الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النكاح
النكاح في اللغة: الجمع. ومنه قولهم: أنكحنا الفرى فسنرى. أي جمعنا حمار الوحش وأمه (1) فسيرى ما يتولد منهما. يضرب مثلاً للأمر يجتمعون له ثم يفترقون عنه. ومنه قول الشاعر:
أنكحت ضم خفاها خف يَعْمَلَةٍ
أي جمعت بين خفيها (2) وبين خف الناقة.
ومنه قول الشاعر:
أيها المنكح الثُّرَيّا سُهيلاً
…
عمرك الله كيف يلتقيان
أي فكيف يجتمعان.
وفي الشرع: هو العقد. وقيل: هو الوطء.
وقال القاضي: الأشبه بأصلنا أنه حقيقة فيهما؛ لقولنا بتحريم موطوءة الأب بملك اليمين أو شبهه؛ لدخوله في قوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} [النساء: 22].
والصحيح أنه العقد؛ لأنه أشهر استعمالاً.
ولأنه يصح نفيه عن الوطء؛ لأنه يقال في الزنا: سفاح. وليس بنكاح. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وُلدتُ من نكاحٍ لا منْ سِفَاح» (3).
ولأنه يقال في السُّرية: ليست بزوجة ولا منكوحة.
وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء: 3].
وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام: «يا معشرَ الشباب! من استطاعَ منكمُ الباءَةَ فليتزوّج .. مختصر» (4) متفق عليه.
(1) في أ: ابنه.
(2)
في أ: خفاها. واليَعْمَلة: الناقة النجيبة المطبوعة على العمل. الصَّحاح، مادة عمل.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 190 كتاب النكاح، باب نكاح أهل الشرك وطلاقهم. ولفظه قوله صلى الله عليه وسلم:«خرجت من نكاحٍ غير سفاح» .
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (4778) 5: 1950 كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من استطاع منكم الباءة فليتزوج .. » .
وأخرجه مسلم في صحيحه (1400) 2: 1018 كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ..
وأما الإجماع فأجمع المسلمون في الجملة على مشروعيته.
قال المصنف رحمه الله تعالى: (النكاح سنة. والاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة؛ إلا أن يخاف على نفسه مُواقعة المحظور بتركه فيجب عليه. وعنه: أنه واجب على الإطلاق).
أما كون النكاح سنة إذا لم يخف على نفسه مواقعة المحظور على المذهب؛ فلأن فعله راجح على تركه مع جواز تركه:
أما رجحان فعله؛ فلأن الله ورسوله أمرا به. وأدنى أحوال الأمر رجحان الفعل.
ولأن في فعله خروجاً عن العهدة الآتي ذكرها بعد.
وأما جواز تركه؛ فلأن الله تعالى علّقه بالاستطابة فقال: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3]. والواجب لا يعلق على الاستطابة.
ولأن تكملة الآية: {مثنى وثلاث ورباع} [النساء: 3]. ولا خلاف في أنه لا يجب زيادة على واحدة.
وأما كون الاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة؛ فلأن الله تعالى أمر به رسوله.
وقال عليه السلام: «ولكني أصومُ وأفطرُ، وأصلِّي وأرْقُدُ، وأتزوجُ النساء. فمن رغبَ عن سُنتي فليسَ مني» (1).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج وبالغ في العدد. وفعل ذلك أصحابه. ولا يَشْتغل هو ولا أصحابه إلا بالأفضل.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4776) 5: 1949 كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1401) 2: 1020 كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ..
وعن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: «هل تزوَّجتَ؟ قلتُ: لا. قال: فتزوّجْ. فإنّ خيرَ هذه الأمةِ أكثرُها نساءً» (1). أخرجه البخاري.
ولأن مصالحه أكثر: فإنه يشتمل على إحراز الدين، وتحصين المرأة، وحفظها، والقيام بواجبها، وإيجاد النسل، وتكثير الأمة، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من المصالح الراجح إحداها على العبادة. فمجموعها أولى.
فإن قيل: هل يدخل من لا شهوة له في الأصل؛ كالعِنّين، أو من خلقت له ثم ذهبت بكبر أو مرض؟
قيل: فيه وجهان:
أحدهما: يستحب له النكاح. وهو ظاهر كلام المصنف.
وقال القاضي: هو ظاهر أحمد.
ووجه ذلك ما تقدم من العموم. وقد جاء: «من دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك إلى غير أمر الإسلام» .
والثاني: المستحب لهذا التخلي لنوافل العبادة والاشتغال بشأنه؛ لأنه لا يحصل مصالح النكاح ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعلّه لا يتمكن من أدائها مع عدم حاجته إلى سبب ذلك. ويمنع زوجته من التحصين بغيره ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه. والعمومات المتقدمة محمولة على من له شهوة لما فيها من القرائن الصارفة إليه.
وظاهر كلام أحمد أنه لا فرق بين القادر والعاجز «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبحُ وما عندهُم شيء، ويمسي وما عندهُم شيء» (2).
و«لأنه عليه السلام زوّج رجلاً لم يقدر على خاتم حديد، ولا وجدَ إلا إزارَه ولم يكن له ردَاء» (3). أخرجه البخاري.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4782) 5: 1951 كتاب النكاح، باب كثرة النساء.
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه (4147) 2: 1389 كتاب الزهد، باب معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم، ولفظه: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسُ محمدٍ بيده! ما أصبحَ عند آلِ محمدٍ صاعُ حبٍ ولا صاعُ تمر» . قال في الزوائد: إسناد صحيح و. رواه ابن حبان في صحيحه. قلت: وأصل الحديث. رواه البخاري في صحيحه في كتاب البيع.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (4829) 5: 1968 كتاب النكاح، باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1425) 2: 1040 كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن ..
ولأن الله هو الرزاق. وربما كان التزويج سبباً لغناه.
وأما كون من يخاف على نفسه مواقعة المحظور وهو الزنا بترك النكاح يجب عليه؛ فلأن صون النفس عن الحرام واجب، والنكاح طريق إليه. فيجب دفعا لذلك الحرام.
وأما كونه واجباً على الإطلاق على روايةٍ؛ فلظاهر قوله تعالى: {فانكحوا} [النساء: 3]، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«تناكَحُوا تناسَلُوا» (1).
والأول أصح؛ لما تقدم. وما ذكر محمول على الندب؛ لما تقدم.
قال: (ويستحب تَخَيُّر: ذات الدين، الولود، البكر، الحسيبة، الأجنبية).
أما كون تخيّر ذات الدين يستحب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تُنكحُ المرأةُ: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها (2). فاظفَرْ بذاتِ الدين. تَربَتْ يداك» (3) متفق عليه.
وأما كون تخير الولود يستحب؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجابر: أتزوجتَ يا جابر! قال: نعم. قال: بكرًا أم ثيبًا؟ قال: قلتُ: بل ثيبًا. قال: فهلا أخذتَ بكرًا تُلاعِبُها وتُلاعِبُك» (4). متفق عليه.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكَمْ بالأبكَار. فإنهنّ أعذبُ أفْوَاهاً وأفتحُ أرْحَاماً» (5). رواه أحمد.
وفي روايةٍ: «وأَنْتَقُ أرْحَاماً وأرضَى باليسِير» (6).
(1) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 5: 391.
(2)
زيادة من الحديث.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (4802) 5: 1958 كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1466) 2: 1086 كتاب الرضاع، باب استحباب نكاح ذات الدين.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (4791) 5: 1954 كتاب النكاح، باب تزويج الثيبات.
وأخرجه مسلم في صحيحه (715) 2: 1087 كتاب النكاح، باب استحباب ذات الدين.
(5)
أخرجه ابن ماجة في سننه (1861) 1: 598 كتاب النكاح، باب تزويج الأبكار. ولفظه:«عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير» .
(6)
ر تخريج الحديث السابق.
وأما كون تخير الحسيبة يستحب؛ فلما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تخيّروا لنطَفِكُمْ. فانكِحُوا الأكْفَاءَ، وأنكِحُوا إليهم» (1). رواه ابن ماجة.
ولأن ولد الحسيبة ربما أشبه أهلها ونزع إليهم. ويقال: إذا أردت أن تتزوج امرأة فانظر إلى أبيها أو أخيها. أي: إذا أردت نكاح امرأة فانظر إلى نسبها. والنسب الحسب.
وأما كون تخير الأجنبية يستحب؛ فلأن ولدها أنجب. ولهذا يقال: اغترب. أي: انكحوا الغرائب.
ولأنه لا يؤمن في النكاح إفضاؤه إلى الطلاق. فيكون سبباً للعداوة. فإذا كانت الزوجة قريبة كانت قطيعة للرحم المأمور بصلتها.
قال: (ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النظر إلى وجهها من غير خلوة بها. وعنه: له النظر إلى ما يظهر غالباً؛ كالرقبة واليدين والقدمين).
أما كون من أراد خطبة امرأة يجوز له النظر إليها في الجملة؛ فلأن جابراً روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خطبَ أحدكمُ المرأةَ. فإن استطاعَ أن ينظرَ إلى ما يدعوهُ إلى نكاحِها فليفعل. قال: فخطبتُ امرأةً فكنتُ أتخبأُ لها حتى رأيتُ منها ما دعَاني إلى نِكاحِها. فتزوجتها» (2). رواه أبو داود.
ولأن النكاح عقد يقتضي التمليك فكان للعاقد النظر إلى المعقود عليه؛ كالنظر إلى الأمة المستامة.
وأما كونه يجوز له النظر إلى وجهها فقط على الأول؛ فلأنه ليس بعورة. والغرض يحصل به؛ لأنه مجمع المحاسن.
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (1968) 1: 633 كتاب النكاح، باب الأكفاء.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (2082) 2: 228 كتاب النكاح، باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها.
وأما كونه يجوز له النظر إلى ما يظهر غالباً كما تقدم بيانه على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها مطلقاً علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر منها غالباً. إذ لا يمكن إفراد الوجه بذلك.
ولأنه يظهر غالباً. فأبيح النظر إليه؛ كالوجه.
وأما كون النظر المذكور من غير خلوة بها؛ فلأنها كانت محرمة، ولم يَردْ الشرع بغير النظر. فبقيت الخلوة على التحريم.
ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلونّ الرجلُ بامرأةٍ فإن الشيطانَ ثالثهما» (1). رواه أحمد.
قال: (وله النظر إلى ذلك، وإلى الرأس، والساقين من الأمة المستامة، ومن ذوات محارمه. وعنه: لا ينظر من ذوات محارمه إلا إلى الوجه والكفين).
أما كون الرجل له النظر إلى الأمة المستامة؛ فلأن الحاجة تدعو إلى ذلك ليعرف ما يشتري.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى هنا أن النظر الجائز يختص بالوجه والرقبة واليدين والقدمين والرأس والساقين؛ لأن المقصود يحصل بذلك.
وقال في الكافي: يجوز النظر إلى ما عدا العورة؛ لأن ذلك محتاج إلى معرفته. فجاز النظر إليه؛ كالوجه.
وفي تقييد الأمة بالمستامة دليل على عدم جواز النظر إلى الأمة إذا لم تكن مستامة. وفيه وجهان:
إحداهما: لا يجوز؛ لعموم قوله: {ولا يبدين زينتهن
…
الآية} [النور: 31] مع أنه لا حاجة تدعو إليه.
ولأن خوف الفتنة مشترك بين الحرة والأمة. فوجب اشتراكهما في الحرمة.
والثاني: يجوز؛ «لأن عمر رأى أمةً متكممة فضربها بالدرّة، وقال: يا لَكَاع! تتشبّهين بالحرائر» (2).
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1171) 3: 474 كتاب الرضاع، باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات.
وأخرجه أحمد في مسنده (15269) طبعة إحياء التراث.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6235) 2: 41 كتاب الصلوات، في الأمة تصلي بغير خمار.
وروى أبو حفص «أن عمرُ كان لا يدع أمةً تقنع في خلافته. قال: إنما القناعُ للحرائر» (1). ولو كان نظر ذلك محرماً لم يَمنع منه بل أمر به.
وقد روى أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذَ صفية قال الناس: لا نَدري أجعلَها أمّ المؤمنين أمْ أمّ ولد؟ فقالوا: إن حجَبَها فهي أم المؤمنين، وإنْ لم يحجبها فهي أمّ ولدٍ. فلما ركبَ وطّى لها خلفه ومدَّ الحجابَ بينها وبين الناس» (2) متفق عليه.
وأما كونه له النظر إلى ذوات محارمه في الجملة؛ فلأن الله تعالى قال: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن
…
الآية} [النور: 31]، وقال تعالى: {لا جناح عليهن في آبائهن
…
الآية} [الأحزاب: 55].
والمراد بذوات محارمه من يحرم نكاحها عليه على التأبيد بنسب؛ كالأم، والبنت. أو نسب مباح؛ كأم الزوجة، وابنتها.
وأما كونه له النظر منهنّ إلى الوجه والرقبة واليدين والقدمين والرأس والساقين ونحو ذلك مما يظهر غالباً على الأول؛ فلما روت زينب بنت أبي سلمة «أنها ارتضعتْ من أسماءَ امرأة الزبير. قالت: فكنتُ أراه أباً. وكان يدخل عليّ وأنا أمشّط رأسي، وربما أخذَ ببعض قرونِ رأسي، ويقول: أقبلِي عليّ» (3). رواه الشافعي في مسنده.
إذا ثبت ذلك في الرأس فالبواقي في معناه.
وأما كونه لا ينظر منهنّ إلا إلى الوجه والكفين على روايةٍ؛ فلأن ابن عباس قال في تفسير قوله تعالى: «{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31] يعني وجهها وكفيها» (4).
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6241) 2: 42 الموضع السابق.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (4797) 5: 1956 كتاب النكاح، باب اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ..
وأخرجه مسلم في صحيحه (1365) 2: 1045 كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها.
(3)
أخرجه الشافعي في مسنده (77) 2: 25 كتاب النكاح، باب فيما جاء في الرضاع.
(4)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 225 كتاب الصلاة، باب عورة المرأة الحرة. عن ابن عباس رضي الله عنه.
وفي 2: 226 كتاب الصلاة، باب عورة المرأة الحرة. عن عائشة رضي الله عنها.
قال: (وللعبد النظر إليهما من مولاته).
أما كون العبد له النظر إلى مولاته؛ فلأن الله تعالى قال: {أو ما ملكت أيمانهن} [النور: 31].
وروت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان لإحداكُنّ مُكَاتَبْ فملكَ ما يُؤدي. فلتحتَجِبْ منه» (1). رواه أبو داود والترمذي وصححه.
مفهومه عدم احتجابها قبل ذلك.
وعن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبدٍ قد وهبه لها، وعلى فاطمة ثوبٌ إذا قنَّعَتْ به رأسَها لم يبلغْ رجلَها، وإذا غطّت به رجلَها لم يبلغْ رأسَها. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تَلْقَى. قال: إنه ليسَ عليكِ بأس. إنما هو أبوكِ وغلامُك» (2). رواه أبو داود.
وأما كونه له النظر إلى وجهها وكفها وهو المراد بقوله: إليهما؛ فلأن الحاجة تدعو إلى ذلك.
فإن قيل: حديث أنس يدل على أنه له النظر إلى رأسها ورجلها.
قيل: ذكر المصنف في الكافي أن له النظر إلى ما يظهر منها غالباً. فيكون فيه الخلاف الذي في الخاطب (3).
ووجهه ما ذكر من الحديث أو الحاجة.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (3928) 4: 21 كتاب العتق، باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1261) 3: 562 كتاب البيوع، باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2520) 2: 842 كتاب العتق، باب المكاتب.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (4106) 4: 62 كتاب اللباس، باب في العبد ينظر إلى شعر مولاته.
(3)
ص: 533.
قال: (ولغير أولي الإرْبةِ من الرجال؛ كالكبير، والعِنّين، ونحوهما: النظر إلى ذلك. وعنه: لا يباح).
أما كون غير أولي الإربة له النظر إلى الوجه والكفين على المذهب فلقوله تعالى: {أو التابعين غير أولي الإربة} [النور: 31].
فإن قيل: ما المراد بغير أولي الإربة؟
قيل: غير أولي الحاجة.
وعن مجاهد وقتادة: «هو الذي لا إربَ له في النساء» . وعن ابن عباس نحوه.
وأما كونه لا يباح له ذلك على روايةٍ؛ فلعموم الأدلة المقتضية للمنع.
قال: (وللشاهد والمبتاع النظر إلى وجه المشهود عليها، ومن تعامله. وللطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره).
أما كون الشاهد له النظر إلى وجه المشهود عليها (1) فلتقع الشهادة على عينها.
وأما كون المبتاع له النظر إلى وجه من تعامله فليعلمها بعينها حتى يرجع عليها بالدرك.
وفي ذكر المبتاع تنبيه على المؤجرة ونحو ذلك، ويؤكده قوله: ومن تعامله. وصرح به في المغني؛ لأن حكم الكل سواء لأن ذلك في معنى المبتاع.
وأما كون الطبيب له النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره من المتطببة أو المتطبب؛ فلأنه موضع حاجة.
وقد روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكّم سعدًا في بني قريظةَ كان يكشفُ عن مؤْتَزَرِهِم» ؛ لأنه موضع حاجة. وهذا مثله.
وعن عثمان: «أنه أُتيَ بغلامٍ قد سرقَ فقال: انظروا إلى مؤُتزرِه. فلم يجدوه أنبتَ. فلم يقطعه» (2).
(1) في أ: عليه.
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 97 كتاب الحجر، باب البلوغ بالإنبات.
قال: (وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة. فإن كان ذا شهوة فهو كذي المحرم. وعنه: كالأجنبي).
أما كون الصبي المميز غير ذي الشهوة له النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة؛ فـ «لأن أبا طيبة حجمَ نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام» .
ولأن من ذكر لا شهوة له. أشبه الطفل.
ولأن المحرم للرؤية في حق البالغ كونه محلاً للشهوة. وهو مفقود هاهنا.
وأما كون الصبي ذي الشهوة كذي المحرم على المذهب؛ فلأن الله عز وجل فرق بين البالغ وغيره بقوله: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما} [النور: 59]. ولو لم يكن للصبي ذي الشهوة النظر لما كان بينه وبين البالغ فرق.
وأما كونه كالأجنبي على روايةٍ فلمساواته البالغ في الشهوة. وإنما لم يشترط عدم الشهوة في الآية؛ لأن الغالب عدمها فيمن لم يبلغ.
قال: (وللمرأة مع المرأة، والرجل مع الرجل: النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة. وعنه: أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي).
أما كون المرأة مع المرأة لها النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة؛ فلأن الله تعالى قال: {أو نسائهن} [النور: 31].
وأما كون الكافرة كالمسلمة في ذلك على المذهب؛ فلأن النساء الكوافر من اليهوديات وغيرهن كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن يحتجبن، ولا أُمرن بالحجاب.
وعن عائشة: «جاءت يهودية تسألُها فقالت: أعاذكِ الله من عذابِ القبرِ. فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم
…
وذكر الحديث» (1). متفق عليه.
ولأن الحجب بين الرجال والنساء لمعنى لا يوجد بين المسلمة والكافرة. فوجب أن لا يثبت الحجاب بينهما كالمسلم مع الكافر.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1002) 1: 356 كتاب الكسوف، باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف.
وأخرجه مسلم في صحيحه (903) 2: 621 كتاب الكسوف، باب ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف.
وأما كون الرجل مع الرجل له النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة؛ فلأن تخصيص العورة بالنهي دليل على إباحة النظر إلى غيرها.
وأما كون الكافرة مع المسلمة كالأجنبي على روايةٍ؛ فلأن قوله: {أو نسائهن} [النور: 31] ينصرف إلى المسلمات. فلو جاز للكافر النظر لم يبق للتخصيص فائدة.
قال: (ويباح للمرأة النظر من الرجل إلى غير العورة. وعنه: لا يباح).
أما كون المرأة يباح لها النظر من الرجل إلى ما ذُكر على المذهب؛ فلأن عائشة قالت: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يستُرني بردائِه وأنا أنظرُ إلى الحبشةِ يلعبُونَ في المسجد» (1) متفق عليه.
و«لأنه عليه السلام قال لفاطمة بنت قيس: اعتدّي في بيتِ ابن أم مكتوم فإنه رجلٌ أعمى تضَعين ثيابَكِ فلا يَراك» (2) متفق عليه.
ولأنهن لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجب لئلا ينظرون إليهم كما يؤمر النساء بالحجاب لئلا ينظر الرجال إليهن.
وأما كونها لا يباح لها ذلك على روايةٍ؛ فلما وري عن أم سلمة قالت: «كنتُ قاعدةً عند النبي صلى الله عليه وسلم أنا وحفصة. فاستأذنَ ابن أم مكتوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احتجبنَ منه. فقلتُ: يا رسول الله! ضريرٌ لا يُبصر. قال: أو عمْيَاوانِ أنتما لا تُبْصِرانِه؟ » (3). رواه أبو داود.
ولأن الله تعالى أمر النساء بغض أبصارهن كما أمر الرجال به.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (443) 1: 173 كتاب المساجد، باب أصحاب الحراب في المسجد.
وأخرجه مسلم في صحيحه (892) 2: 607 كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (1480) 2: 1115 كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها. ولم أره في البخاري.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (4112) 4: 63 كتاب اللباس، باب في قوله عز وجل:{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} .
وأخرجه الترمذي في جامعه (2778) 5: 102 كتاب الأدب، باب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال ..
ولأن النساء أحد نوعي الآدمي. فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياساً على الرجال. يحققه أن المعنى المحرم للنظر خوف الفتنة وهو في المرأة أبلغ؛ لأنها أشد شهوة وأقل عقلاً.
قال: (ويجوز النظر إلى الغلام لغير شهوة. ولا يجوز النظر إلى أحد ممن ذكرنا لشهوة).
أما كون النظر إلى الغلام لغير شهوة يجوز؛ فلأنه ذكر. أشبه الملتحي.
وأما كون النظر إلى أحد ممن ذكر لا يجوز لشهوة؛ فلأنه وسيلة إلى إيقاع المحذور.
قال: (ولكل واحد من الزوجين له النظر إلى جميع بدن الآخر ولمسه، وكذلك السيد مع أمته).
أما كون كل واحد من الزوجين له النظر إلى جميع بدن الآخر؛ فلأن النظر إنما حرم لئلا يقع في المحظور. وذلك منتفٍ هاهنا لجواز الوطء.
وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: «قلتُ: يا رسول الله! عوراتُنا ما نأتي منها وما نَذَر؟ قال: احفظْ عورتَكَ إلا من زوجتِكَ أو ما ملكتْ يمينُك» (1). وإذا لم يحفظ عورته منها لم تحفظ عورتها منه؛ لاشتراكهما في المعنى.
وفي تعميم النظر المذكور إشعار بجواز النظر إلى الفرج. وهو صحيح ويدل عليه الحديث المتقدم.
ولأنه محل استمتاع. فجاز النظر إليه؛ كبقية البدن.
لكن يكره النظر إليه؛ لأن عائشة قالت: «ما رأيتُه من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولا رآهُ مني» .
وفي لفظٍ قالت: «ما رأيتُ فرجَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قط» (2). رواه ابن ماجة.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (2769) 5: 97 كتاب الأدب، باب ما جاء في حفظ العورة.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1920) 1: 618 كتاب النكاح، باب التستر عند الجماع.
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه (662) 1: 217 كتاب الطهارة وسننها، باب النهي أن يرى عورة أخيه.
وقيّد صاحب المستوعب الكراهة بحالة الطمث وهي الحيض. وفيه معنى؛ لأن الوطء في الحيض حرام. فإذا نظر إلى الفرج ربما كان سبباً إلى الوطء الحرام. فأما إذا لم يكن حراماً فلا أقل من أن يكون مكروها.
وأما كون كل واحد منهما له لمس جميع بدن الآخر؛ فلأن الوطء جائز. فلأن يجوز اللمس بطريق الأولى.
ولأنه لو حرم اللمس لحرم النظر لئلا يدعو إليه.
ولأنه لو حرم اللمس لما أمكن التحرز عنه حالة الوطء.
وأما كون السيد مع أمته كذلك؛ فلأنهما في معنى الزوجين.
ولأن الأمة داخلة في الحديث المتقدم ذكره.
وفي قول المصنف رحمه الله تعالى: مع أمته نظر؛ لأنه يدخل في ذلك أمته المزوجة والمجوسية والوثنية ونحو ذلك، وليس له النظر إلى شيء من ذلك ولا لمسه؛ لما يذكر في موضعه. وجعل بعض الأصحاب سُرِّيَتَه بدل أمته. وفيه نظر أيضاً؛ لأنه يخرج منه أمته التي ليست بسُرِّية. وله النظر إليها ولمسها. وجعل بعضهم أمته المباحة له بدل أمته (1). وهو أجود مما تقدم ذكره لسلامته عما ذكر فيه.
(1) زيادة يقتضيها السياق.
فصل [في خطبة المعتدة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة، ولا التعريض بخطبة الرجعية. ويجوز في عدة الوفاة والبائن بطلاق ثلاث. وهل يجوز في عدة البائن بغير الثلاث؟ على وجهين).
أما كون التصريح بخطبة المعتدة لا يجوز؛ فلأن الله تعالى قال: {ولكن لا تواعدوهن سراً} [البقرة: 235]. والمراد بالسر النكاح. قاله أهل التفسير.
ولأنه قال: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} [البقرة: 235]. خص التعريض بنفي الحرج وذلك يدل على وجود الحرج في التصريح، وذلك يدل على عدم جواز التصريح.
ولأن التصريح لا يحتمل غير النكاح. فلا يؤمن أن يحملها الحرص على النكاح على الإخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها.
وأما كون التعريض بخطبة الرجعية لا يجوز؛ فلأنها زوجة. أشبهت التي في صلب النكاح.
وأما كون التعريض في عدة الوفاة والمطلقة بالثلاث يجوز؛ فلما تقدم من الآية.
ولما روت فاطمة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما طلّقها زوجها ثلاثاً: إذا حلَلْتِ فآذِنيني» (1) وفي لفظ: «لا تَسْبِقيني نفسك» (2). وفي لفظ: «لا تَفُوتِينَا بنفْسِك» (3). وكل ذلك تعريض بالخطبة.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1480) 2: 1114 كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (1480) 2: 1115 الموضع السابق.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (1480) 2: 1116 الموضع السابق.
وأما كون التعريض في عدة البائن بغير الثلاث؛ كالمختلعة، والمطلقة بالكناية الظاهرة على قول يجوز على وجه؛ فلعموم الآية.
ولأنها بائن. أشبهت المطلقة بالثلاث.
وأما كونه لا يجوز على وجه؛ فلأن الزوج يملك أن يستبيحها. أشبهت الرجعية.
قال: (والتعريض نحو قوله: إني في مثلك لراغب، ولا تُفَوِّتيني بنفسك. وتجيبه ما يُرغب عنك، وإن قضى شيء كان، ونحوهما).
أما كون التعريض نحو ما ذكر؛ فلأن الغرض يحصل بذلك. وقد دل الحديث المتقدم عليه.
وأما كون الإجابة ما ذكر؛ فلأن ذلك كافٍ في الغرض وشبيه بالتعريض.
قال: (ولا يحل لرجل أن يخطب على خطبة أخيه إن أُجيب. وإن رُدَّ حل وإن لم يعلم الحال فعلى وجهين).
أما كون الرجل لا يحل له أن يخطب على خطبة أخيه إذا أجيب؛ فلما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخطبُ أحدكم على خطبةِ أخيه» (1).
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخطبُ الرجلُ على خطبةِ أخيه حتى يَنكِحَ أو يَترُك» (2) متفق عليهما.
ولأن في ذلك إفساداً على الخاطب الأول، وفيه إيقاع العداوة بين الناس. ولذلك نهى عليه السلام عن بيعِ الرجل على بيعِ أخيه (3).
وأما كونه يحل له ذلك إذا رُدَّ؛ فلما روت فاطمة بنت قيس: «أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت: أن معاوية وأبا جهم خطباها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما معاوية
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4848) 5: 1975 كتاب النكاح، باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1412) 2: 1032 كتاب النكاح، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (4849) 5: 1976 الموضع السابق.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1413) 2: 1033 الموضع السابق.
(3)
ر. الحديث السابق والذي قبله.
فصُعلوكٌ لا مالَ له، وأما أبو جهم فلا يَضَعُ عصاهُ على عاتِقِه، انكحي أسامة بن زيد» (1) متفق عليه.
ولأن تحريم خطبتها على هذا الوجه إضرارٌ بالمرأة؛ لأنه لا يشاء أحد أن يمنع المرأة النكاح إلا منعها بخطبته لها.
وأما كونه يحل له إذا لم يعلم الحال على وجهٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فاطمة لأسامة بعد أن أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها.
وأما كونه لا يحل له على وجه؛ فلعموم النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه.
قال: (والتعويل في الرد والإجابة عليها إن لم تكن مجبرة. وإن كانت مجبرة فعلى الولي).
أما كون التعويل في الرد والإجابة على المرأة إن لم تكن مجبرة؛ فلأنها أحق بنفسها من وليها. ولو أجاب الولي ورغبت هي عن النكاح كان الأمر أمرها.
وأما كون ذلك على الولي إذا كانت مجبرة؛ فلأنه يملك تزويجها بغير اختيارها. فكان العبرة به لا بها.
قال: (ويستحب عقد النكاح مساء يوم الجمعة. وأن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود. وأن يُقال للمتزوج: بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1480) 2: 1114 كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها. ولم أره في البخاري.
وعافية. وإذا زُفّت إليه قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه).
أما كون العقد يستحب مساء يوم الجمعة؛ فلما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مسوا بالإملاكِ فإنه أعظمُ للبركة» .
ولأنه أقرب إلى مقصوده وأقل لانتظاره.
وأما كونه يستحب يوم الجمعة؛ فلأن جماعة من السلف استحبوا ذلك: منهم ضَمْرة بن حبيب، وراشد بن سعد، وحبيب بن عتبة.
وأما كون العاقد يستحب له أن يخطب بخطبة قبل العقد؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلُ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدأُ فيه بالحمدُ للهِ فهوَ أقطَع» (1). رواه ابن المنذر.
وأما كونه يخطب بخطبة ابن مسعود؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه إياها. وما هذا شأنه أولى من غيره.
فإن قيل: ما خطبة بن مسعود؟
قيل: ما روى ابن مسعود قال: «علّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم التشهدَ في الحاجة. إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنِا. من يهدهِ اللهُ فلا مُضلَ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه. ويقرأ ثلاث آياتٍ:{اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102]، {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا} [النساء: 1]، {اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا
…
الآية} [الأحزاب: 70]» (2). رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
وإضافة الخطبة إلى ابن مسعود في كلام المصنف لتأكيد الخطبة بها. لا لأن الخطبة لا تستحب بغيرها نقلاً وتعليلاً: أما الأول؛ فلأن الإمام أحمد بن حنبل
(1) أخرجه أبو داود في سننه (4840) 4: 261 كتاب الأدب، باب الهدى في الكلام. ولفظه:«كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم» .
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1894) 1: 610 كتاب النكاح، باب خطبة النكاح. قال السندي: الحديث قد حسنه ابن الصلاح والنووي. واللفظ له.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (2118) 2: 238 كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1105) 3: 413 كتاب الجمعة، باب ما جاء في خطبة النكاح.
كان إذا حضر عقد نكاح لم يُخطب فيه بخطبة ابن مسعود قام وتركهم. رواه الخلال.
وسئل: أيجب أن تكون الخطبة مثل قول ابن مسعود؟ فوسع في ذلك. رواه حرب.
وأما الثاني؛ فلأن الغرض الخطبة. وذلك حاصل بغيرها. وروي عن ابن عمر «أنه كان إذا دُعيَ ليزوِّج قال: [لا تُفضّضُوا] علينا الناسَ. الحمدُ [لله] وصلى الله على محمدٍ. إن فلانًا خطبَ إليكم فإن أنكحتُموه فالحمدُ لله، وإن رددتموهُ فسبحانَ الله» (1).
وأما كون المتزوج يستحب أن يقال له ما ذكره المصنف رحمه الله؛ فلما روى أبو هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رَفَّأَ الإنسانَ قال: باركَ اللهُ لكَ، وباركَ عليكَ، وجمعَ بينكما في خيرٍ وعافية» (2). رواه أبو داود.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه قال لعبدالرحمن لما تزوج: باركَ اللهُ عليكَ، أوْلِمْ ولو بشاة» (3). رواه البخاري.
وأما كونه يستحب أن يقول: اللهم إني أسألك خيرها
…
إلى آخره إذا زفت إليه؛ فلأن عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تزوجَ أحدكمُ امرأةً أو اشترى خادمًا فليقل: اللهم إني أسألكَ خيرَها وخيرَ ما جبلتَها عليه، وأعوذُ بكَ من شرّها وشرّ ما جبلتَها عليه» (4). رواه أبو داود.
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 181 كتاب النكاح، باب كيف الخطبة. وما بين الأقواس من السنن.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (2130) 2: 241 كتاب النكاح، باب ما يقال للمتزوج.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1091) 3: 400 كتاب النكاح، باب ما جاء فيما يقال للمتزوج.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1905) 1: 614 كتاب النكاح، باب تهنئة النكاح.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (3570) 3: 1378 كتاب فضائل الصحابة، باب إخاءُ النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (2160) 2: 248 كتاب النكاح، باب في جامع النكاح.