الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب اللقطة
قال الخليل: اللُّقطة بفتح القاف: اسم للملتقِط، كالضُّحَكةِ، والهُزَأَةِ، والهُمَزةِ، واللمزةِ، وبالسكون: اسم للمال الملقوط كالضُّحْكةِ الذي يُضحك منه، والهُزْأة الذي يُهزَأ به.
وقال (1) الأصمعي وابن الأعرابي والفراء: هي بفتح القاف اسم للمال أيضاً.
والأصل فيها ما روى زيد بن خالد الجهني قال: «سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق. فقال: اعرف وِكَاءَهَا وعِفَاصَهَا ثم عَرِّفْهَا سنة. فإن لم تعرف فاسْتَنْفِقْهَا. ولتكن وَدِيعةً عندك. فإذا جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه. وسُئل عن ضالة الإبل فقال: مالكَ ولها دعها فإن معها حِذاءَهَا وسِقَاءَهَا تَرِدُ الماءَ وتأكلُ الشجرَ حتى يجدها ربُّها. وسُئل عن الشاة فقال: خذها. فإنما هيَ لكَ أو لأخيكَ أو للذئب» (2). متفق عليه.
الوكاء: الخيط الذي يشد به المال.
والعفاص: الوعاء الذي فيه المال.
قال المصنف رحمه الله: (وهي: المال الضائع من ربه. وتنقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: ما لا تتبعه الهمّة، كالسَّوط، والشِّسْع، والرغيف: فيملك بأخذه بلا تعريف).
أما قوله رحمه الله: وهي المال الضائع من ربه؛ فبيان لمعنى اللقطة شرعاً.
وأما كونها تنقسم ثلاثة أقسام؛ فلأن منها: ما يملك بلا تعريف، ومنها: ما لا يملك البتة، ومنها: ما يملك بالتعريف. وسيأتي بيان ذلك مفصلاً في مواضعه (3).
(1) في هـ: قال.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (2296) 2: 856 كتاب في اللقطة، باب ضالة الغنم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1722) 3: 1349 كتاب اللقطة.
(3)
في هـ: مواضعها.
وأما كون ما لا تتبعه الهمة كالذي مثله المصنف رحمه الله يُملك بأخذه بلا تعريف، فلما روى جابر قال:«رخصَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في العصا، والسوطِ، والحبلِ، وأشباههِ يلتقطُه الرجلَ ينتفعُ به» (1). رواه أبو داود.
وروي عنه عليه السلام: «أنهُ أصابَ تمرةٍ. فقال: لولا أني أخشَى أن تكونَ صدقةً لأكلتُها» (2) متفق عليه (3).
و«أصاب رجل تمرة. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لو لمْ تأتِها لأتتْك» . ولم ينكر عليه أكلها.
وأما قوله رحمه الله: كالسَّوْط والشِّسْع والرغيف؛ فبيان لصور من صور ما لا تتبعه الهمّة، وتُملك بغير تعريف.
قال: (الثاني: الضوال التي تمتنع من صغار السباع، كالإبل، والبقر، والخيل، والبغال، والظباء، والطير، والفهود، ونحوها: فلا يجوز التقاطها. ومن أخذها ضمنها. فإن دفعها إلى نائب الإمام زال عنه الضمان).
أما كون الإبل لا يجوز التقاطها؛ فلما تقدم من قوله عليه السلام: «دعها فإن معها حذاءها وسقاءها» (4).
وعن عمر رضي الله عنه: «من أخذَ ضالةً فهوَ ضالّ» (5).
وأما كون البقر لا يجوز التقاطها، فـ «لأن جرير بن عبدالله طردَ بقرةً لحقتْ بالبقرِ حتى توارتْ. وقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يُؤْوِي الضالّةَ إلا ضَالّ» (6). والحجة فيه: أنه فَهِم من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم شموله للبقر.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (1717) 2: 138 كتاب اللقطة، باب في الشح.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (2299) 2: 857 كتاب في اللقطة، باب إذا وجد تمرة في الطريق.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1071) 2: 752 كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
(3)
في هـ: رواه ابن ماجة.
(4)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(5)
أخرجه مالك في الموطأ (50) 2: 581 كتاب الأقضية، باب القضاء في الضوال.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 191 كتاب اللقطة، باب ما يجوز له أخذه وما لا يجوز مما يجده.
(6)
أخرجه أبو داود في سننه (1720) 2: 139 كتاب اللقطة، باب في الشح.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2503) 2: 836 كتاب اللقطة، باب ضالة الإبل والبقر والغنم.
وأخرجه أحمد في مسنده (19169) 4: 362.
ولأن البقر لها قوة تمتنع بها عن صغار السباع. فهي كالإبل.
وأما كون باقي الصور لا يجوز التقاطها؛ فلأن فيها قوة تمتنع بها عن صغار السباع. أشبهت الإبل.
ولم يذكر المصنف رحمه الله الحمير وهي ملحقة بذلك عند الأصحاب؛ لأن لها قوة. أشبهت البقر. وصرح في المغني بأنها ملحقة عنده بالشاة. وعلل ذلك: بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «معها حذاءها وسقاءها» (1). وعلل في الغنم بأنها معرضة لأخذ الذئب إياها، والحمير مساوية للغنم في علتها مفارقة للإبل في علتها؛ لأنها لا صبر لها عن الماء، وبِقِلَّةِ صبرها يضرب المثل فيقال: ما بقي من مدته إلا ظِمء حمار.
وأما كون من أخذها يضمنها؛ فلأنه أخذ ملك غيره بغير إذنه، ولا إذن الشرع له. فضمنه، كالغاصب.
وأما كونه يزول الضمان عنه إذا دفعها إلى نائب الإمام؛ فلأن للإمام نظراً في ضوال الناس. بدليل أن له أخذها.
قال: (الثالث: سائر الأموال، كالأثمان، والمتاع، والغنم، والفصلان، والعجاجيل، والأفلاء: فمن لا يأمن نفسه عليها ليس له أخذها. فإن فعل ضمنها ولم يملكها وإن عرّفها. ومن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها فله أخذها. والأفضل تركها. وعند أبي الخطاب: إن وجدها بمَضْيَعَة فالأفضل أخذها).
أما كون من لا يأمن نفسه على الأشياء المذكورة ليس له أخذها؛ فلأن في أخذه لها تضييعاً لمال الغير. فحرم، كإتلافه.
وأما كونه يضمنها إذا فعل ذلك؛ فلأنه متعدٍّ بأخذها (2). فضمنها، كالغاصب.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
في هـ: متعذر يأخذها.
وأما كونه لا يملكها وإن عرّفها؛ فلأن السبب المحرم لا يفيد الملك. دليله: السرقة. والتقاط هذه محرم؛ لما تقدم. فلا يستفاد به الملك.
وأما كون من يأمن نفسه عليها ويقوى على تعريفها له أخذها؛ فلأن الشرع أذن له في ذلك؛ لأنه قال عليه السلام مرة: «اعرف عفاصها ووكاءها» (1) وقال في الشاة: «خذها» (2).
ولأن في ذلك حفظاً لمال غيره، فإن لم يكن واجباً فلا أقل من أن يكون جائزاً.
وأما كون الأفضل ترك الالتقاط على المذهب؛ فلأن ذلك قول ابن عباس وابن عمر، ولم يعرف لهما مخالف. فكان إجماعاً.
ولأنه يعرض نفسه لأكل الحرام، وتضييع الواجب من التعريف، وأداء الأمانة فيها. فكان تركه أولى، كولاية مال اليتيم.
وأما كون الأفضل أخذها عند أبي الخطاب إذا وجدها بمَضْيَعَة؛ فلما فيه من الحفظ المطلوب شرعاً.
قال: (ومتى أخذها. ثم ردّها إلى موضعها، أو فرّط فيها: ضمنها).
أما كون الآخذ يضمن إذا ردّ بعد الأخذ؛ فلأنها أمانة حصلت في يده. فلزمه حفظها، كالوديعة، وإذا ردّها فقد ضيّعها.
وأما كونه يضمن إذا فرّط فيها؛ فلأن كل أمانةٍ تُضمن بالتفريط. فكذلك هذه.
قال: (وهي على ثلاثة أضرب:
حيوان، فيتخيّر بين أكله وعليه قيمته، وبين بيعه وحفظ ثمنه، وبين حفظه والإنفاق عليه من ماله. وهل يرجع بذلك؟ على وجهين).
أما قول المصنف رحمه الله: وهي على؛ فراجع إلى ما تقدم من قوله: الثالث سائر الأموال.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وأما كونها على ثلاثة أضرب؛ فلأن منها: حيواناً، كالشاة، ومنها: ما يخشى فساده، كالطبيخ، ومنها: ما سوى ذلك.
وأما كون الملتقط يتخيّر في الحيوان بين أكله في الحال وعليه قيمته، وبين بيعه وحفظ ثمنه، وبين حفظه والإنفاق عليه من ماله: أما الأكل؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» (1). جعلها له في الحال ثم سوّى بينه وبين الذئب، والذئب يأكلها، فإذا أكله كان عليه قيمته؛ لأنه إذا كان عليه قيمة ما يضطر إليه إذا أكله. فلأن يكون عليه قيمة (2) ما ذُكر بطريق الأولى.
فعلى هذا يحفظ صفته ويعرّفه عاماً فإذا جاء صاحبه غرمه له.
وأما بيعه وحفظ ثمنه؛ فلأنه إذا كان له أكله فلأن يكون له بيعه بطريق الأولى.
وأما حفظه والإنفاق عليه من ماله؛ فلأن في ذلك حفظه على صاحبه عيناً ومالاً.
وأما كونه يرجع بما أنفقه على الحيوان ناوياً للرجوع بما أنفقه على وجهٍ؛ فلأنه أنفق على اللقطة لحفظها. فكان من مال صاحبها، كمؤونة تجفيف الرطب والعنب. وقد روي عن عمر بن عبدالعزيز «أنه قضى فيمن وجدَ ضالةً فأنفقَ عليها وجاءَ ربُها بأنه يغرمُ له ما أنفق» (3).
وأما كونه لا يرجع على وجهٍ؛ فلأنه أنفق على مال غيره بغير إذنه فلم يرجع، كما لو بنى داره. وفارق ذلك التجفيف من حيث: إن ذلك أحفظ. بخلاف إبقاء الحيوان.
ولأن نفقة التجفيف لا تتكرر، ونفقة الحيوان تتكرر حتى ربما استغرقت ثمنه.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
ساقط من هـ.
(3)
أخرجه بن أبي شيبة في مصنفه (21136) 4: 374 كتاب البيوع، في الرجل يأخذ البعير الضال فينفق عليه.
قال: (الثاني: ما يُخشى فساده. فيتخيّر بين بيعه وأكله. إلا أن يمكن تجفيفه كالعنب فيفعل ما يرى الحظ فيه لمالكه، وغرامة التجفيف منه. وعنه: يبيع اليسير، ويرفع الكثير إلى الحاكم).
أما كون الملتقط يتخير فيما يُخشى فساده، كالطبيخ والبطيخ (1) والتمر الرطب (2) إذا كان لا يمكن تجفيفه. بين بيعه وبين أكله على المذهب: أما البيع؛ فلأن فيه إبقاء لمالية ذلك.
وأما الأكل؛ فلأنه إذا كان له أكل ما لا يتلف بتقدير البقاء فلأن يكون له أكل ما لا يبقى بطريق الأولى.
فعلى هذا إن باعه حفظ ثمنه، وإن أكله غرم قيمته. ولم يصرح المصنف رحمه الله بذلك؛ اكتفاء بما تقدم. إذ هما سواء في المعنى.
وأما كونه يبيع اليسير، ويرفع الكثير إلى الحاكم على رواية؛ فلأن اليسير يتسامح به. بخلاف الكثير.
والأول أولى، لأنه مالٌ أبيحَ له التصرف فيه بالأكل والصدقة. فأبيح له أن يتولى بيع الكثير منه واليسير، كمال نفسه. أو مال أبيح له بيعه عند عدم الحاكم. فجاز عند وجوده، كمال مَوْلِيِّه.
وأما كونه يفعل ما يرى فيه الحظ لمالكه فيما يُخشى فساده ويمكن تجفيفه كالعنب والرطب ونحوهما؛ فلأن ذلك أمانة في يده، وفعل الحظ في الأمانة مُتعين.
فإن قيل: كيف جاز بيع الحيوان دون هذا؟
قيل: لأن في ترك الحيوان ضرراً وهو النفقة عليه، وخيفة موته. بخلاف هذا.
وأما كون غرامة التجفيف منه؛ فلأنه من مصلحته. فكان منه، كما لو كان ذلك ليتيم.
قال: (الثالث: سائر المال فيلزمه حفظه).
أما قول المصنف رحمه الله: سائر المال؛ فيشمل ما عدا ما تقدم ذكره، كالأثمان، والمتاع، وغيرهما.
(1) في أ: كالبطيخ والطبيخ.
(2)
في ج: والأثمار الرطبة.
وأما كون الملتقط يلزمه حفظ ذلك؛ فلأنه أمانةٌ في يده. فلزمه حفظه، كالوديعة.
قال: (ويعرِّف الجميع بالنداء عليه في مجامع الناس، كالأسواق، وأبواب المساجد في أوقات الصلوات حولاً كاملاً: من ضاع منه شيء أو نفقة).
أما كون الملتقِط يُعَرِّف جميع ما تقدم ذكره بالنداء عليه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به زيد بن خالد (1) وأبي بن كعب (2).
ولأن إيصال اللقطة إلى صاحبها مع القدرة عليه واجبٌ، ولا يتم ذلك إلا بالتعريف، وما لا يتم الواجبُ إلا به واجب.
وأما كون التعريف كما ذكره المصنف (3)؛ فلأنه طريقٌ إلى إيصال الحق إلى مستحقه. وفيه تنبيهٌ على أنه يشتمل على أربعة أضرب: مكانه، وزمانه، ومدته، وكيفيته: أما مكانه فكما ذكر المصنف من الأسواق وأبواب المساجد؛ لأن المقصود إشاعة ذكرها، وذلك طريق إليه. وقد روي عن عمر رضي الله عنه «أنهُ أمرَ واجدَ اللقطةِ بتعريفها على بابِ المسجد» (4).
وفي قوله رحمه الله: وأبواب المساجد إشعارٌ بأن التعريف لا يفعل في المسجد، وإن كان مجمَع الناس؛ لأن المسجد لم يُبْن (5) لذلك. وقد روى أبو هريرة عن النبي
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: «أخذت صرة مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عرفها حولا. فعرفتها حولا. فلم أجد من يعرفها. ثم أتيته. فقال: عرفها حولا. فعرفتها فلم أجد. ثم أتيته ثلاثا. فقال: احفظ وعاءها وعددها ووكاءها. فإن جاء صاحبها، وإلا فاستمتع بها. فاستمتعت» .
أخرجه البخاري في صحيحه (2294) 2: 855 كتاب في اللقطة، باب وإذا أخبره رب اللقطة بالعلامة دفع إليه.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1723) 3: 1350 كتاب اللقطة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1374) 3: 658 كتاب الأحكام، باب ما جاء في اللقطة وضالة الإبل والغنم.
وأخرجه أحمد في مسنده (20416) 5: 126.
(3)
ساقط من هـ.
(4)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (18620) 10: 136 كتاب اللقطة.
(5)
في هـ: يكن.
صلى الله عليه وسلم: «من سمعَ رجلاً ينشدُ ضالةً في المسجد فليقل: لا أدّاها الله إليكَ. فإن المساجدَ لم تُبْنَ لهذا» (1)[رواه مسلم](2).
وأما زمانه فكما ذكره المصنف رحمه الله من أوقات الصلوات. والمعتبر فيه النهار دون الليل؛ لأن النهار مَجْمع الناس وتيقظهم فيه. دون الليل.
وأما مدته فحول كامل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن خالد الجهني: «عرفها سنة» (3).
ولأن السَّنَة لا تتأخر عنها القوافل غالباً، وتمضي فيها الأوقات المشتملة على الحر والبرد والاعتدال. فصلحت مدةً، كمدة أجل العنِّين.
وأما كيفيته، فكما ذكره المصنف قبلُ.
وقال في المغني: يَذكر جنسها. فيقول: من ضاع منه ذهب أو فضة أو دراهم أو دنانير. ولا يذكر الوصف، فإنه لا يؤمن أن يسمعه أحد فيعرف. ثم يذكره. فيأخذها.
قال: (وأجرة المنادي عليه. وقال أبو الخطاب: ما لا يُملك بالتعريف، وما يُقصد حفظه لمالكه: يرجع بالأجرة عليه).
أما كون أجرة المنادي على المعرّف على المذهب؛ فلأنه سببٌ لتملكها. فكانت الأجرة عليه، كما لو اكترى شخصاً يقطع له مباحاً.
وأما كون أجرة ما لا يملك بالتعريف، وما يُقصد حفظه لمالكه يرجع بها على المالك على قول أبي الخطاب؛ فلأنه من مؤونة إيصالها إليه. فكان على مالكها، كأجرة مخزنها ورعيها (4) وتجفيفها. ونسب المصنف رحمه الله في المغني ما لا يُملك بالتعريف إلى ابن عقيل، وما يُقصد تعريفه إلى أبي الخطاب.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (568) 1: 397 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد.
وأخرجه أبو داود في سننه (473) 1: 128 كتاب الصلاة، باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد.
(2)
زيادة من ج.
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(4)
في هـ: وراعيها.
قال: (فإن لم يُعرف دخل في ملكه بعد الحول حكماً، كالميراث. وعند أبي الخطاب: لا يملكه حتى يختار ذلك. وعن أحمد: لا يَملك إلا (1) الأثمان. وهي ظاهر المذهب. وهل له الصدقة بغيرها؟ على روايتين. وعنه: لا تملك لقطة الحرم بحال).
أما كون ما لم يُعرف يدخل في ملك الملتقط بعد الحول حكماً، كالميراث على الأول؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بكونها له فقال في حديث زيد بن خالد:«فإن لم تعرفْ فاستنفقْها» (2).
وفي لفظ: «فهي كسبيلِ مالِك» (3).
وفي لفظ: «فانتفِعْ بها» .
وفي لفظ: «فشأنكَ بها» (4).
وأما كونه لا يملك ذلك عند أبي الخطاب حتى يختار ذلك (5)؛ فلأنه يملك بعوض. فلم يحصل إلا باختيار المتملك، كالبيع.
وأما كونه لا يَملك إلا الأثمان في ظاهر المذهب؛ فلأنه يروى عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود.
ولأنها لقطة لا تُملك في الحرم. فلا تملك في غيره، كالإبل.
ولأن الخبر ورد في الأثمان، وغيرها لا يساويها، لعدم الغرض المتعلق بعينها. فمثلها يقوم مقامها من كل وجهٍ. بخلاف غيرها.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله في قوله: فإن لم يعرف دخل في ملكه أن العروض تُملك كالأثمان؛ لأنه عمّم. ثم ذكر عن أحمد رواية: أنها لا تملك. وقد رجح الأول في المغني؛ لأنه ذكر نحواً مما تقدم. ثم قال: ولنا عموم الأحاديث في
(1) ساقط من هـ.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2506) 2: 837 كتاب اللقطة، باب اللقطة.
(4)
سيأتي ذكره قريباً.
(5)
في هـ: يختاره.
اللقطة جميعها «فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال: عرِّفهَا سنةً -ثم قال في آخره: - فانتفعْ بها أو فشأنكَ بها» (1).
وفي حديث عياض: «منْ وَجَدَ لُقطَةً» (2). وهو عام (3).
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «أتى رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! كيف ترى في متاعٍ يوجد في الطريق الميتاء، أو قرية مسكونة؟ فقال: عرّفه سنةً. فإن جاء صاحبه، وإلا فشأنكَ به» (4) رواه الأثرم والجوزجاني.
ولأن ما جاز التقاطه يمُلك (7) بالتعريف، كالأثمان.
وأما كون الملتقِط له الصدقة بالملتقَط الذي لا يُملك على روايةٍ؛ فلما روي عن ابن مسعود «أنه اشترى جاريةً. فذهبَ صاحبها. فجعلَ يتصدقُ بالثمنِ ويقولُ: لصاحبها. فإن أبى قبلنَا، وعلينا الثمن. ثم قال: هكذَا يُصنعُ باللقطة» (8).
ولأن الإنسان ينتفع بماله تارة لمعاشه، وتارة لمعاده. فإذا تعذّر المعاشُ انصرف إلى المعاد.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2243) 2: 836 كتاب المساقاة، باب شرب الناس والدواب من الأنهار.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1722) 3: 1347 كتاب اللقطة.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (1709) 2: 136 كتاب اللقطة، باب في الشح.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2505) 2: 837 كتاب اللقطة، باب اللقطة.
(3)
في ج: وهو لفظ عام.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (1710) 2: 136 كتاب اللقطة، باب في الشح.
وأخرجه النسائي في سننه (2494) 5: 44 كتاب الزكاة، باب المعدن.
(5)
في هـ: بها العامل.
(6)
أخرجه الدارمي في سننه (2595) 2: 182 كتاب البيوع، باب في اللقطة.
(7)
في هـ: ملك.
(8)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (18631) 10: 139 كتاب اللقطة.
ولا بد أن يُلحظ في هذه: الضمان إذا جاء طالبها، كالأموال التي في يده لا يعلم مالكها، وحديث ابن مسعود يدل عليه.
وأما كونه ليس له ذلك على روايةٍ؛ فلأنه تصرّف في مال الغير بغير إذنه.
قال المصنف في المغني: هذا قولٌ قديمٌ رَجع عنه.
وأما كون لقطة الحرم لا تملك على روايةٍ؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مكة: لا تَحِلُ ساقطتُها إلا لمُنشد» (1) متفق عليه.
قال أبو عبيدة: المُنشِد: المعرّف، والناشد: الطالبُ. فيكون معناه: لا تحل لقطة مكة إلا لمن يعرّفها؛ لأنها خُصّت بهذا من بين سائر البلدان.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه نهَى عن لُقطةِ الحاجّ» (2) رواه مسلم.
قال ابن وهب: يعني يتركها حتى يجدها صاحبها.
والأول أصح، لما تقدم من عموم الأحاديث.
ولأنه أحد الحرمين. أشبه حرم المدينة.
ولأنها أمانة. فلا يختلف حكمها بالحل والحرم، كالوديعة.
وقوله عليه السلام: «إلا لمنشد» (3) يحتمل أنه يريد إلا لمن عرّفها عاماً. وتخصيصها بذلك لتأكيدها لا لتخصيصها، كقوله عليه السلام:«ضالةُ المسلمِ حَرقُ النَارِ» (4)، وضالة الذمي تُقاس عليها.
ولأن في ذكر ذلك فائدة هي مفقودة في غير مكة وذلك أنه ربما تُوُهّم أنه لا فائدة في تعريف لقطةِ مكة من حيث إن الناس يتفرّقون شرقاً وغرباً. فنص على التعريف قطعاً لذلك.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2302) 2: 857 كتاب في اللقطة، باب كيف تعرف لقطة أهل مكة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1355) 2: 988 كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها
…
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (1724) 3: 1351 كتاب اللقطة، باب في لقطة الحاج.
وأخرجه أبو داود في سننه (1719) 2: 139 كتاب اللقطة، باب في الشح.
وأخرجه أحمد في مسنده (16100) 3: 499.
(3)
سبق تخريجه قريباً.
(4)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2502) 2: 836 كتاب اللقطة، باب ضالة الإبل والبقر والغنم.
والقول بأن التعريف مطلقاً مرجوحٌ بالنسبة إلى تعريف السنة، لأن اللفظ وإن كان مطلقاً هنا فهو مقيدٌ في بقية الأحاديث.
والقول بأن المنشد: الطالب إن (1) لم يُمنع فهو مرجوحٌ بالنسبة إلى استعماله بمعنى المعرف (2).
(1) ساقط من هـ.
(2)
في ج: استعمالها بمعنى العرف.
فصل [في التصرف باللقطة]
قال المصنف رحمه الله: (ولا يجوز له التصرّف في اللقطة حتى يَعْرف وِعاءها، ووكاءها، وقَدْرها، وجنسها، وصفتها).
أما كون الملتقط لا يجوز له التصرف في اللقطة حتى يعرف وعاءها، ووكاءها، وقدرها؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك كله فقال لزيد بن خالد:«اعرف وكاءَهَا وعِفَاصَهَا» (1)، وفي حديث أبي بن كعب:«اعرف وعاءَهَا ووكاءَهَا وعدَدَهَا» (2).
وأما كونه لا يجوز له التصرف حتى يعرف جنسها وصفتها؛ فلأنه إذا تصرّف فيها انعدمت عينها. فإذا لم يعرف جنسها وصفتها لم يبق سبيلٌ إلى معرفتها.
قال: (ويستحب ذلك عند وجدانها، والإشهاد عليها).
أما كونه يستحب معرفة ذلك عند وجدان اللقطة؛ فلأن فيه تحصيلاً للعلم بذلك. فإذا جاء صاحبها فوصفها غلب على ظنه صدقه. فيجوز دفعها إليه.
وأما كونه يستحب الإشهاد عليها؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «منْ وجدَ لقطةً فليشهدْ ذَوَيْ عَدل» (3) رواه أبو داود [والنسائي وابن ماجة](4).
فإن قيل: هذا أمرٌ، وظاهر الأمرِ الوجوب.
قيل: مُسَلَّم. إلا أنه يُحمل على الاستحباب إذا دلّ عليه الدليل، وقد وُجد
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (1709) 2: 136 كتاب اللقطة، باب في الشح.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2505) 2: 837 كتاب اللقطة، باب اللقطة. ولم أره في النسائي.
(4)
زيادة من ج.
هنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن خالد (1) وأبي بن كعب (2) بالتعريف دون الإشهاد. فلو وجب الإشهاد لذكره (3). لا سيما وقد سُئل عن حكم اللقطة.
ولأنه أخذ على وجهِ الأمانة. فلا يفتقرُ إلى الإشهاد، كالوديعة.
قال: (فمتى جاء طالبها. فوصفها: لزمه دفعها إليه بنمائها المتصل. وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحول، ولواجدها بعده في أصح الوجهين).
أما كون الملتقط يلزمه دفع اللقطة إلى صاحبها الواصف لها؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن جاءكَ أحد يخبرك بعددها ووعاءها ووكاءها فادفعها إليه» (4).
قال ابن المنذر: هذا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث زيد: «اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرّفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه» (5) يعني إذا ذكر صفاتها؛ لأن ذلك هو المذكور في صدر الحديث.
وأما كونه يلزمه دفع نمائها المتصل؛ فلأنه نماء ملكه.
ولأنه لا يمكن انفصاله.
ولأن ذلك يتبع في الفسوخ والعقود.
وأما كون زيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحول؛ فلأنها نماء ملكه.
وأما كونها لواجدها بعد الحول في وجهٍ، فلأنه ملكها بانقضاء الحول. فيكون النماء المنفصل نماء ملكه.
وأما كونها لصاحب اللُّقطة في وجهٍ؛ فبالقياس على المفلس إذا استُرجعت منه العين بعد أن زادت زيادة متميزة، وعلى الابن إذا استرجَع أبوه ما وهبه له بعد زيادته.
(1) سبق ذكره ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
سبق ذكره ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
في هـ: لذكر.
(4)
وذلك في حديث أبي، وقد سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(5)
سبق ذكر حديث زيد وتخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وصحح المصنف رحمه الله الأول. ثم قال: وكذا نقول: الصحيح في الموضعين المذكورين: أن الزيادة المذكورة لا تتبع الأصل. ثم الفرق بينهما وبين اللقطة أن الملتقط يضمن النقص. فتكون الزيادة له ثم ليس على من ذُكر ضمان النقص. فأمكن أن لا تضمن (1) الزيادة.
قال: (وإن تلفت، أو نقصت قبل الحول: لم يضمنها. وإن كان بعده ضمنها).
أما كون الملتقط لا يضمن اللقطة إذا تلفت أو نقصت قبل الحول؛ فلأنها أمانة في يده. فلم يضمن إذا لم يفرط (2) فيها، كالوديعة.
وأما كونه يضمن ذلك بعده؛ فلأنها دخلت في ملكه بانفصاله وتلفت من ماله، ولا فرق حينئذٍ بين التفريط وعدم التفريط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«فاستنفقها فإذا طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه» (3)، وليس المراد العين؛ لأنه أمره بإنفاقها فعلم أن المراد الضمان، وقد أوجبه (4) عليه من غير تفصيل.
قال: (وإن وصفها اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين، وفي الآخر: يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها. وإن أقام آخر بينة أنها له أخذها من الواصف. فإن تلفت ضمنها من شاء من الواصف والدافع إليه. إلا أن يدفعها بحكم حاكم فلا ضمان عليه. ومتى ضمن الدافع رجع على الواصف).
أما كون اللقطة تقسم (5) بين الواصفين في وجهٍ، فلأنهما استويا في السبب الموجب للدفع. أشبه ما لو استويا في السبب (6) الموجب للنَّقل.
وأما كونه يقرع بينهما في وجهٍ، فلأنه لا مزية لأحدهما على الآخر.
قال المصنف في المغني: والذي قلناه أصح -يعني القرعة-؛ لأنها أشبه بالأصول. فيما إذا تداعيا شيئاً في يد غيرهما.
(1) في هـ: تملك.
(2)
في هـ: يفطر.
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(4)
في ج: أوجبها.
(5)
في هـ: تنقسم.
(6)
سقط لفظي: في السبب من أ.
فعلى هذا (1) من قرع صاحبه أخذها؛ لأن ذلك فائدة القرعة، ويحلف لاحتمال أنها ليست له.
وأما كون من أقام بينة أنها له يأخذها من الواصف؛ فلأن البينة أقوى من الوصف.
وأما كونه يُضَمِّنها من شاء من الواصف والدافع إليه إذا تلفت وكان الدفع بغير حكم حاكم: أما تضمين الواصف؛ فلأنه أخذ مال غيره بغير إذنه. فتلف عنده.
وأما تضمين الدافع؛ فلأنه دفع المال إلى غير صاحبه. أشبه ما لو دفع الوديعة إلى غير مُودعها إذا غلب على ظنه أنه مالكها.
وأما كونه لا يضمن الدافع إذا كان بحكم الحاكم؛ فلأنها أُخذت منه كرهاً. فلا ينسب إلى تفريط.
وأما كون الدافع إذا ضَمن يرجع على الواصف؛ فلأن التلف حصل في يده.
واشترط المصنف في المغني في الرجوع على الواصف: أن لا يكون الدافع أقر له (2) بالملك بلفظه؛ لأنه إذا اعترف بذلك فقد اعترف أن الواصف هو المحق وأن صاحب البينة ظلمه.
وفي كلام المصنف هنا إشعارٌ بأن صاحب البينة إذا ضَمَّن الواصف لا يرجع الواصف على الدافع. وصرح به في المغني؛ لأن التلف حصل في يده.
ولأن الدافع لو ضَمِن لرجع على الواصف. فكيف يرجع الواصف عليه؟ .
(1) ساقط من هـ.
(2)
ساقط من هـ.
فصل [في الملتقط]
قال المصنف رحمه الله: (ولا فرق بين كون الملتقط غنياً أو فقيراً، مسلماً أو كافراً، عدلاً أو فاسقاً يأمن نفسه عليها. وقيل: يُضم إلى الفاسق أمينٌ في تعريفها وحفظها).
أما كونه لا فرق بين كون الملتقط غنياً أو فقيراً، مسلماً أو كافراً؛ فلعموم ما تقدم من الأدلة.
وأما كونه لا فرق بين كونه عدلاً أو فاسقاً يأمن نفسه عليها على المذهب؛ فلما ذكر.
وأما كونه يُضم إلى الفاسق أمينٌ فيما ذُكر على قولٍ؛ فلأن الفاسق لا يؤمن على مال غيره، ولا يمكن انتزاعها من يده؛ لأن له فيها حق التملك (1). ونصّ المصنف رحمه الله على التعريف؛ لأن الفاسق قد ينقص شيئاً من صفاتها أو يغيّره. فافتقر ذلك إلى مشاركة الأمين، كالحفظ.
قال: (وإن وجدها صبي أو سفيه قام وليه بتعريفها. فإذا عرّفها فهي لواجدها).
أما كون ولي الصبي والسفيه يقوم بتعريف اللقطة؛ فلأن واجدها ليس من أهل التعريف، وهو يقوم في ماله. فكذلك يقوم في لقطته.
وأما كونها لواجدها إذا عرّفها وليه؛ فلأن سبب الملك الوجدان. فاختص بمن وجد منه. وفي قيام الولي (2) بما ذكر إشعارٌ بأنه (3) يصح التقاط الصبي والسفيه، وهو صحيح؛ لدخولهما في عموم الأخبار.
ولأن ذلك نوع كسب. فصح منهما، كالاصطياد.
(1) في ج: الملك.
(2)
ساقط من هـ.
(3)
في هـ: بأن.
قال: (وإن وجدها عبد فلسيده أخذها منه وتركها معه يتولى تعريفها إذا كان عدلاً. وإن لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها عنه. فإن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته. وإن أتلفها بعده فهي في ذمته).
أما كون السيد له أخذ اللقطة من عبده؛ فلأنها من كسب العبد، وأكسابُه لسيده، وللسيد انتزاع كسبه من يده.
وأما كونه له تركها في يده مع عدالته؛ فلأنها من كسبه، وله ترك كسبه في يده.
وفي كلام المصنف رحمه الله ما يُشعر بصحة التقاط العبد بغير إذن سيده. وقد صرح به في المغني، لعموم الأخبار.
ولأن الالتقاط سببٌ يَملك به الصبي، ويصح منه. فصح من العبد، كالاحتطاب.
ولأن من جاز له قبول الوديعة بغير إذن سيده جاز له أن يأخذ اللقطة، كالحر.
فإن قيل: اللقطة قبل الحول أمانة وولاية (1)، وبعده تملكٌ، والعبد ليس من (2) أهل ذلك.
قيل: أما كونها ولاية؛ فباطل بالصبي والمجنون.
وأما كونها تملكاً؛ فصحيح. والعبد أهلٌ له. بدليل أنه يصح منه الاصطياد والاحتشاش وغير ذلك.
وأما كون العبد يلزمه سترها عن سيده إذا لم يأمنه عليها؛ فلأنه يلزمه حفظها، وذلك وسيلةٌ إليه.
وأما كونها في رقبته إذا أتلفها قبل الحول؛ فلأن ذلك من جنايته. فتعلق برقبته، كسائر جناياته.
وفي كلامه إشعارٌ بأنها إذا تلفت بغير تفريطٍ لا ضمان عليه. وصرح به في المغني؛ لأنه يصح التقاطه. فلم يضمن إذا لم يفرّط، كالحر.
(1) ساقط من هـ.
(2)
مثل السابق.
وأما كونها في ذمته إذا أتلفها بعده؛ فلأنه غير متعدٍ في إتلافها بعد الحول بالنسبة إلى صاحبها. فوجب تعلقها بذمته لا برقبته. بخلاف إتلافها قبل الحول فإنه متعدٍّ (1).
قال: (والمكاتب كالحر. ومن بعضه حرٌّ فهي بينه وبين سيده. إلا أن يكون بينهما مهايأة فهل تدخل في المهايأة؟ على وجهين).
أما كون المكاتب هنا كالحر؛ فلأن حكمه كالحر في سائر أكسابه. فكذلك في هذا (2).
وأما كون اللقطة بين من بعضه حر وبين سيده إذا لم يكن بينهما مهايأة؛ فلأنها من كسبه، وكسبه بينهما فكذا هذا.
وأما كونها تدخل في المهايأة إذا كانت بينهما مهايأة. وهي: أن يتفق السيد ومن بعضه حر على أن تكون المنافع يوماً لهذا ويوماً لهذا، أو يومين ويومين، أو يوماً ويومين (3) على الاتفاق في الملك والاختلاف على وجهٍ؛ فلأنها من كسبه. دخلت، كسائر الأكساب.
وأما كونها لا تدخل على وجهٍ؛ فلأنها من الأكساب النادرة. والنادر لا يُعلم وجوده. فلا يدخل في المهايأة.
قال المصنف في المغني: وحكم سائر الأكساب النادرة من الوصية والركاز (4) والهدية ونحو ذلك حكم اللقطة. والله أعلم بالصواب.
(1) في هـ: متعذر.
(2)
في هـ: فكذلك هنا.
(3)
سقط جملة: أو يوماً ويومين من هـ.
(4)
في هـ: والزكاة.