الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ميراث أهل الملل
الملل: جمع ملة. وهي الطريقة.
قال رحمه الله: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم. إلا أن يسلم قبل قسم ميراثه فيرثه. وعنه: لا يرثه. وإن عتق عبدٌ بعد موت موروثه وقبل القسم لم يرث وجهاً واحداً).
أما كون المسلم لا يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم إذا لم يسلم قبل قسم ميراثه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرثُ المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ» (1). متفق عليه.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتوارثُ أهل ملتين شتى» (2). رواه أبو داود.
وأما كون الكافر إذا أسلم قبل قسم ميراث موروثه يرث على المذهب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أسلمَ على شيءٍ فهوَ لَه» (3) رواه سعيد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل قَسْم قُسِمَ في الجاهليةِ فهوَ على ما قُسِمَ. وكل قَسْمٍ أدركَهُ الإسلامُ. فإنه على قَسْمِ الإسلام» (4) رواه أبو داود.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6383) 6: 2484 كتاب الفرائض، باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1614) 3: 1233 كتاب الفرائض.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (2911) 3: 125 كتاب الفرائض، باب هل يرث المسلم الكافر.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2731) 2: 912 كتاب الفرائض، باب ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (189 - 190) 1: 76 كتاب الفرائض، باب من أسلم على الميراث قبل أن يقسم. عن عروة بن الزبير. وعن ابن أبي مليكة.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (2914) 3: 126 كتاب الفرائض، باب فيمن أسلم على ميراث.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2485) 2: 831 كتاب الرهون، باب قسمة الماء.
و «لأن عمر وعثمان قضيا أن من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه» (1). وكان ذلك بمحضرٍ من الصحابة ولم ينكر. فكان إجماعاً.
وأما كونه لا يرث على روايةٍ؛ فلعموم ما تقدم.
والأول هو الصحيح؛ لما ذكر.
ولأن فيه ترغيباً في الإسلام وحثاً على الدخول فيه وذلك مطلوب شرعاً.
وأما كون العبد إذا عتق بعد موت موروثه وقبل القسم لا يرث وجهاً واحداً؛ فلأن مقتضى الدليل عدم إرث من فيه مانعٌ منه حين الموت. خولف في الكافر إذا أسلم على المذهب؛ لما ذكر. فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل. وقياس العتق على الإسلام لا يصح لوجهين:
أحدهما: أن العتق ليس من اختيار المعتق. فليس في الحكم بإرثه حثٌّ له على ذلك. بخلاف الإسلام فإنه من اختيار من أسلم، وفي الحكم بإرثه حثٌّ له على الدخول فيه.
وثانيهما: أن الإسلام أعظم القرب والطاعات فلا يقاس عليه ما ليسَ في معناه.
قال رحمه الله: (ويرثُ أهل الذمة بعضهم بعضاً إن اتفقت أديانهم، وهم ثلاث ملل: اليهودية، والنصرانية، ودين سائرهم).
أما كون أهل الذمة يرث بعضهم بعضاً إذا اتفقت أديانهم؛ فلأن المانع من الإرث اختلاف الدين وهو غير موجود. فوجب الحكم بالإرث عملاً بالمقتضي له السالم عن المعارض.
وأما كون أهل الذمة ثلاث ملل؛ فلأن اليهودية ملة، والنصرانية ملة، ودينُ سائرهم ملة.
أما كون كل واحدةٍ من اليهودية والنصرانية ملة فظاهر؛ لأن لكل واحدةٍ منهما كتاباً وأحكاماً وشرائع غير الأخرى.
(1) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (9894) 6: 26 كتاب أهل الكتاب، المسلم يموت وله ولد نصراني.
وأخرجه سعيد بن منصور في سننه عن عثمان مختصرا (185) 1: 75 كتاب الفرائض، باب: من أسلم على الميراث قبل أن يقسم.
وأما كون دين سائرهم ملةً ثالثةً؛ فلأنهم يشملهم كونهم لا كتاب لهم.
فعلى هذا لا يرث يهودي نصرانياً، ولا مجوسياً ولا وثنياً، ولا نصراني يهودياً ولا وثنياً ولا بالعكس؛ لاختلاف الملة.
قال رحمه الله: (وإن اختلفت لم يتوارثوا. وعنه: يتوارثون. ولا يرث ذمي حربياً ولا حربي ذمياً ذكره القاضي. ويحتمل: أن يتوارثا).
أما كون من اتحدت ملتهم واختلف دينهم؛ كالمجوس وعبدة الوثن وما أشبه ذلك يتوارثون على المذهب؛ فلأن العمومات من النصوص للإرث تقتضي توريثهم، ولم يرد بتخصيصهم نصٌ ولا إجماعٌ. ولا يصح قياسهم على غيرهم. فوجب العمل بالعموم.
ولأن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يَتوارثُ أهلُ ملتين شتّى» (1) يدل بمفهومه على أن الملة الواحدة يتوارثون.
ولأن ضبط التوريث بالإسلام والكفر دليل على أن العبرة باختلاف الملل.
وأما كونهم لا يتوارثون على روايةٍ؛ فلأن دينهم مختلف. أشبه اختلاف الملل.
وأما كون الذمي لا يرث حربياً ولا الحربي ذمياً على ما ذكره القاضي؛ فلأن الموالاة منقطعةٌ بينهما.
وأما كونهما يحتمل أن يتوارثا؛ فلأن ملتهما واحدة. فوجب أن يتوارثا؛ كالذمي من الذمي، والحربي من الحربي.
قال رحمه الله: (والمرتد لا يرث أحداً. إلا أن يسلم قبل قسم الميراث. فإن مات في ردته فماله فيء. وعنه: أنه لورثته من المسلمين. وعنه: أنه لورثته من أهل الدين الذي اختاره).
أما كون المرتد لا يرث أحداً إذا لم يسلم قبل قسم الميراث؛ فلأنه ليس بمسلمٍ حتى يرث المسلم، وليس حكمه مساوياً للكافر حتى يرث الكافر. بيان عدم
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
المساواة: أن المرتد لا يُقَر على كفره، ولا تحل ذبيحته، ولا نكاح نساء من انتقل إلى دينهم.
ولأن المرتد تزول أملاكه الثابتة له أو استقرارها. فلئلا يثبت له ملكٌ بطريق الأولى.
وأما كونه يرثه إذا أسلم قبل قسم الميراث؛ فلما تقدم في الكافر الأصلي.
وأما كون ماله إذا قتل في ردته فيئاً على المذهب؛ فلما يأتي.
وأما كونه لورثته من المسلمين على روايةٍ؛ فلأنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم.
قال زيد بن ثابت: «بعثني أبو بكر رضي الله عنه عند رجوعه إلى أهل الردة أن اقسم أموالهم بين ورثتهم المسلمين» .
ولأن ردته ينتقل بها ماله. فوجب أن ينتقل إلى ورثته المسلمين؛ كما ينتقل بالموت.
وأما كونه لورثته [من أهل] الدين [الذي](1) اختار دينهم؛ فلأنه كافر فورثته. أهل دينه؛ كالحربي وسائر الكفار.
والأول أصح؛ لأنه لا يستحق ميراثه المسلم ولا من انتقل إلى دينه. فوجب جعله فيئاً؛ كمال من لا وارث له.
أما كونه لا يستحقه المسلم؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرثُ المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ» (2)، وقال:«لا يَتوارثُ أهلُ مِلتين شتّى» (3).
ولأنه كافر فلا يرثه مسلم؛ كالكافر الأصلي.
ولأن ماله ملك مرتد. أشبه الذي كسبه في ردته.
وأما كونه لا يستحقه أهل دينه الذي اختاره؛ فلأنه لا يرثهم. فوجب أن لا يرثوه؛ كغيرهم من أهل الأديان.
(1) ما بين المعكوفين زيادة يقتضيها السياق.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
ولأنه يخالفهم في حكمهم فإنه لا يقر، ولا تحل ذبيحته ولا نكاحه لو كان امرأة.
فصل [في حكم ميراث المجوس]
قال المصنف رحمه الله: (وإن أسلم المجوس أو تحاكموا إلينا ورّثوا بجميع قراباتهم. فإذا خلّف أمه وهي أخته من أبيه وعماً ورثت الثلث بكونها أماً، والنصف بكونها أختاً، والباقي للعم. فإن كان معهما أختٌ أخرى لم ترث بكونها أماً إلا السدس؛ لأنها انحجبت بنفسها وبالأخرى).
أما كون المجوس إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا (1) يورّثون بجميع قراباتهم؛ فلأنه قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس.
ولأن الله تعالى فرض للأم الثلث، وللأخت النصف. فإذا كانت الأم أختاً وجب إعطاؤها ما فرض الله لها في الآيتين؛ كالشخصين.
ولأنهما قرابتان ترث بكل واحدةٍ منهما منفردةً لا تحجب أحدهما الأخرى ولا ترجيح فيهما. فوجب أن ترث بهما مجتمعين؛ كالزوج إذا كان ابن عم (2)، وابن العم إذا كان أخاً لأم، وكذا ذو الرحم (3) المدلي بقرابتين.
[وأما كون الأم ترث الثلث والنصف إذا خلف أمه وهي أخته من أبيه؛ فلأن الأم فرضها الثلث، والأخت فرضها النصف؛ لما تقدم](4).
وأما كون الباقي للعم؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر» (5).
وأما كون الأم لا ترث بكونها أماً إلا السدس إذا كان معها أخت أخرى؛ فلما ذكر المصنف من أنها انحجبت بنفسها وبالأخرى. وذلك أنه قد تقدم أن الأم
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2)
إلى هنا نهاية السقط من أ.
(3)
في أ: وكذا الرحم.
(4)
ساقط من أ.
(5)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
تنحجب من الثلث إلى السدس بالأختين، وأن الأم ترث هنا؛ لكونها أختاً فيكون في المسألة أختان، وذلك يوجب أن لا ترث الأم إلا السدس؛ لأنه كما جاز أن ترث بالجهتين جاز أن تنحجب بالجهة التي ترث بها إذا كان مثلها تحجب.
وفي هذا الباب مسائل لم يذكرها المصنف رحمه الله تعالى؛ لقلة وقوعها. واللائق أن يذكر بعضها ليتضح طريق ذلك:
- منها: مجوسي تزوج ابنته فأولدها بنتاً ثم مات عنها (1) وعن عم: فللبنتين الثلثان، والباقي للعم. وتصح من ثلاثة. ولا ترث الكبرى بالزوجية شيئاً؛ لما يأتي بعد إن شاء الله تعالى. فإن ماتت الكبرى فللصغرى المال كله؛ لأنها بنتها وأختها. وإن ماتت الصغرى أولاً فللكبرى النصف والثلث؛ لأنها أمٌ وأخت (2)، والباقي لعم الأب.
- ومنها: مجوسي تزوج أمه فأولدها بنتاً ثم مات فلأمه السدس، ولابنته النصف. ولا ترث أمه بالزوجية شيئاً؛ لما يأتي، ولا ابنته؛ لكونها أختاً لأم؛ لأن ولد الأم يسقط بالولد وهو موجود هنا فيكون إذاً قد حجَبت نفسها بنفسها. فإن ماتت الكبرى بعده فقد خلّفت بنتاً هي بنت ابن فلها الثلثان بالقرابتين. فإن ماتت الصغرى بعده فقد خلّف أماً هي أم أب فلها الثلث بالأمومة لا غير؛ لأن الجدة من كل جهةٍ تحجب الأم فتكون إذاً قد حجبت نفسها بنفسها.
- ومنها: مجوسي تزوج ابنته فأولدها بنتاً، ثم تزوج ابنته الصغرى فأولدها بنتاً، ثم مات وماتت الكبرى بعده فقد خلّفت أختيها لأبيها أحدهما بنتها والأخرى بنت بنتها: فلبنتها النصف، والباقي بينهما؛ لكونهما أختين. ولا ترث الأخت الأخرى؛ لكونها بنت بنت؛ لأن بنت البنت تحجب بالبنت (3) وهي موجودة هنا.
ولأن بنت البنت من ذوي الأرحام وهي لا ترث مع ذي فرض.
وإن ماتت الوسطى فقد خلّفت أختيها أحدهما أمها والأخرى بنتها: فلأمها السدس، ولبنتها النصف، والباقي بينهما؛ لكونهما أختين. فإن ماتت الصغرى بعده
(1) في المبدع: عنهما 6: 237.
(2)
في أ: وبنت.
(3)
في أ: البنت.
فقد خلّفت أختيها لأبيها أحدهما أمها، والأخرى جدتها: فلأمها السدس، والباقي بينهما؛ لكونهما أختين وقد انحجبت الأم بنفسها وبأمها عن السدس. ولا ترث الجدة؛ لوجود الأم.
قال: (ولا يرثون بنكاح ذوات المحارم، ولا بنكاحٍ لا يقرون عليه لو أسلموا).
أما كون المجوس لا يرثون بنكاح ذوات المحارم؛ كرجلٍ تزوج أمه أو بنته أو أخته أو ما أشبه ذلك؛ فلأنه لا خلاف في ذلك.
قال المصنف في المغني: لا نعلم خلافاً بين المسلمين في أنهم لا يرثون بنكاح ذوات المحارم.
وأما كونهم لا يرثون بنكاحٍ لا يُقرون عليه في الإسلام؛ كمن تزوج مطلقة ثلاثاً؛ فلأنه باطل لا يقر عليه فلم يترتب عليه إرث؛ كالمسلم الذي نكاحه باطل.
وفي تقييد المصنف رحمه الله تعالى عدم الإرث بنكاحٍ لا يقر عليه إشعار بالتوارث بنكاحٍ يقر عليه؛ كمن تزوج امرأة بغير شهود؛ لأنه نكاح يقر عليه. فوجب أن يترتب الإرث عليه؛ كالأنكحة الصحيحة.
وفي بعض الأنكحة خلاف في استحقاق الإرث مبني على الخلاف في أنه هل يقر عليه أم لا؟ .
من ذلك: مجوسي تزوج امرأة في عدتها فظاهر كلام الإمام أحمد أنهما يتوارثان؛ لأنه قال: إذا أسلما وقد نكحها في العدة أُقرّا عليه.
وقال القاضي: إن أسلما بعد انقضاء العدة أُقرّا، وإن أسلما قبله لم يُقرّا.
فعلى هذا إن مات أحدهما قبل انقضاء العدة لم يتوارثان، وإن مات بعده توارثا. وتأوّل القاضي كلام أحمد على من أسلم بعد انقضاء العدة.