الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ذوي الأرحام
ذوي الأرحام يرثون في الجملة؛ لأن الله تعالى قال: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} [الأنفال: 75]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الخالُ وارثُ منْ لا وارثَ لَه» (1) قال الترمذي: هذا حديث حسن.
فإن قيل: المراد أن من ليس له إلا خال فلا وارث له؛ كما يقال: الجوع زاد من لا زاد له، والماء طيب من لا طيب له، والصبر حيلة من لا حيلة له.
قيل: هذا فاسدٌ لوجوه:
أحدها: أنه قال: «يرث ماله» (2) وفي لفظ: «يرثه» (3).
وثانيها: أن الصحابة رضي الله عنهم فهمُوا ذلك. وهو قول عمر وعلي وعبدالله وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء.
وثالثها: أنه سماه وارثاً. والأصل الحقيقة. وما ذكر من استعمال ذلك في النفي فمعارض بأنه يستعمل للإثبات؛ كقولهم: يا عماد من لا عماد له، ويا سند (4) من لا سند له، ويا ذخر من لا ذخر له. ويؤيد ذلك ما روى واسع بن حبان قال:«توفيَ ثابتُ بن الدحداحةِ ولم يدعْ وارثاً ولا عصبةً. فرفعَ شَأنهُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فدفعَ مالهُ إلى ابن أختهِ أبي لبابةَ بن عبد المنذر» (5) رواه سعيد. ورواه أبو
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (2103) 4: 421 كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الخال.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2737) 2: 914 كتاب الفرائض، باب ذوي الأرحام.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (2901) 3: 123 كتاب الفرائض، باب في ميراث ذوي الأرحام.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (2899) 3: 123 كتاب الفرائض، باب في ميراث ذوي الأرحام.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2634) 2: 879 كتاب الديات، باب الدية على العاقلة فإن لم يكن عاقلة ففي بيت المال.
(4)
في أ: وسند.
(5)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (164) 1: 70 كتاب الفرائض، باب: العمة والخالة.
عبيد في الأموال إلا أنه قال: «ولم يخلّف إلا ابنة أخ له. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بميراثه لابنة أخيه» .
ولأنه ذو قرابة فيرث كذوي الفروض.
ولأنه ساوى سائر الناس في الإسلام وزاد عليهم بالقرابة فكان أولى بماله منهم.
ولأنه أحق الناس بصلة حياته. فكذلك بعد موته.
فإن قيل: ما شرط إرثهم؟
قيل: أن لا يكون ذو فرض ولا عصبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما حكم بالميراث للخال إلا عند عدم الوارث.
ولأن أصحاب الفروض منصوص على فروضهم، ولذلك قدمت على العصبة (1)، والعصبة يستحقون ما فضل عنه؛ لقوله عليه السلام:«ألحقوا الفرائض بأهلها فما فضل فهو لأولى رجلٍ ذكر» (2).
ولأن صاحب الفروض والعصبة أقرب إلى الميت من ذي الرحم فكان أولى بميراثه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وهم: كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة. وهم أحد عشر صنفاً: ولد البنات، وولد الأخوات، وبنات الإخوة، وبنات الأعمام، وبنو الإخوة من الأم، والعم من الأم، والعمات، والأخوال، والخالات، وأبو الأم، وكل جدةٍ أدلت بأب بين أمّين أو بأب أعلا من الجد، ومن أدلى بهم).
أما قول المصنف رحمه الله تعالى: وهم كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة؛ فبيان لذوي الأرحام.
وقوله: كل قرابة يخرج الأجنبي.
وقوله: ليس بذي فرض يخرج أصحاب الفروض.
وقوله (3): ولا عصبة يخرج العصبات.
(1) في أ: العصب.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
ساقط من أ.
وأما قوله: وهم أحد عشر صنفاً؛ فبيان لأصنافهم ليعلم ذلك فيرتب عليه تنزيل من أدلى بكل صنف.
قال: (ويرثون بالتنزيل. وهو: أن يجعل كل شخصٍ بمنزلة من أدلى به. فيجعل ولد البنات والأخوات؛ كأمهاتهم، وبنات الإخوة والأعمام وولد الإخوة من الأم؛ كآبائهم، والأخوال والخالات وأبا الأم؛ كالأم، والعمات والعم من الأم كالأب. وعنه: كالعم. ثم يجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به).
أما كون ذوي الأرحام يرثون بالتنزيل كما ذكره المصنف رحمه الله؛ فلأنهم فرع في الميراث على غيرهم. فوجب إلحاقهم بمن هو فرع له، وقد روي عن علي وعبدالله رضي الله عنهما:«أنهما نزلا بنت البنت منزلة البنت، وبنت الأخ منزلة الأخ، وبنت الأخت منزلة الأخت، والعمة منزلة الأب، والخالة منزلة الأم» (1).
وروي عن الإمام أحمد أن العمة كالعم؛ لأنه يروى عن علي رضي الله عنه في رواية عنه.
والصحيح أنها بمنزلة الأب؛ لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العمةُ بمنزلةِ الأبِ إذا لم يكنْ بينهما أب» . رواه الإمام أحمد.
ولأن الأب أقوى جهات العمة (2). فوجب تنزيلها منزلته. فلو خلّف الميت بنت بنت، وبنت أخت، أو بنت أخ لأبوين أو لأب، أو بنت عم المال بينهما نصفين. ولو كان معهما خالة فالمسألة من ستة: لبنت البنت ثلاثة، وللخالة سهم، والباقي لبنت الأخ أو العم. ولو كان معهم عمة فعلى تنزيلها منزلة الأب: لها سهمان من ستة، وتسقط بنت الأخ وبنت العم؛ لأن الأب يسقط الأخ والعم، وعلى تنزيلها منزلة العم لا شيء لها مع بنت الأخ؛ لأن الأخ يسقط العم، ولها نصف الباقي مع بنت العم.
(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (155) 1: 68 كتاب الفرائض، باب العمة والخالة.
وأخرجه الدارمي في سننه (2977) 2: 250 كتاب الفرائض، باب في ميراث ذوي الأرحام. كلاهما عن عبدالله.
(2)
في أ: العم.
قال: (فإن أدلى جماعة بواحد (1) واستوت منازلهم منه فنصيبه بينهم بالسوية ذكرهم وأنثاهم سواء. وعنه: للذكر مثل حظ الأنثيين إلا ولد الأم. وقال الخرقي: يسوى بينهم إلا الخال والخالة).
أما كون نصيب المدلى به بين من أدلى به؛ فلاشتراك الكل في الإدلاء به الموجب للإرث. وإنما قيد الادلاء بواحدٍ واشترط استواء منازلهم من المدلى به؛ لأن حكم الجماعة إذا أدلوا بجماعةٍ وحكم الجماعة إذا أدلوا بواحدٍ واختلفت منازلهم من المدلي غير ذلك. وسيأتي ذكره بعد مبيناً إن شاء الله تعالى.
وأما كون النصيب المتقدم ذكره بين من ذكر سواء على المذهب؛ فلأنهم يرثون بالرحم المجرد فاستوى ذكورهم (2) وإناثهم؛ كولد الأم.
وأما كونه للذكر مثل حظ الأنثيين غير ولد الأم على روايةٍ؛ فلأن ميراثهم معتبر بغيرهم. فوجب أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين؛ كالأولاد.
وأما استثناء ولد الأم من الرواية المذكورة؛ فلأنه يدلي بمن ذكرهم وأنثاهم سواء.
وأما التسوية بينهم إلا الخال والخالة على قول الخرقي: أما التسوية في غير الخال والخالة؛ فلما تقدم.
وأما عدم التسوية بين الخال والخالة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخال أباً والخالة أماً فقال: «الخالُ والدٌ إذا لم يكنْ دونَهُ أمٌ والخالةُ أم» ، وفي آخر:«الخالةُ أمٌ إذا لم يكنْ بينهما أم» (3).
قال: (وإذا كان ابنٌ وبنت أخت وبنت أختٍ (4) أخرى: فلبنت الأخت وحدها النصف، وللأخرى وأخيها النصف بينهما).
أما كون بنت الأخت وحدها لها النصف؛ فلأنها تدلي بأمها وذلك لها.
(1) في أ: واحدة.
(2)
في أ: ذكرهم.
(3)
ذكره ابن حجر في التلخيص. وعزاه إلى ابن المبارك في البر والصلة. تلخيص الحبير 4: 22.
(4)
سقط لفظي: وبنت أخت من أ.
وأما كون النصف بين بنت الأخت الأخرى وأختها؛ فلأنهما يدليان بالأخت الأخرى وذلك لها.
قال: (وإن اختلفت منازلهم من المدلى به جعلته كالميت وقسّمت نصيبه بينهم على ذلك؛ كثلاث خالات مفترقات (1) وثلاث عمات مفترقات فالثلث بين الخالات على خمسة أسهم، والثلثان بين العمات كذلك واجتزأ بأحدهما، واضربها في ثلاثة تكن خمسة عشر: للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة، وللتي من قبل الأب سهم، وللتي من قبل الأم سهم، وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة أسهم، وللتي من قبل الأب سهمان، وللتي من قبل الأم سهمان).
أما كون المدلى به يجعل كالميت؛ فلأن جهة اختلاف المنازل منه يظهر بذلك.
وأما كون نصيبه يقسم بينهم على ذلك؛ فلأنه يجعل كالميت، والميت يقسم على ورثته بحسب منازلهم. فكذا هذا.
وأما قول المصنف رحمه الله تعالى: كثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات؛ فبيان لاختلاف منازل ذوي الأرحام من المدلى به؛ لأن الخالات يدلين بالأم، والعمات يدلين بالأب.
وأما قوله: فالثلث
…
إلى آخره؛ فبيان لسهم كل جهة وطريق لصحة المسألة. ويتضح ذلك بأن يقسم نصيب المدلى به بين ورثته. فنصيب الأم وهو الثلث بين أخواتها وهن أخت لأبوين وأخت لأب وأخت لأم. وهو المعنيّ بقول المصنف: مفترقات، ونصيب الأب بين أخواته كذلك. فأصل مسألة ذوي الأرحام هاهنا من ثلاثة؛ لأن فيها ثلثاً وكل واحدٍ من القبيلين مسألته من ستة فترجع بالرد إلى خمسة فسهم كل قبيل لا ينقسم على مسألته ولا يوافق والعددان متماثلان فاضرب أحدهما في ثلاثة تكن خمسة عشر: للخالات ثلثها مقسومة كما ذكر المصنف، وللعمات عشرة مقسومة كما ذكر.
(1) في الأصول: متفرقات.
قال: (وإن خلّف ثلاثة أخوال مفترقين: فللخال من الأم السدس، والباقي للخال من الأبوين. وإن كان معهم أبو أم أسقطهم كما يسقط الأب الإخوة. وإن خلّف ثلاث بنات عمومة مفترقين فالمال لبنت العم من الأبوين وحدها).
أما كون الخال من الأم له السدس والباقي للخال من الأبوين فيما إذا خلّف ثلاثة أخوال مفترقين؛ فلأن الأم لو كانت هي الميتة لأسقط أخوها لأبويها أخاها لأمها. فكذلك من يدلي بها يسقط الأخ للأبوين الأخ لأب.
فعلى هذا المسألة من ستة؛ لأن فيها سدساً: للخال لأمٍ السدس سهم، وللخال لأبوين الباقي خمسة.
وأما كون أبي الأم يسقط الأخوال فيما إذا كان معهم فقد نبّه المصنف رحمه الله تعالى على الموجب لإسقاطهم؛ لأن حكم من يدلي مثل حكم المدلى به، والأب المدلى به يسقط الإخوة فكذا أبو الأم المدلى به يسقط الإخوة.
وأما كون المال لبنت العم من الأبوين وحدها فيما إذا خلّف ثلاث بنات عمومة مفترقين؛ فلأن كل واحدٍ منهم بمنزلة من تدلي به، وبنت العم لأبوين تدلى به وهو مسقطٌ للعم لأبٍ (1) والعم لأم.
قال: (وإن أدلى جماعة منهم بجماعة قسمت المال بين المدلى بهم كأنهم أحياء. فما صار لكل وارثٍ فهو لمن أدلى به).
أما كون المال يقسّم بين المدلى بهم كأنهم أحياء؛ فلأنهم أصل من أدلي بهم.
وأما كون ما صار لكل وارثٍ لمن أدلى به؛ فلأنهم ورّاثه.
فإن قيل: ما مثال ما إذا أدلى جماعة بجماعة؟
قيل: ثلاث بنات أختٍ لأبوين، وثلاث بنات أختٍ لأب، وثلاث بنات أختٍ لأم، وثلاث بنات عم. اقسم المال بين الأخوات والعم وهو المراد بقوله: بين المدلى بهم (2): فيكون للأخت للأبوين النصف، وللأخت للأب السدس تكملة الثلثين، وللأخت للأم السدس سهم، والباقي وهو سهم للعم. ثم اقسم نصيب كل وارثٍ على ورثته: فنصيب الأخت للأبوين ثلاثة على بناتها صحيح عليهن، ونصيب
(1) ساقط من أ.
(2)
في أ: به.
الأخت للأب سهم على بناتها لا تصح ولا توافق، ونصيب الأخت للأم كذلك، والأعداد متماثلة فاجتزئ ببعضها. فاضرب في أصل المسألة تكن ثمانية عشر: لبنات الأخت للأبوين تسعة لكل بنتٍ ثلاثة، ولبنات الأخت للأب ثلاثة لكل واحدةٍ سهم، ولبنات الأخت للأم كذلك، ولبنات العم كذلك.
قال: (وإن أسقط بعضهم بعضاً عملت على ذلك).
أما كون العمل على ذلك؛ فليعلم.
فإن قيل: ما المراد بذلك؟
قيل: يحتمل أن يراد به العمل على الإسقاط. ويحتمل أن يراد به على نحو ما تقدم.
وأما مثال ذلك: فأن يجعل بدل بنات الأخت لأبوين بنات أخ لأبوين. فالمسألة من ستة: لبنات الأخت لأم سهم، ويسقط بنات الأخت لأب، وبنات العم؛ لأن الأخ لأبوين يُسقط الأخ لأب والعم. وتصح المسألة من ثمانية عشر أيضاً: لبنات الأخت لأم ثلاثة لكل واحدةٍ سهم، ولبنات الأخ لأبوين (1) خمسة عشر لكل واحدةٍ خمسة.
قال: (وإن كان بعضهم أقرب من بعضٍ فمن سبق إلى الوارث ورث وأسقط غيره. إلا أن يكونا من جهتين فينزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لا كبنت بنت بنت، وبنت أخ لأم. المال لبنت بنت البنت).
أما كون من سبق إلى الوارث يرث؛ فلسبقه.
وأما كونه يسقط غيره إذا كانا (2) من جهةٍ واحدةٍ كبنت بنتٍ، وبنت بنت (3) البنت؛ فلأن القريب يرث ويسقط البعيد. بدليل: ما لو خلّف ابناً وابنه. فكذا هاهنا.
(1) ساقط من أ.
(2)
في أ: كان.
(3)
ساقط من أ.
وأما كون البعيد ينزل حتى يلحق بوارثه إذا كانا (1) من جهتين كما مثل المصنف رحمه الله تعالى؛ فلأن العبرة بالمدلى به لا بالوارث بطريقه.
وأما كون المال لبنت بنت البنت دون بنت الأخ لأم؛ فلأنها بمنزلة البنت، وبنت الأخ بمنزلة الأخ من الأم. ولو خلّف بنتاً وأخاً لأمٍ كان المال كله للبنت دون الأخ.
قال: (والجهات أربع: الأبوّة والأمومة والبنوّة والأخوّة. وذكر أبو الخطاب العمومة جهة خامسة، وهو مفضٍ إلى إسقاط بنت العم من الأبوين ببنت العم من الأم، وبنت العمة. ولا (2) نعلم به قائلاً).
أما كون الجهات التي يرث بها ذوي الأرحام أربعاً؛ فلأن المدلى به تارة يكون أباً، وتارة يكون أماً، وتارة يكون ابناً، وتارة يكون أخاً. ولذلك عقب المصنف رحمه الله تعالى ذلك بقوله: الأبوّة إلى الأخوّة.
فإن قيل: لا دلالة فيما ذكر على الحصر.
قيل: الغرض هنا ذكر الجهات التي يرث بها ذوي الأرحام لا الحصر؛ لأن نفي الخامسة بعد يدل على الحصر في الأربع.
فعلى هذا العم يدلي بالأبوّة، والخال يدلي بالأمومة، وبنات البنت بالبنوّة، وبنات الأخت بالأخوّة.
وأما كون العمومة جهةً خامسةً على ما ذكر أبو الخطاب؛ فلأن العم وارث. فوجب أن يكون جهة؛ كالأب.
وأما كون ذلك مفضياً إلى إسقاط بنت العم من الأبوين ببنت العم من الأم (3) وبنت العمة؛ فلأن بنت العم من الأم وبنت العمة تدليان بالأب، وبنت العم من الأبوين تدلي بأبيها وهو عم، والأب يسقط العم.
(1) في أ: كان.
(2)
في أ: وما.
(3)
في أ: الأب.
وأما قول المصنف رحمه الله: ولا نعلم به قائلاً؛ فتضعيفٌ لما ذكر أبو الخطاب؛ لأن عدم علمه بذلك مع كثرة اطلاعه يدل على عدم القول به، ويلزم من ذلك محذور.
وفيما قال المصنف رحمه الله نظرٌ من وجهين:
أحدهما: من حيث إن إدلاء بنت العم من الأم وبنت العمة بالأب فيه روايتان. فعلى جعل العمومة جهة لأبي الخطاب أن يقول: لا ننزل من ذكر منزلة الأب فلا يفضي إلى الإسقاط المذكور.
وثانيهما: أن العمومة إذا لم تجعل جهة فبم يورّث بنت العم من الأبوين وبنت العم من الأم والعمة إذا نزلوا منزلة العم. وأجيب عن الثاني بأن الجهة جهة (1) أخوّة؛ لأن العم أخو الأب إلا أنه عدل عن قياس بقية الجهات من حيث إن العبرة بأبوّة الميت وبنوّته وأخوّته.
قال: (ومن أمتّ بقرابتين ورث بهما).
أما معنى أمتّ فأدلى. يقال: متّ (2) بكذا إذا أدلى به.
وأما كون من أمتّ بقرابتين يرث بهما؛ فلأنه شخص له جهتان لا ترجيح فيهما. فورث بهما؛ كالزوج إذا كان ابن عم، وابن العم إذا كان أخاً من أم.
فإن قيل: ما مثال ذلك؟
قيل مثاله: ابن بنت بنتٍ هو ابن ابن بنتٍ أخرى، ومعه بنت بنت بنت أخرى: للابن الثلثان، والثلث للبنت.
قال: (وإن اتفق معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه غير محجوبٍ ولا معاولٍ وقسّمت الباقي بينهم كما لو انفردوا. ويحتمل أن يقسّم الفاضل عن الزوج بينهم كما يقسّم بين من أدلوا به).
أما كون أحد الزوجين يعطى فرضه؛ فلما تقدم من الآيتين الدالتين عليه.
(1) ساقط من أ.
(2)
في أ: أمتّ.
وأما كونه غير محجوبٍ (1) بذي الرحم؛ فلأن ميراثه ثابت بالنص فلا يحجب عنه إلا بمثله.
ولأن قوله: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم
…
الآية} [النساء: 12] يدل على أنه لا يحجب عنه إلا بالولد، وبنت البنت منتسبة إلى غيره. فلا يدخل في ذلك.
ولأن ذا الرحم لا يرث مع ذي فرض. وإنما ورث معه هاهنا؛ لأن أحد الزوجين لا يرد عليه.
وأما كونه غير معاولٍ؛ فلما ذكر.
وأما كون الباقي يقسم بين ذوي الرحم كما لو انفردوا على المذهب؛ فلأن صاحب الفرض إذا أخذ فرضه كأنّ الميت لم يخلّف إلا ذلك.
وأما كون الفاضل عن الزوج يحتمل أن يقسّم بينهم كما يقسّم بين من أدلوا به؛ فلأنه الأصل الذي وقع به إرثهم. وسيتضح بعد إن شاء الله تعالى.
وهذا الخلاف إنما يقع في مسألة فيها من يُدلي بذي فرضٍ ومن يدلي بعصبة. أما إذا أدلى جميعهم بذي فرضٍ أو عصبةٍ فلا خلاف فيه. هكذا ذكر المصنف رحمه الله تعالى في المغني.
قال: (فإذا خلّفت (2) زوجاً وبنت بنت، وبنت (3) أخت: فللزوج النصف، والباقي بينهما نصفين على الوجه الأول، وعلى الآخر يقسّم بينهما على ثلاثة: لبنت البنت سهمان، ولبنت الأخت سهم).
أما كون الباقي بين بنت البنت وبنت الأخت نصفين على الوجه الأول؛ فلأن بنت البنت لها النصف وبنت الأخت لها الباقي وهو النصف. فالمسألة أصلها من اثنين وتصح من أربعة: للزوج سهمان (4)، ولبنت البنت سهم، ولبنت الأخت سهم.
(1) في أ: وأما كونه يحجب.
(2)
في أ: خلّف.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في أ: اثنان.
وأما كونه بينهما على ثلاثةٍ على الآخر؛ فلأن من أدلوا به بنت وأخت ومعهما زوج: فللزوج الربع، وللبنت النصف، وللأخت الباقي وهو الربع. فالبنت تدلي بمثل الأخت فيقسّم الفاضل على الزوج بين بنت البنت، وبنت الأخت أثلاثاً. فالمسألة أصلها من اثنين وتصح من ستة: للزوج ثلاثة، ولبنت البنت سهمان، ولبنت الأخت سهم.
قال: (ولا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة واحدة وشبهها وهي: خالةٌ وست بنات ست أخوات مفترقاتٍ تعول إلى سبعة).
أما كون مسائل ذوي الأرحام غير المستثنى لا يعول منها شيء فمعلوم بالسّبْر.
وأما كون المستثنى يعول فيه: أما في المسألة؛ فلأن الخالة لها السدس؛ لأنها تدلي بالأم، وفرض الأم مع الإخوة السدس، ولبنات الأختين من الأبوين الثلثان، ولبنات الأختين لأم الثلث. فأصلها (1) من ستة وتعول إلى سبعة.
وأما في شبهها؛ فلأن العول ليس مختصاً بعين هذه المسألة بل تجري فيها وفي كل مسألةٍ فيها من يقوم مقام الأم أو الجدة. ومن يقوم مقام الأخوات المفترقات ممن يأخذ المال كله بالفرض، ولهذا قال المصنف: إلا مسألة واحدة وشبهها.
إذا تقرر العول؛ فالمسألة المذكورة من سبعة. واعلم أنها تصح منها إن كانت البنات بنتي أختين لأبوين، وبنتي أختين لأم، وبنتي أختين لأب: لولد الأبوين الثلثان أربعة لكل واحدةٍ سهمان، ولولد الأم سهمان لكل واحدةٍ سهم، وللخالة سهم.
(1) في أ: ولبنات الأخت لأبوين الثلثان ولبنات الأخوات لأم الثلث وأصلها.