المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الوصايا الوصايا: جمع وصية. مثل: العطايا جمع عطية. والأصل فيها الكتاب - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٣

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب إحياء المَوَات

- ‌باب الجُعالة

- ‌باب اللقطة

- ‌باب اللقيط

- ‌كتاب الوقف

- ‌باب الهبة والعطية

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب ميراث ذوي الفروض

- ‌باب العصبات

- ‌باب أصول المسائل

- ‌باب تصحيح المسائل

- ‌باب المناسخات

- ‌باب قسمة التركات

- ‌باب ذوي الأرحام

- ‌باب ميراث الحمل

- ‌باب ميراث المفقود

- ‌باب ميراث الخنثى

- ‌باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم

- ‌باب ميراث أهل الملل

- ‌باب ميراث المطلقة

- ‌باب الإقرار بمشارك في الميراث

- ‌باب ميراث القاتل

- ‌باب ميراث المعتق بعضه

- ‌باب الولاء

- ‌كتاب العتق

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب أحكام أمهات الأولاد

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب أركان النكاح وشروطه

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب الشروط في النكاح

- ‌باب حكم العيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء

- ‌كتاب الخلع

- ‌نهاية السقط من المطبوعة

الفصل: ‌ ‌كتاب الوصايا الوصايا: جمع وصية. مثل: العطايا جمع عطية. والأصل فيها الكتاب

‌كتاب الوصايا

الوصايا: جمع وصية. مثل: العطايا جمع عطية.

والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {كُتِب عليكم إذا حضر أحدكم الموتُ إنْ ترك خيراً الوصيةُ} [البقرة: 180]، وقوله تعالى:{من بعد وصية يوصي بها أودين} [النساء: 11].

وأما السنة؛ فما روى سعد بن أبي وقاص قال: «جاءني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عامَ حجةِ الوداعِ يعودني من وجعٍ اشتدّ بي. فقلتُ: يا رسولَ الله! قد بلغَ بي من الوجعِ ما ترى. وأنا ذو مالٍ (1) ولا يرثني إلا ابنةٌ. أفَأَتصدّقُ بثلُثَي مالي؟ قال: لا. قلتُ: فبالشطرِ؟ قال: لا. قلت: فبالثلثِ؟ قال: الثلثُ والثلثُ كثير. إنكَ أن تذرَ ورثتكَ أغنياء، خيرٌ من أن تَذَرَهُمْ عالةً يتكَفّفُونَ الناس» (2).

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما حَقُ (3) امرئٍ مسلمٍ، لهُ شيء يُوصي فيهِ، يَبيتُ ليلتينِ إلا ووصيتهُ مكتوبةٌ عندَه» (4) متفق عليهما.

قال المصنف رحمه الله: (وهي: الأمر بالتصرف بعد الموت. والوصية بالمال هي: التبرع به بعد الموت. وتصح من البالغ الرشيد، عدلاً كان أو فاسقاً، رجلاً أو امرأة، مسلماً أو كافراً. ومن السفيه في أصح الوجهين. ومن الصبي العاقل إذا جاوز العشر. ولا تصح ممن له دون السبع. وفيما بينهما روايتان).

أما قول المصنف رحمه الله: وهي الأمر بالتصرف بعد الموت؛ فهو بيان لمعنى أحد ضربي الوصية، وذلك أن الوصية على ضربين أحدهما: أن يوصي إلى رجل على ولده، أو في تفريق ثلثه، أو ما أشبه ذلك. فهذه هي الأمر بالتصرف بعد الموت.

(1) في هـ: وأنا ومالي.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1233) 1: 435 كتاب الجنائز، باب رثَى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1628) 3: 1253 كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث.

(3)

في هـ: ما من حق.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (2587) 3: 1005 كتاب الوصايا، باب الوصايا

وأخرجه مسلم في صحيحه (1627) 3: 1249 كتاب الوصية.

ص: 217

وفي قوله: بعد الموت احترازاً من الوكالة؛ فإنها أمرٌ بالتصرف لكن في الحياة.

وأما قوله: والوصية بالمال (1) هي التبرع به بعد الموت؛ فبيان لمعنى الضرب الآخر وذلك أن الضرب الثاني: أن يوصي مثلاً لزيد بشيء. فهذه هي التبرع بالمال بعد الموت.

وفي قوله: بعد الموت احترازاً عن الهبة؛ فإنها تبرعٌ بالمال لكن في الحياة.

وأما قوله: وتصح من البالغ

إلى آخره فعائدٌ إلى الوصية بالمال؛ لأن الوصية على الولد لا تصح من فاسقٍ ولا سفيهٍ، ولا يتصور من صبيٍّ لم يجاوز العشر.

أما كون الوصية بالمال من البالغ الرشيد تصح فلا شبهة فيها؛ لأن ذلك يصح تصرفه في ماله حياته. فكذا مماته.

وأما كونها تصح من الفاسق كالعدل؛ فلاشتراكهما في صحة تصرفهما في الحياة.

وأما كونها تصح من المرأة كالرجل، ومن الكافر كالمسلم؛ فلما ذكر في الفاسق والعدل.

وأما كون السفيه تصح وصيته في أصح الوجهين؛ فلأنه إنما حجر عليه لحفظ ماله، وليس في وصيته إضاعة لماله؛ لأنه إن عاش كان له، وإن مات كان له ثوابه، وهو حينئذٍ لا يحتاج إلا إلى الثواب.

وأما كونها لا تصح في وجهٍ؛ فلأنه تصرف. فلم يصح من السفيه؛ كبيعه.

وأما كونها تصح من الصبي العاقل إذا جاوز العشر؛ فـ «لأن صَبياًّ من غسان له عشرُ سنين أوصَى لأخوالٍ له. فرفعَ ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فأجازَ وصيتَه» (2) رواه سعيد.

ولأنه يميز بين ما ينفعه وما يضره، ولهذا ضُرِبَ في الصلاة (3).

ولأنه لا ضرر عليه في ذلك؛ لما ذكر في السفيه.

(1) ساقط من هـ.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (431) 1: 127 كتاب الوصايا، باب وصية الصبي.

(3)

روى عبدالملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها» أخرجه أبو داود في سننه (494) 1: 133 كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة.

ص: 218

وأما كونها لا تصح ممن له دون سبع سنين؛ فلأنه لا تمييز له.

وأما كونها تصح ممن له سبع ولم يجاوز العشر في روايةٍ؛ فلأنه يميز في الجملة، ولذلك أُمِرَ بالصلاة.

وأما كونها لا تصح في روايةٍ؛ فلأنه ضعيف الرأي، ضعيف الأخذ لنفسه. فكان إلحاقه (1) بمن له دون سبع سنين أولى.

قال: (ولا تصح من غير عاقلٍ؛ كالطفل، والمجنون، والمبرسم. وفي السكران وجهان).

أما كون الوصية من غير عاقلٍ؛ كالطفل، والمجنون، والمبرسم: لا تصح؛ فلأنه لا حكم لكلامهم، ولا تصح عبادتهم ولا شيء من تصرفاتهم. فكذا الوصية بل أولى؛ لأنه إذا لم يصح إسلامه ولا صلاته التي لا ضرر فيها. فلئلا يصح بذله لمالٍ يتضرر به وارثه بطريق الأولى.

ولأنه تصرفٌ يفتقر إلى إيجاب وقبول. فلم يصح ممن ذكر؛ كالبيع والهبة.

وأما كون وصية السكران لا تصح من وجهٍ؛ فلأنه زائل العقل. أشبه المجنون.

وأما كونها تصح في وجهٍ؛ فلأنه يقع طلاقه. فصحت وصيته بالقياس عليه.

وفرّق المصنف في المغني بين الطلاق والوصية من حيث: إن الطلاق وقع تغليظاً؛ لارتكابه المعصية. بخلاف الوصية فإنه لا ضرر عليه فيها بل الضرر على وارثه.

قال: (وتصح وصية الأخرس بالإشارة. ولا تصح وصية من اعتقل لسانه بها. ويحتمل أن تصح).

أما كون وصية الأخرس تصح بالإشارة؛ فلأن إشارته أُقيمت مقام نطقه في طلاقه ولعانه وغيرهما. فكذلك يجب أن تقوم مقامه في وصيته.

وأما كون وصية من اعتقل لسانه لا تصح بالإشارة على المذهب؛ فلأنه غير مأيوس من نطقه. فلم تصح وصيته بالإشارة؛ كالقادر على الكلام.

(1) في هـ: إلحقاقه.

ص: 219

وأما كونها يحتمل أن تصح؛ فلأنه غير قادرٍ على الكلام. أشبه الأخرس.

قال: (وإن وجدت وصيته بخطه صحت. ويحتمل أن لا تصح حتى يشهد عليها).

أما كون الوصية المذكورة تصح على المذهب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما حقُ امرئٍ مسلمٍ، له شيء يوصِي فيه، يبيتُ ليلتينِ إلا ووصيتهُ مكتوبةٌ عندَ رأسِه» (1). فلو لم تكن الكتابة كافية لم يكن في كتابة الوصية فائدة. والشرع لا يحثّ على ما لا فائدة فيه.

وأما كونها يحتمل أن لا تصح حتى يشهد عليها؛ فلأن المثبت للشيء شهادة الشهود لا الكتابة. بدليل البيع والهبة وغير ذلك من العقود.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 220

فصل [في حكم الوصية]

قال المصنف رحمه الله: (والوصية مستحبةٌ لمن ترك خيراً. وهو: المال الكثير بخمس ماله. ويكره لغيره إن (1) كان له ورثة. فأما من لا وارث له فتجوز وصيته بجميع ماله. وعنه: لا تجوز إلا بالثلث).

أما كون الوصية لمن ترك خيراً مستحبة؛ فلأن الله تعالى قال: {كُتِب عليكم إذا حضر أحدكم الموتُ إن ترك خيراً الوصيةُ} [البقرة: 180]. نُسخ الوجوب وهو المنع من الترك. بقي الرجحان وهو المستحب.

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقولُ الله عز وجل: يا ابنَ آدمَ! جعلتُ لكَ نصيباً من مالكَ حينَ أخذتُ بِكَظْمِكَ لأُطَهِّرَكَ وأُزَكِّيك» (2). رواه ابن ماجة.

وكل شيء حصل التطهير والتزكية يكون فعله مستحباً.

وأما قول المصنف رحمه الله: لمن ترك خيراً فمشعرٌ بأن الوصية لا تستحب لمن لم يترك خيراً. وهو صحيح؛ لأن الله تعالى شرط ترك الخير بقوله: {إن ترك خيراً} [البقرة: 180]، والمعلّق على شرطٍ عدمٌ عند عدمه.

وأما كون الخير هو المال الكثير؛ فلأنه هكذا فُسّر، واختلف العلماء في مقداره فروي عن الإمام أحمد: أنه إذا ترك دون الألف لا يستحب له الوصية. فيدل على أنه لو ترك ألفاً فصاعداً يستحب له الوصية. ومن شرط الاستحباب عنده: أن يترك كثيراً فيلزم أن يكون ذلك كثيراً عنده. وعن علي: أربعمائة دينار. وعن ابن عباس: سبعمائة درهم.

وقال المصنف رحمه الله في المغني: الذي يقوى عندي أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة فلا تستحب الوصية؛ لأن النبي علل المنع بقوله: «إنكَ أن

(1) في هـ: وإن.

(2)

أخرجه ابن ماجة في سننه (2710) 2: 904 كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث.

ص: 221

تذرَ ورثتكَ أغنياء خيرٌ من أن تدعهمْ عالةً يتكففونَ الناس» (1). فدل على أن المتروك إذا كان يَفضل عن غنى الورثة يكون عنده كثيراً.

وأما كون القدر الموصى به على سبيل الاستحباب الخمس؛ فلما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه «أنه أوصى (2) بالخمس. وقال: رضيتُ بما رضيَ اللهُ لنفسهِ به. يعني قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]» (3).

وعن علي: «لأن أُوصي بالخمسِ أحبُّ إلىّ من الربع» (4).

وأما كون الوصية تكره لغير من ترك خيراً إن كان له ورثة؛ فلأنه عدل عن صلة أقاربه المحاويج إلى الأجانب. وعن الشعبي «ما منْ مالٍ أعظم أجراً من مال يتركه الرجل (5) لولدهِ يغنيهمْ به عن الناس» .

[ولأن النبي صلى الله عليه وسلم علل المنع من الوصية بزيادة على الثلث بأنه يدع ورثته عالة يتكففون الناس](6). وهو موجودٌ هاهنا.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ابدأ بنفسكَ ثم بمنْ تَعُول» (7)، والورثة ممن يعول. فلا يقدم عليهم الأجانب.

وأما كون من لا وارث له تجوز وصيته بجميع ماله على المذهب؛ فلأن المنع من الوصية بأكثر من الثلث لحق الوارث. فإذا لم يكن وارثٌ وجب أن يزول المنع لزوال علته.

وأما كونه لا يجوز إلا بالثلث على روايةٍ؛ فلأن له من يعقل عنه. فمُنِع من

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في هـ: وصى.

(3)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (16363) 9: 66 كتاب الوصايا، كم يوصي الرجل من ماله.

(4)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (16361) الموضع السابق.

(5)

في هـ: ما من مال يترك الرجل.

(6)

ساقط من هـ.

(7)

أخرجه مسلم في صحيحه (997) 2: 692 كتاب الزكاة، باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة.

وأخرجه النسائي في سننه (4652) 7: 304 كتاب البيوع، بيع المدبر. ولفظهما: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل من أهلك شيء فلذي قرابتك

».

ص: 222

الزيادة على الثلث من أجله؛ كالوارث.

ولأن لبيت المال حقاً في ماله. أشبه الوارث.

قال: (ولا يجوز لمن له وارث بزيادةٍ على الثلث لأجنبي، ولا لوارثه بشيء إلا بإجازة الورثة. إلا أن يوصي لكل وارثٍ بمعين بقدر ميراثه فهل يجوز؟ على وجهين).

أما كون الوصية لمن له وارث لا تجوز لأجنبيٍّ بزيادةٍ على الثلث بغير إجازة الورثة (1)؛ فلما تقدم من حديث سعد بن أبي وقاص (2).

وأما كونها لا تجوز لوارثه بشيء غير معين بغير إجازة الورثة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله أَعطَى كلَّ ذِي حقّ حقهُ. فلا وصيةَ لوارِث» (3) رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي. وقال: حديث صحيح.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من عطية بعض ولده في الصحة مع إمكان تلافي العدل وقوة الملك. ففي حال مرضه وموته أولى.

وأما كون الوصية لكل وارثٍ بمعينٍ بقدر ميراثه؛ كرجلٍ مات وخلّف ابناً، وبنتاً، وعبداً قيمته مائة، وأمة قيمتها خمسون. فأوصى بالعبد للابن، وبالأمة (4) للبنت: تصح بغير إجازة كل واحدٍ منهما للآخر على وجهٍ؛ فلأن حق الوارث في القدر لا في العين. بدليل ما لو عاوض المريض بعض ورثته أو أجنبياً.

وأما كونها لا تصح إلا بإجازة كل واحدٍ (5) منهما للآخر على وجهٍ؛ فلأن في الأعيان غرضاً صحيحاً. فكما لا يجوز إبطال حق الوارث من القدر. فكذا لا يجوز من العين.

(1) في هـ: الثلث.

(2)

سبق ذكره ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (2870) 3: 114 كتاب الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث.

وأخرجه الترمذي في جامعه (2121) 4: 434 كتاب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث.

وأخرجه النسائي في سننه (3642) 6: 247 كتاب الوصايا، باب إبطال الوصية للوارث.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2712) 2: 905 كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث.

وأخرجه أحمد في مسنده (17705) 4: 187.

(4)

في هـ: للعبد للابن وللأمة.

(5)

في هـ: وحد.

ص: 223

وأما كون جميع ذلك يجوز بإجازة الورثة؛ فسيأتي ذكره فيما بعد. إن شاء الله تعالى.

قال: (وإن لم يف الثلث بالوصايا تحاصّوا فيه، وأدخل النقص على كل واحد بقدر وصيته. وعنه: يقدم العتق).

أما كون أرباب الوصايا يتحاصّون في الثلث إذا لم يف بها، وكون النقص يدخل على كل واحدٍ بقدر وصيته على المذهب؛ فلأنهم تساووا في الأصل وتفاوتوا في المقدار. فوجب أن يتحاصّوا. ويدخل النقص على ما ذكر؛ كالورثة إذا كانت مسألتهم عائلة.

وأما كون العتق يُقدم على روايةٍ؛ فلأنه آكد. بدليل سرايته ونفوذه في الملك المحجور عليه في التصرف فيه كالرهن ونحوه، والمؤكد مقدم على غيره.

قال: (وإن أجاز الورثةُ الوصيةَ جازت. وإجازتهم تنفيذٌ في الصحيح من المذهب لا تفتقر إلى شروط الهبة. ولا تثبت أحكامها فيها. [فلو كان المجيزُ أباً للمجاز له لم يكن له الرجوع فيه، ولو كان المجاز عتقاً كان الولاء للموصي يختص به عصبته، ولو كان وقفاً على المجيزين صح. وعنه: ما يدل على أن الإجازة هبةٌ فتنعكس هذه الأحكام] (1».

أما كون الوصية إذا أجازها الورثة جازت؛ فلأن المنع من أجلهم فإذا جازوا وجب أن يجوز لزوال علة المنع. وعن الإمام أحمد: لا تجوز لوارثٍ وإن أجازها بقية الورثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا وَصيةَ لوارِث» (2)، وذلك عامٌ مع الإجازة وعدمها.

والأول أصح؛ لما تقدم.

ولأنه تصرفٌ صدر من أهله في محله. فصح؛ كما لو وصى لأجنبيٍ بزيادةٍ على الثلث فأجازه الورثة. والخبر المذكور قد روي فيه: «

إلا أن يجيز الورثة» (3). ثم لو خلا من الاستثناء فمعناه: لا وصية لازمةٌ أو نافذة.

(1) ساقط من هـ.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

أخرجه الدارقطني في سننه (93) 4: 98 كتاب الفرائض، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وأخرجه أيضا بمعناه (94) عن ابن عباس.

ص: 224

وأما كون إجازة الورثة تنفيذاً على الصحيح من المذهب؛ فلأنها إمضاءٌ لقول الموروث، ولا معنى للتنفيذ إلا ذلك.

فعلى هذا لا تفتقر إلى شروط الهبة ولا تثبت فيها أحكامها؛ لأنها ليست بهبة.

وأما كونها هبةً على روايةٍ؛ فلأن الورثة يتمكنون من إبطالها. فإذا أمضوها فكأنهم (1) وهبوا ذلك من عندهم.

ولأن الوصية موقوفةٌ على قولهم. أشبه ما لو لم يتقدم ذلك وصية (2).

فعلى هذا تفتقر إلى شروط الهبة من الإيجاب والقبول والقبض وما أشبه ذلك، وتثبت فيها أحكامها. فيملك المجيز الرجوع إن كان ممن يملكه في الهبة، وما أشبه ذلك. وسيذكر إن شاء الله تعالى (3).

وهذا الخلاف مبني على أن الوصية لوارثٍ بشيء أو لأجنبيٍ بزيادةٍ على الثلث هل هي صحيحة موقوفة على إجازة الورثة، أم لا تصح بالكلية؟

فإن قيل: هي صحيحةٌ (4) كانت إجازتهم تنفيذٌ؛ لأن (5) الإجازة تنفيذٌ في الحقيقة.

وإن قيل: هي باطلةٌ كانت إجازتهم هبة؛ لأن وجود الوصية من الموروث كالعدم.

ولأن هذا شأن الباطل. وقد تقدم أن الصحيح في المذهب أن الوصية فيهما صحيحة، وإنما تقف على الإجازة. فلتكن إجازة الورثة تنفيذاً على الصحيح؛ لأن المبني على الشيء يتبعه صحة وفساداً.

فعلى هذا للاختلاف فوائد:

·? منها: أن رجلاً لو (6) أوصى لابن أخيه بشيءٍ زائدٍ على الثلث وكان أبو ابن الأخ وارثاً لأخيه فأجاز لابنه:

(1) في هـ: فكأنما.

(2)

في هـ: الوصية.

(3)

ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(4)

في هـ زيادة: موقوفةٌ على إجازة الورثة.

(5)

في هـ: إلا أن.

(6)

ساقط من هـ.

ص: 225

فإن قيل: الإجازة تنفيذٌ لم يملك الرجوع؛ لأن الأب يرجع فيما وهب لا فيما وهبه (1) غيره.

وإن قيل: هي هبة فله الرجوع؛ لما تقدم في باب الهبة (2).

·? ومنها: أن رجلاً لو أعتق عبداً زائداً على الثلث فأجاز الورثة العتق:

فإن قيل: الإجازة تنفيذ كان الولاء للموصي؛ لأنه هو الذي أعتقه، وفي الحديث:«إنما الولاءُ لمن أَعتَق» (3). فتختص به عصبته؛ كما لو أعتقه في صحته.

وإن قيل: الإجازة هبة كان الولاء مشتركاً بين كل الورثة من العصبة وغيرهم؛ كما لو باشروا عتق عبدٍ مشتركٍ بينهم.

·? ومنها: أن رجلاً لو وقف على بنيه شيئاً:

فإن قيل: الإجازة تنفيذٌ صح الوقف روايةً واحدة؛ لأن الواقف عليهم أبوهم لا هم.

وإن قيل: الإجازة هبة خُرِّج في صحة الوقف الروايتان المذكورتان في باب الوقف فيما إذا وقف إنسان على نفسه. هذا شرح كلام المصنف رحمه الله.

واعلم أن كلام المصنف رحمه الله يحتاج إلى زيادة تحرير وذلك أن قوله: فلو كان المجيز أباً لم يكن له الرجوع فيه، ولو كان المجاز عتقاً كان الولاء للموصي يختص به عصبته، ولو كان وقفاً على المجيزين صح. وعنه: ما يدل على أن الإجازة هبة فتنعكس هذه الأحكام. يُفهم منه أنه إذا قيل: الإجازة هبة كان للأب الرجوع في جميع ما وصى به لابنه، وكان جميع الولاء مشتركاً بين العصبة وبين غيرهم من الورثة، وكان الوقف في صحة جميعه روايتان:

والأول: مدخول من حيث إن الأب لا يملك الرجوع في قدر الثلث روايةً واحدةً، وإنما الخلاف في الزائد على الثلث.

والثاني: مدخول من حيث إن العصبة يختصون بثلث الولاء روايةً واحدةً، وإنما

(1) في هـ: وهب.

(2)

ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (2579) 2: 972 كتاب الشروط، باب الشروط في الولاء.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1504) 2: 1141 كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق.

ص: 226

الخلاف فيما زاد.

والثالث: مدخول من حيث إن الوقف يصح في قدر الثلث روايةً واحدةً من هذه الجهة، وإنما الخلاف فيما زاد.

وتحرير العبارة في ذلك أن يقول: فلو كان المجيز أباً لم يكن له الرجوع في الزائد على الثلث. ولو كانت الوصية عتقاً كان ثلثا الولاء كالثلث في اختصاصه بالعصبة. ولو كانت وقفاً على المجيزين صح فيما زاد على الثلث. ثم بعد ذلك يقول: وعنه هي هبة. فتنعكس هذه الأحكام.

ولقائل أن يقول: لفظ الإجازة مشعرٌ بأنها في موضع يفتقر إليها وذلك إنما يكون في الزائد على الثلث أو في الوصية لوارث فكان كلام المصنف رحمه الله في جميع ما ذكر عائداً (1) إلى الزائد على الثلث. ويؤيد ذلك أن قوله: ولو كان المجاز معناه: ولو كان الذي تعتبر إجازته. وهذا صحيح إلا أنه فيه غموضٌ لا يكاد يُفهم، ولذلك صرح بقية المصنفين بالحكم بالنسبة إلى جميع الوصية وفصّلوا كما ذكرت لك. ثم يصح أن يقال: أوصى زيدٌ بعتق عبدٍ لا مال له سواه فأجاز الورثة وصيته. ويُفهم منه مجموع الوصية لا بعضها.

قال: (ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث فصار عند الموت غير وارثٍ صحت الوصية له (2). وإن وصى له وهو غير وارث فصار وارثاً بطلت؛ لأن اعتبار الوصية بالموت).

أما كون الوصية تصح في الصورة الأولى وتبطل في الثانية؛ فلما علل المصنف رحمه الله.

وأما تعليله ففيه تنبيهٌ على الفرق بين الوصية وبين الإقرار؛ لأنه لو أقرّ لوارثٍ ثم صار عند الموت غير وارثٍ لم يصح الإقرار. بخلاف العكس؛ لأن الإقرار لوارثٍ مُنع منه للتهمة وهي موجودة عند الإقرار لا عند الموت. بخلاف الوصية فإن المانع كونه وارثاً عند الموت؛ لأنها حالة التمليك.

(1) في هـ: عائد.

(2)

ساقط من هـ.

ص: 227

قال: (ولا تصح إجازتهم وردّهم إلا بعد موت الموصي. وما قبل ذلك لا عبرة به).

أما كون إجازة الورثة وردّهم قبل الموت لا تصح؛ فلأنها (1) حقٌ لم يملكوه. فلم يصح فيما ذكر؛ كالمرأة تسقط مهرها قبل النكاح، والشفيع يسقط شفعته قبل البيع.

[وأما كون ذلك يصح بعد الموت؛ فلأنه حق لهم حينئذ؛ كالمرأة تسقط مهرها بعد النكاح، والشفيع يسقط شفعته بعد البيع](2).

ولأنه إسقاطُ حقٍّ ملكوه. فصح؛ كسائر الحقوق.

وأما قول المصنف رحمه الله: وما قبل ذلك لا عبرة به فزيادة إيضاح وبيان؛ لأن الإجازة والرد (3) إذا لم يصحا قبل الموت عُلم أنه لا عبرة بذلك في ذلك الوقت.

قال: (ومن أجاز الوصية ثم قال: إنما أجزتُ لأنني ظننت المال قليلاً فالقول قوله مع يمينه. وله الرجوع بما زاد على ظنه في أظهر الوجهين. إلا أن يقوم عليه بينة. وإن كان المجاز عيناً فقال: ظننتُ باقي المال كثيراً: لم يقبل قوله في أظهر الوجهين).

أما كون القول قول المجيز في الصورة الأولى في وجهٍ مع عدم البينة؛ فلأن الإجازة: إما تنفيذ وإما هبة، وكلاهما لا يصح في المجهول، وقد ادّعاه مع كونه مجهولاً.

ولأنه يحتمل صدقه فلا يحصل للموصى له نقل الملك. ويحتمل كذبه فيحصل له ذلك. وإذا احتمل واحتمل وجب بقاء الأمر على ما كان عملاً بالاستصحاب.

وأما كونه لا يقبل قوله فيها في وجهٍ؛ فلأنه قولٌ يُسقط حق الغير بعد الإقرار به. فلم يقبل؛ كالإنكار بعد الإقرار.

والأول أظهر؛ لما تقدم.

(1) في هـ: فلأنهما.

(2)

ساقط من هـ.

(3)

في هـ: والمراد.

ص: 228

والفرق بين ذلك وبين الإقرار ظاهر، وذلك أن الموجب للملك هنا قوله: أجزته ولم يتحقق، وفي الإقرار ليس كذلك. ضرورة كونه مالكاً قبله، وإنما الإقرار أظهره.

وأما كون ذلك مع يمينه؛ فلأنه يحتمل كذبه.

وأما كونه يرجع بما زاد على ظنه إذا قيل القول قوله؛ فلأنه إذا قيل القول قوله لم يكن الموجب للنقل متحققاً بالنسبة إليه.

وأما كونه لا يقبل قوله وجهاً واحداً إذا قامت عليه البينة؛ فلأنها تكذبه.

ولم يتعرض المصنف رحمه الله إلى صفة ما تقوم به البينة، وصرح أبو الخطاب بأنها تشهد أنه كان عالماً بمقدار الزيادة حين إجازته.

وأما كونه في الصورة الثانية لا يقبل قوله في أظهر الوجهين؛ فلأن العبرة بالموصى به وهو معلومٌ [لا جهالة فيه](1).

وأما كونه يقبل قوله في وجهٍ؛ فلأنه يمكن صدقه.

ولأنه قد يسمح بذلك ظناً منه أنه يبقى له ما يكفيه. فإذا بان بخلافه لحقه الضرر في الإجازة. فقبل قوله؛ كالمسألة قبلها.

وأما كون الأول أظهر بخلاف ما تقدم؛ فلما ذكر. وفيه تنبيهٌ على الفرق بين هذه المسألة وبين المسألة قبلها من حيث: إن المجاز هنا معلوم، وفي التي قبلها هو غير معلوم.

[فإن قيل: ما صورة المسألتين؟

قيل: صورة الأولى: أن تكون الوصية بجزءٍ كالنصف أو الثلثين أو ما أشبههما. فيجيز الوصية بناء على أن المال المخلف عن موروثه قليل كمائةٍ أو نحوها ثم يبين له أنه كثيرٌ كألفٍ أو نحوه. فيدعي أنه إنما أجاز بناء على ذلك. فيقبل قوله فيما زاد على ظنه، وهو في مسألة النصف مائة وخمسون، وفي مسألة الثلثين ثلثمائة. ويبقى للموصى له في مسألة النصف ثلثمائة وخمسون؛ لأنه له ثلث الألف ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وقد أجاز له ستة عشر وثلثين؛ لأن ذلك هو ما بين ثلث المائة المظنونة ونصفها. وفي مسألة الثلثين له ثلثمائة وستة وستون

(1) ساقط من هـ.

ص: 229

وثلثان؛ لأنه له ثلث الألف ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وقد أجاز له ثلاثة وثلاثين وثلثاً؛ لأن ذلك هو ما بين ثلث المائة المظنونة وثلثيها.

وصورة الثانية: أن تكون الوصية بعبدٍ معينٍ قيمته ستمائة. فيجيز الوصية بناء على أن باقي المال المخلّف عن موروثه كثيرٌ كألف. ثم يبين له أنه قليل كستمائة. فيدعي أنه إنما أجاز بناء على ذلك.

فعلى الأظهر جميع العبد للموصى له، وعلى الآخر له ثلثا العبد وتسعه؛ لأنه له ثلث المال بالأصل وهو أربعمائة وقد أجاز له ستة وستين وثلثين؛ لأن ذلك هو ما بين ثلث الألف وستمائة المظنونة قيمة العبد.

فإن قيل: الفرق المتقدم ذكره إنما يتحقق بين المشاع والمعين لا بين العين وغير العين، وكلام المصنف رحمه الله مشعرٌ بالعكس.

قيل: ما ذكر صحيح. غير أن العين يلزم منها أن تكون معينة. ومدار الفرق على ذلك لا على العين] (1).

قال: (ولا يثبت الملك للموصى له إلا بالقبول بعد الموت. فأما قبوله وردّه قبل الموت فلا عبرة به).

أما (2) كون الملك للموصى له لا يثبت إلا بالقبول؛ فلأن الوصية تمليكٌ لمن هو من أهل الملك. فلم يثبت إلا بالقبول؛ كالهبة والبيع.

ولا بد أن يُلحظ أن الموصى له معين. فإن كان غير معين (3) كالفقراء والمساكين وبني هاشم: لم يفتقر ثبوت الملك في الوصية إلى القبول، ولزمت بمجرد الموت؛ لأن اعتبار القبول من جميعهم متعذرٌ. فسقط؛ كالوقف عليهم.

وأما كون القبول بعد الموت؛ فلأن الوصية تمليكٌ بعد الموت. فكان القبول حينئذ.

وأما كون القبول والرد قبل الموت لا عبرة به؛ فلأن قبل الموت لم يثبت للموصى له حق، ولذلك لم يصح ردّ الورثة ولا إجازتهم قبل الموت.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: وأما.

(3)

سقط لفظي: غير معين من هـ.

ص: 230

قال: (وإن مات الموصَى له قبل موت (1) الموصي بطلت الوصية. وإن ردّها بعد موته بطلت أيضاً. وإن مات بعده وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه. ذكره الخرقي. وقال القاضي: تبطل الوصية على قياس قوله).

أما كون الوصية تبطل [إذا مات الموصى له قبل موت الموصي](2)؛ فلأنها عطية صادفت المعطي ميتاً. فبطلت؛ كما لو وهب لميتٍ شيئاً.

وأما كونها تبطل إذا ردّها بعد موته؛ فلأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه. أشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع.

ولا بد أن يُلحظ في هذا البطلان أن يكون الرد بعد موت الموصي وقبل قبول الموصى له. فلو قَبِل وقبض، أو قَبِل ولم يقبض، وكان غير مكيلٍ أو موزونٍ ثم ردّ: لم تبطل الوصية؛ لأن ملكه استقر عليه. أشبه ما لو ردّ سائر ملكه.

وأما كون وارث الموصى له يقوم مقامه إذا مات بعد الموصي وقبل الرد والقبول على ما ذكره الخرقي؛ فلأن الرد والقبول حقٌ ثبت للموروث. فثبت للوارث بعد موته؛ لقوله عليه السلام: «من ترك حقاً فلِوَرَثَتِه» (3)، وكخيار الرد بالعيب.

وأما كونها تبطل على قول القاضي على قياس قول الإمام أحمد؛ فلأن هذا في معنى سقوط خيار المجلس، والشرط، والشفعة بالموت، ولا يقوم الوارث في ذلك مقام موروثه. نص عليه أحمد. فكذا هنا.

ولأن الوصية عقدٌ يفتقر إلى القبول. فيبطل بموت الموصي قبل القبول؛ كالهبة.

(1) ساقط من هـ.

(2)

مثل السابق.

(3)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 231

قال: (وإن قبلها بعد الموت ثبت الملك حين القبول في الصحيح. فما حدث قبله من نماء منفصل فهو للورثة، وإن كان متصلاً تبعها.

وإن كانت الوصية بأمة فوطئها الوارث قبل القبول وأولدها: صارت أم ولد له، ولا مهر عليه، وولده حر لا تلزمه قيمته، وعليه قيمتها (1) للموصي.

وإن أوصى لرجلٍ بزوجته فأولدها قبل القبول: لم تصر أم ولد له، وولده رقيق.

ومن أوصي له بأبيه فمات قبل القبول. فقبل ابنه: عتق الموصى به حينئذٍ ولم يرث شيئاً. ويحتمل أن يثبت الملك حين الموت فتنعكس هذه الأحكام).

أما كون الملك يثبت مع كمال الشروط فيه حين القبول لا قبله على الصحيح من المذهب؛ فلأن الوصية تمليكٌ لمعين تفتقر إلى القبول. فلم يسبق الملك فيها القبول؛ كسائر العقود.

ولأن القبول من كمال السبب، والحكم لا يتقدم سببه.

ولأن الملك في الماضي لا يجوز تعليقه بشرط مستقبل.

فعلى هذا ما حدث قبل القبول من نماء منفصل فهو للورثة؛ لأنه نماء ملكهم. وإن كان متصلاً تبع العين الموصى بها؛ لأنه لا يمكن انفصاله. فتبعت الأصل؛ كالفسوخ والرجوع في الهبة.

وإن كانت الوصية بأمة فوطئها الوارث قبل القبول وأولدها: صارت أم ولده؛ لأنه وطئ مملوكته. ولا مهر عليه؛ لأن الإنسان لا يجب عليه مهر من وطء مملوكته. وولده حر؛ لأنه من وطء في ملك. ولا تلزمه قيمته؛ لأنه لا حق لأحدٍ فيه بل انعقد جزءاً من وطء في ملكه. وعليه قيمة الأمة للموصي؛ لأنه فوّتها عليه. أشبه ما لو أتلفها.

وإن وصى لرجلٍ بزوجته فأولدها قبل القبول لم تصر أم ولد له. وولده رقيق؛ لأنه من وطء في ملك غيره.

وإن وصى له بأبيه فمات قبل القبول فقبل ابنه: عتق الموصى به عند قبول

(1) في هـ: قيمته.

ص: 232

الابن؛ لأن الملك حينئذ وجد. والقاتل له ابن ابنه. فعتق عليه؛ لكونه من ذوي رحمه. ولم يرث من ابنه شيئاً؛ لأنه كان عبداً عند موته.

وأما كونه يحتمل أن يثبت الملك حين الموت؛ فلأن ما وجب انتقاله بالقبول وجب انتقاله من جهة الموجب عند الإيجاب؛ كالهبة والبيع.

ولأنه لا يجوز ثبوت الملك للميت؛ لأنه لم يبق محلاً له. بدليل: ما لو وصى له بشيء فإنه لا يصح. ولا للوارث؛ لأن الله تعالى قال: {من بعد وصية يوصي بها أودين} [النساء: 11].

ولأن الإرث بعد الوصية.

فعلى هذا تنعكس الأحكام المذكورة قبلُ. فيكون النماء المنفصل للموصى له مع المتصل؛ لأنه نماء ملكه. وإذا كان الموصى به أمة فأولدها الوارث قبل القبول لم تصر أم ولده؛ لأنه وطءٌ في غير ملك. وعليه المهر؛ لأنه وطئ مملوكة غيره. وولده رقيق لذلك.

وإذا كانت الوصية لشخصٍ بأبيه عتق من حين الموت؛ لأنه دخل في ملك ابنه وورث ابنه؛ لأنه كان حراً عند موته.

ص: 233

فصل [في الرجوع في الوصية]

قال المصنف رحمه الله: (ويجوز الرجوع في الوصية. فإذا قال: قد رجعتُ في وصيتي أو أبطلتُها ونحو ذلك: بطلت).

أما كون الوصية يجوز الرجوع فيها؛ فلأنه يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «يغيرُ الرجل ما شاءَ من وَصيتِه» (1).

ولأنها تمليك. فملك الموصي الرجوع فيه قبل تنجيزه؛ كهبة ما يفتقر إلى قبض قبل تقبيضه.

وأما كونها تبطل إذا قال: قد رجعتُ في وصيتي أو أبطلتُها ونحو ذلك؛ فلأن ذلك دالٌ على الرجوع حقيقة.

قال: (وإن قال في الموصى به: هذا لورثتي، أو ما أوصيتُ به لفلان فهو لفلان: كان رجوعاً. وإن وصى به لآخر ولم يقل ذلك فهو بينهما).

أما كون قول الموصي في الموصى به: هذا لورثتي، أو ما أوصيتُ به لفلان فهو لفلان رجوعاً؛ فلأنه صرّح باستحقاق الورثة، وفلان الآخر لما أوصى به أوّلاً، وذلك يقتضي كونه مستحقاً للورثة وللموصى له ثانياً وهو ينافي استحقاق الموصى له أوّلاً.

وأما كون الموصى به بين الموصى له أولاً وثانياً إذا أوصى به لآخر ولم يقل ما تقدم ذكره؛ فلأنه تعلق به حق كل واحدٍ منهما على السواء. فاشتركا فيه؛ كما لو قال: هو بينهما.

قال: (وإن باعه، أو وهبه، أو رهنه: كان رجوعاً. وإن كاتبه، أو دبّره، أو جحد الوصية: فعلى وجهين).

أما كون بيع الموصى به وهبته رجوعاً؛ فلأن كل واحدٍ منهما ينقل الملك، وذلك ينافي الوصية.

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 281 كتاب الوصايا، باب الرجوع في الوصية وتغييرها.

ص: 234

ولأن كونه مملوكاً قابلاً للنقل عند تمليكه شرطٌ للصحة، وذلك غير حاصلٍ فيما بيع أو وهب عند الموت.

وأما كون رهنه رجوعاً؛ فلأن الرهن يراد للبيع. أشبه ما لو باعه.

ولأن الوصية نقلٌ للملك عند الموت، وذلك يعتمد القابلية له، والقابلية للنقل غير موجودة فيما رهنه. بدليل: أنه لو باع المرهون لم يصح.

وأما كون كتابته رجوعاً على وجهٍ؛ فلأنها بيعٌ. أشبهت البيع.

وأما كونها لا تكون رجوعاً على وجهٍ؛ فلأن المكاتب عبدٌ ما بقي عليه درهم.

وأما كون تدبيره رجوعاً على وجهٍ؛ فلأن تدبيره أقوى من الوصية به؛ لأنه يتنجز بالموت. بخلاف الوصية فإنها تفتقر إلى القبول. والوصية به في بعض الصور رجوع. فما هو أقوى منها أولى.

وأما كونه لا يكون رجوعاً على وجهٍ؛ فلأنه لا ينقل الملك. أشبه ما لو لم يدبره.

وأما كون جحود الوصية رجوعاً على وجهٍ؛ فلأن الجحود يدل على أنه لا يريد إيصاله إلى الموصى له.

وأما كونه لا يكون رجوعاً؛ فلأن ذلك لا يزيل ملكه. أشبه ما لو أجّره.

قال: (وإن خلطه بغيره على وجهٍ لا يتميز، أو أزال اسمه فطحن الحنطة أو خبز الدقيق، أو جعل الخبز فتيتاً، أو نسج الغزل، أو نجّر الخشبة باباً ونحوه، أو انهدمت الدار، أو أزال اسمها: فقال القاضي: هو رجوع. وذكر أبو الخطاب: فيه وجهين.

وإن وصى له بقفيزٍ من صَبُرَةٍ، ثم خلط الصبرة بأخرى: لم يكن رجوعاً).

أما كون ما ذكر غير خلط الصبرة رجوعاً على قول القاضي؛ فلأن الخلط المذكور جَعَله على وجهٍ لا يمكن تسليمه، وإزالة الاسم أخرجته عن دخوله في الاسم الدالّ على الموصى به.

وأما كونه على وجهين على ما ذكر أبو الخطاب؛ فلأن دليل الرجوع وعدمه موجودان فيه: أما الرجوع؛ فلما تقدم. وأما عدمه؛ فلأن الموصى به باقٍ.

ص: 235

أشبه ما لو غسل الثوب.

وأما كون خلط الصبرة الموصى بقفيزٍ منها بصبرة أخرى لا يكون رجوعاً؛ فلأنه كان مشاعاً ولم يَزَل. فهو باق على صفته. بخلاف ما تقدم فإنه كان معيناً ثم زال ذلك، وذلك يمنع من تسليمه إليه.

قال: (وإن زاد في الدار عمارة أو انهدم بعضها فهل يستحقه الوصي (1)؟ على وجهين).

أما كون الوصي (2) يستحق العمارة على وجهٍ؛ فلأنها تبعٌ للدار.

وأما كونه لا يستحقها على وجهٍ؛ فلأنه لم يوص له بها.

وأما كونه يستحق ما انهدم على وجه؛ فلأنه داخل في وصيته. بدليل ما لو ينهدم.

وأما كونه لا يستحقه على وجهٍ؛ فلأنه انتقل إلى اسم آخر غير الذي كان تسمى به.

قال: (وإن وصى لرجلٍ ثم قال: إن قَدِم فلان فهو له. فقدم في حياة الموصي: فهو له. وإن قدم بعد موته فهو للأول في أحد الوجهين، وفي الآخر: هو للقادم).

أما كون الموصى به للقادم إذا قدم في حياة الموصي؛ فلأن المالك وصى له به معلقاً على شرط، وقد وجد. فيترتب عليه مقتضاه.

وأما كونه له إذا قدم بعد موت الموصي على وجهٍ؛ فلأنه استحقه بالموت وملكه بالقبول. فلم ينقل إلى غيره؛ كسائر الأملاك المملوكة بالقبول.

وأما كونه للقادم على وجهٍ؛ فلأنه موصى له به بشرط قدومه وقد وجد.

والأول أصح؛ لما تقدم.

والشرط يجب فيه لحظ حياة الموصي؛ لأنه بعد الموت أجنبي منه.

(1) في هـ: الموصى.

(2)

مثل السابق.

ص: 236

فصل [تخرج الواجبات من رأس المال]

[قال المصنف رحمه الله](1): (وتخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص. فإن وصى معها بتبرع اعتبر الثلث من الباقي).

أما كون الواجبات تخرج من رأس المال؛ فلأن ذلك يجب عليه وفاؤه في حياته من غير اعتراضٍ للورثة عليه. فكذلك بعد وفاته.

وأما كون ذلك كذلك أوصى بالواجبات أو لم يوص؛ فلوجوب الوفاء في الحالين.

وأما كون الثُّلُث يعتبر من الباقي إذا وصى مع الواجبات بتبرع؛ فلأن الواجبات يجب إخراجها من رأس المال؛ لما تقدم. فيكون جميع ماله الذي يملك التصرف في ثلثه الباقي بعد أداء الواجبات. وإذا كان الباقي بعد أداء الواجبات هو جميع ماله وجب اعتبار الثلث منه.

قال: (وإن قال: أخرجوا الواجب من ثلثي. فقال القاضي: يُبدأ به. فإن فضل من الثلث شيء فهو لصاحب التبرع وإلا بطلت وصيته. وقال أبو الخطاب: يزاحم به أصحاب الوصايا. فيحتمل على هذا أن يُقَسِّم الثلث بينهما ويتمم الواجب من رأس المال فيدخله الدَّور).

أما (2) كون الواجب يُبدأ به إذا قال الموصي ما ذُكر على قول القاضي؛ فلأنه آكد من التبرع. فقُدِّم عليه؛ لأن التأكيد له أثر.

وأما كون الفاضل من الثلث عن ذلك لصاحب التبرع؛ فلأنه كان يستحق جميع ما أوصي له به لولا مزاحمة الواجب. فإذا زالت المزاحمة استحق الفضلة عملاً بوصيته السالمة عن المزاحمة.

وأما كون الوصية تبطل إذا لم يفضل شيء من الثلث؛ فلأنها لم تصادف

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: وأما.

ص: 237

محلاً. أشبه من وُصي له بشيء فلم يخلّف الميت (1) شيئاً.

وأما كونه يزاحم به أصحاب الوصايا على قول أبي الخطاب؛ فلأنهما استويا في الوصية بهما. أشبها الموصى لهما.

فعلى هذا يحتمل أن يقسم الثلث بينهما على قدر حَقَّيْهما؛ كالموصى لهما. ويتمم الواجب من رأس المال؛ لأنه لا بدّ من وفائه ولم يبق من الثلث ما هو محل له. ويدخله الدَّور؛ لأنه لا يُعلم قدر الثلث حتى يُعلم ما هو تتمة الواجب، ولا يعلم تتمة الواجب حتى يُعلم ما يستحقه بالمزاحمة، ولا يُعلم ما يستحقه بالمزاحمة حتى يعلم الثلث.

فإن قيل: لم (2) قال المصنف رحمه الله: فيحتمل على هذا؟

قيل: لأن المزاحمة ليست صريحة فيه؛ لأن قول القاضي يصدق عليه أيضاً أن الواجب زاحم الوصايا؛ لأنه إذا أخذ الواجب أولاً صدق أنه زوحم به أصحاب الوصايا.

قال: (فلو كان المال ثلاثين، والواجب عشرة، والوصية عشرة: جعلتَ تتمة الواجب شيئاً يكن الثلث عشرة إلا ثلث شيء بينهما: للواجب خمسة إلا سدس شيء. يُضم إليه شيئاً يكن عشرة. فتجبر الخمسة بسدس شيء من الشيء يبقى خمسة أسداس شيء يعدل خمسة فالشيء ستة ويحصل للوصي الآخر أربعة).

أما كون تتمة الواجب تجعل شيئاً؛ فلأنه غير معلوم، وفي التنكير في الحال تعريف لذلك في المآل.

وأما كون الثلث يكون عشرة إلا ثلث شيء؛ فلأنك إذا أسقطت شيئاً من ثلاثين يكون ثلثها ذلك.

وأما كون ذلك بين الواجب والوصية؛ فلتساويهما في القدر.

وأما كون الواجب له خمسة إلا سدس شيء؛ فلأن له نصف ما ذُكر، وذلك

نصفه.

(1) في ج: الموصي.

(2)

في هـ: له.

ص: 238

وأما كون الشيء يضم إليه؛ فلأنه تتمته.

وأما كون ذلك يكون عشرة؛ فلأن الشيء ستة خرج منه سدسٌ جبراً للخمسة. فيبقى خمسة وخمسة أسداس، وذلك عشرة. وكان الأجود أن يُقال هاهنا: تكن خمسة وخمسة أسداس شيء.

وأما كون الخمسة تجبر بسدس شيء؛ فلتبقى بلا كسر.

وأما كون الشيء يبقى منه خمسة أسداس؛ فظاهر.

وأما كون ذلك يعدل خمسة؛ فلأن الخمسة وخمسة الأسداس تعدل عشرة خمسة تعدل خمسة يبقى خمسة أسداس تعدل خمسة.

وأما كون الشيء ستة؛ فلأن الخمسة إذا عدلت خمسة أسداس كان كل سدس يعدل واحداً. فيكون الشيء ستة ضرورة.

فإن قيل: كيف طريق عمل ذلك؟

قيل: أن تجعل تتمة الواجب شيئاً مُنَكَّراً -لما تقدم من أن المسألة المذكورة يدخلها الدَّور- ثم تسقطه من جميع المال. ثم تنظر كم بقي. فتأخذ ثلثه. ثم تقسمه على قدر الواجب والتبرع. فلو كان أحدهما مثل الآخر كما ذكره المصنف رحمه الله قسمته بينهما نصفين. ولو كان أحدهما مثلي الآخر قسمته أثلاثاً ثم تضم الشيء المنكر المخرج من رأس المال إلى ما حصل للواجب من الثلث؛ لأنه يكمله حقه ويجبر المجهول الحاصل بالقسمة. فما بقي من الشيء فاجعله باقياً على تنكيره مع (1) العدد الذي جبرته. فتقول في مسألة المصنف: أسقط شيئاً من ثلاثين. يبقى ثلاثون إلا شيئاً. ثلثها عشرة إلا ثلث شيء. مقسومة نصفين يكون نصيب الواجب خمسة إلا سدس شيء. ضُم إليها الشيء تصير خمسة إلا سدس شيء وشيئاً. اجبر سدس الشيء المستثنى من الخمسة بسدس شيء يكون المجموع خمسة وخمسة أسداس شيء [تعدل عشرة؛ لأنها جميع حقه. أسقط خمسة بخمسه تبقى خمسة أسداس شيء](2) تعدل خمسة فالشيء إذاً ستة. ثم ارجع (3) إلى الأول فقل

(1) في هـ: من.

(2)

ساقط من هـ.

(3)

في هـ: إذا رجع.

ص: 239

الشيء ستة. بقي أربعة وعشرون ثلثها ثمانية مقسومة بينهما نصفين: يكون لصاحب الواجب أربعة. ضمها إلى الستة يبقى عشرة. وهو حق الواجب.

ولو كان الواجب خمسة عشر والتبرع خمسة فأسقط تتمة الواجب من المال واقسم ثلثه بين الواجب والتبرع أرباعاً يكن الواجب سبعة ونصفاً ونصف شيء وربع شيء يعدل خمسة عشر قابل سبعة ونصفاً بسبعة ونصف يبقى نصف شيء وربعه يعدل سبعة ونصفاً فالشيء إذاً عشرة.

ص: 240

باب الموصَى له

قال المصنف رحمه الله: (تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي ومرتد وحربي. وقال ابن أبي موسى: لا تصح لمرتد).

أما كون الوصية تصح لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي؛ فلأن الوصية تمليكٌ عند الموت. فإذا كان الموصى له ممن يصح تمليكه وجب أن تكون صحيحة؛ كما لو باعه شيئاً أو وهبه له ونحو ذلك.

وأما كونها تصح لمرتدٍّ على المذهب؛ فقياسٌ على الذمي.

وأما كونها لا تصح له على قول ابن أبي موسى؛ فلأنه مستحق القتل. يغلب على الظن موته به. أشبه الميت.

وأما كونها تصح لحربي؛ فلأنه يصح تمليكه. أشبه الذمي وفارق المرتد. وإن اشتركا في استحقاق القتل من حيث إنه (1) لا يغلب على الظن موته به لعدم القدرة عليه.

قال: (وتصح لمكاتبه ومُدَبّره وأم ولده).

أما (2) كون الوصية تصح لمكاتبه؛ فلأنه معه كالأجنبي في المعاملات. فكذلك في الوصية.

ولأنه يملك المال بالعقد. فصحت الوصية له؛ كالحر.

وأما كونها تصح لمدبّره وأم ولده؛ فلأن كل واحدٍ منهما يعتق عند الموت. فيكون حينئذٍ قابلاً للتمليك، وقد روي عن عمر رضي الله عنه «أنه وصَّى لأمهاتِ أولادهِ بأربعة آلاف أربعة آلاف» . رواه سعيد (3).

قال: (وتصح لعبد غيره. فإذا قبلها فهي لسيده).

أما كون الوصية تصح لعبد غيره؛ فلأنه يصح اكتسابه. فصحت الوصية له؛

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: وأما.

(3)

سقط لفظي: رواه سعيد من هـ.

ص: 241

كالحر.

وأما كونها لسيده إذا قبلها؛ فلأنها كسبٌ من أكساب العبد. فكان لسيده؛ كالصيد.

قال: (وتصح لعبده بمشاع كثلثه. فإذا وصى له بثلثه عتق وأخذ فاضل الثلث، وإذا لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث).

أما كون الوصية لعبده تصح (1) بمشاعٍ كما مثل المصنف رحمه الله؛ فلأن ذلك وسيلةٌ إلى عتقه. أشبه ما لو وصى بعتقه.

وأما كونه يعتق إذا وصى له بثلثه؛ فلأنه كل الثلث أو بعضه فيتعين الوصية فيه نظراً إلى تحصيل العتق. ويعتق؛ لأنه ملك نفسه.

وأما كونه يأخذ ما فضل من الثلث؛ فلأنه حرٌ وقد أوصي له بالثلث. فاستحق بقيته؛ كالحر.

وأما كونه يعتق منه بقدر الثلث إذا لم يخرج منه؛ فلأن وصيته تصح في ذلك.

ومفهوم كلام المصنف رحمه الله: أنه لا يعتق منه أكثر من ذلك. وهو صحيح؛ لأن الوصية لا تنفذ في الزائد عن الثلث إلا بإجازة الوارث ولم توجد.

قال: (وإن وصى له بمعين أو بمائة لم يصح. وحكي عنه أنه يصح).

أما كون الوصية لعبد الموصي (2) بما ذكر لا تصح على المذهب؛ فلأنه يصير ملكاً للورثة فيملكون وصيته فكأنه وصى لورثته بما يرثونه. فلم يصح؛ لعدم الفائدة فيه.

وأما كونها تصح على روايةٍ؛ فلأن تلك إحدى الوصيتين. فصحت؛ كما لو وصى له بمشاع في مال.

(1) ساقط من هـ.

(2)

سقط لفظي: لعبد الموصي من هـ.

ص: 242

قال: (وتصح للحمل إذا علم أنه كان موجوداً حين الوصية بأن تضعه لأقل من ستة أشهر إن كانت ذات زوج، أو سيد يطؤها أو لأقل من أربع سنين إن لم يكن كذلك في أحد الوجهين. وإن وصى لمن تحمل هذه المرأة لم يصح).

أما كون الوصية تصح للحمل؛ فلأنه يرث، والوصية تجري مجرى الميراث من حيث إنها انتقال المال من إنسان بعد موته إلى الموصى له بغير عوض؛ كانتقال الميراث إلى الوارث. وقد سمى الله الميراث وصية بقوله:{يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11].

ولأن الوصية أوسع من الميراث؛ لأنها تصح للمخالف في الدين والعبد. بخلاف الميراث.

وأما كون العلم بوجوده حين الوصية شرطاً لصحتها؛ فلأنه إذا لم يكن موجوداً تكون الوصية لحمل يحدث، وذلك غير صحيح؛ لما يذكر بعدُ. وإذا اشتُرط كونه موجوداً فلا بد من العلم بذلك ليتحقق الشرط.

وأما قول المصنف رحمه الله: بأن تضعه فبيان (1) لطريق العلم به.

فعلى هذا يُنظر فإن كانت المرأة ذات فراش من زوجٍ أو سيدٍ (2) يطؤها ووضعته لستة أشهر فما دون. عُلم أنه كان موجوداً؛ لاستحالة أن يولد لأقل من ذلك.

ولم يذكر المصنف رحمه الله ستة أشهر ولا بد منها فإنها إذا وضعت لستة أشهر علم أيضاً أنه كان موجوداً؛ لاستحالة [أن يولد ولد لأقل من ذلك](3). وصرح به في المغني. وإن وضعته لأكثر من ذلك لم يعلم كونه موجوداً حين الوصية؛ لاحتمال حدوثه بعد الوصية.

وإن لم تكن ذات فراش، أو كان لها فراش إلا أنه لم يكن (4) يطأ ووضعته لأربع سنين فما دون: ففيه وجهان:

(1) في هـ: بيان.

(2)

في هـ: فإن كانت المرأة ذات زوج أو سيدها.

(3)

ساقط من هـ.

(4)

زيادة من ج.

ص: 243

أحدهما: تصح الوصية؛ لأنه محكومٌ بوجوده لاحقٌ بأبيه.

والثاني: لا يصح؛ لأنه مشكوك في وجوده. فلم يصح مع الشك فيه. ولا يلزم من لحوق النسب صحة الوصية. فإن النسب يثبت بالاحتمال. والكلام في قول المصنف: لأقل من أربع سنين كالكلام في قوله: لأقل من ستة أشهر.

وإن وضعته لأكثر من ذلك لم يعلم وجوده لا حقيقة ولا حكماً.

وأما كون الوصية لمن تحمل هذه المرأة لا تصح؛ فلأن الوصية تمليكٌ. فلا تصح للمعدوم.

ولأن الوصية أُجريت مجرى الميراث. ولو حدث حملٌ يرث عند موت قريبه لو كان موجوداً لم يرث. فكذلك الوصية.

فإن قيل: لو وقف على من يحدث من ولده أو لد ولده صح. فالوصية أولى؛ لأنها تصح بالمعدوم والمجهول.

قيل: الوقف يراد للدوام. فمن ضرورته إثباته للمعدوم.

قال: (وإن قتل الوصي الموصي بطلت وصيته. وإن جرحه ثم أوصى له فمات من الجرح لم تبطل في ظاهر كلامه. وقال أصحابنا في الوصية: للقاتل روايتان).

أما كون الوصية تبطل إذا قتل الوصي الموصي؛ فلأنه قصد تعجيل وصيته. فعورض بنقيض قصده؛ كالوارث إذا قتل موروثه، والزوج إذا طلّق زوجته في مرض موته.

وأما كونها لا تبطل إذا جرحه ثم أوصى له فمات من الجرح في ظاهر كلام الإمام أحمد؛ فلأن الوصية بعد الجرح صدرت من أهلها في محلها، ولم يطرأ عليها ما يبطلها. فصحت عملاً بالمقتضي للصحة السالم عن المبطل.

وأما كون الوصية للقاتل فيها روايتان على قول الأصحاب سواء وصى له فقتله أو جرحه جرحاً صالحاً للزهوق ثم وصى له؛ فلدلالة الدليل عليهما: أما على البطلان في الأولى؛ فلما تقدم. وأما في الثانية؛ فلأنه قاتلٌ. فبطلت وصيته؛ كالأولى.

وأما على عدمه فيهما؛ فلأن الهبة تصح للقاتل. فكذلك الوصية.

ص: 244

والأولى ما ذكر المصنف رحمه الله من الفرق (1) بين القاتل بعد الوصية وبين من وُصي له بعد الجرح من حيث: إن القاتل بعد الوصية استعجل وصيته بقتل الموصي. فعورض بنقيض قصده. بخلاف من جرح ثم وُصي له فإنه لا ينسب إليه استعجال وصيته؛ لأنها لم تكن موجودة بعد.

قال: (وإن وصى لصنفٍ من أصناف الزكاة، أو لجميع الأصناف: صح. ويعطى كل واحدٍ منهم القدر الذي يعطاه من الزكاة).

أما (2) كون الوصية تصح لمن ذُكر؛ فلأنه أهلٌ للتمليك. بدليل الزكاة، والوصية تمليك.

ولأن الوقف يصح عليه؛ لما ذكر في موضعه. فلأن تصح الوصية له بطريق الأولى.

وأما كون كل واحدٍ منهم يعطى من الوصية المذكورة ما يعطى من الزكاة؛ فلأن مطلق كلام الآدمي يحمل على المقيد من كلام الله.

قال: (وإن وصى لكَتْب القرآن، أو العلم، أو لمسجدٍ، أو لفرسٍ حبيسٍ ينفق عليه: صح. وإن مات الفرس رُدّ الموصى به أو باقيه إلى الورثة).

أما كون الوصية لأحد ما ذُكر تصح؛ فلأن كل واحدٍ من ذلك فيه قُربة. فصحت الوصية له؛ كالفقير.

وأما كون الموصى به للفرس أو باقيه يُردّ إلى الورثة إذا مات؛ فلأنه لما بطل محل الوصية وجب الرد على الورثة؛ كما لو ردّ الموصى له الوصية.

قال: (وإن وصى في أبواب البر صُرف في القُرَب. وقيل عنه: يصرف في أربع جهات: في أقاربه، والمساكين، والحج، والجهاد. وعنه: فداء الأسرى مكان الحج).

أما كون ما وصي به في أبواب البرّ يُصرف في القُرب على ما ذكر المصنف

(1) سقط لفظي: من الفرق من هـ.

(2)

في هـ: وأما.

ص: 245

رحمه الله [هنا وهو اختياره](1)؛ فلأن القُرب هي أبواب البر.

وأما كونه يُصرف في الأقارب والمساكين والحج والجهاد على روايةٍ قيلت عن الإمام وهي المذهب؛ فلأن أبواب البر وإن كانت عامة في كل قربةٍ إلا أن الظاهر من حال الموصي أنه أراد المشهور من ذلك، والجهات الأربع هي أشهر القرب.

وأما كون فداء الأسرى مكان الحج على روايةٍ؛ فلأن فيه تخليص رقبةٍ مؤمنةٍ من أيدي الكفار.

ولأن تخليص الأسير يتضمن نفع المخلص ونفع نفسه. بخلاف الحج فإنه لا يتضمن إلا نفع من حج عنه.

قال المصنف في المغني: يعني اختصاص الجهات المذكورة ليس على سبيل اللزوم والتحديد بل يجوز صرفه في جهات البر كلها؛ لأن اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه.

وفيه إشعارٌ بكون قوله أولاً: صُرف في القرب على جهة الاختيار منه لا أنه (2) منقولٌ عن أحد من الأصحاب. ولذلك نبّه عليه عند شرحه. ويعضده أن أبا الخطاب لم ينقل أنه في غير الجهات المذكورة.

قال: (وإن وصى أن يحج عنه بألفٍ صُرف في حجةٍ بعد أخرى حتى ينفذ. ويدفع إلى كل واحدٍ قدر ما يحج به).

أما كون الوصية بما ذكر تُصرف في حجةٍ بعد أخرى حتى ينفذ؛ فلأن مقتضى الوصية صرف المال فيما وصي به، وقد وصى بألفٍ في حجٍ. فيجب أن يُصرف في حجةٍ بعد حجة.

وأما كونه يُدفع إلى كل واحدٍ قدر ما يحج به؛ فلأن حاجته إلى ذلك يقتضي ذلك.

وفيما ذكر إشعارٌ بأنه لا يجوز أن يزاد من يحج على ما يحتاج إليه. وهو صحيح؛ لأنه تصرف بطريق النظر. فلم تجز الزيادة على ما تقتضيه العادة.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: لأنه.

ص: 246

قال: (وإن قال: يُحج عني حجة بألف دفع الكل إلى من يحج. فإن عيّنه في الوصية فقال: يحج عني فلان بألف فأبى الحج (1) وقال: اصرفوا إليّ الفضل لم يُعْطَه وبطلت الوصية).

أما كون الكل فيما ذُكر يدفع إلى من يحج عن الموصي؛ فلأنه أوصى به في حجة واحدةٍ. فوجب أن يعمل بها.

وأما كون الفضل لا يعطى للموصى له إذا كان معيناً وأبى أن يحج وقال: اصرفوا إليّ ذلك؛ فلأنه إنما أوصي له بالزيادة بشرط الحج ولم يوجد.

وأما كون الوصية تبطل؛ فلأن الموصى له لم يقبل الوصية وامتنع من فعلها. أشبه ما لو أوصي له بمال فردّه.

[فإن قيل: بطلان الوصية مشعرٌ بأن المال الموصى به للورثة، وذلك ظاهر في أنه لا يحج عنه. وذلك مشكل من وجوه:

أحدها: أن الوصية المذكورة فيها حقٌّ للحج وحقٌّ للموصى له. فردّه يُبطل حقه. فَلِمَ يبطل حق غيره. ولذلك زاد بعض من أذن له المصنف رحمه الله في الإصلاح في حقه.

وثانيها: أنه قال في الكافي: فإن أبى المعين الحج صرف إلى من يحج عنه نفقة المثل والباقي للورثة. وبين ذلك وبين ما تقدم تناقض.

وثالثها: أن الموصي إذا كان ممن وجب عليه الحج، ولم يحج تعين الحج عنه. ولذلك قال صاحب المحرر فيه: ومتى أبى المعيَّن أن يحج أقيم غيره بنفقة المثل والفضل للورثة.

قيل: الجوابُ عن إشعار بطلان الوصية بأن المال الموصى به للورثة صحيح وهو كذلك.

وعن قوله: وذلك ظاهر في أنه لا يحج عنه من الموصى به لكونه موصى به لا في أنه لا يحج عنه مطلقاً؛ لأن الكلام لا دلالة له على ذلك. وكونه لا يحج عنه من المال الموصى به لكونه موصى به صحيح؛ لأن الوصية إذا بطلت بطل تعين الحج من الموصى به.

(1) ساقط من هـ.

ص: 247

وعن قوله: الوصية فيها حقٌ للحج فكيف يبطل برد المعين: بأن اللفظ المذكور دالٌ على حج المعين لا على الحج مطلقاً. وقد تعذر حصول ما دل اللفظ عليه بردّه فيبطل.

وعن زيادة بعض من أذن له المصنف رحمه الله بأنها زيدت لنفي ما توهم أولاً؟ ويرد عليها: أنها توهم عدم بطلان الوصية بالنسبة إلى الحج حتى أن ذلك يقتضي الحج من الموصى به؛ لكونه موصى به. وليس كذلك؛ لما تقدم ذكره.

وعن قوله في الكافي: صُرف إلى من يحج عنه نفقة المثل: بأن ذلك ليس صريحاً في الصرف من الوصية بل يجوز أن يكون من التركة ونحن نقول به. لا يقال ظاهره ذلك، لأنا نقول يجب حمله على ما ذكر؛ لما تقدم. على أن كلامه عام فيمن عليه حج ومن لا حج عليه وليس ذلك مراداً، ولذلك صرح صاحب المحرر فيه بأن من أوصى ولا حج عليه بطلت الوصية بالرّد. وإذا حمل كلامه على ما ذكر لا تناقض.

وعن قوله: أن الموصي إذا كان ممن يجب الحج عليه تعين الحج عنه: بأنه يتعين الحج عنه من تركته أم من المال الموصى به؟ الأول: مسلم، والثاني: ممنوع.

وعن قوله: ولذلك قال صاحب المحرر فيه ما تقدم: بأنه ليس في قوله تصريحٌ بأن ذلك من الموصى به.

فإن قيل: ظاهره ذلك كقوله: والفضل للورثة.

ولأنه حكم ببطلان الوصية فيما إذا كان الموصي لا حج عليه وسكت عن ذلك هنا.

قيل: يجب صرفه عن ظاهره؛ لما تقدم. والحكم ببطلان الوصية فيمن لا حج عليه والسكوت عن ذلك هنا لنفي التوهم المتقدم ذكره] (1).

قال: (وإن وصى لأهل سِكَّته فهو لأهل دربه. وإن وصى لجيرانه تناول أربعين داراً من كل جانب. وقال أبو بكر: مستدار أربعين داراً).

أما كون الوصية لأهل سِكَّته لأهل دربه؛ فلأن دربه سكته وقد أضافها إليه.

(1) ساقط من هـ.

ص: 248

فتعين كون المراد ذلك.

وأما كون الوصية لجيرانه يتناول أربعين داراً من كل جانب على المذهب؛ فلما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجارُ أربعونَ داراً هكذَا وهكذَا وهكذَا» . رواه الإمام أحمد.

وأما كون ذلك مستدار أربعين داراً على قول أبي بكر؛ فلأن أولئك أقرب ممن ذكر.

والأول أولى؛ لما تقدم من الحديث.

قال: (وإن وصى لأقرب قرابته وله أب وابن فهما سواء. والجد والأخ سواء. ويحتمل تقديم الابن على الأب، والأخ على الجد، والأخ من الأب. والأخ من الأم سواء، والأخ من الأبوين أحق منهما).

أما كون الأب والابن سواء في الوصية لأقرب قرابته على المذهب؛ فلأن كل واحدٍ منهما يليه في القرب. فلم يكن أحدهما أقرب من الآخر.

وأما كون الجد والأخ سواء؛ فلأن كل واحدٍ منهما يدلي بالأب. فكانا سواء.

وأما كونه يحتمل تقديم الابن على الأب، والأخ على الجد؛ فلأن الوصية يُلحظ فيها الصلة. فينبغي أن تحمل حالة الموت على حالة الحياة، وصلة الحي إلى ابنه وأخيه أكثر من أبيه وجده.

وأما كون الأخ من الأب والأخ من الأم سواء؛ فلأنهما في درجةٍ واحدة.

[فإن قيل: كيف يسوّى بين الأخ من الأب وبين الأخ من الأم؟ ولو وصى لقرابته لم يدخل في ذلك الأخ من الأم على المذهب، ومن لا يدخل في القرابة لا يدخل في أقرب القرابة؟

قيل: ذلك مخرّج على الرواية الأخرى. ذكره صاحب المغني فيه. فأما على المذهب فلا؛ لما ذكر] (1).

وأما كون الأخ من الأبوين أحق منهما؛ فلأنه يساويهما في إحدى الجهتين ويمتاز بالأخرى. فله مزيد قُرب.

(1) ساقط من هـ.

ص: 249

فصل [لا تصح الوصية لكنيسة]

قال المصنف رحمه الله: (ولا تصح الوصية لكنيسةٍ، ولا بيت نارٍ، ولا لكَتْب التوراة والإنجيل، ولا لملكٍ، ولا لميتٍ، ولا بهيمة).

أما كون الوصية لا تصح للثلاثة الأول؛ فلأن كل ذلك معصية. فلم تصح الوصية له؛ كالوقف عليه.

وأما كونها لا تصح للثلاثة الأُخَر؛ فلأن الوصية تمليكٌ والثلاثة لا تقبل التمليك؛ لما تقدم.

قال: (وإن وصّى لحيٍ وميتٍ يَعلم موته فالكل للحي. ويحتمل أن لا يكون له إلا النصف. وإن لم يَعلم فللحي نصف الموصى به).

أما كون الكل للحي إذا عَلم الموصي موت الآخر على المذهب؛ فلأنه إذا وصّى بذلك مع علمه بموته فكأنه قصد الوصية للحي وحده. فيكون له وحده؛ كما لو صرّح به.

وأما كونه يحتمل أن لا يكون له (1) إلا النصف؛ فلأنه أضاف الوصية إليهما. فإذا لم يكن أحدهما محلاً للتمليك بطلت (2) في نصيبه وبقي نصيب الحي وهو النصف.

وأما كونه له نصف الموصى به وجهاً واحداً إذا لم يَعلم؛ فلأنه أضاف الوصية إليهما، ولا قرينة تدل على عدم إرادة الآخر؛ لأنه لم يَعلم موته، وإذا كان كذلك وجب أن لا يكون للحي إلا النصف. عملاً بالمقتضي السالم عن القرينة.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: فبطل.

ص: 250

قال: (وإن وصّى لوارثه وأجنبي بثلث ماله. فرد الورثة: فللأجنبي السدس. وإن وصى لهما بثلثي ماله: فكذلك عند القاضي. وعند أبي الخطاب: له الثلث كله).

أما كون الأجنبي له السدس في الوصية بالثلث؛ فلأنه لما وصى لهما (1) بذلك اقتضى أن يكون لكل واحدٍ منهما السدس. فصح السدس للأجنبي؛ لأنه لا اعتراض للورثة عليه، وبطل سدس الوارث؛ لأن الوصية له لا تصح إلا بإجازة الورثة.

وأما (2) كون الحكم كذلك عند القاضي في الوصية بالثلثين؛ فلأن الورثة لما ردوا الوصية بقي الثلث بينهما، وسدس الوارث يسقط بالرد. فيبقى للأجنبي السدس.

وأما كونه له الثلث كله عند أبي الخطاب؛ فلأنه موصى له بالثلث، وإنما يرجع إلى السدس عند مزاحمة الوارث، والوارث هنا سقط بالرد. فوجب أن يكون للأجنبي الثلث عملاً بوصيته السالمة عن المعارض.

قال: (وإن وصّى بماله لابنيه وأجنبي. فردا وصيته فله التسع عند القاضي، وعند أبي الخطاب: له الثلث. وإن وصى لزيد وللفقراء والمساكين بثلثه فلزيدٍ التسع).

أما كون الأجنبي له التسع عند القاضي إذا وصّى بماله لابنيه وأجنبي فردا وصيته؛ فلأن بالرد رجعت الوصية إلى الثلث، والموصى له هنا ثلاثة: ابنان وأجنبي. فيكون للأجنبي التسع؛ لأنه ثلث الثلث.

وأما كونه له الثلث عند أبي الخطاب؛ فلأن الأجنبي موصى له بالثلث، وبالرد بطلت وصية الوارث. فوجب أن يكون له الثلث عملاً بالوصية السالمة عن المزاحم.

وأما كون زيدٍ له التسع إذا وصى له وللفقراء والمساكين بثلثه؛ فلأنه جعل ثلثه لجهاتٍ ثلاثٍ. فوجب أن يقسم بينهما؛ كما لو قال: لزيدٍ وعمروٍ وبكرٍ.

(1) في هـ: لها.

(2)

في هـ: أما.

ص: 251

باب الموصَى به

قال المصنف رحمه الله: (تصح الوصية بما لا يُقدر على تسليمه؛ كالآبق، والشارد، والطير في الهواء، والحمل في البطن، واللبن في الضرع. وبالمعدوم كالذي تحمل أمته، أو شجرته أبداً، أو في مدة معينة. فإن حصل منه شيء فهو له، وإلا بطلت الوصية).

أما كون الوصية تصح بما لا يُقدر على تسليمه؛ فلأنها تصح بالمعدوم لما يأتي؛ فلأن تصح بالموجود بطريق الأولى.

وأما كونها تصح بالمعدوم؛ فلأن الغرر والخطر ليس بمانعٍ في الوصية؛ لأنه ليس في مقابلتها عوض يتضرر صاحبها بفواته. بخلاف البيع.

وأما قول المصنف رحمه الله: كالآبق والشارد والطير في الهواء والحمل في البطن واللبن في الضرع؛ فتمثيلٌ لما لا يُقدر على تسليمه.

وقوله: كالذي تحمل أمته أو شجرته تمثيل للمعدوم.

وأما قوله: أبداً أو في مدة معينة؛ فتنبيهٌ على أن الوصية بالمعدوم على ضربين:

أحدهما: أن يكون الحمل فيما ذكر للموصى له على التأبيد.

وثانيهما: أن يكون له ذلك مدة معينة كسنة دون ما عداها.

وأما كون ما يحصل من ذلك للموصى له به؛ فلأن الوصية صحت. فوجب أن يكون الموصى به للموصى له.

وأما كون الوصية تبطل إذا لم يحصل من ذلك للموصى به شيء؛ فلأنها لم تصادف محلاً. أشبه ما لو وصى بثلث ماله. فلم يخلّف شيئاً.

قال: (وإن وصى له بمائة لا يملكها صح. فإن قدر عليها عند الموت أو على شيء منها (1)، وإلا بطلت).

أما كون الوصية بمائة لا يملكها الموصي تصح؛ فلأن غاية ما يُقَدَّر في ذلك

(1) في هـ: منهما.

ص: 252

أنها معدومة، والوصية بالمعدوم صحيحة.

وأما كونها تبطل إذا لم يقدر عليها عند الموت ولا بقي شيء منها؛ فلأن الوصية لم تصادف محلاً.

قال: (وتصح الوصية بما فيه نفعٌ مباحٌ من غير المال؛ كالكلب، والزيت النجس. فإن لم يكن للموصي مال فللموصى له ثلث ذلك. وإن كان له مال فجميع ذلك للموصى له وإن قل المال في أحد الوجهين، وفي الآخر: له ثلثه. وإن لم يكن له كلبٌ لم تصح الوصية به (1».

أما كون الوصية تصح بما فيه نفعٌ مباحٌ من غير المال؛ فلأن الوصية تفيد اختصاصاً بالموصى له. فصحت بما ذكر؛ كالإرث. وبه فارقت البيع؛ لأن البيع يعتمد المال.

وأما كون الموصى له: له (2) ثلث ذلك إذا لم يكن للموصي مال؛ فلأن الوصية إنما تنفذ في الثلث.

وأما كونه له جميع ذلك إذا كان للموصي مال وإن قلّ في وجهٍ؛ فلأن الثلث أكثر منه.

وأما كونه له ثلثه (3) لا غير في وجهٍ؛ فلأن ذلك ليس من جنس المال، وإنما هو حق منفرد. فلم يكن له جميعه؛ لئلا يلزم أن يكون له شيء ليس للورثة مثلاه.

وأما كون الوصية بالكلب لا تصح إذا لم يكن له كلبٌ؛ فلأنها لم تصادف محلاً يثبت الحق فيه.

قال: (ولا تصح الوصية بما لا نفع فيه؛ كالخمر، والميتة، ونحوهما).

أما كون الوصية بما لا نفع فيه لا تصح؛ فلأنه خالٍ عن مقصودٍ شرعيٍ من وجه ما.

ولأن من جملة ذلك الخمر، وقد حث الشرع على إراقته وإعدامه. فلم يناسب الحال صحة الوصية به.

(1) ساقط من هـ.

(2)

مثل السابق.

(3)

في هـ: ثلث.

ص: 253

ولأن ذلك لو كان في يد شخص لأجبر على إزالته. فلئلا يُقَرّ عليه أحد من جهة غيره بطريق الأولى.

وأما قول المصنف رحمه الله: كالخمر والميتة ونحوهما؛ فتعداد لصور لا نفع فيها.

قال: (وتصح بالمجهول؛ كعبدٍ، وشاةٍ. ويعطى ما يقع عليه الاسم. فإن اختلف الاسم بالحقيقة والعرف؛ كالشاة في العرف للأنثى. والبعير والثور هو في العرف للذكر وحده، وفي الحقيقة للذكر والأنثى: غلب العرف. وقال أصحابنا: تغلب الحقيقة. والدابة: اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير).

أما كون الوصية بالمجهول كعبدٍ وشاةٍ تصح؛ فلأن الموصى له يخلّف الميت في الثلث؛ كما يخلّفه الوارث في الثلثين، والوارث يخلّف موروثه في ثلثيه مع الجهالة. فكذلك الموصى له.

وأما كونه يعطى ما يقع عليه الاسم؛ فلأن بذلك يخرج عن عهدة الوصية.

وأما كونه يُغلب العرف على اختيار المصنف إذا اختلف الاسم بالحقيقة والعرف؛ فلأن ذلك هو المراد غالباً. بدليل تبادره إلى الفهم.

ولأن الشارع لو خاطب أقواماً بشيء لهم فيه عرف. فحملوه على ما يعرفونه: لم يعدوا مخالفين.

فعلى هذا لو كانت الوصية بشاةٍ أعطي الموصى له أنثى؛ لأنها لها في العرف. ولو كانت ببعيرٍ أو ثورٍ أعطي الذكر وحده؛ لأن كل واحدٍ منهما له في العرف.

وأما كونه يُغلب الحقيقة على قول أصحابنا؛ فلأنها الأصل.

فعلى هذا يعطى الموصى له ذكراً أو أنثى؛ لأن كل واحدٍ (1) من ذلك يسمى شاة وبعيراً وثوراً حقيقة.

وأما كون الدابة اسماً للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير؛ فلأن ذلك هو المتعارف.

قال: (ومن وصى له بغير معين؛ كعبدٍ من عبيده: صح. ويعطيه الورثة ما

(1) ساقط من هـ.

ص: 254

شاءوا منهم في ظاهر كلامه. وقال الخرقي: يعطى واحداً بالقرعة. فإن لم يكن له عبيد لم تصح الوصية في أحد الوجهين، وتصح في الآخر. ويشترى له ما يسمى عبداً. وإن كان له عبيد فماتوا إلا واحداً تعينت الوصية فيه. فإن قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم على قاتله).

أما كون الوصية بغير معينٍ كعبدٍ من عبيده تصح؛ فلأن الجهالة في هذا أقل من الجهالة في عبدٍ، وقد صحت فيه؛ لما تقدم. فلأن تصح هاهنا بطريق الأولى.

وأما كون الموصى له يعطيه الورثة ما شاءوا من تلك العبيد في ظاهر كلام الإمام أحمد؛ فلأنه يتناوله الاسم. فيرجع إلى رأيهم فيه؛ كما لو وُصّي له بحظٍ أو جزء.

وأما كونه يُعطى واحداً بالقرعة على قول الخرقي؛ فلأنهم استووا بالنسبة إلى استحقاقه. فأقرع بينهم؛ كما لو أعتق واحداً منهم. وذكر المصنف رحمه الله في الكافي قول الخرقي رواية.

وأما كون الوصية لا تصح إذا لم يكن له عبيد في وجهٍ؛ فلأنه وصى بما لا يملك. أشبه ما لو وصى بدارٍ ولا دار له.

وأما كونها تصح في وجهٍ؛ فلأنه لما تعذّرت الصفة بقي أصل الوصية.

فعلى هذا يشترى له ما يسمى عبداً؛ لأن الاسم يتناوله فيخرج به عن عهدة الوصية.

وأما كون الوصية تتعين في الحي إذا كان له عبيدٌ فماتوا إلا واحداً؛ فلأنه لم يبق غيره.

وأما كون الموصى له له قيمة أحدهم على قاتله إذا قتلوا كلهم؛ فلأن حقه في واحدٍ منهم وقد قتلهم كلهم. فوجب عليه ضمانه؛ كما لو قتل شخص عبد غيره.

قال: (وإن وصّى له بقوسٍ، وله أقواسٌ للرمي والندف والبندق فله قوس النشاب؛ لأنه أظهرها. إلا أن تقترن به قرينة تصرف إلى غيره. وعند أبي الخطاب: له واحد منها كالوصية بعبدٍ من عبيده).

أما كون الموصى له بقوس له قوس النشاب فيما ذكر إذا لم تقترن به قرينة

ص: 255

تصرف إلى غيره؛ فلما علل المصنف رحمه الله من أنه أظهرها.

وأما كونه له واحد منها على قول أبي الخطاب؛ فلأنه في معنى الوصية بعبدٍ من عبيده.

وأما كونه له ما تقترن به قرينة تصرف إليه؛ فلأن القرينة كالصريح.

قال: (وإن وصى له بكلبٍ أو طبلٍ وله منها مباح ومحرم انصرف إلى المباح. وإن لم يكن له إلا محرم لم تصح الوصية).

أما كون الوصية تنصرف إلى المباح فيما ذُكر؛ فلأن وجود المحرم كعدمه شرعاً.

ولأنه لو صرح بالوصية بالمحرم لم تصح. فلئلا يشمله اللفظ عند الإطلاق بطريق الأولى.

وأما كون الوصية لا تصح إذا لم يكن له إلا محرم؛ فلأن الوصية بالمحرم معصية. فلم تصح؛ كما لو وصى للكنيسة.

قال: (وتنفذ الوصية فيما علم من ماله وما لم يعلم. وإذا وصى بثلثه فاستحدث مالاً دخل ثلثه في الوصية. وإن قُتل وأُخذت ديته فهل تدخل الدية في الوصية؟ على روايتين. وإن وصى بمعين بقدر نصف الدية فهل تحسب الدية على الورثة من الثلثين؟ على وجهين).

أما كون الوصية تنفذ فيما عُلم من ماله وما لم يعلم؛ فلأن كليهما من ماله. فدخل في وصيته؛ كالآخر.

ولأن المعدوم يدخل في ذلك؛ فلأن يدخل الموجود (1) غير المعلوم بطريق الأولى.

وأما كونه يدخل ثلث ما استحدثه في الوصية؛ فلأن وصيته بثلث ما يملك عند موته، والحادث مملوكٌ له عند موته.

وأما كون الدية تدخل في الوصية ففيه روايتان مبنيتان على أنها هل تثبت للميت ثم تنتقل إلى الورثة أو تثبت للورثة ابتداء؟ وفيه روايتان:

(1) في هـ: المجود.

ص: 256

إحداهما: تثبت للميت؛ لأنها بدلُ نفسه ونفسُه له.

ولأن دية الأطراف له. فكذلك دية النفس.

فعلى هذه يدخل ثلثها في وصيته؛ لأنها من ماله.

وثانيهما: يثبت للورثة ابتداء؛ لأن سببها الموت. فلا يجوز الوجوب قبله؛ لأن الحكم لا يتقدم سببه.

ولأن الميت بالموت يزول ملكه. فكيف يتجدد له ملك؟ .

فعلى هذه لا يدخل ثلثها في الوصية؛ لأن الدية ليست ملكه بل ملك الورثة.

والأولى أولى؛ لما ذكر.

والسبب الموجب للدية: الجرح الصالح للزهوق وهو موجودٌ في حياته، والموت شرط. فلا يلزم من الوجوب سبقه على السبب. وتجدد الملك للميت غير ممتنعٍ. بدليل من نصب شبكة ثم مات فوقع فيها صيدٌ فإنه يكون للميت يقضى منه دينه ووصيته. وهو متجدد.

وأما كون الدية هل تحسب على الورثة من الثلثين؟ على وجهين إذا وصى بمعين بقدر (1) نصف الدية؛ فلأنه (2) ما تقدم ذكره يجري في ذلك؛ لأنه إن قيل: الدية للميت حسبت (3) على الورثة؛ لأنها من ماله.

وإن (4) قيل: هي لهم لم تحسب عليهم؛ لأنها ليست من ماله.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: فإنه.

(3)

في هـ: حسب.

(4)

في هـ: فإن.

ص: 257

فصل [في الوصية بالمنافع]

قال المصنف رحمه الله: (وتصح الوصية بالمنفعة المفردة. فلو وصّى لرجلٍ بمنافع أمته أبداً أو مدة معينة صح).

أما كون الوصية تصح بالمنفعة المفردة؛ فلأن المنفعة تملك بعقد المعاوضة. فوجب أن تصح الوصية بها؛ كالأعيان.

ولأن الوصية هبة المنفعة بعد الموت. فوجب أن تصح كهبتها حياةً في العارية.

وأما كون الوصية بمنافع أمته أبداً أو مدة معينة تصح؛ فلأن الوصية بذلك وصية بمنفعة، والوصية بالمنفعة تصح؛ لما تقدم.

قال: (وإذا وصّى بها أبداً فللورثة بيعها وعتقها. وقيل: لا يصح بيعها إلا لمالك نفعها. ولهم ولاية تزويجها وأخذ مهرها في كل موضع وجب؛ لأن منافع البضع لا تصح الوصية بها. وقال أصحابنا: مهرها للوصي).

أما كون الورثة لهم بيع الأمة الموصى بمنفعتها أبداً وعتقها على المذهب؛ فلأن البيع والعتق يقعان على الرقبة وهي مملوكة.

وأما كونها لا يصح بيعها إلا لمالك نفعها على قول؛ فلأن بيع ما لا نفع فيه لا يصح، وبيعها لغير مالك نفعها بيعٌ لما لا نفع فيه مملوك لغير البائع. وإنما صح بيعها لمالك نفعها؛ لأنه يتضمن خلوص العين له رقبة ومنفعة، وفي ذلك نفع. فيكون البيع مشتملاً على نفع. بخلاف غيره.

وأما كونهم لهم ولاية تزويجها وأخذ مهرها في كل موضعٍ وجب على قول غير الأصحاب؛ فلما علل المصنف من أن منافع البضع لا تصح الوصية بها. وإنما لم تصح الوصية بها؛ لأن (1) عارية الأمة للوطء لا يجوز. فكذا الوصية. وإذا لم تصح الوصية بها بقيت للورثة. فكان لهم العقد عليها وأخذ ما يقابلها في كل موضعٍ وجب.

(1) في هـ: لأنها.

ص: 258

وأما كون مهرها للوصي على قول أصحابنا؛ فلأنه بدل المنفعة، وهي مستحقة له.

قال: (وإن وُطئت بشبهةٍ فالولد حرٌ، وللورثة قيمة ولدها عند الوضع على الواطئ).

أما كون الولد حراً؛ فلأن وطء الشبهة كالوطء في النكاح لمكان الشبهة.

وأما كون الورثة لهم قيمة ولدها؛ فلأنه امتنع رقّه. فوجب جبر ما فات من رقّه.

وأما كون القيمة عند الوضع؛ فلأنه حينئذٍ وجد؛ لأنه قبل الوضع لا يُعلم قيمته. فوجب اعتبار أول حالة يعلم بها.

وأما كون القيمة على الواطئ؛ فلأنه هو المفوّت.

قال: (وإن قتلت فلهم قيمتها في أحد الوجهين. وفي الآخر: يشترى بها ما يقوم مقامها).

أما كون الورثة لهم قيمة المقتولة في وجهٍ؛ فلأن الإتلاف صادف الرقبة، وفوات المنفعة حصل ضمنا.

وأما كونها يشترى بها ما يقوم مقامها في وجهٍ؛ فلأن الحق يعود على مثل ما كان.

ولأنه لو قتل جارية موقوفة اشترى بقيمتها ما يقوم مقامها. فكذا هاهنا.

قال: (وللوصي استخدامها وإجارتها وإعارتها. وليس لواحدٍ منهما وطئها. وإن ولدت من زوجٍ أو زناً فحكمه حكمها).

أما كون الوصي له ما تقدم ذكره؛ فلأن جميع ما ذكر من منفعتها وهو موصى له بها.

وأما كونه ليس لواحدٍ من الوصي ومالك الرقبة وطئها؛ فلأن الوصيَّ الرقبةُ لغيره، والوطء لا يجوز إلا في نكاحٍ أو ملك رقبةٍ، وكلاهما منتفٍ هاهنا. ومالك الرقبة المنفعة لغيره، والوطء منفعة.

وأما كون حكم ما ولدت من زوجٍ أو زناً حكم أمه؛ فلأن الولد يتبع الأم.

ص: 259

فكان حكمه حكمها؛ كولد أم الولد والمكاتبة.

قال: (وفي نفقتها ثلاثة أوجهٍ؛ أحدها: أنها في كسبها. والثاني: على مالكها. والثالث: على الوصي).

أما كون نفقة الموصى بمنفعتها في كسبها في وجهٍ؛ فلأنه (1) يتعذر إيجاب النفقة على مالك الرقبة؛ لكونه لا نفع له، وعلى مالك المنفعة؛ لكونه لا رقبة له. فلم يبق إلا أن يجب في كسبها.

وأما كونها على مالك الرقبة في وجهٍ؛ فلأنه مالكها. فوجبت عليه نفقتها؛ كنفقة العبد المستأجر.

وأما كونها على الوصي في وجهٍ؛ فلأن النفع له. فكانت النفقة عليه؛ كنفقة الزوجة.

قال: (وفي اعتبارها من الثلث وجهان:

أحدهما: يعتبر جميعها من الثلث.

والثاني: تقوّم بمنفعتها ثم تقوّم مسلوبة المنفعة فيعتبر ما بينهما).

أما كون الموصى بمنفعتها يعتبر جميعها من الثلث في وجهٍ؛ فلأن المنفعة مجهولة لا يمكن تقويمها. فوجب اعتبار جميعها.

وأما كونها تقوّم بمنفعتها ثم تقوّم مسلوبة المنفعة فيعتبر ما بينهما في وجهٍ؛ فلأن المنفعة هي الموصى بها. وإنما يعتبر من الثلث الموصى به.

فعلى هذا طريق العلم بذلك أن يقال: قيمتها بمنفعتها مائة ومسلوبة المنفعة عشرة فالوصية تسعون. فلو كان له مالٌ غير العبد مبلغه مائة وسبعون صحت الوصية في المنفعة كلها؛ لأنها تخرج من الثلث. وعلى الوجه الأول تصح في تسعة أعشارها؛ لأن الموصى به مائة والثلث تسعون ونسبة التسعين إلى المائة ما ذُكر.

(1) في هـ: أما كون نفقة الموصى بمنفعتها فلا.

ص: 260

قال: (وإن وصى لرجلٍ برقبتها، ولآخر بمنفعتها: صح. وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا).

أما كون الوصية بما ذُكر تصح؛ فلاشتمال كل واحدةٍ من الوصيتين على المصلحة: أما اشتمال وصية صاحب المنفعة عليها؛ فظاهر. وأما اشتمال وصية صاحب الرقبة عليها؛ فلأنه ينتفع بعتقها وولائها وبيعها في الجملة.

وأما كون صاحب الرقبة كالوارث فيما ذكر المصنف مما (1) تقدم ذكره؛ فلأن كل واحدٍ منهما مالكها.

قال: (وإن وصى لرجلٍ بمكاتبه صح. ويكون كما لو اشتراه. وإن وصى له بمال الكتابة أو بنجمٍ منها صح).

أما (2) كون الوصية بالمكاتب تصح؛ فلأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.

وأما كون الموصى له يكون كما لو اشتراه؛ فلأن (3) الوصية تمليكٌ. أشبهت الشراء.

فعلى هذا متى أدى عتق. وإن عجز فللموصى له فسخ الكتابة.

وأما كون الوصية بمال الكتابة أو بنجمٍ منها تصح؛ فلأنه مالٌ معلومٌ. فصحت الوصية به؛ كما لو أوصى له بمائةٍ من ماله.

قال: (وإن وصّى برقبته لرجلٍ وبما عليه لآخر صح. فإن أدى عتق. وإن عجز فهو لصاحب الرقبة وبطلت وصية صاحب المال فيما بقي عليه).

أما كون الوصية برقبة المكاتب لرجلٍ وبما عليه لآخر تصح؛ فلأن كل واحدٍ من الرقبة والمال مملوكٌ للموصي، وكون المال ليس بمستقرٍّ لا أثر له؛ لأن الوصية تصح بالمعدوم. فلأن تصح بغير المستقر بطريق الأولى.

وأما كون المكاتب يعتق إذا أدى؛ فلأن هذا شأن المكاتب.

وأما كونه لصاحب الرقبة إذا عجز؛ فلأنه موصى له برقبته.

فإن قيل: فلم عتق بتقدير الأداء؟

(1) في هـ: فيما.

(2)

في هـ: وأما.

(3)

في هـ: لأن.

ص: 261

قيل: لأن العتق مقدمٌ على حق الموصي. فلأن يقدم على حق الموصى له بطريق الأولى.

وأما كون وصية صاحب المال تبطل فيما بقي؛ فلأن الباقي لم يصادف محلاً.

ومفهوم كلام المصنف أن الموصى له بالمال أخذ بعضه ثم طرأ العجز. فلو فرض العجز قبل أخذ شيءٍ بطلت وصيته في كل المال؛ لما ذكر.

ص: 262

فصل [إذا تلف الموصى به]

قال المصنف رحمه الله: (ومن أوصي له بشيء بعينه فتلف قبل موت الموصي أو بعده: بطلت الوصية. وإن تلف المال كلُّه غيره بعد موت الموصي فهو للموصى له. وإن لم يأخذه زماناً قوّم وقت الموت لا وقت الأخذ).

أما كون الوصية بشيء معين تبطل إذا تلف (1)؛ فلأنها لم تصادف عند الاستحقاق محلاً.

فإن قيل: إذا تلفت قبل الموت فظاهرٌ. فلمَ تبطل إذا تلفت بعده؟

قيل: لأن الوصية إنما تستحق بالقبول. فلما تلفت قبله لم تصادف القبول محلاً.

فإن قيل: كلام المصنف عامٌ. فلمَ قيد ذلك بقبل القبول؟

قيل: لأنه لا بد منه؛ لأن التلف لو حصل بعد القبول كانت الوصية صحيحة، والتلف حدث بعد ملكه لها.

وأما كون الموصى به للموصى له إذا تلف المال كله غيره بعد موت الموصي؛ فلأن العبرة بالموت، وحينئذٍ كان يخرج من الثلث. فلا يعتبر تغيّره.

ولأنه لو تلف الموصى به كان من ضمان الموصى له. فكذلك إذا تلف بقية المال يكون من ضمان الورثة.

وأما كون الموصى به (2) يُقوّم وقت الموت لا وقت الأخذ إذا لم يأخذه الموصى له (3) زماناً؛ فلأن وقت الموت وقتُ لزوم الوصية. فوجب اعتبار القيمة فيه؛ لأن اعتبار وقت اللزوم أولى من اعتبار غيره.

قال: (وإن لم يكن له (4) سوى المعين إلا مالٌ غائب، أو دين في ذمة موسر، أو

(1) في هـ: تلف المال.

(2)

في هـ: به.

(3)

سقط لفظي: الموصى له من هـ.

(4)

ساقط من هـ.

ص: 263

معسر: فللموصى له ثلث الموصى به. وكلما اقتضى من الدين شيء أو حضر من الغائب شيء ملك من الموصى به قدر ثلثه حتى يملكه كله. وكذلك الحكم في المدبر).

أما كون الموصى له فيما ذُكر له ثلث الموصى به؛ فلأنه لا مانع من ذلك. ومفهومه: أنه لا يكون له أكثر من ذلك. وإن كان يخرج من ثلث جميع ماله. وهو صحيح؛ لأنه لا يجوز أن يأخذ شيئاً إلا إذا أخذ الورثة مثليه؛ لأنه ربما تلف المال الغائب. فيؤدي إلى ضرر الورثة.

وأما كونه كلما اقتضى من [الدين شيء أو حضر من](1) الغائب شيء يملك من الموصى به قدر ثلثه حتى يملكه كله؛ فلأنه موصى له به يخرج من ثلثه. وإنما منع من ذلك قبل ذلك؛ لأجل حق الورثة، وقد زال.

وأما كون الحكم في المدبر كالحكم في الوصية بالمعين؛ فلأن التدبير وصية بالعتق. فكان حكمه حكم الوصية لآدمي.

فعلى هذا إذا دبّر عبده ثم مات وله مالٌ غائب، أو دين في ذمة موسرٍ، أو معسرٍ عتق من العبد قدر ثلثه، وكلما اقتضى من الدين شيء أو حضر من الغائب شيء عتق من العبد بقدر ثلثه حتى يعتق كله.

قال: (وإن وصى له بثلث عبدٍ فاستحق ثلثاه فله الثلث الباقي. وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبدٍ فاستحق اثنان منهم أو ماتا فله ثلث الباقي).

أما كون الموصى له بثلث عبدٍ له الثلث الباقي إن (2) استحق ثلثاه؛ فلأن الوصية بثلثٍ مشاعٍ. فمتى صادفت (3) ملكاً وجب أن تصح، وذلك حاصلٌ هاهنا؛ لكون ثلث العبد ملكه.

ولا بد أن يُلحظ أن الموصي له مال يخرج ثلث العبد من ثلثه؛ لأنه إذا لم يكن له غير العبد لم تصح الوصية إلا في تسعه إلا أن يجيز الورثة.

وأما كونه له ثلث الباقي فيما إذا أوصى له بثلث ثلاثة أعبد فاستحق منهم

(1) مثل السابق.

(2)

في هـ: وإن.

(3)

في هـ: صادف.

ص: 264

اثنان أو ماتا؛ فلأن الوصية مشاعةٌ في كل واحدٍ. فإذا تبين أن عبدين مستحقان للغير أو ماتا تبين بطلان الوصية بثلثيهما؛ لأن شرط صحة الوصية: أن يكون الموصى به مملوكاً للموصي، ولم يوجد ذلك في العبدين المستحقين أو الميتين ووجد ذلك في العبد الباقي. فوجب أن تصح فيه. عملاً بمقتضيه السالم عن معارضه.

قال: (وإن وصى له (1) بعبدٍ لا يملك غيره قيمته مائة، ولآخر بثلث ماله وملكه غير العبد مائتان فأجاز الورثة: فللموصى له بالثلث ثلث المائتين وربُع العبد، وللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه).

أما كون الموصى له بالثلث له (2) ثلث المائتين؛ فلأنه موصى له بالثلث ولا معارض له في المائتين. فوجب أن يكون له ثلثها. عملاً بوصيته السالمة عن المعارض.

وأما كونه له ربع العبد؛ فلأنه موصى له بثلثه وللآخر بكله، والشيء لا يزيد على كله، وليس طرح وصية أحدهما أولى من الآخر. فوجب ازدحامهما في العبد، وجعل كل ثلث ربعاً؛ كالعول (3) في الميراث.

وأما كون الموصى له بالعبد له (4) ثلاثة أرباعه؛ فلأن الكل ثلاثة أثلاث، وقد صار كل ثلثٍ ربعاً.

قال: (وإن ردّوا فقال الخرقي: للموصى له بالثلث سدس المائتين وسدس العبد، وللموصى له بالعبد نصفه. وعندي أنه يقسم الثلث بينهما على قدر مالهما في حال الإجازة: لصاحب الثلث خمس المائتين وعشر العبد ونصف عشره، ولصاحب العبد ربعه وخمسه).

أما كون الموصى له بالثلث له سدس المائتين وسدس العبد وللموصى له بالعبد نصفه إذا ردّ الورثة على قول الخرقي؛ فلأن الوصية ترجع في الرد إلى الثلث،

(1) زيادة من ج.

(2)

ساقط من هـ.

(3)

في هـ: كالقول.

(4)

ساقط من هـ.

ص: 265

وثلث المال هنا مائة، والوصية مائتان، والعبد قيمته مائة، وثلث المال قدره (1) مائة. نسبة الثلث الذي هو مائة إلى الوصية التي هي مائتان بالنصف. فمن أوصي له بشيءٍ يجب أن يرجع إلى نصفه. فالموصى له بثلث المال له نصفه وهو سدس العبد وسدس المائتين، والموصى له بالعبد له نصفه؛ لأنه نصف وصيته.

وأما كون الثلث يقسم بين الموصى لهما على قدر مالهما في حال الإجازة عند المصنف رحمه الله؛ فلأن وصية صاحب العبد دون وصية صاحب الثلث؛ لأنه وصى له بشيء شَرَّك معه غيره فيه، وصاحب الثلث أفرده بشيء لم يشرك معه غيره فيه. فوجب أن يقسم بينهما؛ كما ذكر؛ كسائر الوصايا.

وأما كون صاحب الثلث على هذا له خمس المائتين وعشر العبد ونصف عشره، وصاحب العبد له ربعه وخمسه؛ فلأنهما كان لهما في حال الإجازة العبد قيمته مائة وثلث المائتين وهو ستة وستون وثلثا درهم، ونسبة الثلث إلى ذلك ثلاثة أخماسه. فمن له شيءٌ يرد إلى ثلاثة أخماسه: فالموصى له بالثلث كان له ستة وستون وثلثان فترد إلى ثلاثة أخماسها وهي أربعون وذلك خمس المائتين وكان له من العبد ربعه، قيمته خمسة وعشرون فترد إلى ثلاثة أخماسها وهي خمسة عشر وذلك قيمة عشر العبد ونصف عشره، والموصى له بالعبد كان له ثلاثة أرباعه قيمتها خمسة وسبعون فترد إلى ثلاثة أخماسها، وهي خمسةٌ وأربعون، وذلك قيمة ربع العبد وخمسه. فيكون له من العبد ذلك.

قال: (وإن كانت الوصية بالنصف مكان الثلث فأجازوا فله مائة وثلث العبد، ولصاحب العبد ثلثاه. وإن ردّوا فلصاحب النصف ربع المائتين وسدس العبد ولصاحب العبد ثلثه. وقال أبو الخطاب: لصاحب النصف خمس المائتين وخمس (2) العبد، ولصاحب العبد خمساه. وهو قياس قول الخرقي).

أما كون الموصى له بالنصف له مائة مكان الثلث إذا أجاز (3) الورثة على قول

(1) في هـ: قده.

(2)

في هـ: وسدس.

(3)

في هـ: أجازوا.

ص: 266

غير أبي الخطاب؛ فلأن المائتين موصاً له (1) بنصفها، ولا مزاحم فيها. فاستحق نصفها، وذلك مائة.

وأما كونه له ثلث العبد؛ فلأنه موصى له بنصفه، وللآخر بكله، وذلك نصفان. فرجع النصف إلى الثلث.

وأما كون صاحب العبد له ثلثاه؛ فلأن له نصفين، وقد رجع النصف إلى الثلث.

وأما كون الموصى له بالنصف له ربع المائتين وسدس العبد، وصاحب العبد له ثلثه إذا ردّ الورثة على اختيار المصنف؛ فلأن لهما في حال الإجازة العبد قيمته مائة، ومن المائتين مائة. فمجموع ذلك مائتان، ونسبة الثلث إليهما بالنصف. فمن له شيءٌ يرد إلى نصفه: لصاحب نصف المائتين ربعها وله من العبد سدسيه (2)؛ لأن له ثلثه في حال الإجازة، ولصاحب العبد ثلثه؛ لأن له في حال الإجازة ثلثيه.

وأما كون صاحب النصف له خُمس المائتين وخمس العبد، وصاحب العبد له خمساه على قول أبي الخطاب؛ فلأن الوصية هنا بمائتين وخمسين بالعبد وقيمته مائة وبنصف المال وهو مائة وخمسون. ونسبة الثلث إلى ذلك بالخمسين. فمن أوصي له بشيء يردّ إلى خمسيه: فالموصى له بالنصف له خمس المائتين وخمس العبد؛ لأن ذلك خمسا وصيته، وللموصى له بالعبد خمساه كذلك.

وإنما قال المصنف رحمه الله: وهو قياس قول الخرقي أي (3) فيما تقدم؛ لأن العمل فيهما على نمطٍ واحد.

(1) زيادة من ج.

(2)

في هـ: سدسه.

(3)

ساقط من هـ.

ص: 267

قال: (والطريق فيها: أن ينظر ما حصل لهما في حال الإجازة فينسب إليه ثلث المال، ويعطى كل واحدٍ مما كان له في الإجازة بمثل نسبة الثلث إليه. وعلى قول الخرقي: تنسب الثلث إلى وصيتهما جميعاً، ويعطى كل واحدٍ مما له في الإجازة مثل تلك النسبة).

أما كون الطريق كما ذكره؛ فلأنه موصلٌ إلى المقصود.

وأما كونها (1) مختلفة؛ فلاختلاف الحكم المتقدم في ذلك. وعلى طالب بيان ذلك: تأمل ما تقدم ذكره؛ للاختلاف في الأحكام المذكورة.

قال: (وإن وصى له بثلث ماله، ولآخر بمائة، ولثالث بتمام الثلث. فلم يزد الثلث عن (2) المائة: بطلت وصية صاحب التمام وقسمت الثلث بين الآخرين على قدر وصيتهما. وإن زاد عن المائة فأجاز الورثة نفذت الوصية على ما قال الموصي. وإن ردوه فلكل واحدٍ نصف وصيته عندي. وقال القاضي: ليس لصاحب التمام شيء حتى تكمل المائة لصاحبها، ثم يكون له ما فضل عنها. ويجوز أن يزاحم به، ولا يعطيه؛ كولد الأب مع ولد الأبوين في مزاحمة الجد).

أما كون وصية صاحب التمام تبطل إذا لم يزد الثلث عن المائة؛ فلأنها لم تصادف محلاً. فبطلت؛ كما لو وصى له بمائة فمات ولا شيء له.

وأما كون الثلث يقسم بين الآخرَيْن؛ فلأنه مستحَقٌّ لهما لا غير.

وأما كون القسمة على قدر وصيتهما؛ فلأنهما إنما استحقا بها.

فعلى هذا إن كان المال مَثَلاً ثلثمائة: كان الموصى له بالثلث يدلي بمائة، والموصى له بمائة يدلي بها. فإذا قسم الثلث بينهما وهو مائة كان بينهما نصفين. فيكون لكل واحدٍ خمسون.

وأما كون الوصية تنفذ على ما قال الموصي إذا زاد الثلث عن المائة وأجاز الورثة؛ فلأن الحق للورثة. فإذا رضوا بإسقاطه سقط.

فإن قيل: ماذا يحصل لكل واحد؟

قيل: إذا كان المال مثلاً ستمائة حصل للموصى له بالثلث مائتان، ولصاحب

(1) في هـ: كونهما.

(2)

في هـ: على.

ص: 268

المائة مائة، وللموصى له بتمام الثلث مائة.

وأما كون كل واحدٍ له نصف وصيته عند المصنف إذا ردّ الورثة؛ فلأن الإجازة وقعت بالثلثين، ونسبة الثلث إلى الثلثين بالنصف. فمن له شيء يرجع إلى نصفه.

وأما كون صاحب التمام ليس له شيءٌ حتى تكمل المائة لصاحبها ثم يكون له ما فضل عنها على قول القاضي؛ فلأنه إذا لم يفضل عن الثلث من المائة شيء لم تصادف وصيته محلاً.

وأما كونه يجوز أن يزاحم به ولا يعطيه كولد الأب مع ولد الأبوين في مزاحمة الجد؛ فبالقياس عليه.

فعلى هذا إذا كان المال مَثَلاً ستمائة قسّم الثلث بينهم على أربعة؛ لأن صاحب الثلث يدلي بمائتين، وصاحب المائة بمائة، وصاحب تمام الثلث بمائة. فيحصل لصاحب الثلث نصف الثلث وهو مائة، ولصاحب المائة مائة (1): خمسون بمائته (2)، وخمسون بمزاحمة صاحب التمام.

(1) ساقط من أ.

(2)

في هـ: بوصيته.

ص: 269

باب الوصية بالأنصباء والأجزاء

الأنصباء: جمع نصيب؛ مثل: صديق وأصدقاء. والأجزاء جمع جزء؛ مثل: قفل وأقفال (1).

قال المصنف رحمه الله: (إذا وصى له بمثل نصيب وارثٍ معينٍ فله مثل نصيبه مضموماً إلى المسألة. فإذا أوصى بمثل نصيب ابنه (2) وله ابنان فله الثلث، وإن كانوا ثلاثة فله الربع. فإن كان معهم بنت فله التسعان).

أما كون الموصى له بمثل نصيب وارث معين له مثل نصيب ذلك الوارث؛ فلأن الموصي جعل إرثه أصلاً، وجعل للموصى له مثل نصيبه. فوجب أن يكون له مثل نصيبه من غير زيادة ولا نقصان؛ لأنهما ينافيان (3) المثلية.

وأما قول المصنف رحمه الله: مضموماً إلى المسألة. فمعناه: أنه يؤخذ مثل نصيب المعين ويزاد على ما تصح منه مسألة الورثة؛ لأنه لو أخذ مثله من الأصل ثم قسم الباقي على الورثة لحصل المعين أقل من الموصى له وذلك ينافي المثلية. وسيظهر هذا بالعمل فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وأما كون الموصى له بمثل نصيب ابنه له الثلث إذا كان للموصى ابنان؛ فلأن ذلك مثل ما يحصل لابنه، وذلك أن الثلث إذا خرج بقي ثلثا المال فإذا قسم ذلك على الابنين كان لكل ابنٍ ثلث.

وأما كونه له الربع إذا كان البنون ثلاثة؛ فلما ذكر قبل.

وأما كونه له التسعان إذا كان مع البنين الثلاثة بنت؛ فلأن البنت بواحدٍ والبنين الثلاثة بستة، والموصى له باثنين فتكون الجملة تسعة: للموصى له ابنان وهما تسعا المال ولكل ابنٍ تسعان وللبنت تسع.

قال: (وإن وصّى له بنصيب ابنه فكذلك في أحد الوجهين، وفي الآخر: لا

(1) سقط لفظي: قفل وأقفال من هـ.

(2)

في هـ: أبيه.

(3)

في هـ: ينافان.

ص: 270

تصح).

أما كون الوصية بنصيب ابنه كالوصية بمثل نصيب ابنه في وجهٍ؛ فلأنه أمكن تصحيح كلام الموصى بحمله على المجاز. فوجب أن يصح؛ كما لو طلّق بلفظ الكناية أو أعتق.

وأما كونها لا تصح في وجهٍ؛ فلأنها وصية بحق الوارث؛ لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة. فلم تصح؛ كما لو أوصى بدار ابنه أو بما يأخذه.

والأولى أولى؛ لأنه لو أوصى بجميع ماله صح. وإن تضمنت الوصيةُ بذلك الوصيةَ بنصيب الورثة كلهم. فكذلك هاهنا.

ولأن الحقيقة متى تعذرت تعين المجاز وقد تعذرت الحقيقة هاهنا؛ لأن الأصل في كلام المكلف الصحة.

فإن قيل: ما المجاز هاهنا؟

قيل: هو من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. والتقدير بمثل نصيب ابنه، وذلك شائعٌ وسائغٌ في القرآن والشعر.

قال: (وإن وصى بضعف نصيب ابنه (1) أو بضعفيه فله مثله مرتين. وإن وصى بمثل ثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله. هذا الصحيح عندي. وقال أصحابنا: ضعفاه (2) ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله كلما زاد ضعفاً زاد مرةً واحدة).

أما كون الموصى له بضعف نصيب ابن الموصي: له مثل نصيبه مرتين؛ فلأن ضعف الشيء مثلاه قال الله تعالى: {إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} [الإسراء: 75]، والمراد به: مِثلا الحياة ومِثلا الممات. وقال الله تعالى: {وما آتيتم من زكاةٍ تريدون وجه الله فأولئك هم المُضْعِفون} [الروم: 39]. ويروى عن عمر رضي الله عنه «أنهُ أضعفَ الزكاة على نصارى بني تغلب فكان يأخذُ من المائتين عشرة» (3).

(1) في هـ: أبيه.

(2)

في هـ: له.

(3)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (71) ص: 32 كتاب سنن الفيء، باب أخذ الجزية من عرب أهل الكتاب.

ص: 271

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: ضعف الشيء هو ومثله.

وأما كون الموصى له بضعفي نصيب ابن الموصي: له مثلاه أيضاً عند المصنف؛ فلأن الله تعالى قال: {فآتت أكلها ضعفين} [البقرة: 265].

قال عكرمة: تحمل في كل عام مرتين.

وقال: {يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30] والمراد مرتان؛ لأن الله تعالى قال: {نؤتها أجرها مرتين} [الأحزاب: 31]، ويبعد أن يجعل على الفاحشة ثلاثاً؛ لأن المعهود من كرمه تقليل الجزاء على السيئة لا تكثيره.

وأما كونه له ثلاثة أمثاله على قول أصحابنا؛ فلأن أبا عبيدة قال: ضعف الشيء هو ومثلاه.

وأما كون الموصى به كلما زاد ضعفاً زاد مرةً عند الكل على اختلاف أحوالهم؛ فلأن الزيادة لا بدّ لها من أثر، وأقل الأعداد المرة.

فعلى هذا ثلاثة أضعاف نصيب ابنه أربعة أمثاله وأربعة أضعافه خمسة أمثاله. وعلى هذا فقس.

قال: (وإن وصّى بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه: كان له مثل ما لأقلهم نصيباً. فلو كان له ابنٌ وأربع زوجات صحت من اثنين وثلاثين: لكل امرأة سهم، وللوصي (1) سهم يزاد عليها فتصير من ثلاثة وثلاثين).

أما كون الموصى له بمثل ما ذُكر يكون له مثل ما لأقل الورثة نصيباً؛ فلأنه المتيقن. فلا يعدل عنه (2) إلى غيره مع الشك فيه.

وأما كون المسألة المذكورة تصح من اثنين وثلاثين؛ فلأن أصلها من ثمانية؛ لأن فيها ثمناً، وما بقي (3) للزوجات سهم من ثمانية. على أربعة لا تصح ولا توافق. اضرب أربعة في ثمانية تكن اثنين وثلاثين.

وأما كون الوصي (4) له سهم؛ فلأن كل زوجة لها سهم وذلك أقل الورثة نصيباً.

(1) في هـ: وللموصي.

(2)

في هـ: منه.

(3)

في هـ: وبقي.

(4)

في هـ: الموصي.

ص: 272

وقد تقدم أن الموصى له بمثل نصيب أحد ورثة الموصي: له مثل ما لأقلهم نصيباً.

وأما كون السهم الموصى به يضم إلى المسألة؛ فلما ذكر قبل.

فعلى هذا تكون المسألة المذكورة من ثلاثة وثلاثين: للموصى له سهم، وللزوجات أربعة، وللابن ثمانية وعشرون.

قال: (فلو أوصى له بمثل نصيب وارث لو كان فله (1) مثل ما له لو كانت الوصية وهو موجود. فلو كان الوارث أربعة بنين: فللوصي السدس، وإن كانوا ثلاثة فله الخمس).

أما كون الموصى له بما ذُكر له مثل ما لو كانت الوصية وهو موجود؛ فلأنه قَدَّر وجوده بقوله: لو كان.

وأما كونه له السدس إذا كان الوارث أربعة بنين؛ فلأنهم أربعة، والوارث المقدر وجوده، والموصى له. ومجموع ذلك ستة.

وأما كونه له الخمس إذا كان الوارث ثلاثة؛ فلأنهم ثلاثة، والوارث المقدر وجوده، والموصى له. ومجموع ذلك خمسة.

فإن قيل: من كم يصح ما ذكر؟

قيل: تصح المسألة الأولى من أربعة وعشرين؛ لأن الموصى له: له (2) سهم من ستة يبقى خمسة. على أربعة لا تصح ولا توافق. اضرب ستة في أربعة تكن أربعة وعشرين: للموصى له أربعة، ولكل ابنٍ خمسة. وعلى هذا فقس المسألة الثانية.

قال: (ولو كانوا أربعة فأوصى بمثل نصيب خامس لو كان إلا مثل نصيب سادس لو كان: فقد أوصى له بالخمس إلا السدس بعد الوصية فيكون له سهم يزاد (3) على ثلاثين سهماً. وتصح من اثنين وستين: له منها سهمان ولكل ابنٍ خمسة عشر).

أما كون الموصى له بما ذُكر موصى له بالخمس إلا السدس: أما الأول؛ فلأن

(1) في هـ: قبله فله.

(2)

ساقط من هـ.

(3)

في هـ: فقد أوصى له بالخمس إلا السدس فيكون لهم فيزاد.

ص: 273

الخامس لو كان موجوداً لاستحق الخمس وهو موصى له بمثله. وأما الثاني؛ فلأن الموصي استثنى مثل نصيب سادس لو كان، ولو كان السادس موجوداً لاستحق السدس.

وأما كونه له سهم يزاد على ثلاثين سهماً؛ فلما ذكر قبل.

وأما كون المسألة تصح من اثنين وستين؛ فلأنك تأخذ مالاً إذا استثنيت سدسه من خمسه يبقى بعده سهم صحيح، وأقل ما يمكن ذلك في ثلاثين؛ لأن خمسها ستة وسدسها [خمسة. فإذا أخذت](1) خمسة من ستة بقي واحد. ثم ضم السهم الحاصل بالوصية إلى المال لما ذكر قبل. فإذا أعطيت الموصى له السهم وقسّمت الثلاثين على الورثة الأربعة يطلع لكل واحدٍ سبعة ونصف. اضرب واحداً وثلاثين في مخرج النصف وهو اثنان تكن اثنين وستين.

(1) ساقط من هـ.

ص: 274

فصل في الوصية بالأجزاء

قال المصنف رحمه الله: (إذا وصّى له بجزءٍ، أو حظٍّ، أو نصيبٍ، أو شيءٍ: فللورثة أن يعطوه ما شاءوا. وإن وصى له بسهمٍ من ماله ففيه ثلاث روايات:

إحداهن: له السدس بمنزلة سدسٍ مفروضٍ إن لم تكمل فروض المسألة أو كانوا عصبة أعطي سُدساً كاملاً، وإن كملت فروضها أعيلت به. وإن عالت أعيل معها.

والثانية: له سهمٌ مما تصح منه المسألة ما لم يزد على السدس.

والثالثة: له مثل نصيب أقل الورثة ما لم يزد على السدس).

أما كون ورثة الموصي: لهم أن يعطوا الموصى له بجزءٍ أو حظٍ أو نصيبٍ أو شيءٍ ما شاءوا؛ فلأن أي شيء أعطوه يقع عليه ذلك.

وأما كون الموصى له بسهمٍ له السدس على المذهب؛ فلأن ابن مسعود روى «أن رجلاً أوصَى لرجلٍ بسهمٍ من المالِ فأعطاهُ النبي صلى الله عليه وسلم السدس» (1).

ولأن السهم في كلام العرب السدس.

قال إياس بن معاوية: السهم في كلام العرب السدس.

وإذا كان كذلك وجب صرفه إليه؛ كما لو تلفظ به.

ولأنه قول علي وابن مسعود، ولا مخالف لهما في الصحابة.

ولأن السدس أقل مفروضٍ يرثه ذو قرابةٍ. فوجب أن تنصرف الوصية إليه لتيقُّنه.

وأما كون السدس المذكور بمنزلة سدسٍ مفروضٍ؛ فلأنه يساويه معنى. فكذا يجب أن يكون حكماً.

وأما قول المصنف: إن لم تكمل فروض المسألة

إلى قوله: أعيل معها

(1) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4: 213 كتاب الوصايا، باب فيمن أوصى بسهم من ماله، وعزاه للطبراني في الأوسط.

ص: 275

فتفصيلٌ لقوله (1): له السدس بمنزلة سدس مفروض؛ لأن الموصى له تارة يعطى السدس كاملاً من غير عولٍ، وتارة يعطاه عائلاً به فقط، وتارة يعطاه عائلاً به وبغيره.

وأما كونه يعطى سدساً كاملاً إذا لم تكمل فروض المسألة؛ فلأنه لا مزاحم له. ضرورة أن المسألة تَسَعُه وتسَعُ أرباب الفروض.

ولأن سدسه بمنزلة سدسٍ مفروضٍ، وصاحب السدس المفروض يعطى سدساً كاملاً. فكذلك من هو بمنزلته.

وأما كونه يعطى سدساً كاملاً إذا كان الورثة عصبة؛ فلأن الفرض يقدم على العصبة.

فإن قيل: ما مثال المسألتين؟

قيل: أما مثال ذلك إذا لم تكمل فروض المسألة (2): فأن يخلّف بنتاً وبنت ابن وأُماً. فالمسألة من ستة، وترجع بالرد إلى خمسة، وللموصى له سدس فيكمل به (3) المال.

وأما مثال ذلك إذا كانت الورثة عصبة: فأن يخلّف خمسة بنين فالمسألة من ستة: لكل ابنٍ سهم، وللموصى له سهم.

وأما كون فروض المسألة تُعال بالسدس الموصى به إذا كملت؛ فلأنه يزاد عليها. فيلزم العول.

فإن قيل: ما مثال ذلك؟

قيل: ما لو مات (4) الموصي وترك أختين لأب وأختين لأم. فالمسألة من ثلاثة: للأختين لأب اثنان، وللأختين لأم سهم. على اثنين لا يصح. اضرب ثلاثة في اثنين تكن ستة. ثم أضف السدس وهو سهم إلى ذلك تكن سبعة: لكل أختٍ لأب سهمان، ولكل أختٍ لأم سهم، وللموصى له سهم.

(1) في هـ: قوله.

(2)

في هـ: قيل فرض المسألة.

(3)

في هـ: فكمل بها.

(4)

في هـ: قيل مات.

ص: 276

وأما كون السهم الموصى به يُعال مع المسألة [إذا عالت؛ فلأن سهمه يُضاف إلى المسألة العائلة.

فإن قيل: ما مثال ذلك؟

قيل: أن يزاد في المسألة] (1) المذكورة أمٌّ. فالمسألة من ستة، وتعول إلى سبعة، وتصير بالسهم الموصى به إلى ثمانية: لكل أختٍ لأب سهمان، ولكل أختٍ لأم سهم، وللموصى له سهم.

وأما كون الموصى له بسهم له سهم مما تصح منه المسألة ما لم تزد على السدس على روايةٍ؛ فلأن الظاهر من حال الموصي أنه قصد سهام مسألته فانصرف إليها؛ كما لو قال: فريضتي كذا وكذا سهماً. له منها سهم.

وإنما اشترط في ذلك عدم الزيادة على السدس؛ لأن السدس أقل سهم يرثه ذو فرضٍ فلا يزاد عليه؛ لأن الزائد مشكوكٌ فيه.

وأما كونه له مثل نصيب أحد الورثة ما لم يزد على السدس على روايةٍ؛ فلأن نصيب أحد الورثة اليقين. فلا يزاد عليه.

قال: (وإن وصّى له بجزءٍ معلومٍ كثلثٍ وربعٍ: أَخَذْتَه من مخرجه فدفعته إليه وقسَّمت الباقي على مسألة الورثة. إلا أن يزيد على الثلث ولا يجيزوا له فيفرض له الثلث ويقسم الثلثين عليها).

أما كون عامل المسألة يأخذ الجزء (2) من مخرجه؛ فليكون (3) ذلك صحيحاً.

فعلى هذا إذا كانت الوصية بثلث فالمخرج ثلاثة، وإن كانت بالربع فالمخرج أربعة.

وأما كونه يدفع ذلك إلى الموصى له إذا لم يزد على الثلث ولا يجيزه الورثة؛ فلأن الموصى له به. فلا يتوقف على قول أحد.

وأما كونه يقسّم الباقي على مسألة الورثة؛ فلأن ذلك حقه.

فعلى هذا لو كانوا (4) ابنين والوصية بالثلث كان لكل واحدٍ سهم. ولو كانوا

(1) ساقط من هـ.

(2)

سقط لفظي: يأخذ الجزء من هـ.

(3)

في هـ: فيلكن.

(4)

في هـ: كان.

ص: 277

ثلاثة والوصية بالربع كان لكل واحدٍ سهم. ولو كانوا ابنين ضربنا الأربعة في اثنين تكن ثمانية: لكل ابنٍ ثلاثة، وللموصى له سهمان.

وأما كونه يفرض للموصى له الثلث إذا زاد الموصى به على الثلث ولا يجيزوه الورثة؛ فلأن الوصية بالزائد على الثلث لا تنفذ في الزائد مع عدم الإجازة وحينئذٍ يتعين فرض الثلث؛ لأنه لا يعتبر فيه ذلك.

وأما كونه يقسّم الثلثين على مسألة الورثة؛ فلما تقدم. وسيتضح ذلك بعد إن شاء الله تعالى.

قال: (وإن وصّى بجزئين أو أكثر: أَخَذْتَها من مخرجها، وقسّمت الباقي على المسألة. فإن زاد على الثلث وردّ الورثة جعلت السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال، ودفعتَ الثلثين إلى الورثة. فلو وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربعه، وخلّف ابنين: أخذتَ الثلث والربع من مخرجهما سبعة من اثني عشر يبقى خمسة للابنين إن أجازا (1)، وإن ردّا جعلت السبعة ثلث المال فتكون المسألة من أحدٍ وعشرين).

أما كون عامل المسألة يأخذ الجزئين أو أكثر من مخرجها، وكونه يقسّم الباقي على المسألة؛ فلما تقدم في الجزء.

وأما كونه يجعل السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال إذا ردّ الورثة؛ فليقسم ذلك بين الأوصياء بلا كسر.

وأما كونه يدفع الثلثين إلى الورثة؛ فلأنهما حقهم.

فعلى هذا لو وصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بربعه، وخلّف ابنين كانت المسألة من اثني عشر؛ لأنها مخرج الثلث والربع؛ لأن الثلث من ثلاثة والربع من أربعة فاضرب ثلاثة في أربعة كانت اثني عشرة. فإن أجاز الورثة كان للموصى لهما سبعة من اثني عشر وكان للابنين خمسة. وتصح من أربعة وعشرين: للموصى

(1) في هـ: أجازوا.

ص: 278

له بالثلث ثمانية، وللموصى له بالربع ستة، ولكل ابنٍ خمسة. وإن ردّا (1) كانت المسألة من أحد وعشرين: للموصى لهما ثلث ذلك سبعة بينهما على قدر وصيتهما. فيكون للموصى له بالثلث أربعة، وللموصى له بالربع ثلاثة، وثلثان للابنين لكل واحدٍ سبعة.

قال: (وإن أجازا لأحدهما دون الآخر، أو أجاز أحدهما لهما دون الآخر، أو أجاز كل واحدٍ لواحد: فاضرب وفق مسألة الإجازة وهو ثمانية في مسألة الرد تكن مائة وثمانية وستين: للذي أجيز له سهمه من مسألة الإجازة مضروب في وفق مسألة الرد، وللذي ردّ عليه سهمه من مسألة الرد في وفق مسألة الإجازة، والباقي للورثة، وللذي أجاز لهما نصيبه من مسألة الإجازة في وفق مسألة الرد، وللآخر سهمه من مسألة الرد في وفق مسألة الإجازة، والباقي بين الوصيتين على سبعة).

أما (2) كون عامل المسألة المذكورة يضرب وفق مسألة الإجازة في مسألة الرد؛ فلتصح المسألتان من عددٍ واحد.

وأما كون وفق مسألة الإجازة ثمانية؛ فلأنها من أربعةٍ وعشرين لما تقدم. ومسألة الرد من أحدٍ وعشرين، وبينهما توافق بالأثلاث، وثلث مسألة الإجازة ثمانية.

وأما كون ذلك يكون مائة وثمانية وستين؛ فلأن الثمانية التي هي وفق مسألة الإجازة إذا ضربت في أحدٍ وعشرين كان مبلغ الخارج بالضرب ذلك.

وأما كون الذي أجيز له سهمه من مسألة الإجازة مضروب في وفق مسألة الرد؛ فلأنه مجاز له.

وأما كون الذي ردّ عليه له (3) سهمه من مسألة الرد مضروب في وفق مسألة الإجازة؛ فلأنه مردودٌ عليه.

وأما كون الباقي للورثة؛ فلأنه حقهم.

(1) في هـ: رد.

(2)

في هـ: وأما.

(3)

ساقط من هـ.

ص: 279

فعلى هذا إن أجازا للموصى له بالثلث دون صاحب الربع كان له من مسألة الإجازة ثمانية؛ لأنها ثلثها وهو موصى له بذلك. مضروبةٌ في وفق مسألة الرد وهو سبعة: تكون ستة وخمسين. وذلك ثلث جميع العدد المذكور، وكان للموصى له بالربع ثلاثة من مسألة الرد مضروبة في وفق مسألة الإجازة وهو ثمانية يكون ذلك أربعة وعشرين، والباقي وهو ثمانية وثمانون: للابنين لكل ابنٍ أربعة وأربعون. وإن أجازا (1) للموصى له بالربع كان له سهمه من مسألة الإجازة وهو ستة مضروبة في وفق مسألة الرد وهو سبعة تكن اثنين وأربعين، وكان للموصى له بالثلث المردود عليه سهمه من مسألة الرد وهو أربعة مضروبة في وفق مسألة الإجازة وهي ثمانية تكن اثنين وثلاثين والباقي وهو أربعة وتسعون: للابنين لكل ابنٍ سبعة وأربعون.

وأما كون الذي أجاز لهما نصيبه من مسألة الإجازة في وفق مسألة الرد؛ فلأنه مجيز.

وأما كون الآخر له سهمه من مسألة الرد في وفق مسألة الإجازة؛ فلأنه رادٌّ.

وأما كون الباقي بين الوصيتين على سبعة؛ فلأنه لهما فيقسّم بينهما على قدر حقوقهما.

فعلى هذا للذي أجاز خمسة من مسألة الإجازة مضروبة في سبعة وفق مسألة الرد تكون خمسة وثلاثين، وللذي ردّ سبعة من مسألة الرد مضروبة في ثمانية وفق مسألة الإجازة تكون ستة وخمسين، والباقي وهو سبعة وسبعون مقسوم بين الوصيتين على سبعة لصاحب الثلث أربعة وأربعون، ولصاحب الربع ثلاثة وثلاثون.

فإن قيل: لم يذكر المصنف رحمه الله ما للمجاز له والمردود عليه وما للمجيز وللراد إذا أجاز كل واحدٍ لواحد؟

قيل: إذا أجاز الأكبر مَثَلاً لصاحب الثلث والأصغر لصاحب الربع: كان لصاحب الثلث نصف ما كان يحصل له في الإجازة وهو ثمانية وعشرون، ونصف ما كان يحصل له في الرد وهو ستة عشر. فمجموع ذلك أربعة وأربعون، وكان لصاحب الربع كذلك وهو أحدٌ وعشرون في الإجازة واثنا عشر في الرد ومجموع

(1) في هـ: أجازوا.

ص: 280

ذلك ثلاثة وثلاثون، وكان للأكبر المجيز لصاحب الثلث أربعة وأربعون وللأصغر المجيز لصاحب الربع سبعة وأربعون، وإذا أجاز الأكبر لصاحب الربع والأصغر لصاحب الثلث كان لصاحب الربع ثلاثة وثلاثون ولصاحب الثلث أربعة وأربعون، وللأكبر ما كان للأصغر وهو سبعة وأربعون، وللأصغر ما كان للأكبر وهو أربعة وأربعون.

ص: 281

فصل [إذا زادت الوصايا على المال]

قال المصنف رحمه الله: (وإن زادت الوصايا على المال عملت فيها عملك في مسائل العول. فإذا وصّى بنصف وثلث وربع وسدس: أخذتَها من اثني عشر وعالت إلى خمسة عشر. فيقسّم المال كذلك إن أجيز لهم، أو الثلث إن ردّ عليهم).

أما كون عامل مسائل الوصايا إذا زادت على المال يعمل فيها كالعمل في مسائل العول؛ فلأن أصحاب الوصايا اشتركوا في استحقاق المال. أشبهوا الوارث الذين عالت مسائلهم.

وأما كونه يأخذ الوصايا بنصف وثلث وربع وسدس من اثني عشر؛ فلأن أقل عددٍ له نصف وثلث وربع وسدس ذلك.

وأما كونها تعول إلى خمسة عشر؛ فلأن النصف ستة، والثلث أربعة، والربع ثلاثة، والسدس اثنان.

وأما كون المال كله يقسم على أرباب الوصايا على قدر حقوقهم -وهو المعني بقول المصنف: كذلك إن أجيز لهم -؛ فلأن الورثة أجازوا، ولم يبق لهم فيه شيء.

وأما كون الثلث يقسّم عليهم كما تقدم إذا ردّ عليهم؛ فلأن الوصية به لا حق لأحدٍ فيه، والزائد لا حق لهم فيه؛ لأن الوصية لا تنفذ في الزيادة على الثلث إلا بالإجازة ولم توجد. فعلى الإجازة: لصاحب النصف ستة، ولصاحب الثلث أربعة، ولصاحب الربع ثلاثة. وعلى الرد تصح المسألة من خمسة وأربعين إذا كان الوارث ابناً واحداً أو ابنين أو ثلاثة أو خمسة أو ستة أو عشرة: لأرباب الوصايا خمسة عشر مقسومة على ما تقدم ذكره، والباقي بين الورثة على حسب عددهم.

قال: (وإن وصّى لرجلٍ بجميع ماله، ولآخر بنصفه: فالمال بينهما على ثلاثةٍ إن أجيز لهما، والثُّلُث على ثلاثة مع الردّ).

أما كون المال يقسّم بين الموصى لهما على ثلاثةٍ إذا أجيز لهما؛ فلأن الموصى له بالكل يدلي بمثلي وصية صاحب النصف.

ص: 282

فعلى هذا لصاحب الكل اثنان من ثلاثة ولصاحب النصف واحد.

وأما كون الثلث يقسم بينهما على ثلاثةٍ؛ فلما تقدم قبل.

فعلى هذا تصح المسألة من تسعة: ثلاثة للموصى لهما على ما تقدم، وستة للورثة.

قال: (فإن أجيز لصاحب المال وحده: فلصاحب النصف التسع، والباقي لصاحب المال في أحد الوجهين، وفي الآخر: ليس له إلا ثلثا المال التي كانت له في حال الإجازة لهما. ويبقى التسعان للورثة).

أما كون صاحب النصف له التسع إذا أجيز لصاحب المال وحده؛ فلأن الثلث بينه وبينه. فيقسم بينهما على ثلاثة كما تقدم: لصاحب النصف ثلُثُه وذلك هو التسع.

وأما كون الباقي -وهو ثمانية أتساع- لصاحب المال في وجهٍ؛ فلأنه موصى له بالمال كله، وإنما منع من ذلك في حال الإجازة لهما لمزاحمة صاحبه له. فإذا زالت المزاحمة في الباقي كان له.

وأما كونه ليس له إلا ثلثا ما كان له في حال الإجازة في وجهٍ؛ فلأن الإجازة له وحده بمنزلة الإجازة لهما، وليس له في حال الإجازة لهما إلا ذلك. فكذلك فيما هو بمنزلته.

وأما كون التسعين يبقيان للورثة؛ فلأنه لا مزاحم لهم فيهما. ضرورة أخذ كل واحدٍ من الموصى له ما وُصي له.

قال: (وإن أجازوا لصاحب النصف وحده: فله النصف في الوجه الأول، وفي الآخر: له الثلث، ولصاحب المال التسعان).

أما كون صاحب النصف له النصف إذا أجيز له وحده في الوجه الأول؛ فلأنه موصى له به، ولا مزاحم له فيه.

وأما كونه له الثلث في الآخر؛ فلأنه لو أجيز لهما لم يكن له سوى الثلث. فكذلك إذا أجيز له وحده.

وأما كون صاحب المال له التسعان على الوجهين؛ فلأن له ثلثي المال وهما ذلك.

ص: 283

قال: (وإن أجاز أحد الابنين لهما: فسهمه بينهما على ثلاثة. وإن أجاز لصاحب المال وحده دفع إليه كل ما في يده أو [ثلثيه على اختلاف الوجهين. وإن أجاز لصاحب النصف وحده (1) دفع إليه نصف ما في يده ونصف سدسه أو] (2) ثلثه).

أما كون سهم الابن المجيز للموصى لهما بينهما على ثلاثةٍ؛ فلأنه إذا أجاز لم يبق له في سهمه شيء. فيجب أن يكون بين الموصى لهما على قدر وصيتهما.

فإن قيل: ما طريقة العمل هاهنا؟

قيل: أن تأخذ مالاً لنصفه ثلث، وذلك ستة: ثلاثةٌ منها سهمُ الابن المجيز: للموصى له بالمال اثنان، وللموصى له بالنصف واحد. يبقي ثلاثة: للموصى لهما ثلثها وهو سهم على ثلاثة لا يصح. اضرب ستة في ثلاثة تكن ثمانية عشر: لصاحب المال من نصيب المجيز ستة، ومن نصيب الراد (3) سهمان، ومجموع ذلك ثمانية ولصاحب النصف من نصيب المجيز ثلاثة، ومن نصيب الراد (4) واحد، ومجموع ذلك أربعة، وللراد ستة، ولا شيء للمجيز.

وإن شئت أخذت مالاً له ثلث مقسوم على ثلاثة، وهو تسعة: للموصى لهما ثلاثة من الأصل يبقى ستة لكل ابنٍ ثلاثة. ثم المجيز يعطى سهمه لهما فيصير لهما ستة مقسومة بينهما أثلاثاً: لصاحب المال أربعة ويبقى للراد ثلاثة لا يعطيها أحداً.

وإن شئت قلت: مخرج الثلث من ثلاثة: للموصى لهما ثلث. يبقى سهمان: سهم (5) للراد وسهم للمجيز يدفعه إلى الموصى لهما. فيصير لهما (6) سهمان بينهما. على ثلاثة لا يصح. اضرب ثلاثة في ثلاثة تكن تسعة، واقسم كما تقدم.

وأما كون المجيز لصاحب المال وحده يدفع إليه كل ما في يده أو ثلثيه على اختلاف الوجهين؛ فلما تقدم في المسألة قبل.

(1) زيادة من ج.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في هـ: الرد.

(4)

في هـ: الرد.

(5)

ساقط من أ.

(6)

ساقط من هـ.

ص: 284

وأما كون المجيز لصاحب النصف وحده يدفع إليه نصف ما في يده ونصف سدسه أو ثلثه؛ فلما تقدم من أن صاحب النصف إذا أجيز له وحده له النصف أو الثلث.

فعلى قولنا: له النصف يأخذ هاهنا نصف ما في يد الابن المجيز ونصف سدسه؛ لأن الموصى له كان يستحق بتقدير إجازة الابنين النصف وهو أربعة ونصف: منها من الثلث سهم. بقي ثلاثة ونصف حاصلة بإجازة الابنين. فيستحق بإجازة أحدهما نصف ذلك وهو سهم ونصف وربع، وذلك نصف ما في يد الابن ونصف سدسه.

وعلى قولنا: له الثلث يأخذ هاهنا ثلث ما في يد الابن المجيز؛ لأنه كان يستحق بتقدير إجازة الابنين ثلاثة: منها سهم من الثلث يبقى سهمان حاصلة بإجازة الابنين. فيستحق بإجازة أحدهما نصف ذلك، وهو سهم، وذلك ثلث ما في يد الابن.

ص: 285

فصل في الجمع بين الوصية بالأجزاء والأنصباء

قال المصنف رحمه الله: (إذا خلّف ابنين ووصى لرجلٍ بثلث ماله ولآخر بمثل نصيب ابنٍ: ففيه وجهان:

أحدهما: لصاحب النصيب ثلث المال عند الإجازة، وعند الرد يقسّم الثلث بين الوصيين نصفين.

والثاني: لصاحب النصيب مثل ما يحصل لابن وهو ثلث الباقي وذلك التسعان عند الإجازة، وعند الرد يقسّم الثلث بينهما على خمسة).

أما كون صاحب النصيب له ثلث المال عند الإجازة على الوجه الأول؛ فلأنه موصى له بمثل نصيب ابن، وفي المسألة ابنان. فيكون المال بينهم على ثلاثة، للموصى له بمثل نصيب ابن ثلثها.

فإن قيل: ينبغي أن تخرج الوصية بالثلث ثم يكون للموصى له بمثل نصيب ابن مثل نصيب أحدهم، وذلك لا يبلغ الثلث.

قيل: لو كان كذلك لترتبت وصيةٌ على وصية، والوصايا لا يترتب بعضها على بعض.

وأما كون الثلث يقسّم بين الوصيين نصفين عند الرد؛ فلأن كل واحدٍ يدلي بمثل صاحبه.

وأما كون صاحب النصيب له مثل ما يحصل لابنٍ على الوجه الثاني؛ فلأنه لو كان له أكثر من ذلك لأخذ أكثر من ابن، والموصي (1) قد سوّى بينهما.

وأما كون ذلك ثلث الباقي؛ فلأن ذلك الحاصل لكل ابنٍ؛ لأن الثلث إذا خرج للموصى له بقي الثلثان بين الابنين (2) والموصى له بنصيب ابنٍ على ثلاثة لكل واحدٍ ثلث ذلك.

(1) في هـ: فالموصي.

(2)

في هـ: الاثنين.

ص: 286

وأما كون ذلك التسعين عند الإجازة؛ فلأن الموصى له بالثلث إذا أخذ ثلثه بقي سهمان على ثلاثةٍ لا تصح. اضرب ثلاثة في ثلاثة تكن تسعة: لصاحب الثلث ثلاثة، ولصاحب النصيب اثنان، ولكل ابنٍ اثنان.

وأما كون الثلث يقسّم بينهما على خمسةٍ عند الرد؛ فلأن صاحب الثلث له ثلاثة، وصاحب النصيب له اثنان وتلك خمسة، ولكل ابنٍ خمسة.

قال: (وإن كان الجزء الموصى به النصف خرج فيها وجهٌ ثالث. وهو: أن يكون لصاحب النصيب في حال الإجازة ثلث الثلثين، وفي الرد يقسّم الثلث بينهما على ثلاثة عشر سهماً (1): لصاحب النصف تسعة، ولصاحب النصيب أربعة).

أما كون صاحب النصيب له ثلث الثلثين في حال إجازة الورثة؛ فلأن الثلثين حق الورثة وهو شريكهم. فيكون له (2) ثلث ذلك لا ينقص شيئاً إلا بإجازته.

وأما كون الثلث يقسّم بينهما على ثلاثة عشر في الرد؛ فلأن صاحب النصف له النصف، وصاحب النصيب له التسعان، ومجموعهما ستة أتساع ونصف. اضرب ذلك في مخرج النصف تكن ثلاثة عشر.

وأما كون صاحب النصف له تسعة وصاحب النصيب له أربعة؛ فلأن من له شيء صار له مثلاه، وصاحب النصف كان له أربعة ونصف فيكون له تسعة وصاحب النصيب كان له سهمان فيكون له أربعة.

فعلى هذا يكون لصاحب النصف في الإجازة ثمانية عشر، ولصاحب النصيب ثمانية، ولكل ابنٍ خمسة. وفي الرد: لصاحب النصف تسعة، ولصاحب النصيب أربعة، ولكل ابنٍ ثلاثة عشر.

فإن قيل: على الوجهين الأولين كم للموصى لهما؟

قيل: على الأول لصاحب النصف في الإجازة ستة من اثني عشر، ولصاحب الثلث أربعة، ولكل ابنٍ سهم. وفي الرد: الثلث بينهما على عشرة، ولكل ابنٍ عشرة. وعلى الثاني لصاحب النصف في الإجازة ثلاثة من ستة، ولصاحب

(1) زيادة من ج.

(2)

ساقط من هـ.

ص: 287

النصيب سهم، ولكل ابنٍ سهم. وفي الرد: الثلث بينهما على أربعة، ولكل ابنٍ أربعة.

قال: (وإن وصى لرجلٍ بمثل نصيب أحدهما، ولآخر بثلث باقي المال: فعلى الوجه الأول لصاحب النصيب ثلث المال، وللآخر: ثلث الباقي تسعان والباقي للورثة. وعلى الوجه الثاني: يدخلها الدور).

أما كون صاحب النصيب له ثلث المال على الوجه الأول؛ فلما تقدم.

وأما كون الآخر له ثلث الباقي تسعان؛ فلأنه موصى له به؛ لأنه موصى له بثلث الباقي، وقد بقي ثلثان. فليكن له ثلثها، وذلك تسعان.

فعلى هذا تصح المسألة من تسعة: لصاحب النصيب ثلاثة، وللآخر اثنان، ولكل ابنٍ اثنان.

وأما كون المسألة يدخلها الدَّوْر على الوجه الثاني؛ فلأن صاحب النصيب له مثل نصيب ابن بعد إخراج وصية الآخر، والعلم بنصيبه موقوفٌ على العلم بنصيب الموصى له بثلث ما يبقى، ونصيب الموصى له بثلث ما يبقى موقوفٌ على العلم بنصيب صاحب النصيب.

قال: (ولعملها طرقٌ: أحدها: أن تجعل المال ثلاثة أسهم ونصيباً تدفع النصيب إلى الموصى له بنصيب ابن، وللآخر ثلث الباقي سهم يبقى سهمان لكل ابنٍ سهم، وذلك هو النصيب. فصحت من أربعة).

أما كون عمل المسألة المذكورة لها طرق؛ فلأنها تارة تُعمل بالمجهول، وتارة بالجبر، وتارة بغير ذلك.

وأما كون أحد الطرق أن يجعل العاملُ المالَ ما ذُكر؛ فظاهر.

وأما كونه يجعلُ المال ثلاثة ونصيباً؛ فليخرج ثلث الباقي سهماً صحيحاً. ولو كانت الوصية بربع الباقي جعل ثلث المال أربعة ونصيباً ليخرج ربع الباقي سهماً صحيحاً. وعلى هذا فقس.

وأما كونه يدفع النصيب إلى الموصى له بنصيب ابن (1)؛ فلأنه موصى له

(1) ساقط من هـ.

ص: 288

بذلك.

وأما كون الآخر له ثلث الباقي سهم؛ فكذلك.

وأما كون الباقي سهمين لكل ابنٍ سهم؛ فظاهر.

وأما كون ذلك السهم هو النصيب؛ فلأنه الذي حصل لكل ابن.

وأما كون المسألة تصح من أربعةٍ؛ فلأنه قد ثبت أن النصيب سهم فإذا كان المال ثلاثة ونصيباً، والنصيب سهماً عُلم أن جميع المال أربعة. فلو كانت الورثة ثلاثة كان لكل ابنٍ ثلثا سهم. فيعلم (1) أن المال ثلاثة وثلثا سهمٍ. ابسطها من جنس الكسر تكن أحد عشر: لصاحب النصيب اثنان، ولصاحب ثلث الباقي ثلاثة، ولكل ابنٍ اثنان. وعلى هذا فقس.

قال: (وبالجبر تأخذ مالاً تُلْقي منه نصيباً وثلث الباقي. يبقى ثلثا مال إلا ثلثي نصيب يعدل نصيبين. اجبرها بثلثي نصيبٍ وزد مثل ذلك على النصيبين (2): يبقى ثلثا مال يعدل نصيبين وثلثين. ابسط الكل أثلاثاً من جنس الكسر يصير مالين يعدل ثمانية أنصباء. اقلب فاجعل المال ثمانية والنصيب اثنين).

أما كون عامل المسألة المذكورة بالجبر يأخذ ما ذُكر؛ فلأنه طريق من الطرق. وسمي بذلك؛ لأن الكسر الذي فوق السهام يجبر.

وأما كونه يأخذ مالاً مجهولاً؛ فلأن العلم به ابتداءً لا يمكن؛ لما ذكر من الدَّوْر.

وأما كونه يلقي النصيب وهو وصية صاحب النصيب وثلث الباقي وهو وصية الآخر من المال؛ فليعلم الباقي بعد ذلك كله حتى يقسّم على الورثة.

وأما كون الباقي بعد ذلك ثلثي المال إلا (3) ثلثي نصيب؛ فلأن العامل لما أسقط النصيب ثم أراد أن يسقط ثلث الباقي وهو ثلث مال إلا ثلث نصيب: احتاج إلى جبر ثلث النصيب. فإذا جبره وأسقط من المال ثلثاً بقي معه ثلثا مال إلا ثلثي نصيب.

(1) في هـ: فنعلم.

(2)

في هـ: النصيب.

(3)

في هـ: لا.

ص: 289

وأما كون ذلك يعدل نصيبين؛ فلأن ذلك جميع حق الورثة وهما ابنان (1).

وأما كونه يجبر الكسر بثلثي نصيب؛ فليبقى بلا كسر.

وأما كونه يزيد مثل ذلك على النصيبين؛ فليقابل ذلك الكسر المجبور به.

وأما كون الباقي بعد ذلك ثلثي مال؛ فظاهر.

وأما كونه يعدل نصيبين؛ فلما تقدم من أن ذلك جميع حق الورثة.

وأما كونه يبسط الكل أثلاثاً من جنس الكسر؛ فليخرج بلا كسر.

وأما كون ذلك يصير مالين يعدل ثمانية أنصباء؛ فلأن ثلثي المال إذا بسط أثلاثاً صار مالين، والنصيبين والثلثين إذا بسطا أثلاثاً صارا ثمانية أنصباء.

وأما كون العامل للمسألة المذكورة يقلب فيجعل المال ثمانية والنصيب اثنين؛ فليعلم المال والنصيب.

قال: (وإن شئت قلت: للابنين سهمان. ثم تقول: هذا بقيةُ مالٍ ذهب ثلثه فزد عليه مثل نصفه يصير ثلاثة. ثم زد مثل نصيب ابنٍ يصير أربعة).

أما كون عامل المسألة المذكورة إن شاء قال ما ذكر؛ فلأنه طريقٌ من الطرق، ويسمى المنكوس.

وأما كون الابنين لهما سهمان؛ فلأن ذلك أقل ما يمكن من عدد صحيح.

وأما كونه يقول: هذا بقية مالٍ ذهب ثلثه فزد عليه مثل نصفه؛ فلأن الوصية بثلث الباقي. فإن كانت بربع الباقي فتقول: هذا بقية مال ذهب ربعه فزد عليه مثل ثلثه، وإن كانت بخمس الباقي فتقول: هذا بقية (2) مالٍ ذهب خمسه فزد عليه مثل ربعه.

وأما كون ذلك يصير ثلاثة؛ فلأن السهم إذا زيد على اثنين صار ثلاثة.

وأما كونه يزد على الخارج مثل سهم ابنٍ؛ فلأن الموصى له بالنصيب له مثل ابن.

وأما كون ذلك يصير أربعة؛ فلأن نصيب الابن سهم. فإذا أضيفت إلى ثلاثة صار ذلك أربعة.

(1) في هـ: وهم اثنان.

(2)

ساقط من هـ.

ص: 290

فعلى هذا تصح مسألة المصنف رحمه الله من أربعة: اثنان للابنين، ومثل نصيب الابنين واحد (1) صار ذلك ثلاثة، ونصيب ابن سهم صار المجموع أربعة: للموصى له بالنصيب سهم، وللموصى له بثلث الباقي سهم، ولكل ابنٍ سهم.

قال: (وإن كانت وصية الثاني بثلث ما يبقى من النصف فبالطريق الأولى تجعل المال ستة ونصيبين. تدفع النصيب إلى الموصى له به، وللآخر ثلث بقية النصف سهماً، وإلى أحد الابنين نصيباً يبقى خمسة للابن الآخر. فالنصيب خمسة والمال ستة عشر، وبالجبر تأخذ مالاً تلقي منه نصيباً وثلث باقي النصف يبقى خمسة أسداس مال إلا ثلثي نصيب يعدل نصيبين. اجبرها تكن خمسة أسداس مال يعدل نصيبين وثلثين. ابسط الكل أسداساً واقلب وحوّل يصير المال ستة عشر والنصيب خمسة).

أما كون عامل المسألة بالطريق الأول يجعل المال ستة ونصيبين؛ فليكون الباقي من النصف بعد النصيب له ثلث صحيح يأخذه الموصى له به. ولو كانت الوصية بربعٍ جعل المال ثمانية ونصيبين. ولو كانت نصف ما يبقى من النصف جعل المال أربعة ونصيبين.

وأما كونه يدفع النصيب إلى الموصى له به، وثلث بقية النصف الآخر بينهما؛ فلأنهما موصى لهما بذلك.

وأما كونه يدفع إلى أحد الابنين نصيباً؛ فلأنه يستحق مثل ما يستحق صاحب النصيب.

وأما كون الباقي خمسة للابن الآخر؛ فلأنه لم يبق حق لغيره.

وأما كون النصيب خمسة؛ فلأنه مثل ما أخذ الابن.

وأما كون المال ستة عشر؛ فلأنه لما كان ستة ونصيبين، وكل نصيب خمسة لزم أن يكون ستة عشر.

فعلى هذا مسألة المصنف رحمه الله: لصاحب النصيب خمسة يبقى من النصف ثلاثة: للموصى له بثلث باقي النصف ثلثها سهم. يبقى عشرة لكل ابن خمسة.

(1) في هـ: الابن واحداً.

ص: 291

والمسألة الثانية: ثمانية ونصيبان: لصاحب النصيب نصيب. يبقى ثمانية ونصيب: للموصى له بربع باقي النصف سهم. يبقى سبعة ونصيب. يدفع إلى أحد الابنين نصيب يبقى سبعة للابن الآخر. فالنصيب إذاً سبعة والمال اثنان وعشرون: لصاحب النصيب سبعة [يبقى من النصف أربعة للموصى له بربع ما يبقى من النصف سهم](1). يبقى أربعة عشر لكل ابنٍ سبعة.

والمسألة الثالثة: أربعة ونصيبان، والنصيب ثلاثة والمال عشرة.

وأما كونه بالجبر يأخذ مالاً يلقي منه نصيباً وثلث باقي النصف؛ فلما تقدم ذكره.

وأما كون الباقي خمسة أسداس مال إلا ثلثي نصيبٍ؛ فلأن المال إذا ألقي منه نصيبٌ بقي مال (2) إلا نصيباً. فإذا ألقي منه ثلث باقي النصف وهو سدس مال إلا ثلث نصيبٍ جبر ثلث النصيب هنا بثلث من النصيب الأول. ثم أُسقِط من المال سدسٌ كاملٌ. تعين (3) كون الباقي خمسة أسداس مال إلا ثلثي نصيب.

وأما كون ذلك يعدل نصيبين؛ فلأنه يعدل حق اثنين.

وأما كونه يجبر ذلك؛ فليخرج بلا كسر.

وأما كون ذلك يعدل نصيبين وثلثين؛ فلأنه لما أجبر المال بثلثي نصيب احتيج إلى أن يزاد النصيب على ما يقابل ذلك.

وأما كونه يبسط ذلك أسداساً؛ فلتخرج المسألة بلا كسر.

وأما كونه يقلب ويحول. ومعناه: أن يجعل المال النصيب والنصيب المال؛ فليعلم النصيب والمال.

وأما كون المال ستة عشر؛ فلأن النصيبين وثلثين ستة عشر سدساً.

وأما كون النصيب خمسة؛ فلأن ما تقدم خمسة أسداس.

قال: (وإن خلّف أماً وبنتاً وأختاً، وأوصى بمثل نصيب الأم وسبع ما بقي، ولآخر بنصيب الأخت وربع ما بقي، ولآخر بمثل نصيب البنت وثلث ما بقي:

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: مالاً.

(3)

في هـ: تعون.

ص: 292

فقل: مسألة الورثة من ستة. وهي بقية مالٍ ذهب ثلثه فزد عليه مثل نصفه ثلاثة ثم زد عليه مثل نصيب البنت: تكن اثني عشر. فهي بقية مالٍ ذهب ربعه. فزد عليه ثلثه، ومثل نصيب الأخت: صارت ثمانية عشر. فهي بقية مالٍ ذهب سبعه. فزد عليه سدسه، ومثل نصيب الأم: تكن اثنين وعشرين).

أما كون مسألة الورثة من ستة؛ فلأن فيها سدساً ونصفاً وما بقي وذلك من ستة للأم سهم، وللبنت ثلاثة، والباقي للأخت؛ لأنها مع البنت عصبة.

وأما كون الستة بقية مال ذهب ثلثه

إلى آخره؛ فظاهر لا يحتاج إلى شرح.

وبيان تصحيح ذلك: أن الستة مثل نصفها ثلاثة فإذا أضيف إليها ذلك صارت تسعة. ثم يضاف إليها ثلاثة هي نصيب البنت صارت اثني عشر مثل ثلثها أربعة، ونصيب الأخت سهمان صارت ثمانية عشر مثل سدسها ثلاثة، ونصيب الأم سهم صارت اثنين وعشرين: للموصى له بمثل نصيب الأم وسبع الباقي أربعة، وللموصى له بمثل نصيب البنت وثلث الباقي ستة، وللأم سهم، وللبنت ثلاثة، وللأخت سهمان.

قال: (وإن خلّف ثلاثة بنين ووصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع المال: فخذ مخرج الكسر أربعة، وزد عليه ربعه تكن خمسة وهو نصيب كل ابن. فزد على عدد البنين واحداً واضربه في مخرج الكسر تكن ستة عشر. أعط الموصى (1) له نصيباً وهو خمسة واستثن (2) منه ربع المال أربعة يبقى له سهم، ولكل ابنٍ خمسة).

أما كون عامل المسألة المذكورة يأخذ مخرج كسر الاستثناء؛ فليخرج ذلك بلا كسر. وقد تقدم أن مخرج الربع أربعة والثلث ثلاثة والنصف اثنان وهلمّ جرّا. فإذاً مخرج كسر الاستثناء هنا أربعة.

وأما كونه يزيد على مخرج الكسر ربعه؛ فلأن الربع مستثنى.

وأما كون ذلك يكون خمسة؛ فظاهر.

وأما كون الخمسة نصيب كل ابنٍ؛ فلما يبين بعد.

وأما كونه يزيد على عدد البنين واحداً؛ فلأن ذلك طريق إلى معرفة الموصى

(1) في هـ: للموصى.

(2)

في هـ: وستين.

ص: 293

به.

وأما كونه يضربه في مخرج الكسر؛ فليخرج ذلك بلا كسر.

وأما كون المال يكون ستة عشر فظاهر؛ لأن أربعة في أربعة ستة عشر.

وأما كونه يعطي الموصى له نصيباً وهو خمسة، ويستثني منه ربع المال أربعة؛ فلأنه موصى له بنصيب، وقد تبين أنه خمسة إلا ربع المال، وقد تبين أنه أربعة.

وأما كون كل ابنٍ له خمسة؛ فلأن الباقي بعد الوصية خمسة عشر وهم (1) ثلاثة. وبه ظهر أنه النصيب.

قال: (وإن قال: إلا ربع الباقي بعد النصيب: فزد على عدد البنين سهماً وربعاً، واضربه في المخرج يكن سبعة عشر له سهمان، ولكل ابنٍ خمسة).

أما كون عامل المسألة المذكورة يزيد على عدد البنين سهماً وربعاً؛ فلأن ذلك طريقٌ إلى معرفة الموصى به.

وأما كونه يضربه في مخرج الكسر؛ فلما تقدم.

وأما كون المال يكون سبعة عشر؛ فظاهر.

وأما كون الموصى له بما ذكر له سهمان؛ فلأن النصيب خمسة لما يأتي. فإذا أسقط من سبعة عشر بقي اثنا عشر. فإذا أسقط منها ربع المال وهو ثلاثة بقي من النصيب سهمان.

وأما كون كل ابنٍ له خمسة؛ فلأن المال بعد الوصية خمسة عشر وهم ثلاثة.

قال: (وإن قال: إلا ربع الباقي بعد الوصية جعلتَ المخرج ثلاثة وزدتَ عليه واحداً يكن أربعة فهو النصيب، وزد على سهام البنين سهماً وثلثاً (2)، واضربه في ثلاثة يكن ثلاثة عشر سهماً: له سهم، ولكل ابنٍ أربعة).

أما كون عامل المسألة المذكورة يجعل المخرج ثلاثة ويزيد عليه واحداً؛ [فلأن ذلك طريقٌ إلى معرفة النصيب.

وأما كون ذلك أربعة؛ فظاهر.

(1) في هـ: وهو.

(2)

في هـ: وثلثه.

ص: 294

وأما كون ذلك هو النصيب؛ فلما يبين بعد.

وأما كون عامل المسألة المذكورة يزيد على سهام البنين سهماً وثلث سهم] (1)؛ فلأن ذلك طريق إلى معرفة الموصى به.

وأما كونه يضرب ذلك في ثلاثة؛ فليخرج ذلك بلا كسر.

وأما كون ذلك يكون ثلاثة عشر؛ فظاهر.

وأما كون الموصى له بما ذكر له سهم من ثلاثة عشر؛ فلأنه موصى له بنصيب، وقد تبين أنه أربعة إلا ربع الباقي بعد الوصية، وقد تبين أنه ثلاثة (2) فيبقى له سهم.

وأما كون كل ابنٍ له أربعة؛ فلأن الباقي بعد الوصية اثنا عشر على ثلاثة لكل واحدٍ أربعة.

فإن قيل: ما الفرق بين النصيب والوصية؟

قيل: النصيب هو الحاصل للابن الموصى به تقديراً لا حصولاً. والوصية: الحاصل للموصى له لا المقدر.

فإن قيل: ما طريق العمل (3) في ذلك؟

قيل: أن تنظر إلى (4) الاستثناء فتأخذ مخرج الجزء الذي هو أقل منه وهو هنا ثلاثة. فلو كان الاستثناء الخمس جعلت المخرج من أربعة ثم تزيد على المخرج واحداً يصير أربعة في الأولى (5) وخمسة في الثانية فيكون النصيب. ثم تزيد على سهام البنين سهماً وثلثاً إن كان المخرج من ثلاثة، وسهماً وربعاً إن كان المخرج من أربعة يصير ذلك في الأولى أربعة وثلثاً، وفي الثانية خمسة وربعاً. ثم تضرب ذلك في مخرج الكسر يكون في الأولى ثلاثة عشر، وفي الثانية أحداً (6) وعشرين: للموصى له سهم منهما، ولكل ابنٍ من الأولى أربعة، ومن الثانية خمسة.

(1) ساقط من هـ.

(2)

في هـ: ثلاثة عشر.

(3)

في هـ: العلم.

(4)

في هـ: في.

(5)

إلى هنا انتهت نسخة هـ.

(6)

في أ: أحد.

ص: 295

وبيان التصحيح: أن النصيب في الأولى أربعة والباقي بعد الوصية عشرون خمسها أربعة. فإذا استثنيت أربعة من خمسة بقي واحد، وهو الذي حصل له.

قال: (ولا يليقُ بهذا الكتاب التطويل بأكثر من هذا).

يعني: أن هذا العلم المختص بالوصايا كثيرٌ واسع، وله طرقٌ متعددةٌ كثيرةٌ. إلا أن هذا الكتاب مختصر. فلم يَلق به أكثر مما ذكر.

ص: 296

باب الموصى إليه

قال المصنف رحمه الله تعالى: (تصح وصية المسلم إلى كل مسلمٍ عاقلٍ عدلٍ، وإن كان عبداً أو مراهقاً أو امرأة أو أم ولد. ولا تصح إلى غيرهم. وعنه: تصح إلى الفاسق، ويضم الحاكم إليه أميناً. وإن كانوا على غير هذه الصفات ثم وجدت عند الموت فهل تصح؟ على وجهين).

أما كون وصية المسلم تصح إلى كل مسلمٍ عاقلٍ عدلٍ؛ فلأنه لا مانع فيمن ذكر يمنع الصحة؛ لحصول الإسلام والعقل والعدالة فيه.

وفيه إشعارٌ بأن من شرط صحة الوصية على كل مسلم: أن يكون مسلماً فلا تصح إلى كافر؛ لأنه ليس له من أهل الولاية على مسلم. وأن يكون عاقلاً فلا تصح إلى من لا عقل له كالطفل والمجنون؛ لأنهما ليسا أهلاً للولاية على مالهما فلئلا يكونا أهلاً للولاية على غيرهما بطريق الأولى. وأن يكون عدلاً على الأول (1). فلا تصح الوصية إلى فاسقٍ؛ لأنه غير مأمون.

وأما كونها تصح إلى الفاسق على روايةٍ ويضم الحاكم إليه أميناً؛ فلأن في ذلك جمعاً بين حفظ المال، وتحصيل نظر الموصي.

وأما كونها تصح إلى من ذكر وإن كان عبداً؛ فلأن العبد من أهل الأمانة. أشبه الحر.

وأما كونها تصح وإن كان مراهقاً؛ فلأن المراهق كالبالغ في إمكان التصرف. فإذا كان موصوفاً بهذه الأوصاف وجب أن تصح الوصية إليه؛ كالبالغ.

وأما كونها تصح وإن كان امرأة؛ فـ «لأن عمرَ أوصى إلى حَفصَة» (2).

ولأن المرأة من أهل الشهادة. أشبهت الرجل.

وأما كونها تصح وإن كان أم ولدٍ؛ فلأن أم الولد حرة عند نفوذ الوصية.

(1) في ج: المذهب.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 161 كتاب الوقف؛ باب جواز الصدقة المحرمة وإن لم تقبض.

ص: 297

ولأن العبد القن تصح الوصية إليه؛ لما تقدم. فلأن تصح إلى أم الولد المنعقد سبب حريتها بطريق الأولى.

وأما كونها تصح إلى من لم يكن على هذه الصفات ثم يوجد عند الموت على وجهٍ؛ فلأن الوصي إنما يتمكن من التصرف في الوصية عند الموت. فاعتبر شرط التصرف حينئذٍ لا قبله.

وأما كونها لا تصح على وجهٍ؛ فلأن الصفات المذكورة معتبرةٌ حال الموت. فوجب أن تعتبر حالة العقد؛ كسائر العقود.

قال: (وإذا وصّى إلى واحدٍ وبعده إلى آخر فهما وصيتان. إلا أن يقول: قد أخرجت الأول. وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه. وإن مات أحدهما أقام الحاكم مقامه أميناً، وكذا إذا فسق. وعنه: يضم إليه أمين).

أما كون من ذكرا وصيين إذا لم يقل الموصي: قد أخرجت الأول؛ فلأنه أوصى إليهما، وأمكن الجمع بينهما.

وأما كون الثاني الوصي إذا قال الموصي: قد أخرجت الأول؛ فلأنه أوصى إليه، وصرح بعزل الأول وهو يملك ذلك.

وأما كون أحد الوصيين ليس له الانفراد بالتصرف إذا لم يجعل ذلك إليه؛ فلأن الموصي لم يرض إلا بأمانتهما. فلم يجز لأحدهما الانفراد؛ كالوكيلين.

وأما كونه له ذلك إذا جعل إليه ذلك؛ فلأن تصرفه مستفاد منه فإذا جعل ذلك إليه كان كما لو وصى إليه وحده.

وأما كون الحاكم إذا مات أحد الوصيين اللذين ليس لأحدهما الانفراد يقيم مقامه أميناً؛ فلأن الموصي لم يرض بنظر أحدهما.

وأما كون من فسق كذلك على الأول (1)؛ فلأن الفسق ينافي الوصية. فوجب أن يقيم الحاكم مقامه أميناً؛ كما لو مات.

وأما كونه يضم إليه أمين على روايةٍ؛ فلما تقدم.

قال: (ويصح قبول الوصية في حياة الموصي وبعد موته. وله عزل نفسه متى

(1) في ج: المذهب.

ص: 298

شاء. وعنه: ليس له ذلك بعد موته. وللموصي عزله متى شاء).

أما كون قبول الوصية في حياة الموصي وبعد موته يصح؛ فلأن الوصية إذن في التصرف فجاز قبولها عقيب الإذن كالوكالة وبعد الموت كالوصية بالمال.

وأما كون الوصي له عزل نفسه متى شاء؛ فلأنه متصرفٌ بالإذن. أشبه الوكيل.

وأما كونه ليس له ذلك بعد موت الموصي على روايةٍ؛ فلأنه غرّه بالتزام وصيته، ومنعه بذلك الإيصاء إلى غيره.

وأما كون الموصي له عزل الوصي متى شاء؛ فلأنه نائبٌ عنه. فملك عزله؛ كالوكيل.

قال: (وليس للوصي أن يوصي إلا أن يجعل إليه ذلك. وعنه: له ذلك).

أما كون الوصي ليس له أن يوصي إذا لم يجعل إليه ذلك على المذهب؛ فلأنه متصرفٌ بالإذن. أشبه الوكيل.

وأما كونه له ذلك على روايةٍ؛ فلأنه متصرفٌ. فكان له ذلك؛ كالأب.

والأول أصح؛ لما تقدم.

والفرق بين الوصي والأب: أن الأب متصرفٌ بغير تولية أحد.

قال: (ولا تصح الوصية إلا في معلومٍ يملك الموصي فعله؛ كقضاء الدين، وتفريق الوصية، والنظر في أمر الأطفال).

أما كون الوصية لا تصح إلا في معلومٍ؛ فليعلم الموصى إليه ما وصي به إليه ليحفظه ويتصرف فيه.

وأما كونها لا تصح إلا فيما يملك الموصي فعله كما مثل المصنف؛ فلأن الوصي نائبه فإذا لم يكن الموصي يملك ذلك. فلئلا يملك ذلك نائبه بطريق الأولى.

ص: 299

قال: (وإذا أوصى إليه في شيء لم يصر وصياً في غيره. فإذا أوصى إليه بتفريق ثلثه فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم أخرجه كله مما في يده. وعنه: يخرج ثلث ما في يده ويحبس باقيه حتى يخرجوا).

أما (1) كون من وصي إليه بشيء لا يصير وصياً في غيره؛ فلأنه متصرفٌ بالإذن، ولا إذن في غير ما وصي إليه فيه. فلم يكن وصياً فيه؛ كالأجنبي.

وأما كون من أوصى إليه بتفريق الثلث يخرجه كله مما في يده إذا أبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم على المذهب؛ فلأن حق الموصي متعلقٌ بأجزاء التركة كلها. فجاز أن يخرج وصيته ذلك مما في يده تحصيلاً لمقصود الموصي.

وأما كونه يخرج ثلث ما في يده ويحبس باقيه حتى يخرجوا على روايةٍ: أما الأول؛ فلأنه موصى به، ولا حق للورثة فيه، وثلثاه ليسا كذلك. وأما الثاني؛ فلأن إخراج بقية الثلث واجب، وذلك وسيلةٌ إليه.

قال المصنف في المغني: يمكن حمل الروايتين على اختلاف حالين: فالرواية الأولى: محمولة على أن المال كان جنساً واحداً؛ لأنه لا فائدة في انتظار إخراجهم مما في أيديهم.

والرواية الثانية: محمولة على أن المال كان أجناساً؛ لأن الوصية تتعلق بثلث كل جنسٍ. فليس له أن يخرج عوضاً عن ثلث ما في أيديهم مما في يده؛ لأنه معاوضة. فلا يجوز بغير رضاهم.

قال: (وإن أوصى بقضاء دينٍ معينٍ فأبى ذلك الورثة قضاه بغير علمهم. وعنه: فيمن عليه دين لميت وعلى الميت دين أنه يقضي دين الميت إن لم يخف تبعة).

أما كون الموصى إليه يقضي الدين الموصى به بغير علم الورثة إذا أبوا ذلك على المذهب؛ فلأن الورثة لا حق لهم إلا بعد وفاء الدين.

وأما كونه يقضيه إذا لم يخف تبعة؛ فلأن ما تقدم ذكره قائمٌ فيه ولا معارض له. ومفهوم ذلك أنه له أن لا يقضيه إذا خاف التبعة. وهو صحيح؛ لأنه يتضرر بسببه، وهو منفي شرعاً.

(1) في أ: وأما.

ص: 300

ولأن من كان عليه دين لغيره أو اعترف صاحب المال أنه وكيله لم يلزمه الدفع إليه خوفاً من تبعة الرجوع عليه بتقدير إنكار الموكل. فهاهنا أولى.

قال: (وتصح وصية الكافر إلى مسلم، وإلى من كان عدلاً في دينه).

أما كون وصية الكافر إلى مسلمٍ تصح؛ فلأن المسلم يصح أن يكون وصياً لمسلم. فلأن يصح أن يكون وصياً لكافرٍ بطريق الأولى.

ولأن المسلم مقبول الشهادة على الكافر وعلى غيره.

وأما كونها تصح إلى من كان عدلاً في دينه؛ فلأنه يجوز أن يكون ولياً له. فجاز أن يكون وصياً له؛ كالمسلم.

وحكى المصنف رحمه الله تعالى في الكافر وجهاً: أنها لا تصح؛ لأن الكافر أسوأ حالاً من الفاسق.

قال: (وإذا قال: ضع ثلث مالي حيث شئت، أو أعطه من شئت لم يجز له أخذه ولا دفعه إلى ولده. ويحتمل جواز ذلك لتناول اللفظ له).

أما كون الموصى إليه بما ذكر لا يجوز له أخذ الموصى به على المذهب؛ فلأنه تمليك ملكه بالإذن. فلا يجوز أن يكون قابلاً له؛ كما لو وكله في بيع سلعة لم يجز له بيعها من نفسه.

وأما كونه لا يجوز له دفعه إلى ولده على المذهب؛ فلأنه يتّهم في حقه. أشبه أخذه له.

وأما كونه يحتمل جواز ذلك؛ فلما علل المصنف رحمه الله تعالى، وذلك: أن تناول اللفظ يقتضي جواز ذلك؛ لأن (1) تناول اللفظ مشتركٌ بين ذلك وبين الأجنبي، والأجنبي يجوز الدفع إليه. فكذلك ما ذكر هنا.

وقال المصنف رحمه الله في المغني: يحتمل أن ينظر إلى القرائن. فإن دلت على جواز ذلك جاز، وإلا فلا.

(1) في أ: لا.

ص: 301

قال: (وإن دعت الحاجة إلى بيعٍ لبعض العقار لقضاء دين الميت أو حاجة الصغار، وفي بيع بعضه نقص: فله البيع على الكبار والصغار).

أما كون الوصي (1) له البيع على الكبار والصغار لقضاء دين الميت؛ فلأن الدين متعلقٌ بكل جزءٍ من التركة. بدليل: ما لو هلك بعضها فإن الدين يوفّى من الباقي.

ولأن التركة باقية على حكم ملك الميت. ملك الوصي (2) أن يتصرف فيها بالحظ والمصلحة.

وأما كونه له البيع على الكل مع حاجة الصغار وفي بيع البعض نقص؛ فلأن الوصي (3) مأمور بالإصلاح والتصرف على وجه الحظ والمصلحة. فإذا لم يمكن ذلك مع دعوى الحاجة إلا بنقصٍ: جاز له ذلك دفعاً للحاجة، وتحصيلاً للمصلحة المشترطة عليه.

ولأنه متى تعارض حقّ كبير وصغير فإنه يقدم حق الصغير؛ لكون التصرف في ماله مشروطاً بالغبطة. بخلاف الكبير (4).

(1) في أ: الموصى.

(2)

مثل السابق.

(3)

مثل السابق.

(4)

ذكر في حاشية أما يلي: لم يذكر الشارح قول الشيخ: (ويحتمل أنه ليس له البيع على الكبار وهو أقيس) وهذا الاحتمال هو اختيار الشيخ. ووجهه: بأنه لا يجب على الإنسان بيع ملكه ليزداد ثمن ملك غيره؛ كما لو كان شريكهم غير وارثٍ. وقد قبل صاحب المحرر جواز البيع على الكبار بما إذا امتنعوا أو تحابوا. ولم يحكِ خلافاً. والله تعالى أعلم.

ص: 302