المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب اللقيط اللَّقيط: فعيل بمعنى مفعول، كقولهم: قتيل وجريح بمعنى مقتول - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٣

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب إحياء المَوَات

- ‌باب الجُعالة

- ‌باب اللقطة

- ‌باب اللقيط

- ‌كتاب الوقف

- ‌باب الهبة والعطية

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب ميراث ذوي الفروض

- ‌باب العصبات

- ‌باب أصول المسائل

- ‌باب تصحيح المسائل

- ‌باب المناسخات

- ‌باب قسمة التركات

- ‌باب ذوي الأرحام

- ‌باب ميراث الحمل

- ‌باب ميراث المفقود

- ‌باب ميراث الخنثى

- ‌باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم

- ‌باب ميراث أهل الملل

- ‌باب ميراث المطلقة

- ‌باب الإقرار بمشارك في الميراث

- ‌باب ميراث القاتل

- ‌باب ميراث المعتق بعضه

- ‌باب الولاء

- ‌كتاب العتق

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب أحكام أمهات الأولاد

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب أركان النكاح وشروطه

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب الشروط في النكاح

- ‌باب حكم العيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء

- ‌كتاب الخلع

- ‌نهاية السقط من المطبوعة

الفصل: ‌ ‌باب اللقيط اللَّقيط: فعيل بمعنى مفعول، كقولهم: قتيل وجريح بمعنى مقتول

‌باب اللقيط

اللَّقيط: فعيل بمعنى مفعول، كقولهم: قتيل وجريح بمعنى مقتول ومجروح.

والالتقاط واجب، لقوله تعالى:{وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2].

ولأن فيه إحياءَ النفس. فكان واجباً، كما لو اضطر إلى طعامه. وهذا الوجوب على الكفاية إذا قام به بعض الناس سقط عن الباقين؛ لأن الغرض يحصل بذلك.

قال المصنف رحمه الله: (وهو الطفل المنبوذ. وهو حرٌ يُنفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما يُنفق عليه).

أما قول المصنف رحمه الله: وهو الطفل المنبوذ؛ فبيان لمعنى اللقيط. والمنبوذ: الذي نُبذ. أي: طُرح.

وأما كون اللقيط حراً. فقال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن اللقيط حرٌّ.

ولأن الأصل في الآدمي الحرية؛ لأن الله خلق آدم وبنيه أحراراً. وإنما يحصل الرق بعارضٍ. فإذا لم يُعلم ذلك العارض بقي على حكم الأصل.

وأما كونه يُنفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما يُنفق عليه؛ فلأن ميراثه مصروف إليه. فكانت نفقته فيه، كالوارث. وروي عن عمر رضي الله عنه:«أنه قال في اللقيط: علينا نفقته» (1) وفي رواية: «من بيت المال» (2).

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 202 كتاب اللقطة، باب التقاط المنبوذ وأن لا يجوز تركه ضائعاً.

(2)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (13838) 7: 449 كتاب الطلاق، باب اللقيط.

ص: 140

قال: (ويُحكم بإسلامه. إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافراً. فإن كان فيه مسلم فعلى وجهين).

أما كون اللقيط يحكم بإسلامه إذا وجد في بلاد الإسلام، كالبصرة، والكوفة، ودمشق، ومصر، وما أشبه ذلك. وإن كان فيها أهل الذمة؛ فلظاهر الدار.

ولأن الإسلام يَعلو ولا يُعلى.

وأما كونه كافراً إذا وجد في بلاد الكفار، كبلاد الهند، والروم، وما أشبهها إذا لم يكن فيها مسلم كتاجرٍ ونحوه؛ فلأنه لم يوجد فيها مسلمٌ يمكن إلصاق اللقيط إليه.

ولأن الحكم للدار وهي دار كُفر.

وأما كونه يحكم بإسلامه إذا كان فيها مسلم على وجهٍ؛ فتغليب للإسلام.

وأما كونه يحكم بكفره على وجهٍ؛ فتغليب للدار.

وكل موضع حكم بإسلام اللقيط فهو بطريق الظهور لا بطريق اليقين. بدليل أنه لو أقام كافرٌ بينة أنه ابنه وُلد على فراشه حُكم له به.

قال: (وما وجد معه من فراش تحته، أو ثياب، أو مال في جيبه، أو تحت فراشه، أو حيوان مشدود بثيابه: فهو له. وإن كان مدفوناً تحته، أو مطروحاً قريباً منه: فعلى وجهين).

أما كون ما وجد مع اللقيط من فراش تحته، أو ثياب عليه، أو مال في جيبه، أو تحت فراشه، أو حيوان مشدود بثيابه: له؛ فلأن الطفل يملك، وله يد صحيحة. بدليل أنه يرث، ويصح أن يشتري له وليه ويبيع له. ومن له ملك صحيح فله يدٌ صحيحة، كالبالغ.

وأما كون المدفون تحته، والمطروح قريباً منه: له على وجهٍ؛ فبالقياس على المتصل به.

ولأن ذلك يُحكم به للبائع. فكذلك الطفل. ألا! ترى أن الرجل يقعد في السوق ومتاعه حوله، ويحكم له باليد، وكذلك الجمّال يَترك جمله قريباً منه.

ص: 141

وأما كونه لا يكون له على وجهٍ؛ فلأنه منفصلٌ عنه. فلا يكون له، كما لو كان بعيداً.

وقال المصنف في المغني: قال ابن عقيل يعني في المدفون: إن كان الحفر (1) طرياً فهو له، وإلا فليس له. وهو صحيح؛ لأنه إذا كان طرياً غلب على الظن أن الذي ألقاه دفنه لكونه ملك المنبوذ. بخلاف العكس.

قال: (وأولى الناس بحضانته واجده إن كان أميناً. وله الإنفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكم. وعنه: ما يدل على أنه لا ينفق عليه إلا بإذنه).

أما كون أولى الناس بحضانة اللقيط واجده إن كان أميناً؛ فلأن عمر رضي الله عنه أقرّ اللقيط في يد واجده (2).

ولأنه سبق إليه فكان أولى به؛ لقوله عليه السلام: «من سبق إلى ما لم يسبقْ إليه أحدٌ فهو أحق به» (3).

واشترط المصنف الأمانة في الواجد؛ لأن عمر أقرّ اللقيط في يد واجده بعد أن علم أنه رجلٌ صالح.

ولأن ذلك ولاية. فلا يجوز أن يليها غير عدلٍ، كسائر الولايات.

وأما كونه له الإنفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكمٍ على المذهب؛ فلأنه جُعل أميناً على اللقيط. فكان له الإنفاق عليه من ماله بغير إذن الحاكم، كالوصي (4).

وأما كونه لا يُنفق عليه إلا بإذنه على روايةٍ؛ فلأنه إنفاقٌ على صبي. فلم يجز بغير إذن الحاكم، كما لو أنفق على صغيرٍ مودَعٍ (5) عندَه.

(1) ساقط من هـ.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 202 كتاب اللقطة، باب التقاط المنبوذ وأن لا يجوز تركه ضائعاً. ولفظه ما روي عن سنين أبي جميلة قال:«وجدت ملقوطاً فأتيت به عمر رضي الله تعالى عنه فقال: عريفي يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال عمر: أكذلك هو؟ قال نعم، قال: فاذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته» .

(3)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(4)

في هـ: كما لو وصى.

(5)

في هـ: مودوع.

ص: 142

قال صاحب النهاية فيها: والصحيح قولنا يعني الأول؛ لأن الظاهر أن اللقيط لا ولي له. فجاز أن يُجعل الملتقط ولياً له. وبهذا فارق الصبيُّ المودَعَ. فإن الولاية عليه لغير المستودَع ثابتة.

قال: (وإن كان فاسقاً، أو رقيقاً، أو كافراً، واللقيط مسلم أو بدوياً ينتقل في المواضع، أو وجده في الحضر فأراد نقله إلى البادية: لم يقرّ في يده).

أما كون اللقيط لا يقرّ في يد الفاسق؛ فلأنه ليس في حفظ اللقيط إلا الولاية، ولا ولاية لفاسق. وفارق اللقطة من وجهين:

أحدهما: أن في اللقطة معنى التكسب، وليس هنا إلا الولاية.

الثاني: أن اللقطة إذا انتزعت منه رُدّت إليه بعد الحول. بخلاف اللقيط فإنه لا يردّ إليه.

وأما كونه لا يقرّ في يد الرقيق؛ فلأنه مستحق الخدمة والمنفعة لسيده.

ولأنه لا يثبت على اللقيط إلا الولاية، وليس العبدُ من أهلها.

وأما كونه لا يُقرّ في يد الكافر إذا كان اللقيط مسلماً؛ فلأن الكافر لا ولاية له على مسلم.

ولأنه لا يؤمن أن يفتن المسلم عن دينه.

وفي كلام المصنف رحمه الله إشعارٌ بأن اللقيط إذا كان كافراً يقرّ في يده. وصرح به في المغني؛ لأن الولاية تثبت لبعض الكفار على بعض.

وأما كونه لا يقرّ في يد بدويٍ ينتقل في المواضع؛ فلأن فيه إتعاباً للصبي بتنقله.

وأما كونه لا يقرّ في يد من وجده في الحضر فأراد نقله إلى البادية؛ فلأنه ينقل اللقيط إلى شدة العيش وجفائه، وفي الأثر:«من بَدَا فقد جَفَا» (1).

ولأن فيه تعسراً لمداواته، ومراجعة الطبيب، وانقطاع النسب، وتفويت التأديب والعلم.

(1) أخرجه أحمد في مسنده (9681) 2: 440.

ص: 143

قال: (وإن التقطه في البادية مقيم في حلّهٍ، أو من يريد نقله إلى الحضر: أقرّ معه).

أما كون اللقيط يقرّ مع المقيم في حلّه بحيث لا يرحل لطلب الماء والكلأ؛ فلأنه كالمقيم في قرية.

وأما كونه يقرّ مع من يريد نقله إلى الحضر؛ فلأنه أنفع له، ويحصل له من الفوائد ما تقدم ذكره.

قال: (وإن التقطه في الحضر من يريد النقلة إلى بلد آخر فهل يقر في يده؟ على وجهين).

أما كون اللقيط يُقرّ (1) في يد من ذكر على وجهٍ؛ فلأن البلد كالبلد.

وأما كونه لا يقرّ على وجهٍ؛ فلأن بلده أقرب إلى ظهور نسبه.

قال: (وإن التقطه اثنان قُدم الموسر منهما على المعسر، والمقيم على المسافر. فإن تساويا وتشاحّا أُقْرِع بينهما).

أما كون الموسر من الملتقطين يقدم على المعسر، والمقيم على المسافر؛ فلأن ذلك أحظ للقيط، وأَعْوَد لمصلحته.

وأما كونهما يقرع بينهما إذا تساويا وتشاحّا؛ فلأنه لا يمكن تسليمه إليهما؛ لما فيه من الضرر اللاحق بالطفل؛ لأنه إذا كان عند أحدهما يوماً وعند الآخر يوماً اختلفت عليه الأغذية والأُنْس والأُلْف. فإذاً يتعين دفعه إلى أحدهما، ولا يمكن ذلك إلا (2) بقرعة؛ لأن حقَّهما متساوٍ.

(1) في هـ: لا يقر.

(2)

ساقط من هـ.

ص: 144

قال: (فإن اختلفا (1) في الملتقط منهما قُدم من له بينة، فإن لم يكن لهما بينة قُدّم صاحب اليد، فإن كان في أيديهما أقرع بينهما، فإن لم يكن لهما يد فوصفه أحدهما قُدّم، وإلا سلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما).

أما كونه يقدم من له بينة على من لا بينة له؛ فلأن البينة تقطع الخصومة، وتُظهر صاحب الحق من غيره.

وأما كونه يُقدم صاحب اليد إذا لم تكن بينة؛ فلأن اليد دليلٌ على استحقاق الإمساك ز دليله: الأموال.

ولأنه يغلب على الظن أنه هو الملتقط. بخلاف من لا يد له.

وأما كونه يقرع بينهما إذا كان في أيديهما؛ فلأنهما تساويا في السبب، ولم يمكن تسليمه إليهما لما تقدم. فتعينت القرعة، كما تقدم.

وأما كون الواصف يقدم بالوصف إذا لم تكن يدٌ؛ فلأن اللقيط نوع من اللقطة. فيقدم فيه بالوصف، كلقطة المال.

ولأن الوصف دليل على قوة اليد. فكان مُقدماً به.

وأما كون الحاكم يسلم اللقيط إلى من يرى [منهما أو من غيرهما إذا لم يكن وصف؛ فلأنه لم يوجد لأحدهما شيء يقتضي ترجيحه. فكانت الخيرة للحاكم](2) في دفعه إلى من يحضنه، كغير اللقيط إذا لم يكن له قريبٌ، أو كان له جماعة لا مزيّة لأحدهم على الآخر.

(1) في هـ: وإن اختلف.

(2)

ساقط من هـ.

ص: 145

فصل [في أحكام اللقيط]

قال المصنف رحمه الله: (وميراث اللقيط وديته إن قُتل لبيت المال. وإن قُتل عمداً فوليه الإمام: إن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية).

أما كون ميراث اللقيط وديته إن قُتل لبيت المال؛ فلأنه مسلم لا عَصَبة له (1) ولا ذا فرضٍ. فكان ماله وديته لبيت المال، كغير اللقيط.

وأما كون وليه الإمام؛ فلأن الإمام ولي من لا ولي له، وهذا لا وليَّ له.

وأما كونه إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية إذا قُتل عمداً، فكسائر الأولياء.

ولا بد أن يُلحظ هنا أن ذلك خِيَرَة مصلحة لا خيرة تَشَهِّي؛ لأن الإمام يتعين عليه فعل الأصلح. بخلاف بقية الأولياء.

قال: (وإن قُطع طرفُه عمداً انتُظر بلوغه. إلا أن يكون فقيراً، أو مجنوناً: فللإمام العفو على مالٍ ينفق عليه).

أما كون اللقيط يُنتظر بلوغه إذا قُطع طرفه ولم يكن فقيراً ولا مجنوناً؛ فلأن مستحق الاستيفاء المجني عليه، وهو حينئذٍ لا يصلح له. فانتظر بلوغه ليستوفي حقه عند أهليته للاستيفاء.

وأما كون الإمام له العفو على مالٍ ينفق عليه منه إذا كان فقيراً أو مجنوناً؛ فلأن الانتظار هنا لا ينتهي إلى حدٍ معلوم؛ لأن الجنون قد لا يفارقه. وفارق هذا ما إذا كان الصغير فقيراً عاقلاً من حيث إن الصغر له حدٌ معلوم ينتهي إليه.

(1) ساقط من هـ.

ص: 146

قال: (وإذا ادعى الجاني عليه، أو قاذفُه: رقَّه. وكذبه اللقيط بعد بلوغه: فالقول قول اللقيط. وإن ادعى إنسان أنه مملوكه لم يقبل إلا ببينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه. ويحتمل أن لا يعتبر قولها في ملكه).

أما كون القول قول اللقيط في نفي رقه؛ فلأنه محكومٌ بحريته.

ولأن قوله يعضده الأصل. إذ الأصل عدم رقه.

وأما كون من ادعى أنه مملوكه لا يقبل إلا ببينة؛ فلأن مجرد الدعوى لا تكفي في انتزاع المدعي. والأصل فيه قوله عليه السلام: «لو يُعطَى الناسُ بِدعواهُم لادعَى أُناسٌ دِماءَ رجالٍ وأموالهم. ولكن البينةَ على المدعي واليمينَ على من أنكر» (1).

وأما كونه يقبل قوله مع البينة؛ فلأن البينة تُظهر الحق.

وأما كون البينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه على المذهب؛ فلأنها إذا ولدت قبل ملكه لها يَصْدُق أنها ولدته. فلا بدّ من قولها في ملكه ليخرج ذلك. وليس مراد المصنف رحمه الله أنه لا بدّ من بينة تشهد على الصفة المذكورة بل لو أقام بينة بأن اللقيط مملوكه كانت كافية، ولم يحتج إلى أن أمته ولدته في ملكه؛ لأنه يجوز أنه اشتراه أو اتهبه أو نحو ذلك. وصرح بذلك في المغني، وقال: إن شهدت بينة أنه عبده أو ملكه حكم بها وإن لم يذكر سبب الملك، كما لو شهدت بملك دارٍ أو عبد.

وأما كونه يحتمل أن لا يعتبر قول البينة في ملكه؛ فلأن قوله (2) أن أمته ولدته بمنزلة قولها في ملكه.

والأول أصح، لما تقدم ذكره.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4277) 4: 1656 كتاب التفسير، باب:{إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم} .

وأخرجه مسلم في صحيحه (1711) 3: 1336 كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه.

(2)

في هـ: قولها.

ص: 147

قال: (وإن أقرّ بالرق بعد بلوغه لم يقبل. وعنه: يقبل. وقال القاضي: يقبل فيما عليه روايةً واحدةً، وهل يقبل في غيره؟ على روايتين).

أما كون اللقيط لا يقبل إقراره بالرق بعد بلوغه من غير تفصيلٍ على المذهب؛ فلأنه يُبطل حق الله تعالى من الحرية المحكوم بها.

وأما كونه يقبل على روايةٍ؛ فلأنه مجهول الحال. أقرّ بالرق. فقبل، كما لو أقر غير اللقيط بالرق.

واشترط المصنف رحمه الله في المغني في هذا: أن لا يكون أقرّ بالحرية قبل ذلك؛ لأنه إذا أقرّ بذلك اعترف بالحرية، وهي حقٌ لله تعالى.

ولأنه يكون مكذباً لقوله بقوله. فلم يقبل إقراره، كما لو أقرّ بمالٍ ثم جحده.

وأما كونه يقبل فيما عليه رواية واحدة على قول القاضي؛ فلأن الضرر يعود على نفسه. فلا تلحقه التهمة.

وأما كونه هل يقبل في غيره؟ على روايتين؛ فوجههما ما تقدم.

قال: (وإن قال: إني كافر لم يُقبل قوله، وحكمه حكم المرتد. وقيل: يُقْبل قوله. إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو يعقله).

أما كونه لا يُقبل قوله في ذلك على المذهب؛ فلأنه محكوم بإسلامه.

وأما كون حكمه على ذلك حكم المرتد؛ فلأنه أقرّ بالكفر.

فعلى هذا إن تاب وإلا قُتل؛ لأن المرتد هكذا يُفعل به.

وأما كونه يقبل قوله إذا لم يكن نطق بالإسلام وهو يعقله على قولٍ؛ فلأن إسلامه لم يثبت يقيناً.

وأما كونه لا يقبل قوله إذا كان نطق بالإسلام؛ فلأن إسلامه ثبت يقيناً فلم يقبل إقراره بالكفر، كالمسلم إذا أقرّ بكفر نفسه.

والأصح أنه لا يقبل مطلقاً؛ لأن الحكم بالإسلام ملحقٌ بالإسلام اليقيني، واللقيط محكومٌ بإسلامه.

ص: 148

فصل [إذا ادعى اللقيط إنسان]

قال المصنف رحمه الله: (وإن أقرّ إنسانٌ أنه ولده أُلحق به مسلماً كان أو كافراً، رجلاً أو امرأة، حياً كان اللقيط أو ميتاً. ولا يتبع الكافر في دينه إلا أن يقيم بينة أنه ولد على فراشه. وعنه: لا يلحق بامرأة ذات زوج (1). وعنه: إن كان لها إخوة أو نسب معروف لم يلحق بها، وإلا لحق).

أما كون الولد المقرّ به يلحق بالمقِرّ؛ فلأن الإقرار به محضُ مصلحةٍ للطفل لاتصالِ نسبه، ولا مضرة على غيره فيه. فقبل، كما لو أقر له (2) بمال.

وأما كونه يُلحق به مسلماً كان أو كافراً؛ فلأن الكافر يثبت له النكاح والفراش. فيلحق به، كالمسلم.

وأما كونه يلحق به رجلاً كان أو امرأة على المذهب؛ فلأن المرأة أحد الأبوين. فيثبت النسب بدعواها، كالأب.

وأما كونه يُلحق به حياً كان اللقيط أو ميتاً؛ فلأنهما سواء معنى. فوجب استواءهما حكماً.

وأما كون اللقيط لا يتبع الكافر في دينه إذا لم يُقم بينة أنه ولد على فراشه؛ فلأن اللقيط محكومٌ بإسلامه بظاهر الدار. فلا يقبل قول الكافر في كفره بغير بينة، كما لو كان معروف النسب.

ولأنها دعوى تخالف الظاهر. فلم تقبل بمجردها، كدعوى رقه. وإنما قبل في النسب؛ لعدم الضرر، والكفر بخلافه فإن فيه ضرراً عظيماً؛ لأنه سبب الخزي في الدنيا والآخرة.

(1) ساقط من هـ.

(2)

مثل السابق.

ص: 149

وأما كونه يَتبع الكافر في دينه إذا أقام بينة بأن اللقيط ولد على فراشه؛ فلأنه حينئذ تحققت الولادة، والولد المحقق يتبع والده في دينه.

وأما كونه لا يُلحق بامرأة ذات زوج على روايةٍ؛ فلأن في لحوق النسب بها وهي ذات زوج إلحاقاً للنسب بزوجها، وذلك غير جائز.

وأما كونه لا يلحق بها إذا كان لها إخوة أو نسب معروف وكونه يلحق بها إذا لم يكن كذلك على روايةٍ؛ فلأنه يلزم من لحوق النسب بها في الأول لحوق النسب بالإخوة والنسب المعروف، وهو غير جائز. بخلاف الثاني.

قال: (وإن ادّعاه اثنان أو أكثر لأحدهما بينة قدم بها. وإن تساووا في بينة أو عدمها عُرض معهما على القافة، أو مع أقاربهما إن ماتا: فإن ألحقته بأحدهما لحق به، وإن ألحقته بهما لحق بهما. ولا يُلحق بأكثر من أمٍ واحدة. وإن ادّعاه أكثر من اثنين فأُلحق بهم لحق بهم وإن كثروا. وقال ابن حامد: لا يُلحق بأكثر من اثنين.

وإن نفته القافة عنهم، أو أشكل عليهم، أو لم يوجد قافةٌ ضاع نسبه في أحد الوجهين، وفي الآخر: يترك حتى يبلغ فينسب إلى من شاء منهم. أومأ إليه أحمد).

أما (1) كونه يقدم من له بينة من المدعين؛ فلأن البينة تُظهر أنه صاحب الحق.

وأما كونه يُعرض على القافة معهما أو مع أقاربهما إن ماتا إذا تساووا في البينة أو عدمها؛ فلأن ذلك طريقٌ إلى ترجيح أحدهما على الآخر. فشرع، كقيام البينة.

فإن قيل: القافة ما هي؟

قيل: قومٌ من العرب عُرف منهم الإصابة في معرفة الأنسابِ، واشتهر ذلك في بني مدلج رهط مجزز، وسراقة بن مالك بن جعشم.

والأصل فيها ما روي عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم دَخلَ عليها مسروراً تَبْرُقُ أساريرُ وجههِ. فقال: ألم تَرَيْ أن مُجَزِّزَاً المدلجي نظرَ آنفاً إلى زيد

(1) في هـ: وأما.

ص: 150

وأسامة وقد غَطيَا رؤوسَهمَا وبدتْ أقدامُهمَا. فقال: إن هذه الأقدامَ بعضها من بعض» (1). متفق عليه.

وجه الحجة: أنه لو لم يجز الاعتماد على القافة لما سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ولا اعتمد عليه.

ولأن عمر رضي الله عنه قضى به بحضرة الصحابة فلم يدفعه أحد ولم ينكره. فكان إجماعاً.

ولأنه حكم بظن غالبٍ ورأي راجحٍ ممن هو من أهل الخبرة. فجاز قبوله، كقول (2) المقومين.

وأما كونه يلحق بأحدهما إذا ألحقته القافة به؛ فلأنه تَرَجّح بقولها. أشبه من قامت له بينة.

وأما كونه يلحق بهما إذا ألحقته بهما؛ فـ «لأنه يروى عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهرٍ. فقال القائف: قد اشتركا فيه جميعاً. فجعله بينهما» (3). رواه سعيد بن منصور في سننه.

وروى بإسناده عن الشعبي قال: «وعليّ يقول: هو ابنهما (4) وهما أبواه يرثهما ويرثانه» . رواه الزبير بن بكار بإسناده عن عمر. ولا يعرف لهما في الصحابة مخالف.

وأما كونه لا يُلحق بأكثر من أمٍّ واحدة؛ فلأن كونه ابناً لهما محال يقيناً فلم يجز أن يحكم به، كما لو كان أكبر منهما. وفارق الرجلين من حيث إن انخلاق الولد منهما ليس بمعلوم الاستحالة.

وأما كونه يُلحق بأكثر من اثنين على المذهب؛ فلأنه إذا جاز إلحاقه باثنين جاز بأكثر من ذلك؛ لأن المعنى في الموضعين واحد.

وأما كونه لا يلحق بأكثر من اثنين على قول ابن حامد؛ فلأن إلحاقه باثنين ثبت بالأثر. فيجب أن يقتصر عليه.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6388) 6: 2486 كتاب الفرائض، باب القائف.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1459) 2: 1081 كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف الولد.

(2)

في هـ: كقبول.

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10: 263 كتاب الدعوى والبينات، باب القافة ودعوى الولد.

(4)

في هـ: بنيهما.

ص: 151

قال المصنف في المغني: المعنى في الاثنين موجود فيما زاد. فيجب أن يُقاس عليهما.

وأما كون من نفته القافة عنهم، أو أشكل عليهم، أو لم توجد قافةٌ: يضيع نسبه في وجهٍ قاله أبو بكر؛ فلأنه لا دليلَ عليه. أشبه من لم يدّعِ نسبه أحد.

وأما كونه يُترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء في وجهٍ قاله ابن حامد؛ فلأن الإنسان يميل طبعه إلى قريبه دون غيره.

ولأن ذلك يُروى عن عمر رضي الله عنه.

وقول المصنف رحمه الله: أومأ إليه أحمد. يعني الإمام أحمد.

قال: (وكذلك الحكم إن وطئ اثنان امرأة بشبهةٍ، أو جاريةٍ مشتركة بينهما في طهر واحد، أو وطئت (1) زوجة رجل، أو أم ولد له بشبهة وأتت بولد يمكن أن يكون منه فادعى الزوج أنه من الواطئ: أُري القافة معهما. ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكراً عدلاً مجرباً في الإصابة).

أما كون الحكم فيما إذا وطئ اثنان امرأة بشبهة، أو جارية مشتركة بينهما في طهرٍ واحدٍ فأتت بولد كالحكم فيما تقدم في أنها ترى معهما القافة؛ فلأن عمر فعل ذلك وجعل الولد بين الواطئين لمّا قال القائف:«قد اشتركا فيه» (2)، ولو لم (3) يكن له أثرٌ في ذلك لم يحتج إلى ذكره.

ولأن ذلك يحتمل كونه من هذا، وكونه من هذا. فأري القافة، كاللقيط إذا ادعى نسبه اثنان.

وأما كون الحكم في بقية الصور المذكورة كذلك؛ فلأنها تساويه معنى. فوجب أن تساويه حكماً.

وأما كون القائف لا يُقبل قوله إلا أن يكون ذكراً عدلاً مجرباً في الإصابة؛ فلأن ذلك يجري مجرى الحكم. فاعتبر فيه ذلك، كالحاكم.

(1) في هـ: وطئ.

(2)

سبق ذكره ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(3)

في هـ: ولم.

ص: 152

ولأن ذلك يفتقر إلى نظرٍ واجتهاد، والمرأة قاصرةٌ عنهما، والفاسقُ لا يُقبل خبره. ومن لم يكن مجرباً في الإصابة لم يغلب على الظن صدقه. فلم تطمئن النفس إلى قوله.

ص: 153