المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الصداق الصَّداق: هو العوض في النكاح. وله أسام: الصداق، والصدقة، - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٣

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب إحياء المَوَات

- ‌باب الجُعالة

- ‌باب اللقطة

- ‌باب اللقيط

- ‌كتاب الوقف

- ‌باب الهبة والعطية

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب ميراث ذوي الفروض

- ‌باب العصبات

- ‌باب أصول المسائل

- ‌باب تصحيح المسائل

- ‌باب المناسخات

- ‌باب قسمة التركات

- ‌باب ذوي الأرحام

- ‌باب ميراث الحمل

- ‌باب ميراث المفقود

- ‌باب ميراث الخنثى

- ‌باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم

- ‌باب ميراث أهل الملل

- ‌باب ميراث المطلقة

- ‌باب الإقرار بمشارك في الميراث

- ‌باب ميراث القاتل

- ‌باب ميراث المعتق بعضه

- ‌باب الولاء

- ‌كتاب العتق

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب أحكام أمهات الأولاد

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب أركان النكاح وشروطه

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب الشروط في النكاح

- ‌باب حكم العيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء

- ‌كتاب الخلع

- ‌نهاية السقط من المطبوعة

الفصل: ‌ ‌كتاب الصداق الصَّداق: هو العوض في النكاح. وله أسام: الصداق، والصدقة،

‌كتاب الصداق

الصَّداق: هو العوض في النكاح. وله أسام: الصداق، والصدقة، والمهر، والنِّحلة، والفريضة، والأجر، والعلائق، والعقر، والحباء. وقد جاء ذلك مستعملاً: أما الصداق؛ ففيما روت عائشة: «أنها سُئلت عن صداق النبي صلى الله عليه وسلم. فقالت: ثنتا عشرة أوقية ونش» (1) وفي حديث صفية: «جعل عتقها صداقها» (2).

وأما الصدقة؛ ففي قوله تعالى: {وآتوا النساء صَدُقاتهن نِحْلة} [النساء: 4]؛ لأن الصَّدُقات جمع صدقة.

وأما المهر؛ ففي حديث ابن مسعود: «لها مهرُ نسائها» (3).

وأما النِّحلة؛ ففيما تقدم. قال الجوهري: يقال أعطاها مهرها نِحْلة. بالكسر.

وأما الفريضة والأجر؛ ففي قوله تعالى: {فآتوهن أجورهن فريضة} [النساء: 24].

وأما العلائق؛ ففي قوله عليه السلام: «أدوا العلائِق. قالوا يا رسول الله! وما العلائق؟ قال: ما تراضَى به الأهلون» (4).

وأما العقر؛ ففي قول عمر رضي الله عنه: «لها عقر نِسائِها» .

وأما الحباء؛ ففي قول الشاعر:

أنكحها فقدها الأراقم في

جنب وكان الحباء من أدم

يعني: وكان الصداق من أدم.

(1) سيأتي تخريجه ص: 656.

(2)

سيأتي تخريجه قريباً.

(3)

أخرجه النسائي في سننه (3354) 6: 121 كتاب النكاح، إباحة التزويج بغير صداق.

(4)

أخرجه الدارقطني في سننه (10) 3: 244 كتاب النكاح، باب المهر.

ص: 654

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وهو مشروع في النكاحٍ. ويستحب تخفيفه، وأن لا يعرى النكاح عن تسميته، وأن لا يزيد على صداق أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته. وهو: خمسمائة درهم).

أما كون الصداق مشروعاً في النكاح فالأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {وأُحِلّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم مُحْصِنِين غيرَ مسافحين} [النساء: 24]، وقوله تعالى:{وآتوهن أجورهن} [النساء: 25]، {وآتوا النساء صدقاتهن نِحْلة} [النساء: 4].

وأما السنة؛ فما روى أنس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبدالرحمن بن عوف درع زعفران. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَهْيَم؟ قال يا رسول الله! تزوجتُ امرأة. فقال: ما أصدقتها؟ فقال: وزن نواةٍ من ذهب» (1).

وعنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقَ صفيةَ وجعلَ عتقَها صَدَاقَهَا» (2) متفق عليهما.

وأما الإجماع فإجماع المسلمون في الجملة على مشروعية الصداق في النكاح.

وأما كون تخفيفه يستحب؛ فلما روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعظمُ النساء بركةً أيسرهن مؤونة» (3) رواه أبو حفص بإسناده.

وعن عمر رضي الله عنه قال: «لا تغالوا في صُدُقَ النساء. فإنه لو كان مكرمة أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن الرجل ليغالي بصدقة امرأته حتى يكونَ لها عداوةٌ في قلبه. وحتى يقول: كُلِّفْتُ لكمْ عِلْقَ (4) القِرْبة» (5) أخرجه النسائي وأبو داود مختصراً.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4872) 5: 1983 كتاب النكاح، باب الوليمة ولو بشاة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1427) 2: 1042 كتاب النكاح، باب الصداق

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (4798) 5: 1956 كتاب النكاح، باب من جعل عتق الأمة صداقها.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1365) 2: 1045 كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها.

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (25162) 6: 145.

(4)

في أ: عرق.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (2106) 2: 235 كتاب النكاح، باب الصداق.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1114) 3: 422 كتاب النكاح، باب منه.

وأخرجه النسائي في سننه (3349) 6: 118 كتاب النكاح، القسط في الأصدقة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1887) 1: 607 كتاب النكاح، باب صداق النساء.

وأخرجه أحمد في مسنده (340) 1: 48.

ص: 655

وأما كون النكاح يستحب أن لا يعرى عن تسميته؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزوج بناته وغيرهن ويتزوج. فلم يكن يخلى ذلك من صداق.

و«قال للذي زوجه الموهوبة: هل من شيء تصدقها به؟ فالتمس. فلم يجد شيئًا. قال: التمس ولو خاتمًا من حديد» (1).

ولأنه أقطع للنزاع فيه.

وأما كون المتزوج يستحب له أن لا يزيد على صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلما فيه من التأسّي بهن، والاتباع لفعلهن.

وأما كون صداقهن خمسمائة درهم؛ فلما روي: «أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن صداق النبي صلى الله عليه وسلم. فقالت: ثنتا عشرة أوقية ونش. فقال: أبو سلمة: ما نَش؟ فقالت: نصف أوقية» (2) أخرجه النسائي وأبو داود.

والأوقية: أربعون درهماً.

قال: (ولا يتقدّر أقلّه ولا أكثره. بل كل ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون صداقاً من قليل وكثير، وعين ودين، ومعجل ومؤجل، ومنفعة معلومة؛ كرعاية غنمها مدة معلومة، وخياطة ثوب، ورد عبدها من موضعٍ معين. وإن كانت مجهولة؛ كرد عبدها أين كان، وخدمتها فيما شاءت: لم يصح. وإن تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى روايتين. وكل موضعٍ لا تصح التسمية وجب مهر المثل).

أما كون الصداق لا يتقدر أقله؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزوج الموهوبة: التمس ولو خاتمًا من حديد» (3).

(1) سيأتي تخريجه ص: 660.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (1426) 2: 1042 كتاب النكاح، باب الصداق.

وأخرجه أبو داود في سننه (2105) 2: 234 كتاب النكاح، باب الصداق.

وأخرجه النسائي في سننه (3347) 6: 116 كتاب النكاح، القسط في الأصدقة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1886) 1: 607 كتاب النكاح، باب صداق النساء.

(3)

سيأتي تخريجه ص: 660.

ص: 656

وعن عامر بن ربيعة «أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضيتِ من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت: نعم. فأجازه» (1). رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن رجلاً أعطى امرأة صداقًا ملء يده طعامًا كانت حلالاً له» (2). رواه الإمام أحمد.

ولأن قوله: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم} [النساء: 24]: يدخل فيه القليل والكثير.

ولأنه بدل منفعتها. فجاز ما تراضيا عليه من المال؛ كالبيع والإجارة وغيرهما من عقود المعاوضة.

وأما كونه لا يتقدّر أكثره؛ فلأنه لا توقيف فيه بإجماع أهل العلم. قاله ابن عبدالبر. وقال الله عز وجل: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} [النساء: 20].

وروي: «أن عمرُ أصدقَ أم كلثوم ابنة علي أربعينَ ألفاً» (3) رواه أبو حفص بإسناده.

وعن أبي سعيد: «ملء مَسْكِ ثور ذهباً» . وعن مجاهد: «سبعين ألف مثقال» .

وأما كونه يجوز بكل ما يجوز أن يكون ثمناً من قليل

إلى قوله: ومنفعة معلومة؛ فلأنه أحد العوضين. أشبه عوض المبيع، والمبيع يجوز بذلك كله.

وقد نبه الله تعالى على جواز كون الصداق منفعة معلومة بقوله: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حِجَج} [القصص: 27].

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1113) 3: 420 كتاب النكاح، باب ما جاء في مهور النساء.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1888) 1: 608 كتاب النكاح، باب صداق النساء.

وأخرجه أحمد في مسنده (15711) 3: 445.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (14866) 3: 355.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (16381) 3: 483 كتاب النكاح، من تزوج على المال الكثير وزوج به.

ص: 657

وأما قول المصنف رحمه الله تعالى: "كرعاية غنمها

إلى قوله: من موضع معين"؛ فبيان لصور (1) من صور المنفعة المعلومة وتعداد لها.

وأما كونه لا يصح إذا كانت المنفعة مجهولة؛ كرد عبدها أين كان، أو خدمتها فيما شاءت؛ فلأنه مجهول في عقد معاوضة. فلم يصح؛ كالعوض المجهول في البيع.

وأما كونه إذا تزوجها على منافعه مدة معلومة يصح على روايةٍ؛ فلضبط منافعه بالمدة.

وأما كونه لا يصح على روايةٍ؛ فلأنها متبوعة فتفضي إلى الجهالة.

وأما كون المهر يجب في كل موضعٍ لا تصح التسمية؛ فلأن فساد العوض يقتضي رد المعوض. وقد تعذر رده لصحة النكاح. فوجب قيمته وهو مهر المثل؛ كمن اشترى شيئاً بثمنٍ فاسد فقبض المبيع وتلف في يده فإنه يجب عليه رد قيمته.

قال: (وإن أصدقها تعليم أبوابٍ من الفقه، أو الحديث، أو قصيدةٍ من الشعر المباح: صح. فإن كان لا يحفظها لم يصح. ويحتمل أن يصح، ويتَعلَّمُها ثم يُعلِّمُها. وإن تعلَّمتها من غيره لزمه أجرة تعليمها. وإن طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها فعليه نصف الأجرة. ويحتمل أن يعلمها نصفها. وإن كان بعد تعليمها رجع عليها بنصف الأجرة).

أما كون تعليم ما ذُكر يصح أن يكون صداقاً؛ فلأنه يصح أخذ الأجرة على ذلك كله. فصح أن يكون صداقاً؛ كمنافع الدار.

وأما كونه لا يصح ذلك على المذهب إذا كان لا يحفظ ذلك؛ فلأنه أصدقها شيئاً لا يَقدر عليه. فلم يصح؛ كما لو استأجر من لا يحسن الخياطة لخياطة ثوبه.

وأما كونه يحتمل أن يصح ويتعلمها ثم يعلمها: أما الصحة؛ فلأنه متمكن من تعلمها. فلم يكن عاجزاً بالكلية.

وأما تعلمها وتعليمها؛ فليخرج عن عهدة ما وجب عليه.

(1) في أ: لصوره.

ص: 658

وأما كونه يلزمه أجرة تعليمها إذا تعلمتها من غيره؛ فلأنه لما تعذر الوفاء بالواجب وجب الرجوع إلى بدله؛ كما لو وجب لها عليه مثليٌّ فعدم. فإنها تنتقل إلى القيمة. والتعليم بعد التعليم متعذر وبدله أجرته. فوجب الرجوع إليه.

وأما كونه إذا طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها عليه نصف الأجرة على المذهب؛ فلأنه لما طلقها بانت منه. فتعذر تعليمها؛ لكونها أجنبية لا يأمن الفتنة. وإذا تعذر تعليمها وهي تستحق نصف الصداق لطلاقها قبل الدخول وجب الرجوع إلى نصف أجرة التعليم لما تقدم.

وأما كونه يحتمل أن يعلمها نصفها؛ فلأن ذلك موضع حاجة. أشبه سماع كلامها في المعاملات.

واشترط المصنف في المغني: أن يكون التعليم من وراء حجاب، ولا بد منه؛ لأن النظر إلى الأجنبية حرام.

وأما كونه يرجع عليها بنصف الأجرة إذا كان الطلاق بعد التعليم؛ فلأنه بالطلاق قبل الدخول يستحق الرجوع عليها بنصف ما أصدقها. لكن الرجوع بنصف التعليم متعذر. فوجب الرجوع في بدله وهو نصف الأجرة لما تقدم.

قال: (وإن أصدقها تعليم شيء من القرآن معين لم يصح. وعنه: يصح. ولا يحتاج إلى ذكر قراءة مَنْ. وقال أبو الخطاب: يحتاج إلى ذلك).

أما كون تعليم شيء من القرآن معين لا يصح أن يكون صداقاً على المذهب؛ فلأن الفروج لا تستباح إلا بالأموال؛ لأن الله تعالى قال: {أن تبتغوا بأموالكم} [النساء: 24]، وقال:{ومن لم يستطع منكم طَوْلاً أن ينكح المحصنات المؤمنات} [النساء: 25]. والطَّوْل: المال.

وأما كون ذلك يصح أن يكون صداقاً على روايةٍ؛ فلما روي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة. فقالت: إني وهبت نفسي لك. فقامت طويلاً. فقال له رجل: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال: هل عندك من شيء تصدقها؟ فقال: ما عندي إلا إزاري. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إزارك إن أعطيتها جلست ولا إزار لك. فالتمس شيئًا. قال: لا أجد شيئاً. قال: التمس ولو

ص: 659

خاتمًا من حديد. فالتمس. فلم يجد شيئًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زوجتكها بما معك من القرآن» (1) متفق عليه.

ولأن تعليم القرآن منفعة معلومة مباحة. فجاز جعلها صداقًا؛ كتعليم قصيدة من الشعر المباح.

فعلى هذه الرواية لا بد من تعيين ما يعلمها. فيقول: آية كذا، أو سورة كذا؛ لأنه إذا لم يعين ذلك يكون مجهولاً مفضياً إلى المنازعة والمخاصمة. وهل يحتاج إلى قراءة مَنْ؟ فيه وجهان:

أحدهما: يحتاج؛ لأن القراءات بعضها صعب كقراءة حمزة، ومنها سهل كقراءة غيره. فافتقر ذلك إلى التعيين؛ كتعيين الآيات.

والثاني: لا يحتاج إلى التعيين؛ لأن الاختلاف في ذلك يسير.

والصحيح في المذهب: أن تعليم القرآن لا يكون صداقاً؛ لما تقدم.

وأما حديث الموهوبة فقيل معناه: زوجتكها؛ لأنك من أهل القرآن؛ كما زوج أبا (2) طلحة على إسلامه فروى ابن عبد البر بإسناده «أن أبا طلحة أتى أم سليم يخطبها قبل أن يُسلم. فقالت: أتزوج بكَ وأنتَ تعبد خشبة؟ إن أسلمتَ تزوجتُ بك. فأسلم أبو طلحة. فتزوجها على إسلامه» .

ثم ليس في الحديث الصحيح ذكر التعليم. ويحتمل أنه كان خاصًا به، ويؤيده ما روي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّج رجلاً على سورة من القرآن. ثم قال: لا تكون لأحد بعدك مهرًا» (3). رواه النجاد.

ولأن تعليم القرآن لا يجوز أن يقع إلا قربة لفاعله. فلم يجز أن يكون صداقًا؛ كالصلاة والصوم وتعليم الإيمان.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4842) 5: 1973 كتاب النكاح، باب السلطان ولي.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1425) 2: 1040 كتاب النكاح، باب الصداق.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (642) 1: 176 كتاب النكاح، باب تزويج الجارية الصغيرة.

ص: 660

قال: (وإن تزوج نساء بمهرٍ واحدٍ، أو خالعهن بعوضٍ واحدٍ: صح، ويقسم بينهن على قدر مهورهن في أحد الوجهين، وفي الآخر: يقسم بينهن بالسوية).

أما كون ما ذكر يصح؛ فلأن الغرض في الجملة معلوم. فلم يؤثر فيه جهالة ما لكل واحدةٍ؛ كما لو اشترى أربعة أعبد من رجل بثمن واحد.

وأما كون المهر والعوض يقسم بينهن على قدر مهورهن في وجهٍ. وهو للقاضي وابن حامد؛ فلأن الصفقة إذا وقعت على شيئين مختلفي القيمة وجب تقسيط العوض بينهما بالقيمة؛ كما لو باع شقصاً وسيفاً، أو كما لو باع عبدين فوجد أحدهما حراً أو مغصوباً. فكذلك هاهنا.

وأما كونه يقسم بينهن بالسوية في وجهٍ. وهو لأبي بكر؛ فلأنه أضافه إليهن إضافة واحدة. فكان بينهن بالسوية؛ كما لو وهبه لهن، أو أقر لهن، وكما لو اشترى جماعة ثوباً بأثمان مختلفة ثم باعوه مرابحة أو مساومة فإن الثمن بينهم بالسوية وإن اختلفت رؤوس الأموال.

ولأن القول بتقسيطه يفضي إلى جهالة العوض لكل واحدةٍ منهن وذلك يفسده.

وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى في المغني تصحيح الأول؛ لأنه أجاب عن مسألة (1) المتاجرة بالمنع. وبتقدير التسليم أن القيمة فيها واحدة. بخلاف ما ذكر. وعن الإقرار والهبة بأنه ليس فيهما قيمة. بدليل ما تقدم.

(1) في أ: المسألة.

ص: 661

فصل [في كون الصداق معلوماً]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (ويشترط أن يكون معلوماً؛ كالثمن. وإن أصدقها داراً غير معينة أو دابة: لم يصح. وإن أصدقها عبداً مطلقاً لم يصح. وقال القاضي: يصح، ولها الوسط. وهو: السندي).

أما كون الصداق يشترط أن يكون معلوماً كالثمن؛ فلأن الصداق عوض في عقد معاوضة. فاشترط كونه معلوماً؛ كالعوض في البيع والإجارة.

ولأن غير المعلوم مجهول لا يصح عوضاً في البيع. فلم يصح تسميته؛ كالمُحرّم.

وأما كون من أصدق داراً غير معينة أو دابة لا يصح؛ فلأن الصداق يشترط أن يكون معلوماً لما تقدم، وذلك مفقود فيما ذكر.

وأما كون من أصدق عبداً مطلقاً لا يصح على المذهب؛ فلأنه غير معلوم.

وأما كونه يصح على قول القاضي؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العلائق: ما تراضى عليه الأهلون» (1).

ولأنه موضع ثبت فيه العوض في الذمة بدلاً عما ليس المقصود فيه المال. فثبت مطلقاً؛ كالدية.

ولأن جهالة التسمية هنا أقل جهالة [من مهر المثل، و](2) إن كانت مهر المثل صح. فكذلك هنا.

فإن قيل: تصحيح القاضي ذلك مطلقاً أو بقيد؟

قيل: بل بقيد.

(1) سبق تخريجه ص: 654.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 662

قال صاحب المغني فيه: أن القاضي يصحح المهر مجهولاً ما لم تزد جهالته على جهالة مهر المثل كعبدٍ وفرسٍ من جنس معلوم. فلو كان دابة أو حيواناً ونحو ذلك لم يصح؛ لأنه لا سبيل إلى معرفة الوسط.

وأما كون الزوجة لها الوسط على قوله؛ فلأنه أقرب إلى العدل.

وأما كون الوسط السندي؛ فلأن الأعلى التركي، والأسفل الزنجي، والسندي بينهما. فيكون الوسط.

والأول أصح؛ لما ذكر.

وأما الخبر فالمراد ما تراضوا عليه مما يصلح عوضاً. بدليل سائر ما لا يصلح.

وأما الدية فإنها تثبت بالشرع لا بالعقد. وهي خارجة عن القياس في تقديرها، ومن وجبت عليه. فلا ينبغي أن تجعل أصلاً. ثم الحيوان الثابت فيها موصوف بسنه مقدر بقيمته. فكيف يقاس عليه العبد المطلق؟ .

وأما كون جهالة المطلق أقل من جهالة مهر المثل فممنوع؛ لأن العادة في القبائل والقرى أن (1) يكون لنسائهم مهر لا يكاد يختلف إلا بالثيوبة والبكارة. فيكون إذاً معلوماً.

قال: (وإن أصدقها عبداً من عبيده لم يصح. ذكره أبو بكر. وروي عن أحمد: أنه يصح، ولها أحدهم بالقرعة. وكذلك يُخَرّج إذا أصدقها دابة من دوابه، أو قميصاً من قمصانه ونحوه).

أما كون الصداق لا يصح أن يكون عبداً من عبيده على ما ذكره أبو بكر؛ فلأنه مجهول. فلم يصح؛ كما لو باعه عبداً من عبيده.

وأما كونه يصح على روايةٍ؛ فلأن الجهالة يسيرة ويمكن التعيين بالقرعة.

وأما كون الزوجة لها أحدهم بالقرعة؛ فلأنه إذا صح أن يكون صداقاً استحقت واحداً غير معين. فشرعت له القرعة مميزة؛ كما لو أعتق أحد العبدين.

وأما كون بقية الصور يخرج فيها كذلك؛ فلأنها في معناه.

(1) زيادة يقتضيها السياق.

ص: 663

قال: (وإن أصدقها عبداً موصوفاً صح. وإن جاءها بقيمته، أو أصدقها عبداً وسطاً وجاءها بقيمته، أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته: لم يلزمهما قبولها. وقال القاضي: يلزمهما ذلك).

أما كون الصداق يصح أن يكون عبداً موصوفاً؛ فلأنه يصح أن يكون عوضاً في البيع. فصح أن يكون عوضاً في النكاح.

ولأن الصفة تنزله منزلة المرئي. فجاز جعله صداقاً؛ كالمعين.

وأما كون الزوجين لا يلزمهما قبول القيمة على المذهب في ذلك، وفيما إذا أصدقها عبداً وسطاً وجاءها بقيمته، وفيما إذا خالعها على ذلك وجاءته بقيمته؛ فلأن المستحق عبد بعقد معاوضة. فلم يلزم قبول القيمة عوضاً عوضاً عنه؛ كالمسلم فيه.

ولأنه عبد وجب صداقاً أو عوض خلع. فلم يلزم قبول القيمة فيه؛ كما لو كان معيباً.

وأما كونهما يلزمهما ذلك على قول القاضي؛ فلأنه مستحق في الذمة. فلزم قبول القيمة فيه؛ كالإبل في الدية.

والأول أصح؛ لما ذكر.

وأما الدية فلا يلزم فيها أحد قيمة الإبل وإنما الأثمان أصل في الذمة كالإبل فلزم فيه القبول؛ لأن ذلك أصل لا على طريق القيمة. بخلاف هذه المسألة. ثم الدية خارجة عن القياس فلا يقاس عليها. ثم القياس على عقود المعاوضات أولى من القياس على غير عقود المعاوضات.

قال: (وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح. وعنه: يصح. فإن فات طلاقها بموتها فلها مهرها في قياس المذهب).

أما كون الصداق لا يصح أن يكون طلاق امرأة له أخرى على المذهب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسأل المرأةُ طلاقَ أختها لتَكْتفِئَ ما في صَحْفتَها، ولْتنكِحْ فإنما لها ما قدِّرَ لها» (1) حديث صحيح.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6227) 6: 2435 كتاب القدر، باب {وكان أمر الله قدراً مقدوراً} .

وأخرجه مسلم في صحيحه (1408) 2: 1029 كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح.

ص: 664

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحل لرجلٍ أن ينكحَ امرأةً بطلاقِ أخرى» (1).

ولأن ذلك ليس بمال، والمهر لا يكون إلا مالاً؛ لقوله تعالى:{أن تبتغوا بأموالكم} [النساء: 24].

ولأن هذا لا يصح ثمناً في بيع، ولا أجراً في إجارة. فلم يصح صداقاً؛ كالمنافع المحرمة.

فعلى هذا يكون لها مهر المثل؛ لما تقدم.

وأما كون ذلك يصح على روايةٍ؛ فلأنه فعل لها فيه فائدة ونفع لما يحصل لها من الراحة بطلاقها من مقاسمتها وضررها والغيرة منها. فصح جعل ذلك صداقاً؛ كعتق أبيها وخياطة قميصها.

وأما كون الزوجة لها مهر ضرتها في قياس المذهب إذا بان طلاقها بموت؛ فلأنه سمى لها صداقاً لم يصل إليه فكان لها قيمته؛ كما لو أصدقها عبداً فخرج حراً.

وقول المصنف رحمه الله تعالى: في قياس المذهب مشعر بالخلاف. وصرح به في المغني فقال: ويحتمل أن لها مهر مثلها؛ لأن الطلاق لا قيمة له.

قال: (وإن تزوجها على ألفٍ إن كان أبوها حياً، وألفين إن كان ميتاً لم يصح. نص عليه. وإن تزوجها على ألفٍ إن لم يكن له زوجة، وألفين إن كان له زوجة: لم يصح في قياس التي قبلها. والمنصوص أنه يصح).

أما كون من تزوج امرأة على ألفٍ إن كان أبوها حياً، وألفين إن كان ميتاً لا يصح؛ فلأن سبيل ذلك سبيل الشرطين. فلم يصح؛ كالبيع.

ولأنه في معنى بيعتين في بيعه. فلم يصح؛ كما لو قال (2) بعتك بعشرة نقداً أو بعشرين نسئاً.

(1) أخرجه أحمد في مسنده (6647) 2: 177.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 665

وأما كونه لا يصح إذا تزوجها على ألفٍ إن لم يكن له زوجة، وألفين إن كان له زوجة في قياس التي قبلها؛ فلأنها في معناها.

وأما كونه يصح على المنصوص؛ فلأنها قد يكون لها غرض صحيح.

فإن قيل: الإمام أحمد رضي الله عنه نص على الصحة في هذه المسألة، وقد تقدم أنه نص على عدم الصحة في التي قبلها فهلا اتحدا؟

قيل: من الأصحاب من قال: يُخَرّج فيهما روايتان:

أحدهما: الصحة فيهما؛ لأن أحد الألفين معلوم، والثاني: معلق على شرط. فإن وجد الشرط كان زيادة في الصداق، والزيادة فيه جائزة.

والثانية: الفساد فيهما؛ لما تقدم.

ومن الأصحاب من قال: بعدم الصحة في الأول، وبالصحة في الثاني لما يأتي من الفرق بينهما.

قال المصنف في المغني: والأول أولى، يعني القول بالفساد- فيهما. وأجاب عن القول بأن هذا تعليق على شرط: فإن هذا لا يصح لوجهين:

أحدهما: أن الزيادة لا يصح تعليقها على شرط. فلو قال: إن مات أبوك فقد زدتك في صداقك ألفاً لم يصح ولم تلزم الزيادة عند موت الأب.

والثاني: أن الشرط هاهنا لم يتجدد في قوله: إن كان لي زوجة، أو كان أبوك ميتاً. ثم قال: ويمكن الفرق بين المسألة التي نص على إبطال التسمية فيها وبين التي نص على الصحة فيها: بأن التي نص على الصحة فيها جعل الزيادة فيها ليس للمرأة فيه غرض يصح بذل العوض فيه وهو كون أبيها ميتاً. بخلاف التي صحت التسمية فيها فإن خلو المرأة من ضرة تضرّ بها وتقاسمها وتضيّق عليها من أكبر أغراضها. ثم قال: فعلى هذا يمنع قياس إحدى الصورتين على الأخرى، ولا يكون في كل مسألة إلا رواية واحدة.

قال: (وإذا قال العبد لسيدته: أعتقيني على أن أتزوجك فأعتقته على ذلك: عتق ولم يلزمه شيء).

أما كون العبد يعتق؛ فلأن سيدته أعتقته.

ص: 666

وأما كونه لا يلزمه شيء؛ فلأن النكاح يحصل به الملك للزوج. فلم يلزمه ذلك؛ كما لو اشترطت عليه أن تملكه داراً.

قال: (وإذا فرض الصداق مؤجلاً ولم يذكر مَحِل الأجل: صح في ظاهر كلامه. ومَحِله الفرقة عند أصحابنا، وعند أبي الخطاب: لا يصح).

أما كون فرض الصداق مؤجلاً من غير ذكر محل الأجل يصح في ظاهر كلام الإمام أحمد؛ فلأن لذلك عرفاً. فوجب أن يصح ويحمل عليه.

وأما كون محله الفرقة عند الأصحاب؛ فلأن المطلق يحمل على العرف. والعُرف تركُ المطالبة بالصداق إلى حين الفرقة. فحمل عليه فيصير حينئذٍ معلوماً.

وأما كون ذلك لا يصح عند أبي الخطاب والمراد به الفرض؛ فلأنه عوضٌ مجهولُ المحِل. فلم يصح الفرض معه؛ كالثمن في البيع.

فعلى هذا يجب مهر المثل لعدم صحة التسمية.

ص: 667

فصل [في الصداق الفاسد]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإن أصدقها خمراً، أو خنزيراً، أو مالاً مغصوباً: صح النكاح، ووجب مهر المثل. وعنه: أنه يعجبه استقبال النكاح. اختاره أبو بكر. والمذهب صحته).

أما كون النكاح يصح فيما ذكر كله على المذهب؛ فلأنه نكاح لو كان عوضه صحيحاً لكان صحيحاً. فوجب أن يكون صحيحاً وإن كان عوضه فاسداً؛ كالخلع.

ولأنه عقد لا يفسد بجهالة العوض. فلم يفسد بتحريمه؛ كالخلع.

وأما كون مهر المثل يجب؛ فلفساد التسمية.

وأما كون استقبال النكاح يعجب الإمام أحمد ويختاره أبو بكر؛ فلأنه معوضٌ جعل عوضه محرماً. أشبه نكاح الشغار.

وأما كون المذهب الصحة؛ فلما تقدم.

ولأن فساد العوض لا يزيد على عدمه، ولو عدم لكان صحيحاً. فكذا إذا فسد.

وقول الإمام أحمد رضي الله عنه: يعجبني استقبال النكاح محمول على الاستحباب.

قال: (وإن تزوجها على عبدٍ فخرج حراً، أو مغصوباً، أو عصيراً فبان خمراً: فلها قيمته. وإن وجدت به عيباً فلها الخيار بين أخذ أرشه أو ردّه، وأخذ قيمته).

أما كون الزوجة لها قيمة ما ذُكر فيما إذا تزوجها على عبدٍ فخرج حراً أو مغصوباً، أو عصيراً فبان خمراً؛ فلأنها رضيت بما سمى لها، وتسليمه ممتنع لكونه غير قابل لجعله صداقاً. فوجب الانتقال إلى القيمة؛ لأنها بدله.

ص: 668

وفي كون الزوجة لها القيمة: إشعارٌ بأنها لا تستحق مهر المثل. وصرح به في المغني؛ لأنها لما رضيت بما سمي لها لم يكن لها الانتقال إلا إلى بدل ما رضيت به.

ولا بد أن يلحظ أن المغصوب لو كان مثلياً كان لها مثله لا قيمته؛ كما لو استحق عليه مثلٌ بغير الصداق.

فإن قيل: ما يصنع بالعصير وهو مثلي. بدليل ضمانه بمثله في غصبه؟

قيل: يجب حمله على عصير عدم مثله، أو يعبّر هنا؛ كما عبر في باب الغصب: في أصله.

وأما كونها لها الخيار بين ما ذكر فيما إذا وجدت بذلك عيباً؛ فلأنه عوض في عقد معاوضة. فثبت الخيرة فيه بين أخذ الأرش والبدل؛ كالمبيع المعيب.

ص: 669

فصل [إذا شرط الأب له شيئا]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها: صح، وكانا جميعاً مهرها. فإن طلقها قبل الدخول بعد قبضهما رجع عليها بألف، ولم يكن على الأب شيء مما أخذ. وإن فعل ذلك غير الأب فالكل لها دونه).

أما كون الأب يصح أن يشرط له شيئاً من مهر ابنته؛ فلأنه لو شرط الكل لنفسه صح. فلأن يصح أن يشرط البعض بطريق الأولى.

بيان صحة اشتراط الكل لنفسه: أن شعيباً زوّج موسى ابنته على رعاية غنمه. وذلك اشتراط لنفسه.

ولأن للوالد الأخذ من مال ولده. بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: «أنتَ ومالُكَ لأبيك» (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«إن أولادكم من أطيب كسبكم. فكلوا من أموالهم» (2). أخرجه أبو داود، ونحوه للترمذي. وقال: حديث حسن.

فإذا اشترط لنفسه شيئاً من مهر ابنته يكون ذلك أخذًا من مال ابنته.

وأما كون الزوج يرجع عليها بألف إذا طلقها قبل الدخول بعد قبضهما؛ فلأن صداقها ألفان. فوجب الرجوع عليها بألف؛ لأنه نصف الصداق.

وأما كون الأب لا شيء عليه مما أخذ؛ فلأنه أخذ من مال ابنته ألفاً. فلا يجوز للزوج الرجوع عليه بشيء.

(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (2291) 2: 769 كتاب التجارات، باب ما للرجل من مال ولده، عن جابر بن عبدالله.

وأخرجه أحمد في مسنده (6902) 2: 204 عن عمروبن شعيب عن أبيه عن جده.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3530) 3: 289 كتاب البيوع، باب في الرجل يأكل من مال ولده، عن عمروبن شعيب عن أبيه عن جده.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1358) 3: 639 كتاب الأحكام، باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده، عن عائشة.

ص: 670

وفي قول المصنف: بعد قبضهما إشعار بأن الطلاق لو كان قبل القبض لم يكن الحكم كذلك. وهو صحيح؛ لأنه إذا لم يقبض الصداق لم يرجع بل يسقط عنه نصف المسمى، وبقي عليه ألف للزوجة يأخذ الأب منه ما شاء. قاله المصنف في المغني.

وقال القاضي: يكون بينهما نصفين. وقال: نقله مهنا عن أحمد لأنه شرط لنفسه النصف ولم يحصل من الصداق إلا ما قال المصنف في المغني. وليس هذا القول على سبيل الإيجاب؛ فلأن للأب أن يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء.

وأما كون الكل لها إذا فعل ذلك غير الأب دون ذلك الغير؛ فلأن جميع ما اشترطه عوض في تزويجها. فيكون صداقاً لها؛ كما لو جعله لها. وليس للغير أن يشترط من مال الغير شيئاً إذا لم يكن أباً فحينئذٍ يقع الاشتراط لغواً ويكون الكل لها. ولا فرق بين كون الغير جَداًّ أو غيره؛ لاستوائهما في كونهما ليس لهما الأخذ من مال الزوجة.

قال: (وللأب تزويج ابنته البكر والثيب بدون صداق مثلها وإن كرهت. وإن فعل ذلك غيره بإذنها صح، ولم يكن لغيره الاعتراض. وإن فعله بغير إذنها وجب مهر المثل. ويحتمل أن لا يلزم الزوج إلا المسمى، والباقي على الولي؛ كالوكيل في البيع).

أما كون الأب له تزويج ابنته بدون صداق مثلها؛ فلما روي: «أن عمر رضي الله عنه خطبَ الناس. فقال: ألا! لا تُغالُوا في صُدُق النساء. فما أصدقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً من نسائه ولا أحداً من بناته أكثر من ثنتي عشرةَ أوقية» (1). وكان بمحضر من الصحابة ولم ينكر أحد منهم فكان ذلك اتفاقاً منهم على أن له أن يزوج بذلك وإن كان ذلك دون مهر المثل.

وعن سعيد بن المسيب: «أنه زوجَ بنته بدرهمين» . وهو من سادات قريش شرفاً وديناً وعلماً. ومن المعلوم أنه لم يكن مهر مثلها.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2106) 2: 235 كتاب النكاح، باب الصداق.

ص: 671

ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض، وإنما المقصود السكن، والازدواج، ووضع المرأة في منصب عند من يكفلها ويصونها. والظاهر من حال الأب مع تمام شفقته وتمام نظره أنه لا ينقصها من صداقها إلا بتحصيل المعاني المقصودة من النكاح. فلا ينبغي أن يمنع من تحصيل المقصود بتفويت غيره.

وأما كونه له ذلك بكراً كانت أو ثيباً طائعة كانت أو مكرهة؛ فلأن المصحح تحصيل المعاني المذكورة. وهو مشترك بين البكر والثيب والمطاوعة والمكرهة.

فإن قيل: الأب لا يملك تزويج ابنته الثيب الكبيرة قولاً واحداً. فكيف يملك تزويجها بدون مهر مثلها وهي كارهة؟

قيل: يتصور ذلك بأن تأذن له في أصل النكاح دون قدر المهر.

وظاهر كلام ابن عقيل في الفصول: أن الأب إنما يملك التزويج بدون مهر المثل لمن يملك إجبارها. لأنه قال فيه: وإذا زوج الأب ابنته التي يملك إجبارها وهي الصغيرة رواية واحدة، والبكر البالغ في إحدى الروايتين بدون مهر مثلها: يثبت المسمى ولم يبلغ تسميته، ولا يثبت مهر المثل.

ولو لم يختص الحكم بالمجبرة لم يكن حاجة إلى ما ذكره. وهذا أرجح من جهة النظر؛ لأن من لا يملك إجبارها على النكاح كيف يملك نقصها من مهر مثلها؟ .

ولأن الأب إذا لم يملك الإجبار ساوى بقية الأولياء. فيجب أن يساويهم في عدم التنقيص من مهر المثل.

وأما كون ذلك يصح إذا فعله غير الأب بإذنها؛ فلأن الحق لها. فإذا رضيت بإسقاطه سقط.

ولأنه إذا صح في بعض الصور بغير إذنها تحصيلاً للمصلحة. فلأن يصح بإذنها بطريق الأولى.

وأما كون غير من ذكر لا يكون له الاعتراض؛ فلأن الحق في ذلك متمحض لها دون غيرها. بخلاف تزويجها من غير كفء.

وأما كون مهر المثل يجب على المذهب إذا فعله غير الأب بغير إذنها؛ فلأنه ليس له ذلك؛ لأن مقتضى الدليل أنه ليس لأحدٍ تنقيصها من مهر المثل لما عليها في

ص: 672

ذلك من الضرر. تُرك العمل به في الأب لما تقدم. فيجب أن يبقى فيما عداه على مقتضاه. وإذا لم يكن له ذلك لغت تسميته ووجب مهر المثل؛ كالخالي عن التسمية.

وأما كونه يحتمل أن لا يلزم الزوج إلا المسمى؛ فلأنه ما التزم غيره.

فعلى هذا تكون الزيادة على الولي؛ لأنه مفرط. أشبه الوكيل في البيع.

وقال المصنف في المغني: قال أحمد: أخاف أن يكون ضامناً.

فعلى هذا يكون الاحتمال منقولاً عن الإمام أحمد رضي الله عنه، وتجعل رواية له؛ لأنه كثيراً ما يقول: أخاف، وتجعل مذهباً له.

قال: (وإن زوّج ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل صح ولزم ذمة الابن. فإن كان معسراً فهل يضمنه الأب؟ يحتمل وجهين).

أما كون الأب إذا زوج ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل يصح؛ فلأن تصرف الأب ملحوظ فيه المصلحة لولده. فكما صح أن يزوج ابنته بدون مهر المثل للمصلحة فكذا يصح أن يزوج ابنه بأكثر من مهر المثل تحصيلاً للمصلحة.

وأما كون الصداق يلزم ذمة الابن؛ فلأن العقد له. فكان بذله عليه؛ كثمن المبيع.

وأما كون الأب يضمن ذلك إذا كان الابن معسراً على وجهٍ؛ فلأنه مباشر له غارّ للزوجة بابنه. أشبه الغارّ في النكاح.

وأما كونه لا يضمنه على وجهٍ؛ فلأنه ناب فيه عن غيره. فلم يضمنه؛ كثمن مبيعه أو كالوكيل.

قال القاضي: هذا أصح. وذكر المصنف رحمه الله تعالى هذين الاحتمالين في المغني روايتين.

قال: (وللأب قبض صداق ابنته الصغيرة بغير إذنها. ولا يقبض صداق الثيب الكبيرة إلا بإذنها. وفي البكر البالغ روايتان).

أما كون الأب له قبض صداق ابنته الصغيرة بغير إذنها؛ فلأنه وليها ويملك إجبارها على النكاح وقبض سائر أموالها بغير إذنها. فكذلك قبض صداقها.

ص: 673

وأما كونه لا يقبض صداق الثيب الكبيرة إلا بإذنها؛ فلأنه لا يلي مالها ولا يملك إجبارها على النكاح. فافتقر ذلك إلى إذنها؛ كسائر حقوقها.

وأما كون البكر البالغ فيها روايتان؛ فلأنه هل يملك إجبارها على النكاح؟ فيه روايتان. فإن قيل: يملكه: ملك قبض مهرها؛ كالبكر الصغيرة، وإن قيل: لا يملكه: لا يملك؛ كالبنت الكبيرة.

ص: 674

فصل [في صداق العبد]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإن تزوج العبد بإذن سيده على صداق مسمى صح. وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟ على روايتين.

وإن تزوج بغير إذنه لم يصح النكاح. فإن دخل بها وجب في رقبته مهر المثل. وعنه: يجب خمسا المسمى. اختارها الخرقي).

أما كون تزويج العبد بإذن سيده على صداق مسمى يصح؛ فلأن الحجر عليه لحق سيده. فإذا أسقط حقه سقط.

وأما كونه يتعلق برقبته على روايةٍ؛ فلأنه وجب بفعله. أشبه جنايته.

وأما كونه يتعلق بذمة سيده على روايةٍ؛ فلأنه حق تعلق بالعبد برضا السيد. فتعلق بذمة سيده؛ كدين التجارة المأذون فيها.

وأما كون تزويج العبد بغير إذن سيده لا يصح؛ فلما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر» (1). رواه أبو داود وابن ماجة.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما عبدٍ تزوجَ بغير إذن مَواليهِ فهو زان» (2). وفيه مقال. وروي موقوفاً على ابن عمر.

ولأنه تزويج فقد شرطه. فلم يصح؛ كما لو تزوجها بغير شهود.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2078) 2: 228 كتاب النكاح، باب في نكاح العبد بغير إذن سيده.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1111) 3: 419 كتاب النكاح، باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1959) 1: 630 كتاب النكاح، باب تزويج العبد بغير إذن سيده.

وأخرجه أحمد في مسنده (15073) 3: 377.

(2)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1960) 1: 630 كتاب النكاح، باب تزويج العبد بغير إذن سيده. قال في الزوائد: في إسناده مِندَل، وهو ضعيف.

ص: 675

وأما كون مهر المثل يجب إذا دخل بها على روايةٍ؛ فلأنه استحل فرجها وذلك موجب للمهر؛ لقوله عليه السلام: «أيما امرأةٍ نكحت نفسها بغير إذنِ وليها فنكاحها باطل فإن أصابها فلها المهرُ بما استحل من فرجها» (1).

ولأنه استوفى منافع البضع. فكان المهر المتقدم ذكره واجباً؛ كسائر الأنكحة الفاسدة.

وأما كونه في رقبته؛ فلأنه من جنايته.

وأما كون خمسي المسمى يجب على روايةٍ؛ فلأن عثمان بن عفان قال ذلك.

قال: (وإن زوج السيد عبده أمته لم يجب مهر. ذكره أبو بكر. وقيل: يجب ويسقط).

أما كون ما ذكر لا يجب به مهر على المذهب؛ فلأنه لو وجب لوجب لسيدها، والسيد لا يجب له على عبده مال.

وأما كونه يجب على قول؛ فلئلا يخلو العقد من مهر.

وأما كونه يسقط حينئذ؛ فلتعذر إتيانه.

قال: (وإن زوج عبده حرة ثم باعها العبدَ بثمن في الذمة تحول صداقها أو نصفه إن كان قبل الدخول إلى ثمنه. وإن باعها إياه بالصداق صح قبل الدخول وبعده. ويحتمل أن لا يصح قبل الدخول).

أما كون الصداق المذكور أو نصفه يتحول إلى ثمن العبد إذا باعه سيده لزوجته قبل الدخول بثمن في الذمة؛ فلأن ذلك متعلق برقبة العبد. فوجب أن ينتقل إلى بدله وهو الثمن.

وأما كون السيد إذا باعها إياه بالصداق يصح قبل الدخول وبعده على المذهب؛ فلأن الصداق يصلح أن يكون ثمناً لغير العبد. فكذا للعبد.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2083) 2: 229 كتاب النكاح، باب في الولي.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1102) 3: 407 كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1879) 1: 605 كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي.

ص: 676

وأما كونه يحتمل أن لا يصح قبل الدخول؛ فلأن شراء الزوجة زوجها يوجب فسخ نكاحها على وجهٍ، وذلك يوجب سقوط صداقها. فيبطل كونه ثمناً.

ص: 677

فصل [في ملك المرأة الصداق]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وتملك المرأة الصداق المسمى بالعقد. فإن كان معيناً؛ كالعبد والدار فلها التصرف فيه. ونماؤه لها وزكاته. ونقصانه وضمانه عليها. إلا أن يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه. وعنه: فيمن تزوج على عبدٍ ففقئت عينه إن كانت قد قبضته فهو لها، وإلا فهو على الزوج.

فعلى هذا: لا يدخل في ضمانها إلا بقبضه. وإن كان غير معينٍ؛ كقفيز من صبرة لم يدخل في ضمانها، ولم تملك التصرف فيه إلا بقبضه كالمبيع).

أما كون المرأة تملك الصداق المسمى بالعقد؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزوج الذي قال: لا أجد إلا إزاري: إزارك إن أعطيتها جلست ولا إزار لك» (1). ولو لم تملكه المرأة بالعقد لكان الإزار له.

ولأن النكاح عقد يملك به المعوض. فملك به العوض كاملاً؛ كالبيع.

وأما كونها تملك التصرف فيه إذا كان معيناً كالعبد والدار؛ فلأنه ملكها. فكان لها التصرف فيه؛ كسائر أملاكها.

وأما كون نمائه لها وزكاته عليها ونقصانه عليها إذا لم يمنعها قبضه؛ فلأن ذلك كله من توابع الملك، وهو موجود هاهنا.

وأما كون ضمانه عليها على المذهب إذا لم يمنعها قبضه؛ فلأن ذلك من توابع الملك الخالي عن الغصب، وهو موجود هنا.

وأما كون ضمانه عليه إذا منعها قبضه؛ فلأنه غاصب أو بمنزلته.

وأما كونه لا يدخل في ضمانها إلا بقبضه على روايةٍ؛ فلأنه غير مقبوضٍ. فلم يضمنه قياساً على المبيع في روايةٍ.

(1) سبق تخريجه ص: 660.

ص: 678

وأما كون غير المعين كقفيز من صَبُرة لا يدخل في ضمانها ولا تملك التصرف فيه إلا بقبضه كالمبيع. فقد نبه المصنف رحمه الله تعالى على تعليل ذلك بقوله: كالمبيع؛ لأن الحكم في المبيع غير المعين كذلك. والجامع بين الصداق والمبيع كون كل واحدٍ منهما عوضاً في عقد معاوضة.

وذكر في المغني: أن الصداق إن كان مكيلاً أو موزوناً فهو من ضمان الزوج قبل القبض، وإن كان غيرهما ففيه وجهان بناء على المبيع. وفي هذا تنبيه على إلحاق الصداق بالمبيع.

فعلى هذا يُخَرّج فيه أربع روايات؛ لأن في المبيع قبل القبض أربع روايات:

إحداهن: الفرق بين المعين وغيره.

والثانية: الفرق بين المكيل والموزون وغيرهما.

والثالثة: الفرق بين المطعوم وغيره.

والرابعة: كل مبيعٍ لا يضمنه المشتري قبل قبضه.

فيُخَرّج جميع ذلك في الصداق؛ لتحقق المشابهة بينهما.

قال: (وإن قبضت صداقها ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه إن كان باقياً ويدخل في ملكه حكماً كالميراث. ويحتمل أن لا يدخل حتى يطالب به ويختار. فما ينمى قبل ذلك فهو لها).

أما كون الزوج يرجع بنصف الصداق إن كان باقياً إذا طلق قبل الدخول؛ فلأن الطلاق قبل الدخول يوجب تنصيف الصداق. بدليل قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237].

وأما كونه يدخل ذلك في ملكه حكماً كالميراث على المذهب؛ فلأن قوله تعالى: {فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237]: يدل عليه؛ لأن التقدير: "فنصف ما فرضتم لكم أو لهن" وذلك يقتضي كينونة النصف له أو لها بمجرد الطلاق.

ولأن الطلاق سبب يملك به بغير عوض. فلم يفتقر إلى اختياره؛ كالإرث.

ولأنه سبب لنقل الملك. فنقل الملك بمجرده؛ كالبيع وسائر الأسباب.

وأما كونه يحتمل أن لا يدخل حتى يطالب به ويختار فقياس على الشفيع.

ص: 679

وأما كون النماء الحادث قبل الاختيار لها على ذلك؛ فلأنه نماء ملكها لأن التقدير أنه لا يملك إلا باختياره. فهو قبل الاختيار على ملك الزوجة.

قال: (فإن كان الصداق زائداً زيادة منفصلة رجع في نصف الأصل، والزيادة لها. وإن كانت متصلة فهي مخيرة بين دفع نصفه زائداً وبين دفع نصف قيمته يوم العقد. وإن كان ناقصاً خيّر الزوج بين أخذه ناقصاً وبين أخذ نصف قيمته وقت العقد).

أما كون الزوج يرجع في نصف الأصل فيما إذا زاد زيادة منفصلة؛ كالولد والثمرة والكسب؛ فلأن الظاهر قبل الدخول يقتضي الرجوع في نصف الصداق، وقد أمكن الرجوع فيه من غير ضرر على أحد. فوجب أن يثبت حكم الرجوع عملاً بالمقتضي السالم عن المعارض.

وأما كون الزيادة المنفصلة للزوجة؛ فلأنها نماء ملكها.

وأما كون الزوجة فيما إذا زاد زيادة متصلة مخيرة بين دفع نصف الأصل زائداً وبين دفع نصف قيمته يوم العقد؛ فلأنها إن اختارت دفع نصف الأصل زائداً كان ذلك إسقاطاً لحقها من الزيادة وذلك لها. وإن اختارت دفع نصف قيمته كان ذلك لها؛ لأنه لا يلزمها دفع نصف الأصل زائداً لاشتماله على الزيادة التي لا يمكن فصلها عنه. وإذا كان كذلك كان رد نصف الأصل متعذراً وتعينت القيمة؛ كالإتلاف وغيره.

وأما كون الزوج مخيراً بين أخذ النصف ناقصاً وبين أخذ نصف القيمة وقت العقد؛ فلأنه إن اختار أخذ النصف ناقصاً كان ذلك إسقاطاً لحقه، وذلك له. وإن اختار أخذ نصف القيمة وقت العقد كان ذلك له؛ لأنه لا يلزمه قبوله ناقصاً لما فيه من الضرر عليه. وإذا لم يلزمه أخذ عينه تعينت القيمة.

ص: 680

قال: (وإن كان تالفاً أو مستحقاً بدين أو شفعة فله نصف قيمته يوم العقد؛ إلا أن يكون مثلياً فيرجع بنصف مثله. وقال القاضي: له القيمة أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض).

أما كون الزوج له نصف قيمة (1) الصداق غير المثليّ كالعبد والدار وما أشبه ذلك إذا تلف أو استحق كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى؛ فلأن تعذر الرجوع في عينه يوجب الرجوع في نصف القيمة لأنها بدل نصفه. دليله الإتلاف.

وأما كون القيمة معتبرة بيوم العقد على المذهب؛ فلأن الزيادة بعد ذلك تكون ملكاً (2) للزوجة لكونها نماء لملكها. فلا يجوز تقويمها بعد العقد؛ لكونه تقويماً بملك غيره. وإذا لم يعتبر بعد العقد وجب اعتبارها يوم العقد لأن ذلك مما يصح الاستناد إليه.

وأما كون الزوج له القيمة أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض على قول القاضي؛ فلأنه لو نقص في يده كان ضمانه عليه.

قال صاحب النهاية فيها: الأول أصح؛ لأن المعين لا يفتقر الملك فيه إلى قبض. فلا يضمن باليد.

وأما كونه يرجع بنصف المثلي كالدراهم والدنانير والحبوب وما أشبه ذلك؛ فلأنه أقرب مماثلة ومشابهة لحقه. ولهذا ضمن المثلي في الإتلاف بالمثل لا بالقيمة.

قال: (وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فهل تضمن نصفه؟ يحتمل وجهين. وإن قال الزوج: نقص قبل الطلاق، وقالت: بعده فالقول قولها مع يمينها).

أما كون ما ذُكر يحتمل وجهين؛ فلأن لحظ ما تقدم من الخلاف فيما إذا نقص الصداق المتعين في يد الزوج يوجب ذلك.

ولأن كل واحدة من المسألتين تشبه الأخرى معنى فلتساويها حكماً.

فعلى هذا إذا قيل: يضمن هناك تضمن هي هنا، وإذا قيل: لا يضمن هناك لم تضمن هاهنا.

(1) في أ: قيمته.

(2)

في أ: ملك.

ص: 681

وأما كون القول قولها إذا قال الزوج: نقص قبل الطلاق، وقالت: بعده؛ فلأن الأصل براءة ذمتها.

ولا بد أن يلحظ في هذا أنه إذا نقص الصداق في يد الزوجة بعد الطلاق لا يضمنه؛ لأنه إذا كان مضموناً بعده كما يضمن قبله فلا فائدة في الاختلاف.

قال: (والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح. فإذا طلق قبل الدخول فأيهما عفى لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز الأمر في ماله برئ منه صاحبه. وعنه: أنه الأب. فله أن يعفو عن نصف مهر ابنته الصغيرة إذا طلقت قبل الدخول).

أما كون الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح في ظاهر المذهب؛ فلما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ولي العقدة: الزوج» (1). رواه الدارقطني.

وأما كونه الأب على روايةٍ؛ فلأن الذي بيده عقدة النكاح بعد الطلاق هو الولي.

ولأن الله تعالى خاطب الأزواج بخطاب المواجهة ثم قال: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} [البقرة: 237]. وهذا خطاب غائب.

فعلى هذه الرواية للولي أن يعفو عن نصف مهر موليته. لكن بشروط:

أحدها: أن يكون أباً؛ لأنه هو الذي يلي مالها، ولا يتهم في حقها بوجه.

وثانيها: أن تكون الزوجة صغيرة؛ لأنها هي التي يلي الأب مالها. دون الكبيرة.

وثالثها: أن تكون بكراً؛ لأن الثيب لا يملك الأب تزويجها.

والأول أصح؛ لما تقدم.

ولأن الله تعالى قال (2): {وأن تعفوا أقرب للتقوى} [البقرة: 237]. وليس عفو الولي عن مهر موليته أقرب للتقوى.

ولأن مهر المرأة حق لها. فلا يملك الولي إسقاطه؛ كسائر حقوقها.

(1) أخرجه الدارقطني في سننه (128) 3: 279 كتاب النكاح، باب المهر.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 682

ولأن الصغير لو رجع إليه مهر زوجته أو نصفه لانفساخ النكاح برضاع أو شبهة لم يكن لوليه العفو رواية واحدة. فكذلك ولي الصغيرة.

وأما خطاب الغيبة بعد المواجهة فتابع في الكلام. ومنه قوله تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها} [يونس: 22]، ومنه قول النابغة:

يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت

وطال عليها سالف الأبد

فعلى هذه أي الزوجين أبرأ الآخر مما وجب له عليه برئ منه؛ لأنه أبرأه من حقه الواجب له. فبرئ منه؛ كالبراءة من دينه.

واشترط المصنف كون المبرئ جائز التصرف؛ لأن إبراء غير جائز التصرف؛ كالصبي والسفيه ونحو ذلك: لا يصح.

ص: 683

فصل [في الإبراء من الصداق]

قال المصنف رحمه الله: (إذا أبرأت المرأة زوجها من صداقها أو وهبته له ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه. وعنه: لا يرجع بشيء. وإن ارتدت قبل الدخول فهل يرجع عليها بجميعه؟ على روايتين).

أما كون الزوج يرجع على زوجته فيما إذا ما أبرأته من صداقها أو وهبته له ثم طلقها قبل الدخول بنصفه على المذهب؛ فلأن الطلاق قبل الدخول يقتضي الرجوع في نصف الصداق. وقد وجد ولا أثر لكونها أبرأته أو وهبته له؛ لأن ذلك حصل بعقد مستأنف. فلم يمنع استحقاق الرجوع في النصف؛ كما لو وهبته لأجنبي فوهبه الأجنبي للزوج.

وأما كونه لا يرجع على روايةٍ؛ فلأن نصف الصداق يتعجل له.

وقال المصنف في الكافي: إن كان الصداق عيناً فوهبتها لزوجها ثم طلقها قبل الدخول ففيه روايتان، وإن كان ديناً أبرأته منه وقلنا: لا يرجع ثَمَّ فهاهنا أولى، وإن قلنا: يرجع ثَمَّ خُرّج هاهنا وجهان:

أحدهما: يرجع؛ لأنه عاد إليه بغير الطلاق. أشبه العين.

والثاني: لا يرجع؛ لأن الإبراء إسقاط وليس بتمليك.

وأما كونه يرجع عليها بجميعه إذا ارتدت بعد الإبراء والهبة ففيه روايتان إحداهما: ما تقدم.

قال: (وكلُّ فرقة جاءت من الزوج كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته، أو من جهة أجنبي كالرضاع ونحوه قبل الدخول: يتنصف بها المهر بينهما).

أما كون المهر يتنصف بالطلاق؛ فلأن الله تعالى قال: {وإن طلقتموهن من قبل أن تَمَسُّوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصفُ ما فرضتم} [البقرة: 237].

ص: 684

وأما كونه يتنصف ببقية ما ذكره المصنف؛ فلأنها فرقة لا من جهتها. فاقتضت التنصيف المذكور؛ كما لو طلقها.

قال: (وكلُّ فرقة جاءت من قِبَلها؛ كإسلامها وردتها وإرضاعها مَن ينفسخ به نكاحها، وفسخها لعيبه أو إعساره، وفسخه لعيبها: يسقط به مهرها ومتعتها).

أما كون ما ذُكر يُسقط المهر والمتعة ما خلا فسخ الزوج لعيبها؛ فلأنها أتلفت المعوض قبل التسليم. فسقط العوض؛ كما لو أتلفت المبيع قبل تسليمه.

وأما كون فسخ الزوج لعيبها يسقط به ذلك؛ فلأنه بسببٍ من جهتها. وقد تقدم بيانه في موضعه (1)، وتقدم أيضاً أنها إذا أسلمت لا يسقط مهرها على روايةٍ (2)؛ لأنها فعلت ما وجب عليها. والانفساخ لأنه لم يوافقها على فعل الواجب.

قال: (وفرقة اللعان تُخَرّج على روايتين. وفي فرقة بيع الزوجة من الزوج وشرائها له وجهان. وفرقة الموت يستقر بها المهر كله كالدخول. ولو قتلت نفسها لاستقر مهرها كاملاً).

أما كون فرقة اللعان تخرج على روايتين؛ فلأن النظر إلى كون الفسخ عقيب لعانها يقتضي أن يكون كفسخها لعيبه، والنظر إلى أن سبب اللعان القذف الصادر من الزوج يقتضي أن يكون كفسخه.

وأما كون فرقة بيع الزوجة من الزوج وشرائها له فيها وجهان؛ فلأن النظر إلى أن الزوجة شاركت في الفسخ يقتضي أن يكون كفسخها، والنظر إلى أن الزوج شارك فيه يقتضي أن يكون كفسخه.

وذكر المصنف رحمه الله تعالى في المغني في شرائها له روايتين في النكاح عند قوله وفي شرائه لها وجهين مخرجين على الروايتين في شرائها له.

(1) ص: 626.

(2)

ص: 634.

ص: 685

وأما كون فرقة الموت يستقر بها المهر كله؛ فلما روى معقل بن سنان «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بِرْوع بنت واشق، وكان زوجها مات ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقًا. فجعل لها مهر نسائها لا وَكْس ولا شطط» (1).

ولأنه عقد ينتهي بموت أحدهما. فاستقر به العوض؛ كانتهاء الإجارة.

وأما كونها يستقر مهرها كاملاً إذا قتلت نفسها؛ فلأنها فرقة حصلت بالموت وانتهاء النكاح. فاستقر بها المهر؛ كما لو ماتت حتف أنفها.

فإن قيل: إذا قتلت نفسها فقد أتلفت المعوض قبل تسليمه. فيجب أن يسقط العوض؛ كالردة.

قيل: الردة لم ينته معها العقد فالتلف حاصل مع عدم انتهائه. فكأنها قطعته. بخلاف القتل فإنه انتهى به.

(1) سيأتي تخريجه ص: 691.

ص: 686

فصل [في اختلاف الزوجين في الصداق]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (إذا اختلف الزوجان في قدر الصداق فالقول قول الزوج مع يمينه. وعنه: القول قول من يدعي مهر المثل منهما. فإن ادعى أقل منه وادعت أكثر منه ردا إليه بلا يمين عند القاضي في الأحوال كلها. وعند أبي الخطاب: تجب اليمين. فإن قال: تزوجتك على هذا العبد قالت: بل على هذه الأمة خرج على الروايتين).

أما كون القول قول الزوج مع يمينه في قدر الصداق على روايةٍ؛ فلأنه منكر للزيادة ومدعى عليه. فيدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: «اليمين على المدعَى عليه» (1).

وأما كون القول قول من يدعي مهر المثل منهما على روايةٍ؛ فلأن الظاهر صدق من يدعيه. فكان القول قوله. قياساً على المنكر في سائر الدعاوي وعلى المودع إذا ادعى التلف أو الرد.

فإن قيل: لم لا يتحالفان كالبيع؟

قيل: لأنه عقد لا ينفسخ بالتحالف. فلم يشرع فيه؛ كالعفو عن دم العمد.

ولأن القول بالتحالف يفضي إلى إيجاب أكثر مما يدعيه أو أقل مما يقر لها به؛ لأنه إذا شُرع التحالف والعقد غير قابل للفسخ يجب مهر المثل. فلو كان مائة وادعت ثمانين فقال: بل هو خمسون وقيل بالتحالف والرجوع إلى مهر المثل وجب لها عشرون يتفقان على أنها غير واجبة. ولو ادعت مائتين فقال: بل هو مائة وخمسون سقط خمسون يتفقان على وجوبها.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4277) 4: 1656 كتاب التفسير، باب {إن الذين يشترون بعهد الله

}.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1711) 3: 1336 كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه.

ص: 687

وأما كونهما يُردّان إلى مهر المثل إذا ادعى الزوج أقل منه وادعت الزوجة أكثر منه؛ فلأن ذلك فائدة قبول قول من يدعيه.

وأما كون ذلك بلا يمين عند القاضي؛ فلأنها دعوى في نكاح. أشبهت الدعوى في أصل النكاح.

وأما كون اليمين تجب عند أبي الخطاب؛ فلأنه اختلاف فيما يجوز بدله فوجب أن تجب فيه اليمين؛ كالدعاوي في سائر الأموال.

فإن قيل: ما معنى قول المصنف رحمه الله: في الأحوال كلها؟

قيل: الدعوى توافق تارة قول المرأة، وتارة قول الزوج، وتارة تدعي المرأة أكثر والرجل أقل وغير ذلك من صور الاختلاف.

وقد صرح المصنف بنفي اليمين هنا عند القاضي وإثباتها عند أبي الخطاب.

وقال في المغني: إذا ادعى أقل من مهر المثل وادعت أكثر منه رد إلى مهر المثل. ولم يذكر أصحابنا يميناً، والأولى أن يتحالفا. فإن ما يقوله كل واحدٍ منهما محتمل للصحة. فلا يعدل عنه إلا بيمين من صاحبه؛ كالمنكر في سائر الدعاوي.

ولأنهما تساويا في عدم الظهور. فشرع التحالف؛ كما لو اختلف المتبايعان.

وفيما قاله في المغني نظر من وجهين أحدهما (1) أنه قال: ولم يذكر أصحابنا يميناً مع أنه قد صرح هنا بقول القاضي نفياً وأبي الخطاب إثباتاً.

وثانيهما: أنه قال: فشرع التحالف، ومفهومه أن كل واحدٍ منهما تجب عليه اليمين نفياً وإثباتاً فيقول هو: ما أصدقتها كذا ولقد أصدقتها كذا. وتقول هي: ما أصدقني كذا وإنما أصدقني كذا، ويحققه قياس ذلك على المتبايعين، ويمكن الجواب عن الثاني بأن المعوض حلف الزوج أنه ما أصدقها الذي ادعته وحلفت الزوجة أنه ما أصدقها الذي ادعاه.

(1) زيادة يقتضيها السياق.

ص: 688

وأما كون الزوج إذا قال: تزوجتك على هذا العبد فقالت: بل على هذه الأمة تخرج على روايتي القول قول الزوج أو قول من يدعي مهر المثل؛ فلأنه اختلاف في مهر. أشبه ما تقدم.

فعلى هذا إذا قيل: القول قول من يدعي مهر المثل فوافق قيمة الأمة مثلاً مهر المثل هل تجب لها عينها أو قيمتها فيه وجهان:

أحدهما: تجب عين الأمة؛ لأنه قبل قولها في القدر فكذلك في العين.

والثاني: تجب لها قيمتها؛ لأن قولها إنما وافق الظاهر في القدر لا في العين.

قال: (وإن اختلفا في قبض المهر فالقول قولها. وإن اختلفا فيما يستقر به المهر فالقول قوله).

أما كون القول قول المرأة في قبض المهر؛ فلأنها منكرة لشيء الأصل عدم وجوده.

ولأنها تنكر قبض حقها. فكان القول قولها؛ كما لو أنكرت قبض دين لها عليه.

وأما كون القول قول الزوج فيما يستقر به المهر؛ فلأن الأصل عدمه. والمراد بما يستقر به المهر: المسيس والخلوة والوطء ونحو ذلك.

قال: (وإن تزوجها على صداقين سرٍّ وعلانية: أُخذ بالعلانية، وإن كان قد انعقد بالسر. ذكره الخرقي. وقال القاضي: إن تصادقا على السر لم يكن لها غيره. وإن قال: هو عقد واحد أسررته ثم أظهرته وقالت: بل هو عقدان فالقول قولها مع يمينها).

أما كون الزوج يؤخذ بالعلانية إذا تزوجها على صداقين سر وعلانية وإن كان قد انعقد بالسر على ما ذكره الخرقي وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في روايةِ الأثرم؛ فلأنه وجد منه بذل الزائد على مهر السر. فوجب ذلك عليه؛ كما لو زادها على صداقها.

وأما كونه يلزم السر إن تصادقا عليه على قول القاضي؛ فلأنه هو الذي يثبت به النكاح.

ولأن العلانية ليست بعقد ولا تتعلق بشيء. فلم يجب به مهر.

ص: 689

وقول القاضي أظهر؛ لأن المهر من توابع العقد، وما ذكر من أنه بذل الزائد فيه نظر من حيث إنه لم يقصد حقيقة البذل، وإنما وقع لعارض.

فإن قيل: العلانية مع السر تارة تكون أكثر مع تأخره، وتارة تكون أكثر مع تقدمه، وتارة تكون أقل مع تأخره، وتارة تكون أقل مع تقدمه. وقد ذكر الأول فما حكم ما عداه؟

قيل: إذا كان أكثر مع تقدمه لزم الزوج مهر العلانية؛ لأنه الذي انعقد به النكاح ووقوع السر بعده لا يسقط العلانية فوجب الحكم به، وإذا كان أقل مع تأخره لزمه مهر السر؛ لأنه وجب عليه بعقده ولم تسقطه العلانية فوجب الحكم ببقاء وجوبه. وإذا كان أقل مع تقدمه لم أعلم فيه نقلاً. لكن ينبغي أن يكون حكمه حكم الحالة الأولة؛ لأن دليل الوجهين متجه فيها.

وأما كون القول قول المرأة مع يمينها إذا قال الزوج: هو عقد واحد أسررته ثم أظهرته. فقالت المرأة: بل هو عقدان؛ فلأن الظاهر أن الثاني عقد صحيح يفيد حكماً كالأول. فوجبا عليه لاعترافه بتعدده صُورة، وظهور كون الثاني غير الأول.

ص: 690

فصل في المفوضة

يقال: المفوّضة بكسر الواو وفتحها. فالكسر على أن الفعل مضاف إليها على أنها فاعلة؛ مثل: مُقَوِّمة، والفتح على أنه مضاف إلى وليها.

ومعنى التفويض لغة: الإهمال. ومنه قول الشاعر:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جُهّالهم سادوا

يعني مهملين. فكأن المرأة أهملت أمر المهر حيث لم يسمه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (والتفويض على ضربين: تفويض البضع. وهو: أن يزوج الأب ابنته البكر، أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بغير مهر. وتفويض المهر. وهو: أن يتزوجها على ما شاءت أو شاء، أو شاء أجنبي ونحو ذلك: فالنكاح صحيح، ويجب مهر المثل بالعقد).

أما قول المصنف رحمه الله تعالى: والتفويض على ضربين فبيان لمعنى التفويض شرعاً. وقد تقدم وجه اشتقاقه لغة وتعداد تصريفه، وأنه يكون تارة تفويض البضع، وتارة تفويض المهر.

وأما كون النكاح صحيحاً مع ذلك؛ فلأن الله تعالى قال: {لا جُناح عليكم إن طلقتمُ النساء ما لم تَمَسُّوهن أو تَفرضوا لهن فريضة} [البقرة: 236].

وروي عن ابن مسعود «أنه سئل عن رجلٍ تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقًا ولم يدخل بها حتى مات. فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها لا وَكْس ولا شَطط، وعليها العدة، ولها الميراث. فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بِرْوع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت» (1) أخرجه أبو داود والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2116) 2: 237 كتاب النكاح، باب فيمن تزوج ولم يسم صداقًا حتى مات.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1145) 3: 450 كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها.

ص: 691

ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق. فصح من غير ذكره؛ كالنفقة.

وأما كون مهر المثل يجب؛ فلما تقدم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

وأما كونه يجب بالعقد؛ فلأنها تملك المطالبة. فكان واجباً بالعقد؛ كالمسمى.

ولأنه لو لم يجب بالعقد ما استقر بالموت؛ كما في العقد الفاسد.

ولأن النكاح لا يخلو عن المهر. والقول بعدم وجوبه بالعقد يفضي إلى خلوه منه. مع أنه يقع صحيحاً.

قال: (ولها المطالبة بفرضه. فإن فرضه الحاكم لم يجز إلا بمقداره. وإن تراضيا على فرضه جاز ما اتفقا عليه من قليل وكثير).

أما كون المفوضة لها المطالبة بفرض المهر؛ فلأن عقد النكاح يقتضي استحقاق المعوض. فكان لها المطالبة بتبيان قدره.

وأما كونه لا يجوز فرضه إلا بقدره إذا فرضه الحاكم؛ فلأن الزيادة ميل عليه والنقصان ميل عليها والعدل تجنب (1) الميل.

ولأنه إنما يفرض بدل البضع. فوجب أن يتقدر به؛ كالسلعة إذا تلفت.

وأما كونه يجوز ما اتفقا عليه من قليل وكثير؛ فلأن الحق لهما لا يعدوهما.

ولأنه إذا فرض لها كثيراً فقد بذل لها من ماله فوق ما يلزمه، وإن رضيت باليسير فقد رضيت بدون ما يجب لها.

قال: (وإن مات أحدهما قبل الإصابة ورثه صاحبه، ولها مهر نسائها. وعنه: يتنصف بالموت؛ إلا أن يكون قد فرضه لها).

أما كون من مات من الزوجين قبل الإصابة يرثه صاحبه؛ فلأن في حديث ابن مسعود المتقدم ذكره: «ولها الميراث» (2).

(1) زيادة يقتضيها السياق.

(2)

سبق تخريج حديث ابن مسعود ص: 691.

ص: 692

وأما كون المرأة لها مهر نسائها على المذهب؛ فلأن في حديث ابن مسعود المذكور: «لها مهرُ نسائها لا وَكْسَ ولا شَطَط» (1).

وأما كونه يتنصف بالموت على روايةٍ إلا أن يكون قد فرضه الحاكم؛ فلأن الموت فرقة وردت على تفويض صحيح قبل فرض ومسيس. فلم يجب لها مهر المثل؛ كفرقة الطلاق.

وأما كونه لا يتنصف إذا كان الحاكم قد فرضه؛ فلأن الفرض يجعله كالتسمية، ولو سمي ثم مات لوجب كله. فكذا إذا فرضه.

والأول أصح؛ لحديث ابن مسعود.

ولأن الموت معنى يكمل به المسمى. فكمل به مهر المثل للمفوضة؛ كالدخول.

وقياس الموت على الطلاق غير صحيح؛ لأن الموت يتم به النكاح فيكمل به الصداق، والطلاق يقطعه ويزيله قبل إتمامه، ولذلك وجبت العدة بالموت قبل الدخول ولم تجب بالطلاق قبل (2) الدخول.

قال: (وإن طلقها قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا المتعة على الموسِع قدره، وعلى المُقْتِر قدره. فأعلاها خادم، وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها. وعنه: يرجع في تقديرها إلى الحاكم. وعنه: يجب لها نصف مهر المثل).

أما كون المفوضة لا يكون لها على الزوج إلا المتعة إذا طلقها قبل الدخول بها على المذهب؛ فلأن الله تعالى قال: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن} [البقرة: 236]. أمر بالمتعة لا بغيرها، والأمر للوجوب، والأصل براءة ذمته من غيرها.

(1) سبق تخريجه ص: 691.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 693

وقال تعالى: {وللمطلقات متاعٌ بالمعروف حقًا على المتقين} [البقرة: 241]، وقال تعالى:{إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدةٍ تَعْتَدُّونها فمتعوهن} [الأحزاب: 49].

وأما كونها يجب لها نصف مهر المثل على روايةٍ؛ فلأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول. فيوجب نصفه بالطلاق قبله؛ كما لو سمى محرما.

والأول أصح؛ لما تقدم.

ولأن الله تعالى قسّم المطلقات قسمين أوجب المتعة لمن لم يسم لها إذا طلقت قبل الدخول، ونصف المسمى لمن سمي لها. وذلك يدل على اختصاص كل قسم بحكمه. بيان قسمته قوله تعالى:{لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسِع قدره وعلى المُقْتِر قَدَرُه متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين? وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصفُ ما فرضتم} [البقرة: 236 - 237].

فعلى هذه المتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره؛ كقوله تعالى: {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} [البقرة: 236]. وأعلاها خادم وأدناها كسوة؛ لأن ابن عباس قال: «أعلا المتعة خادم ثم دون ذلك النفقة ثم دون ذلك الكسوة» .

وقُيّدت الكسوة بما تجزئها في صلاتها؛ لأن ذلك أقلَّ الكسوة.

وعن الإمام أحمد: يرجع في تقديرها إلى الحاكم؛ لأنه أمرٌ لم يرد الشرع بتقديره. وهو يحتاج إلى الاجتهاد. فيجب الرجوع فيه إلى الحاكم؛ كسائر المجتهدات.

قال: (وإن دخل بها استقر مهر المثل. وإن طلقها بعد ذلك فهل تجب المتعة؟ على روايتين. أصحهما: لا تجب).

أما كون مهر المثل يجب إذا دخل بالمفوضة؛ فلأن الدخول يوجب استقرار المسمى. فكذا مهر المثل؛ لاشتراكهما في المعنى الموجب للاستقرار.

وأما كون المتعة لا تجب إذا طلقها بعد ذلك على روايةٍ؛ فلأنه وجب لها مهر المثل. فلم تجب لها المتعة؛ لأن المتعة كالبدل مع مهر المثل.

ص: 694

وأما كونها تجب على روايةٍ؛ فلما تقدم من قوله: {وللمطلقات متاعٌ بالمعروف حقًا على المتقين} [البقرة: 241].

والأول أصح؛ لأنه قد تقدم أن الله تعالى قسّم المطلقات قسمين، وأوجب المتعة لغير المفروض لهن، ونصف المسمى للمفروض لهن. وذلك يدل على اختصاص كل قسم بحكمه.

ص: 695

فصل [في مهر المثل]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (ومهر المثل معتبر بمن يساويها من نساء عصباتها؛ كأختها وعمتها وبنت أخيها وعمها. وعنه: يعتبر جميع أقاربها؛ كأمها وخالتها).

أما كون مهر المثل معتبراً بمن يساويها من نساء عصباتها؛ كما مثل المصنف رحمه الله تعالى على المذهب؛ فلأنه قد روي في قصة بِرْوع «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بمثل مهر نساء قومها» (1).

ولأن شرف المرأة معتبر في مهرها، وشرفها بعصباتها؛ لأنهم نساؤها.

وأما كونه يعتبر جميع أقاربها كأمها وخالتها على روايةٍ؛ فلأن مطلق القرابة له أثر في الجملة.

ولأن أمها وخالتها يشملهم قول ابن مسعود: «لها مهرُ نسائها» (2).

والأول أولى؛ لما تقدم.

ولأن الأم قد تكون مولاة، وبنتها شريفة، وبالعكس. وقول ابن مسعود مطلق فيقيد بقوله عليه السلام:«بمثل مهر نساء قومها» (3).

(1) سبق تخريجه ص: 691.

(2)

مثل السابق.

(3)

مثل السابق.

ص: 696

قال: (وتعتبر المساواة في المال والجمال والعقل والأدب والسن والبكارة والثيوبة والبلد. فإن لم يكن من نسائها إلا دونها زيدت بقدر فضيلتها. وإن لم يوجد إلا فوقها نقصت بقدر نقصها. وإن كان عادتهم التخفيف على عشيرتهم دون غيرهم اعتبر ذلك. وإن كان عادتهم التأجيل فُرض مؤجلاً في أحد الوجهين. وإن لم يكن لها أقارب اعتبر بنساء بلدها ثم بأقرب النساء شبها بها).

أما كون المساواة تعتبر بما ذكر؛ فلأن مهر المثل بدل متلف فاعتبرت الصفات المقصودة فيه. وكل صفة مما ذكر مقصودة. فوجب اعتبارها.

وأما كون المفوضة إذا لم يكن من نسائها إلا دونها [زيدت بقدر فضيلتها؛ فلأن زيادة فضيلتها تقتضي زيادة في المهر](1). فوجب أن يترتب عليها الزيادة بحسبها.

وأما كونها إذا لم يوجد من نسائها إلا فوقها تنقص بقدر نقصها؛ فلأن النقص له أثر في تنقيص المهر. فوجب أن يترتب عليه النقص بحسبه.

وأما كون التخفيف المذكور يعتبر؛ فلأن العادة لها أثر في المقدار. فكذا في التخفيف على العشيرة.

فإن قيل: مهر المثل بدل متلف. فوجب أن يختلف باختلاف المتلف؛ كسائر المتلفات.

قيل: النكاح يخالف سائر المتلفات من حيث إن المقصود بها المالية خاصة. فلم تختلف باختلاف المتلف. والنكاح المقصود به أعيان الزوجين فاختلف باختلافهما.

ولأن سائر المتلفات لا تختلف باختلاف الفوائد والمهر يختلف باختلاف الفوائد.

وأما كون المهر يفرض مؤجلاً إذا كانت عادتهم التأجيل في وجهٍ؛ فلأن مهر مثلها مؤجل.

وأما كونه يفرض حالاًّ في وجهٍ؛ فلأنه بدل مثله. فوجب أن يكون حالاًّ؛ كقِيَم سائر المتلفات.

(1) زيادة من الشرح الكبير 8: 95.

ص: 697

وأما كون بنساء بلدها يعتبر إذا لم يكن لها أقارب؛ فلأن شبهها بهن أقرب من نساء سائر البلاد. فوجب اعتباره؛ لأن له أثراً في الجملة.

وأما كون أقرب النساء شبهاً بها يعتبر بعد ذلك؛ فلأن القرب المذكور له أثر. فوجب اعتباره عملاً بذلك الأثر.

ص: 698

فصل [في المهر في النكاح الفاسد]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وأما النكاح الفاسد فإذا افترقا قبل الدخول بطلاق أو غيره: فلا مهر فيه. وإن دخل بها استقر عليه المسمى. وعنه: يجب مهر (1) المثل. وهي أصح. فلا يستقر بالخلوة. وقال أصحابنا: يستقر).

أما كون النكاح الفاسد لا مهر فيه إذا افترق الزوجان قبل الدخول بطلاق أو غيره؛ فلأن المهر استدعى عقداً صحيحاً أو وطءاً، ولم يوجد واحد منهما.

وأما كون المسمى يستقر على الزوج إذا دخل بالزوجة في النكاح الفاسد على المذهب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأةٍ نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل. فإن دخل بها فلها المهرُ بما استحل من فرجها» (2). والألف واللام للعهد، والمعهود المسمى.

ولأن المهر يجب في مقابلة الوطء، وقد وجد.

وأما كون مهر المثل يجب على روايةٍ وهي أصح؛ فلأن العقد الفاسد وجوده كعدمه. أشبه ما لو وطئها لا في عقد. وقوله صلى الله عليه وسلم: «فلها المهر» لا يستلزم المسمى؛ لاحتمال إرادة مهر المثل.

وأما كون المهر لا يستقر بالخلوة عند المصنف؛ فلأن المهر في النكاح الفاسد إنما يوجبه الوطء لا العقد. بدليل أنه لا يتنصف بالطلاق.

ولأن الخلوة هنا لا في نكاح صحيح. أشبه الخلوة بالأجنبية.

وأما كونه يستقر على قول أصحابنا؛ فلأن الابتذال بالخلوة فيه كالابتذال بذلك في النكاح الصحيح. فوجب أن يستقر به؛ كالصحيح.

(1) زيادة من المقنع.

(2)

سبق تخريجه ص: 676.

ص: 699

قال: (ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهةٍ والمكرهة على الزنا، ولا يجب معه أرش البكارة. ويحتمل أن يجب للمكرهة).

أما كون المهر يجب للموطوءة بشبهةٍ والمكرهة على الزنا؛ فلأن الواطئ مستحل لفرج كل واحدٍ منهما. فيجب لها المهر عليه؛ لقوله عليه السلام: «فلها المهرُ بما استحلَّ من فرجها» (1).

فإن قيل: ما معنى قوله عليه السلام: «بما استحَلَّ من فَرجها» ؟

فيل: الاستحلال الفعل في غير موضع الحِلّ. ومنه قوله عليه السلام: «ما آمنَ بالقرآنِ من استحلَّ محارمُه» (2).

ولأن الموجب للمهر في النكاح الفاسد الوطء، وقد وجد هنا.

وفي قول المصنف رحمه الله: والمكرهة تنبيه على أن المطاوعة لا مهر لها. وصرح به في الكافي؛ لأنها باذلة لما يوجب البدل لها (3). فلم يجب لها شيء؛ كما لو أذنت في قطع يدها.

فإن قيل: المطاوعة إذا كانت أمة كالحرة؟ .

قيل: لا؛ لأن المهر للسيد لا لها. فلم يسقط بذلها؛ كما لو أذنت في قطع يدها.

وأما كونه لا يجب مع المهر في الصورتين المذكورتين أرش البكارة؛ فلأنه وطء ضُمِن بالمهر. فلم يجب معه أرش؛ كالوطء في النكاح الصحيح.

وأما كونه يحتمل أن يجب للمكرهة مع المهر الأرش المتقدم ذكره؛ فلأنه إتلاف جزء. فوجب عوضه؛ كما لو جرحها ثم وطئها.

والأول أولى؛ لما ذكر.

ولأن المهر بدل المنفعة المستوفاة بالوطء، وبدل المتلف لا يختلف بكونه في عقد فاسد وكونه تمحض عدواناً.

(1) سبق تخريجه ص: 676.

(2)

أخرجه الترمذي في جامعه (2918) 5: 180 كتاب فضائل القرآن.

(3)

زيادة من الكافي 3: 77.

ص: 700

ولأن الأرش يدخل في المهر لكون الواجب لها مهر المثل، ومهر البكر يزيد على مهر الثيب ببكارتها. فكانت الزيادة في المهر مقابلة لما أتلف من البكارة فلا يجب عوضها مرة ثانية.

قال: (وإذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها فعليه أرش بكارتها. وقال القاضي: يجب مهر المثل. وإن فعل ذلك الزوج ثم طلق قبل الدخول لم يكن عليه إلا نصف المسمى).

أما كون من دفع أجنبية فأذهب بكارتها عليه أرش بكارتها على قول غير القاضي؛ فلأنه أتلف البكارة. فلزمه أرشها؛ كما لو أتلف منها جزءاً لم يرد الشرع فيه بتقدير.

وأما كون مهر المثل يجب على قول القاضي؛ فلما روي «أن رجلاً كانت عنده يتيمة. فخافت امرأته أن يتزوج بها. فاستعانت بنسوة ضبطنها لها فأفسدت عذرتها وقالت لزوجها: فَجَرَت. فأخبر علياً رضي الله عنه بذلك. فأرسل إلى امرأته والنسوة. فلما أتينه لم يلبثن أن اعترفن بما صنعن. فقال للحسن بن علي: اقض فيها. فقال: الحد على من قذفها، والمهر عليها وعلى الممسكات» (1).

ولأنه إتلاف يُستحق به مهر المثل في العقد. فإذا أتلفه أجنبي وجب مهر المثل؛ كمنفعة البضع.

ونسب المصنف في المغني قول القاضي إلى الإمام أحمد فقال فيه: قال أحمد: لها صداق نسائها. وكلامه فيه مشعر بترجيحه.

وأما كون الزوج إذا فعل ذلك ثم طلق قبل الدخول لا يكون عليه إلا نصف المسمى؛ فلأنها مطلقة قبل الدخول. فلم يستحق أكثر من نصف المسمى؛ كسائر المطلقات قبل الدخول.

ولأنه أتلف ما استحق إتلافه بالعقد. فلم يضمنه؛ كما لو أتلف عذرة أمته.

وقال في المغني: يتخرج أن يجب الصداق كاملاً؛ لأن أحمد رضي الله عنه قال: إن فعل ذلك أجنبي عليه الصداق. ففيما يفعله الزوج أولى.

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (17463) 4: 30 كتاب النكاح، ما قالوا في المرأة تفسد المرأة بيدها ما عليها في ذلك؟

ص: 701

وتقريره: أن ما يجب الصداق به ابتداء أحق بتقديره.

ويتخرج من كلام أحمد وجوب أرش البكارة مع نصف المسمى إن قيل الواجب على الأجنبي أرشها لا مهر المثل؛ لأنه قاسه على الأجنبي فينبغي أن يعطى حكمه من حيث الإتلاف ويعاد عليه بنصف المسمى لكونه مُطَلِّقاً قبل الدخول.

قال: (وللمرأة منع نفسها حتى تقبض مهرها. فإن تبرعت بتسليم نفسها ثم أرادت المنع فهل لها ذلك؟ على وجهين).

أما كون المرأة لها منع نفسها حتى تقبض مهرها؛ فلأن في إجبارها على تسليم نفسها أولاً خطر إتلاف البضع والامتناع من بذل الصداق. فلا يمكن الرجوع في البضع. وبه يظهر الفرق بين النكاح وبين البيع؛ لأن البائع إذا سلم المبيع أولاً فبتقدير تعذر الثمن يمكنه فسخ البيع والرجوع في عين المبيع.

ويشترط في المنع المذكور: أن يكون الصداق حالاًّ فإن كان مؤجلاً لم يملك المنع؛ لأن رضاها بتأجيله رضًى منها بتسليم نفسها قبل قبضه. دليله تأجيل الثمن.

ولا فرق بين حلوله بعد تأجيله وبين عدم حلوله. صرح به في المغني؛ لأن التسليم قد وجب عليها فاستقر قبل قبضه. فلم يكن لها أن تمتنع منه.

وأما كونها إذا تبرعت بتسليم نفسها ثم أرادت المنع لها ذلك على وجهٍ وهو لابن حامد؛ فلأنه تسليم يوجبه عليها العقد. فكان لها أن تمتنع منه قبل قبض صداقها؛ كما لو لم تتبرع بتسليم نفسها.

وأما كونها ليس لها ذلك على وجهٍ وهو لابن بطة وابن شاقلا؛ فلأن التسليم استقر به العوض برضى المُسَلِّم. فلم يكن لها أن تمتنع منه بعد ذلك؛ كما لو سلم البائع المبيع.

وفي هذا تنبيه على الفرق بين المتبرع بالتسليم وعدمه. وهو قادح في صحة القياس المذكور قبل.

وفي قول المصنف رحمه الله تعالى: تبرعت بتسليم نفسها: إشعارٌ بأنها لو أكرهت على التسليم كان لها الامتناع بعد ذلك. وصرح به الشيخ في المغني. وقاسه على المبيع المكره بائعه على تسليمه.

ص: 702

قال: (وإن أعسر بالمهر قبل الدخول فلها الفسخ. وإن أعسر بعده فعلى وجهين. ولا يجوز الفسخ (1) إلا بحكم حاكم).

أما كون المرأة لها الفسخ بإعسار الزوج بالمهر قبل الدخول؛ فلأنه تعذر وصولها إلى عوض العقد قبل تسليم المعوض. فكان لها الفسخ؛ كما لو أعسر المشتري بالثمن قبل تسليم المبيع.

وأما كونها إذا أعسر بعده ففيه وجهان؛ فلأن ما تقدم من الخلاف في أنها هل لها منع نفسها بعد تسليمها حتى تقبض مهرها؟ يقتضي ذلك: فإن قيل: لها منع نفسها كان لها هنا الفسخ؛ لأنه حينئذ في معنى الفسخ قبل الدخول. وإن قيل: ليس لها المنع لم يكن لها هنا الفسخ؛ كما لو أفلس بدين آخر لها.

وأما كون الفسخ لا يجوز إلا بحكم حاكمٍ؛ فلأنه فسخ مجتهد فيه. أشبه الفسخ للاعسار بالنفقة ونحوه.

(1) زيادة من المقنع.

ص: 703