الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الخلع
سمي الخلع خلعاً لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها. قال الله تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187].
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتخشى أن لا تقيم حدود الله في حقه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه. وإن خالعته لغير ذلك كره ووقع الخلع. وعنه: لا يجوز).
أما كون المرأة لا بأس أن تفتدي نفسها من الرجل إذا كانت مبغضة له وتخشى أن لا تقيم حدود الله؛ فلأن الله قال: {فإن خفتم أن لا يُقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229].
وفي روايةٍ للبخاري قال: «جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ما أنقِمُ على ثابت بن قيس في دين ولا خُلُق إلا أني أخافُ الكفر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أترُدين عليه حديقتَه؟ قالت: نعم. فردّت عليه. وأمرهُ ففارقَها» (2).
وأما كون الخلع لغير ذلك يكره؛ فلأن تركه ترجح على فعله وفعله يجوز: أما الأول؛ فلأنه مختلف في جوازه، وأما الثاني؛ فلأن الله تعالى قال:{فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئًا} [النساء: 4].
وأما كونه يقع؛ فلأنه يجوز فعله. أشبه الذي قبله.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (5276) 9: 307 كتاب الطلاق، باب الخلع.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (4973) 5: 2022 كتاب الطلاق، باب الخلع وكيف الطلاق فيه.
وأما كونه لا يجوز على روايةٍ؛ فلأن الله تعالى قال: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا أن لا يُقيما حدود الله} [البقرة: 229].
وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأةٍ سألت زوجَها الطلاقَ من غير ما بأس فحرامٌ عليها رائحةُ الجنة» (1) رواه أبو داود.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المختَلِعَاتُ والمنتَزعَاتُ هن المنافِقَاتُ» (2) رواه الإمام أحمد واحتج به.
ولأنه إضرار بها وبزوجها وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة. فلم يجز؛ لقوله عليه السلام: «لا ضررَ ولا إضرارَ في الإسلام» (3).
وظاهر كلام المصنف هنا ترجيح الجواز، وفي المغني ترجيح الحرمة لأنه قال: والحجة مع من حرمه، وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمها على عموم آية الجواز مع ما عضدها من الأخبار.
وحكي عن ابن المنذر أنه قال -يعني جواباً عن قوله تعالى: {فكلوه} [النساء: 4]-: لا يلزم من الجواز في غير عقدٍ الجواز في المعاوضة. بدليل الربا حرمه الله تعالى في العقد وأجازه في الهبة.
فإن قيل: على روايةِ عدم الجواز يقع الخلع.
قيل: لا؛ لأنه إذا كان حراماً لم يقع صحيحاً؛ كبيع درهمين بدرهم.
ولأنه إذا عضلها الزوج لتفتدي كان حراماً وباطلاً وسيأتي ذكرهما بعد إن شاء الله تعالى. فكذا لا يقع الخلع المذكور على روايةِ الحرمة؛ لاشتراكهما إذاً فيهما.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (2226) 2: 268 أبواب الطلاق، باب في الخلع.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1187) 3: 493 كتاب الطلاق، باب ما جاء في المختلعات.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2055) 1: 662 كتاب الطلاق، باب كراهية الخلع للمرأة.
وأخرجه أحمد في مسنده (22493) 5: 283.
(2)
أخرجه الترمذي في جامعه (1186) 3: 492 كتاب الطلاق واللعان، باب ما جاء في المختلعات. ولم يذكر لفظ:«والمنتزعات» من حديث ثوبان رضي الله عنه.
وأخرجه النسائي في سننه (3461) 6: 168 كتاب الطلاق، باب ما جاء في الخلع.
وأخرجه أحمد في مسنده (9094) طبعة إحياء التراث.
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (85) 4: 228 كتاب في الأقضية والأحكام وغير ذلك.
قال: (فأما إن عضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها؛ إلا أن يكون طلاقاً فيكون رجعياً).
أما كون الخلع فيما ذكر باطلاً؛ فلأن الله تعالى قال: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} [النساء: 19].
ولأن مفهوم قوله: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] يدل على الجناح إذا لم يخافا ألا يقيما حدود الله.
ولأنه عقد ألزمت على بذل عوضه بغير حق. فكان باطلاً؛ كالثمن في البيع، والأجر في الإجارة.
وأما كون العوض مردوداً؛ فلأن العقد باطل.
وأما كون الزوجية بحالها فيما عدا المستثنى؛ فلأن المقتضي للفرقة الخلع الصحيح ولم يوجد.
وأما كونه رجعياً إذا كان طلاقاً؛ فلأن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق أو نوى بالخلع الطلاق كان طلاقاً رجعياً لما يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
فإن قيل: ما المراد بقوله: عضلها؟
قيل: ضارّها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقها من المنفعة والقسم ونحو ذلك. وليس كل صورة وجد فيها ذلك يكون الخلع باطلاً بل يصح ذلك في مواضع:
- منها: أنه لو ضربها على نشوزها أو منعها حقها من أجله لم يحرم خلعها؛ لأن ذلك لا يمنعها أن لا يخافا أن لا يقيما حدود الله. وفي بعض حديث حبيبة لزوجها «فضربهَا فكسرَ بعضها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خُذْ بعضَ مالِها وفَارقْها» (1) رواه أبو داود.
- ومنها: لو ضربها لسوء خلقه لا يريد بذلك أن تفتدي لم يحرم أيضاً خلعها لأنه لم يعضلها لتذهب ببعض ما آتاها. لكن عليه إثم الظلم.
-
-?
(1) أخرجه أبو داود في سننه (2228) 2: 269 كتاب الطلاق، باب في الخلع.
- ومنها: أنها لو أتت بفاحشة فعضلها لتفتدي نفسها لم يحرم خلعها لأن الله تعالى قال: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة} [النساء: 19]. والاستثناء من النهي إباحة.
ولأنها متى زنت لم يأمن أن تلحق به ولداً من غيره وتفسد فراشه فلا تقيم حدود الله في حقه فتدخل في قوله: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229].
وإذا لم يحرم فيما ذكر لا يكون (1) باطلاً لأن المقتضي للبطلان الحرمة وهي منتفية. وإذا كان كذلك يجب تخصيص قول المصنف عضلها لتفتدي بما عدا الصورة الأولى والثالثة. أما الثانية فإنها تخرج بقوله: لتفتدي إذ العضل في الثانية منتف.
قال: (ويجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلماً كان أو ذمياً. فإن كان محجوراً عليه دفع المال إلى وليه وإن كان عبداً دفع إلى سيده. وقال القاضي: يصح القبض من كل من يصح خلعه).
أما كون الخلع يجوز من كل زوج يصح طلاقه حتى الذمي والسفيه والصبي المميز والعبد؛ فلأن كل واحد منهم زوج يصح طلاقه. فصح خلعه بالقياس عليه بل أولى لأنه إذا صح البطلان بغير شيء؛ فلأن يصح بشيء بطريق الأولى.
وأما كون المال يدفع إلى ولي المخالع إذا كان محجوراً عليه وإلى سيده إذا كان عبداً على المذهب؛ فلأن كل واحد من المحجور عليه والعبد ليس أهلاً لقبض المال.
وأما كون قبضه يصح من كل من يصح خلعه على قول القاضي؛ فلأنه يصح منه أحد ركني المعاوضة، وهو العقد. فيصح منه قبض العوض الذي هو الركن الآخر قياساً لأحد الركنين على صاحبه.
قال صاحب النهاية فيها: والأول أصح؛ لأن النظر له في صحة العقد دون قبضه.
(1) في أ: يقيم.
قال: (وهل للأب خلع زوجة ابنه الصغير أو طلاقها؟ على روايتين. وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها).
أما كون الأب له خلع زوجة ابنه الصغير على روايةٍ؛ فلأنه يصح أن يزوجه بعوض؛ فلأن يصح أن يطلق عليه بعوض بطريق الأولى.
لا يقال التزويج إدخال ملك، والخلع إخراج ملك؛ لأن الأب كامل الشفقة فلا يفعل ذلك إلا والمصلحة لولده فيه.
وأما كون الأب ليس له ذلك على روايةٍ؛ فلما ذكر من أن الخلع إخراج ملك. فلم يكن للأب ذلك؛ كهبة ماله.
وأما كونه له طلاق زوجة ابنه الصغير على روايةٍ؛ فلأن الصغير بمنزلة المعتوه في استحقاق الحجر. وقد روي عن ابن عمر «أنه طلق على ابن له معتوه» . رواه الإمام أحمد.
وأما كونه ليس له ذلك على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطلاقُ لمن أخذَ بالساق» (1) رواه ابن ماجة.
وعن عمر أنه قال: «إنما الطلاقُ بيد الذي يحلُّ له الفرج» .
ولأنه إسقاط لحقه. فلم يملكه؛ كالإبراء من الدين وإسقاط القصاص.
ولأن طريقه الشهوة. فلم يدخل في الولاية.
وأما كونه ليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها؛ فلأن في ذلك تضييعاً لمالها، وإسقاطاً لما يجب لها على الزوج من النفقة والكسوة وغير ذلك.
قال: (ويصح الخلع مع الزوجة ومع الأجنبي).
أما كون الخلع يصح مع الزوجة؛ فلما تقدم من الآية، وحديث حبيبة بنت سهل مع زوجها ثابت بن قيس (2).
وأما كونه يصح مع الأجنبي كقول أجنبي لزوج المرأة: طلق امرأتك بألف عليّ؛ فلأنه بذل ماله في مقابلة إسقاط حق عن غيره. فصح؛ كما لو قال:
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (2081) 1: 672 كتاب الطلاق، باب طلاق العبد.
(2)
سبق ذكره ص: 745.
أعتقتك عبدك فلان، أو قال: ألق متاعك في البحر وعليّ ثمنه: صح ولزمه ذلك مع أنه لا يسقط حقاً عن أحد. فهاهنا أولى.
ولأنه حق على المرأة يجوز أن يسقط عنها بعوض. فجاز لغيرها؛ كالدين.
قال: (ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف. فإن خالعت الأمة بغير إذن سيدها على شيء معلوم كان في ذمتها تُتبع به بعد العتق).
أما كون بذل العوض في الخلع يصح من كل جائز التصرف؛ فلأنه عقد معاوضة. فصح من كل جائز التصرف؛ كسائر العقود.
وأما كون الأمة إذا خالعت بغير إذن سيدها على شيء معلوم يكون في ذمتها؛ فلأن المخالع رضي بذلك.
فعلى هذا تتبع به بعد العتق؛ كما لو استدان العبد غير المأذون له.
وأما كون ما ذكر في ذمتها مشعر بصحة خلع الأمة بغير إذن سيدها. وهو صحيح لأنه إذا صح الخلع مع الأجنبي؛ فلأن يصح مع الزوجين بطريق الأولى.
فإن قيل: هذا إذا خالعها على شيء في الذمة، أما إذا خالعها على عين في يدها.
قيل: هذا (1) إذا خالعها على شيء في الذمة. فأما إذا خالعها على عين فقال الخرقي: يثبت في ذمتها مثله أو قيمته إن لم يكن مثلياً لأنها لا تملك العين وما في يدها من شيء فهو لسيدها فيلزمها بذلها؛ كما لو خالعها على عبد فخرج حراً أو مستحقاً.
وقال المصنف في المغني: قياس المذهب أنه لا شيء له لأنه إذا خالعها على عين وهو يعلم أنها أمة فقد علم أنها لا تملك العين فيكون راضياً بغير عوض فلا يكون له شيء؛ كما لو قال: خالعتك على هذا المغصوب أو على هذا الحر. وقال: يمكن حمل كلام الخرقي على أنها ذكرت لزوجها أن سيدها أذن لها في الخلع بهذه العين ولم تكن صادقة أو جَهل أنها لا تملك العين ويكون اختياره فيما إذا خالعها على مغصوب أنه يرجع عليها بقيمته.
(1) زيادة يقتضيها السياق.
فإن قيل: هذا الحكم إذا خالعت الأمة بغير إذن سيدها فما الحكم إذا خالعت بإذنه؟
قيل: يصح؛ لأنه إذا صح بغير إذنه. فلأن يصح بإذنه بطريق الأولى. ويتعلق بذمة السيد في قياس المذهب؛ كما لو أذن لعبده في الاستدانة. ويحتمل أن يتعلق برقبتها لأنه من جنايتها.
قال: (وإن خالعته المحجور عليها لم يصح الخلع ووقع طلاقه رجعياً).
أما كون خلع المحجور عليها لا يصح؛ فلأنه تصرف في المال وليست من أهله لأن الولي ليس له الإذن في التبرعات.
والمراد بالمحجور عليها المحجور عليها لحظ نفسها كالصبية والسفيهة والمجنونة. فأما المفلسة فلا يصح بغير إذن غرمائها لأنها ممنوعة من التبرع لأجلهم، ويصح بإذنهم لأنها من أهل التصرف. ولهذا يصح تصرفها في ذمتها. بخلاف المحجور عليها لحظ نفسها.
وأما كون طلاق المخالع يقع رجعياً؛ فلأنه طلاق لا عوض فيه. فوجب وقوعه رجعياً؛ لسلامته عما ينافيه.
ولا بد أن يلحظ في الخلع المذكور أنه وقع بلفظ الطلاق أو أنه نوى به ذلك لأن ذلك طلاق وإن وقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو المفاداة ولم ينو الطلاق فهو كالخلع بغير عوض وسيأتي حكمه.
وقال المصنف في المغني: ويحتمل أن لا يقع الخلع هاهنا لأنه إنما رضي به بعوض ولم يحصل له ولا أمكن الرجوع في بدله.
ولا بد أن يلحظ في الطلاق أنه بغير الثلاث فإن كان بالثلاث لم يقع رجعياً لأن الثلاث لا رجعة معها.
قال: (والخلع طلاق بائن؛ إلا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو المفاداة ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخاً لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين، وفي الأخرى: هو طلاق بائن بكل حال).
أما كون الخلع طلاقاً إذا لم يقع بأحد الألفاظ المذكورة قبلُ فلا خلاف فيه لوجود صريحه أو كنايته المقترنة بالنية.
وأما كونه بائناً؛ فلأن الله تعالى قال: {فيما افتدت به} [البقرة: 229] وإنما يكون فداء إذا خرجت من قبضته وسلطانه، ولو لم يكن بائناً لكانت له الرجعة وكانت تحت حكمه وقبضته.
ولأن القصد إزالة الضرر عن المرأة. فلو جازت الرجعة لعاد الضرر.
وأما كونه طلاقاً إذا وقع بغير الألفاظ المذكورة قبل ونوى به الطلاق؛ فلأنه كناية نوى به الطلاق. فكان طلاقاً؛ كما لو كان بغير عوض.
وأما كونه فسخاً إذا وقع بأحد الألفاظ الثلاثة التي ذكرها المصنف ولم ينو طلاقاً في روايةٍ؛ فلأن الله تعالى قال: {الطلاق مرتان} [البقرة: 229]، وقال:{فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] ثم قال: {فإن طلقها فلا تحل له من بعدُ حتى تنكح زوجاً غيره} [البقرة: 230] ذكر تطليقتين والخلع وطلقة بعدها فلو كان الخلع طلاقاً لكان أربعاً.
ولأنه فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته. فكانت فسخاً؛ كسائر الفسوخ.
فعلى هذا لا ينقص به عدد الطلاق.
وأما كونه طلاقاً أيضاً في روايةٍ؛ فلأنها بذلت العوض للفرقة، والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ. فوجب أن يكون طلاقاً.
ولأنه أتى بكناية الطلاق قاصداً فراقها. فكان طلاقاً؛ كغير الخلع.
فعلى هذا ينقص به عدد الطلاق، ويكون بائناً بكل حال؛ لأن هذا شأن الخلع إذا كان طلاقاً.
وفائدة الاختلاف: الاعتداد بالواقع: فإن قيل: هو طلاق وخالعها ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. وإن قيل: هو فسخ كانت حلالاً له من غير زوج آخر.
قال: (ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ولو واجهها به. وإن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين، وفي الآخر: يصح الشرط ويبطل العوض).
أما كون المعتدة من الخلع لا يقع بها طلاق وإن واجهها به؛ فلأنه قول ابن عباس وابن الزبير ولا يعرف لهما مخالف في عصرهما.
ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد. فلم يلحقها طلاقه؛ كالمطلقة قبل الدخول.
وأما كون شرط الرجعة في الخلع لا يصح في وجهٍ؛ فلأنه ينافي مقتضى العقد.
ولأن الخلع لفظ مقتض للبينونة. فإذا شرطت الرجعة معه بطل الشرط؛ كالطلاق الثلاث.
واقتضاء المصنف على أن الشرط لا يصح دليل على تصحيح الخلع. وصرح به في المغني؛ لأن الخلع لا يفسد بكون عوضه فاسداً. فلم يفسد بفساد شرطه؛ كالنكاح.
وأما كونه يصح الشرط ويبطل العوض في وجهٍ؛ فلأن شرط العوض والرجعة يتنافيان. فإذا شرطهما سقطا وبقي مجرد الطلاق، وتثبت الرجعة بالأصل لا بالشرط.
ولأنه شرط في العقد ما ينافي مقتضاه. فأبطله؛ كما لو شرط أن لا يتصرف في المبيع.
فإن قيل: إذا صححت العقد وأبطلت الشرط ماذا يجب له؟
قيل: المسمى في عقد النكاح لأن المسمى في عقد الخلع سقط لأنه لم يرض به عوضاً حتى ضم إليه الشرط. فإذا سقط الشرط وجب ضم النقصان الذي نقص من أجله إليه فيصير محمولاً. ويحتمل أن يجب المسمى في عقد الخلع لأنهما تراضيا به عوضاً. فلم يجب غيره؛ كما لو خلا عن شرط الرجعة.
فصل [في اشتراط العوض في الخلع]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (ولا يصح الخلع إلا بعوض في أصح الروايتين. فإن خالعها بغير عوض لم يقع. إلا أن يكون طلاقاً فيقع رجعياً، والأخرى: يصح بغير عوض. اختارها الخرقي).
أما كون الخلع لا يصح إلا بعوض في روايةٍ؛ فلأن العوض ركن في عقد الخلع. فلم يصح إلا به؛ كالثمن في المبيع.
وأما كونه إذا خالعها بغير عوض لا يقع إذا لم يكن طلاقاً؛ فلأن الشيء إذا لم يكن صحيحاً لم يترتب عليه شيء. دليله البيع وغيره، ووقوعه موجب لترتيب الأحكام عليه.
وأما كونه يقع رجعياً إذا كان طلاقاً؛ فلأنه طلاق دون ثلاث لا عوض فيه. فكان رجعياً؛ كغيره.
وأما كونه يصح بغير عوض في روايةٍ فكالطلاق.
ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن توجد من المرأة رغبة عن زوجها وحاجة إلى فراقه فتسأله فراقها. فإذا أجابها حصل المقصود من الخلع؛ كما لو كان بعوض.
فعلى هذا لو خالعها بغير عوض وقع طلاقاً في مواضع الطلاق وفسخاً في مواضع الفسخ. وقد تقدم ذكر ذلك كله.
وأما كون الأولى أصح في المذهب؛ فلما تقدم.
ولأن الخلع إن كان فسخاً فالزوج لا يملك الفسخ إلا لعيب. بدليل ما لو قال: فسخت النكاح ولم ينو الطلاق فإنه لا يقع به شيء. بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه يصير معاوضة. فلم يجتمع له العوض والمعوض. وإن كان طلاقاً
فليس بصريح منه اتفاقاً وإنما هو كناية، والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية أو بدلها ولم توجد في واحد منهما.
فإن قيل: إذا لم ينو في الخلع الذي فيه عوض لم توجد النية ولا بدلها.
قيل: بلى؛ لأن العوض قائم مقام النية.
قال: (ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. فإن فعل كره وصح. وقال أبو بكر: لا يجوز وترد الزيادة).
أما كون المخالع لا يستحب له أن يأخذ من امرأته أكثر مما أعطاها؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ثابت بن قيس أن يأخذَ من زوجته حديقتهُ ولا يزداد» (1) رواه ابن ماجة.
وأدنى أحوال ذلك عدم الاستحباب.
وأما كونه إذا فعل ذلك يكره؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كرهَ أن يأخذَ من المختلعةِ أكثرَ مما أعطاها» (2). رواه أبو حفص بإسناده.
وكان في قول المصنف: ويكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها: غنية عن قوله: ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها وعن قوله: كره؛ لأنه لا يلزم من الكراهة عدم الاستحباب.
وأما كونه يصح على المذهب؛ فلأن الله تعالى قال: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229].
وعن الرُّبَيِّع بنت معوذ أنها قالت: «اختلعتُ من زوجي بما دونَ عقاص رأسي. فأجاز ذلك علي وعثمان رضي الله عنهما» (3).
ويروى عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا: «لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها وعقاص رأسها لكان ذلك جائزًا» (4).
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (2056) 1: 663 كتاب الطلاق، باب المختلعة تأخذ ما أعطاها.
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه 3: 255 كتاب النكاح، باب المهر.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 314 كتاب الخلع والطلاق، باب الوجه الذي تحل به الفدية.
(3)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (11850) 6: 504 كتاب الطلاق، باب المفتدية بزيادة على صداقها.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 315 كتاب الخلع والطلاق، باب الوجه الذي تحل به الفدية.
(4)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (11853) 6: 505 الموضع السابق. وأخرجه البيهقي في الموضع السابق.
وأما كون ذلك لا يجوز على قول أبي بكر؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ ثابت بن قيس أن لا يزداد» (1). وأمره للوجوب، وكَره للمختلع أن يأخذ أكثر مما أعطاها. وظاهره التحريم.
ولأنه مال في مقابلة فسخ. فلم تجز الزيادة على مقداره في ابتداء العقد؛ كالعوض في الإقالة.
فعلى هذا ترد الزيادة لأنها غير جائزة.
قال: (وإن خالعها بمحرم كالخمر والخنزير فهو كالخلع بغير عوض. وإن خالعها على عبد فبان حراً أو مستحقاً فله قيمته عليها، وإن بان معيباً فله أرشه أو قيمته ويرده).
أما كون الخلع على محرم كالخلع بغير عوض؛ فلأن الخلع على ذلك مع العلم بتحريمه يدل على رضى فاعله بغير شيء.
فإن قيل: هلا يصح الخلع ويجب مهر المثل؛ كما لو تزوجها على ذلك؟
قيل: خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم. فإذا رضي بغير عوض لم يكن له شيء؛ كما لو طلقها أو علق طلاقها على فعل فعلته. وفارق النكاح بأن دخول البضع في ملك الزوج متقوم.
وأما كون الزوج له قيمة العبد على المرأة إذا خالعها على عبد فبان حراً أو مستحقاً؛ فلأن ذلك عين يجب تسليمها مع سلامتها. فوجب بدلها مع تعذرها؛ كالمغصوب.
وأما كونه له أرشه أو قيمته ويرده إذا بان معيباً؛ فلأن الحكم كذلك في الصداق. فكذلك هاهنا.
قال: (وإن خالعها على رضاع ولده عامين أو سكنى دار: صح. فإن مات الولد أو خربت الدار رجع بأجرة باقي المدة).
أما كون الخلع على رضاع ولده عامين وسكنى دار يصح؛ فلأن ذلك مما يصح المعاوضة عليه في غير الخلع. ففي الخلع بطريق الأولى.
(1) سبق تخريجه قريباً.
وأما كون المخالع يرجع بباقي أجرة المدة إذا مات الولد أو خربت الدار؛ فلأنه تعذر استيفاء المعقود عليه. فوجب الرجوع بباقي أجرة المدة؛ كما لو أجره دابة شهراً بعشرة ثم ماتت في نصفه.
قال: (وإن خالع الحامل على نفقة عدتها صح وسقطت).
أما كون الخلع المذكور يصح؛ فلأن نفقة الحامل مقدرة واجبة بالشرع. فصح الخلع عليها؛ كالخلع على الرضاع.
وأما كون النفقة تسقط؛ فلأنها صارت مستحقة له.
فصل [في الخلع بمجهول]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (يصح الخلع بالمجهول. وقال أبو بكر: لا يصح والتفريع على الأول).
أما كون الخلع بالمجهول يصح على المذهب؛ فلأن الطلاق معنى يصح تعليقه بالشرط. فجاز أن يستحق به العوض المجهول؛ كالوصية.
ولأن الخلع إسقاط لحقه من البضع وليس فيه تمليك شيء، والإسقاط تدخله المسامحة. ولذلك جاز بغير عوض على روايةٍ.
وأما كونه لا يصح على قول أبي بكر؛ فلأنه معاوضة. فلم يصح بالمجهول؛ كالبيع.
وأما كون التفريع على الأول؛ فلأنه المذهب.
والفرق بينه وبين البيع أن البيع لا يصح بغير ثمن رواية واحدة. بخلاف الخلع فإنه يصح بغير عوض في روايةٍ.
قال: (فإذا خالعها على ما في يدها من الدراهم أو ما في بيتها من المتاع فله ما فيهما. فإن لم يكن فيهما شيء فله ثلاثة دراهم وأقل ما يسمى متاعاً، وقال القاضي: يرجع عليها بصداقها في مسألة المتاع).
أما كون المخالع على ما في يد امرأته من الدراهم أو ما في بيتها من المتاع له ما فيهما إذا كان فيهما شيء؛ فلأن ذلك هو المخالَع عليه. وجهالته لا تضر؛ لأن التفريع على صحة الخلع بالمجهول.
فإن قيل: يستحق ما في اليد وإن كان أقل من ثلاثة دراهم.
قيل: ظاهر كلام المصنف هنا يقتضي ذلك.
وقال في المغني: فيه احتمالان: أحدهما ذلك لأنه الذي في اليد، والثاني: يستحق ثلاثة كاملة لأن اللفظ يقتضيها.
وأما كونه له ثلاثة دراهم وأقل ما يسمى متاعاً إذا لم يكن فيهما شيء على المذهب؛ فلأن ذلك أقل ما يقع عليه اسم الدراهم والمتاع حقيقة.
وأما كونه يرجع عليها بصداقها في مسألة المتاع على قول القاضي؛ فلأنها فوتت عليه البضع ولم يحصل له العوض بجهالته. فوجب عليها قيمة ما فوتت، وهو الصداق.
قال: (وإن خالعها على حمل أمتها أو ما تحمل شجرتها فله ذلك فإن لم يحملا فقال أحمد: ترضيه بشيء، وقال القاضي: لا شيء له).
أما كون المخالع المذكور له ما تحمل الأمة والشجرة؛ فلأنه المخالع عليه، وكونه معدوماً لا أثر له لأنه يجوز مجهولاً لما تقدم. فكذا يجوز أن يكون معدوماً.
فإن قيل: قول المصنف: على حمل أمتها يحتمل أنه أراد على حمل أمتها الموجودة. فلم حملته على الحمل الحادث؟
قيل: لوجوه: أحدها: أن قوله بعد: فإن لم يحملا ينفي إرادة الموجود.
وثانيها: أنه هكذا ذكره في المغني.
وثالثها: أنه إذا حمل على الموجود يوهم الفرق بين مسألة الأمة وبين مسألة حمل الشجرة ولا فرق بينهما.
وأما كون المختلعة ترضي المخالع بشيء فيما إذا لم يحملا؛ فلأن لا يخلو الخلع عن عوض.
قال المصنف في المغني: يحتمل قول أحمد: ترضيه بشيء أن له أقل ما يقع عليه اسم الثمرة أو الحمل. فتعطيه عن ذلك شيئاً أي شيء كان؛ مثل ما ألزمناه في مسألة المتاع لأن ذلك في معناه.
وأما كونه لا شيء له على قول القاضي؛ فلأنه رضي بالحمل ولا حمل.
وقال المصنف في المغني: لم يخالف القاضي الإمام أحمد بل تأول قوله: ترضيه بشيء على الاستحباب لأنه لو كان واجباً لقدره بتقدير يرجع إليه.
فإن قيل: يلزم القاضي الفرق بين هاتين المسألتين وبين مسألتي الدراهم والمتاع.
قيل: نعم. والفرق بينهما أن المرأة في مسألة الدراهم والمتاع أوهمته أن معها دراهم وفي بيتها متاعاً لأنها خاطبته بلفظ يقتضي الوجود مع إمكان علمها به فكان له ما دل عليه لفظها إذا لم يكن في بيتها ولا يدها شيء؛ كما لو خالعته على عبد فوجد حراً. بخلاف هاتين المسألتين فإنها لم توهمه بل دخلت معه في العقد مع تساويهما في العلم في الحال ورضاهما بما فيه من الاحتمال. فلم يكن له شيء غيره؛ كما لو قال: خالعتك على هذا الحر.
قال: (وإن خالعها على عبد فله أقل ما يسمى عبداً، وإن قال: إن أعطيتني عبداً فأنت طالق طلقت بأي عبد أعطته طلاقاً بائناً وملك العبد. نص عليه، وقال القاضي: يلزمها عبد وسط فيهما).
أما كون المخالع على عبد له أقل ما يسمى عبداً على قول غير القاضي؛ فلأن العبد مسمى مجهول. فكان له أقل ما يسمى عبداً؛ كما لو خالعها على دراهم.
وأما كون المرأة تطلق بأي عبد أعطته؛ فلأن الشرط عطية عبد وقد وجد.
وأما كون الطلاق بائناً؛ فلأنه طلاق فيه عوض.
وأما كون المخالعة تملك العبد؛ فلأنه عوض خروج البضع من ملكه.
وأما كون المرأة يلزمها عبد وسط في مسألتي قوله: وإن خالعها على عبد وقوله: إن أعطيتني عبداً على قول القاضي فبالقياس على الصداق.
قال: (وإن قال: وإن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فأعطته إياه طلقت. وإن خرج معيباً فلا شيء له، وإن خرج مغصوباً لم يقع الطلاق. وعنه: يقع وله قيمته وكذلك في التي قبلها).
أما كون المقول لها ما ذكر تطلق إذا أعطت العبد للقائل؛ فلأن الزوج شرط في طلاقها أن تعطيه العبد المشار إليه وقد أعطته إياه. فوجب أن يطلق؛ لتحقق شرطه.
وأما كونه لا شيء له إذا خرج معيباً؛ فلأن الشرط عطية العبد المشار إليه وقد وجدت.
ولأنه لو وجب أرش العيب للزمها شيء لم تلتزم به.
وأما كون الطلاق لا يقع إذا خرج مغصوباً على المذهب؛ فلأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه، وما لا يصح تمليكه لا يكون معطيه له فإذاً لم يوجد شرط الطلاق.
وأما كونه يقع على روايةٍ؛ فلأنه إذا عينه فقد قطع اجتهادها فيه فإذا أعطته إياه وجب تحقق الشرط. فيقع الطلاق؛ لتحققه.
فعلى هذا له قيمته لأنه فات عليه عين العبد لكونه مستحقاً للغير فوجب له بدله وهو القيمة.
والصحيح أنه لا يقع الطلاق ولا يستحق القيمة؛ لأن معنى العطية المتبادر إلى الفهم التمكين من تملكه. بدليل ما لو قال: إن أعطيتني عبداً فأنت طالق فإنها لا تطلق بعطية المغصوب.
ولأن العطية هنا التمليك. بدليل حصوله فيما إذا كان العبد مملوكاً لها.
وأما قول المصنف: وكذلك في التي قبلها: فمعناه أن الرواية المذكورة في التي قبلها تجيء هنا أيضاً لأنهما سواء معنى فكذا يجب أن تكون حكماً.
قال: (وإن قال: إن أعطيتني ثوباً هروياً فأنت طالق فأعطته مروياً لم تطلق. وإن خالعته على هروي فبان مروياً فله الخيار بين رده وإمساكه. وعند أبي الخطاب: ليس له غيره إن وقع الخلع على عينه).
أما كون المختلعة لا تطلق فيما إذا قال: إن أعطيتني
…
إلى آخره؛ فلأن الشرط عطية ثوب هروي ولم يوجد؛ لأن المروي ليس بهروي.
وأما كون المخالع له الخيار بين رد المروي وإمساكه فيما إذا خالعته على هروي في الذمة فبان مروياً؛ فلأن المروي ليس من نوع الهروي وإنما هو من جنسه. فالرد لأنه غير المعقود عليه، والإمساك لأنه من الجنس.
وأما كونه له الخيار المذكور فيما إذا خالعته على هروي بعينه فخرج مروياً على المذهب؛ فلأن مخالفة الصفة بمنزلة العيب. وقد تقدم أن المخالع له الخيار إذا ظهر الذي وقع عليه العقد معيباً. فكذلك فيما هو بمنزلته.
وأما كونه ليس له غيره عند أبي الخطاب؛ فلأن الخلع واقعٌ على عينه.
فإن قيل: كيف اقتضى قول المصنف الخلع في الذمة، وقوله: فبان مروياً مشعر بأن الخلع واقع على العين.
قيل: اللفظ الأول وإن أشعر بذلك إلا أن اشتراطه وقوع الخلع على عينه عند أبي الخطاب بنفسه، ويؤذن بأن الكلام الأول عام إذ لو كان خاصاً بالخلع على غير الثوب لم يكن في اشتراط وقوع الخلع على الغير عند أبي الخطاب فائدة.
فصل
قال المصنف رحمه الله تعالى: (إذا قال: إن أعطيتني، أو إذا أعطيتني، أو متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق: كان على التراخي أيّ وقت أعطته ألفاً طلقت).
أما كون ذلك كله على التراخي؛ فلأن ذلك يقتضي التراخي في غير الخلع فكذلك في الخلع. وتحريره أن يقال: علق الطلاق بشرط الإعطاء. فكان على التراخي؛ كسائر التعليق. أو يقال: علق الطلاق بحرف مقتضاه التراخي. فكان على التراخي؛ كسائر التعليق؛ كما لو خلا عن العوض.
وأما كونها تطلق إذا أعطته الألف أي وقت كان؛ فلأن ذلك شأن التراخي.
قال: (وإن قالت له: اخلعني بألف، أو على ألف، أو طلقني بألف، أو على ألف ففعل: بانت واستحق الألف).
أما كون القائلة لما ذكر تبين إذا فعل الزوج ما سألته؛ فلأنه أجابها إلى ما سألته من الخلع الموجب للبينونة.
فإن قيل: ما معنى قوله: ففعل؟
قيل: أن يقول: خلعتك بألف أو على ألف في جواب اخلعني، وأن يقول: طلقت بألف أو على ألف في جواب طلقني.
وأما كون الزوج الفاعل لما ذكر يستحق الألف؛ فلأنه فعل ما جعل الألف في مقابلته.
قال: (وإن قالت: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثاً استحقها. وإن قالت: طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة لم يستحق شيئاً. ويحتمل أن يستحق ثلث الألف. وإن لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة ففعل استحق الألف علمت أو لم تعلم. ويحتمل أن لا يستحق إلا ثلثه إذا لم تعلم).
أما كون الزوج يستحق الألف إذا قالت الزوجة: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثاً؛ فلأنه فَعَل ما سألته وزيادة لأن الثلاث واحدة واثنتان. وكذلك لو قال: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة وقع. فيستحق العوض بالواحدة وما وقع من الزيادة التي لم تبذل العوض لأجلها لا يستحق بها شيئاً.
وأما كونه لا يستحق شيئاً على المذهب إذا قالت: طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة؛ فلأنها بذلت العوض في مقابلة شيء لم يجبها إليه. فلم يستحق شيئاً؛ كما لو قال في المسابقة: من سبق إلى خمس إصابات [فله ألف](1) فسبق إلى بعضها، أو قالت: بعني عبديك بألف فقال: بعتك أحدهما بخمسمائة.
وأما كونه يحتمل أن يستحق ثلث الألف؛ فلأنها استدعت منه فعلاً بعوض. فإذا فعل بعضه استحق بقسطه من العوض؛ كما لو قال: من رد عبيدي فله ألف درهم فرد ثلثهم. فإنه يستحق ثلث الألف.
وأما كونه يستحق الألف إذا لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة ففعلها؛ فلأن الواحدة التي فعلها كملت الثلاث وحصلت ما يحصل من الثلاث من البينونة وتحريم العقد. فوجب العوض؛ كما لو طلقها ثلاثاً.
وأما كونه علمت أو لم تعلم فتنبيه على التسوية بينهما على المذهب نظراً إلى تحصيل ما ذكر.
وأما كونه يحتمل أن لا يستحق إلا ثلثه إذا لم تعلم؛ فلأنها بذلت العوض في مقابلة الثلاث ولم توجد. بخلاف ما إذا كانت عالمة. فإن معنى كلامها كمّل لي الثلاث.
(1) زيادة من المغني 7: 262، ط دار الكتب.
قال: (وإن كان له امرأتان مكلفة وغير مكلفة فقال: أنتما طالقتان بألف إن شئتما فقالتا: قد شئنا: لزم المكلفة نصف الألف وطلقت بائناً، ووقع الطلاق بالأخرى رجعياً ولا شيء عليها).
أما كون المكلفة يلزمها نصف الألف؛ فلأنه أضاف الألف إليهما على السواء. فاقتضى أن يكون الألف يقسط على قدر مهر كل واحدة منهما. وعلى قول أبي بكر يكون ذلك عليهما نصفين.
وأما كونها تطلق بائناً؛ فلأنه طلاق بعوض.
وأما كون الأخرى يقع بها الطلاق رجعياً؛ فلأن بذلها للعوض لا يصح لكونها غير مكلفة وإذا لم يصح بذلها للعوض كان الطلاق بلا عوض وذلك يكون رجعياً.
فإن قيل: غير المكلفة تشمل الصغيرة والمجنونة ومشيئتهما غير صحيحة، والطلاق مشروط بمشيئة الزوجتين معاً. فيجب أن لا يقع الطلاق بواحدة منهما، ولا يلزم المكلفة شيء. وقد صرح المصنف بذلك في المغني.
قيل: مراده بغير المكلفة المميزة ومشيئتها صحيحة. صرح به في المغني أيضاً. وكذلك ألحقه بعض من أذن له في ذلك في بعض النسخ.
فإن قيل: أي شيء يدل على صحة مشيئة المميزة؟
قيل: الغلام إذا بلغ التمييز خير بين أبويه والجارية في معناه فيكون ذلك محلاً للمشيئة ودالاًّ على صحتها.
وأما كونها لا شيء عليها؛ فلما تقدم من أن بذلها للعوض لا يصح.
ولأن طلاقها وقع رجعياً وذلك ينافي لزوم شيء.
قال: (وإن قال لامرأته: أنت طالق وعليك ألف طلقت ولا شيء عليها. وإن قال: على ألف أو بألف فكذلك. ويحتمل أن لا تطلق حتى تختار فيلزمها الألف).
أما كون امرأة القائل لها: أنت طالق وعليك ألف: تطلق؛ فلأن زوجها أتى بصريح الطلاق.
وأما كونها لا شيء عليها؛ فلأنه لم يجعل العوض في مقابلة الطلاق ولا شرطا فيه، وإنما عطف ذلك على طلاقها. أشبه ما لو قال: أنت طالق وعليك الحج.
وأما كون قوله: على ألف أو بألف كذلك على المذهب؛ فلأنه أوقع الطلاق غير معلق بشرط وجعل عليه عوضاً لم تبذله. فوقع رجعياً من غير عوض؛ كما لو قال: أنت طالق وعليك ألف.
ولأن على ليست للشرط ولا للمعاوضة وكذلك لا يصح أن يقول: بعتك ثوبي على دينار.
وأما كونه يحتمل أن لا تطلق حتى تختار وهو قول القاضي في المجرد؛ فلأن تقديره إن ضمنتِ لي ألفاً أو إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق.
ولأن " على " تستعمل بمعنى الشرط. بدليل قوله تعالى: {إني أُريد أن أُنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني} [القصص: 27]، وقوله تعالى:{فهل نجعلُ لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سَدًّا} [الكهف: 94]، وقوله تعالى:{هل أَتَّبِعُك على أن تُعَلِّمن مما عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66].
ولو قال في النكاح: زوجتك ابنتي على صداق كذا صح، فإذا وقع الطلاق بعوض لم يقع بدونه وجرى مجرى قوله: أنت طالق إن أعطيتني ألفاً، أو ضمنت لي ألفاً.
وأما كونها يلزمها الألف على هذا الاحتمال؛ فلأن التقدير ما تقدم ذكره، وهو موجب لذلك.
فصل [إذا خالعته في مرض موتها]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (إذا خالعته في مرض موتها فله الأقل من المسمى أو ميراثه منها. وإن طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها لم تستحق أكثر من ميراثها. وإن خالعها وحاباها فهو من (1) رأس المال).
أما كون الزوج له الأقل من المسمى أو ميراث امرأته التي خالعته في مرض موتها؛ فلأن ذلك لا تهمة فيه. بخلاف الأكثر منهما فإن الخلع إن وقع بأكثر من الميراث تطرقت إليه التهمة من قصد إيصالها إليه شيئاً من مالها بغير عوض على وجهٍ لم تكن قادرة عليه. وصار ذلك شبيهاً بما لو وصت له أو أقرت له. وإن وقع بأقل من الميراث فالباقي هو أسقط حقه منه. فلم يستحقه. فتعين استحقاق الأقل منهما.
وفي كونه له الأقل المذكور إشعار بصحة خلع المريضة في مرض موتها. وهو صحيح؛ لأنه عقد معاوضة. فصح منها في مرض موتها؛ كبيعها.
وأما كونها لا تستحق أكثر من ميراثها إذا طلقها الزوج في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها؛ فلأن الزائد على الميراث متهم فيه. فلم يستحقه؛ لما تقدم.
وأما كون المحاباة في الخلع من رأس المال إن خالعها وحاباها؛ فلأنه إذا جاز الطلاق بلا عوض. فلأن يجوز بعوض فيه محاباة بطريق الأولى.
(1) زيادة من المقنع.
قال: (وإذا وكل الزوجُ في خلع امرأته مُطْلقاً فخالع بمهرها فما زاد: صح. وما نقص عن المهر رجع على الوكيل بالنقص ويحتمل أن يتخير بين قبوله ناقصاً وبين رده وله الرجعة).
أما كون خلع الوكيل بالمهر يصح فيما إذا وكله في خلع امرأته مُطْلقاً؛ فلأن الإطلاق يقتضي الخلع بمهرها لأن ذلك بدل البضع؛ كما أن إطلاق البيع يقتضي البيع بثمن المثل فإذا خالع به صح لأنه أتى بما اقتضاه الإطلاق. أشبه ما لو باع ما وكله في بيعه مطلقاً بثمن المثل.
وأما كونه يصح فيما إذا خالع بأزيد منه؛ فلأنه زاده خيراً.
وأما كون الزوج يرجع على الوكيل بالنقص إذا خالع بأنقص على المذهب؛ فلأن الخلع عقد معاوضة. أشبه البيع.
وأما كونه يحتمل أن يتخير بين قبوله ناقصاً وبين رده؛ فلأن الحق له فإذا رضي بدونه وجب أن يصح.
وأما كونه له الرجعة إذا رده؛ فلأن الطلاق قد وقع والعوض قد رد.
قال: (وإن عين له العوض فنقص منه لم يصح الخلع عند ابن حامد، وصح عند أبي بكر. ويرجع على الوكيل بالنقص).
أما كون الخلع المذكور لا يصح عند ابن حامد؛ فلأن الوكيل خالف موكله. فلم يصح تصرفه؛ كما لو وكله في خلع امرأته فخالع أخرى.
ولأنه لم يؤذن له في الخلع بهذا العوض. فلم يصح منه كالأجنبي.
وأما كونه يصح عند أبي بكر؛ فلأن المخالفة في قدر العوض لا تبطل الخلع؛ كحالة الإطلاق.
ولأن البيع يصح مع مخالفة الوكيل في مقدار الثمن. فكذلك في الخلع.
فعلى هذا يرجع بالنقص على الوكيل لما تقدم فيما إذا أطلق فخالع بدون مهرها.
فإن قيل: فأي القولين أصح؟
قيل: قول أبي بكر لأن الفرق ثابت بين المخالعة في تعيين المعقود معه وبين المخالعة في تعيين العوض، وذلك كما أنه لو وكله في بيع عبده من زيد فباعه من
غيره لم يصح، ولو وكله في بيعه بعشرة فباعه بأقل يصح وضمن الوكيل النقصان.
وقال المصنف في المغني: الأول أولى.
قال: (وإن وكلت المرأة في ذلك فخالع في مهرها فما دون، أو بما عينته فما دون صح وإن زاد لم يصح. ويحتمل أن يصح وتبطل الزيادة).
أما كون خلع الوكيل يصح إذا خالع بالمهر فما دون أو بما عينته فما دون؛ فلأنه فعل اقتضاه الإطلاق أو خيراً منه، أو ما اقتضاه بتعيينها أو خيراً منه.
وأما كونه لا يصح فيما إذا زاد على المذهب؛ فلأنه خالعها في تعيينها أو فيما اقتضاه الإطلاق. فلم يصح؛ كما لو وكلته في الخلع بدراهم فخالع بعروض.
وأما كونه يحتمل أن يصح؛ فلأن المخالفة في القدر لا توجب البطلان دليله البيع ومخالفة الوكيل الزوج.
وأما كون الزيادة تبطل؛ فلأن الموكِّلة ما التزمتها ولا أذنت فيها.
وفي بطلان الزيادة إشعار بأنها لا تلزم الوكيل. وفيه وجهان: أحدهما: أنه كذلك؛ لأنه لم يقبل العقد لنفسه وإنما قبله لغيره.
والثاني: يلزم الوكيل؛ لأنه التزمها للزوج. فلزمه الضمان؛ كالمضارب إذا اشترى من يعتق على رب المال.
قال: (وإذا تخالعا تراجعا بما بينهما من الحقوق. وعنه: أنها تسقط).
أما كون المتخالعان يتراجعان بما بينهما من الحقوق على المذهب؛ فلأنه أحد نوعي الخلع. فلم يسقط به شيء؛ كالطلاق.
وأما كونه يسقط على روايةٍ؛ فلأن عقد الخلع يقتضي انخلاع كل واحد من صاحبه. ولو بقيت الحقوق كما كانت لبقي بينهما علقة. وذلك ينافي الانخلاع.
فعلى هذا إن خالعها قبل الدخول ولم تكن قبضت شيئاً من صداقها لم ترجع عليه، وإن كانت قبضته لم يرجع عليها. وعلى الأول يرجع كل واحد بما يستحقه وهو الأصح.
فإن قيل: هل يشمل قول المصنف: وعنه أنها تسقط الحقوق التي لا تعلق لها بالنكاح كالديون ونحو ذلك؟
قيل: لا (1)؛ لأن ذلك لا تعلق للخلع به.
ولا بد أن يُلحظ في الخلاف المذكور في التخالع أن يكون الخلع بغير لفظ الطلاق لأنه إذا كان بلفظ الطلاق لا يقتضي إسقاط شيء قولاً واحداً؛ لأن لفظ الطلاق لا دلالة له على ذلك ولذلك قيس المذهب عليه.
(1) زيادة يقتضيها السياق.
فصل [إذا اختلفا في الخلع]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإذا قال: خالعتك بألف فأنكرته، أو قالت: إنما خالعت غيري: بانت. والقول قولها مع يمينها في العوض. وإن قالت: نعم لكن ضمنه غيري لزمها الألف).
أما كون الزوجة تبين؛ فلأن الزوج أقر بما يوجب ذلك لأنه ادعى الخلع وذلك يوجب البينونة.
وأما كون القول قولها مع يمينها في نفي العوض؛ فلأنها منكرة لبذله، والقول قول المنكر مع يمينه.
وأما كونها تلزمها الألف إذا قالت: نعم لكن ضمنه غيري؛ فلأنها اعترفت باستحقاقه عليها لأن نعم صريح في الجواب.
ولأن وجوبه على غيرها بطريق الضمان يقتضي وجوبه عليها لأن الضامن فرع الأصل.
قال: (وإن اختلفا في قدر العوض أو عينه أو تأجيله فالقول قولها مع يمينها. ويتخرج أن القول قول الزوج. ويحتمل أن يتحالفا ويرجعا إلى المهر المسمى أو مهر المثل إن لم يكن مسمى).
أما كون القول قولها مع يمينها فيما تقدم ذكره على المذهب؛ فلأن القول قولها في أصله. فكان كذلك في قدره وصفته.
ولأنها تنكر الزائد والتعيين والحلول، والقول قول المنكر مع يمينه.
وأما كونه يتخرج أن القول قول الزوج؛ فلأن البضع يخرج عن ملكه. فكان القول قوله في عوضه؛ كالسيد مع مكاتبه.
وأما كونه يحتمل أن يتحالفا ويرجعا إلى المسمى أو مهر المثل إن لم يكن مسمى: أما التحالف؛ فلأنه اختلاف في العقد. فشرع فيه التحالف؛ كالبيع إذا اختلفا في الثمن.
وأما الرجوع إلى المسمى أو مهر المثل إن لم يكن؛ فلأن البضع تلف بالخلع. فوجب الرجوع إلى البدل وهو ما ذكر؛ كما لو تلف المبيع ووقع التحالف. فإنه يجب بدله وهو المثل أو القيمة.
قال: (وإن علق طلاقها بصفة ثم خالعها فوجدت الصفة ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة: طلقت. نص عليه. ويتخرج أن لا تطلق بناء على الرواية في العتق. واختاره أبو الحسن التميمي. وإن لم توجد الصفة حال البينونة عادت رواية واحدة).
أما كون من علق طلاقها بصفة ثم خالعها
…
إلى آخره؛ مثل: أن يقول الرجل لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم يخالعها ثم تدخل الدار ثم يتزوجها ثم تدخل الدار: تطلق على منصوص الإمام أحمد؛ فلأن عقد الصفة ووقوعها وجدا في النكاح. فوقع الطلاق؛ كما لو لم يتخلله بينونة.
فإن قيل: الصفة انحلت بالدخول حال البينونة ضرورة أن إنْ لا تقتضي التكرار.
قيل: إنما تنحل على وجهٍ تحنث به؛ لأن اليمين حل وعقد، والعقد يفتقر إلى الملك. فكذلك الحل، والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال البينونة فلا تنحل اليمين به.
وأما كونه يتخرج أن لا تطلق بناء على الرواية في العتق. وهي ما نقل عن الإمام أحمد أن الشخص لو قال لعبده: أنت حر إن دخلت الدار فباعه ثم اشتراه فإن رجع وقد دخل الدار لم يعتق.
ولأن الصفة إذا وجدت لا تعود في العتق. فكذلك في الطلاق. بل ذلك في الطلاق أولى لأن العتق يتشوف الشارع إلى وقوعه. بخلاف الطلاق.
وقال صاحب النهاية فيها: والأول أصح -يعني وقوع الطلاق-. وفرّق بين الطلاق والعتاق من حيث إن الأصل في الأبضاع الحرمة، وفي الأموال العصمة.
فإذا تعارض دليلا الطلاق وجب وقوعه؛ لأن الأصل حرمة الوطء. وإذا تعارض دليلا العتق وجب عدم وقوعه؛ لأن الأصل عصمة الملك.
فإن قيل: لو طلقت بذلك لوقع الطلاق بشرط سابق على النكاح. ولا خلاف أنه لو قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم تزوجها فدخلت لم تطلق. فكذلك يجب أن يكون هاهنا.
قيل: الفرق بين هذا وبين الأجنبية أن النكاح الثاني مبني على الأول في عدد الطلقات، وسقوط اعتبار العدد. وبهذا فرّق صاحب المغني فيه بين الطلاق والملك.
وأما كون الصفة تعود رواية واحدة إذا لم توجد حال البينونة؛ فلأن اليمين لم تنحل بكون الدخول في حال البينونة لم يوجد. فإذا وجدت الصفة بعد التزويج وجب أن يعمل عليها؛ كما لو لم تكن بينونة.
كتاب الطلاق (1)
(1) لا زال جزء من الشرح مفقوداً لم نقف عليه حتى الآن، ويشمل الجزء المفقود الكتب التالية:
كتاب الطلاق، كتاب الرجعة، كتاب الإيلاء، كتاب الظهار، كتاب اللعان، كتاب العدد، كتاب الرضاع، كتاب النفقات.
على أن تثبت في الطبعات القادمة بإذن الله في حالة العثور عليها.
وقد أثبتنا المتن من كتاب المقنع.
_________
وقد قمنا بحذف هذه القطعة من كتاب "المقنع" في هذه النسخة الإلكترونية للشاملة؛ لأنها ليست من الكتاب أصلا، ومنعًا للتشويش في نتائج البحث.
[تعليق من المكتبة الشاملة]