب ساق ربيعة بن الحارث فحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمخ يسيل من ساقه. فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم مات فغسله وصلى عليه» .

قال: (ومن قُتل مظلوماً فهل يلحق بالشهيد؟ على روايتين).

أما كون من ذُكر لا يلحق بالشهيد فيما تقدم ذكره على روايةٍ فـ «لأن عمر وعثمان وعلياً والحسين قتلوا ظلماً وغسلوا وصلي عليهم» (1).

ولأنه ليس بشهيد المعركة أشبه المبطون.

وأما كونه يلحق به على روايةٍ فلقوله عليه السلام: «من قتل دون ماله فهو شهيد» (2).

(1) أخرج عبدالرزاق في مصنفه عن نافع قال: «كان عمر خير الشهداء فغسل وصلي عليه وكفن لأنه عاش بعد طعنه» كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد وغسله (6645) 3:544.

وأخرجه الشافعي في مسنده (564) 1: 204 باب صلاة الجنائز وأحكامها. بنحوه.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 17 كتاب الجنائز، باب المرتث والذي يقتل ظلماً في غير معترك الكفار

بنحوه.

وأخرج عبدالرزاق في مصنفه عن يحيى بن الجزار قال: «غسل علي وكفن وصلي عليه» كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد وغسله (6646) 3:544.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (4772) 4: 246 كتاب السنة، باب في قتال اللصوص.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1421) 4: 30 كتاب الديات، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ص: 619

ولأنه مقتول ظلماً أشبه الشهيد.

ولأنه يساوي شهيد المعركة في الشهادة فوجب أن يساويه فيما ذكر بالقياس عليه.

قال: (وإذا ولد السقط لأكثر من أربعة أشهر غسل وصلي عليه).

أما كون السقط إذا ولد لأكثر من أربعة الشهر يغسل فلأنه نسمة خرجت منه روح بعد ما كانت فيه أشبه من مات بعد ولادته.

ولأنه يصلى عليه لما يأتي فيغسل بالقياس عليه.

وأما كونه يصلى عليه فلما روى المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الطفل يصلى عليه» (1). قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وعن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «السقط يصلى عليه» (2) رواه أبو داود.

وإنما قُيد ذلك بأكثر من أربعة أشهر لأنه في آخر الأربعة ينفخ فيه الروح. بدليل ما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يمكث أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة. ثم أربعين يوماً علقة. ثم أربعين يوماً مضغة. ثم ينفخ فيه الروح ويأتيه ملكان فيكتبان رزقه وأجله وشقي هو أو سعيد» (3).

فإن قيل: الحديثان لا دلالة لهما على ذلك؟

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1031) 3: 349 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الأطفال.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3180) 3: 205 كتاب الجنائز، باب المشي أمام الجنازة.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (6221) 6: 2433 كتاب القدر، باب في الحوض.

وأخرجه مسلم في صحيحه (2643) 4: 2036 كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه

ص: 620

قيل: يجب حملهما عليه لأن الغسل والصلاة إنما شرعا على ميت، ومن لم ينفخ فيه الروح لا يوصف بالموت لأنه عبارة عن خروج الروح من الجسد وذلك مفقود فيمن لم ينفخ الروح فيه بعد.

قال: (ومن تعذر غسله يمم).

أما كون من تعذر غسله (1) ييمم؛ فلأن غسل الميت طهارة على البدن فقام التيمم عند العجز عنه مقامه كالجنابة.

وأما التعذر فكما إذا خيف تقطع الميت إذا غسل كالمجدور والمحترق ونحوهما.

قال: (وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسناً).

أما كون الغاسل عليه ستر ما ذكر؛ فلأن ذكر ذلك شَيْنٌ له وذلك لا يجوز في الحي ففي الميت أولى.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من غسل ميتاً وحنطه وكفنه وحمله وصلى عليه ولم يفش عليه ما رآه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (2) رواه الإمام أحمد بمعناه.

ولا بد أن يلحظ في هذا الستر اختصاصه بأهل السنة. وأما أهل البدع كالرافضي فالمستحب إظهاره لتجتنب طريقته وبدعته. ذكره ابن عقيل.

وأما كون الستر مقيداً بكونه ليس بحسن فلأنه لو كان حسناً لاستحب إظهاره لأن فيه ترغيبًا في طريقته والاقتداء بها.

(1) ساقط من ب.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (24954) 6: 122.

ص: 621

فصل في الكفن

قال المصنف رحمه الله: (يجب كفن الميت في ماله مقدماً على الدَين وغيره. فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته. إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته).

أما كون كفن الميت يجب في ماله؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم: «كفنوه في ثوبيه» (1).

وقوله في قتلى أحد: «ادفنوهم في ثيابهم بدمائهم» (2).

ولأن حاجة الميت مقدمة في ماله على ورثته بدليل قضاء دَينه.

وأما كونه مقدماً على الدَين فلأن المفلس تقدم كسوته على قضاء الدَين. فكذلك الميت.

وأما كونه مقدماً على غير الدَين فلأنه إذا قدم على الدَين فعلى غيره بطريق الأولى.

وأما كونه على من تلزمه نفقته غير الزوج إذا لم يكن للميت مال فلأنه تلزمه نفقته حياً لعجزه فلأن يجب عليه كفنه ميتاً بطريق الأولى لأن الميت أشد عجزاً.

وأما كون الزوج لا يلزمه كفن امرأته فلأن كسوة الحياة تجب بالزوجية والتمكن من الانتفاع. وقد انقطع ذلك بالموت وتعذر الانتفاع فيمتنع ما يجب بسببه. ودليل الانقطاع إباحة أختها وأربع سواها.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 622

قال: (ويستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض يبسط بعضها فوق بعض بعد تجميرها).

أما كون تكفين الرجل يستحب في ثلاث لفائف بيض من غير زيادة عليها ولا نقصان فلما روت عائشة رضي الله عنها قالت: «كُفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية. ليس فيها قميص ولا عمامة» (1) متفق عليه.

وأما كونها يبسط بعضها فوق بعض فلأن الحي هكذا يلبس الثياب.

وأما كونها تجمر فلأن ذلك مما يصنع بالعرائس وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعرائسكم» (2).

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثاً» (3) رواه أحمد.

ولأن هذا عادة الحي عند غسله وتجديد ثيابه فكذلك الميت.

قال: (ثم يوضع عليها مستلقياً، ويجعل الحنوط فيما بينها، ويجعل منه في قطن يجعل منه بين إليتيه، ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالتبان تجمع إليتيه ومثانته، ويجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده. وإن طيب جميع بدنه كان حسناً).

أما كون الميت يوضع على أكفانه مستلقياً فلأنه أمكنُ لإدراجه فيها.

وأما كون الحنوط يجعل فيما بينها فلأنه مشروع، ولا يجعل فوق الفوقاني «لأن عمر وابن عمر وأبا هريرة كرهوا ذلك» .

وعن الصديق أنه قال: «لا تجعلوا على أكفاني حنوطاً» .

فيتعين أن يكون بينها.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1321) 1: 467 كتاب الجنائز، باب موت يوم الاثنين.

وأخرجه مسلم في صحيحه (941) 2: 649 كتاب الجنائز، باب في كفن الميت.

(2)

سبق الحديث عنه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (14541) 3: 331.

ص: 623

وأما كون الحنوط يجعل بعضه في قطن فلأن القطن يحتاج إليه في مواضع يأتي ذكرها.

وأما كون بعض القطن يجعل بين إليتي الميت فلأن في ذلك منعاً لما يخرج إذا حُمِل وحُرِّك.

وأما كون ذلك يشد فوقه خرقة فلئلا يقع القطن.

وأما كون الخرقة مشقوقة الطرف فليجمع بين ما ذكر.

وصفة ذلك: أن يشق الغاسل طرفيها فيدخلها بين رجليه ويشد أطراف الخرقة بعضها إلى بعض فوق الوركين.

والتبان هو السراويل (1) بلا أكمام.

وأما كون الباقي من القطن يجعل على منافذ وجهه. وهي: عيناه ومنخراه وأذناه وفمه ومواضع سجوده وهي ركبتاه وجبهته ويداه وأطراف قدميه فلأن في جعل ذلك على المنافذ منعاً من دخول الهوام على مواضع السجود تشريفاً لها.

وأما كونه إذا طيب جميع بدنه يكون حسناً فـ «لأنه يروى عن أنس أنه لما مات طلي بالمسك من قرنه إلى قدمه» (2).

و«طلى ابن عمر ميتاً بالمسك» (3).

قال: (ثم يرد طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن، ويرد طرفها الآخر فوقه. ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك).

أما كون طرف اللفافة العليا ترد على شق الميت الأيمن، وطرفها الآخر يرد فوقه فلأن ذلك عادة في الأحياء في لبس الأقبية والفَرَجِيّات والأردية.

(1) في ب: وأما كون التبان فوق السراويل.

(2)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبدالله بن مبارك عن حميد عن أنس «أنه جعل في حنوطه صرة من مسك أو مسك فيه شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم» كتاب الجنائز، في المسك في الحنوط من رخص فيه (11031) 2:460.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11038) 2: 461 كتاب الجنائز، في المسك في الحنوط من رخص فيه.

ص: 624

وأما كون الثانية والثالثة يفعل بهما كالأولى فلأنهما في معناها.

قال: (ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه. ثم يعقدها. وتحل العقد في القبر. ولا يخرق الكفن).

أما كون ما عند رأس الميت يجعل أكثر مما عند رجليه فلأن كسوة الحي كذلك فكذا الميت.

وأما كون الأكفان تعقد فلئلا تنحل.

وأما كون العُقد تحل في القبر فلأن المخوف المذكور يزول فيه.

وأما كون الكفن لا يخرّق فلما فيه من تقبيح الكفن المأمور بتحسينه.

ولأن الحي يقبح أن يَتخذ قميصاً مخرقاً فكذلك الميت.

قال: (وإن كُفّن في قميص ومئزر ولفافة جاز. وتكفن المرأة في خمسة أثواب: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين. والواجب من ذلك ثوب يستر جميعه).

أما كون الرجل إذا كفن في قميص ومئزر ولفافة يجوز فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أَلبس عبدالله بن أبي قميصه لما مات» (1) رواه البخاري.

وعن عمرو بن العاص «أن الميت يؤزر ويقمص ويلف بالثالثة» .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما «أنه كفن في ثلاثة أثواب، ثوبين سحوليين وثوب كان يلبسه» (2).

ولأن هذا عادة الحي: القميص والسراويل والطيلسان.

وأما كون المرأة تكفن في خمسة أثواب فلما روت الثقفية قالت: «[كنت](3) فيمن غسل أمَّ كُلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحِقاء. ثم

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2846) 3: 1095 كتاب الجهاد والسير، باب الكسوة للأسارى.

(2)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6184) 3: 425 كتاب الجنائز، باب الكفن.

(3)

ساقط من ب.

ص: 625

الدرع. ثم الخمار. ثم الملحفة. ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر

مختصر» (1) رواه أبو داود.

والحِقاء: الإزار. وكذا فسره الإمام أحمد رحمة الله عليه.

وأما كون الواجب من ذلك في حق الميت رجلاً كان أو امرأة ثوباً يستر جميعه فلأن ذلك يكفي الحي البارز بين الناس فلأن يكفي الميت المستتر بالأرض بطريق الأولى.

ولأن الغرض ستره وذلك يحصل بالثوب الواحد.

وقال القاضي: لا يجزئ أقل من ثلاثة لأنه لو جاز واحد لم يجبر الورثة على أكثر منه.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3157) 3: 200 كتاب الجنائز، باب في كفن المرأة.

ص: 626

فصل في الصلاة على الميت

قال المصنف رحمه الله: (السنة أن يقوم الإمام عند رأس الرجل ووسط المرأة. ويقدم إلى الإمام أفضلهم. ويجعل وسط المرأة حذاء رأس الرجل. وقال القاضي: يسوي بين رؤوسهم).

أما كون السنة أن يقوم الإمام عند رأس الرجل ووسط المرأة فلما روى سمرة بن جندب قال: «صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها» (1) متفق عليه.

وروي «أن أنساً صلى على عبدالله بن عمير (2) فقام عند رأسه» (3).

و«صلى على امرأة فقام عند عجيزتها. فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة! هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي كصلاتك يكبر أربعاً ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال: نعم» (4). رواه أبو داود وابن ماجة بمعناه.

ولأن الرجل يخالف المرأة في موقفها مع الإمام فجاز أن يخالفها هنا.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1266) 1: 447 كتاب الجنائز، باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها.

وأخرجه مسلم في صحيحه (964) 2: 664 كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه.

(2)

في ب: عبدالله بن عمر.

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 33 كتاب الجنائز، باب الإمام يقف على الرجل عند رأسه وعلى المرأة عند عجيزتها.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (3194) 3: 208 كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1494) 1: 479 كتاب الجنائز، باب ما جاء في أين يقوم الإمام إذا صلى على الجنازة.

ص: 627

وأما كون أفضلهم يقدم إلى الإمام فلأن الفضيلة يستحق بها التقديم في الإمامة فكذلك هنا.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على ذلك بكونه كان يقدم في القبر أكثرهم قرآناً (1).

وأما كون وسط المرأة يجعل حذاء رأس الرجل على المذهب فلما ذكر من أن السنة أن يقف الإمام عند رأس الرجل ووسط المرأة.

وأما كونهم يسوي بين رؤوسهم على قول القاضي فـ «لأن أمَّ كُلثوم وابنها صلى عليهما أمير المدينة فسوى بين رؤوسهما» رواه سعيد في سننه.

ولأن المرأة تابع لا حكم لها.

وروي عن ابن عمر «أنه كان يسوي بين رؤوس الرجال والنساء» (2) رواه أبو حفص.

(1) سبق ذكره من حديث جابر رضي الله عنه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6348) 3: 467 كتاب الجنائز، باب أين توضع المرأة من الرجل.

ص: 628

قال: (ويكبر أربع تكبيرات: يقرأ في الأولى الفاتحة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية، ويدعو في الثالثة. فيقول: اللهم! اغفر لِحَيِّنا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا وأنت على كل شيء قدير. اللهم! من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة ومن توفيته منا فتوفه عليهما. اللهم! اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. وأبدله داراً خيراً من داره وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار وأفسح له في قبره ونور له فيه. وإن كان صبياً قال: اللهم! اجعله ذخراً لوالديه وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً. اللهم! ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم.

ويقف بعد الرابعة قليلاً. ويسلم تسليمة (1) واحدة عن يمينه. ويرفع يديه مع كل تكبيرة).

أما كون المصلي على الميت يكبر عليه أربعاً فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبّر على النجاشي أربعاً» (2) متفق عليه.

و«صلى على قبر امرأة دفنت ليلاً فكبر أربعاً» (3).

و«كبر على ابنه إبراهيم أربعاً، وكبر على البراء بن معرور أربعاً، وعلى ابن بيضاء أربعاً» .

فإن قيل: فقد روى زيد بن أرقم «أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر خمساً» (4).

(1) في ب: تسليماً.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1269) 1: 447 كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنازة أربعاً.

وأخرجه مسلم في صحيحه (952) 2: 657 كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة.

(3)

أخرجه الشافعي في مسنده (576) 1: 208 باب صلاة الجنائز وأحكامها.

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه (957) 2: 659 كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر.

وأخرجه أبو داود في سننه (3197) 3: 210 كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنازة.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1023) 3: 343 كتاب الجنائز، باب ما جاء في التكبير على الجنازة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1505) 1: 482 كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن كبر خمساً.

ص: 629

وروى عبدالله بن مسعود «كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً وخمساً وسبعاً فكبروا ما كبر الإمام» (1).

قيل: إنما اختار إمامنا أحمد الأربع لوجوه ثلاثة:

أحدها: أن رواة ذلك أكثر.

الثاني: أنه آخر الأمرين فكان ناسخاً لما تقدم.

الثالث: أن عمل الصحابة وإجماعهم عليه: أما العمل فـ «لأن أبا بكر كبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً، وكبر عمر رضي الله عنه على أبي بكر أربعاً، وكبر صهيب على عمر أربعاً، وكبر الحسن على علي أربعاً» (2).

وأما الإجماع فروى النخعي قال: اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته في التكبير على الجنائز: فقال قوم: ثلاثاً، وقوم أربعاً، وقوم خمساً، وقوم سبعاً. فجمع عمر الصحابة رضوان الله عليهم فأجمعوا على أنه يكبر عليه أربعاً.

وأما كونه يقرأ في الأولى ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية ويدعو للميت في الثالثة فلما روي عن مجاهد قال: «سألت ثمانية عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على الجنازة فكلهم يقول: كبر ثم اقرأ ثم كبر ثم صل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم كبر ثم ادع للميت ثم كبر» .

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11450) 2: 496 كتاب الجنائز، من كان يكبر على الجنازة خمساً. عن علقمة بن قيس «أنه قدم من الشام فقال لعبدالله: إني رأيت معاذ بن جبل وأصحابه بالشام يكبرون على الجنائز خمساً فوقتوا لنا وقتاً نتابعكم عليه، فأطرق عبدالله ساعة ثم قال: كبروا ما كبر إمامكم لا وقت ولا عدد».

وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6403) 3: 481 كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنازة. بنحوه.

(2)

أخرجه الدارقطني في سننه (5) 2: 71 كتاب الجنائز، باب مكان قبر آدم صلى الله عليه وسلم والتكبير عليه أربعاً.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (1423) 1: 542 كتاب الجنائز، كلاهما عن أنس رضي الله عنه.

ص: 630

وأما كونه يقرأ بالفاتحة فلما روى جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على الجنازة وقرأ بعد التكبيرة الأولى بأم القرآن» (1).

فإن قيل: ما صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟

قيل: كصفتها في التشهد لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم تلك الصفة حين سألوه عن صفة الصلاة عليه (2). وإن أتى بالصلاة على غير تلك الصفة أجزأ لأن القصد مطلق الصلاة.

وأما كونه يقول في الدعاء للميت كما ذكره المصنف رحمه الله: أما في حق غير الصبي فلأن ذلك مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أما قوله: اللهم! اغفر لِحَيِّنا إلى

وأنثانا فرواه أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال: اللهم! اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا» (3) حديث صحيح.

وأما قوله: اللهم! من أحييته منا

إلى فتوفه عليهما فروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد فيه: «اللهم! من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام» (4) رواه الترمذي وأبو داود.

(1) أخرجه الشافعي في مسنده (578) 1: 209 باب صلاة الجنائز وأحكامها.

(2)

وهو ما روى كعب بن عجرة قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا: قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» .

أخرجه البخاري في صحيحه (5996) 5: 2338 كتاب الدعوات باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه مسلم في صحيحه (406) 1: 305 كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد.

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (1024) 3: 343 كتاب الجنائز، باب ما يقول في الصلاة على الميت.

وأخرجه النسائي في سننه (1986) 4: 74 كتاب الجنائز، الدعاء.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (3201) 3: 211 كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1498) 1: 480 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة.

وأخرجه أحمد في مسنده (8795) 2: 368.

ص: 631

وأما قوله: اللهم! اغفر له

إلى عذاب النار فرواه عوف بن مالك قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه: اللهم! اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه. وأكرم نُزلَه وأوسع مُدخلَه واغسله بالماء والثلج والبرد. ونقِّه من الخطايا كما نقّيت الثوب الأبيض من الدنس. وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه. وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار. حتى تمنيت أن يكون أنا ذلك الميت» (1) رواه مسلم.

وأما في حق الصبي فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» (2) رواه أبو داود.

ولأنه لا ذنب له فلم يحتج إلى الاستغفار.

والقول المذكور من: اللهم! اجعله ذخراً لوالديه إلى وقه عذاب الجحيم لائق بحاله مناسب لما هو فيه فشرع ذكره مكان الاستغفار كالاستغفار في حق البالغ. والجامع بينهما مناسبة كل واحد منهما حال الميت والدعاء له بما يليق بحاله.

وأما كونه يقف بعد الرابعة قليلاً فلأن زيد بن أرقم روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعاً. ثم يقف ما شاء الله فكنت أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف» رواه الجوزجاني.

وكلام المصنف رحمه الله مشعر بأنه لا يشرع بعد الرابعة ذكر. وصرح به في المغني عن الإمام أحمد. وظاهر الحديث المذكور يدل عليه.

وحكى المصنف رحمه الله في المغني أيضاً عن الإمام أحمد رحمه الله رواية أخرى أنه يدعو لأنه يُروى عن عبدالله بن أبي أوفى «أنه صلى على ابنةٍ له فكبر أربعاً. ووقف بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو. ثم قال: هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم» (3) رواه الإمام أحمد.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (963) 2: 662 كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3180) 3: 205 كتاب الجنائز، باب المشي أمام الجنازة.

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (19163) 4: 356.

ص: 632

ولأنه قيام في صلاة فكان فيه ذكر مشروع كالذي قبله.

وصفته: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قاله أبو الخطاب؛ لأنه لائق بالمحل.

وأما كونه يسلم تسليمة واحدة فلما روى عطاء بن السائب «أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم على الجنازة تسليمة واحدة (1» ) (2). رواه الجوزجاني.

وروى أبو هريرة «أنه صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكبر أربعاً وسلم تسليمة واحدة» (3) رواه الدارقطني.

ولأنه تسليم من غير تشهد فلم يسن فيه التكرار كالتسليم على المسلم في غير الصلاة.

وقال القاضي: الواحدة جائزة. والأفضل اثنتان لما فيه من الخروج من الخلاف.

والأول أصح وأحسن لأن الأخبار في ذلك صحيحة فاتباعها والاقتداء بالسلف الصالح أولى.

وأما التسليمة الواحدة عن يمينه فلما روى ابن مسعود «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فسلم عن يمينه» رواه الإمام أحمد.

وأما كونه يرفع يديه مع كل تكبيرة فـ «لأن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه في تكبير الجنازة والعيد» (4).

ولأن تكبير الجنازة تكبير لا يتصل طرفه بسجود ولا بقعود فسن فيه الرفع كتكبيرة الإحرام.

(1) ساقط من ب.

(2)

أخرجه البيهقي في السن الكبرى 4: 43 كتاب الجنائز، باب ما روي في التحلل من صلاة الجنازة بتسليمة واحدة.

(3)

أخرجه الدارقطني في سننه (1) 2: 72 كتاب الجنائز، باب التسليم في الجنازة

(4)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 293 كتاب صلاة العيدين، باب رفع اليدين في تكبير العيد.

ص: 633

قال: (والواجب من ذلك القيام والتكبيرات والفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء للميت والسلام).

أما كون الواجب مما تقدم ذكره ما ذكره المصنف رحمه الله هنا: أما التكبيرات فلما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وإجماع الصحابة على ما ذكر في موضعه مبيناً.

وأما الفاتحة فلما روت أم شريك قالت: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بأم الكتاب» (1) رواه ابن ماجة.

و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها في الأولى» (2) وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (3).

ولأن صلاة الجنازة صلاة فلم يكن بد من قراءة الفاتحة فيها كالصلاة.

وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يصل على نبيه» (4).

وأما الدعاء فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء» (5) رواه أبو داود.

و«لأنه دعا له حين صلى عليه» (6). وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (7).

[ولأن الدعاء هو المقصود. فلا يجوز الإخلال به.

وأما وجوب السلام؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «تحليلها التسليم» (8)] (9).

(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (1496) 1: 479 كتاب الجنائز، باب ما جاء في القراءة على الجنازة.

(2)

كما سبق ذكره في حديث جابر ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (605) 1: 226 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر

(4)

أخرجه الدارقطني في سننه (5) 1: 355 كتاب الطهارة، باب ذكر وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (3199) 3: 210 كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1497) 1: 480 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة. كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

سبق ذكر أحاديث الدعاء للميت ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(7)

سبق تخريجه قريباً.

(8)

أخرجه أبو داود في سننه (618) 1: 165 كتاب الصلاة، باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة.

وأخرجه الترمذي في جامعه (3) 1: 8 أبواب الطهارة، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور. كلاهما من حديث علي رضي الله عنه.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (276) 1: 101 كتاب الطهارة وسننها، باب مفتاح الصلاة الطهور.

(9)

ساقط من ب.

ص: 634

ولم يذكر المصنف رحمه الله النية ولا القيام وهما واجبان وفاقاً: أما النية فلقوله عليه السلام: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى» (1).

ولقوله عليه السلام: «لا عمل إلا بالنية» (2).

وأما القيام؛ فلأنها فرض كفاية فيجب فيها القيام كالفريضة.

ولقوله عليه السلام: «صل قائماً» (3).

ولأنه صلى الله عليه وسلم «كان يصلي على الجنازة قائماً» (4).

وإنما لم يذكرهما المصنف رحمه الله هنا لظهورهما وقصد الاختصار. ولذلك صرح بهما في المغني.

وقد ألحق القيامَ بعضُ من أذن له المصنف رحمه الله في الإصلاح.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1) 1: 3 بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1907) 3: 1515 كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنية

».

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 41 كتاب الطهارة، باب الاستياك بالأصابع، ولفظه:«لا عمل لمن لا نية له» .

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (1066) 1: 376 أبواب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب.

(4)

سبق ذكر حديث سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها. ر ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 635

قال: (وإن كبر الإمام خمساً كبر بتكبيره. وعنه لا يتابع في زيادة على أربع. وعنه يتابع إلى سبع. ومن فاته شيء من التكبير قضاه على صفته. وقال الخرقي: يقضيه متتابعاً فإن سلم ولم يقضه فعلى روايتين).

أما كون المأموم يكبر بتكبير إمامه إذا كبر خمساً على روايةٍ فلأن زيد بن أرقم روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبرها» (1). ومن المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم ما فارقوه.

وأما كونه لا يتابع في زيادة على أربع على روايةٍ فلما تقدم من إجماع الصحابة على الأربع (2).

ولأن آخر أمري رسول الله صلى الله عليه وسلم الأربع. والعمل بالآخر متعين.

وأما كونه يتابع إلى سبع على روايةٍ فـ «لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر سبعاً» (3).

ولا يختلف المذهب أنه لا يتابعه فيما زاد على سبع لأن السنة لم ترد بالزيادة عليها.

ولا أنه يُسلم قبل إمامه إذا قلنا لا يتابع إمَامه فيما زاد على الواجب بل يقف حتى يسلم معه لأنها زيادة قول مختلف فيه فلم يجز له مفارقة إمامه إذا اشتغل به كالقنوت في الصبح.

فإن قيل: ما الصحيح من الروايات المذكورة؟

قيل: ظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه يتابع إلى خمس لما تقدم من تكبير زيد بن أرقم على الجنازة خمساً، وقوله:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها» (4) لأنه لا تعارض

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

ر ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11458) 2: 497 كتاب الجنائز، من كان يكبر على الجنازة سبعاً وتسعاً.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 37 كتاب الجنائز، باب ما يستدل به على أن أكثر الصحابة اجتمعوا على أربع

(4)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 636

بينه وبين ما ورد في تكبير الأربع لأن الجمع ممكن وهو أن فعل الأربع على وجهٍ المداومة يدل على الفضيلة وفعل الخمس يدل على الجواز وإذا ثبت جوازه وجب متابعة الإمام فيه.

وإنما لم يتابعه إلى سبع لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لم يثبت ثبوته في الأربع (1).

وقال ابن عقيل: المختار أنه لا يتابع فيما زاد على الأربع لأن إجماع الصحابة ناسخ لما تقدم. فلم يكن فعل الزائد على الأربع مشروعاً. وإذا لم يكن مشروعاً لم يتابعه فيه كما لو قنت الإمام في الركعة الأولى. ولذلك قال مالك رضي الله عنه: «قف حيث وقفت السنة» .

وأما كون من فاته شيء من التكبير يقضي ما فاته على صفته على المذهب فلقوله عليه السلام: «وما فاتكم فاقضوا» (2).

ولأن القضاء يحكي الأداء.

والمراد بالقضاء على الصفة القضاء بالتكبير والذكر المشروع في محله.

وأما كونه يقضي ذلك متتابعاً على قول الخرقي فلأنه ربما رُفِع الميت فتكون صلاة في حالة لا تكون فيها جنازة.

وأما كونه إذا سلم ولم يقض ما فاته تصح صلاته على روايةٍ فلما روت عائشة رضي الله عنها قالت: «يا رسول الله! إني أصلي على الجنازة ويخفى عليّ بعض التكبير. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما سمعت فكبري وما فاتك فلا قضاء عليك» .

ولأنها تكبيرات متوالية حال القيام فلم يجب قضاء ما فات منها كتكبيرات العيد.

وأما كونها لا تصح على روايةٍ فقياساً على سائر الصلوات.

(1) في ب: الخمس.

(2)

أخرجه النسائي في سننه (861) 2: 114 كتاب الإمامة، السعي إلى الصلاة.

ص: 637

قال: (ومن فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر إلى شهر. ويصلى على الغائب بالنية. فإن كان في أحد جانبي البلد لم يصل عليه بالنية في أصح الوجهين).

أما كون من فاتته الصلاة على الجنازة يصلي على القبر فلما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبر منبوذ فأمَّهم وصلوا خلفه. قال الشعبي: قلت لمن أخبرني: من حدثك بهذا؟ قال: ابن عباس» (1) رواه البخاري.

وروى سهل بن حنيف «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبرِ مسكينة دفنت ليلاً» (2).

وأما كونه يصلي على القبر إلى شهر فلأن أكثر ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد ما دفنت بشهر» (3) رواه الترمذي.

قال ابن عقيل: ليس في هذا الحديث دليل على أنه لا يصلي بعد شهر لأن ذلك وقع اتفاقاً. ولعله لو قدم بعد شهر كان يصلي.

ويمكن أن يجاب عنه بأن الجواز يعتمد دليلاً وُجد في الشهر فما دون فيبقى فيما عداه على الأصل.

وأما كون الغائب يصلى عليه بالنية فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي» (4) رواه مسلم.

وأما كونه لا يصلي عليه إذا كان في أحد جانبي البلد في وجهٍ فلأنه بُعْدٌ لا يمنع الحضور أشبه ما لو صلى في بيته على جنازة في المسجد. وهذا الوجه لأبي حفص البرمكي.

وأما كونه يصلي عليه في وجهٍ فلأن أحد جانبي البلد فيه بُعْدٌ تلحق به المشقة أشبه البلد الآخر. وهذا الوجه لابن حامد.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1271) 1: 448 كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر بعد ما يدفن.

(2)

أخرجه الشافعي في مسنده (577) 1: 209 باب صلاة الجنائز وأحكامها.

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (1038) 3: 356 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على القبر.

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه (952) 2: 657 كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة.

ص: 638

قال: (ولا يصلي الإمام على الغالّ ولا من قتل نفسه).

أما كون الإمام لا يصلي على الغالّ فـ «لأن رجلاً توفي يوم خيبر. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: صلوا على صاحبكم. فتغيرت وجوه القوم. فقال: إن صاحبكم غل من الغنيمة» (1) رواه الإمام أحمد. واحتج به.

فإن قيل: ما الغال؟

قيل: هو الذي يكتم غنيمته أو بعضها.

وأما كونه لا يصلي على من قتل نفسه فلما روى جابر بن سمرة قال: «أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه» (2) رواه مسلم.

وفي لفظ: «أن رجلاً قتل نفسه بمشاقص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فلا أصلي عليه» (3) رواه النسائي.

فإن قيل: ما المشاقص؟

قيل: جمع مشقص. وهو سهم له نصل عريض وليس بالطويل. قاله أبو عبيد.

وقال الجوهري: هو من النصال ما طال وعرض.

قال: (فإن وجد بعض الميت غسل وصلي عليه. وعنه لا يصلى على الجوارح).

أما كون ما وجد من الميت يغسل ويصلى عليه على المذهب فـ «لأن رجلاً من المشركين كان لا يميل على جانب من المسلمين إلا كسره فتحامل المسلمون عليه

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2710) 3: 68 كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول.

وأخرجه النسائي في سننه (1959) 4: 64 كتاب الجنائز، الصلاة على من غل.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2848) 2: 950 كتاب الجهاد، باب الغلول.

وأخرجه أحمد في مسنده (17072) 4: 114.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (978) 2: 672 كتاب الجنائز، باب ترك الصلاة على القاتل نفسه.

(3)

أخرجه النسائي في سننه (1964) 4: 66 كتاب الجنائز، ترك الصلاة على من قتل نفسه.

ص: 639

فظفروا به فوجدوا معه خُرجاً فيه رؤوس المسلمين فأمرهم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه بتغسيلها وتكفينها والصلاة عليها» (1).

و«صلى عمر رضي الله عنه على عظامٍ بالشام» (2).

وأما كون الجوارح لا يصلى عليها على روايةٍ فلأن يد الحي لو قطعت في حياته لم يصل عليها فكذلك جوارح الميت.

قال: (فإن اختلط من يصلى عليه بمن لا يصلى عليه صلى على الجميع ينوي من يصلى عليه).

أما كون المصلي يصلي على الجميع فلأن الصلاة على المسلم واجبة ولا يمكنه الخروج من العهدة إلا بذلك.

وأما كونه ينوي من يُصلى عليه. ومعناه: أن ينوي الصلاة على المسلمين من ذلك الجميع فلأن الصلاة على الكافر لا تجوز فلم يكن بد من نية من يصلى عليه.

قال: (ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد. وإن لم يحضره غير النساء صلين عليه).

أما كون الصلاة على الميت في المسجد لا بأس بها فلقول عائشة رضي الله عنها: «ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن بيضاء إلا في المسجد» (3) رواه مسلم.

وروي «[أن] (4) أبا بكر وعمر رضي الله عنهما صلي عليهما في المسجد» (5) رواه سعيد.

(1) لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن ثور عمن حدثه «أن أبا عبيدة صلى على رؤوس بالشام» (11899) 3: 40 كتاب الجنائز، في الصلاة على العظام وعلى الرؤوس.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 18 كتاب الجنائز، باب ما ورد في غسل بعض الأعضاء إذا وجد مقتولاً

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11902) 3: 41 كتاب الجنائز، في الصلاة على العظام وعلى الرؤوس.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (973) 2: 668 كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد.

(4)

ساقط من ب.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11966 - 11968) 3: 47 كتاب الجنائز، في الصلاة على الميت في المسجد من لم ير به بأساً.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 52 كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد.

ص: 640

وكان ذلك بمحضر من الصحابة فكان إجماعاً.

ولأنها صلاة فلم تكره في المسجد كسائر الصلوات.

وأما كون من لم يحضره غير النساء صلين عليه فلأن الصلاة على الميت فرض كفاية. وذلك لا يسقط بغير فعل أحد. ولا أحد موجود غير النساء فتعين فعله ضرورة الخروج عن عهدة الفرض.

ص: 641

فصل في حمل الميت ودفنه

قال المصنف رحمه الله: (يستحب التربيع في حمله. وهو: أن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة على كتفه اليمنى. ثم ينتقل إلى المؤخرة. ثم يضع قائمته اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى. ثم ينتقل إلى المؤخرة. وإن حمل بين العمودين فحسن).

أما كون التربيع في حمل الميت يستحب؛ فلقول ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا تبع أحدكم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربع ثم ليتطوع بعد أو ليذر فإنه من السنة» (1) رواه ابن ماجة وسعيد بن منصور في سننه.

وروى ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تبع جنازة فأخذ بجوانبها الأربع غفر الله له أربعين ذنباً كل ذنب منها كبيرة» (2).

وأما قول المصنف رحمه الله: وهو أن يضع

إلى قوله: المؤخرة الآخرة؛ فبيان لصفة التربيع. وفيها روايتان:

إحداهما: أنه كما ذكره هنا. وعلله في المغني بأنه أحد الجانبين فبدئ فيه بالمقدمة كالآخر.

وثانيهما: أنه ينتقل من الرجل إلى الرجل ثم يختم بالرأس لأن ابن عمر كذا كان يفعل. فروى النجاد بإسناده «كان ابن عمر يحمل الجنازة من قبل ميامنها: يبدأ باليد. ثم بالرجل. ثم بالرجل الأخرى. ثم باليد» (3).

(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (1478) 1: 474 كتاب الجنائز، باب ما جاء في شهود الجنائز.

(2)

لم أقف عليه هكذا. وقد ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حمل جوانب السرير الأربع كفر الله عنه أربعين كبيرة» 3: 26 كتاب الجنائز، باب حمل السرير. وقد عزاه إلى الطبراني في الأوسط وقال: فيه علي بن أبي سارة وهو ضعيف.

(3)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6516) 3: 512 كتاب الجنائز، باب صفة حمل النعش. عن جابر قال:«أخبرني من سمع ابن عمر يقول: أَبدأُ بالميامن، وكان هو يبدأ بيده ثم رجليه» .

وأخرج عن الأزدي قال: «رأيت ابن عمر في جنازة حمل بجوانب السرير الأربع قال: بدأ بميامنها ثم تنحى عنها، فكان منها بمنزلة مزجر الكلب» (6520) 3: 513.

وأخرجه ابن أبي شيبة (11277) 2: 480 كتاب الجنائز، بأي جوانب السرير يبدأ في الحمل. بنحوه.

ص: 642

وأما كون حمله بين العمودين حسناً؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين» .

«حمل سعد بن أبي وقاص عبدالرحمن بن عوف بين العمودين» (1).

و«حمل عثمان سرير أمه بين العمودين] (2) فلم يفارقه حتى وضع» .

و«حمل أبو هريرة سرير ابن أبي وقاص بين العمودين» .

و«حمل ابن عمر عبدالرحمن بن أبي بكر بين العمودين» (3).

فإن قيل: أيهما أفضل؟

قيل: التربيع لأن دليله قول معتضد بقول ابن مسعود وفعل ابن عمر فكان أولى من غيره.

ولأن الفعل المذكور يمكن حمله على الجواز والتربيع على الفضيلة لأنه مصرح فيه بالثواب الجزيل وذلك دليل الرجحان.

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 20 كتاب الجنازة، باب من حمل الجنازة فوضع السرير على كاهله بين العمودين المقدمين.

(2)

ساقط من ب.

(3)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن يوسف بن ماهك قال: «رأيت ابن عمر في جنازة واضعاً السرير على كاهله بين العمودين» (11182) 2: 473 كتاب الجنائز، في وضع الرجل عنقه فيما بين عودي السرير.

ص: 643

قال: (ويستحب الإسراع بها. ويكون المشاة أمامها، والركبان خلفها. ولا يجلس من تبعها حتى توضع. وإن جاءت وهو جالس لم يقم لها).

أما كون الإسراع بالجنازة يستحب فلقوله صلى الله عليه وسلم: «أسرعوا بالجنازة، [فإن تك صالحة] (1) فخيرٌ تُقدمونها إليه. وإن يكن غير ذلك، فشرٌ تَضعونَه عن رِقابكم» (2) متفق عليه.

وأما كون المشاة أمامها فلما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة» (3) رواه الإمام أحمد [وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة](4).

وأما كون الركبان خلفها فلما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الراكب خلف الجنازة

مختصر» (5) رواه الترمذي. وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ولأن سير الراكب أمامها يؤذي مُتّبعي الجنازة لأنه موضع المشاة.

فإن قيل: قوله عليه السلام: «والماشي حيث شاء منها» (6) مشكل لأنه إن حُمل على الجواز لزم أن يكون الراكب لا يجوز له ذلك لأنه عليه السلام فرق بينهما حيث قال: «الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها» ، وإن حُمل على الفضيلة لزم المساواة بين أمَام الجنازة وخلفها للماشي.

(1) ساقط من ب.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1252) 1: 442 كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (944) 2: 652 كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (3179) 3: 205 كتاب الجنائز، باب المشي أمام الجنازة.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1007) 3: 329 كتاب الجنائز، باب ما جاء في المشي أمام الجنازة.

وأخرجه النسائي في سننه (1944) 4: 56 كتاب الجنائز، مكان الماشي من الجنازة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1482) 1: 475 كتاب الجنائز، باب ماجاء في المشي أمام الجنازة.

وأخرجه أحمد في مسنده (4539) 2: 8.

(4)

زيادة من ج.

(5)

أخرجه الترمذي في جامعه (1031) 3: 349 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الأطفال.

(6)

هو تكملة للحديث السابق وقد سبق تخريجه.

ص: 644

قيل: يندفع ذلك بأن يحمل على الجواز الخالي عن الكراهة. وذلك لأن الماشي يجوز له المشي كيف شاء من غير كراهة. وأما الراكب فيتجه أن يقال يجوز له ذلك لكنه يكره له أن يكون أمامها لما فيه من إيذاء المشاة بدابته.

وأما كون من تبعها لا يجلس حتى توضع فلما روى أبو سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تبع جنازة فلا يجلس حتى توضع» (1) رواه البخاري.

وأما كون الجالس إذا جاءت لا يقوم لها فلقول علي رضي الله عنه: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد» (2) رواه مسلم.

وهذا ناسخ لما روى مسلم: «إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه» (3).

قال: (ويُدخل قبره من عند رجل القبر إن كان أسهل عليهم. ولا يسجى القبر إلا أن يكون لامرأة).

أما كون الميت يدخل قبره من عند رجل القبر إن كان يَسهل على من يدخله فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُل من قبل رأسه» (4).

وإنما يسل من قبل رأسه إذا كان قد أدخل من رجل القبر.

فإن قيل: لم اشترط المصنف رحمه الله السهولة؟

قيل: لأن في ضدها مشقة وضرراً وذلك منفي شرعاً.

وأما كون القبر لا يسجى إلا أن يكون لامرأة فلما روي عن علي رضي الله عنه: «أنه مر بقوم دفنوا ميتاً وبسطوا على قبره الثوب فجذبه. وقال: إنما يصنع هذا بالنساء» (5).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1248) 1: 441 كتاب الجنائز، باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (962) 2: 661 كتاب الجنائز، باب نسخ القيام للجنازة.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (958) 2: 660 كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة.

(4)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6469) 3: 499 كتاب الجنائز، باب من حيث يدخل الميت القبر.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 54 كتاب الجنائز، باب من قال: يسل الميت من قبل رجل القبر.

(5)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 54 كتاب الجنائز، باب ما روي في ستر القبر بثوب.

ص: 645

قال: (ويلحد له لحداً. وينصب عليه اللبن نصباً. ولا يدخله خشباً، ولا شيئاً مسته النار).

أما كون اللاحد للميت يلحد له لحداً وينصب عليه اللبن نصباً فلقول سعد بن أبي وقاص: «الحدوا لي لحداً وانصبوا عليّ اللبن نصباً كما صُنع برسول الله صلى الله عليه وسلم» (1) رواه مسلم.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «اللحد لنا والشق لغيرنا» (2) رواه أبو داود.

ومعنى اللحد: أنه إذا بلغ الحافر أرض القبر [حفر فيه مما يلي القبلة مكاناً يوضع فيه الميت.

ومعنى الشق: أن يحفر في أرض القبر] (3) شيئاً يضع الميت فيه ويسقفه عليه بشيء.

وأما كونه لا يُدخل القبر خشباً ولا شيئاً مسته النار فلأن إبراهيم قال: «كانوا يستحبون اللَّبِن ويكرهون الخشب والآجر» (4).

قال: (ويقول الذي يدخله (5): بسم الله وعلى ملة رسول الله. ويضعه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة).

أما كون من يُدخل الميت قبره يقول: بسم الله وعلى ملة رسول الله فلما روى ابن عمر رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل الميت القبر قال: بسم الله وعلى ملة رسول الله» (6).

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3208) 3: 213 كتاب الجنائز، باب في اللحد.

(3)

ساقط من ب.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11769) 3: 27 كتاب الجنائز، في تجصيص القبر والآجر يجعل له.

وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6386) 3: 477 كتاب الجنائز، باب اللحد.

(5)

في ب: يلحده.

(6)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1550) 1: 494 كتاب الجنائز، باب ما جاء في إدخال الميت القبر.

وأخرجه أحمد في مسنده (4812) 2: 27.

ص: 646

ويروى: «على سنة رسول الله» (1) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وأما كونه يضعه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة فلأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا دُفن.

وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «إذا جعلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الأرض» .

قال: (ويحثو التراب في القبر ثلاث حثيات. ويهال عليه التراب. ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنماً).

أما كون من حضر الدفن يحثو التراب في القبر ثلاثاً فلما روى جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه حثى ثلاث حثيات بيديه جميعاً على الميت» (2) رواه الشافعي في مسنده.

و«لأن علياً رضي الله عنه حثى على زيد بن المكفف ثلاثاً، وابن عباس حثى على زيد بن ثابت ثلاثاً» (3).

وينبغي أن يقول عند الأولى: {منها خلقناكم} . وعند الثانية: {وفيها نعيدكم} . وعند الثالثة: {ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه: 55].

وأما كون الميت يهال عليه التراب فلأن النبي صلى الله عليه وسلم فُعل به كذلك قالت عائشة رضي الله عنها: «ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي» (4) رواه الإمام أحمد.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3213) 3: 214 كتاب الجنائز، باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره. وقال: هذا لفظ مسلم.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1046) 3: 364 كتاب الجنائز، باب ما يقول إذا أدخل الميت القبر.

(2)

أخرجه الشافعي في مسنده (601) 216 باب صلاة الجنائز وأحكامها.

(3)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6479 - 6480) 3: 501 كتاب الجنائز، باب حثي التراب.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 410 كتاب الجنائز، باب إهالة التراب في القبر بالمساحي وبالأيدي.

(4)

أخرجه أحمد في مسنده (26392) 6: 274.

ص: 647

وقالت فاطمة رضي الله عنها: «كيف طابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب» (1) رواه البخاري.

وأما كون القبر يرفع عن الأرض قدر شبر فلما روى الساجي «أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض [قدر شبر] (2» ) (3).

ولأن بذلك يعلم أنه قبر فيتوقى ويُترحم عليه.

وأما كونه مسنماً فلما روى سفيان التمار «أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً» (4) رواه البخاري.

ولأن المسطح يشبه أبنية أهل الدنيا.

قال: (ويرش عليه الماء. ولا بأس بتطيينه. ويكره تجصيصه، والبناء، والكتابة عليه، والجلوس والوطء عليه، والاتكاء إليه).

أما كون القبر يرش عليه الماء فلما روى أبو رافع «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سَلَّ سعداً ورش على قبره ماء» (5) رواه ابن ماجة.

ولأن الماء يُلبدُه.

وأما كونه لا بأس بتطيينه فلما روى جعفر بن محمد عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر، وطين بطين أحمر من العرصة» (6).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4193) 4: 1619 كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.

(2)

ساقط من ب.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11744) 3: 25 كتاب الجنائز، فيمن كان يحب أن يرفع القبر. عن إبراهيم.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 410 كتاب الجنائز، باب لا يزاد في القبر على أكثر من ترابه لئلا يرتفع جداً. عن جابر.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (1325) 1: 468 كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

(5)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1551) 1: 495 كتاب الجنائز، باب ما جاء في إدخال الميت القبر.

(6)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 411 كتاب الجنائز، باب لا يزاد في القبر على أكثر من ترابه لئلا يرتفع جداً.

ص: 648

ولأن في تطيينه صيانة له عن الدوس.

والحديث الذي فيه النهي عن التطيين محمول على التطيين للتحسين جمعاً بين نهيه وبين تطيين قبره.

وأما كونه يكره تجصيصه والبناء والكتابة عليه والجلوس والوطء عليه والاتكاء إليه فلقول جابر: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبر وأن يبنى عليه وأن يقعد إليه» (1) رواه مسلم.

و[زاد](2) الترمذي: «وأن يكتب عليها وأن توطأ» (3).

و«رأى عليه السلام عمرو بن حزم متكئاً على قبر. فقال: لا تؤذ صاحب هذا القبر» (4) رواه الإمام أحمد.

قال: (ولا يدفن فيه اثنان إلا لضرورة. ويقدم الأفضل إلى القبلة. ويجعل بين كل اثنين حاجز من التراب).

أما كون القبر لا يدفن فيه اثنان إذا لم تكن ضرورة فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَدفن كل ميت في قبر. ثم فعل ذلك بعده السلف والخلف من الصحابة وغيرهم.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (970) 2: 667 كتاب الجنائز، النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه.

(2)

ساقط من ب.

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (1052) 3: 368 كتاب الجنائز، باب ما جاء في كراهية تجصيص القبور والكتابة عليها.

(4)

أخرجه أحمد في مسنده (27915) ط إحياء التراث.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (6502) 3: 681 كتاب معرفة الصحابة، ذكر عمارة بن حزم الأنصاري رضي الله عنه. الحديث سكت عنه الذهبي في التلخيص، قلت: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف.

ص: 649

وأما كونه يدفن فيه ذلك إذا كان ضرورة مثل كثرة الموتى وقلة من يدفنهم وخوف الفساد عليهم فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كثر القتلى يوم أحد كان يجمع بين الرجلين في القبر الواحد» (1).

وأما كون الأفضل يقدم إلى القبلة «فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في قتلى أحد: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد» (2).

وأما كون حاجز من تراب يجعل بين كل اثنين فليصير كل واحد منفرداً كأنه في قبر منفرد.

قال: (وإن وقع في القبر ما له قيمة نبش وأخذ. وإن كفن بثوب غصب أو بلع مال غيره غرم ذلك من تركته. وقيل ينبش ويؤخذ الكفن ويشق جوفه فيخرج).

أما كون القبر ينبش ويؤخذ ما وقع فيه مثل أن ينسى الحفار مسحاته أو من يدفنه خاتمه ونحوه؛ فلما روي عن المغيرة بن شعبة «أنه وضع خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: خاتمي. ففتح منه موضع فدخل وأخذه» .

ولأنه لا ضرر في أخذه ولا هتك لحرمة الميت فجاز إيصاله إلى مستحقه.

ولأن في تركه إضاعة للمال المنهي عنها.

وأما كون من كفن بثوب غصب أو بلع مال غيره يغرم ذلك من تركته على المذهب فلأن استحقاق العين يسقط عند تعذر الرجوع وينتقل إلى القيمة. والرجوع في العين هنا متعذر شرعاً لأن نبش الميت وشق جوفه مُثلةٌ منهي عنها. وإذا انتقل حق المال إلى القيمة استحق أخذها من التركة كما لو أتلف الميت شيئاً قبل موته.

وأما كون الميت ينبش ويؤخذ الكفن ويشق جوفه فيخرج ما فيه على قولٍ فلأن حق صاحبه متعلق بعينه ولم يرض بتركه فكان له ما ذكر كما لو دفن في أرض الغير بغير إذنه.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة .. من حديث جابر رضي الله عنه.

(2)

هو تكملة للحديث السابق.

ص: 650

قال: (وإن ماتت حامل لم يشق بطنها وتسطو عليه القوابل فيخرجنه. ويحتمل أن يشق بطنها إذا غلب على الظن أنه يحيى).

أما كون الحامل إذا ماتت لا يشق بطنها على المذهب فلأن الشق مُثْلةٌ متيقنة، وحياة الولد مظنونة موهومة. ثم إنه لو خرج حياً فالغالب المعتاد أنه لا يعيش.

وقد احتج الإمام أحمد رحمه الله عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: «كسر عظم الميت ككسر عظم الحي» (1) رواه أبو داود.

وأما كون القوابل يسطو على الحمل. ومعناه: أنهن يدخلن أيديهن في رحم الميتة فيخرجنه فلأن في ذلك إبقاء للولد من غير مُثلةٌ بأمه.

فإن قيل: قد تقدم أنه لا يعيش غالباً فإذا كان كذلك فلا حاجة إلى أن يسطو عليه القوابل؟

قيل: إنما يفعل ذلك إذا قويت الحركة وظهر انفتاح المخارج وأمارات الولادة وماتت في الطلق. وإلا فلا يتعرض لها.

وأما كونه يحتمل أن يشق بطنها إذا غلب على الظن أنه يحيى فلأنه تعارض حق الحي وحق الميت فكان حق الحي أولى.

قال: (فإن ماتت ذمية حامل من مسلم دفنت وحدها. ويجعل ظهرها إلى القبلة).

أما كون الذمية الحامل من مسلم تدفن وحدها فلأنها إن دفنت في مقابر المسلمين تأذوا بعذابها، وإن دفنت في مقابر أهل الذمة تأذى ولدها المحكوم بإسلامه بعذابهم.

وأما كون ظهرها يجعل إلى القبلة فلأن وجه الولد المحكوم بإسلامه إلى ظهرها فإذا جعل ظهرها إلى القبلة كان الولد مستقبلاً للقبلة.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3207) 3: 212 كتاب الجنائز، باب في الحفار يجد العظم هل يتنكب ذلك المكان.

ص: 651

قال: (ولا تكره القراءة على القبر في أصح الروايتين).

أما كون ما ذُكر لا يكره في الصحيح فلما روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من دخل المقابر فقرأ فيها سورة يس خُفف عنهم يومئذ وكان له بعددهم حسنات» (1).

وروت عائشة رضي الله عنها عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عندهما أو عنده سورة يس غفر لهما» (2) رواهما أبو بكر صاحب الخلال.

وأما كونه يكره في روايةٍ؛ فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر لا يقرأ فيها شيئاً من القرآن. فإن الشيطان يفر من بيت يقرأ فيه سورة البقرة» (3).

فلو كانت المقبرة يقرأ فيها القرآن لم يكن بينهما فرق.

قال: (وأي قربة فعلها وجعلها للميت المسلم: نفعه ذلك).

أما كون كل قربة فعلها الإنسان؛ من دعاء واستغفار وأداء واجب وصدقة وصلاة وصوم وحج وقراءة ونحو ذلك وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك: أما الدعاء والاستغفار وأداء الواجب؛ فبالإجماع وقد قال الله تعالى: {والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [الحشر: 10].

وقال تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد: 19].

ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة (4).

(1) ذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين 14: 289 وعزاه إلى عبدالعزيز صاحب الخلال.

(2)

ذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين 14: 272 وعزاه إلى أبي بكر الشيخ في الثواب والديلمي وابن النجار والرافع.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (780) 1: 539 كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد.

وأخرجه الترمذي في جامعه (2877) 5: 157 كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي.

وأخرجه أحمد في مسنده (8424) 2: 337.

(4)

عن أم سلمة قالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون. ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه» .

أخرجه مسلم في صحيحه (920) 2: 634 كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حُضر.

ص: 652

وأما الصدقة؛ فلأن سعد بن عبادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «أينفع أمي إن تصدقت عنها؟ قال: نعم» (1) رواه أبو داود.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة. وأن هشام بن العاص نحر حصته من ذلك خمسين. أفتجزئ عنه؟ فقال: إن أباك لو كان أقر بالتوحيد فصُمت عنه أو تصدقت بلغه ذلك» (2).

وعن أنس بن مالك «سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نتصدق عن موتانا ونحج فهل يصل إليهم ذلك؟ فقال: إنه ليصل إليهم ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدي إليه» .

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كان لي أبوان. كنت أبرهما في حياتهما. فكيف لي (3) أن أبرهما بعد موتهما؟ فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك. وأن تصوم لهما مع صومك. وأن تتصدق لهما مع صدقتك» (4).

وأما الصلاة فلأنها مذكورة (5) في حديث الرجل.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2882) 3: 118 كتاب الوصايا، باب ما جاء فيمن مات عن غير وصية يتصدق عنه.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2883) 3: 118 كتاب الوصايا، باب ما جاء فيمن مات عن غير وصية يتصدق عنه.

وأخرجه أحمد في مسنده (6665) طبعة إحياء التراث.

(3)

ساقط من ب.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (12083) 3: 62 كتاب الجنائز، ما يتبع الميت بعد موته. عن الحجاج بن دينار.

(5)

في الأصل: مذكور.

ص: 653

وأما الصوم فلأنه مذكور في حديث عمرو وأنس والرجل.

وأما الحج فلأنه مذكور في حديث أنس.

ولأن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت (1): «إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ فقال: أرأيت إن كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى» (2).

وأما قراءة القرآن؛ فلما تقدم من أنها لا تكره على القبر.

ولأنها قربة أشبهت سائر القرب.

وأما نحو ذلك؛ فبالقياس على ما تقدم.

فإن قيل: قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39] تنفي ما ذُكر لأنه ليس من سعيه. وقوله تعالى: {لها ما كسبت} [البقرة: 286] كذلك لأنه ليس من كسبه. وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، وعلمٍ ينتفع به، وولدٍ صالح يدعو له» (3) كذلك؛ لأنه ليس أحد الأمور الثلاثة؟

قيل: أما الأول فالجواب عنه من وجوه:

أحدها: أن ذلك في صحف إبراهيم وموسى.

ولذلك قال عكرمة: هذا في حقهم خاصة بخلاف شرعنا. واستدل على ذلك بحديث الخثعمية (4).

(1) في الأصل: فقال.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1442) 2: 551 كتاب الحج، باب وجوب الحج وفضله.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1334) 2: 973 كتاب الحج، باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (1631) 3: 1255 كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته.

وأخرجه أبو داود في سننه (2880) 3: 117 كتاب الوصايا، باب ما جاء في الصدقة عن الميت.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1376) 3: 492 كتاب الأحكام، باب في الوقف.

وأخرجه أحمد في مسنده (8831) 2: 372.

(4)

سبق ذكره في الحديث قبل السابق.

ص: 654

وثانيها: أنها منسوخة بقوله تعالى: {والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء} [الطور: 21]. روى ذلك ابن عباس.

وثالثها: أنه مختص بالكافر أي ليس له من الجزاء إلا جزاء سعيه يُوفّاه في الدنيا وماله في الآخرة من نصيب. ذكره الثعلبي في تفسيره.

ورابعها: أن معنى {ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39] عدلاً. وله ما سعى وسعى غيره وصلاً.

وخامسها: أن اللام بمعنى على. ونحوه قوله تعالى: {أولئك لهم اللعنة} [الرعد: 25] أي عليهم. وقوله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196] أي على من لم يكن أهل.

وأما الثاني وهو قوله: {لها ما كسبت} [البقرة: 286] فإنما تدل على نفي ما تقدم بالمفهوم. وما تقدم من الأدلة منطوق. والمنطوق راجح على المفهوم.

على أن فعل القربة من الغير لا يخلو من نوع كسب ولو مودة الإسلام.

وأما الثالث: وهو قوله: «انقطع عمله» فالكلام في عمل غيره لا في عمله.

وأما قول المصنف رحمه الله: وجعل ثوابها للميت المسلم؛ فمشعر بأمرين:

أحدهما: أنه إذا جعلها للحي لا ينفعه ذلك. ووجهه: أن العجز في الحج ونحوه مصحح للنيابة فليكن ما ذكر كذلك.

وقال صاحب النهاية فيها: المنقول عن أحمد أنه لا فرق بين الحي والميت؛ لأن المعنى فيهما واحد.

ولعل المصنف رحمه الله إنما ذكر الميت؛ لأن أكثر الأدلة المتقدمة فيه.

ولأن حاجته إلى الثواب أكثر من الحي لا أن ذلك شرطٌ فيه.

ص: 655

وثانيهما: أنه إذا جعلها لغير المسلم لا تنفعه. وهو صحيح. وقد تقدم ذلك في حديث عمرو من قوله صلى الله عليه وسلم: «إن أباك لو كان أقر بالتوحيد بلغه ذلك» (1).

قال: (ويستحب أن يُصلَحَ لأهل الميت طعام يبعث به إليهم، ولا يُصلحون هم طعاماً للناس).

أما كون أن يُصْلَحَ لأهل الميت طعام يُبعث إليهم فلقوله عليه السلام: «اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد جاءهم (2) أمر شغلهم» (3) رواه الترمذي وابن ماجة وأبو داود.

وأما كون أهل الميت لا يُصلحون طعاماً للناس فلأنهم في شغل بمصابهم.

ولأنه زيادة عليهم في مصيبتهم.

ولما قَدِم جرير على عمر قال: «هل يناح على ميتكم؟ قال: لا. قال: فهل يجتمعون الناس عند الميت ويجعلون الطعام؟ قال: تلك النياحة» (4).

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في ب: جاء.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (3132) 3: 195 كتاب الجنائز، باب صنعة الطعام لأهل الميت.

وأخرجه الترمذي في جامعه (998) 3: 323 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1610) 1: 514 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11349) 2: 487 كتاب الجنائز، ما قالوا في الإطعام عليه والنياحة.

ص: 656

فصل [في زيارة القبور]

قال المصنف رحمه الله: (ويستحب للرجال زيارة القبور. وهل تكره للنساء؟ على روايتين).

أما كون زيارة القبور تستحب للرجال فلقوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها. فإنها تذكركم الموت» (1) رواه مسلم.

وأما كونها تكره للنساء على روايةٍ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله زوّارات القبور» (2) رواه الترمذي. وقال: حديث صحيح.

ولأن المرأة قليلة الصبر فلا يؤمن تهيج حزنها برؤية قبور الأحبة فيحملها على فعل ما لا يحل لها فعله بخلاف الرجل.

وأما كونها لا تكره على روايةٍ فلعموم ما تقدم.

و«لأن عائشة رضي الله زارت قبر أخيها عبدالرحمن» (3) رواه الترمذي.

قال: (ويقول إذا زارها أو مر بها: سلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون. ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين. نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم! لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم).

أما كون من زار القبور أو مر بها يقول: سلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، ونسأل الله لنا ولكم العافية فـ «لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1977) 3: 1563 كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث

(2)

أخرجه الترمذي في جامعه (320) 2: 136 أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجداً.

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (1055) 3: 371 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور.

ص: 657

يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر. فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية» (1) رواه مسلم.

وأما كونه يقول: ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين فلأن عائشة روت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك (2).

وأما كونه يقول: اللهم! لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك (3). رواه أحمد.

وأما كونه يطلب المغفرة؛ فلأن في حديث آخر: «يغفر الله لنا ولكم» (4).

قال: (ويستحب تعزية أهل الميت. ويكره الجلوس لها. ويقول في تعزية المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك. وفي تعزيته عن كافر: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك. وفي تعزية الكافر بالمسلم: أحسن الله عزاءك وغفر لميتك. وفي تعزيته عن كافر: أخلف الله عليك ولا نقص عددك).

أما كون تعزية أهل الميت تستحب فلما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عزى (5) مصاباً فله مثل أجره» (6) رواه الترمذي وهو غريب.

وروى عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مؤمن يُعزِّي أخاه إلا كساهُ الله من حُلَلِ الكرامةِ يومَ القيامة» (7) رواه ابن ماجة.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (975) 2: 671 كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (974) 2: 670 كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها.

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (24469) 6: 71.

(4)

أخرجه الترمذي في جامعه (1053) 3: 369 كتاب الجنائز، باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر.

(5)

في ب: عز.

(6)

أخرجه الترمذي في جامعه (1073) 3: 385 كتاب الجنائز، باب ما جاء في أجر من عزى مصاباً.

(7)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1601) 1: 511 كتاب الجنائز، باب ما جاء في ثواب من عزى مصاباً. قال في الزوائد: في إسناده قيس أبو عمارة، ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الذهبي في الكاشف: ثقة. وقال البخاري: فيه نظر. وباقي رجاله على شرط مسلم.

ص: 658

وأما كون الجلوس لها يكره فلأنه محدَث. مع ما فيه من تهيج الحزن.

وأما كون المعزي يقول: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك في تعزية المسلم بالمسلم. وأعظم الله أجرك وأحسن عزاءك في تعزية المسلم بالكافر. وأحسن الله عزاءك وغفر لميتك في تعزية الكافر بالمسلم. وأخلف الله عليك ولا نقص عددك في تعزية الكافر بالكافر فلأنه لائق بحال الميت والمصاب.

وقد ورد شيء في ذلك لم يذكره المصنف رحمه الله هنا وذكره في المغني وهو «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي سُمع صوتٌ من ناحية البيت: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته. إن في الله عَزاءً من كل مصيبة. وخلفاً من كل هالك. ودركاً من كل فائت. فبالله فثقوا وإياه فارجُوا. فإن المصَاب من حُرم الثواب» (1) رواه الشافعي.

فقيل: إنه الخضر عليه السلام جاء يعزي زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي كلام المصنف رحمه الله إشعار بأنه يجوز للمسلم تعزية الكافر.

وسئل الإمام أحمد (2) رحمة الله عليه عن ذلك فتوقف.

وفي ذلك وجه حمله الأصحاب رحمهم الله على جواز عيادته. وفيها روايتان.

أما كون التعزية تحمل على العيادة فلأنها في معناها.

ولأنه إذا جاز أن يقصده في بيته لعيادته فلا يجوز أن (3) يُعزى بطريق الأولى.

وأما كون العيادة تجوز في روايةٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهودياً كان يحضر في حوائجه وقال: كيف تجدك» وفي لفظ: «كيف أنت يا يهودي» (4).

(1) أخرجه الشافعي في مسنده (600) 1: 216 كتاب الصلاة، باب صلاة الجنائز وأحكامها.

(2)

ساقط من ب.

(3)

ساقط من ب.

(4)

ذكره الهندي في كنز العمال (25701) 9: 210 حق عيادة المريض.

ص: 659

و «عاد نصرانياً فقال: كيف أنت يا (1) نصراني» (2).

ولأن في ذلك تأليفاً للإسلام.

وأما كونها لا تجوز في روايةٍ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبدؤهم بالسلام وألجؤهم إلى أضيق الطرق» (3). فلأن لا يعاد بطريق الأولى.

قال: (ويجوز البكاء على الميت. وأن يجعل المصاب على رأسه ثوباً يعرف به).

أما كون البكاء على الميت يجوز فلما روى أنس قال: «شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر. فرأيت عينيه تدمعان» (4).

و«قَبّل عثمانَ بن مظعون وهو ميت ورفع رأسه وعيناه تهراقان» (5).

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم» (6) متفق عليه.

و«دخل عليه السلام على ابنه إبراهيم وهو يجُودُ بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان. فقال له عبدالرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله! فقال: يا ابن عوف إنها رحمة. ثم أتبعها بأخرى، فقال: إن العين تدمع (7) والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون» (8) رواه البخاري.

(1) ساقط من ب.

(2)

ذكره الهندي في الموضع السابق.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (5205) 4: 352 كتاب الأدب، باب في السلام على أهل الذمة.

وأخرجه الترمذي في جامعه (2700) 5: 60 كتاب الاستئذان، باب ما جاء في التسليم على أهل الذمة. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (1277) 1: 450 كتاب الجنائز، باب من يدخل قبر المرأة.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (3163) 3: 201 كتاب الجنائز، باب في تقبيل الميت.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1456) 1: 468 كتاب الجنائز، باب ما جاء في تقبيل الميت.

(6)

أخرجه البخاري في صحيحه (1242) 1: 439 كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض.

وأخرجه مسلم في صحيحه (924) 2: 636 كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت.

(7)

ساقط من ب.

(8)

أخرجه البخاري في صحيحه (1241) 1: 439 كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنا بك لمحزونون» .

ص: 660

وأما كون المصاب يجوز أن يجعل على رأسه ثوباً يعرف به فلأن التعزية سنة وذلك وسيلة إليها. فإذا لم يكن سنة فلا أقل من أن يكون جائزاً. بيان أنه وسيلة إلى التعزية أنه إذا وضع عليه ما يعرف الناس به أنه هو المصاب عرفه الناس فعزَّوه.

قال: (ولا يجوز الندب. ولا النياحة. ولا شق الثياب، ولطم الخدود، وما أشبه ذلك).

أما كون الندب والنياحة. ومعناهما: أن يقول المصاب: وا رَجُلاه وا سيداه وما أشبه ذلك من تعديد محاسن الميت لا يجوزان فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة» (1) متفق عليه.

وهي التي ترفع صوتها عند المصيبة.

وعنه عليه السلام: «نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة وخمش وجوه وشق جيوب

مختصر» (2). قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وعن عمر: «ما على نساء بني المغيرة أن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نَقْعٌ، ولا لَقْلَقَة» (3).

قال أبو عبيد: اللقلقة رفع الصوت، والنَّقْع التراب يوضع على الرأس.

وجاء في تفسير قوله تعالى: {ولا يعصينك في معروف} [الممتحنه: 12] أنه النوح.

وقالت أم عطية رضي الله عنها: «أَخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا ننوح» (4) متفق عليه.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1234) 1: 436 كتاب الجنائز، باب ما ينهي من الحلق عند المصيبة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (104) 1: 100 كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود

(2)

أخرجه الترمذي في جامعه (1005) 3: 328 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت.

(3)

ذكره البخاري تعليقاً في صحيحه 1: 434 كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11342) 2: 486 كتاب الجنائز، ما ينهى عنه مما يصنع على الميت من الصياح وشق الجيوب. عن شقيق.

وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6685) 3: 558 كتاب الجنائز، باب الصبر والبكاء والنياحة. عن أبي وائل.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (1244) 1: 440 كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن النوح والبكاء والزجر عن ذلك.

وأخرجه مسلم في صحيحه (936) 2: 645 كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة.

ص: 661

وأما كون شق الثياب ولطم الخدود وما أشبه ذلك لا يجوز؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعى بدعوى الجاهلية» (1) متفق عليه.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1232) 1: 435 كتاب الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب.

وأخرجه مسلم في صحيحه (103) 1: 99 كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود

ص: 662