المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الغصب الغصب حرامٌ بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٣

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب إحياء المَوَات

- ‌باب الجُعالة

- ‌باب اللقطة

- ‌باب اللقيط

- ‌كتاب الوقف

- ‌باب الهبة والعطية

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب ميراث ذوي الفروض

- ‌باب العصبات

- ‌باب أصول المسائل

- ‌باب تصحيح المسائل

- ‌باب المناسخات

- ‌باب قسمة التركات

- ‌باب ذوي الأرحام

- ‌باب ميراث الحمل

- ‌باب ميراث المفقود

- ‌باب ميراث الخنثى

- ‌باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم

- ‌باب ميراث أهل الملل

- ‌باب ميراث المطلقة

- ‌باب الإقرار بمشارك في الميراث

- ‌باب ميراث القاتل

- ‌باب ميراث المعتق بعضه

- ‌باب الولاء

- ‌كتاب العتق

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب أحكام أمهات الأولاد

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب أركان النكاح وشروطه

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب الشروط في النكاح

- ‌باب حكم العيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء

- ‌كتاب الخلع

- ‌نهاية السقط من المطبوعة

الفصل: ‌ ‌كتاب الغصب الغصب حرامٌ بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى:

‌كتاب الغصب

الغصب حرامٌ بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتُدْلُوا بها إلى الحُكّامِ لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم} [البقرة: 188].

وأما السنة فما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: «إن دماءَكمْ وأموالَكُمْ حرامٌ كحرمةِ يومكمْ هذا، في شهركمْ هذا، في بلدكمْ هذا» (1) رواه مسلم (2).

وعن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «منْ أخذَ شِبراً من الأرضِ ظُلماً طُوِّقَهُ من سَبعِ أَرضين» (3) متفق عليه.

وقال عليه السلام: «لا يحل مال امرئ مسلمٍ إلا عن طيبِ نفسه» (4) رواه ابن ماجة والدارقطني والجوزجاني.

وأما الإجماع فأجمع المسلمون على تحريمه.

قال المصنف رحمه الله: (وهو: الاستيلاء على مال الغير قهراً بغير حق. وتُضمن أم الولد والعقار بالغصب. وعنه: ما يدل على أن العقار لا يضمن بالغصب).

أما قول المصنف رحمه الله: وهو الاستيلاء على مال الغير قهراً بغير حق؛ فبيان لمعنى الغصب شرعاً.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1654) 2: 620 كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى. عن أبي بكرة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

ساقط من هـ.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (3026) 3: 1168 كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1610) 3: 1231 كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها.

(4)

أخرجه أحمد في مسنده (20714) 5: 72.

وأخرجه الدارقطني في سننه (92) 3: 26 كتاب البيوع. كلاهما عن أبي حرة الرقاشي عن عمه. ولم أره في ابن ماجة.

ص: 18

وأما كون أم الولد تضمن بالغصب؛ فلأنها تجري مجرى المال. بدليل أنها تضمن بالقيمة في الإتلاف.

ولأنها مملوكة. أشبهت المدبرة.

وأما كون العقار يضمن بالغصب على المذهب؛ فلقوله عليه السلام في بعض ألفاظ الحديث: «من غصبَ شبراً من أرض طُوِّقَه يوم القيامة من سبع أرضين» (1). أخبر أنه غصب.

ولأن ما يضمن في الإتلاف يجب أن يضمن في الغصب؛ كالمنقول.

وأما كونه لا يضمن بالغصب على رواية؛ فلأنه لا يوجد فيه النقل والتحويل. فلم يضمن؛ كما لو حال بينه وبين متاعه فتلف المتاع.

ولأن الغصب إثبات اليد على المال تزول به يد المالك، ولا يمكن ذلك في العقار.

والأول أصح؛ لما ذكر.

قال: (وإن غصب كلباً فيه نفع، أو خمر ذِمِّي: لزمه رده. وإن أتلفه لم تلزمه قيمته. وإن غصب جلد ميتة فهل يلزمه رده؟ على وجهين. فإن دبغه وقلنا بطهارته لزمه رده).

أما كون الغاصب يلزمه رد الكلب ذي النفع؛ فلأنه يجوز اقتناؤه والانتفاع به. فلزم رده؛ كسائر الأموال المنتفَع بها.

وأما كونه يلزمه رد خَمْر الذمي؛ فلأنه يُقَرُّ على شربها.

ولأنها مالٌ عنده. فلزم ردها؛ كسائر أمواله.

وأما كونه لا يلزمه قيمة الكلب إذا أتلفه؛ فلأنه ليس له عوض شرعي؛ لأنه لا يجوز بيعه.

(1) سبق تخريجه من حديث سعيد بن زيد ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة .. ولم أقف عليه بهذا اللفظ: «من غصب

». نعم روى الطبراني في الكبير من حديث وائل بن حجر: «من غصب رجلا أرضا لقي الله وهو عليه غضبان» (25) 22: 18.

ص: 19

وأما كونه لا يلزمه قيمةُ خمر الذمي إذا أتلفها؛ فلما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ورسولَهُ حرمَ بيعَ الخمرِ، والميتةِ، والخنزيرِ، والأصنام» (1). متفق على صحته.

وما حرُم بيعه لا لحرمته لم تجب قيمته؛ كالميتة.

ولأن ما لم يكن مضموناً في حق المسلِم لم يكن مضموناً في حق الذمي؛ كالمرتد.

وأما كونه يلزمه ردّ جلد الميتة ففيه وجهان مبنيان على الروايتين في طهارته بالدبغ: فعلى رواية الطهارة: يلزمه رده؛ لأنه يمكن إصلاحه. أشبه الثوب النجس، وعلى الأخرى: لا يلزمه رده؛ لأنه لا سبيل إلى إصلاحه.

وأما (2) كونه يلزمه رده إذا دبغه وقلنا بطهارته؛ فلأنه طاهر له قيمة. فلزمه رده؛ كسائر الأموال الطاهرة.

قال: (وإن استولى على حر لم يضمنه بذلك إلا أن يكون صغيراً ففيه وجهان. فإن قلنا: لا يضمنه فهل يضمن ثيابه وحُلِيَّه؟ على وجهين).

أما كون الغاصب لا يضمن الحر الكبير بالاستيلاء؛ فلأنه ليس بمال.

وأما كونه لا يضمن الصغير في وجهٍ؛ فلما ذكر في الحر الكبير.

وأما كونه يضمنه في وجهٍ؛ فلأنه لا يقدر على الامتناع فجرى مجرى القماش.

وأما كونه يضمن ما عليه إذا قلنا [يُضمن فلا إشكال.

ولأنه حينئذ بمنزلة عبد عليه قماش.

وأما كونه لا يضمنه إذا قلنا] (3) لا يضمن على وجهٍ؛ فلأنه تبعٌ لما لا يضمن. فلو ضمن لرجح التابع على المتبوع.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2121) 2: 779 كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1581) 3: 1207 كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام.

(2)

في هـ: أما.

(3)

ساقط من هـ.

ص: 20

وأما كونه يضمنه على وجهٍ؛ فلأن عدم الضمان في الصغير لكونه ليس بمالٍ، وهذا مفقودٌ فيما عليه.

قال: (وإن استعمل الحر كرهاً فعليه أجرته. وإن حبسه مدة فهل تلزمه أجرته؟ على وجهين).

أما كون المستعمل للحر كرهاً عليه أجرته؛ فلأن منافع الحر مالٌ. بدليل صحة مقابلتها بالمال في باب الإجارة. وإذا كانت مالاً وجب أن تضمن؛ كسائر الأموال.

وأما كونه تلزمه أجرته إذا حبسه مدة على وجهٍ؛ فلأنه فوّت منافعه. أشبه ما لو استعمله.

وأما كونه لا تلزمه على وجهٍ؛ فلأنه ما استعمله. أشبه ما لو لم يحبسه.

ص: 21

فصل [في رد المغصوب]

قال المصنف رحمه الله: (ويلزمه رد المغصوب إن قدر على ردّه وإن غرم عليه أضعاف قيمته. وإن خلطه بما يتميز منه لزمه تخليصه وردّه. وإن بنى عليه لزمه ردّه. إلا أن يكون قد بلي. وإن سمّر بالمسامير باباً لزمه قلعها وردها).

أما كون الغاصب يلزمه ردّ المغصوب مع القدرة على رده؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على اليد ما أخذت حتى ترده» (1).

ولأن حق المغصوب منه متعلق بعين ماله ولا يتحقق ذلك إلا بردّه.

وأما قول المصنف رحمه الله: وإن غرم عليه أضعاف قيمته؛ فتنبيهٌ على أن غرامة الغاصب على ردّه لا تُسقط الرد؛ لأنه هو المتعدي فلم يُنظر إلى مصلحته.

ولأنه هو المفرّط فكان أولى بالغرامة.

وأما كونه يلزمه تخليصه وردّه إذا خلطه بما يتميز منه؛ فلأنه أمكنه ردّ مال غيره فلزمه ذلك كما لو لم يخلطه بغيره.

وأما كونه يلزمه ردّ ما بُني عليه إذا لم يكن قد بلي؛ فلأنه مغصوبٌ يمكن ردّه. فوجب؛ كما لو لم يبنِ عليه.

وأما كونه لا يلزمه ردّه إذا كان قد بلي؛ فلأنه هلك فلم يلزم رده؛ كما لو غصب شيئاً فتلف.

وأما كونه يلزمه قلع المسامير من الباب المسمّرة فيه؛ فلأن ردها واجب لما يأتي، ولا يمكن ذلك إلا بالقلع، ولا أثر لضرره؛ لأنه حصل بتعدّيه.

وأما كونه يلزمه ردها؛ فلأن ذلك حقٌ يمكن إيصاله إلى مستحقه فلزمه ردها؛ كما لو كانت باقية لم يسمّرها فيه.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 22

قال: (وإن زرع الأرض وردّها بعد أخذ الزرع فعليه أجرتها. وإن أدركها ربُّها والزرع قائم خُيّر بين تركه إلى الحصاد بأجرته وبين أخذه بعوضه. وهل ذلك قيمته أو نفقته؟ على روايتين. ويحتمل أن يكون الزرع للغاصب، وعليه الأجرة).

أما كون أجرة الأرض على زارعها غصباً إذا ردّ الأرض بعد أخذ الزرع؛ فلأنه استوفى نفعها. فوجب عليه عوضه؛ كما لو استوفاه بالإجارة.

ولأن المنفعة مالٌ. فوجب أن تُضمن؛ كالعين.

وأما كون رب الأرض يخيّر بين ترك الزرع إلى الحصاد بالأجرة، وبين أخذه بعوضه على المذهب؛ فلأن كل واحدٍ منهما يُحَصِّل غرضه. فمَلك الخيرةَ بينهما، تحصيلاً لغرضه.

ولأن الحق له. فإذا تركه بأجرة مثله كان رضاً منه بأخذ عوضه. فكان له ذلك؛ كالأرض المستأجرة إذا انقضت الإجارة، وفيها زرع فرّط في إبقائه.

وإذا أخذه بعوضه كان ذلك له؛ لما روى رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منْ زرعَ في أرضِ قومٍ بغيرِ إذنهمْ فليسَ له من الزرعِ شيءٌ، وله نفقتُه» (1). رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي. وقال: حديث حسن.

وفي كلام المصنف رحمه الله إشعار بأن الغاصب لا يجبر على قلع الزرع. وصرح به في المغني وغيره؛ لأن في أخذه بعوضه أو تركه بأجرته جمعاً بين الحقين.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3403) 3: 261 كتاب البيوع، باب في زرع الأرض بغير إذن صاحبها.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1366) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2466) 2: 824 كتاب الرهون، باب من زرع في أرض قوم بغير إذنهم.

وأخرجه أحمد في مسنده (17308) 4: 141.

ص: 23

ولأنه لو حمل في سفينة غيره مالاً وأدخلها لُجّة البحر لا يجبر على إلقاء المتاع في البحر. ولو غصب لوحاً فرقع به سفينة لم يجبر على قلعه في لُجّة البحر. فكذلك هاهنا.

ولأنه زرعٌ حصل في ملك غيره. فلم يجبر على قلعه على وجهٍ يضر به؛ كما لو كانت الأرض مستعارة أو مشفوعة.

وأما كون عوض الزرع قيمته وقت أخذه على روايةٍ؛ فلأنها بدل عن الزرع فتقدرت بقيمته.

ولأن الزرع للغاصب إلى حين انتزاع المالك. فوجب أخذه بقيمته؛ كما لو أخذ الشقص المشفوع.

قال المصنف في المغني: فعلى هذا ينبغي (1) أن يجب على الغاصب أجرة الأرض إلى حين تسليم الزرع؛ لأن الزرع كان محكوماً له به، وقد شغل به أرض غيره.

وأما كونه له (2) نفقته على روايةٍ؛ فلما تقدم من الحديث.

والنفقة: هي ما أنفق من البَذر، ومؤونة الزرع في الحرث، والسقي، وغيره.

وأما كون الزرع يحتمل أن يكون للغاصب؛ فلأنه نماء البَذر، وهو ملكه.

وأما كون الأجرة عليه؛ فلأنه استوفى منفعة الأرض. فلزمته الأجرة لما تقدم.

والأول أصح؛ لما تقدم من الحديث، والجمع بين الحقين.

قال: (وإن غرسها أو بنى فيها أُخذ بقلع غرسه، وبنائه، وتسوية الأرض، وأرش نقصها، وأجرتها).

أما كون الغاصب يؤخذ بقلع غرسه؛ فلقوله عليه السلام: «ليسَ لعرقِ ظالمٍ حقٌّ» (3) رواه أبو داود والترمذي: وقال: حديث حسن (4).

(1) في هـ: يجب.

(2)

ساقط من هـ.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (3073) 3: 178 كتاب الخراج، باب في إحياء الموات.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1378) 3: 662 كتاب الأحكام، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات.

(4)

ساقط من هـ.

ص: 24

ولأنه شغل ملك غيره بملكه الذي لا حرمة له في نفسه بغير إذنه. فلزمه تفريغه؛ كما لو جعل فيه قماشاً.

فإن قيل: فما الفرق بينه وبين الزرع؟

قيل: الزرع لا تطول مدته. بخلاف الغرس.

وأما كونه يؤخذ بقلع بنائه؛ فلأنه يؤخذ بقلع الغرس لما تقدم؛ فلأن يؤخذ بقلع بنائه بطريق الأولى؛ لأن ضرر البناء أكثر وأَدْوَم.

وأما كونه يؤخذ بتسوية الأرض وأرش النقص؛ فلأنه نقص حصل بسبب تعدِّيه.

وأما كونه يؤخذ بالأجرة؛ فلما تقدم.

قال: (وإن غصب لوحاً فرقع به سفينة لم يقلع حتى ترسي).

أما كون اللوح لا يقلع قبل إرساء السفينة؛ فلأن في قلعه إفساداً لمال الغير مع إمكان ردّ الحق إلى مستحقه بعد زمنٍ يسير.

وأما كلام المصنف رحمه الله فمشعرٌ بأمرين:

أحدهما: أن اللوح يُقلع إذا أرست السفينة وهو صحيح؛ لأنه أمكن ردّ الحق إلى مستحقه من غير ضرر أحد.

وثانيهما: أنه لا فرق بين مال الغاصب وبين غيره؛ لاشتراكهما.

وقال صاحب النهاية فيها بعد ذكر مال الغاصب: ويحتمل أن يُقلع، ولا يُنظر ذلك؛ كما لا يُنظر وقوع البناء الذي بُني على دَفٍّ غُصب. ثم قال: والأول أصح؛ لأن ضرر المالك في السفينة يزول عن قريبٍ والبناء يراد للتأبيد.

ص: 25

قال: (وإن غصب خيطاً فخاط به جرح حيوان وخيف عليه من قلعه فعليه قيمته. إلا أن يكون الحيوان مأكولاً للغاصب فهل يلزمه رده ويذبح الحيوان؟ على وجهين. وإن مات الحيوان لزمه ردّه إلا أن يكون آدمياً).

أما كون الغاصب عليه قيمة الخيط الذي خاط به جرح حيوان غير مأكول؛ فلأنه تعذر ردّ الخيط إلى صاحبه. فوجب (1) أن يجب بدله وهو القيمة.

وقول المصنف: فعليه قيمته؛ مشعرٌ بأنه: لا يلزمه قلعه. وصرح به في المغني؛ لأن الحيوان آكد حرمةً من المال. ولهذا يجوز أخذ مال الغير لحفظ حياته.

وأما كونه لا يلزمه ردّه إذا خاط به جرحَ حيوان مأكولٍ على وجهٍ؛ فلما تقدم من أن الحيوان آكد حرمةً في نفسه، وقد «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير مأكلةٍ» .

وأما كونه يلزمه رده على وجهٍ؛ فلأنه يمكنه ذبح الحيوان، والانتفاع بلحمه، وذلك جائز.

وقول المصنف: للغاصب؛ مشعرٌ بأن الوجهين في ملك الغاصب، فإن كان ملكاً لغيره لم يلزمه ردّه، وصرح به في المغني؛ لأن فيه ضرراً بصاحب الحيوان، والضرر لا يزال بالضرر. ولا يجوز إتلاف مالِ مَنْ لم يجن، صيانةً لمال آخر.

وأما كونه يلزمه الردّ بعد موت الحيوان غير الآدمي؛ فلأن الدليل يقتضي الرد، لكونه إيصالاً للمال إلى مالكه خولف فيما إذا كان الحيوان حياً لحرمته. فبقي فيما عدا الحيوان على مقتضى الدليل.

ولأن عدم الرد في الحياة إنما كان خشية التلف فإذا مات أمكن ذلك.

وأما كونه لا يلزمه الرد في الآدمي الميت؛ فلأن حرمة الميت كحرمة الحي، وقد جاء في الحديث:«كسرُ عظمِ الميتِ كَكَسْرِ عظمِ الحي» (2).

(1) في هـ: فيجب.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3207) 3: 212 كتاب الجنائز، باب في الحفار يجد العظم هل يتنكب ذلك المكان.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1617) 1: 516 كتاب الجنائز، باب في النهي عن كسر عظام الميت. قال في الزوائد: في إسناده عبد الله بن زياد، مجهول. ولعله عبد الله بن زياد بن سمعان المدني، أحد المتروكين.

ص: 26

فصل [إذا رد المغصوب]

قال المصنف رحمه الله: (وإن زاد لزمه ردّه بزيادته. سواء كانت متصلة؛ كالسمنِ، وتعلم صَنعة، أو منفصلة؛ كالولد، والكسب. ولو غصب جارحاً فصاد به، أو شبكة، أو شِرْكاً فأمسك شيئاً، أو فرساً فصاد عليه، أو غنم: فهو لمالكه).

أما كون الغاصب يلزمه ردّ المغصوب؛ فلما تقدم (1).

وأما كونه يلزمه ردّ زيادته؛ فلأنها نماء ملك المالك. فلزم ردها؛ كالأصل.

وأما كون الزيادة المتصلة والمنفصلة سواء في لزوم الرد؛ فلاشتراكهما في كونهما نماء ملك المغصوب منه.

وأما كون الصيد والغنيمة في المسائل المذكورة لمالك الجارح والشبكة والشِّرْك والفرس؛ فلأن ذلك كله حصل بسبب ملكه. فكان له؛ كما لو غصب دابة فحمل عليها مال غيره. فإن الأجرة مستحقة للمالك دونه.

قال: (وإن (2) غصب ثوباً فقَصَرَه، أو غزلاً فنسجه، أو فضة أو حديداً فضربه، أو خشباً فنجره، أو شاة فذبحها وشواها: ردّ ذلك بزيادته، وأرش نقصه، ولا شيء له. وعنه: يكون شريكاً بالزيادة. وقال أبو بكر: يملكه وعليه قيمته).

أما كون الغاصب يلزمه ردّ ذلك كله بزيادته على المذهب؛ فلأن ذلك عين المال المغصوب منه. فلزمه ردّه إليه؛ كما لو ذبح الشاة ولم يشوها.

(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في هـ: ولو.

ص: 27

ولأن كل ما فعله الإنسان بماله لا يزيل ملكه عنه، إذا فعله بملك غيره لا يزيل ملكه عنه؛ لأن الفعل المذكور إذا لم يكن صالحاً للإزالة. فلأن لا يكون صالحاً للإزالة في ملك غيره بطريق الأولى.

وأما كونه يردّ أرش النقص إن نقص المغصوب بذلك؛ فلأنه حصل بفعله.

وأما كون الغاصب لا شيء له بعمله المؤدي إلى الزيادة على المذهب؛ فلأنه تبرع في ملك غيره.

وأما كونه شريكاً بالزيادة على رواية؛ فلأن الزيادة حصلت بمنافعه، والمنافع تجري مجرى الأعيان. أشبه ما لو غصب ثوباً فصبغه. وفرّق المصنف بينهما بأن الصبغ عين مال لا يزول ملك مالكه عنه بجعله مع ملك غيره. بخلاف ما ذُكر. وذكر أبو الخطاب: أنه يكون شريكاً على الصحيح.

وأما كونه يملك ذلك وعليه قيمته على قول أبي بكر؛ فلأنه يروى «أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قوماً من الأنصار في دارهم. فقدموا إليه شاةً مشوية. فجعل يَلُوكُها ولا يسيغها. فقال: إن هذه الشاة لتخبرني أنها أُخذت بغير حق. فقالوا: نعم يا رسول الله! طلبنا شاة في السوق فلم نجد. فأخذنا شاة لبعض جيراننا ونحن نرضيهم من ثمنها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أطعموها الأسرى» (1).

وجه الدلالة: أنه لو لم ينقطع ملك المالك لأمر بردها إليه.

وذكر المصنف في المغني: أن كلام أحمد يدل على أن الغاصب ملكها بالقيمة. ثم قال: إلا أن المذهب ما قلناه. يعني: أن الملك باقٍ على ملك مالكه، ووجهه (2) ما تقدم. ثم (3) قال: والحديث غير معروف كما روي.

ص: 28

قال: (وإن غصب أرضاً فحفر فيها بئراً، ووضع ترابها في أرض مالكها: لم يملك طمها إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف بها في أحد الوجهين).

أما كون الغاصب لا يملك طم البئر المتقدم ذكرها إذا أبرأه المالك من الضمان في وجهٍ؛ فلأنه إتلاف لا نفع فيه فلم يكن له فعله؛ كما لو غصب نقرةً فضربها دراهم ثم أراد ردها نقرة.

وأما كونه يملك طمها في وجهٍ؛ فلأنه لا يبرأ من الضمان بإبراء المالك له؛ لأنه إبراء مما لم يجب بعد.

ولأنه إبراء من حق غيره، وهو الواقع فيها.

وكلام المصنف في المغني يشعر بترجيح الأول؛ لأنه قال بعد ذكر المسألة: ولنا: أن الضمان إنما لزمه لوجود التعدي، فإذا رضي صاحب الأرض زال التعدي فزال الضمان، وليس هذا إبراء مما لم يجب إنما هو إسقاط للتعدي لرضاه بذلك.

وفي تقييد المصنف الخلاف المذكور بوضع التراب في أرض المالك، وبإبرائه: إشعارٌ بأن الغاصب إذا وضع التراب في أرض غير المالك، أو لم يبرئه صاحب الأرض لا يجري الخلاف المذكور. وهو صحيح: أما مع كون التراب في أرض غير المالك؛ فلأن التراب متى كان في أرض غير (1) المالك كان له في طم البئر غرض منه، أمنه من إلزامه نقل التراب إلى موضع يستضر بنقله إليه.

وأما مع عدم إبراء المالك من الضمان؛ فلما فيه من الضرر اللاحق به، المنفي شرعاً.

قال: (وإن غصب حباً فزرعه، أو بيضاً فصار فرخاً، أو نوًى فصار غرساً: ردّه، ولا شيء له. ويتخرّج فيه مثل الذي قبله).

أما كون الغاصب يرد ما ذُكر على المذهب؛ فلأنه عينُ مال مالكه.

وأما كونه لا شيء له؛ فلأنه تبرعً بفعله.

وأما كون ما ذكر يتخرج فيه مثلُ الذي قبله. والمراد به الغزل إذا نسج؛ فلأنه يساويه معنى. فوجب أن يساويه حكماً.

(1) ساقط من هـ.

ص: 29

فصل [إذا نقص المغصوب]

قال المصنف رحمه الله: (وإن نقص لزمه ضمان نقصه بقيمته، رقيقاً كان أو غيره. وعنه: أن الرقيق يُضمن بما يضمن به في الإتلاف. ويتخرج أن يضمن بأكثر الأمرين منهما. وإن غصبه وجنى عليه ضمنه بأكثر الأمرين. وإن جنى عليه غيرُ الغاصب فله تضمين الغاصب أكثر الأمرين، ويرجع الغاصب على الجاني بأرش الجناية. وله تضمين الجاني أرش الجناية وتضمين الغاصب ما بقي من النقص. وإن غصب عبداً فخصاه لزمه رده ورد قيمته. وعنه: في عين الدابة من الخيل والبغال والحمير ربع قيمتها. والأول أصح).

أما كون الغاصب يلزمه ضمانُ ما نقص من عين الرقيق بالقيمة؛ فلأنه يُضمن بذلك في الإتلاف فكذا هاهنا؛ لاشتراكهما في التلف تحت يد عادية.

وأما كون الرقيق يُضمن بذلك على المذهب؛ فبالقياس على غيره؛ لاشتراكهما في التلف.

وأما كونه يُضمن بما يُضمن به في الإتلاف على روايةٍ؛ فكما لو أتلفه غير الغاصب.

وأما كونه يتخرج أن يضمنه بأكثر الأمرين المتقدم ذكرهما؛ فلأن في ذلك ردعاً للغاصب، وكما لو غصبه ثم أتلفه.

وأما كونه يَضمن أكثر الأمرين إذا غصبه وجنى عليه؛ فلأنه وجد سبب ضمان كل واحدٍ منهما. فوجب اعتبار أكثرهما ترتيباً على السبب الموجب (1) ما يقتضيه.

(1) ساقط من هـ.

ص: 30

وأما كون المالك له الخيرة بين تضمين الغاصب وبين تضمين الجاني إذا جنى عليه غير الغاصب؛ فلأن كل واحدٍ منهما متعدٍّ: أما الغاصب؛ فلأن النقص حصل في يده، وأما الجاني؛ فلأن النقص حصل بإتلافه.

فعلى هذا إن ضمّن الغاصب ضمّنه أكثر الأمرين لما تقدم. ويرجع الغاصب على الجاني بأرش الجناية، لأنه هو المتلف. وإن ضمّن الجاني ضمّنه أرش الجناية لا أكثر الأمرين؛ لأن أكثر الأمرين إنما وجب لوجود اليد العادية، ولا يد للجاني (1)، وضمّن الغاصب ما بقي من أكثر الأمرين؛ لأنه كان يجب عليه أكثر الأمرين. سقط منه قدر أرش الجناية؛ لأنه استوفي من فاعلها فبقي الباقي على ما كان عليه.

وأما كونه يلزمه ردّ العبد إذا خصاه؛ فلأنه عينُ ملك غيره.

وأما كونه يلزمه ردّ قيمته؛ فلأن الخصيتين يجب فيهما كمالُ القيمة؛ كما يجب فيهما كمال الدية من الحرّ.

وأما كون الدابة من الخيل والبغال والحمير يَضمن عينها بربع قيمتها على روايةٍ؛ فلما روى زيد بن ثابت «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في عين الدابة بربع قيمتها» (2).

وروي عن عمر رضي الله عنه «أنه كتب إلى شُريح لما كتب إليه يسأله عن عين الدابة: إنا كنا ننزلها منزلة الآدمي. إلا أنه أجمع رأيُنا أن قيمتها ربع الثمن» (3).

وأما كون الأول أصح. والمراد به أن المغصوب يضمن نقصه بالقيمة، رقيقاً كان أو غيره؛ فلما ذكر.

ولأن ضمان اليد ضمان المال فكان الواجب فيه ما نقص؛ كالثوب. وحديث زيد لا يُعرف صحته ولو صح لما احتج الإمام أحمد وغيره بحديث عمر، وتركوا قول النبي صلى الله عليه وسلم. وقول عمر محمول على أن ذلك كان قدر نقصها؛ كما روي عنه

(1) في هـ: الجاني.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير 5: 139/ 4878.

(3)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه نحوه (18418) 10: 400 كتاب العقول، باب عين الدابة.

ص: 31

«أنه قضى في العين القائمة بخمسين ديناراً» (1). ولو كان تقديراً لوجب في العين نصف الدية كعين الآدمي.

قال: (وإن نقصت العين لتغير الأسعار لم يضمن. نص عليه. وإن نقصت القيمة لمرض ثم عادت ببرئه لم يلزمه شيء. وإن زاد من جهة أخرى؛ مثل: إن تعلم صنعة فعادت القيمة ضمن النقص).

أما كون الغاصب لا يضمن النقص لتغير الأسعار على المنصوص؛ فلأنه ردّ المغصوب بحاله، لم ينقص منه عين ولا أثر. فلم يجب عليه شيء؛ كما لو لم ينقص في السوق.

وأما كونه لا يلزمه شيء إذا نقصت القيمة لمرض، ثم عادت ببرئه؛ فلأنه عاد ما ذهب. أشبه ما لو أَبَق العبد ثم عاد.

وأما كونه يضمن بعض ما زاد من جهة أخرى؛ مثل: إن تعلم صنعة، وعادت القيمة؛ فلأن حدوث المرض أوجب الضمان، والزيادة حدثت على ملك المغصوب منه. فلا ينجبر ملك الإنسان بملكه.

قال: (وإن زادت القيمة لسمنٍ أو نحوه. ثم نقصت: ضمن الزيادة. وإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها لم يضمنها في أحد الوجهين. وإن كانت من غير جنس الأولى لم يسقط ضمانها. وإن غصب عبداً مفرطاً في السِّمَنِ، فهُزِل، فزادت قيمته: ردّه ولا شيء عليه).

أما كون الغاصب يضمن زيادة القيمة بسِمَنٍ أو نحوه إذا نقصت؛ فلأنها زيادة في عين المغصوب. فوجب أن يضمنها؛ كما لو طالبه بردّها فلم يردّها.

وأما كونه إذا عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها؛ كمن غصب عبداً قيمته مائة فسَمِن فصارت قيمته مثلاً مائتين. ثم ذهب السِّمَن فصارت قيمته مائة. ثم

(1) لم أقف عليه هكذا. وقد أخرجه عبدالرزاق في مصنفه عن قتادة قال: «قضى عمر بن الخطاب في العين القائمة إذا فقئت بثلث ديتها» . (17441) 9: 334 كتاب العقول، باب العين القائمة.

ص: 32

سَمِن فصارت قيمته مائتين لا يضمن الزيادة وهي هنا مائة في وجهٍ؛ فلما ذكر في برء العبد بعد مرضه.

وأما كونه يضمنها في وجهٍ؛ فكما لو كانت الزيادة من جنس آخر.

وأما كون الضمان لا يَسقط إذا كانت الزيادة من غير جنس الأولى؛ فلما ذكر في الصحيح إذا مرض ثم تعلم صنعة.

وأما كونه يردّ العبد إذا غصبه مفرطاً في السِّمَن فهُزِل فزادت قيمته؛ فلأنه عين ملك غيره.

وأما كونه لا شيء عليه؛ فلأنه لم تنقص قيمته.

قال: (وإن نقص المغصوب نقصاً غير مستقر؛ كحنطة ابتلّت وعفنت: خُيّر بين أخذ مثلها، وبين تركها حتى يستقر فسادها. ويأخذها وأرش نقصها).

أما كون مالك ما ذكر يخير بين ما ذُكر؛ فلأنه لا يمكن أن يجب له المثل؛ لأن عين حقه موجودة، ولا يمكن أن يجب له أخذها في الحال؛ لأنه لا يخلو: إما أن يجب مع الأرش النقص، أو لا، مع أرشه، وكلاهما باطل: أما الأول؛ فلأنه يلزم منه سقوط حقه بسبب النقص.

وأما الثاني؛ فلأن أرش العيب قبل استقرار العيب لا يمكن معرفته ولا ضبطه. وإذا كان الأمر كذلك كان له الخيرة بين أخذ المثل؛ لأن في التأخير إلى أن يستقر الفساد ضرراً، وقد تعذر قبولها معيبة في الحال؛ لما تقدم فلم يبق سوى المثل، وبين تركه حتى يستقر الفساد؛ لأن التأخير ضرر (1) عليه. فإذا رضي بإسقاطه سقط فإذا استقر أخذ العين؛ لأنها ملكه، وأخذ أرش النقص من الغاصب؛ لأنه حصل بجنايته. أشبه تلف الجزء المغصوب.

(1) في هـ: ضرراً.

ص: 33

قال: (وإن جنى المغصوب فعليه أرش جنايته. سواء جنى على سيده أو غيره. وجنايته على الغاصب وعلى ماله هدر).

أما كون أرش جناية المغصوب على الغاصب؛ فلأنه نقص في مالية العبد لكونه يتعلق برقبته فكان مضموناً على الغاصب؛ كسائر النقص.

وأما كون جنايته (1) على سيده وجنايته على غيره سواء؛ فلحصولهما تحت يده العادِيَة.

وأما كون جنايته على الغاصب وعلى ماله هدراً؛ فلأنها إذا كانت على الغير كانت على الغاصب، وإذا كانت على نفسه أو ماله وجب أن تكون هدراً؛ كسيد غير المغصوب إذا جنى عبده عليه أو على ماله.

قال: (وتُضمن زوائد الغصب؛ كالولد، والثمرة إذا تلفت، أو نقصت؛ كالأصل).

أما كون زوائد الغصب تضمن؛ فلأنها مال غيره، حصلت في يده بالغصب. فضمنت بالتلف؛ كما لو أتلفها (2)، وقياساً على الأصل.

وأما قول المصنف رحمه الله: إذا تلفت أو نقصت؛ فبيان لنوعي ما يجب به الضمان.

وأما قوله: كالأصل؛ فإشارة إلى أن كل ما يضمن به الأصل يضمن به الزوائد لينبه على ذلك، ولينقل كل حكم ثابت في الأصل إلى زوائده.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: أتفلها.

ص: 34

فصل [إذا خلط المغصوب]

قال المصنف رحمه الله: (وإن خلط المغصوب بماله على وجهٍ لا يتميز؛ مثل: إن خلط حنطة، أو زيتاً بمثله: لزمه مثله منه في أحد الوجهين، وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء).

أما كون الغاصب إذا خلط المغصوب بماله كما ذكر يلزمه ردّ المثل فلا خلاف فيه؛ لأنه مثلي.

وأما كون المثل من المختلط في وجهٍ؛ فلأنه يقدر على دفع بعض ماله فلم ينتقل إلى بدله.

وأما كونه من حيث شاء في وجهٍ؛ فلأنه تعذر ردّ عين ماله بالخلط. فوجب مطلق المثل.

قال: (وإن خلطه بدونه، أو خَيْرٍ منه، أو بغير جنسه: لزمه مثله في قياس التي قبلها. وظاهر كلامه: أنهما شريكان بقدر ملكيهما).

أما كون من خلط ما ذكر يلزمه المثل في قياس التي قبلها؛ فلأنه صار بالخلط مستهلكاً. ولهذا لو اشترى زيتاً فخلطه بزيته ثم أفلس صار البائع كسائر الغرماء.

ولأنه تعذر عليه الوصول إلى عين ماله فكان له الانتقال إلى بدله؛ كما لو كان تالفاً.

وأما كونهما شريكين بقدر ملكيهما في ظاهر كلام أحمد؛ فلأنه إذا فعل ذلك وصل كل واحدٍ إلى عين ماله، وعند إمكان الرجوع إلى عين المال لم يُرجع إلى البدل.

ص: 35

فعلى هذا يباع، ويقسم بينهما على قدر ملكيهما.

قال: (وإن غصب ثوباً فصبغه، أو سويقاً فلتّه بزيتٍ، فنقصت قيمتهما، أو قيمة أحدهما: ضمن النقص. وإن لم تنقص ولم تزد، أو زادت قيمتهما: فهما شريكان بقدر ماليهما. وإن زادت قيمة أحدهما فالزيادة لصاحبه).

أما كون الغاصب يضمن النقص إذا نقصت قيمتهما أو قيمة أحدهما؛ فلأنه نقصٌ حصل بتعديه. فضمن؛ كما لو أتلف بعضه.

ولا بد أن يلحظ أن النقص هنا بسبب العمل. فإن كان بسبب تغير السعر لم يضمنه. صرح به المصنف في المغني.

وأما كونهما شريكين بقدر ماليهما إذا لم ينقص ولم يزد، أو زادت قيمتهما؛ فلأن عين الصبغ ملك الغاصب، واجتماع الملكين يقتضي الاشتراك.

وأما كون الزيادة لصاحب الملك الذي زادت قيمته؛ فلأنها تبع للأصل.

قال: (فإن أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه. ويحتمل أن يجبر إذا ضمن الغاصب النقص).

أما كون كل واحدٍ من الغاصب والمغصوب منه لا يجبر على قلع الصبغ على الأول؛ فلأن المزيد إما المغصوب منه وإما الغاصب: فإن كان المغصوب منه لم يجبر الغاصب عليه؛ لأن الصبغ يهلك بالإخراج وقد أمكن وصول الحق إلى صاحبه بدونه وهو البيع، وإن كان الغاصب لم يجبر المغصوب منه؛ لأن ماله ينقص بسبب أخذه.

وأما كون المغصوب منه يحتمل أن يجبر إذا ضمن الغاصب النقص؛ فلأن المانع ما يلحقه من الضرر، فإذا ضمنه الغاصب انتفى. فوجب أن يجبر. عملاً بالمقتضي له، السالم عن المعارض.

ص: 36

واعلم أن المذهب فيما ذكر: أن الغاصب إذا أراد قلع الصبغ أُجبر المالك، وأن المالك إذا أراد قلعه لم يجبر الغاصب؛ لأن ضرر المالك يندفع بضمان الغاصب نقص الثوب بالقلع. بخلاف الغاصب فإن ضرره لا يندفع لفوات صبغه بالكلية.

وقال المصنف في المغني: إن لم يكن للصبغ قيمة إذا قُلع، فأراد الغاصب القلع: لم يكن له ذلك؛ لأنه سَفَهٌ.

قال: (وإن وهب الصبغ للمالك، أو وهبه تَزويق الدار، ونحوها. فهل يلزم قبولها؟ على وجهين).

أما كون المالك يلزمه القبول على وجهٍ؛ فلأن الصبغ صار من صفات العين. فهو كزيادة الصفة في السلم.

وأما كونه لا يلزمه على وجهٍ؛ فلأن الصبغ عينٌ يمكن إفرادها. فلم يلزمه قبولها؛ كما لو وهبه عيناً مفردة.

قال: (وإن غصب صبغاً فصبغ به ثوباً، أو زيتاً فلتَّ به سويقاً: احتمل أن يكون كذلك، واحتمل أن تلزمه قيمته، أو مثله إن كان مثلياً).

أما كونه يحتمل أن يكون الغاصب والمغصوب منه شريكين بقدر ماليهما، وهو المعني بقول المصنف رحمه الله: احتمل أن يكون كذلك؛ فقياس على ما إذا غصب ثوباً فصبغه.

وأما كونه يحتمل أن يلزم الغاصب مثله إن كان مثلياً، وإلا فقيمته؛ فلأن الصبغ والزيت صار في الثوب والسويق مستهلكين. أشبه ما لو أتلفهما.

قال: (وإن غصب ثوباً وصبغاً، فصبغه به: ردّه وأرش نقصه، ولا شيء له في زيادته).

أما كون الغاصب يرد الثوب؛ فلأنه عين ملكِ غيره.

وأما كونه يرد أرش النقص؛ فلأنه حصل بفعله.

وأما كونه لا شيء له في زيادته؛ فلأنه متبرع.

ص: 37

فصل [إذا وطئ الجارية المغصو بة]

قال المصنف رحمه الله: (وإن وطئ الجارية فعليه الحد والمهر وإن كانت مطاوعة، وأرش البكارة. وعنه: لا يلزمه مهر الثيب. وإن ولدت فالولد رقيق للسيد. ويضمن نقص الولادة).

أما كون الواطئ عليه الحد؛ فلأنه زانٍ فيدخل تحت الأدلة الموجبة للحد.

وأما كونه عليه المهر إذا كانت الموطوءة بكراً؛ فلأن المهر يجب بالوطء في غير زوجته وأمته. دليله وجوبه في وطء الحرة.

وأما كونه عليه ذلك إذا كانت ثيباً على المذهب؛ فلما ذكر.

وأما كونه لا يلزمه ذلك على روايةٍ؛ فلأنه لم يُنقِص منها جزءاً ولم يُتْلِف بعضها. أشبه ما لو لم يطأها.

والأول أصح؛ لما ذكر.

ولأنه لا فرق بين الثيب والبكر في استحقاق المهر بسبب العقد. فكذا في استحقاقه بسبب الوطء.

وأما كون الحكم كذلك وإن كانت الجارية مطاوعة؛ فلأن المهر هنا للسيد. فلا يسقط بمطاوعتها؛ كما لو أذنت في قطع يدها.

ولأنه حقٌّ يجب للسيد مع إكراهها. فوجب مع مطاوعتها؛ كأجرة منافعها. وبهذا فارقت الحرة المطاوعة إذ الحَقُّ لها فسقط بما يدل على إسقاطه؛ لأن رضاها اقترن بالسبب الموجب.

وأما كونه عليه أرش البكارة؛ فلأنه إذهاب جزء. أشبه قطع يدها.

ص: 38

فإن قيل: لم جمعتم (1) بين المهر وأرش البكارة؟

قيل: لأن كل واحد يُضمن منفرداً. بدليل: أنه لو وطئها ثيباً وجب مهرها، ولو افتضها بأصبعه وجب أرش بكارتها. وإذا وجب ضمانهما منفردين وجب ضمانهما مجتمعين.

وأما كون الولد رقيقاً للسيد؛ فلأن ولد الأمة يتبع أمه في الرق في النكاح الحلال، ففي الحرام بطريق الأولى، لأن حال الجاني يقتضي التحامل عليه؛ لما فيه من الزجر.

وأما كونه يَضمن نقص الولادة؛ فلأنه نقص حصل بفعله. أشبه ما لو نقصت بقطع يدها ونحوه.

قال: (وإن باعها أو وهبها لعالمٍ بالغصب فوطئها فللمالك تضمين أيهما شاء: نقصها، ومهرها، وأجرتها، وقيمة ولدها إن تلف. فإن ضمَّن الغاصب رجع على الآخر، ولا يرجع الآخر عليه).

أما كون المالك له تضمين من شاء من الغاصب والمشتري أو الموهوب له؛ فلأن كل واحدٍ منهما متصرف في ماله بغير إذنه. فوجب تضمين من شاء منهما؛ لما فيه من تحصيل حقه، وزجر من يشتريه من غاصبه أو متّهبه.

وأما كونه له تضمين نقص العين المغصوبة ومهرها وأجرتها وقيمة ولدها التالف؛ فلأن ذلك جميعه يضمنه الغاصب لو انفرد فكذا هنا.

وأما كون الغاصب يرجع على الآخر إذا ضمّنه المالك؛ فلأن النقص حصل في يده، والمنفعة التي يقابلها المهر، والأجرة حصلت له دون الغاصب، والأولاد أولاده. فوجب أن يستقر ضمان ذلك عليه.

وأما كونه لا يرجع الآخر عليه إذا ضمنه؛ فلأن الغاصب لو ضمّنه المالك ذلك لرجع به عليه فكيف يرجع الآخر بذلك عليه؟ .

(1) في هـ: جعلتم.

ص: 39

قال: (وإن لم يعلما بالغصب فضمّنهما رجعا على الغاصب. وإن ولدت من أحدهما فالولد حر ويفديه بمثله في صفاته تقريباً. ويحتمل أن يعتبر مثله في القيمة. وعنه: يضمنه بقيمته، ويرجع به على الغاصب. وإن تلفت فعليه قيمتها، ولا يرجع بها إن كان مشترياً، ويرجع بها المتهب. وعنه: أن ما حصلت له به منفعة؛ كالأجرة، والمهر، وأرش البكارة: لا يرجع به).

أما كون المشتري والموهوب له يرجعان على الغاصب إذا لم يعلما بالغصب وضمنهما المالك؛ فلأنهما دخلا في العقد على أن يتلفا ذلك بغير عوض. فوجب أن يرجعا عليه؛ لأنه غرّهما.

وأما كون الولد حراً إذا ولدت من أحدهما؛ فلأن اعتقادهما أنهما يطآن مملوكتهما منع انخلاق (1) الولد رقيقاً. أشبه المغرور في النكاح.

وأما كون الوالد يفدي ولده؛ فلأنه فوّت رقّه باعتقاده. أشبه المغرور.

وأما كونه يفديه بمثله في صفاته تقريباً على المذهب؛ فلأنه حر. فلا يضمن بقيمته؛ كسائر الأحرار.

وأما كونه يحتمل أن يُعتبر مثله في القيمة؛ فلأنه أقرب من نفس القيمة.

وأما كونه يَضمنه بقيمته على روايةٍ. وهي الصحيحة من جهة المعنى؛ فلأنه ليس بمثلي. فضُمن بالقيمة؛ كسائر المتقومات.

وأما كونه يرجع على الغاصب؛ فلأن الواطئ دخل على أن يسلم له الأولاد. فإذا لم يسلم له ذلك فقد غرّه الغاصب. فوجب أن يرجع عليه؛ كالمغرور في النكاح.

وأما كون من تقدم ذكره من المشتري، والموهوب له: عليه قيمة الجارية إذا تلفت؛ فلأن التلف حصل تحت يده العادية. فوجب عليه ضمانها؛ كالغاصب.

(1) في هـ: إلحاق.

ص: 40

وأما كون القيمة لا يرجع بها إن كان مشترياً ويرجع بها المتّهب؛ فلأن المشتري دخل مع الغاصب على أن العين إن تلفت كان ضامنها لها بالثمن. بخلاف المتهب فإنه لم يدخل على ذلك.

وأما كون من تقدم ذكره لا (1) يرجع بما حصلت له به منفعة؛ كالأجرة، والمهر، وأرش البكارة على روايةٍ؛ فلأنه غرم ما استوفى بدله. فلم يرجع به. إذ في الرجوع الجمع بين العوض والمعوض، وهو غير جائز.

قال: (وإن ضمّن الغاصب رجع على المشتري بما لا يُرجع به عليه).

أما كون الغاصب يرجع على المشتري بما ذكر؛ فلأن التلف حصل في يده وهو كالمباشر، والغاصب كالمتسبب.

وأما كونه لا يرجع عليه بما يرجع المشتري به عليه؛ فلأنه لا فائدة فيه.

فإن قيل: ما تحقيق ذلك؟

قيل: ما يجب ضمانه على ثلاثة أضرب:

أحدها: قيمة العين. فهذا إذا ضمنه الغاصب يرجع به على المشتري؛ لأن المشتري دخل على أن العين إن هلكت هلكت (2) في ضمانه.

وثانيها: قيمة الولد. فهذا إذا ضمنه الغاصب لا يرجع به على المشتري؛ لأن المشتري لو ضمنه رجع عليه. فكيف يرجع هو بما يرجع به (3) عليه؟ .

وثالثها: المهر، وأرش البكارة، والأجرة، ونحو ذلك. فهذا إذا ضمنه الغاصب فيه روايتان. منشؤهما: أن المشتري إذا ضَمن ذلك هل يرجع به على الغاصب؟ وفيه روايتان: فعلى قولنا يرجع بذلك على الغاصب لا يرجع به الغاصب عليه إذا ضمنه؛ لما ذكر قبلُ.

(1) في هـ: لأنه.

(2)

ساقط من هـ.

(3)

مثل السابق.

ص: 41

وعلى قولنا: لا يرجع به عليه إذا ضمنه الغاصب: رجع به على المشتري؛ لأنه يصير بمنزلة قيمة العين.

قال: (وإن ولدت من زوج، فمات الولد: ضمنه بقيمته، وهل يرجع بها على الغاصب؟ على روايتين).

أما كون الزوج يضمن الولد بالقيمة؛ فلأنه ينعقد رقيقاً؛ لأن الواطئ لا يعتقد أنها مملوكة. بخلاف المشتري الجاهل بالغصب.

وأما كونه يرجع بالقيمة على الغاصب على روايةٍ؛ فلأن الغاصب غرّه.

ولأنه دخل على أن الولد إن تلف تلف على مالك الجارية؛ لأنه مملوكه.

وأما كونه لا يرجع بها على روايةٍ؛ فلأن التلف حصل في يده. أشبه تلف الجارية.

قال: (وإن أعارها، فتلفت عند المستعير: استقر ضمان قيمتها عليه، وضمان الأجرة على الغاصب).

أما كون ضمان القيمة يستقر على المستعير؛ فلأن العارية مضمونة بالقيمة.

وأما كون ضمان الأجرة يستقر على الغاصب؛ فلأن المستعير دخل على أن يستوفي المنافع مجاناً. ويجب أن لا يكون المستعير هاهنا عالماً بالغصب؛ لأنه إذا كان عالماً به استقر عليه قيمة العين والأجرة. صرح به المصنف في المغني.

وفي قول المصنف رحمه الله (1): استقر: تنبيهٌ على أن للمالك مطالبة من شاء منهما. وهو صحيح؛ لما تقدم.

فعلى هذا إن ضَمَّن المالك الغاصب قيمة العين رجع بها على المستعير، وإن ضَمَّنها المستعير لم يرجع بها على الغاصب. ولو ضمِن الغاصبُ الأجرة لم يرجع بها على المستعير. ولو ضمِنَها المستعير رجع بها على الغاصب. وهذا هو المعني بالاستقرار.

وحكى المصنف في المغني في المستعير وجهاً: أنه لا يرجع إذا ضمن الأجرة؛ لأنه انتفع ببدلها، وهو نظير المهر وأرش البكارة مما تقدم.

(1) ساقط من هـ.

ص: 42

قال: (وإذا اشترى أرضاً فغرسها، أو بنى فيها فخرجت مستحقة، فقلع غرسه وبناءه: رجع المشتري على البائع بما غرمه. ذكره القاضي في القسمة).

أما كون المشترى يرجع بما غرمه على البائع؛ فلأن البائع غرّه. فوجب أن يرجع بما غرمه عليه. أشبه ما غرمه المشتري من الغاصب من قيمة ولدٍ ونحوه (1).

وأما قول المصنف: ذكره القاضي في القسمة؛ فتنبيه على أن الحكم نقل في الباب المذكور.

قال: (وإن أطعم المغصوبَ لعالم بالغصب استقر الضمان عليه. وإن لم يعلم وقال له الغاصب: كله، فإنه طعامي: استقر الضمان على الغاصب. وإن لم يقل ففي أيهما يستقر الضمان عليه؟ وجهان).

أما كون الضمان يستقر على الآكل العالم بالغصب؛ فلأنه أتلف مال الغير من غير تغرير. فوجب استقرار الضمان عليه؛ كما لو غصبه ثم أكله.

وأما كونه يستقر على الغاصب إذا قال لمن لا يعلم أنه غصب: كله، فإنه طعامي؛ فلأنه غرّه.

وأما كونه يستقر على الآكل إذا لم يقل الغاصب في وجهٍ؛ فلأنه ضمن ما أتلف. فلم يرجع على أحد.

وأما كونه يستقر على الغاصب في وجهٍ؛ فلأنه غرّ الآكل وأطعمه على أنه لا يضمنه. وذكر المصنف في المغني هذين الوجهين روايتين.

قال: (وإن أطعمه لمالكه، ولم يعلم: لم يبرأ. نص عليه في رجل له عند رجل تبعة، فأوصلها إليه على أنها صلةٌ أو هديةٌ، ولم يعلم: كيف هذا. يعني أنه لا يبرأ. وإن رهنه عند مالكه، أو أودعه إياه، أو أجره، أو استأجره على قصارته وخياطته: لم يبرأ إلا أن يعلم. وإن أعاره إياه برئ عَلِم أو لم يعلم).

أما كون من أطعم المغصوب لمالكه، وهو لا يعلم: لا يبرأ؛ فلأنه بالغصب أزال يد المالك وسلطته (2)، وبالتقديم إليه لم تعد إليه اليد والسلطة؛ لأنه لا يتمكن

(1) في هـ: ونحوها.

(2)

في هـ: وسلطه.

ص: 43

من التصرف فيه بكل ما يريد من الأخذ والصدقة وغير ذلك فلم يزل عنه الضمان؛ كما لو علفه لدواب المغصوب منه.

وفي قول المصنف رحمه الله: لم يعلم؛ إشعار بأنه إذا أكله عالماً بأنه طعامه برئ الغاصب. وهو صحيح لزوال ما ذكر قبل. وصرح به المصنف في الكافي، وعلله: بأنه أتلف ماله برضاه عالماً به.

وأما كون من رهنه عند مالكه، أو أودعه إياه، أو أجره، أو استأجره على قصارته أو خياطته: لا يبرأ إذا لم يعلم المالك أن ذلك ملكه؛ فلأن الغاصب أزال يد المالك وسلطته (1)، ولم يعد ذلك بما ذكر.

وأما كونه يبرأ إذا علم؛ فلتمكنه من التصرف فيه على حسب اختياره.

وأما كونه يبرأ إذا أعاره إياه عَلِم أو لم يعلم؛ فلأنه دخل على أنه مضمون عليه.

قال: (ومن اشترى عبداً، فأعتقه، فادعى رجل أن البائع غصبه منه، فصدقه أحدهما: لم يقبل على الآخر. وإن صدّقاه مع العبد لم يبطل العتق. ويستقر الضمان على المشتري. ويحتمل أن يبطل العتق إذا صدّقوه كلهم).

أما كون تصديق أحد الرجلين من البائع والمشتري المدعي لا يقبل على الآخر؛ فلأن إقرار كل واحدٍ منهما إقرار على غيره، وذلك غير مقبول.

وأما كون العتق لا يبطل مع تصديقهما إياه وتصديق العبد على المذهب؛ فلأن العتق حق لله تعالى، ولهذا لو شهد شاهدان بالعتق فقال العبد: ما أعتقني لم يُقبل منه.

وأما كونه يستقر الضمان على المشتري؛ فلأن التلف حصل في يده.

وأما كونه يحتمل أن يبطل العتق إذا صدّقوه كلهم؛ فلأن مجهول النسب يصح إقراره بالرق، وقد أقرّ به، ووافقه عليه من له به تعلقٌ. فوجب ثبوت الرق. عملاً بمقتضيه السالم عن معارضه.

(1) في هـ: وسلطه.

ص: 44

فصل [إذا تلف المغصوب]

قال المصنف رحمه الله: (وإن تلف المغصوب ضمنه بمثله إن كان مكيلاً أو موزوناً. وإن أعوز المثل فعليه قيمة مثله يوم إعوازه. وقال القاضي: يضمنه بقيمته يوم القبض. وعنه: تلزمه قيمته يوم تلفه).

أما كون الغاصب يضمن المغصوب المكيل أو الموزون بمثله؛ فلأن المثل أقربُ إلى الحق، ولهذا ضمن به في الإتلاف.

ولأن المثل طريقه المشاهدة، والقيمة طريقها الظن. فكان الأول أولى؛ كالنص مع القياس. فإن النص يدرك بالسماع، والقياس بالظن.

وأما كونه عليه قيمة مثله يوم إعوازه إذا أعوز المثل على المذهب؛ فلأنه يستحق المطالبة بقيمة المثل يوم الإعواز. فوجب أن تعتبر القيمة حينئذ؛ لأنه يوم وجوبها.

وأما كونه يضمنه يوم القبض على قول القاضي؛ فلأن المثل لو وجد قبل القبض كان له المطالبة به. فوجب أن تعتبر القيمة عند القبض؛ لأن القيمة إنما تثبت في الذمة يوم تلفه. فاعتبرت تلك الحال؛ كما لو لم تختلف القيمة.

قال: (وإن لم يكن مثلياً ضمنه بقيمته يوم تلفه في بلده من نقده. ويتخرّج أن يضمنه بقيمته يوم غصبه).

أما كون الغاصب يضمن غير المثلي بقيمته على المذهب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «منْ أعتقَ شِرْكاً له في عبدٍ، فكان له مالٌ يبلغُ ثمنَ العبدِ قوّم وأعطي شركاؤهُ حِصصهُم» (1) متفق عليه. أوجب القيمة؛ لأنه غير مثلي.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2386) 2: 892 كتاب العتق، باب إذا أعتق عبداً بين اثنين أو أمة بين الشركاء.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1501) 3: 1286 كتاب الأيمان، باب من أعتق شركاً له في عبد.

ص: 45

ولأن إيجاب مثله من جهة الخلقة لا يمكن؛ لاختلاف ذلك في القيمة. فصارت القيمة أقرب إلى إيفاء (1) حقه.

وأما كون القيمة معتبرة بيوم تلفه في بلده من نقده على المذهب؛ فلأن ذلك زمنُ الضمان وموضعُه.

وأما كونه يتخرج أن يضمنه بقيمته يوم غصبه؛ فلأنه الوقت الذي أزال يده فيه. فلزمته (2) القيمة فيه؛ كما لو أتلفه.

قال: (وإن كان مصُوغاً، أو تِبْراً تخالفُ قيمته وزنه: قوّمه بغير جنسه. فإن كان مُحلى بالنقدين معاً قوّمه بما شاء منهما، وأعطاه بقيمته عرضاً).

أما كون المصوغ أو التِّبْر يقوّم بغير جنسه إذا كانت قيمته تخالف وزنه؛ فلئلا يؤدي إلى الربا.

وأما كونه يقوّم بما شاء المقوّم من النقدين إذا كان مُحلى بهما فلأن (3) كلاً منهما ثمنٌ في قيم المتلفات وأروش (4) الجنايات، وغيرهما ليس كذلك.

وأما كون الغاصب يعطي المغصوب منه بقيمته عرضاً؛ فلئلا يؤدي إلى الربا.

قال: (وإن تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقيه؛ كزوجي خُفٍ تَلِف أحدهما: فعليه رد الباقي، وقيمة التالف، وأرش النقص. وقيل: لا يلزمه أرش النقص).

أما كون الغاصب عليه رد الباقي مما ذكر؛ فلأنه ملك غيره.

وأما كونه عليه قيمة التالف؛ فلأن التلف حصل تحت يده العادِيَة.

(1) في هـ: بقاء.

(2)

في هـ: فلزمه.

(3)

في هـ: فإن.

(4)

في هـ: وأرش.

ص: 46

وأما كونه عليه أرش النقص على المذهب؛ فلأنه نقصٌ حصل في يده. أشبه قيمة التالف.

وأما كونه ليس ذلك عليه على قولٍ؛ فلأنه زائدٌ على قيمة التالف.

فإن قيل: ما مثال ذلك؟

قيل: مثاله: أن يكون زوجَا الخف يساويان عشرين، والباقي يساوي خمسة. فعلى الأول عليه خمسة عشر، وعلى الثاني عليه عشرة.

قال: (وإن غصب عبداً فأَبَق، أو فرساً فشرد، أو شيئاً تعذر ردّه مع بقائه: ضمن قيمته. فإن قدر عليه بعدُ رَدّهُ، وأخذَ القيمة).

أما كون الغاصب يضمن ما ذكر بقيمته قبل القدرة عليه؛ فلأن ذلك حق تعذر ردّه إلى مالكه. فوجب أن ينتقل إلى القيمة (1)؛ كما لو أتلفه.

وأما كونه إذا قَدَر عليه بعدُ يردُّه؛ فلأن القيمة إنما وجبت لتعذر ردّ العين، وقد زال ذلك. فوجب ردّ العين إلى مالكها.

وأما كونه يأخذ القيمة؛ فلئلا يجتمع للمالك البدل والمبدل.

قال: (وإن غصب عصيراً فتخمّر فعليه مثله. فإن انقلب خلاً ردّه، وما نقص من قيمة العصير).

أما كون الغاصب عليه مثل العصير إذا تخمّر؛ فلأنه تلف بصيرورته خمراً.

ولأن ماليّته زالت تحت يده العادية. [أشبه ما لو زالت بالإتلاف.

وأما كونه يرده إلى مالكه إذا انقلب خلاً؛ فلأنه عين ملكه.

وأما كونه يرد أرش النقص إليه؛ فلأنه نَقَصَ تحت يده العادِيَة] (2). أشبه ما لو نقص منه جزء.

(1) سقط لفظي: إلى القيمة من هـ.

(2)

ساقط من أ.

ص: 47

فصل [في أجرة المغصوب]

قال المصنف رحمه الله: (وإن كان للمغصوب أجرةٌ فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه في يده. وعنه: التوقف عن ذلك. قال أبو بكر: هذا قولٌ قديمٌ رَجعَ عنه).

أما كون الغاصب عليه أجرة المغصوب مدة مقامه في يده على المذهب؛ فلأن ما ضُمن بالإتلاف في العقد الفاسد وجب أن يضمنه الغاصب بمجرد التلف في يده؛ كالأعيان.

وأما كون ذلك يُتوقف عنه على روايةٍ؛ فلأن قوله عليه السلام: «الخراج بالضمان» (1) يقتضي كون الخراج للغاصب؛ لأن الضمان عليه، وذلك ينفي كون الأجرة عليه، وحينئذ يجب التوقف.

وأما قول المصنف رحمه الله: قال أبو بكر: هذا قولٌ قديمٌ رَجع عنه؛ فتنبيهٌ على ضعف هذه الرواية، ولذلك قال المصنف في المغني: المذهب الأول؛ لما ذكر.

ولأنه فوّت متقوّماً. فوجب ضمانه؛ كالأعيان. أو نقول: مال متقومٌ مغصوب. فوجب ضمانه؛ كالعين.

وأما الخبر فوارد في البيع، ولا يدخل فيه الغاصب؛ لأنه لا يجوز له الانتفاع بالمغصوب بالإجماع.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3510) 3: 284 كتاب الإجارة، باب فيمن اشترى عبداً فاستعمله ثم وجد به عيباً.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1286) 3: 582 كتاب البيوع، باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد فيه عيباً.

وأخرجه النسائي في سننه (4490) 7: 254 كتاب البيوع، الخراج بالضمان.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2243) 2: 754 كتاب التجارات، باب الخراج بالضمان.

ص: 48

قال: (وإن تلف المغصوب فعليه أجرته إلى وقت تلفه. وإن غصب شيئاً فعجز عن ردّه فأدّى قيمته فعليه أجرته إلى وقت أداء القيمة. وفيما بعده وجهان).

أما كون الغاصب عليه أجرة ما عجز عن رده إلى وقت أداء القيمة؛ فلأن منافعه هلكت تحت يده. فوجب عليه ضمانها؛ لما تقدم في تضمين المنافع (1).

وأما كونه عليه الأجرة فيما بعد أداء القيمة وقبل الرد في وجهٍ؛ فلما ذكر.

وأما كونه ليست عليه في وجهٍ؛ فلأنه لما أدى القيمة لم يبق لها أجرة؛ لأنها لو بقيت لاجتمع للشخص عوض العين وعوض المنفعة الحاصلة بعده، وذلك لا يجتمع. دليله: الإتلاف.

(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 49

فصل [في تصرفات الغاصب]

قال المصنف رحمه الله: (وتصرفات الغاصب الحكمية؛ كالحج، وسائر العبادات، والعقود؛ كالبيع، والنكاح، ونحوها: باطلة في إحدى الروايتين، والأخرى صحيحة).

أما كون التصرفات المذكورة باطلة على المذهب؛ فلأن ذلك التصرف تصرف الفضولي. والصحيح من المذهب أنه باطل؛ لما تقدم (1).

وأما كونها صحيحة على رواية؛ فلأن الغاصب تطول مدة غصبه غالباً، فتكثر تصرفاته. ففي إبطالها إضرارٌ كثير، وربما عاد بعض الضرر على المالك. فإن الحكم بصحتها يقتضي كون الربح فيها للمالك، والحكم ببطلانها يمنع ذلك.

قال: (وإن اتّجر بالدراهم فالربح لمالكها. وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فكذلك. وعنه: الربح للمشتري).

أما كون ربح الدراهم التي اتّجر الغاصب بعينها لمالكها؛ فلأنه نماء ملكه.

وأما كون ربح ما اشترى في ذمته، ثم نقد الدراهم عنه كذلك على المذهب؛ فكما لو اشترى بعينه.

وأما كونه له على روايةٍ؛ فلأنه اشترى في ذمته ولنفسه. فكان الشراء له، والربح تبعٌ لمن الشراء له.

(1) ر ص: 22.

ص: 50

قال: (وإن اختلفا في قيمة المغصوب، أو قدره، أو صناعة فيه: فالقول قول الغاصب. وإن اختلفا في ردّه، أو عيب فيه: فالقول قول المالك).

أما كون القول قول الغاصب في القيمة والقدر والصناعة؛ فلأن الأصل براءة ذمته مما يدعى عليه. فلا يلزمه غير (1) ما أقرّ به؛ كما لو ادعى عليه ديناً فأقرّ ببعضه.

وأما كون القول قول المالك في الرد والعيب؛ فلأن الأصل عدم الرد وعدم العيب.

قال: (وإن بقيت في يده غُصوب، لا يعرف أربابها: تصدق بها عنهم. بشرط الضمان؛ كاللقطة).

أما كون من في يده ما ذُكر يتصدق به بشرط الضمان؛ فلأن حبس المغصوب في يده حرام؛ كأصل الغصب. فتخلصه منه مطلوب شرعاً، وصدقته بشرط الضمان طريقٌ له. فتعين جواز فعله؛ لما فيه من الجمع بين مصلحته ومصلحة المالك.

وأما قول المصنف رحمه الله: بشرط الضمان؛ فتنبيهٌ على أنه لا يجوز التصدق بالمغصوب إلا بذلك؛ لأن الصدقة بدون ذلك إضاعة لمال المالك لا على وجه بدل، وذلك غير جائز.

وأما قوله: كاللقطة فتنبيهٌ على أن للصدقة بشرط الضمان أصلاً هو اللقطة (2). وسيأتي ذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى (3).

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: كاللقطة.

(3)

4: 87.

ص: 51

فصل [فيمن أتلف مالاً لغيره]

قال المصنف رحمه الله: (ومن أتلف مالاً محترماً لغيره ضمنه. وإن فتح قفصاً عن طائره، أو حلّ قيد عبده، أو رباط فرسه، أو وِكاء زِقٍّ مائعٍ، أو جامدٍ فأذابته الشمس، أو بقي بعد حلّه قاعداً فألقته الريح فاندفق: ضمنه. وقال القاضي: لا يضمن ما ألقته الريح).

أما كون من أتلف مالاً محترماً مملوكاً لغيره يضمنه بالإتلاف؛ فلأنه فوّته عليه. فضمنه؛ كما لو غصبه فتلف عنده.

وفي قوله: مالاً احتراز (1) عما ليس بمالٍ؛ كالكلبِ والسِّرْجين؛ لأن ما ليس بمال لا يقابل بالمال.

وفي قوله: محترماً احتراز (2) عما ليس بمحترم. وإن كان مالاً؛ كأموال أهل الحرب، وخمر الذمي، وآلة اللهو. فإن جميع ذلك لا يضمن. وتقدير ذلك يذكر في مواضعه.

وفي قوله: لغيره احتراز (3) عن مال نفسه فإنه لا يضمن ذلك؛ لأن الضمان لا يجب على من له الضمان.

وأما كون من فتح قفصاً عن طائرِ غيره، أو حلّ قيد عبده، أو رباط فرسه، أو وكاء زِقٍٍّ مائعٍ أو جامدٍ فأذابته الشمس: يضمنه؛ فلأن ذلك كله تلف بسبب فعله. فلزمه ضمانه؛ كما لو باشره بالتلف.

(1) في هـ: احترازاً.

(2)

مثل السابق.

(3)

مثل السابق.

ص: 52

وفي كلام المصنف رحمه الله حذف تقديره: وإن فتح قفصاً عن طائره فطار، أو حلّ قيد عبده فهرب، أو رباط فرسه فشرد؛ لأن الطائر لو بقي في القفص، أو لم يهرب العبد، أو لم يشرد الفرس فتلف ذلك بآفة سماوية لم يجب الضمان؛ لأنه لم يحصل التلف بسبب فعله. وإنما حذف المصنف ذلك اعتماداً على ظهوره.

ولأنه نبّه على مثل ذلك فيما ساواه وهو في قوله: فاندفق. بعد قوله: أو وكاء زِقٍّ مائعٍ أو جامد.

وأما كونه يضمن إذا بقي المائع بعد حلّ زقه قاعداً فألقته الريح فاندفق على المذهب؛ فلما تقدم ذكره في الصورة المذكورة.

وأما كونه لا يضمن ذلك على قول القاضي؛ فلأن فعله غير ملجئ. فلم يتعلق به ضمان؛ كما لو دفعه إنسان.

والأول أصح؛ لأنه لم يتخلل بين فعله وبين التلف مباشرةٌ يمكن إحالةُ الحكم عليها. فوجب الضمان عليه؛ كما لو جُرح فمات عقيب ذلك. ثم ما ذكره القاضي منتقضٌ بما إذا أذابته الشمس مع أنه لا يقول فيه بعدم الضمان.

قال: (وإن ربط دابةً في طريق فأتلفت، أو اقتنى كلباً عقوراً فعقر، أو خرق ثوباً: ضمن. إلا أن يكون دخل منزله بغير إذنه. وقيل: في الكلب روايتان في الجملة).

أما كون من ذكر يضمن ما أتلفته الدابة إذا ربطها في طريقٍ؛ فلأنه مُتعدٍّ بربطها.

وأما ضمان ما أتلفه الكلب العقور فينظر فيه: فإن كان التلف في غير ملك مقتنيه (1) وجب عليه ضمان ما أتلفه؛ لأنه مفرّط باقتنائه. وإن كان التلف في ملكه نظرتَ: فإن كان المعقور دخل بغير إذنٍ فلا ضمان؛ لأنه متعدٍّ في الدخول متسبب

(1) في أ: نفسه.

ص: 53

إلى إتلاف نفسه بجنايته، وإن كان دخل بإذنٍ فعلى مقتنيه ضمانه؛ كما لو كان في داره بئر مغطاة فأذن لإنسان فدخل فوقع فيها.

وقال بعض الأصحاب: في الكلب روايتان في الجملة: أي روايةِ أنه يضمن سواء دخل بإذن أو بغير إذن؛ لأن مقتنيه متعدٍّ في اقتنائه، وذلك يناسب الضمان؛ لما فيه من المبالغة في الزجر. ورواية: أنه لا يضمن بحالٍ؛ لأنه لم يحصل منه جناية. ويمكن أن يجاب عنه بأنه متسبب.

قال: (وإن أجّج ناراً في ملكه، أو سقى أرضه فتعدى إلى ملك غيره فأتلفه: ضمن إذا كان قد أسرف فيه أو فرّط، وإلا فلا).

أما كون من ذكر يضمن إذا أسرف أو فرّط؛ فلأن التلف بذلك سرايةُ فعل محظور. فوجب أن يضمن؛ كما لو باشر ذلك بالإتلاف.

وأما كونه لا يضمن إذا لم يوجد ذلك؛ فلأنه غير متعد.

ولأنها سرايةُ فعل مباح. أشبه سراية القود. وفارق ما إذا حلّ زِقاً فاندفق ما فيه فإنه من آثار فعلٍ هو متعدٍّ فيه.

قال: (وإن حفر في فنائه بئراً لنفسه ضمن ما تلف بها. وإن حفرها في سابلةٍ لنفع المسلمين لم يضمن في أصح الروايتين).

أما كون صاحب الفناء يضمن ما أُتلف بالبئر التي حفرها لنفسه؛ فلأنه متسبب إلى إتلاف غيره. فوجب الضمان عليه؛ كواضع السكين.

وأما كونه لا يضمن إذا حفرها في سابلةٍ لنفع المسلمين في روايةٍ؛ فلأنه غير منسوبٍ إلى عدوان. إذْ قصده نفع المسلمين لا نفع نفسه.

وأما كونه يضمن في روايةٍ؛ فلأنه مأذون له في ذلك بشرط سلامة العاقبة، ولم توجد.

قال: (وإن بسط في مسجد حصيراً، أو علّق فيه قنديلاً: لم يضمن ما تلف به. وإن جلس في مسجدٍ، أو طريقٍ واسعٍ فعثرَ به حيوان: لم يضمن في أحد

ص: 54

الوجهين. وإن أخرج جناحاً، أو ميزاباً إلى الطريق فسقط على شيء فأتلفه: ضمن).

أما كون من ذُكر لا يَضمن ما تلف بالحصير أو القنديل؛ فلأنه مأذون له في ذلك شرعاً. فلم يضمن ما تولّد منه؛ كسراية القود.

وأما كونه لا يضمن ما تلف بتعثر (1) حيوان في وجهٍ؛ فلأن له أن يجلس في المسجد، وفي طريقٍ واسعٍ فلم يضمن لعدم تعديه.

وأما كونه يضمن ذلك في وجهٍ؛ فلما ذكر فيما إذا حفر بئراً في سابلةٍ لنفع المسلمين.

وأما كونه يضمن ما تلف بسقوط الجناح والميزاب الخارجَيْن إلى الطريق؛ فلأنه متعدٍ بفعل ذلك. فوجب عليه ضمان ما تولّد منه؛ كما لو جرح إنساناً فتعدى إلى قتله.

قال: (وإن مال حائطه فلم يهدمه حتى أتلف شيئاً لم يضمنه. نص عليه. وأومأ في موضع: أنه إن تُقُدِّم إليه بنقضه، وأُشْهِد عليه فلم يفعل: ضَمِن).

أما كون مالك الحائط لا يضمن على المنصوص؛ فلأن السقوط ليس من فعله.

وأما كونه يضمن على ما أومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله؛ فلأنه إذا تُقُدِّم إليه بنقضه وأُشْهِد عليه فلم يفعل يُعدُّ مفرّطاً. فيجب عليه الضمان؛ كما لو باشر الإتلاف.

قال: (وما أتلفت البهيمة فلا ضمان على صاحبها إلا أن تكون في يد إنسان (2)؛ كالراكب، والسائق، والقائد: فيضمن ما جنت يدها أو فمها. دون ما جنت رجلها، وما أفسدت من الزرع والشجر ليلاً. ولا يضمن ما أفسدت من ذلك نهاراً. ومن صال عليه آدمي أو غيره فقتله دفعاً عن نفسه لم يضمنه).

أما كون صاحب البهيمة لا يضمن ما أتلفته إذا لم تكن في يده؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العَجْمَاءُ جُبَارٌ» (3). أي هدر.

(1) في هـ: بعثر.

(2)

في هـ: الإنسان.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (6515) 6: 2533 كتاب الديات، باب العجماء جبار.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1710) 3: 1334 كتاب الحدود، باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار.

ص: 55

وأما كونه يضمن ما جنت يدها أو فمها إذا كانت في يده؛ مثل: أن يكون راكباً لها، أو سائقاً، أو قائداً دون ما جنت رجلها؛ فلأنه يمكنه حفظها عن ذلك. بخلاف الرِّجْل.

ولأنه قد روي في حديث أبي هريرة «رِجْلُ العجماء جُبَار» (1). وذلك يدل بمفهومه على الضمان بغيرها.

ولا بد أن يُلحظ في عدم الضمان برِجْل البهيمة: أن لا يكون كبحها فأتلفت؛ لأنه إذا فعل ذلك يكون التلف منسوباً إليه. فيجب عليه الضمان؛ كسائر مواضع التسبب في الإتلاف.

فإن قيل: هلاّ حمل مُطلق قوله عليه السلام: «العجماء جُبَار» على مُقَيَّدِه من قوله: «رِجْلُ العجماء جُبَار» فيما إذا لم تكن البهيمة في يده؟

قيل: لأن في ذكر الرِّجْل إشارةٌ إلى الفرق بينها وبين غيرها من يدٍ ونحوها، وذلك لا يتحقق في بهيمة ليست (2) في يده. بخلاف ما إذا كانت في يده، فإن الفرق بينهما ما تقدم ذكره: من إمكان الحفظ في اليد والفم. دون الرجل.

وأما كونه يضمن ما أفسدت البهيمة من الزرع والشجر ليلاً، وكونه لا يضمن ما أفسدت من ذلك نهاراً؛ فلما روي «أن ناقةَ للبراء دخلتْ حائطَ قومٍ. فقضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الأموالِ حِفظَهَا بالنهارِ، وما أفسدتْ بالليلِ فهوَ مضمونٌ عليهم» (3). [رواه أبو داود وابن ماجة بمعناه](4).

قال ابن عبدالبر: إن كان هذا مرسلاً فهو مشهور. حدّثَ به الأئمةُ الثقاتُ واستعملَه فقهاءُ الحجازِ بالقبول.

(1) أخرجه الترمذي في الأحكام، باب ما جاء في العجماء جرحها جبار 3: 661/ 1377.

(2)

ساقط من هـ.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (3570) 3: 298 كتاب البيوع، باب: المواشي تفسد زرع قوم.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2332) 2: 781 كتاب الأحكام، باب: الحكم فيما أفسدت المواشي.

وأخرجه مالك في الموطأ (37) 2: 573 كتاب الأقضية، باب القضاء في الضواري والحريسة.

(4)

زيادة من ج.

ص: 56

ولأن العادة حفظُها نهاراً. دون أهل المواشي.

وذكر المصنف في المغني: أن القاضي قال: هذا محمول على المواضع التي فيها المزارع والمراعي، فأما القرى العامرة التي ليس فيها مرعى إلا بين قراحيْن (1)؛ كساقية، وطريق، وطرف زرع: فليس لصاحبها إرسالها بغير حافظٍ عن الزرع. فإن فعل فعليه الضمان؛ لأنه مفرّط.

ولا بد أن يُلحظ في ضمان ما أتلفت (2) البهيمة من الزرع والشجر ليلاً: أن يكون المالك قد فرّط في إرسالها، فإن لم يكن فرّط مثل: إن حفظها فانفلتت من ذلك، أو أخرجها غيره من لصٍ وغيره لم يضمن؛ لأن الموجب للضمان تفريطه في إرسالها، وذلك مفقودٌ فيما ذكر. لكن إن كان المرسِلُ غيرَه وجب الضمان عليه؛ لأنه السبب في الإتلاف.

وقول المصنف رحمه الله: وما أفسدت من الزرع والشجر مشعرٌ بأمرين:

أحدهما: أن ضمان ما ذُكر مشروط بكون البهيمة في يد راكبٍ وسائقٍ وقائدٍ؛ لأنه عطفه على ضمان ما جنت يدها أو فمها بعد اشتراط كونها في يد إنسان موصوف بما ذكر. وليس كذلك بل ذلك يُضمن سواء كانت في يد أحدٍ (3) أو لا. صرح بذلك المصنف رحمه الله في المغني وغيره من الأصحاب.

وثانيهما: أن الحكم المذكور مختصٌ بالزرع والشجر؛ لأنه خصهما بالذكر. وليس كذلك أيضاً عند الأصحاب. صرح به صاحب المستوعب. فقال فيه: وما أتلفت البهائم من الزرع وغيرها ليلاً فعلى صاحبها ضمانه. ووجهه (4) عموم قوله عليه السلام: «وما أفسدت بالليل فهو مضمون عليهم» (5).

وقال صاحب المغني فيه: وإن أتلفت غير الزرع لم يضمن مالكها، نهاراً كان أو ليلاً، وعلله بقوله عليه السلام:«العجماء جبار» (6)، وبأن البهيمة لا تُتْلف ذلك

(1) القَرَاح: المزرعة التي ليس فيها بناء ولا شجر. ر المصباح مادة: قرح.

(2)

في ج: أتلفته.

(3)

ساقط من هـ.

(4)

في هـ: ووجه.

(5)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(6)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 57

عادة. بخلاف الزرع. ولم أجده لغيره. فيحتمل أنه أراد هنا ذلك فلذلك خصص الزرع والشجر بالذكر، ويحتمل أن التخصيص وقع اتفاقاً.

وأما كون قاتل الصائل عليه لا يضمنه إذا قتله دفعاً عن نفسه؛ فلأنه قتله بدفع جائز. فلم يضمنه؛ لما فيه من صيانة النفس عن القتل.

قال: (وإن اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل واحدٍ منهما سفينة الآخر وما فيها. وإن كانت إحداهما مُنْحدرة فعلى صاحبها ضمان المُصْعِدة. إلا أن يكون غلبه ريح فلم يقدر على ضبطها).

أما كون ملاحي كل سفينة يضمن السفينة الأخرى وما فيها؛ فلأن التلف حصل بسبب فعلهما. فوجب على كل واحدٍ منهما ضمان ما تلف بسبب فعله.

وأما كون صاحب المنحدرة عليه ضمان المُصْعِدة إذا لم يكن غلبه الريح؛ فلأنها تنحط على (1) المصعدة من علوٍّ. فيكون ذلك سبباً لغرقها، وتُنَزّل المنحدرة منزلة السائرة، والمُصْعِدة منزلة الواقفة.

وأما كونه لا يضمن إذا غلبه الريح فلم يقدر على ضبط السفينة؛ فلأنه حينئذٍ لا يُعد مفرّطاً.

ولأن التلف يمكن إسناده إلى الريح. بخلاف ما تقدم.

قال: (ومن أتلف مزماراً، أو طنبوراً، أو صليباً، أو كسر إناء ذهب، أو فضة، أو إناء خمر: لم يضمنه. وعنه: يضمن آنية الخمر إن كان ينتفع بها في غيره).

أما كون من أتلف مزماراً، أو طنبوراً، أو صليباً: لا يضمنه؛ فلأن بيع ذلك لا يحل. فلم يضمنه؛ كالميتة. ودليل تحريم بيع ذلك كله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بُعثتُ بمحقِ القَيْنَاتِ والمعَازِف» .

وأما كون من كَسَر إناء فضة، أو ذهب: لا يضمنه؛ فلأن اتخاذه محرّم فلم يصادف الإتلاف شيئاً مباح البقاء. فلم يضمن؛ كإتلاف الخنزير.

ولأنه أتلف ما ليس بمباح (2). فلم يضمنه؛ كالميتة.

(1) في هـ: عن.

(2)

في هـ: مباح.

ص: 58

وأما كونه لا يضمن إناء الخمر على المذهب؛ فلما روى أنس قال: «كنتُ أَسقِي أبا طلحة، وأبي بن كعب (1)، وأبا عبيدة شَراباً من فَضِيخٍ. فأتانا آتٍ. فقال: إن الخمرةَ قد حرمتْ. فقالَ أبو طلحة: قمْ يا أنس! إلى هذه الجِرارِ فاكسِرْهَا» (2). وهذا يدل على سقوط حرمته، وإباحة إتلافه. فلم يضمن؛ كسائر المباحات.

وأما كونه يُضمن إن كان يُنتفع به في غيره على روايةٍ؛ فلأنه يمكنه الانتفاع به في غير الخمر. فلم يجز إتلافه؛ كسائر الآنية.

والأول أصح؛ لما تقدم. ولما روى الإمام أحمد بإسناده عن ابن عمر قال: «أمرَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن آتيهِ بمُدْيَةٍ -وهيَ الشفرةُ- فأتيتهُ بها. فأرسلَ بها. فَأُرْهِفَتْ ثم أعطانيها. وقال: اغدُ (3) عليّ بها (4) ففعلتُ. فخرجَ بأصحابهِ إلى أسواقِ المدينةِ وفيها زِقَاقُ الخمرِ، فأخذَ المُدْيَةَ مني، فَشَقَّ ما كانَ من تلكَ الزِّقَاقِ بحضرتهِ كلها، وأمرَ أصحابَهُ الذينَ كانوا معهُ أن يمضوا معي وأن يعاوِنوني. وأمرني أن آتيَ الأسواقَ كلَّها. فلا أجدُ فيها زِقَّ خمرٍ إلا شَقَقْتُهُ. ففعلتُ. فلمْ أتركْ في أسواقِها زِقاً إلا شَقَقْتُه» (5).

(1) سقطت جملة: وأبي بن كعب من هـ.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (6826) 6: 2649 كتاب التمني، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق

وأخرجه مسلم في صحيحه (1980) 3: 1572 كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر

(3)

في هـ: أعط.

(4)

ساقط من هـ.

(5)

أخرجه أحمد في مسنده (6165) 2: 133.

ص: 59