المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الوليمة قال المصنف رحمه الله تعالى: (وهي: اسم لدعوة العرس - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٣

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب إحياء المَوَات

- ‌باب الجُعالة

- ‌باب اللقطة

- ‌باب اللقيط

- ‌كتاب الوقف

- ‌باب الهبة والعطية

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب ميراث ذوي الفروض

- ‌باب العصبات

- ‌باب أصول المسائل

- ‌باب تصحيح المسائل

- ‌باب المناسخات

- ‌باب قسمة التركات

- ‌باب ذوي الأرحام

- ‌باب ميراث الحمل

- ‌باب ميراث المفقود

- ‌باب ميراث الخنثى

- ‌باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم

- ‌باب ميراث أهل الملل

- ‌باب ميراث المطلقة

- ‌باب الإقرار بمشارك في الميراث

- ‌باب ميراث القاتل

- ‌باب ميراث المعتق بعضه

- ‌باب الولاء

- ‌كتاب العتق

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب أحكام أمهات الأولاد

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب أركان النكاح وشروطه

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب الشروط في النكاح

- ‌باب حكم العيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء

- ‌كتاب الخلع

- ‌نهاية السقط من المطبوعة

الفصل: ‌ ‌باب الوليمة قال المصنف رحمه الله تعالى: (وهي: اسم لدعوة العرس

‌باب الوليمة

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وهي: اسم لدعوة العرس خاصة. وهي مستحبة).

أما قول المصنف رحمه الله تعالى: وهي اسم لدعوة العرس خاصة: فبيانٌ لمعنى الوليمة لغة.

قال ثعلب وغيره من أهل اللغة: الوليمة اسم للطعام في العرس خاصة. لا تقع على غيره.

وقال بعض الفقهاء من أصحابنا وغيرهم: الوليمة تقع على كل طعام لسرورٍ حادث؛ إلا أن استعمالها في العرس أكثر.

قال المصنف في المغني: وقول أهل اللغة أقوى؛ لأنهم أهل اللسان وهم أعرف بموضوعات اللغة.

فإن قيل: أسماء بقية الدعوات ما هي؟

قيل: دعوة الختان تسمى العذيرة والأعذار، ودعوة الولادة تسمى الخرس والخرسة، ودعوة البناء تسمى الوكِيرة، ودعوة القدوم من الغيبة تسمى النقيعة. قال الشاعر:

كل الطعام تشتهى ربيعة

الخرس والأعذار والنقيعة

ودعوة الصبي إذا حذق تسمى الحذاق. ويعم الكل المأدبة؛ لأنها اسم لكل دعوة لها سبب أو لا سبب لها. وصاحبها يسمى الآدب. قال الشاعر:

نحن في المشتاة ندعو الجفلى

لا ترى الآدب فينا ينتقر

الجفلى: الدعوة العامة. والنقرى: الدعوة الخاصة.

ص: 704

وأما كون الوليمة مستحبة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها عبدالرحمن بن عوف فقال: «أوْلم ولو بشاة» (1).

ولأنه عليه السلام فعلها. قال أنس: «ما أولمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولمَ على زينب. جعل يبعثني فأدعو له الناس. فأطعَمَهم خبزًا ولحمًا حتى شبعوا» (2).

فإن قيل: قوله: «أولم» : أمر، والأمر للوجوب. فيجب أن تكون واجبة.

ولأن الإجابة إليها واجبة. فيجب أن تكون واجبة؟

قيل: أما الأمر فيجوز أن يراد به الاستحباب. وقد قام دليلٌ على إرادته لأنه أمر في حديث عبدالرحمن بشاة. ولو كان الأمر للوجوب لوجبت الشاة. وذلك منتفٍ لوجهين:

أحدهما: الإجماع.

وثانيهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على صفية بحيْس» (3) متفق عليه.

و«أولم على بعض نسائهِ بمدَّين من شَعير» (4) رواه البخاري.

ولأن دعوة العرس طعام لسرور. فلم تكن واجبة؛ كسائر الأطعمة.

ووجوب الإجابة لا يستلزم وجوب الفعل. دليله السلام فإنه ليس بواجب وإجابته واجبة.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3722) 3: 1432 كتاب فضائل الصحابة، باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1427) 2: 1042 كتاب النكاح، باب الصداق.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (4877) 5: 1983 كتاب النكاح، باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1428) 2: 1048 كتاب النكاح، باب زواج زينب بنت جحش.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (4874) 5: 1983 كتاب النكاح، باب الوليمة ولو بشاة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1365) 2: 1047 كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (4877) 5: 1983 كتاب النكاح، باب الوليمة ولو بشاة.

ص: 705

قال: (والإجابة إليها واجبة إذا عيّنه الداعي المسلم في اليوم الأول. فإن دعاه الجفلى؛ كقوله: يا أيها الناس! تعالوا إلى الطعام، أو دعاه فيما بعد اليوم الأول، أو دعاه ذمّي: لم تجب الإجابة).

أما كون الإجابة إلى وليمة العرس واجبة في الجملة؛ فلأن ابن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دُعيَ أحدكم إلى وليمةً فليأتها» (1). وفي لفظ: «أجيبوا هذه الدعوة إذا دُعيتم إليها» (2).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «شرُ الطعام طعامُ الوليمة يُدعى إليها الأغنياء ويُتركُ الفقراء. ومن لم يجب فقد عصَى الله ورسوله» (3).

[قال: (وسائر الدعوات والإجابة إليها مستحبة غير واجبة. وإذا حضر وهو صائم صوماً واجباً لم يفطر، وإن كان نفلاً أو كان مفطراً استحب الأكل. وإن أحب دعا وانصرف).

أما كون سائر الدعوات والإجابة إليها غير واجبة؛ فلما روي عن عثمان بن أبي العاص: «أنه دعي إلى ختان فأبى أن يجيب. وقال: إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» (4). رواه الإمام أحمد.

وما كونها تستحب فلقوله عليه السلام: «إذا دعي أحدكم فليجب عُرسا كان أو غير عرس» (5). رواه أبو داود.

ولأن فيه جبر قلب الداعي وتطييبه.

وأما كونه إذا حضر وهو صائم صوماً واجباً لا يفطر؛ فلأن] (6) الأكل غير واجب لما يأتي. فلا يترك واجباً لأجل مستحب.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4878) 5: 1984 كتاب النكاح، باب حق إجاية الوليمة والدعوة

وأخرجه مسلم في صحيحه (1429) 2: 1052 كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (4884) 5: 1985 كتاب النكاح، باب إجابة الداعي في العرس ونحوه.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1429) 2: 1053، الموضع السابق.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (1432) 2: 1054، الموضع السابق.

(4)

أخرجه أحمد في مسنده (17938) 4: 217.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (3738) 3: 339 كتاب الأطعمة، باب: ما جاء في إجابة الدعوة.

(6)

ساقط من أ. وقد تم استدراك المتن من المقنع. والباقي من الكافي 3: 80 - 81.

ص: 706

وأما كونه يستحب له الأكل إذا كان صائماً نفلاً؛ فلأن فيه إجابةً لأخيه المسلم، وإدخالَ السرور على قلبه.

وقد روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة ومعه جماعة. فاعتزل رجل من القوم ناحية. فقال: إني صائم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعاكم أخوكم وتكلّف لكم. كُلْ. ثم صم يومًا مكانه إن شئت» (1).

وأما كونه إن أحب دعا وانصرف؛ فلأنه داخل في قوله عليه السلام: «فإن كان صائماً فليدْعُ» (2).

ولأن الأكل غير واجب لما يأتي. فلم يجب أن يترك صومه وإن كان نفلاً.

فعلى هذا يستحب له أن يُعلم صاحب الدعوة بأنه صائم ليعلم عذره وتزول عنه التهمة في ترك الأكل.

وعن عبدالله: «إذا عُرضَ على أحدكم الطعامَ وهو صائم فليقل: إني صائم» (3).

وعن عثمان بن عفان: «أنه أجاب عبد المغيرة وهو صائم. فقال: إني صائم ولكني أحببت أن أجيب الداعي فأدعو له بالبركة» . رواه أبو حفص.

وأما كونه استحب له الأكل إذا كان مفطراً؛ فلما تقدم في الصائم نفلاً.

ولأنه إذا استحب للصائم أن يفطر من أجل الأكل؛ فلأن يستحب للمفطر الأكل بطريق الأولى.

وإنما لم يَجب الأكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دُعي أحدكم فليُجِب. فإن شاءَ أكلَ وإن شاءَ ترك» (4). حديث صحيح.

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 462 كتاب الصيام، باب التخيير في القضاء إن كان صومه تطوعًا. بمعناه.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (3737) 3: 340 كتاب الأطعمة، باب ما جاء في إجابة الدعوة.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (9442) 2: 318 كتاب الصيام، من كان يقول: إذا دعي أحدكم إلى الطعام فليجب.

وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (7483) 4: 200 كتاب الصيام، باب الرجل يدعى إلى طعام وهو صائم.

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه (1430) 2: 1054 كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة.

أخرجه أبو داود في سننه (3740) 3: 341 كتاب الأطعمة، باب ما جاء في إجابة الدعوة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1751) 1: 557 كتاب الصيام، باب من دعى إلى طعام وهو صائم.

ص: 707

فإن قيل: قوله عليه السلام: «فإن كان مفطرًا فليطعَم» (1) يقتضي وجوب الأكل.

ولأن المقصود الأكل. فيجب أن يكون واجباً.

قيل: أما الخبر فمحمول على الاستحباب لما ذكرنا من الحديث لما فيه من الجمع الذي لا يمكن عكسه.

وأما كون المقصود الأكل فيبطل بالصائم فرضاً. فإنه يجب عليه الإجابة مع أنه ممنوع من الأكل.

فعلى هذا المقصود الإجابة وقد وجدت من المفطر إن لم يأكل.

قال: (فإن دعاه اثنان أجاب أولهما. فإن استويا أجاب أدينهما، ثم أقربهما جواراً).

أما كون من دعاه اثنان يجيب أولهما؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن سبقَ أحدهما فأجبِ الذي سبق

مختصر» (2) رواه أبو داود.

ولأن إجابته وجبت بدعوته. فلم تزل بدعوة الثاني.

وكلام المصنف رحمه الله مشعرٌ بأنه لا يجيب دعوة الثاني. وهو صحيح. لكن بشرط أن لا يتسع الوقت لإجابتهما؛ لأنه لو وجبت عليه إجابة الثاني مع عدم اتساع الزمن لأوجبنا عليه ما لا يمكنه فعله إلا يترك واجب مثله بل أرجح منه؛ لأن حق الأول سابق. فإن اتسع الوقت لهما وجبت إجابتهما للنصوص المتقدمة السالمة عما ذكر قبل.

وأما كونه يجيب أدينهما مع تساويهما في الدعوة؛ مثل أن تتفق دعوتهما في وقت واحد؛ فلأن كثرة الدِّين لها أثر في التقديم. دليله الإمامة.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1431) 2: 1054 كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة.

(2)

سيأتي تخريجه في الحديث الآتي.

ص: 708

وأما كونه يجيب أقربهما جواراً مع تساويهما في الدعوة والدِّين؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اجتمعَ داعيان فأجبْ أقربَهما بابًا فإنَّ أقربَهما بابًا أقربَهما جوارًا» (1) رواه أبو داود.

وعن عائشة قالت: «قلت: يا رسول الله! إن لي جارين. فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منكِ بابًا» (2) رواه البخاري.

فإن قيل: فإن كان أحدهما أقرب والآخر أدين.

قيل: ظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى هنا أنه يجيب الأدين؛ لأن الدين درجة رفيعة فكيف بالأدين.

وقال في المغني: يقدم أقربهما منه باباً فإن استويا فأدينهما. وظاهره أنه يجيب الجار الأقرب دون غيره وإن كان أدين منه؛ لأن القرب في الجوار مأخوذ من الحديث، والكثرة في الدين مأخوذة من الأصول.

قال: (وإن علم أن في الدعوة منكراً كالزمر والخمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر، وإلا لم يحضر).

أما كون من ذكر يحضر وينكر إذا أمكنه الإنكار؛ فلأن فيه تحصيل فرضين فرض الإجابة وفرض إزالة المنكر.

وأما كونه لا يحضر إذا لم يمكنه الإنكار؛ فلأن عليه ضرراً في الحضور.

ولأنه يحرم عليه مشاهدة المنكر مع إمكان عدم مشاهدته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدةٍ يُدارُ عليها الخمر» (3). رواه أبو حفص.

ولأنه يشاهد المنكر من غير حاجة إليه. فمنع منه؛ كما لو شاهده مع القدرة على إزالته.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (3756) 3: 344 كتاب الأطعمة، باب إذا اجتمع داعيان أيهما أحق.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2455) 2: 916 كتاب الهبة وفضلها، باب بمن يبدأ بالهدية.

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (2801) 5: 113 كتاب الأدب، باب ما جاء في دخول الحمام.، عن جابر بن عبدالله.

وأخرجه أحمد في مسنده (125) 1: 20 عن عمر.

ص: 709

فإن قيل: الحديث يدل على المنع من الحضور في موضع فيه محرم من غير تقييد بإمكان الإنكار.

قيل: ذلك مستثنى لدلالة الدليل عليه.

قال: (وإن حضر فشاهد المنكر أزاله وجلس. فإن لم يقدر انصرف. فإن علم به ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس).

أما كون من حضر فشاهد المنكر يزيله ويجلس؛ فلأن فيه جمعاً بين مصلحتي الإنكار، ومقصود الإجابة الشرعية.

وأما كونه ينصرف إذا لم يقدر على الإزالة؛ فلأن القعود مع مشاهدة المحرم حرام لما تقدم.

وأما الجلوس إذا علم به ولم يره ولم يسمعه؛ فلأن المحرم رؤية المنكر وسماعه ولم يوجد واحد منهما.

قال: (وإن شاهد ستوراً معلقة فيها صور الحيوان [لم يجلس إلا أن تزال. وإن كانت مبسوطة أو على وسادة فلا بأس بها).

أما كون من شاهد ستوراً معلقة فيها صور الحيوان] (1) لم يجلس إذا لم تزل؛ فلأن ستر الجدران بذلك حرام؛ لما روت عائشة قال: «قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة بنمط فيه تصاوير. فلما رآه قال: أتسترين بستر فيه تصاوير؟ فهتكه. فجعلتُ منه منتبذتين. فكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على أحدهما» (2) رواه ابن عبدالبر.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل عليه السلام فقال: أتيتُكَ البارحةَ. فلم يمنعني أن أكونَ دخلتُ إلا أنه كان على البابِ سترٌ فيه تماثيل. وكان في البيتِ كلب» (3).

(1) ساقط من أ. وقد تم استدراك المتن من المقنع، والباقي زيادة يقتضيها السياق.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2347) 2: 876 كتاب المظالم، باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر أو تخرق الزقاق. بلفظ:«أنها كانت اتخذت على سهوةٍ لها سترًا فيه تماثيل فهتكه النبي صلى الله عليه وسلم، فاتخذت من نُمرقتين فكانتا في البيت يجلس عليهما» .

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (4158) 4: 74 كتاب اللباس، باب في الصور.

وأخرجه الترمذي في جامعه (2806) 5: 115 كتاب الأدب، باب ما جاء أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ولا كلب.

ص: 710

وقول المصنف رحمه الله: لم يجلس: ظاهرُه أنه ممنوع من الجلوس. ودليله ظاهر؛ لأن الستر المتقدم منكر لما تقدم. فيحرم على المشاهد له الجلوس؛ لما تقدم.

وقال في المغني: أما دخول منزل فيه صورة فليس بمحرم. وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة للداعي بإسقاط حرمته لاتخاذه المنكر في داره. فلا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه فإنه قال في روايةِ الفضل بن زياد: إذا رأى صوراً على الستر لم يكن رآها حين دخل قال: هو أسهل من أن يكون على الجدار.

قيل له: فإن لم يره إلا عند وضع الخوان أيخرج؟ قال: لا تضيق علينا. ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم. يعني لا يخرج. هذا لفظه. واحتج على ذلك بـ «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلَ الكعبة فرأى فيها صورةَ إبراهيم وإسماعيل» (1).

وبأن علياً دخل ومعه جماعة من المسلمين الكنيسة لما عمل النصارى طعاماً لعمر حين قدم الشام فجعل علي ينظر إلى الصور.

وبأن دخول البيَع والكنائس غير حرام وفيها الصور. فكذلك المنازل.

فإن قيل: فقد جاء في الحديث: «أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة» (2). وذلك مشعر بالتحريم.

ولأنه لو لم يكن محرمًا لما جاز ترك الإجابة الواجبة من أجله.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2027) 2: 214 أول كتاب المناسك، باب في دخول الكعبة.

(2)

عن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة» .

أخرجه البخاري في صحيحه (3144) 3: 1206 كتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه

وأخرجه مسلم في صحيحه (2106) 3: 1665 كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان

ص: 711

قيل: أما عدم دخول الملائكة فلا يوجب تحريم الدخول عليها. بدليل أنها لا تدخل بيتاً فيه كلب. ولا يحرم علينا دخوله، وأنها لا تصحب رفقة فيها جرس. ولا يحرم علينا صحبتهم.

وأما ترك الإجابة الواجبة من أجله فقد تقدم أن ذلك إنما كان عقوبة للداعي لاتخاذه المنكر في داره.

ولأن فيه زجراً له عن فعله.

وفيما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في المغني نظر؛ لأن التصوير في الحائط أو الستر إذا كان محرماً فأيُّ فرق بين مشاهدة ذلك وبين مشاهدة الخمر ونحوه؟ . وما ذكر من جواز دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وفيها صورة إبراهيم وإسماعيل، ودخول علي والمسلمين بيعة النصارى. فيمكن الفرق بينه وبين الدار المصورة والستر المعلق المصور من حيث إن صاحب الدار معتقد حرمة ذلك ملتزم بحكم شرعنا المحرم له. بخلاف الكنائس والبيع فإن أصحابها معتقدون حل ذلك غير ملتزمين بحكم شرعنا. وهم مقرون على ذلك؛ لأنهم مقرون على كفرهم؛ فلأن يقروا على ذلك بطريق الأولى.

وأما كونه يجلس إذا أزيلت الستور المتقدم ذكرها؛ فلأن المحرم للجلوس مشاهدة ذلك. فوجب أن ينتفي عند انتفائه.

وأما كونه لا بأس بالستور المتقدم ذكرها إذا كانت مبسوطة؛ فلأن فيه إهانة لها وابتذالاً.

ولأن تحريم تعليقها إنما كان لما فيه من التعظيم والإعزاز والتشبه بالأصنام التي تعبد وتتخذ آلهة. وكل ذلك مفقود في البسط.

وأما كونه لا بأس بها إذا كانت على وسادة؛ فلأن عائشة قالت: «فجعلتُ منه -يعني من النمط الذي فيه تصاوير- منتبذتين. كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً على أحدهما» (1). رواه ابن عبدالبر.

وفي حديث أبي هريرة المتقدم ذكره: «أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: مُر بالستر فلتقطع منه وسادتان منبوذتان يوطآن. ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم» (2).

(1) سبق تخريجه ص: 710.

(2)

سبق تخريج حديث أبي هريرة ص: 710.

ص: 712

ولأن في ذلك إهانة. أشبه البسط.

فإن قيل: الكلام في الجلوس لدعوة العرس فما بال المصنف لم يتعرض له في بسط ما فيه صورة حيوان وجعله على وسادة؟

قيل: قد تقدم أن المبيح لعدم الجلوس فعل صاحب الدعوة المحرم في داره فإذا تبين أن فعل ذلك ليس بمحرم علم انتفاء المبيح. فيفهم منه الجلوس؛ لانتفاء المبيح لعدمه.

قال: (وإن ستر الحيطان بستورٍ لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان فهل تباح؟ على روايتين).

أما كون ما ذكر لا يباح على روايةٍ؛ فلأن ابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه نهى أن تستر الجدر» (1) رواه الخلال.

وعن عبدالله: «أن أبا أيوب قال له: يا عبدالله! تسترون الجدر؟ لا أطعم لكم طعامًا ولا أدخل لكم بيتًا» (2). رواه الأثرم.

وعن عبدالله بن يزيد الخطمي «أنه دعي إلى طعام. فرأى البيتَ منجداً. فقعد خارجاً وبكى. فقيل: ما يبكيك؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد رقعَ بردةً له بقطعة أدم. فقال: تطالعت عليكم الدنيا -ثلاثاً-. فقال: أنتم اليوم خير أم إذا غدت عليكم قصعة وراحت أخرى، ويغدو أحدكم في حلة ويروح في أخرى، وتسترون بيوتكم؛ كما تستر الكعبة. قال عبدالله: أفلا أبكي وقد بقيت حتى رأيتكم تسترون بيوتكم؛ كما تستر الكعبة» .

وأما كون ذلك يباح على روايةٍ؛ فلأن ابن عمر فعله، وفُعل في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، وقد رجّح المصنف في المغني هذه الرواية.

فإن قيل: الحرمة المذكورة مطلقة في كل حال أو يشترط في ذلك عدم الحاجة.

(1) أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير 1: 170.

(2)

ذكره البخاري في صحيحه تعليقا مختصراً 5: 1986 كتاب النكاح، باب هل يرجع إذا رأى منكراً في الدعوة؟ وقال ابن حجر: وصله أحمد في كتاب الورع، ومسدد في مسنده. فتح الباري 9:158.

ص: 713

قيل: بل يشترط في ذلك عدم الحاجة. فإن دعت الحاجة إليه من حرٍّ أو بردٍ فلا بأس به. ذكره المصنف رحمه الله تعالى في المغني. وعلل بأنه استعمال في حاجة. أشبه ستر الباب وما يلبسه على بدنه.

فعلى هذا يحمل كلام المصنف هنا على عدم الحاجة جمعاً بين نقليه في كتابيه.

وينبغي أن يلحظ إباحة عدم الإجابة والجلوس في الدعوة الواجبة إجابتها على الروايتين جميعاً؛ لأن المصنف قال في المغني: وإن كان لغير حاجة فهو مكروه وعذر في الرجوع وترك الإجابة. وإذا كانت الكراهة عذراً فالحرمة بطريق الأولى.

قال: (ولا يباح الأكل بغير إذن. والدعاء إلى الوليمة إذن فيه).

أما كون الأكل لا يباح بغير إذن؛ فلأن المأكول من مال الغير. فلا يباح بغير إذنه؛ كلبس ثوبه وركوب دابته.

وأما كون الدعاء إلى الوليمة إذناً في الأكل؛ فلما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دُعيَ أحدكم [إلى طعامٍ] فجاءَ مع الرسولِ فذلكَ إذنٌ له» (1) رواه أبو داود.

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «إذا دُعيتَ فقد أُذن لك» . رواه الإمام أحمد.

قال: (والنِّثار والتقاطه مكروه. وعنه: لا يكره. ومن حصل في حجره شيء منه فهو له).

أما كون النِّثار والتقاطه مكروهاً على المذهب؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهَى عن النُّهبَى والمثلَة» (2).

(1) أخرجه أبو داود في سننه (5190) 4: 348 كتاب الأدب، باب في الرجل يُدعى أيكون ذلك إذنه. وما بين المعكوفين زيادة من السنن.

وأخرجه أحمد في مسنده (10907) 2: 533.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2342) 2: 875 كتاب المظالم، باب النهي بغير إذن صاحبه.

وأخرجه أحمد في مسنده (18732) 4: 306.

ص: 714

ولأن فيه تزاحماً وقتالاً. وربما أخذه من يكره صاحب النثار أخذه (1) لحرصه وشرهه ودناءة نفسه.

فإن قيل: ظاهر النهي التحريم. فيجب أن يكون حراماً. لا سيما وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحلُّ النهبَى ولا المثلة» (2) رواه البخاري.

قيل: ذلك الإجماع فإنه لا خلاف في الإباحة ذكره المصنف في المغني.

ولأنه نوع إباحة لمال. فلم يكن محرماً؛ كسائر الإباحات.

وأما كون ذلك لا يكره على روايةٍ؛ فلما روى عبدالله بن قرط قال: «قُرِّبَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسُ بدناتٍ أو ست فطفِقْنَ يزدلِفْنَ إليه بأيتِهن يبدأُ. فنحرَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال كلمة لم أسمعها. فسألتُ من قَرُبَ منه فقال: قال: من شاءَ اقتطَع» (3) رواه أبو داود.

وهذا جار مجرى النثار والتقاطه.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه دُعيَ إلى وليمة رجل من الأنصار. ثم أتوا بنهب فأنهبَ عليه. قال الراوي: ونظرتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يزاحمُ الناسَ أو نحو ذلك. قال: قلت: يا رسول الله! أوما نهيتنا عن النهبى؟ قال: نهيتكم عن نهبة العساكر» .

ولأنه نوع إباحة. أشبه إباحة الطعام.

وأما كون من حصل في حجره شيء منه فهو له؛ فلأنه مباح حصل في حجره. فكان له؛ كما لو وثبت سمكة من البحر فوقعت في حجره.

(1) زيادة من الشرح الكبير 8: 119.

(2)

أخرجه النسائي في سننه (4326) 7: 201 كتاب الصيد، باب تحريم أكل السباع. ولم أره في البخاري.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (1765) 2: 148 كتاب المناسك، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ.

ص: 715

قال: (ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف).

أما كون ما ذكر يستحب؛ فلما روى محمد بن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصلُ ما بين الحلال والحرام الصوتُ والدفُ في النكاح» (1) رواه النسائي.

وقال عليه السلام: «أعلنُوا النكاح، واضربوا عليه بالغِربَال» (2) رواه ابن ماجة.

وأما كونه لا يجب؛ فلأن كثيراً من الصحابة تزوج وما فعله. وعن عائشة «أنها زوجت يتيمة رجلاً من الأنصار. فكانت عائشة رضي الله عنها فيمن أهداها إلى زوجها. قالت: فلما رجعنا. قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قُلتم يا عائشة؟ قالت: سلّمنا ودعونا بالبركة ثم انصرفنا. فقال: إن الأنصارَ قوم فيهم غزَل. ألا قلتم: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم» (3) رواه ابن ماجة.

(1) أخرجه النسائي في سننه (3369) 6: 127 كتاب النكاح، باب إعلان النكاح بالصوت وضرب الدف.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1088) 3: 398 كتاب النكاح، باب ما جاء في إعلان النكاح.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1896) 1: 611 كتاب النكاح، باب إعلان النكاح.

(2)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1895) 1: 611 كتاب النكاح، باب إعلان النكاح. عن عائشة.

(3)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1900) 1: 612 كتاب النكاح، باب الغناء والدف.

ص: 716