الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أحكام أمهات الأولاد
أمهات الأولاد: جمع أم ولد. وهي الأَمَة التي ولدت من سيدها في ملكه.
والأصل في إباحة وطئهن قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون? إلا على أزواجهم أو ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون: 5 - 6].
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أم ولدٍ وهي مارية القبطية أمّ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان علي بن الحسين والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبدالله بن عمر أمهاتهم أمهات أولاد.
ويروى أن الناس رغبوا في اتخاذ أمهات الأولاد حين رَأَوا هؤلاء الأئمة من أمهات الأولاد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإذا علقت الأمة من سيدها فوضعت منه ما يتبين فيه خلق الإنسان صارت له بذلك أم ولد. فإذا مات عتقت وإن لم يملك غيرها. وإن وضعت جسماً لا تخطيط فيه فعلى روايتين).
أما كون الأمة تصير أم ولدٍ لسيدها إذا علقت منه فوضعت ما يتبين فيه خلق الإنسان؛ فلأنه إذا تبين فيه ذلك علم أنه ولد. فيلزم صيرورتها أم ولد.
وأما كونها تعتق بموته؛ فلأن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ولدت منه أمته: فهي معتَقةٌ عن دبرٍ منه» (1).
وعنه قال: «ذُكرتْ أمُّ إبراهيمَ عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعتَقَهَا وَلَدُهَا» (2). أخرجهما ابن ماجة.
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (2515) 2: 841 كتاب العتق، باب أمهات الأولاد.
وأخرجه أحمد في مسنده (2939) 1: 320.
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2516) 2: 841 كتاب العتق، باب أمهات الأولاد.
وأخرجه الدارقطني في سننه (22) 4: 131 كتاب المكاتب.
وأما كونها تعتق وإن لم يملك غيرها؛ فلأنها تعتق من رأس المال؛ لأن ذلك إتلاف حصل بسبب حاجة أصلية. فكان من رأس المال. أشبه ما لو أتلفه في أكل ونحوه.
وأما كونها تصير أم ولدٍ إذا وضعت جسماً لا تخطيط فيه على رواية؛ فلأنها ولدت مبتدأ آدمي. أشبه ما لو تخطط.
وأما كونها لا تصير أم ولدٍ على روايةٍ فإن ذلك لا يسمى ولداً، وعتقها منه على صيرورتها أم ولد.
ويشترط في الخلاف المذكور: أن يشهد ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي؛ لأنها إذا وضعت نطفة أو علقة لم تصر أم ولدٍ وفاقاً.
قال: (وإن أصابها في ملك غيره بنكاحٍ أو غيره ثم ملكها حاملاً عتق الجنين ولم تصر أم ولد. وعنه: تصير).
أما كون الجنين المذكور يعتق؛ فلأنه ابنه وقد دخل في ملكه.
وأما كون أمه لا تصير أم ولد على المذهب؛ فلأنها لم تعلق في ملكه. أشبه ما لو اشتراها بعد الوضع.
وأما كونها تصير على رواية؛ فلأن لحرية البعض أثر في تحرير الجميع. بدليل ما لو أعتق بعضها. والحمل له حكم البعضية. بدليل ما لو أعتقها. فإن الحمل يدخل فيه.
قال: (وأحكام أم الولد أحكام الأمة: في الإجارة، والاستخدام، والوطء، وسائر أمورها. لا فيما ينقل الملك في رقبتها؛ كالبيع والهبة والوقف، أو ما يراد له؛ كالرهن. وعنه: ما يدل على جواز بيعها مع الكراهة، ولا عمل عليه).
أما كون أحكام أم الولد أحكام الأمة في غير ما ينقل الملك في رقبتها وما يراد له؛ فلأنها مملوكة. أشبهت الأمة.
فعلى هذا يجوز إجارتها؛ كالأمة، أو يقال: مملوكة ينتفع بها. فجازت إجارتها؛ كالمدبرة، أو يقال: عتقها معلق بالموت. أشبهت المدبرة.
ويجوز استخدامها؛ كالأب.
ولأنها إذا جاز إجارتها فلأن يجوز استخدامها بطريق الأولى.
ويجوز وطؤها؛ كالأمة.
ولأن الوطء نوع نفع. أشبه الاستخدام.
ولأنها داخلة في قوله تعالى: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون: 6].
ويجوز ما عدا ذلك مما لا ينقل الملك ولا يراد له؛ لأن ذلك لا ينافي انعقاد سبب الحرية فيها.
وأما كون أحكامها فيما ينقل الملك؛ كالبيع والهبة والوقف، وما يراد له؛ كالرهن يخالف أحكام الأمة؛ فلأن ذلك ينافي انعقاد سبب الحرية ويبطله.
فعلى هذا لا يجوز بيعها؛ لما روي «أن رجلاً باع أم ولده. فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال: أبعْدَما اختلط دماؤكم ودماؤهن ولحومكم ولحومهن: بعتموهن. ارددها ارددها» (1).
وعن الإمام أحمد: أنه يجوز مع الكراهة: أما الجواز؛ فلقول علي وفعله.
وعن جابر: «بِعْنَا أمهاتِ الأولادِ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ. فلما كان عمرُ نَهانَا فانتهَيْنَا» (3). رواه أبو داود.
وأما الكراهة؛ فللاختلاف في ذلك.
والأولى الصحيحة؛ لما ذكر، ولما تقدم من قوله عليه السلام:«أيما أمةٍ ولدت من سيدها فهي حرةٌ عن دبر» (4)، وقول ابن عباس:«ذُكرت أم إبراهيمَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أَعتقَها ولَدُها» (5).
(1) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (13248) 7: 296 كتاب الطلاق، باب ما يعتقها السقط.
وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (2049) 2: 61 كتاب الطلاق، باب ما جاء في أمهات الأولاد.
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10: 343 كتاب عتق أمهات الأولاد، باب الرجل يطأ أمته بالملك فتلد له.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (3954) 4: 27 كتاب العتق، باب في عتق أمهات الأولاد.
(4)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(5)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
فلا يجوز هبتها ولا وقفها؛ لأنهما يزيلان الملك. أشبه بالبيع. ولا يجوز الرهن؛ لأن المقصود به البيع عند تعذر الاستيفاء. فلم يجز؛ لمناقضته الأصل.
قال: (ثم إن ولدت من غير سيدها فلولدها حكمها من العتق بموت سيدها سواء عتقت أو ماتت قبله).
أما كون حكم ولد أم الولد من غير سيدها حكمها في العتق؛ فلأن الولد تبع لأمه في الرق والحرية. فليتبعها في سبب الحرية.
وأما كون حكم الولد كذلك سواء عتقت الأم أو ماتت قبل موت السيد؛ فلأن سبب الحرية قد انعقد وهو شبيه بنفس العتق. فكما لا يرتفع العتق بعد وقوعه فكذلك لا يرتفع السبب بعد وقوعه.
فإن قيل: ولد المكاتبة يتبعها في الكتابة فإذا بطلت الكتابة في الأم بطلت في الولد.
قيل (1): لأن سبب العتق فيهما: إما الأداء في العقد، أو وجود الصفة. وببطلان الكتابة تعذر كل واحدٍ منهما. بخلاف أم الولد فإن السبب موت السيد، ولا يتعذر ذلك بموت الأم.
قال: (وإن مات سيدها وهي حامل منه فهل تستحق النفقة لمدة حملها؟ على روايتين).
أما كون من ذكرت تستحق النفقة على روايةٍ؛ فلأنه لو أعتقها وهي حاملٌ استحقت النفقة. فكذا إذا عتقت بموته.
وأما كونها لا تستحقها على رواية؛ فلأن زوجته لو مات عنها حاملاً لم يكن لها عليه نفقة. فكذلك أم الولد.
قال: (وإذا جنت أم الولد فداها سيدها بقيمتها أو دونها. وعنه: عليه فداؤها بأرش الجناية كله. وإن عادت فجنت فداها أيضاً. وعنه: يتعلق ذلك بذمتها).
أما كون السيد يفدي أم الولد إذا جنت؛ فلأنها امتنع بيعها بسببه فيلزمه فداؤها؛ كما لو منع بيع الجانية غير أم الولد.
(1) زيادة يقتضيها السياق.
وأما كونه يفديها بقيمتها إذا ساوت أرش الجناية أو نقصت عنه أو دونها إن لم يكن كذلك على المذهب؛ فلما تقدم ذكره في سيد الجاني.
وأما كونه عليه فداؤها بأرش الجناية كله على رواية؛ فلما تقدم فيه أيضاً.
قال المصنف رحمه الله في المغني: لا يفدى بأرش الجناية بالغاً ما بلغ؛ لأنه لا يملك (1) تسليمها للبيع. بخلاف القن.
وأما كونه يفديها أيضاً إذا عادت فجنت على المذهب؛ فلأنها جناية. أشبهت الأول.
وأما كون ذلك يتعلق بذمتها على روايةٍ؛ فلأن تكرر الفداء على السيد مع منعه من بيعها يضرّ به. فوجب تعليقه بذمتها.
قال: (وإن قتلت سيدها عمداً فعليها القصاص. وإن عفوا على مال، أو كانت الجناية خطأ: فعليها قيمة نفسها، وتَعتق في الموضعين).
أما كون أم الولد إذا قتلت سيدها عمداً عليها القصاص؛ فلأنها دونه أو مثله، وفي القصاص مصلحة للزجر عن تعاطي قبيح القتل.
وأما كونها عليها قيمة نفسها إذا عفا مستحق القصاص على مال، أو كانت الجناية خطأ؛ فلأن اعتبار الجناية في حق الجاني بحال الحياة. بدليل ما لو جنى عبد فأعتقه سيده. وهي في حال الجناية أمة فإنها إنما عتقت بالموت الحاصل بالجناية فيكون عليها فداء نفسها بقيمتها كما يُفدى العبد الجاني بقيمته.
وقال المصنف في المغني: ويجب أن يقال: إذا كانت الدية أقل من القيمة أن تجب الدية؛ لأنه لا يلزم الجاني أكثر من أرش جنايته.
(1) في أ: يملكها، ولعل الصواب ما أثبتناه.
وأما كونها تعتق في الموضعين -أي: في الجناية العمد والخطأ-؛ فلأنها لا ينتقل الملك فيها، وقد زال ملك سيدها عنها بموته.
قال: (ولا حد على قاذفها. وعنه: عليه الحد).
أما كون أم الولد لا حد على قاذفها على روايةٍ؛ فلأنها أمة حكمها حكم الإماء في أكثر الأحكام. فوجب أن يلحق القذف بها القذف بالأمة بل أولى؛ لأن الحد على روايةٍ يحتاط لإسقاطه، ويدرأ بالشبهات.
وأما كونه عليه الحد؛ فلأنه يروى عن عمر.
ولأن لها معنى مَنَع بيعها وإرثها. أشبهت الحرة.
قال المصنف في المغني: والأول أصح.
فصل [إذا أسلمت أم ولد الكافر]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (إذا أسلمت أم ولد الكافر أو مدبرته منع من غشيانها، وحيل بينه وبينها، وأجبر على نفقتها إن لم يكن لها كسب. فإن أسلم حلت له، وإن مات قبل ذلك عتقت. وعنه: أنها تستسعي في حياته وتعتق).
أما كون الكافر يمنع من غشيان أم ولده ومدبرته إذا أسلمت. والمراد بها: وطئها؛ فلأن وطء المشرك للمسلمة لا يجوز.
وأما كونه يحال بينه وبينها؛ فلئلا يتلذذ بها ويخلو؛ لأن ذلك مفضٍ إلى الوطء المحرم.
وأما كونه مجبر على نفقتها؛ فلأنه مالك لها.
وفيه إشعار بجواز إبقاء ملكه عليها وهو صحيح على المذهب؛ لأنه لم يوجد سببٌ يوجب زوال ذلك فوجب إبقاؤها على ما كانت عليه.
وعن الإمام أحمد: أنها تستسعي في حياته؛ لأنه لا سبيل إلى بيعها، ولا إلى إقرار الملك عليها؛ لما فيه من إثبات ملك الكافر على المسلمة، ولا إلى عتقها مكاناً؛ لما فيه من الضرر فوجب الاستسعاء؛ لأن فيه جمعاً بين الحقين.
فعلى هذا إذا أدّت عتقت.
والأول أصح؛ لما ذكرت؛ لأن في الاستسعاء إلزاماً لها الكسب بغير رضاها، وإلزاماً له في خروجها عن ملكه.
واشترط المصنف رحمه الله تعالى في وجوب النفقة: أن لا يكون لها كسب؛ لأنها إذا كان لها كسب وجبت فيه. فلا حاجة إلى إيجابها عليه.
فإن قيل: الكلام في أم الولد والمدبرة، وأم الولد لا يجوز بيعها بخلاف المدبرة.
قيل: في بيع المدبرة خلاف. فإن قيل بجوازه كان حكمها حكم القن، وإن قيل بعدم جوازه ساوت أم الولد. وعليه يحمل كلام المصنف رحمه الله تعالى.
وأما كونها تحل له إذا أسلم؛ فلأن المانع كفره وقد زال. فوجب حل الوطء؛ لدخولها في قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون: 6] السالم عن معارضة الكفر.
وأما كونها تعتق بموته؛ فلأنها أم ولده واستيلاده لها صحيح؛ كما لو أعتقها. فوجب عتقها؛ كالمسلم.
قال: (وإذا وطئ أحد الشريكين الجارية فأولدها صارت أم ولدٍ له، وولده حر، وعليه قيمة نصيب شريكه. وإن كان معسراً كان في ذمته).
أما كون الجارية المشتركة تصير أم ولدٍ بوطء أحد الشريكين؛ فلأنه وطء في ملك له. أشبه ما لو كانت كلها له.
ولأن العتق يخرج ملك الغير فلأن يخرج بالاستيلاد بطريق الأولى.
وأما كون ولده حراً؛ فلأنه وطء في محل له فيه ملك. أشبه ما لو وطئ زوجته في الحيض أو الإحرام.
وأما كون الواطئ عليه قيمة نصيب شريكه؛ فلأنه أتلفه عليه. فإن كان موسراً وجب دفعه إلى شريكه، وإن كان معسراً بقي في ذمته؛ لأن الله تعالى أوجب إنظاره بقوله تعالى:{وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرة} [البقرة: 280].
قال: (وإن وطئها بعد (1) ذلك فأولدها فعليه مهرها. وإن كان عالماً فولده رقيق).
أما كون الشريك الثاني عليه مهرها إذا وطئها بعد ما تقدم؛ فلأنه وطئ أمة غيره؛ لأن نصيبه انتقل إلى الواطئ الأول بالاستيلاد.
وأما كون ولده رقيقاً إذا كان عالماً؛ فلأن الوطء حرام، والولد تبع لأمه، وهي رقيقة. فوجب كونه رقيقاً.
قال: (وإن جَهل إيلاد شريكه أو أنها صارت أم ولدٍ له فولده حر، وعليه فداؤه يوم الولادة. ذكره الخرقي. وعند القاضي وأبي الخطاب: إن كان الأول معسراً لم يسر استيلاده. وتصير أم ولدٍ لهما يعتق نصفها بموت أحدهما. وإن
(1) في المقنع: وطئها الثاني بعد.
أعتق أحدهما نصيبه بعد ذلك وهو موسرٌ فهل يقوم عليه نصيب شريكه؟ على وجهين).
أما كون ولد من جَهل إيلاد شريكه حراً؛ فلأنه وطء شبهة.
وأما كونه عليه فداؤه؛ فلأنه فوّت رقه على مالك الأمة.
وأما كون الفداء يوم الولادة؛ فلأن قبل ذلك لا يمكن تقويمه.
وأما كون الأول لا يسري استيلاده فعلى قولهما يصير أم ولدٍ لهما؛ لأن كل واحدٍ قد أحبلها ويعتق نصفها بموت أحدهما؛ لأن ذلك نصيبه. وقد ثبت له حكم الاستيلاد، ويتكمل عتقها بموت الآخر كذلك. ولم يذكره المصنف رحمه الله تعالى؛ لظهوره.
وأما كون من أعتق نصيبه بعد ذلك وهو موسر يُقَوّم عليه نصيب شريكه على وجه. فكما لو أعتق أحد الشريكين نصيبه من الأمة القن.
وأما كونه لا يقوم عليه على وجهٍ؛ فلأن التقويم في معنى البيع، وبيع النصيب المذكور لا يجوز. فكذلك تقويمه.
والأول أصح؛ لأن حكم الاستيلاد أقوى من العتق. بدليل أنه يصح من المجنون بخلاف العتق. والله تعالى أعلم.