الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الكتابة
الكتابة مصدر كاتب. يقال: كاتب عبده كتابة ومكاتبة.
قال المصنف رحمه الله: (وهي: بيع العبد نفسه بمال في ذمته. وهي مستحبة لمن يُعلم فيه خيراً. وهو: الكسب والأمانة. وعنه: أنها واجبة إذا ابتغاها من سيده أجبر عليها).
أما قول المصنف رحمه الله: وهي بيع العبد نفسه بمال في ذمته؛ فبيان لمعنى الكتابة شرعاً.
وأما كونها مستحبة في الجملة؛ فلما فيها من تخليص الرقبة من الرق.
وأما كونها غير واجبة على المذهب؛ فلأنها إعتاق بعوض. فلا تجب؛ كالاستستعاء.
وأما كونها واجبة على رواية؛ فلأن الله تعالى قال: {فكاتبوهم} [النور: 33] وظاهر الأمر الوجوب، وروي «أن ابن سيرين أبا محمد ابن سيرين كان عبداً لأنس بن مالك فسأله أن يكاتبه فأبى. فأخبر سيرينُ عمر بن الخطاب بذلك. فرفع الدرّة على أنس وقرأ عليه:{والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً} [النور: 33]. فكاتبه أنس» (1).
وأما كونها إذا ابتغاها العبد من سيده فامتنع يجبر عليها؛ فلأن هذا شأن الواجب.
والأولى هي الصحيحة في المذهب؛ لما ذكر.
والآية محمولة على الاستحباب. وقول عمر يخالفه نقل أنس.
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10: 319 كتاب المكاتب، باب من قال: يجب على الرجل مكاتبة عبده قوياً أميناً ومن قال: لا يجبر عليها.
وأما قوله: لمن يُعلم فيه خيراً؛ فتنبيهٌ على أن كون العبد فيه خير يعلمه السيد شرط للاستحباب أو الوجوب؛ لأن الله تعالى شرط ذلك حيث قال: {إن علمتم فيهم خيراً} [النور: 33].
وفسر المصنف الخير بالكسب والأمانة؛ لأنه المناسب لإيقاع الكتابة. ونسب ذلك في المغني إلى الشافعي. ونقل عن أحمد فيه أن الخير: صدق، وصلاح، ووفاء بمال الكتابة. وهو قريب من الأول.
قال: (وهل تكره كتابة من لا كسب له؟ على روايتين).
أما كون كتابة من ذُكر تكره على روايةٍ؛ فلأن كتابة من لا كسب له إضرار (1) بالمسلمين، وجعله كَلاًّ وعيالاً عليهم مع ثبوت نفقته الواجبة على سيده.
وأما كونها لا تكره على روايةٍ؛ فلأن بريرة كاتبها أهلها ولا حرفة لها. فلم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
قال (ولا تصح إلا من جائز التصرف. وإن كاتب المميز عبده بإذن وليه صح. ويحتمل أن لا يصح. وإن كاتب السيد عبده المميز صح).
أما كون الكتابة لا تصح إلا من جائز التصرف؛ فلأنها عقد معاوضة. فلم تصح من غير جائز التصرف؛ كالبيع ونحوه.
وأما كون كتابة المميز عبده بإذن وليه تصح على المذهب؛ فلأن تصرف المميز بإذن وليه صحيح في غير الكتابة. فكذلك فيها.
وأما كونها يحتمل أن لا تصح؛ فلأن المميز غير مكلف. فلم يصح منه عقد الكتابة؛ كالمجنون.
وأما كون كتابة السيد عبده المميز يصح؛ فلأنه مميز والمصلحة له في العتق لخلاصه من الرق. أشبه البالغ.
(1) في أ: إضراراً.
(2)
سيأتي ذكر حديث بَريرة وتخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
قال: (ولا تصح إلا بالقول. وتنعقد بقوله: كاتبتك على كذا وإن لم يقل: فإذا أديت إليّ فأنت حر. ويحتمل أن يشترط قوله أو نيته).
أما كون الكتابة لا تصح إلا بالقول؛ فلأنها إما بيع وإما تعليق للعتق على الأداء، وكلاهما لا يصح إلا بالقول.
وأما كونها تنعقد بقوله: كاتبتك على كذا وإن لم يقل: فإذا أديت إليّ فأنت حر على المذهب؛ فلأنه صريح في الكتابة. فانعقد به؛ كصريح البيع وغيره.
وأما كونه يحتمل أن يشترط قوله أو نيته؛ فلأن الكتابة في المعنى تعليقٌ للعتق على الأداء. فلا بد من التلفظ به أو نيته.
قال: (ولا تصح إلا على عوض معلومٍ مُنَجَّمٍ نجمين فصاعداً. يُعلم قدر ما يؤدي في كل نجم. وقيل: تصح على نجمٍ واحد. وقال القاضي: تصح على عبد مطلق وله الوسط).
أما كون الكتابة لا تصح إلا على عوض معلوم على المذهب؛ فلأن الكتابة عقد معاوضة. فلا يصح مع جهل العوض؛ كالبيع.
ولأن الكتابة بيع. فاشترط فيها العلم بالعوض؛ كسائر البياعات.
وأما كونه منجماً والمعنِيُّ به أن لا يكون حالاًّ؛ فلأن جماعة من الصحابة عقدوا الكتابة. ولم ينقل عن واحدٍ منهم أنها عقدها حالّة، ولو كان ذلك يجوز لم يتفق جميعهم على تركه.
ولأن الكتابة عقد معاوضة يعجز عن أداء عوضها حالاًّ. فكان من شرطه التأجيل؛ كالسلم.
وأما كون العوض مُنَجَّماً نجمين فصاعداً. فقال الإمام أحمد: من الناس من يقول: نجمان، ومنهم من يقول: نجم، ونجمان أحب إليّ.
وظاهره أنه ذهب إلى أنه لا يجوز أقل من نجمين.
ووجهه: أن الكتابة مشتقة من الضم. فوجب افتقارها إلى نجمين؛ ليحصل الضم.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: «الكتابة على نجمين» .
وعن عثمان رضي الله عنه: «أنه غضب على عبد له فقال: لأعاقبنك، ولأكاتبنك على نجمين» (1).
وقال ابن أبي موسى: تصح على نجمٍ واحدٍ؛ لأنه عقدٌ يشترط فيه التأجيل. فجاز أن يكون إلى أجلٍ واحد؛ كالسلم.
ولأن اعتبار التأجيل؛ ليتمكن من تسليم العوض، وهذا يحصل بنجمٍ واحد.
وأما كون قدر ما يؤدي في كل نجمٍ يعلم؛ فلئلا يؤدي إلى المنازعة.
وأما كون الكتابة على عبدٍ مطلق وله الوسط على قول القاضي؛ فلأنه كذلك عنده في النكاح والخلع. فليكن كذلك في الكتابة.
قال: (وتصح على مال وخدمة سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت).
أما كون الكتابة على ما ذكر؛ فلأن كل واحدٍ منهما يصح أن يكون عوضاً في غير الكتابة. فكذلك يجب أن يصح فيها.
وأما كونها تصح سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت؛ فلأن تقدمها أو تأخرها لا يخرجها عن كونها تصح أن تكون عوضاً. وفي قول المصنف رحمه الله ذلك إشعار بصحة كونها حالّة.
فإن قيل: لم صح الحلول في الخدمة دون المال (2)؟
قيل: لأن المنع من الحلول في المال إنما كان لئلا يتحقق عجزه عن أداء العوض وهذا مفقود في الخدمة؛ لأنه قادر عليها.
قال: (وإذا أدى ما كوتب عليه أو أُبرئ منه: عتق. وما فضل في يده فهو له. وعنه: أنه إذا ملك ما يؤدي صار حراً ويجبر على أدائه).
أما كون من أدى ما كوتب عليه أو أُبرئ منه يعتق؛ فلأن موضوع الكتابة العتق بتقدير الأداء أو الإبراء. فيجب أن يحصل عند حصول أحدهما.
ولأن رقبته بالأداء أو الإبراء تمحضت له. فوجب أن يعتق عملاً بالملك المقتضي له السالم عن معارضة حق السيد.
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10: 320 كتاب المكاتب، باب مكاتبة الرجل عبده أو أمته على نجمين فأكثر بمال صحيح.
(2)
بياض في أمقدار كلمة، ولعل الصواب ما أثبتناه.
وأما كون ما فضل في يده [له](1)؛ فلأنه مالكٌ له. بدليل صحة تصرفه فيه قبل العتق.
وفي تعليق العتق بالأداء أو الإبراء إشعار بأنه لا يصير حراً إذا ملك ما يؤدي وذلك صحيح على المذهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المكاتب عبدٌ ما بقي عليه درهم» (2) رواه أبو داود.
وأما كونه يصير حراً بذلك على رواية؛ فلما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان لإحداكن مُكاتبٌ وكان عنده ما يُؤدي فلتحتجبْ منه» (3). رواه أبو داود والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.
ولأنه مالك لوفاء الكتابة. أشبه ما لو أدّاه.
فعلى هذا إن أدى ما عليه من الكتابة فلا كلام، وإن امتنع أجبر عليه؛ لأنه حقٌّ واجب. أشبه سائر الحقوق الواجبة. وإن هلك بقي في ذمته؛ لأنه هلك بعد الحكم بعتقه. فلم يرتفع العتق وتعين ثبوته في الذمة؛ لأنها محل الحق.
والأول المذهب؛ لما تقدم. ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيما عبدٍ كاتبَ على مائة أوقيةٍ فأدّاها إلا عشرةَ أواقٍ فهو عبد، وأيما عبدٍ كاتبَ على مائة دينارٍ فأدّاها إلا عشرةَ دنانيرَ فهو عبد» (4)، وفي لفظ: «[من] كاتبَ عبدهُ على مائة
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (3926) 4: 20 كتاب العتق، باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (3928) 4: 21 كتاب العتق، باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1261) 3: 562 كتاب البيوع، باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2520) 2: 842 كتاب العتق، باب المكاتب. قال السندي: ذكر البيهقي عن الشافعي ما يدل على أن الحديث لا يخلو من ضعف؛ لأن راويه نبهان.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (3927) 4: 20 كتاب العتق، باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت.
أوقيةٍ فأدّاها إلا عشرةَ أواقٍ -أو قال: عشرة دراهم- ثم عَجَزَ فهو رقيق» (1). رواه الترمذي. وقال: هذا حديث غريب.
ولأنه عتق عُلّق بعوض. فلم يعتق قبل أدائه؛ كما لو قال: إذا أديت إليّ ألفاً فأنت حر.
قال: (فلو مات قبل الأداء كان ما في يده لسيده في الصحيح عنه. وعلى الرواية الأخرى: لسيده بقية كتابته، والباقي لورثته).
أما كون ما في يد المكاتب لسيده في الصحيح عن الإمام أحمد إذا مات قبل الأداء؛ فلأن الصحيح أنه لا يعتق إلا بالأداء؛ لما تقدم. ولم يوجد.
وأما كون بقية كتابته له والباقي لورثته على الرواية الأخرى؛ فلأنه يعتق بملك الوفاء. فيكون لسيده ما ذكر، والباقي لورثته. ويمكن أن يحمل الكلام المذكور على أن الكتابة هل تنفسخ بموت المكاتب إذا خلف وفاء؟ وفيه روايتان:
إحداهما: تنفسخ؛ لأنه مات قبل أداء الكتابة. فوجب أن تنفسخ؛ كما لو لم يكن له وفاء.
ولأنه عتق معلق بشرط مطلق. فينقطع بالموت؛ كما لو قال: إذا أديت إليّ ألفاً فأنت حر.
فعلى هذا يكون المال الذي في يده لسيده؛ لأنه عبده.
والثانية: لا تنفسخ؛ لأنه عقد معاوضة. فلم تنفسخ بموت أحد المتعاقدين؛ كالآخر. والمراد السيد.
فعلى هذا يكون للسيد قدر الكتابة أو بقيتها؛ لأنه يستحقه. والباقي لورثة المكاتب؛ لأنه حقهم.
والأول أصح؛ لما ذكر.
والفرق بين العبد وبين السيد: أن حق العقد متعلق بعين العبد وهو ثبوت حريته، وذلك متعذر بالموت. بخلاف السيد.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1260) 3: 561 كتاب البيوع، باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي. وما بين المعكوفين زيادة من الجامع.
قال: (وإذا عُجلت الكتابة قبل مَحِلِّها لزم السيد الأخذ وعتق. ويحتمل أن لا يلزمه ذلك إذا كان في قبضه ضرراً).
أما كون السيد يلزمه أخذ ما ذكر إذا لم يكن فيه ضرر؛ فلأن تعجيله محض مصلحة. فلزم قبوله؛ كما لو دفع إليه أجودَ من حقه من جنسه.
ولأنه يروى «أن رجلاً أتى عمر. فقال: يا أمير المؤمنين! إني كاتبت على كذا وكذا، وإني أيسرت بالمال. فأتيته بالمال. فزعم أنه لا يأخذها إلا نُجُوماً. فقال عمر: يا برقا! خذ هذا المال فاجعله في بيت المال، وأدّ إليه نُجُوماً في كل عام. وقد عتق هذا. فلما رأى ذلك سيده أخذ المال» (1). وعن عثمان نحوه (2). رواه عنهما سعيد بن منصور في سننه.
ولأن الأجل حق لمن عليه الدين فإذا عجله فقد رضي بإسقاط حقه. فيجب أن يسقط؛ كسائر الحقوق.
وأما كونه إذا عجله وفي قبضه ضرر. وهو: ما يختلف حديثه وقديمه، أو يحتاج إلى مؤونة في حفظه، أو يدفعه في حال خوفٍ يخاف ذهابه، أو يفسد؛ كالعنب والرطب، أو ما يخاف تلفه؛ كالحيوان: يلزمه أخذه على المذهب؛ فلأن عمر وعثمان قضيا بأخذه من غير تفصيل.
فعلى هذا يعتق.
وأما كونه يحتمل أن لا يلزمه أخذه فيما ذكر على روايةٍ؛ فلأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حقٌّ له، ولم يرض بزواله. فلم يزل؛ كما لو علق عتقه على شرط لم يعتق قبله.
وظاهر كلام المصنف هاهنا أنه إذا لم يكن في قبضه ضرر لا خلاف في لزوم أخذه؛ لأنه قيّد الخلاف بالضرر.
وقال في المغني: أن الروايتين عن الإمام أحمد مطلقتان، وأن الصحيح في المذهب اللزوم، وأن القاضي قال: المذهب عندي التفصيل. وذكر في الكافي: أنه إن كان
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10: 335 كتاب المكاتب، باب تعجيل الكتابة.
(2)
أخرجه البيهقي في الموضع السابق.
في قبضه ضرر لم يلزمه قبضه؛ لما فيه من الضرر، وإن لم يكن في قبضه ضرر ففيه روايتان.
قال: (ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته).
أما كونه لا بأس بما ذكر فلأن الملحوظ في الكتابة جانب المكاتب لا جانب السيد.
وأما كونه لا بأس بما ذكر في دين الكتابة دون غيره؛ فلأن دين الكتابة غير مستقر وليس بدين في الحقيقة. بخلاف غيره فإنه مستقرٌ ودين في الحقيقة.
قال: (وإذا أدى وعتق. فوجد السيد بالعوض عيباً: فله أرشه، أو قيمته. ولا يرتفع العتق).
أما كون السيد له الأرش أو القيمة؛ فلأن إطلاق العقد يقتضي السلامة. فإذا تعذر رد المكاتب رقيقاً وجب أحدهما؛ لأن فيه جبر ما اقتضاه إطلاق العقد.
وأما كونه لا يرتفع العتق؛ فلأن العتق إتلاف. فإذا حكم بوقوعه لم يبطل؛ كعقد الخلع.
ولأنه ليس المقصود منه المال. أشبه الخلع. والله أعلم.
فصل [فيما يملك المكاتب]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (ويملك المكاتب أكسابه، ومنافعه، والشراء، والبيع، والإجارة، والاستئجار، والسفر، وأخذ الصدقة، والإنفاق على نفسه وولده ورقيقه، وكل ما فيه صلاح المال).
أما كون المكاتب يملك أكسابه ومنافعه والتصرف
…
إلى قوله وأخذ الصدقة؛ فلأن عقد الكتابة إنما عقد لتحصيل العتق، ولا يحص ل إلا بأداء عوضه، ولا يمكنه إلا بملك أكسابه والتصرف بحسب اختياره على وجه المصلحة.
وأما كونه يملك كل ما فيه صلاح المال؛ فلما في ذلك من الصلاح.
قال: (فإن شرط عليه أن لا يسافر ولا يأخذ الصدقة فهل يصح الشرط؟ على وجهين).
أما كون الشرط المذكور يصح على وجهٍ؛ فلأن له فيه غرضاً صحيحاً وهو أن لا يطعمه أوساخ الناس.
وأما كونه لا يصح على وجه؛ فلأن ذلك وسيلة إلى تحصيل عتقه. فلم يصح اشتراط عدمه؛ كما لو اشترط عليه بأن لا يبيع ولا يشتري.
قال: (وليس له أن يتزوج، ولا يتسرى، ولا يتبرع، ولا يقرض، ولا يحابي، ولا يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه، ولا يعتق، ولا يكاتب: إلا بإذن سيده. وولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده).
أما (1) كون المكاتب ليس له أن يتزوج بغير إذن سيده؛ فلأنه عبد. فيدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما عبدٍ تزوج بغير إذن مواليهِ فهوَ عَاهِر» (2).
(1) في أ: وأما.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (2078) 2: 228 كتاب النكاح، باب في نكاح العبد بغير إذن سيده.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1112) 3: 420 كتاب النكاح، باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده.
ولأن على السيد في ذلك ضرراً؛ لأنه يحتاج أن يؤدي المهر والنفقة من كسبه، وربما عجز. فيرق ويرجع إليه ناقص القيمة.
وأما كونه له ذلك بإذن سيده؛ فلأن مفهوم الحديث يدل عليه.
ولأن المنع لحقه فإذا أذن له فقد أسقط حقه.
ولأنه لو أذن للعبد القن في النكاح صح منه. فالمكاتب أولى.
وأما كونه ليس له أن يتسرى بغير إذن؛ فلأن ملكه غير تام.
ولأن على السيد في ذلك ضرراً. فإنه ربما أحبلها وعجز عن أداء مال الكتابة فإذا فسخت عاد ماله إليه ناقصاً؛ لأن الحبل مخوفٌ في بنات آدم.
وأما كونه له ذلك إذا أذن له سيده؛ فلأنه لو أذن للعبد القن في التسري جاز. فالمكاتب أولى.
وأما كونه ليس له أن يتبرع بغير إذن سيده؛ فلأنه محض ضرر. فمنع منه؛ كالعبد القن.
وأما كونه له ذلك إذا أذن له فيه؛ فلأن الحق له.
وأما كونه ليس له أن يقرض بغير إذنه؛ فلأنه بعرضية أن لا يرجع إليه؛ لأن المقترض ربما أفلس أو مات ولا شيء له.
وأما كونه له ذلك إذا أذن له فيه؛ فلأن الحق له.
وأما كونه ليس له أن يحابي بغير إذنه؛ فلأنه تبرع. فمنع منه؛ كالهبة.
ولأن في ذلك ضرراً على السيد.
وأما كونه له ذلك إذا أذن فيه؛ فلما تقدم.
وأما كونه ليس له أن يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه؛ فلأنه إتلاف لماله باختياره.
ولأن في ذلك ضرراً على السيد.
وقال القاضي: له ذلك؛ لأنه من مصالح ملكه؛ لأنه إذا لم يستوف ذلك صار وسيلة إلى إقدام بعضهم على بعض.
وأما كونه ليس له أن يعتق بغير إذن سيده؛ فلأنه محض تبرع. أشبه الهبة.
وأما كونه له ذلك بإذن سيده؛ فلما تقدم غير مرة.
وأما كونه ليس له أن يكاتب بغير إذنه؛ فلأنه ليس له أن يعتق. فلم يكن له أن يكاتب؛ كالمأذون له في التجارة.
وأما كونه له ذلك إذا أذن له فيه؛ فلأن الحق له. فإذا أذن فيه صار كسائر الحقوق.
وأما كون ولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده؛ فلأنه إذا ثبت له الولاء على المكاتب. فلأن يثبت على من أنعم على المكاتب بطريق الأولى.
قال: (ولا يكفّر بالمال. وعنه: له ذلك بإذن السيد).
أما كون المكاتب ليس له أن يكفر بالمال إذا لم يأذن له سيده في ذلك؛ فلأنه عبد.
ولأنه في حكم المعسرين. بدليل أنه لا يلزمه زكاة ولا نفقة قريب، وله أخذ الزكاة.
وأما كونه ليس له ذلك إلا إذا أذن له سيده فيه على المذهب؛ فلما تقدم.
وأما كونه له ذلك على رواية؛ فلأن الحق للسيد وقد أذن فيه.
وهذا الخلاف في الجواز لا في الوجوب؛ لأنه لو وجب عليه التكفير بالمال لكان عليه في ذلك ضرر؛ لما فيه من إفضائه إلى تفويت الحرية. فلم يجب التكفير بالمال؛ كالتبرع.
قال: (وهل له أن يرهن أو يضارب بماله؟ يحتمل وجهين).
أما كون المكاتب ليس له أن يرهن أو يضارب على وجه؛ فلأن في ذلك ضرراً على السيد؛ لأن الرهن ربما استحق لتعذر الوفاء، وبيع في الدين، والمضاربة ربما خسر فيها، وربما كان فيها غرر من حيث: إنه سلم ماله لغيره.
وأما كونه له ذلك على وجه؛ فلأن دين الرهن والمضاربة سببان للربح. أشبه الاستدانة من غير رهن، والمضاربة بمال الغير.
قال: (وليس له شراء ذوي رحمه إلا بإذن سيده. وقال القاضي: له ذلك. وله أن يَقْبَلهم إذا وهبوا له أو أوصي له بهم إذا لم يكن فيه ضرر بماله. ومتى ملكهم لم يكن له بيعهم. وله كسبهم وحكمهم حكمه فإن عتق عتقوا، وإن رق صاروا رقيقاً للسيد. وكذلك الحكم في ولده من أمته).
أما كون المكاتب ليس له شراء ذوي رحمه إلا بإذن سيده على المذهب؛ فلأنه تصرف يؤدي إلى إتلاف ماله. فإنه يخرج من ماله ما يجوز له التصرف فيه في مقابلة ما لا يجوز له التصرف فيه. فصار كالهبة.
وأما كونه له ذلك على قول القاضي؛ فلأنه يصح أن يشتريهم غير المكاتب. فصح أن يشتريهم؛ كغير ذوي رحمه. وما ذكر من أنه يخرج من ماله ما لا يجوز له التصرف فيه فمقابل بحصول الكسب والانتفاع بهم، وبهذا فارق الهبة فإنه لا نفع فيها.
وأما كونه له أن يقبلهم إذا وهبوا له أو وصي له بهم إذا لم يكن فيه ضرر بماله؛ فلأنه ليس في القبول إتلاف مال ولا ضرر. مع أنه سبب لتحصيل الحرية بتقدير الأداء، وذلك مطلوب شرعاً.
وأما كونه ليس له أن يبيعهم متى ملكهم؛ فلأن مقتضى الحال أنهم يعتقون عليه؛ لأنهم ملكه. إلا أنه لما كان في ذلك ضرراً على السيد لم يترتب على المقتضي مقتضاه فاقتضى وقوف الحال إلى أن يتبين هل يعتق أو يرق؟ .
وأما كونه له كسبهم؛ فلأنهم مماليكه.
وأما كون حكمهم حكمه؛ فلأنهم تبع له.
وأما كونهم إذا عتق عتقوا وإذا رق صاروا رقيقاً للسيد؛ فلما ذكر في التبعية.
ولأن ملكه استقر عليهم حينئذٍ وهم ذوو رحمه. فعتقوا عليه؛ كغيره.
ولأن مقتضى الدليل أنهم يعتقون بمجرد الملك لكن عارضه حق للسيد وقد زال. فوجب أن يعمل المقتضي عمله.
وأما كون حكم ولده من أمته كذلك؛ فلأنه من ذوي رحمه. فكان حكمه حكم ما تقدم ذكره.
قال: (وولد المكاتبة الذي ولدته في الكتابة يتبعها. وإن اشترى المكاتب زوجته انفسخ نكاحها).
أما كون ولد المكاتبة المذكور يتبع المكاتبة؛ فلأن الكتابة سبب للعتق. فسرى إلى الولد؛ كالاستيلاد.
وفي قول المصنف رحمه الله تعالى: الذي ولدته في الكتابة إشعار بأن الولد قبل الكتابة لا يتبعها وهو صحيح؛ لأنه لو باشرها بالعتق لم يتبعها ولدها. فلأن لا يتبعها في الكتابة بطريق الأولى.
وأما كون المكاتب إذا اشترى زوجته ينفسخ نكاحها؛ فلأن المكاتب يملك ما يشتريه. بدليل أنه تثبت له الشفعة على سيده، ولسيده عليه، ويجري الربا بينه وبينه.
قال: (وإن استولد أمته فهل تصير أم ولدٍ له يمتنع عليه بيعها؟ على وجهين).
أما كون من استولد أمته تصير أم ولدٍ له يمتنع عليه بيعها على وجه؛ فلأنه مستولد به. أشبهت مستولدة الحر.
وأما كونها لا تصير أم ولدٍ له يمتنع عليه بيعها على وجهٍ؛ فلأنها حملت بمملوك في ملكٍ غير تام.
قال المصنف في المغني: والمذهب أنها تصير أم ولدٍ؛ لأن ولدها له حرمة الحرية. ولهذا لا يجوز بيعه.
فصل [فيما يملك السيد من المكاتب]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (ولا يملك السيد شيئاً من كسبه ولا يبيعه درهماً بدرهمين. وإن جنى عليه فعليه أرش جنايته).
أما كون السيد لا يملك شيئاً من كسب المكاتب؛ فلأن المكاتب يملكه. والمال الواحد لا يتوارد عليه مالكان في وقتٍ واحد.
وأما كونه لا يبيعه درهماً بدرهمين؛ فلأن المكاتب مع سيده؛ كالأجنبي.
وأما كونه إذا جنى عليه: عليه أرش جنايته؛ فلما ذكر من أنه معه؛ كالأجنبي.
قال: (وإن حبسه مدةً فعليه أرفق الأمرين به من إنظاره مثل تلك المدة، أو أجرة مثله).
أما كون السيد إذا حبس مكاتبه عليه أرفق الأمرين المذكورين؛ فلأن عقد الكتابة ملحوظٌ فيه حظ المكاتب.
وأما كون أحدهما إنظاره مثل تلك المدة؛ فلأن ذلك نظير ما فاته.
وأما كون الآخر أجرة مثله لمدة الحبس؛ فلأنه منعه من التصرف لوفاء ما عليه وفوّت منفعته في تلك المدة. أشبه ما لو حبس عبداً له صنعة.
قال: (وليس له أن يطأ مكاتبته إلا أن يشترط. فإن وطئها ولم يشترط، أو وطئ أمتها فلها عليه المهر، ويؤدب، ولا يبلغ به الحد. وإن شرط وطئها فلا مهر لها عليه).
أما كون السيد ليس له أن يطأ مكاتبته مع عدم الاشتراط؛ فلأن الكتابة عقد أزال ملك استخدامها، ومنع ملك عوض منفعة البضع فيما إذا وطئت بشبهة. فأزال حل وطئها؛ كالبيع.
وأما كونه له ذلك مع الاشتراط؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمنون على شروطهم» (1).
ولأنه شرط منفعتها فوجب أن يصح؛ كما لو اشترط استخدامها. يحقق هذا أن ملكه باق عليها. وإنما منع من وطئها؛ لحقها. فإذا اشترطه جاز؛ كالخدمة.
وأما كون السيد عليه المهر إذا وطئ المكاتبة ولم يشترط، أو وطئ أمتها؛ فلأنه عوض شيء مستحق المكاتبة. فكان لها؛ كبقية منافعها.
ولا فرق بين المطاوعة والإكراه: أما مع الإكراه؛ فظاهر. وأما مع المطاوعة؛ فلأن الحد سقط عن السيد للملك. فوجب لها المهر؛ كما لو وطئ امرأة لشبه عقد. فإنها تستحق المهر مع المطاوعة.
وأما كونه يؤدب؛ فلأن وطئه وطءٌ حرام.
وأما كونه لا يبلغ به الحد؛ فلأن الحد يدرأ بالشبهات، والمكاتب مملوك. بدليل قوله عليه السلام:«المكاتب عبدٌ ما بقي عليه درهم» (2).
وأما كونه لا مهر عليه إذا شرط وطئها؛ فلأنه وطء مأذون فيه؛ لما تقدم من صحة اشتراطه.
قال: (ومتى ولدت منه صارت أم ولده وولده حر. فإن أدت عتقت. وإن مات قبل أدائها عتقت وسقط ما بقي من كتابتها. وما في يدها لها إلا أن يكون بعد عجزها. وقال أصحابنا: هو لورثة سيدها. وكذلك الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده).
أما كون المكاتبة متى ولدت من السيد تصير أم ولده؛ فلأنها علقت بحرٍ في ملكه.
وأما كون ولده حراً؛ فلأنه من مملوكته.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (3594) 3: 304 كتاب الأقضية، باب في الصلح.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1352) 3: 634 كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وأما كونها تعتق بأدائها؛ فلأن كتابتها لم تبطل؛ لأن الكتابة عقد لازم من جهة سيدها.
وأما كونها تعتق بموت السيد؛ فلأن ذلك شأن أم الولد.
وأما كون ما بقي من كتابتها تسقط؛ فلأنها عتقت بغير الكتابة.
وأما كون ما بقي في يدها إذا مات السيد ولم تعجز: لها على قول غير الأصحاب؛ فلأن العتق إذا وقع في الكتابة لم يبطل حكمها وكان بمنزلة الإبراء من نجوم الكتابة. وذكر المصنف في المغني: أن ذلك قول القاضي وابن عقيل.
وأما كونه لورثة سيدها على قولهم؛ فلأنها عتقت بحكم الاستيلاد. فكان ما في يدها لورثة سيدها؛ كما لو لم تكن مكاتبة.
وأما كونه للورثة إذا عجزت قبل موت سيدها؛ فلأنها عادت إلى ملك السيد بالعجز.
وأما كون الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده كالحكم فيما تقدم ذكره؛ فلأن عتقه بالمباشرة كعتقها بالاستيلاد. فوجب استواؤهما في الحكم.
وقال المصنف في المغني: يحتمل أن يفرق بينهما من حيث: إن الإعتاق يكون برضى من المعتق فيكون رضى منه بإعطائها مالها. والعتق بالاستيلاد يحصل بغير رضى الورثة واختيارهم فلا يستسع المكاتب شيئاً من ماله.
قال: (وإن كاتب اثنان جاريتهما ثم وطئاها فلها المهر على كل واحدٍ منهما. وإن ولدت من أحدهما صارت أم ولدٍ له، ويغرم لشريكه نصف قيمتها. وهل يغرم نصف قيمة ولدها؟ على روايتين).
أما كون المكاتبة لها المهر على كل واحدٍ من سيدها إذا وطئاها؛ فلأن الوطء يوجب المهر، وقد وجد ذلك منهما.
وأما كونها تصير أم ولدٍ للذي أولدها منهما؛ فلأنها علقت بحرٍّ في شيء ملك بعضه، وذلك موجب للسراية؛ لأن الاستيلاد أقوى من العتق. بدليل أنه يصح من المجنون وينفذ من الأب في جارية ابنه، وينفذ من رأس المال في مرض الموت.
وأما كون الذي أولدها يغرم نصف قيمتها لشريكه؛ فلأنه أتلفها عليه بصيرورتها أم ولد.
وأما كونه يغرم نصف قيمة ولدها على روايةٍ؛ فلأنه كان من سبيل هذا النصف: أن يكون مملوكاً لشريكه فقد أتلف رقه على شريكه بفعله. فكان عليه نصف قيمته.
وأما كونه لا يغرم ذلك على رواية؛ فلأنه انتقل إليه نصيب شريكه من حين العلوق، وفي تلك الحال لم تكن له قيمة.
قال: (وإن أتت بولدٍ فألحق بهما صارت أم ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما وباقيها بموت الآخر. وعند القاضي: لا يسري استيلاد أحدهما إلى نصيب شريكه إلا أن يعجز فينظر حينئذٍ فإن كان موسراً قوّم عليه نصيب شريكه، وإلا فلا).
أما كون الموطوءة المذكورة تصير أم ولدٍ لهما إذا أتت بولدٍ فألحق بهما؛ فلأن الولد منسوبٌ إليهما.
وأما كون نصفها يعتق بموت أحدهما؛ فلأنه هو الذي يملكه.
وأما كون استيلاد أحدهما لا يسري إلى نصيب شريكه على قول القاضي إذا لم تعجز؛ فلأن المكاتبة انعقد فيها سبب الحرية، ولمكاتبها عليها الولاء، وفي السراية إبطال لذلك.
وأما كون المكاتبة إذا عجزت ينظر في مكاتبها؛ فلأن له حالة يسري فيها، وحالة لا يسري فيها.
وأما كون نصيب شريكه الموسر يُقَوَّم عليه؛ فلأن استيلاد الموسر موجب للسراية في الرقيق، وقد تحقق الرق هنا.
وأما كون نصيب شريك غير الموسر لا يُقَوَّم عليه؛ فلأن الاستيلاد غير الموسر لا يسري عند القاضي، وهذا قوله فبناه على أصله.
فصل [في بيع المكاتب]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (ويجوز بيع المكاتب. ومشتريه يقوم مقام المكاتِب فإن أدى إليه عتق وولاؤه له. وإن عجز عاد قِناًّ له. وإن لم يعلم أنه مكاتب فله الرد أو الأرش. وعنه: لا يجوز بيعه).
أما كون بيع المكاتب يجوز على المذهب؛ فلما روت عائشة أنها قالت: «جاءت بريرة إليّ. فقالت: يا عائشة! إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني. قالت عائشة: إن أحبّ أهلك أن أَعُدَّها لهم ويكون ولاؤك لي ففعلت. فعرضت ذلك عليهم فأبوا. فذكرت عائشة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: لا يمنعك ذلك منها ابتاعي وأعتقي
…
مختصر» (1) متفق عليه.
قال ابن المنذر: بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكاتبة ولم ينكر ذلك.
وأما كون مشتريه يقوم مقام المكاتِب؛ فلأنه بدل عنه.
وفيه إشعار بأن الكتابة لا تنفسخ بالبيع؛ كالنكاح والإجارة.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن بيع السيد مكاتبه على أن تبطل كتابته ببيعه إذا كان ماضياً فيها مؤديا ما يجب عليه من نجومه في أوقاتها غير جائز.
وأما كونه إذا أدى إليه يعتق وولاؤه له، وإذا عجز يعود قِناًّ له؛ فلأن حكمه هكذا كان مع البائع وقد ثبت مساواة المشتري له.
وأما كونه له الرد أو الأرش إذا لم يعلم أنه مكاتب؛ فلأن الكتابة نقص؛ لأنه لا يقدر على التصرف فيه وقد انعقد سبب الحرية فيه. أشبه الأمة المزوجة.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2060) 2: 759 كتاب البيوع، باب: إذا اشترط شروطاً في البيع لا تحل.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1504) 2: 1141 كتاب العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق.
وأما كون بيع المكاتب لا يجوز على رواية؛ فلأنه عقد يمنع استحقاق الكسب. فمنع البيع؛ كالذي لا نفع فيه.
قال: (وإن اشترى كل واحدٍ من المكاتبين الآخر صح شراء الأول وبطل شراء الثاني. سواء كانا لواحدٍ أو لاثنين. وإن جهل الأول منهما فسدَ البيعان).
أما كون شراء الأول يصح؛ فلأن تصرفه نافذ، وبيع السيد مكاتبه جائز.
وأما كون شراء الثاني يبطل؛ فلأن العبد لا يملك سيده؛ لأنه يفضي إلى تناقض الأحكام إذْ كل واحدٍ يقول لصاحبه: أنا مولاك ولي ولاؤك، وإن عجزت صرت لي رقيقاً.
وأما كون ذلك كذلك سواء كانا لواحدٍ أو لاثنين؛ فلأن العلة كون العبد لا يملك سيده، وهي موجودة في الموضعين.
وأما كون البيعين يفسدان إذا جهل الأول؛ فلأنه يجري مجرى نكاح الوليين إذا أشكل الأول منهما.
قال: (وإن أسر العدو المكاتب فاشتراه رجلٌ فأحبَّ سيده أخذه أخذه (1) بما اشتراه له. وإلا فهو عند مشتريه مبقى على ما بقي من كتابته يعتق بالأداء وولاؤه له).
أما كون السيد إذا أحبّ أخذ مكاتبه يأخذه بما اشتراه الغير من العدو فمبني على ما إذا استولى الكفار على مال المسلم، ثم استولى عليه المسلمون، ثم وجده صاحبه بعد القسمة، وفيه روايتان تقدم ذكرهما في الجهاد (2).
وأما كونه إذا لم يحبّ أخذه فهو عند مشتريه مبقى على ما بقي من كتابته؛ فلأن الكتابة عقدٌ لازمٌ لا يبطل بالبيع؛ فلأن لا يبطل بالأسر بطريق الأولى.
وأما كونه يعتق بالأداء؛ فلأنه مكاتبٌ قد أدى كتابته.
وأما كون ولائه للمشتري؛ فلأنه معتقه.
(1) زيادة من المقنع.
(2)
2: 578.
فصل [إذا جنى المكاتب]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإن جنى على سيده أو أجنبي فعليه فداء نفسه مقدماً على الكتابة. وقال أبو بكر: يتحاصّان).
أما كون المكاتب إذا جنى: عليه فداء نفسه؛ فلأنه هو الجاني، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يجني جانٍ إلا على نفسِه» (1).
ولأنه كالحر في باب المعاملات. فكذلك في الجنايات.
وأما كون ذلك مقدماً على الكتابة على المذهب؛ فلأن أرش الجناية مستقر، والكتابة غير مستقرة.
وأما كون الجناية والكتابة يتحاصان على قول أبي بكر؛ فلأنهما اشتركا في الاستحقاق.
والأول المعمول به في المذهب؛ لما ذكر من الترجيح.
قال: (وإن عتق فعليه فداء نفسه، وإن عجز فلسيده تعجيزه إن كانت الجناية عليه. وإن كانت على أجنبي ففداه سيده وإلا فسخت الكتابة وبيع في الجناية).
أما كون المكاتب عليه فداء نفسه إذا عتق؛ فلأنها كانت عليه قبل العتق. فكذلك بعده.
وأما كون السيد له تعجيزه إذا عجز وكانت الجناية على نفسه؛ فلأن الأرش حق له. فكان له تعجيزه إذا عجز عنه؛ كمال الكتابة.
وأما كونه له فداؤه إذا كانت الجناية على أجنبي؛ فلأنه لو كان عند المالك فداه. فكذلك هنا.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (2159) 4: 461 كتاب الفتن، باب ما جاء دماؤكم وأموالكم عليكم حرام.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (3055) 2: 1015 كتاب المناسك، باب الخطبة يوم النحر.
وفيه إشعار بأن السيد إذا اختار الفداء لم يكن للأجنبي فسخ الكتابة وبيعه في الجناية. وهو صحيح؛ لأن الفسخ كان لحق المجني عليه وقد زال ذلك (1) بالفداء.
وأما كون الكتابة تفسخ ويباع الجاني في الجناية إذا لم يفده السيد؛ فلأن حق المجني عليه مقدّم على حق السيد؛ لأن أرش الجناية يتعلق بعين المكاتب. بخلاف السيد فإن حقه معلّق بالذمة.
ولأنه إذا قدّم حق المجني عليه على السيد في العبد القن. فلأن يقدّم في المكاتب بطريق الأولى.
ولقائل أن يقول: لا حاجة إلى فسخ الكتابة؛ لأن حق المجني عليه يندفع ببيعه مكاتباً.
فإن قيل: ربما كان أرش الجناية أكثر من قيمته مكاتباً.
قيل: يجب أن لا يستحق أكثر من ذلك؛ لأنه إنما يستحق قيمة الجاني عليه هنا مكاتب لا قن.
قال: (وإن أعتقه السيد فعليه الفداء. والواجب في الفداء أقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته. وقيل: يلزمه فداؤه بأرش الجناية كاملة).
أما كون السيد عليه فداء الجاني إذا أعتقه؛ فلأنه فوّت تسليم الرقبة إلى المجني عليه. فكان عليه فداؤه؛ كما لو قتله.
وأما كون الواجب في الفداء أقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته على المذهب؛ فلأن الأقل إن كان القيمة فهو لا يستحق إلا الرقبة والقيمة بدل عنها؛ لأن حقه في المالية لا في العين. وإن كان الأقل أرش الجناية فهو لا يستحق أكثر منه؛ لأن الإنسان لا يستحق أكثر مما جني عليه.
وأما كونه يلزمه فداؤه بأرش الجناية كاملة على قول؛ فلأنه تعذر تسليمه إلى المجني عليه من جهته. أشبه ما لو جنى عبده غير الجاني وامتنع من تسليمه.
(1) في أ: لذلك، ولعل الصواب ما أثبتناه.
قال: (وإن لزمته ديون تعلّقت بذمته يُتبع بها بعد العتق).
أما كون ديون المكاتب تتعلق بذمته لا برقبته؛ فلأن حال الاستدانة كان حكمه حكم الأحرار، وديون الأحرار متعلقة بذمتهم لا برقبتهم.
وأما كونه يُتبع بها بعد العتق إذا عجز عنها؛ فلأن ذلك حال يساره.
فصل [الكتابة عقد لازم]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (والكتابة عقدٌ لازمٌ من الطرفين لا يدخلها خيار ولا يملك أحدهما فسخها، ولا يجوز تعليقها على شرطٍ مستقبل. ولا تنفسخ بموت السيد ولا جنونه ولا الحجر عليه. ويعتق بالأداء إلى سيده أو مَن يقوم مقامه من الورثة أو غيرهم).
أما كون الكتابة عقداً لازماً من الطرفين؛ فلأنها بيعٌ والبيع من العقود اللازمة.
وأما كون الخيار لا يدخلها؛ فلأن السيد دخل على أن الحظ للمكاتب والخيار إنما يثبت لاستدراك الغبن. فإذا كان أصلها لمصلحة المكاتب لم يشرع الخيار؛ لمناقضة الأصل.
وأما كون أحدهما لا يملك فسخها؛ فلأن ذلك شأن العقود اللازمة.
وأما كونها لا يجوز تعليقها على شرطٍ مستقبل؛ فلأنها عقد معاوضة. فلم يجز تعليقه على شرط؛ كالبيع.
وأما كونها لا تنفسخ بموت السيد ولا جنونه ولا الحجر عليه؛ فلأنها عقد لازم. فلم تنفسخ بشيء من ذلك؛ كالبيع والإجارة.
وأما كون المكاتب يعتق بالأداء إلى سيده أو مَن يقوم مقامه من الورثة أو غيرهم؛ فلأن الكتابة موضوعها العتق بتقدير الأداء. فإذا وجد وجب أن يترتب عليه ما يقتضيه.
قال: (فإن حلَّ نجم فلم يؤده فللسيد الفسخ. وعنه: لا يعجز حتى يحلّ نجمان. وعنه: لا يعجز حتى يقول: قد عجزت).
أما كون السيد له فسخ الكتابة إذا حلّ نجم على المكاتب فلم يؤده على المذهب؛ فلأنه حق له. فكان له الفسخ بالعجز؛ كما لو أعسر المشتري ببعض ثمن المبيع قبل قبضه.
وأما كونه لا يُعَجّز حتى يحلّ نجمان على روايةٍ؛ فلما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «لا يردّ المكاتب في الرق حتى يتوالى عليه نجمان» (1).
ولأنه عقد اعتبر فيه التنجيم؛ لإرفاق العبد. فيعتبر فيه ما هو أرفق له.
وأما كونه لا يُعَجّز حتى يقول: قد عجزت؛ فلأن فوات العوض لا يتحقق إلا بذلك.
قال: (وليس للعبد فسخها بحال. وعنه: له ذلك).
أما كون العبد المكاتب ليس له فسخ الكتابة بحال على المذهب؛ فلأن الكتابة سبب الحرية، وفيها حق لله تعالى، وفي فسخها إبطال لذلك الحق.
وأما كونه له ذلك على روايةٍ؛ فلأن معظم مقصودها له. فإذا رضي بإسقاط حقه سقط.
قال: (ولو زوّج ابنته من مكاتبه ثم مات انفسخ النكاح. ويحتمل أن لا ينفسخ حتى يعجز).
أما كون النكاح المذكور ينفسخ على المذهب؛ فلأن زوجته تملكه أو تملك سهماً منه. فانفسخ نكاحها؛ كما لو اشترته أو اشترت سهماً منه.
ولا بد أن يلحظ في هذه المسألة أشياء:
أحدها: أن الحرية ليست من شروط صحة النكاح.
وثانيها: أن يزوجها بإذنها.
وثالثها: أن تكون وارثه. فلو كان بينهما اختلافُ دين، أو كانت قاتلة فالنكاح بحاله؛ لأنها ما ملكته ولا شيئاً منه.
وأما كونه يحتمل أن لا ينفسخ حتى يعجز؛ فلأنها لا ترثه. وإنما يملك نصيبها من الدين الذي في ذمته. بدليل أن الوارث إذا أبرأ المكاتب عتق وكان الولاء للميت، ولو ملكه كان الولاء له.
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (21406) 4: 399 كتاب البيوع والأقضية، من رد المكاتب إذا عجز. ولفظه: عن علي قال: «إذا تتابع على المكاتب نجمان فدخل في السنة فلم يؤد نجومه رد في الرق» .
والصحيح الأول؛ لأن المكاتب ملك للسيد لا يعتق بموته. فوجب أن ينتقل إلى ورثته؛ كسائر أملاكه.
ولأنه لا يجوز لها أن تبتدئ نكاحه، ولو لم تملكه جاز لها ذلك. وإنما كان الولاء للميت؛ لأنه وجد منه سبب العتق فنسب إليه.
قال: (ويجب على سيده أن يؤتيه ربع مال الكتابة: إن شاء وضعه عنه، وإن شاء قبضه ودفعه إليه. فإن أدى ثلاثة أرباع المال وعجز عن الربع عتق. ولم تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه. وظاهر قول الخرقي: أنه لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة).
أما كون سيد المكاتب يجب عليه أن يؤتيه ربع مال الكتابة؛ فلأن الله تعالى قال: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور: 33]. أمر والأمر للوجوب. قال علي رضي الله عنه في تفسيرها: «ضعوا عنهم ربع مال الكتابة» (1).
وأما كونه إن شاء وضعه عنه وإن شاء قبضه منه ثم دفعه إليه؛ فلأن الغرض التخفيف عن المكاتب، وذلك حاصل بكل واحدٍ منهما.
وأما كون المكاتب إذا أدى ثلاثة أرباع المال وعجز عن الربع يعتق ولا تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه؛ فلأنه عجز عما يجب دفعه إليه. فوجب أن يعتق وأن لا تنفسخ الكتابة؛ كما لو لم يبق عليه شيء أصلاً.
ولأنه عجز عن حقٍّ له. فلم تتوقف حريته على أدائه؛ كأرش جناية سيده عليه.
(1) أخرجه النسائي في السنن الكبرى (5034 - 5038) 3: 198 - 199 كتاب العتق، باب تأويل قول الله جل ثناؤه:{وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} .
وأما كونه لا يعتق حتى يؤدي جميع مال الكتابة في ظاهر قول الخرقي؛ فلقوله عليه السلام: «المكاتب عبدٌ ما بقي عليه درهم» (1).
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
فصل [إذا كاتب عبيدا كتابة واحدة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإذا كاتب عبيداً له كتابةً واحدةً بعوضٍ واحدٍ: صح، ويقسط العوض بينهم على قدر قيمتهم. ويكون كل واحد منهم مكاتباً بقدر حصته يعتق بأدائها ويعجز بالعجز عنها وحده. وقال أبو بكر: العوض بينهم على عددهم. ولا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع الكتابة. وإن اختلفوا بعد الأداء في قدر ما أدى كل واحدٍ منهم فالقول قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه).
أما كون من كاتب عبيداً له بعوض واحد يصح؛ فلأن الكتابة بيع. فصح عقدها على جماعة جملة واحدة بعوضٍ واحد؛ كالبيع.
وأما كون العوض يُقَسَّط بينهم على قدر قيمتهم على المذهب؛ فلأن البيع إذا تناول جماعة وجب تقسيط العوض بينهم كذلك. فكذلك الكتابة.
وأما كون كل واحدٍ منهم يكون مكاتباً بقدر حصته يعتق بأدائها ويعجز بالعجز عنها وحده على ذلك؛ فلأن الحصة بمنزلة القِنّ المنفرد.
وأما كون العوض على عددهم على قول أبي بكر؛ فلأنه أضافه إليهم إضافةً واحدة. فكان بينهم بالسواء؛ كما لو أقر لهم بشيء.
وأما كونه لا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع الكتابة؛ فلأن الكتابة مقدر فيها قول السيد: متى أديتم فأنتم أحرار. ولو صرح بذلك لم يعتق واحد حتى يوجد الأداء من الكل.
قال المصنف في المغني: الأول أصح؛ لما تقدم. وما ذكر منتقض بتقسيط العوض بالقيمة فيما لو اشترى شقصاً وسيفاً بثمن واحد. وبهذا فارق الإقرار؛ لأنه ليس عوضاً.
وأما كون القول قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه إذا اختلفوا بعد الأداء في قدر ما أدى كل واحدٍ منهم؛ فلأن الظاهر من حاله أداء ما وجب عليه. فوجب قبول قوله فيه؛ لاعتضاده بالظاهر.
قال: (ويجوز أن يكاتب بعض عبده. فإذا أدّى عتق كله).
أما كون السيد يجوز أن يكاتب بعض عبده؛ فلأنه يجوز له أن يبيع بعضه. فكذلك كتابته.
وأما كون من كوتب بعضه فيما ذكر إذا أدى يعتق كله؛ فلأنه عتق بعضه بالكتابة. فوجب أن يعتق كله؛ كما لو بوشر بعضه بالعتق.
قال: (ويجوز كتابة حصته من العبد المشترك بغير إذن شريكه. فإن أدى ما كوتب عليه ومثله لسيده الآخر عتق كله إن كان الذي كاتبه موسراً وعليه قيمة حصة شريكه. وإن أعتق الشريك قبل أدائه عتق عليه كله إن كان موسراً وعليه قيمة نصيب المكاتب. وقال القاضي: لا يسري إلى النصف المكاتب إلا أن يعجز فيقوم عليه حينئذ).
أما كون كتابة الإنسان حصته من عبده المشترك بغير إذن شريكه يجوز؛ فلأن الكتابة عقد معاوضة. فجازت بغير إذن الشريك؛ كالبيع.
وأما كون المكاتب المذكور إذا (1) أدى ما كوتب عليه ومثله لمالك بعضه الآخر يعتق كله إن كان الذي كاتبه موسراً؛ فلأن بعضه يعتق بأداء الكتابة. فيسري إلى نصيب الشريك؛ كما لو باشر نصيبه بالعتق.
وأما كون المكاتب عليه قيمة حصة شريكه؛ فلأنه فوّت الحصة على مالكها لإتلافها بالعتق. أشبه ما لو قتله.
وأما كون الشريك إذا أعتق نصيبه قبل أداء المكاتب يعتق عليه كله على المذهب إن كان موسراً؛ فلأن نصيبه عتق بالمباشرة. فسرى إلى نصيب شريكه؛ لكون المكاتب عبداً ما بقي عليه درهم.
(1) في أزيادة: ما.
ولأن الشريك لو أعتق شقصاً من عبد غيره (1) لعتق عليه. فكذلك المكاتب.
واشترط المصنف رحمه الله تعالى في عتق كله: كون المعتق موسراً؛ لأن عتق المعسر لا يسري؛ لما فيه من الضرر اللاحق لشريكه من فوات ملكه، وعدم عوضه.
وأما كونه عليه قيمة نصيب المكاتب إذا سرى العتق إليه؛ فلأنه فوّت عليه ملكه بالعتق. فوجب عليه ضمانه؛ كما لو قتله.
وفي كلام المصنف إشعارٌ بأنه يجب عليه قيمة حصة شريكه مكاتباً وهو صحيح؛ لأنه إنما تجب عليه قيمة ما أتلف، وإنما أتلف مكاتباً.
وأما كون العتق المذكور لا يسري إلى النصف المكاتب على قول القاضي إذا لم يعجز المكاتب؛ فلأن سراية العتق يفضي إلى إبطال الولاء، ونقله عن سيده الذي كاتبه بعد انعقاد سببه في حقه.
وأما كونه يقوم على المعتق إذا عجز؛ فلأنه عاد قناً فلا يفضي إلى المحذور المذكور.
قال: (وإن كاتبا عبدهما جاز. سواء كان على التساوي أو التفاضل. ولا يجوز أن يؤديَ إليهما إلا على التساوي).
أما كون السيدين إذا كاتبا عبدهما يجوز. تساوى العوض أو تفاضل؛ فلأن الكتابة عقد معاوضة. فجاز من الشريكين متساوياً ومتفاضلاً؛ كالبيع.
وأما كون المكاتب لا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على التساوي؛ فلأنهما سواء في الملك. فيجب استواؤهما في الأداء.
ولأنه ربما عجز فيصير رقيقاً، ويتساويان في كسبه. فيرجع أحدهما على صاحبه بما في يده من الفضل بعد انتفاعه به مدة.
(1) في أزيادة: مكاتب
قال: (فإذا كمل أداؤه إلى أحدهما قبل الآخر عتق كله عليه. وإن أدى إلى أحدهما دون صاحبه لم يعتق. إلا أن يكون بإذن الآخر فيعتق. ويحتمل أن لا يعتق).
أما كون من كمل الأداء إليه قبل الآخر يعتق كله عليه؛ فلأن نصيبه يعتق بالأداء. فيسري إلى نصيب شريكه.
وأما كون من أدّى إلى أحدهما دون صاحبه بغير إذنه لا يعتق؛ فلأن العتق لا يحصل بأداء مال الغير.
وأما كون من أدّى بإذن الآخر يعتق على المذهب؛ فلأن المكاتب محجور عليه لحق سيده. فإذا أذن له صح الأداء، وإذا صح الأداء وقع العتق؛ لحصول الأداء الصحيح.
وأما كونه يحتمل أن لا يعتق؛ فلأن حق السيد في ذمة المكاتب، وما في يد المكاتب ملك له. فإذا أذن السيد فيه لا ينفذ؛ كما لو لم يأذن.
والأول أولى؛ لأن ما ذكر ثانياً يبطل بما إذا أذن له في التبرع.
فصل [إذا اختلفا في الكتابة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإن اختلفا في الكتابة فالقول قول من ينكرها. وإن اختلفا في قدر عوضها فالقول قول السيد في أحد الروايتين. وإن اختلفا في وفاء مالها فالقول قول السيد. فإن أقام العبد شاهداً وحلف معه، أو شاهداً وامرأتين: ثبت الأداء وعتق).
أما كون القول قول من ينكر الكتابة إذا اختلفا فيها؛ فلأن القول قول المنكر في البيع والإجارة وسائر العقود. فكذلك هاهنا.
وأما كون القول قول السيد إذا اختلفا في قدر عوضها في رواية؛ فلأنه اختلاف في الكتابة. فكان القول قول السيد؛ كما لو اختلفا في أصل الكتابة.
وأما كون السيد والمكاتب يتحالفان ويترادّان عقد الكتابة في رواية؛ فلأنهما اختلفا في عوض المبيع.
وذكر المصنف رحمه الله تعالى في المغني رواية ثالثة: أن القول قول المكاتب؛ لأنه منكرٌ للزيادة، والقول قول المنكر.
ولأنه مدعى عليه فيدخل في عموم قوله عليه السلام: «البينةُ على المُدّعِي، واليمينُ على المدّعَى عليه» (1).
والأول المذهب. قاله القاضي.
والفرق بين الكتابة وبين البيع: أن الأصل عدم ملك كل واحدٍ من المتعاقدين للعوض الذي بذله صاحبه. وفي الكتابة الأصل: أن السيد مالك لعبده وكسبه، والعوض من كسبه. فإذا كان الأصل أنه ملكه كان القول قوله فيه.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1341) 3: 626 كتاب الأحكام، باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
ولأن الحاصل بأيمانهما في الكتابة كالحاصل بيمين السيد بمفردها (1)؛ لأنهما إذا تحالفا فسخا الكتابة وعاد العبد رقيقاً للسيد وأخذ كسبه. وإذا حلف السيد وحده وقلنا أن قوله مقدم فغاية ما فيه أن يعجز العبد نفسه ويفسخ السيد، وإنكار المكاتب الزائد معارض بإنكار السيد المعاوضة إلا بذلك.
وأما كون القول قول السيد إذا اختلفا في وفاء مال الكتابة؛ فلأنه منكر للوفاء، والقول قول المنكر.
وأما كون الأداء يثبت إذا أقام العبد شاهداً وحلف معه، أو شاهداً وامرأتين؛ فلأن ذلك من قبيل الأموال، والشاهد واليمين والرجل والمرأتان مقبول في ذلك.
وأما كون العبد يعتق؛ فلأن الأداء إذا ثبت عتق المكاتب لتلازمهما.
(1) في أ: بمقرها، ولعل الصواب ما أثبتناه.
فصل [في الكتابة الفاسدة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (والكتابة الفاسدة مثل أن يكاتبه على خمرٍ، أو خنزيرٍ يغلب فيها حكم الصفة في أنه إذا أدى عتق فلا يعتق بالإبراء).
أما كون الكتابة بما ذكر فاسدة؛ فلأنها عقد معاوضة. ففسدت بما ذكر؛ كالبيع.
وأما كون الكتابة الفاسدة يغلب فيها حكم الصفة؛ فلأن الكتابة تتضمن أمرين:
أحدهما: المعاوضة.
والثاني: الصفة. وهي أن تقول: إذا أديت فأنت حر. فإذا لم تصح المعاوضة بقيت الصفة. فيجب أن يعتق إذا أدى فيها؛ لوجود الصفة.
وقال المصنف في المغني: قال أحمد: إذا كاتب كتابة فاسدة. فأدى: عتق ما لم تكن الكتابة محرمة.
وظاهره (1) أنه لا يعتق بالأداء فيها. وجُمع بينهما: بأن العتق محمول على كتابة فيها صفة، والقول بعدم العتق محمول على كتابة ليس فيها صفة.
وأما كونه لا يعتق فيها بالإبراء؛ فلأن المال غير ثابت في العقد. بخلاف الكتابة الصحيحة.
قال: (وتنفسخ بموت السيد وجنونه والحجر للسفه. ولكل واحدٍ منهما فسخها).
أما كون الكتابة المذكورة تنفسخ بما ذكر على المذهب؛ فلأن الكتابة الفاسدة عقدٌ جائز من الطرفين لا تؤول إلى اللزوم. فانفسخت بما ذكر؛ كالوكالة.
(1) في أ: وظاهر، ولعل الصواب ما أثبتناه.
فعلى هذا إذا مات وأدّى إلى الورثة لم يعتق؛ لأن المعاوضة انفسخت، والصفة بطلت بالموت.
وأما كون كل واحدٍ منهما له فسخها؛ فلأنها ليست بعقد صحيح حتى تكون كإرثه.
فإن قيل: أن يملك السيد فسخها إذا كان فيها صفة؛ كقوله: إن أديت كذا فأنت حر.
قيل: لأن المقصود المعاوضة، والصفة مبنية عليها. بخلاف الصفة المجردة.
قال: (ويملك السيد أخذَ ما في يده. وإن فضل عن الأداء فضلٌ [فهو لسيده).
أما كون السيد يأخذ ما في يده؛ فلأن كسب العبد لسيده بحكم الأصل، والعقد هاهنا فاسد.
وأما كون ما فضل] (1) عن الأداء لسيده؛ فلأنه عتق بالصفة لا بالمعاوضة، وما فضل في يده بعد الأداء يكون للسيد؛ لبقائه على ملكه.
وقال المصنف في المغني: ما فضل في يده له؛ لأنه عقد كتابة يحصل فيه المعقود عليه وهو العتق. فكان الفضل له؛ كالصحيح.
قال: (وهل يتبع المكاتبة ولدها فيها؟ على وجهين).
أما كون ولد المكاتبة يتبعها في الكتابة الفاسدة على وجه؛ فبالقياس على الصحيحة.
ولأن المعلق عتقها على صفة يتبعها ولدها. فكذلك هاهنا.
وأما كونه لا يتبعها على وجه؛ فلأن تبع الولد في الصحيحة إنما كان بحكم العقد. وهذا المعنى مفقود هاهنا، وولد المعلق عتقها بصفة فيه منع؛ لأنه لا يتبعها على وجه.
(1) ساقط من أ، وما أثبتناه من الشرح الكبير 12:484.
قال: (وقال أبو بكر: لا تنفسخ بالموت ولا الجنون ولا الحجر. ويعتق بالأداء إلى الوارث).
أما كون الكتابة المذكورة لا تنفسخ بما ذكر على قول أبي بكر؛ فلأن الفاسدة كالصحيحة في وقوع العتق وفي تبعية الولد وذوي الرحم. فكذلك في الفسخ.
ولأن للشرع تشوف إلى العتق. وما ذكر وسيلة إلى العتق. فوجب الحكم به؛ تحصيلاً للمطلوب الشرعي.
وأما كون المكاتب فيها يعتق بالأداء إلى الوارث على قوله؛ فلما تقدم من تشوف الشرع إلى العتق.
ولأن الفاسدة كالصحيحة فيما تقدم. فكذا في العتق.