المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب أركان النكاح وشروطه - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٣

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب إحياء المَوَات

- ‌باب الجُعالة

- ‌باب اللقطة

- ‌باب اللقيط

- ‌كتاب الوقف

- ‌باب الهبة والعطية

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب ميراث ذوي الفروض

- ‌باب العصبات

- ‌باب أصول المسائل

- ‌باب تصحيح المسائل

- ‌باب المناسخات

- ‌باب قسمة التركات

- ‌باب ذوي الأرحام

- ‌باب ميراث الحمل

- ‌باب ميراث المفقود

- ‌باب ميراث الخنثى

- ‌باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم

- ‌باب ميراث أهل الملل

- ‌باب ميراث المطلقة

- ‌باب الإقرار بمشارك في الميراث

- ‌باب ميراث القاتل

- ‌باب ميراث المعتق بعضه

- ‌باب الولاء

- ‌كتاب العتق

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب أحكام أمهات الأولاد

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب أركان النكاح وشروطه

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب الشروط في النكاح

- ‌باب حكم العيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء

- ‌كتاب الخلع

- ‌نهاية السقط من المطبوعة

الفصل: ‌باب أركان النكاح وشروطه

‌باب أركان النكاح وشروطه

أركان الشيء هي: أجزاء ماهيته. والماهية لا تتم بدون جزئها. فكذا الذي لا يتم بدون ركنه.

والشرط ما ينتفي المشروط لانتفائه. وليس جزءاً من الماهية.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وأركانه: الإيجاب والقبول. ولا ينعقد الإيجاب إلا بلفظ النكاح والتزويج بالعربية لمن يحسنهما، أو بمعناهما الخاص بكل لسان لمن لا يحسنهما. فإن قدر على تعلمها بالعربية لم يلزمه في أحد الوجهين. والقبول أن يقول: قبلت هذا النكاح أو ما يقوم مقامه في حق من لا يحسن).

أما كون الإيجاب والقبول ركني النكاح؛ فلأن ماهيته مركبة منهما ومتوقفة عليهما؛ لما يذكر في موضعه إن شاء الله تعالى.

وأما كون الإيجاب. وهو: اللفظ الصادر من قبل الولي أو من يقوم مقامه: لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج بالعربية لمن يحسنهما؛ فلأنهما اللذان وردا في القرآن، واستعملهما الصحابة وغيرهم إلى زمننا هذا.

ولأن العادل عنهما مع معرفته لهما عادل عن اللفظ الذي ورد في القرآن مع القدرة عليه. أشبه من عدل عن لفظ التكبير مع القدرة عليه.

فإن قيل: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه زوج رجلاً امرأة. فقال: مُلِّكْتَها بما معكَ من القرآن» (1). رواه البخاري.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4847) 5: 1975 كتاب النكاح، باب إذا قال الخاطب للولي: زوجني فلانة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1425) 2: 1040 كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن ..

ص: 547

قيل: قد روي في الحديث بعينه أنه قال: «زَوّجْتُكَهَا» (1) و «أُنكِحتَها» (2) و «زوّجْناَكَهَا» (3) من طرق صحيحة: فإما أن يكون قد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك، أو يحمل على أن الراوي روى بالمعنى ظناً منه أن معناهما واحد. وعلى كلا التقديرين لا يبقى فيه حجة.

وأما كونه لا ينعقد إلا بمعناهما الخاص بكل لسان لمن لا يحسنهما؛ فلأن ذلك في لغته نظير الإنكاح والإزواج في العربية.

ولأن العادل عن ذلك عادل عن اللفظ الخاص إلى غيره. أشبه العربي إذا عدل عن اللفظ الخاص فيها.

وأما كون القادر على تعلم ذلك لا يلزمه في وجه؛ فلأن النكاح عقد معاوضة. فلم يجب تعلم أركانه؛ كالبيع.

وأما كونه يلزمه في وجه؛ فلأن ما كانت العربية شرطاً فيه لزم تعلمها مع القدرة؛ كالتكبير.

وأما القبول. وهو: اللفظ الصادر من قبل الزوج أو من يقوم مقامه: أن يقول ما ذكره المصنف؛ فلأنه كالإيجاب معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.

فإن قيل: فإن اختلف لفظ الإيجاب والقبول فقال الولي: زوجتك فقال الزوج: قبلت هذا النكاح، أو قال: أنكحتك فقال: قبلت هذا التزويج.

قيل: يصح؛ لأن الكل وافٍ بالغرض مع كونه موضوعاً له في العربية.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4854) 5: 1977 كتاب النكاح، باب التزويج على القرآن وبغير صداق. ولفظه:«أنكحتكها» .

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (4741) 4: 1919 كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (2186) 2: 811 كتاب الوكالة، باب وكالة المرأة الإمام في النكاح.

ص: 548

قال: (فإن اقتصر على قول: قبلت، أو قال الخاطب للولي: أزوجتَ؟ قال: نعم. وللمتزوج: أقبلتَ؟ قال: نعم: صح. ذكره الخرقي. ويحتمل أن لا يصح).

أما كون من اقتصر على قول: قبلت يصح النكاح على المذهب؛ فلأنه صريح في الجواب. فصح به النكاح؛ كما يصح به البيع وسائر العقود.

وأما كون الولي إذا قال: نعم بعد قول الخاطب له: أزوجت؟ والمتزوج إذا قال: نعم بعد قول الخاطب له: أقبلت؟ يصح النكاح على المذهب؛ فلأن معنى نعم قبلت هذا التزويج. ولذلك لما قال الله تعالى: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا قالوا نعم} [الأعراف: 44] كان إقراراً منهم بوجدان ما وعدهم ربهم حقاً. ولو قيل لرجل: ألي عليك ألف؟ قال: نعم. كان مقراً به إقرارًا لا يفتقر إلى التفسير. ومثله قطع اليد في السرقة. فوجب أن يصح التزويج به؛ كما لو صرح بالمعنى.

وأما كونه يحتمل أن لا يصح النكاح بما ذكر في المسألتين المذكورتين قبل؛ فلأن قول الولي: زوجتك وقول الزوج: قبلت هذا التزويج ركنا العقد. فلم يصح بدونهما.

قال: (وإن تقدم القبول الإيجاب لم يصح. وإن تراخى عنه صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه. فإن تفرقا قبله (1) بطل الإيجاب. وعنه: لا يبطل).

أما كون القبول إذا تقدم الإيجاب في باب النكاح لا يصح بلا خلاف في المذهب سواء كان بلفظ الماضي كقولك: تزوجتُ ابنتك فيقول: زوجتك، أو بلفظ الطلب كقولك: زوجني ابنتك فيقول: زوجتك، أو بلفظ الاستفهام كقولك: أتزوجني ابنتك؟ فيقول: زوجتك؛ فلأن القبول إنما يكون للإيجاب. فمتى وجد قبله لم يكن قبولاً لعدم معناه.

ولأنه لو تقدم بلفظ الاستفهام لم يصح في موضع وفاقاً. فكذلك إذا تقدم بلفظ الماضي أو الطلب.

(1) زيادة من المقنع.

ص: 549

فإن قيل: ما الفرق بين النكاح والبيع على إحدى الروايتين؟

قيل: الفرق بينهما من وجهين:

أحدهما: أنه لا يشترط للبيع صيغة الإيجاب والقبول. بل يصح بالمعاطاة.

وثانيهما: أنه لا يتعين فيه اللفظ. بل يصح بأيّ لفظ كان مما يؤدي المعنى.

فإن قيل: فما الفرق بين النكاح والخلع؟

قيل: الفرق بينهما ظاهر لأن الخلع يصح بتعليقه على الشروط. بخلاف النكاح.

وأما كون القبول إذا تراخى عن الإيجاب يصح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه؛ فلأن حكم المجلس حكم حالة العقد. بدليل القبض فيما يشترط القبض فيه، وبثبوت الخيار في عقود المعاوضات المحضة.

واشترط المصنف في صحة القبول في المجلس: أن لا يتشاغلا بما يقطعه لأن مع التشاغل يعدّ كالمعرض عن الإيجاب. فلم يصح القبول بعده؛ كما لو رده.

وأما كون الإيجاب يبطل إذا تفرق الولي والزوج قبل القبول على المذهب؛ فلأن التفرق قبل القبول إعراض عن الإيجاب. أشبه ما لو رده.

وأما كونه لا يبطل على روايةٍ فبالقياس على القبول في المجلس.

فإن قيل: ما صورة القبول بعد التفرق؟

قيل: ما روي عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قيل له: إن رجلاً مضى إلى قوم. فقالوا له: زوّج فلاناً. قال: زوّجته على ألف. فرجعوا إلى الزوج فأخبروه. فقال: قد قبلت. هل يكون هذا نكاحاً؟ قال: نعم.

قال القاضي: هذا محمول على أنه وكل من قبل العقد في المجلس.

ص: 550

فصل [في شروط النكاح]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وشروطه خمسة: أحدها: تعيين الزوجين. فإذا قال: زوجتك ابنتي وله بنات لم يصح حتى يشير إليها، أو يسميها، أو بصفتها بما تتميز به. وإن لم يكن له إلا ابنة واحدة: صح. ولو قال: إن وضعت زوجتي ابنة فقد زوجتكها لم يصح).

أما كون شروط النكاح خمسة؛ فلأنها تعيين الزوجين، ورضاهما، والولي، والشهادة، وكون الرجل كفءاً للمرأة. وسيأتي دليل ذلك كله في مواضعه.

أما كون أحدهما: تعيين الزوجين؛ فلأنه عقد معاوضة. أشبه البيع.

ولأن مقصود النكاح العين. فلم يصح بدون التعيين؛ كالبيع.

وأما كون من قال: زوجتك ابنتي وله بنات لا يصح إذا لم يميزها بما ذُكر؛ فلأن تعيين الزوجة شرط لما تقدم ولم يوجد.

وأما كونه يصح إذا ميزها بالإشارة؛ مثل أن يقول: زوجتك ابنتي هذه؛ فلأن التعيين يحصل بذلك.

وأما كونه يصح إذا ميزها بالتسمية؛ مثل أن يقول: فلانة، أو بالصفة؛ مثل أن يقول: الطويلة أو البيضاء أو ما أشبه ذلك وليس في بناته من يتّصف بذلك إلا واحدة؛ فلأن ذلك قائم مقام التعيين لأن الغرض من التعيين العلم بالمعقود عليها وذلك حاصل فيما ذكر.

وأما كون من قال: زوجتك ابنتي ولم يكن له إلا بنت واحدة يصح؛ فلأن عدم التعيين إنما جاء من التعدد ولا تعدد هاهنا.

وأما كون من قال: إن وضعت زوجتي ابنة فقد زوجتك بها لا يصح؛ فلأنه تعليق للنكاح على شرط، والنكاح لا يصح تعليقه.

ص: 551

فصل [الشرط الثاني]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (الثاني: رضا الزوجين. فإن لم يرضيا، أو أحدهما: لم يصح. إلا الأب له تزويج أولاده الصغار والمجانين وبناته الأبكار بغير إذنهم. وعنه: لا يجوز له تزويج ابنة تسع سنين إلا بإذنها. وهل له تزويج الثيب الصغيرة؟ على وجهين. والسيد له تزويج إمائه الأبكار والثيب وعبيده الصغار بغير إذنهم. ولا يملك إجبار عبده الكبير. ويحتمل مثل ذلك في الصغير أيضاً).

أما كون الثاني من شروط صحة النكاح رضا الزوجين غير ما استثني؛ فلأن العقد لهما. فاشترط رضاهما؛ كالبيع.

وأما كونهما إذا لم يرضيا أو أحدهما لا يصح غير ما استثني؛ فلأن الرضى شرط ولم يوجد.

وأما كون الأب له تزويج أولاده الصغار؛ فـ «لأن ابن عمر زوّجَ ابنه وهو صغير. فاختصما إلى زيدٍ فأجازاهُ جميعًا» (1).

ولأن الأب يتصرف في ماله بغير تولية. فجاز له تزويجه؛ كابنته الصغيرة.

وأما كونه له تزويج أولاده المجانين؛ فلأنهم لا قول لهم فكان لأبيهم تزويجهم كأولاده الصغار.

وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى هنا أنه لا فرق بين المجنون البالغ وغير البالغ. وصرح به في المغني. وقال: هو ظاهر كلام أحمد لاستوائهما في المعنى الذي جاز التزويج من أجله.

وقال القاضي: لا يجوز تزويج بالغ إلا إذا كان محتاجاً بأن تظهر منه أمارات الشهوة باتباع النساء ونحوه لأنه لا مصلحة له في الزواج إلا بذلك.

(1) أخرجه البيهقي مختصراً في السنن الكبرى 7: 143 كتاب النكاح، باب الأب يزوج ابنه الصغير.

ص: 552

وقال أبو بكر عبدالعزيز: ليس للأب تزويجه بحال؛ لأنه رجل. فلا يملك الأب إجباره؛ كالعاقل.

والأول أولى؛ لأنه إذا جاز تزويج الصغير مع عدم حاجته إلى قضاء شهوته وحفظه عن الزنا. فالبالغ أولى.

وأما كونه له تزويج بناته الأبكار اللاتي لهن دون تسع سنين بغير إذنهن فلا خلاف فيه.

قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء. وقد دل على ذلك قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} [الطلاق: 4]. أي عدتهن كذلك ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من طلاق في نكاح. فدل على أنها تزوج ثم تطلق ولا إذن لها يعتبر.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «تزوّجني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنةُ ستٍ، وبنى بي وأنا ابنةُ تسع» (1) متفق عليه.

وروي «أن قدامة بن مظعون تزوّجَ ابنة الزبير حين نفست» .

وأما كونه له تزويج اللاتي لهن تسع سنين فصاعداً على المذهب؛ فلما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأيمُ أحقُ بنفسِهَا من وليّها. والبكرُ تُستأذَنُ، وإذنُها صُمَاتُها» (2). رواه أبو داود.

قسم النساء قسمين. فأثبت الحق لأحدهما، وذلك يدل على نفيه عن الآخر.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3681) 3: 1414 كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ..

وأخرجه مسلم في صحيحه (1422) 2: 1038 كتاب النكاح، باب تزويج الأب البكر الصغيرة.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (1421) 2: 1037 كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت.

وأخرجه أبو داود في سننه (2098) 2: 232 كتاب النكاح، باب في الثيب.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1108) 3: 416 كتاب النكاح، باب ما جاء في استئمار البكر والثيب.

وأخرجه النسائي في سننه (3261) 6: 84 كتاب النكاح، استئذان البكر في نفسها.

ص: 553

وأما كونه لا يجوز له تزويج ابنة تسع سنين إلا بإذنها على روايةٍ؛ فلأنها بلغت سناً تصلح للبلوغ. أشبهت البالغة.

ولم يتعرض المصنف إلى البالغة وفيها عن الإمام أحمد رواية لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُنكحُ الأيّمُ حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكرُ حتى تُستأذن. قالوا: يا رسول الله! فكيف إذنُها؟ قال: أن تسْكُت» (1). متفق عليه.

ولأنها جائزة التصرف في مالها بنفسها. فلم يكن للأب تزويجها بغير إذنها؛ كالثيّب.

وأما كونه له تزويج الثيّب الصغيرة على وجه؛ فلأنها كالغلام في الصغر. فكان له تزويجها؛ كولده الصغير.

وأما كونه ليس له ذلك على وجه فبالقياس على الثيّب الكبيرة.

ويظهر من ذلك ومن العموم المتقدم أن الثيب إن يكنّ بالغات لم يكن للأب تزويجهن إلا بإذنهن. وهو صحيح. ووجهه ما تقدم.

ولأنه قال عليه السلام: «الأيمُ أحقُ بنفسِها من وليّها» (2).

وعنه أنه قال: «ليسَ للوَلي معَ الثيبِ أمرٌ» (3). رواهما النسائي وأبو داود.

ولأنهن رشيدات عالمات بالمقصود من النكاح. فلم يكن للأب تزويجهن؛ كابنه البالغ.

وأما كون السيد له تزويج إمائه الأبكار والثيب بغير إذنهن؛ فلأن النكاح عقد على المنافع. فكان للسيد عقده؛ كالإجارة.

وأما كونه له تزويج عبيده الصغار بغير إذنهم على المذهب؛ فلأنه إذا كان له تزويج ابنه الصغير. فلأن يكون له تزويج عبده الصغير بطريق الأولى.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4843) 5: 1974 كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1419) 2: 1036 كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت.

(2)

سبق تخريحه قريباً.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (2100) 2: 233 كتاب النكاح، باب في الثيب.

وأخرجه النسائي في سننه (3263) 6: 85 كتاب النكاح، استئذان البكر في نفسها.

ص: 554

وأما كونه لا يملك إجبار عبده الكبير؛ فلأنه خالص حقه. فلم يملك إجباره عليه؛ كالطلاق.

وأما كونه يحتمل مثل ذلك في الصغير أيضاً فبالقياس عليه.

قال: (ولا يجوز لسائر الأولياء تزويج كبيرة إلا بإذنها. إلا المجنونة لهم تزويجها إذا ظهر منها الميل إلى الرجال. وليس لهم تزويج صغيرة بحال. وعنه: لهم ذلك ولهم الخيار إذا بلغت. وعنه: لهم تزويج ابنة تسع سنين بإذنها).

أما كون سائر الأولياء لا يجوز لهم تزويج كبيرة عاقلة إلا بإذنها؛ فلأنهم لا يجوز لهم تزويج صغيرة لما يأتي فلأن لا يجوز تزويج كبيرة بطريق الأولى.

ولأن غير الأب لا يساوي الأب. وفي تزويج الأب الكبيرة البكر خلاف. فيلزم أن لا يجوز ذلك كغيره قولاً واحداً لأنه لو جاز لكان مثل الأب أو أحسن حالاً منه.

وأما كونهم لهم (1) تزويج المجنونة إذا ظهر منها الميل إلى الرجال؛ فلأنه لو لم يجز في هذه الحال لأدى إلى الوقوع في المحظور وذلك مطلوب العدم.

وأما كونهم ليس لهم تزويج صغيرة بحال على المذهب؛ لما روي «أن قدامة بن مظعون زوّجَ ابنةَ أخيه من عبدالله بن عمر فرُفعَ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: إنها يتيمة ولا تُنكحُ إلا بإذنِها» (2). والصغيرة لا إذن لها.

وأما كونهم لهم ذلك على روايةٍ؛ فلأن الله تعالى قال: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3]. دلت الآية بمفهومها أن تزويجها إذا أقسطوا جائز. وقد فسرته عائشة رضي الله عنها بذلك.

فعلى هذا يكون لها الخيار إذا بلغت لتستدرك ما فاتها.

وأما كونهم لهم تزويج ابنة تسع سنين بإذنها على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تُستأمرُ اليتيمةُ فإن سكتتْ فهو إذنُها، وإن أبتْ فلا جَوازَ عليها» (3). رواه أبو داود.

(1) في أ: له.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (6101) طبعة إحياء التراث.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (2093) 2: 231 كتاب النكاح، باب في الاستئمار.

وأخرجه النسائي في سننه (3270) 6: 87 كتاب النكاح، البكر يزوجها أبوها وهي كارهة.

وأخرجه أحمد في مسنده (7519) 2: 259.

ص: 555

وهذه الروايةٍ أقوى دليلاً؛ لأن في القول بها جمعاً بين الآية والأخبار. وهذا ظاهر كلام المصنف في الكافي.

فإن قيل: لم قيد ذلك بالتسع؟

قيل: لأنها حينئذ تصير عارفة بما يضرها وينفعها فتظهر فائدة استئذانها وقد نبهت عائشة على ذلك حيث قالت: «إذا بَلغتِ الجاريةُ تسع سنين فهيَ امرأة» (1).

وروي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ولأنها تصلح حينئذ للنكاح وتحتاج إليه. أشبهت البالغة.

قال: (وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمات).

أما كون إذن الثيب الكلام فلا خلاف فيه.

ولأن الإذن في الأمر إذا

(2) لا يكون إلا بالكلام. فكذلك هاهنا.

وأما كون إذن البكر الصمات؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: «كيفَ إذنُها؟ قال: أن تَسكُت» (3).

وعن عائشة أنها قالت: «يا رسول الله! البكرُ تستحِي. قال: رضاها صمتُها» (4). متفق عليه.

وفي روايةٍ: «واليتيمةُ تُستأمرُ وصمتُها إقرارُها» (5). رواه النسائي.

(1) ذكره الترمذي في جامعه 3: 418 كتاب النكاح، باب ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج.

وذكره البيهقي في السنن الكبرى 1: 320 كتاب الحيض، باب السن التي وجدت المرأة حاضت فيها.

(2)

طمس في أقدر كلمة.

(3)

سبق تخريجه ص: 554.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (4844) 5: 1974 كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1420) 2: 1037 كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (2100) 2: 233 كتاب النكاح، باب في الثيب.

وأخرجه النسائي في سننه (3263) 6: 85 كتاب النكاح، استئذان البكر في نفسها.

ص: 556

وفي روايةٍ: «تُستأمرُ اليتيمةُ في نفسِها فإن سكتتْ فهو إذنُها» (1).

ولا فرق بين الأب وغيره فيما ذُكر؛ لأنه صرح بأن إذن اليتيمة الصمت، واليتيمة من لا أبَ لها.

قال: (ولا فرق بين الثيوبة بوطء مباح أو محرم. فأما زوال البكارة بأصبع أو وثبة فلا يغير صفة الإذن).

أما كونه لا فرق بين ما ذكر؛ فلعموم ما تقدم.

ولأن البكر إنما اقتصر على صماتها لأجل حيائها وذلك مفقود في الموطوءة. لا سيما بوطء محرم.

وأما كون زوال البكارة بأصبع أو وثبة لا يغير صفة الإذن؛ فلأن المعنى الذي وجب الاكتفاء بالصمات في البكر لأجله موجود هاهنا لأن الحياء لا يزول بزوال البكارة بإصبع أو وثبة. والله أعلم.

(1) سبق تخريجه قريباً.

ص: 557

فصل [الشرط الثالث]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (الثالث: الولي. فلا نكاح إلا بولي. فإن زوجت المرأة نفسها أو غيرها لم يصح. وعنه: لها تزويج أمتها ومعتقتها. فيُخَرَّج منه صحة تزويج نفسها بإذن وليها وتزويج غيرها بالوكالة. والأول المذهب).

أما كون الثالث من شروط صحة النكاح: الولي؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نِكاحَ إلا بِوَلي» (1). صححه أحمد وابن معين.

وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيما امرأةٍ نكحتْ نفسَها بغيرِ إذن وليّها فنكاحُها باطلٌ باطلٌ باطلٌ» (2). رواه أبو داود وابن ماجة والأثرم.

فإن قيل: الحديث الأول يمكن حمله على نفي الكمال، والثاني يدل بمفهومه على صحة النكاح بإذن الولي وأنتم لا تقولون به. ثم قد دل قوله تعالى:{فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 232] على صحة نكاحها. فصح منها؛ كبيع أمتها.

قيل: مقتضى الحديث الأول نفي حقيقة النكاح؛ إلا أنه لما لم يمكن ذلك وجب حمله على نفي الصحة؛ لأنه أقرب إلى نفي الحقيقة. لا سيما إذا اعتضد بقوله في الحديث الآخر: «باطلٌ باطلٌ» (3). ولقائل أن يقول: بل هو على مقتضاه

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2085) 2: 229 كتاب النكاح، باب في الولي.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1101) 3: 407 كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1881) 1: 605 كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي.

وأخرجه أحمد في مسنده (19761) 4: 418.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2083) 2: 229 كتاب النكاح، باب في الولي.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1102) 3: 407 كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1879) 1: 605 كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي.

وأخرجه أحمد في مسنده (24417) 6: 66.

(3)

سبق تخريجه قريباً.

ص: 558

في نفي الحقيقة؛ لأن كلام الشرع محمول على الحقائق الشرعية لا على الحقائق اللغوية، والحقيقة الشرعية لا توجد بغير ولي.

وأما الحديث الثاني فلا مفهوم له لأنه خرج مخرج الغالب. أشبه قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حُجُوركم} [النساء: 23].

وأما الآية فالعضل الامتناع من التزويج. ويدل عليه «أنها نزلت في معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها» (1).

وأما الإضافة إليهن؛ فلأنهن محل له.

وأما كون المرأة إذا زوجت نفسها لا يصح على المذهب؛ فلما تقدم من قوله: «لا نِكاحَ إلا بِوَلي» (2)، وقوله:«أيما امرأةٍ نكحتْ نفسَهَا بغيرِ إذنِ وليّها فنكاحُها باطلٌ باطلٌ باطلٌ» (3).

ولأن الولي شرط في النكاح. ولم يوجد.

وأما كونها إذا زوجت غيرها لا يصح على المذهب؛ فلأنها إذا كانت قاصرة عن تزويج أمتها على روايةٍ. [فلأن تكون قاصرة عن تزويج غيرها بطريق الأولى.

وأما كونها لها تزويج أمتها على روايةٍ] (4)؛ فلأنها مالكتها، وولايتها عليها تامة. فكان لها تزويجها؛ كالسيد.

ولأنها لها بيعها وإجارتها. فكان لها تزويجها؛ كسيدها.

وأما كونها لها تزويج معتقتها على روايةٍ؛ فلأن الولاية كانت لها عليها. فوجب استصحابها.

ولأن الولاء كالملك.

ص: 559

وأما كون صحة تزويج نفسها بإذن وليها وصحة تزويج غيرها بالوكالة يُخَرَّج من صحة تزويج نفسها من مُعْتَقِها. فلأنها إذا كانت أهلاً لمباشرة تزويج أمتها أو مُعْتَقِها. فلأن تكون أهلاً لتزويج نفسها وغيرها بالوكالة بطريق الأولى.

وأما كون الأول المذهب؛ فلما تقدم.

ولأن العلة في منعها صيانتها عن مباشرة ما شعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال. فوجب أن لا تباشر النكاح تحصيلاً لذلك.

والفرق بين تزويج أمتها ومعتقتها وبين تزويج نفسها أن الولاية عليها إنما ثبتت لتحصيل الكفاءة، وذلك مفقود في الأمة والمعتقة.

قال: (وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها ثم أبوه وإن علا. ثم ابنها وإن نزل. ثم أخوها لأبويها ثم لأبيها. وعنه: يقدم الابن على الجد، والتسوية بين الجد والأخ، وبين الأخ للأبوين والأخ للأب. ثم بنو الإخوة وإن سفلوا. ثم العم ثم ابنه. ثم الأقرب فالأقرب من العصبات على ترتيب الميراث. ثم المولى المنعم ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب. ثم السلطان).

أما كون أحق الناس بنكاح المرأة الحرة أباها؛ فلأنه أكمل من غيره نظراً وأتمُّ شفقة، ويختص بولاية المال، ويجوز أن يشتري لها من ماله، وله من مالها إذا كانت صغيرة.

ولأن الله تعالى جعل الولد موهوباً لابنه قال الله تعالى: {ووهبنا له يحيى} [الأنبياء: 90]، وقال إبراهيم:{الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسمعيل وإسحاق} [إبراهيم: 39]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أنتَ ومالُكَ لأبيك» (1).

ولأن غير الأب: إما يدلي به؛ كالجد والإخوة. وإما فرع بالنسبة إليه؛ كالابن. ومن أدلى بشخص لا يثبت له معه حق. والأصل راجح على الفرع.

فإن قيل: الابن أولى بالميراث. فيجب أن يكون أولى بالنكاح.

قيل: الميراث اقتضى ذلك. وكمال شفقة الأب معارض له.

(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (2291) 2: 769 كتاب التجارات، باب ما للرجل من مال ولده، عن جابر بن عبدالله.

وأخرجه أحمد في مسنده (6902) 2: 204 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

ص: 560

فإن قيل: لم قيدت الولاية بكون المرأة حرة؟

قيل: لأن ولي الأمة سيدها. وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

وأما كون أحق الناس بذلك بعد أبيها أباه وإن علا وهو الجد؛ فلأن له إيلاداً وتعصيباً. أشبه الأب.

وأما كون أحق الناس بذلك بعد الجد ابنها؛ فلأنه أولى بالميراث من غيره. فكذا في النكاح. ترك ذلك في الأب؛ لكمال شفقته، وفي الجد؛ لأن له إيلاداً وتعصيباً. فيبقى فيما عداهما على مقتضاه.

وفي كونه أحق بذلك من غيره تنبيه على ثبوت ولايته. وصرح به المصنف في المغني.

ووجهه: ما روت أم سلمة «أنها لما انقضت عدتُها أرسلَ إليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يخطُبُها. فقالت: يا رسول الله! ليسَ أحدٌ من أوليائي شاهد. قال: ليسَ من أوليائكِ شاهدٌ ولا غائبٌ يكرَهُ ذلك. فقالت لابنها: قمْ يا عمر! فزوّجْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم» (1). رواه النسائي.

ولأنه عدلٌ من عصبتها. أشبه أخاها.

وأما كون أحق الناس (2) بذلك بعد ابنها ابنه وإن نزل؛ فلما ذكر في أبيها.

وأما كون أحق الناس بعد ابنها وإن نزل أخاها لأبويها ثم لأبيها؛ فلما ذكر أيضاً.

وأما كون الابن يقدم على الجد على روايةٍ؛ فلأنه أولى بالميراث منه.

وأما كون الجد والأخ سواء على روايةٍ؛ فلأنهما يستويان في الميراث. فيستويان في ولاية النكاح.

وأما كون الأخ من الأبوين والأخ من الأب سواء على روايةٍ؛ فلأنهما استويا في الجهة التي تستفاد منها الولاية وهي العصوبة التي من جهة الأب. فاستويا في ولاية النكاح؛ كما لو كانا من أب.

وأما قرابته من الأم فلا يرجح بها هنا؛ لأنها لا مدخل لها في النكاح.

(1) أخرجه النسائي في سننه (3254) 6: 81 كتاب النكاح، انكاح الابن أمه.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 561

فإن قيل: ما الصحيح من الروايتين؟

قيل: صحح صاحب الخلاصة التسوية.

وقال المصنف في المغني: هو المنصوص.

ووجهه ما ذكر.

وظاهر كلامه رحمه الله تعالى هنا ترجيح الأخ للأبوين. وصرح به في المغني. ونقض عدم الترجيح بما لا مدخل له في الميراث بالولاء من حيث إنه يقدم الأخ للأبوين على الأخ للأب. مع أن النساء لا مدخل لهن في الولاء.

وأما كون أحق الناس بذلك بعد الأخ الإخوة وإن سفلوا ثم العم ثم ابنه ثم الأقرب فالأقرب من العصبات على ترتيب الميراث؛ فلأنهم كذلك في الميراث. فكذلك في الولاية؛ لأن الولاية مبناها على النظر والشفقة وذلك يعتبر بمظنته وهي القرابة. فمتى كان الإنسان أحق بالميراث فهو أحق بالولاية. ولا يُلزم عليه الأب لما تقدم من معاوضة كمال شفقته لذلك.

وأما كون أحق الناس بذلك بعد العصبات المولى المنعم ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب؛ فلأنهم أولى الناس بميراثه.

وفي قول المصنف رحمه الله تعالى: بعد المولى المنعم ثم عصباته الأقرب فالأقرب؛ تنبيه على كون ابن المولى المنعم أحق من أبيه بخلاف النسب. وهو صحيح. صرح به المصنف وغيره.

ووجهه: أن مقتضى الدليل تقديم الابن على الأب لتقديمه عليه في الميراث. تُرك العمل به في السبب لرجحان الأب عليه بكمال الشفقة المعتمدة على القرابة، وذلك منتفٍ هاهنا لعدم القرابة المرجحة.

وأما كون أحق الناس بذلك بعد المولى المنعم وعصباته السلطان؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فالسلطانُ وليُّ من لا وليَّ له» (1).

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2083) 2: 229 كتاب النكاح، باب في الولي.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1102) 3: 407 كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1879) 1: 605 كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي.

وأخرجه أحمد في مسنده (24417) 6: 66.

ص: 562

وعن أم حبيبة «أن النجاشي زوّجَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عنده» (1). رواه أبو داود.

ولأن السلطان له ولاية عامة. بدليل أنه يلي المال ويحفظ الضوال. فكانت له الولاية في النكاح؛ كالأب.

والمراد بالسلطان هنا: الإمام أو الحاكم أو من فوّض أحدهما إليه ذلك.

قال: (فأما الأمة فوليها سيدها. فإن كانت لامرأة فوليها ولي سيدتها. ولا يزوجها إلا بإذنها).

أما كون ولي الأمة سيدها؛ فلأنه يملك منافعها. فملك تزويجها؛ كإجارتها.

وأما كون ولي الأمة إذا كانت لامرأة ولي سيدتها؛ فلأنه قد ثبت أنه لا ولاية للمرأة. فوجب أن يليها ولي سيدتها؛ لأنه أحق بالناس بها بعدها.

ولأنه إذا ثبت له الولاية على سيدتها. فلأن تثبت عليها بطريق الأولى.

وأما كونه لا يزوجها إلا بإذنها؛ فلأنها مالها. ولا يجوز التصرف في مال الرشيدة بغير إذنها وبغير نطقها في هذا الإذن وإن كانت بكراً؛ لأن صماتها إنما اكتفي به في تزويج نفسها لحيائها وهو مفقود هنا؛ لأنها لا تستحي من تزويج أمتها.

قال: (ويشترط في الولي: الحرية، والذكورية، واتفاق الدين، والعقل. وهل يشترط بلوغه وعدالته؟ على روايتين).

أما كون الولي يشترط فيه الحرية؛ فلأن العبد لا ولاية له على نفسه. فعلى غيره أولى.

وأما كونه يشترط فيه الذكورية؛ فلأن ولاية النكاح ولاية. والولاية يعتبر فيها الكمال. والمرأة قاصرة ناقصة تثبت الولاية عليها لقصورها عن النظر لنفسها. فلئلا تثبت لها ولاية على غيرها بطريق الأولى.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2086) 2: 229 كتاب النكاح، باب في الولي.

ص: 563

وأما كونه يشترط فيه اتفاق الدين. ومعناه: أن يكون مسلماً كالزوجة المسلمة، أو كافراً كالزوجة الكافرة؛ فلأن الكافر لا ولاية له على المسلمة؛ لأن الله تعالى قال:{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} [التوبة: 71].

قال ابن المنذر: أجمع عامة من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا.

قال الإمام أحمد: بلغنا «أن علياً أجاز نكاح الأخ ورد نكاح أب وكان نصرانياً» .

والمسلم لا ولاية له على كافرة؛ لأن الله تعالى قال: {والذين كفروا بعضُهم أولياءُ بعض} [الأنفال: 73].

وأما كونه يشترط فيه العقل فلا خلاف فيه؛ لأن الولاية إنما تثبت نظراً للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه، ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلي نفسه. فغيره أولى.

ولا فرق بين من لا عقل له لصغر؛ كالطفل، وبين من ذهب عقله بجنون أو كبر كالشيخ إذا أفند (1)؛ لاشتراك الكل في العدم. فأما المغمى عليه والذي يجنّ في بعض الأوقات فلا تزول ولايتهما: أما المغمى عليه؛ فلأن مدته يسيرة. أشبه النوم. ولذلك لا تثبت الولاية عليه وتجوز على الأنبياء عليهم السلام.

وأما من يجنّ في بعض الأوقات؛ فلأنه لا يستمر زوال عقله. أشبه المغمى عليه.

وأما كونه يشترط بلوغه على روايةٍ؛ فلأن الولاية يعتبر لها كمال الحال، ومن لم يبلغ قاصر لثبوت الولاية عليه.

وأما كونه لا يشترط على روايةٍ؛ فلأنه إذا بلغ عشراً تصح وصيته وطلاقه وتثبت له الولاية كالبالغ.

قال المصنف في المغني: والأول اختيار أبي بكر وهو الصحيح.

وأما كونه يشترط عدالته على روايةٍ؛ فلما روى ابن عباس أنه قال: «لا نِكاحَ إلا بولي مُرشِد» (2).

(1) الفند: ضعف الرأي من الهرم. المصباح. مادة فند.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 126 كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بشاهدين عدلين.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (15917) 3: 441 كتاب النكاح، من قال: لا نكاح إلا بولي أو سلطان. ولفظه: «لا نكاح إلا بولي أو سلطان مرشد» .

ص: 564

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاحَ إلا بولي وشاهدَي عدلٍ. وأيما امرأةٍ أَنكحَها وليٌ مسخوطٌ عليه فنكاحُها باطل» (1).

ولأنها ولاية نظرية. فلا يستبد بها الفاسق؛ كولاية المال.

وأما كونه لا يشترط عدالته على روايةٍ؛ فلأنه يلي نكاح نفسه. فتثبت الولاية على غيره؛ كالعدل.

ولأن سبب الولاية القرابة، وشرطها النظر. وهذا قريب ناظر. فوجب أن يلي؛ كالعدل.

قال: (فإن كان الأقرب طفلاً أو كافراً أو عبداً: زوج الأبعد. وإن عضل الأقرب زوج الأبعد. وعنه: يزوج الحاكم).

أما كون الأبعد يزوج إذا كان الأقرب طفلاً أو كافراً أو عبداً؛ فلأن الأقرب فاقد لشرط الولاية فوجوده كعدمه. فوجب أن تثبت للأبعد؛ كما لو مات الأقرب.

وأما كونه يزوج إذا عضل الأقرب على المذهب؛ فلأنه تعذر التزويج من جهة الأقرب. فانتقل الولاية إلى الأبعد؛ كما لو جُنّ.

ولأنه يفسق بالعضل. فتنتقل الولاية عنه؛ كما لو شرب الخمر.

وأما كون الحاكم يزوج على روايةٍ اختارها أبو بكر؛ فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن اشتَجَرُوا فالسلطانُ وليُّ من لا وليَّ له» (2). والحاكم نائب عنه.

ولأن ذلك حق عليه امتنع من أدائه. فقام الحاكم مقامه؛ كما لو كان عليه دين امتنع من قضائه.

والأول أصح؛ لما ذكر.

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 124 كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي مرشد.

(2)

سبق تخريجه ص: 562.

ص: 565

والحديث لا حجة فيه؛ لأنه قال: «وليُّ من لا وليَّ له» وهذه لها ولي. ثم يمكن حمله على ما إذا عضل الكل. ويؤيده قوله: «فإن اشتَجَرُوا» ؛ لأنه ضمير جمع.

والفرق بين الولاية والدَّين من وجوه:

أحدها: أن الولاية حق للولي، والدَّين حق عليه.

وثانيها: أن الولاية تنتقل عنه لعارض من فسق أو جنون أو موت، والدَّين لا ينتقل.

وثالثها: أن الولاية يعتبر في بقائها العدالة وقد زالت بالعضْل، والدَّين لا يعتبر في بقائه ذلك.

قال: (وإن غاب غيبة منقطعة زوج الأبعد. وهي: ما لا تُقطع إلا بكلفة ومشقة في ظاهر كلامه. وقال الخرقي: ما لا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه. وقال القاضي: ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة. وعن أحمد: إذا كان الأب (1) بعيد السفر زوج الأبعد فيحتمل أنه أراد ما تقصر فيه الصلاة).

أما كون الأبعد يزوج إذا غاب الأقرب غيبة منقطعة؛ فلأن الأقرب تعذر التزويج منه. فوجب أن ينتقل إلى من يليه؛ كما لو جُنّ أو مات.

وأما كون الغيبة المنقطعة هي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة في ظاهر كلام الإمام أحمد؛ فلأن التحديدات توقيفية، ولا توقيف في هذه المسألة. فوجب الرد إلى ما يتعارف الناس. وهو ما ذكر.

قال المصنف في المغني: هذا أقرب الأقوال إلى الصواب. ونسبه إلى أبي بكر.

وأما كونها ما لا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه في قول الخرقي؛ فلأن مثل هذا متعذر مراجعته. فتكون منقطعة.

وأما كونها ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة في قول القاضي؛ فلأن الكفء يُنتظر سنة ولا ينتظر أكثر منها. فيلحق الضرر بترك تزويجها.

(1) زيادة من المقنع.

ص: 566

وأما كون ما تقصر فيه الصلاة يحتمل أن يراد من قول أحمد: إذا كان الأب بعيد السفر زوج الأبعد؛ فلأن ذلك هو السفر البعيد الذي علقت عليه الأحكام.

قال: (ولا يلي كافر نكاح مسلمة بحال؛ إلا إذا أسلمت أم ولده في وجه).

أما كون (1) الكافر لا يلي نكاح مسلمة غير أم ولده؛ فلأنه لا ولاية لكافر عليها البتة؛ لأن الله تعالى قال: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} [التوبة: 71].

ولأن ابن المنذر قال: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم.

وأما كونه لا يلي نكاح أم ولده في وجه؛ فلما ذكر من الآية.

ولأنها مسلمة. فلا يلي نكاحها؛ كابنته.

فعلى هذا يزوجها الحاكم.

وأما كونه يليه في وجه؛ فلأنها مملوكته. فيلي نكاحها؛ كالمسلم.

ولأنه عقد عليها. فيليه؛ كإجارتها.

قال: (ولا يلي مسلم نكاح كافرة إلا سيد الأمة أو ولي سيدتها أو السلطان).

أما كون المسلم لا يلي نكاح كافرة إذا لم يكن سيد أمة أو ولي سيدتها أو السلطان؛ فلأن الله تعالى قال: {والذين كفروا بعضُهم أولياءُ بعض} [الأنفال: 73].

ولأن مختلفي الدين لا يرث أحدهما الآخر ولا يعقل عنه. فلم يل عليه؛ كما لو كان أحدهما رقيقا.

وأما كونه يلي ذلك إذا كان سيد الأمة؛ فلأنه عقد على منافعها. فوليه وإن اختلف ديناهما؛ كإجارتها.

وأما كونه يلي ذلك إذا كان ولي سيدتها؛ فلأنه يلي نكاح سيدها. فلأن يلي نكاحها بطريق الأولى.

وأما كونه يلي ذلك إذا كان السلطان؛ فلأن ولايته عامة على أهل دار الإسلام، والكافرة من أهل الدار. فثبتت له الولاية عليها؛ كالمسلمة.

(1) زيادة يقتضيها السياق.

ص: 567

قال: (ويلي الذميُّ نكاح موليته الذمية من الذمي. وهل يليه من مسلم على وجهين).

أما كون الذمي يلي نكاح موليته الذمية من الذمي؛ فلأنه مساوٍ لها. فوليه؛ كالمسلم ولي المسلمة.

وأما كونه يليه من مسلم على وجه فللمساواة المذكورة.

وأما كونه لا يليه على وجه؛ فلأن فيه صغاراً على المسلم.

قال: (وإذا زوج الأبعد من غير عذر للأقرب، أو زوج أجنبي: لم يصح. وعنه: يصح ويقف على إجازة الولي).

أما كون ما ذُكر لا يصح على المذهب؛ فلأنه تصرف في حق الغير بغير إذنه. فلم يصح؛ كما لو باع ماله.

وقول المصنف رحمه الله تعالى: من غير عذر للأقرب؛ فيه تنبيه على أنه إذا كان معذوراً بأن كان غائباً أو ما أشبه ذلك يصح نكاح الأبعد. وقد تقدم بيانه.

فإن قيل: فقد عطف الأجنبي عليه فيجب أن يساويَ الأبعد في ذلك.

قيل: لا؛ لأن الغيبة تجعل الأقرب كالمعدوم. فيتحقق الأبعد. وهذا المعنى مفقود في الأجنبي. والعطف يقتضي مساواة المعطوف المعطوف عليه في أصل العطف لا في كل ما يتعلق به.

وأما كونه يصح ويقف على إجازة الولي على روايةٍ؛ فلأنه عقد معاوضة. فصح ووقف على الإجازة؛ كالبيع في روايةٍ.

ولأنه عقد يقف على الفسخ. فصح ووقف على الإجارة؛ كالوصية.

والبيع من الأجنبي لا يصح على الصحيح.

والفرق بين هذا وبين الوصية أن الوصية يتراخى فيها القبول وتجوز بعد الموت فهي معدول بها عن سائر التصرفات.

ص: 568

قال: (ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضراً. ووصيه في النكاح بمنزلته. وعنه: لا تستفاد ولاية النكاح بالوصية. وقال ابن حامد: لا يصح إلا أن لا يكون لها عصبة).

أما كون وكيل كل واحدٍ من الأولياء يقوم مقامه وإن كان حاضراً؛ فلأن الوكالة في النكاح تصح؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكّل أبا رافع في تزويج ميمونة» (1). و «وكّل عمرو بن أمية في تزويج أم حبيبة» (2).

ولأنه عقد معاوضة. فصح التوكيل فيه؛ كالبيع. وإذا صحت الوكالة فيه قام الوكيل مقامه كالوكيل في البيع وغيره.

ولا فرق في الصحة بين الوكالة في القبول وبين الوكالة في الإيجاب، ولا بين كونها مُطْلقة؛ مثل: أن يوكله في تزويج من يرى بشرطه، وبين كونها مؤقتة؛ مثل: أن يوكله في تزويج رجل بعينه أو امرأة بعينها، ولا بين كون الولي مجبراً؛ كالأب، أو غير مجبر؛ كالجد ونحوه؛ لأن الكل سواء معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.

وفي قول المصنف: ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه؛ إشعارٌ بأن وكيل المجبر يملك الإجبار ووكيل غير المجبر لا يملك الإجبار لأنه أقام مقام نفسه. فوجب أن يثبت له ما هو لموكله.

وفي قوله: وإن كان حاضراً تنبيه على أن الوكالة ليس من شرطها الغيبة.

ولأن الحاجة كما تدعو إلى الوكالة للغيبة. فكذلك تدعو إليها مع الحضور لكون الموكل يأنف مباشرة العقد ومثله لم تجر العادة بمباشرته.

وأما كون وصي كل واحد من الأولياء في النكاح بمنزلته على المذهب واختاره الخرقي؛ فلأنها ولاية نائبه. فجازت وصيته بها؛ كولاية المال.

ولأن الوصية نيابة بعد الموت. فجازت الوصية بها؛ كالوكالة.

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (841) 3: 200 كتاب الحج، باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم.

وأخرجه أحمد في مسنده (27240) 6: 393.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 139 كتاب النكاح، باب الوكالة في النكاح.

ص: 569

وأما كون ولاية النكاح لا تستفاد بالوصية على روايةٍ؛ فلأنها ولاية تنتقل إلى غيره. فلم يجز أن يوصى بها؛ كالحضانة.

ولأنه لا ضرر على الوصي في تضييعها ووضعها عند من لا يكافئها. فلم تثبت له الولاية؛ كالأجنبي.

وأما كونها لا تصح على قول ابن حامد إذا كان لها عصبة؛ فلأنه يسقط حقهم.

وأما كونها تصح إذا لم يكن لها عصبة فلعدم ذلك.

قال: (وإذا استوى الأولياء في الدرجة صح التزويج من كل واحد منهم. والأولى تقديم أفضلهم ثم أسنهم. وإن تشاحوا أقرع بينهم. فإن سبق غير من وقعت له القرعة فزوج صح في أقوى الوجهين).

أما كون التزويج من كل واحد من الأولياء يصح إذا استووا في الدرجة كالإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم؛ فلأن القرابة متحققة في كل واحد منهم.

وأما الأولى تقديم أفضلهم؛ فلأنه أكمل من المفضول.

وأما كون الأولى بعد ذلك تقديم أسنهم؛ فلأنه شيء يقدم به في غير هذا الموضع فكذا هاهنا.

وقد نبّه النبي صلى الله عليه وسلم على ترجيح الأسن في حديث محيصة وحويصة وعبدالرحمن بن سهل؛ لأنه لما تكلم عبدالرحمن وكان أصغرهم قال: «كبّر كبّر -أي قدّم الأكبر- فتكلّم حويصة» (1).

وأما كونهم إذا تشاحوا يقرع بينهم؛ فلأن الحقوق إذا تساوت شرعت القرعة. دليله أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يُقرعُ بين نسائهِ إذا سَافر» (2)؛ لأن حقوقهم متساوية.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3002) 3: 1158 كتاب الجزية، باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره ..

وأخرجه مسلم في صحيحه (1669) 3: 1294 كتاب القسامة، باب القسامة.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2453) 2: 916 كتاب الهبة، باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها ..

وأخرجه مسلم في صحيحه (2770) 4: 2129 كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف.

ص: 570

وأما كون غير من وقعت له القرعة إذا سبق فزوج يصح في وجه؛ فلأن القرعة لم تبطل ولايته. فلم يبطل نكاحه.

وأما كونه لا يصح في وجه؛ فلأن القرعة تعين المستحق. فلم يكن لغيره التزويج؛ لتعين غيره.

وأما كون الأول أقوى؛ فلأنه تزويج صدر من ولي كامل الولاية. فصح؛ كما لو انفرد.

قال: (وإن زوج اثنان ولم يعلم السابق منهما فسخ النكاحان. وعنه: يقرع بينهما فمن قرع أُمر الآخر بالطلاق ثم يجدد القارع نكاحه).

أما كون النكاحين فيما ذُكر يفسخان على المذهب؛ فلأن كل واحد منهما يحتمل أن يكون نكاحه هو الصحيح ولا سبيل إلى الجمع ولا معرفة الزوج فيفسخ لإزالة الزوجية.

وأما كونهما يقرع بينهما على روايةٍ؛ فلأن القرعة تزيل الإبهام.

وأما كون من لم يقرع يؤمر بالطلاق فلاحتمال أنه هو الزوج. فيكون من قرع ناكحاً زوجة غيره.

وأما كون القارع يجدد نكاحه؛ فلأن المزوجة إن كانت زوجته لم يضره ذلك وإن لم تكن زوجته صارت زوجته بالتجديد.

قال: (وإذا زوج السيد عبده الصغير من أمته جاز أن يتولى طرفي العقد. وكذلك ولي المرأة مثل ابن العم والمولى والحاكم إذا أذنت له في نكاحها فله أن يتولى طرفي العقد. وعنه: لا يجوز حتى يوكل غيره في أحد الطرفين).

أما كون السيد إذا زوج عبده الصغير من أمته يجوز أن يتولى طرفي العقد؛ فلأنه ملك ذلك بحكم المُلك لا بحكم الإذن.

وأما كون غيره ممن ذكر إذا أذنت له موليته في نكاحها: له ذلك على المذهب؛ فـ «لأن عبدالرحمن بن عوف قال لأمّ حكيم ابنة قارظٍ: أتجعلينَ أمرَكِ إليَّ؟ قالت: نعم. قال: تزوجتُك» (1). رواه البخاري.

(1) ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً 5: 1972 كتاب النكاح، باب إذا كان الولي هو الخاطب.

ص: 571

ولأنه يملك الإيجاب والقبول. فجاز أن يتولاهما؛ كما لو زوج السيد عبده الصغير من أمته.

ولأنه عقد وُجد فيه الإيجاب من ولي ثابت الولاية، والقبول من زوج هو أهل للقبول. فصح؛ كما لو وجدا من رجلين.

وقد روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقَ صفيةَ وجعلَ عتقَها صداقَها» (1).

وإنما اشترط (2) الإذن في النكاح؛ لأن من ذكر لا يملك الإجبار عليه.

ولا يدفع الإذن المذكور الإذن لوليها أن ينكحها نفسه؛ لأن الإذن المطلَق لا يجوز معه (3) أن يُنكحها نفسه لأن قرينة الحال تؤذن بإنكاح الغير.

وأما كونه لا يجوز حتى يوكل غيره في أحد الطرفين على روايةٍ؛ فلما روي عن عبدالملك بن عمير «أن المغيرةَ بن شعبة أمرَ رجلاً أن يزوّجه امرأة. المغيرة أولى بها منه» (4). رواه أبو داود.

ولأنه عقد ملكه بالإذن. فلم يجز أن يتولى طرفيه؛ كالبيع.

ولأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلُ نكاحٍ لا يحضرهُ أربع فهو سِفاح: زوج، وولي، وشاهدان» .

قال: (وإذا قال السيد لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح. وإن طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصف قيمتها. وعنه: لا يصح حتى يستأنف نكاحها بإذنها فإن أبت ذلك فعليها قيمتها).

أما كون السيد إذا قال لأمته ما تقدم ذكره يصح على المذهب؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقَ صفيةَ وجعل عتقَها صداقَها» (5) متفق عليه.

(1) سيأتي تخريجه قريباً.

(2)

في أ: اشترطت.

(3)

في أ: لأن الإذن المطلقة لا يجوز معها.

(4)

ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً 5: 1972 كتاب النكاح، باب إذا كان الولي هو الخاطب.

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه (3964) 4: 1538 كتاب المغازي، باب غزوة خيبر.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1365) 2: 1045 كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها.

ص: 572

وأما كونه يرجع عليها بنصف قيمتها إذا طلقها قبل دخوله بها؛ فلأن الطلاق قبل الدخول يقتضي الرجوع في نصف ما فرض لها، وقد فرض لها نفسها ولا سبيل إلى الرجوع في الرق بعد زواله. فرجع بنصف قيمة نفسها.

والعبرة بالقيمة حالة الإعتاق لأنها حالة الإتلاف.

وأما كون السيد إذا قال ما تقدم ذكره لا يصح حتى يستأنف نكاحها بإذنها على روايةٍ؛ فلأنه لم يوجد إيجاب وقبول. فلم يصح؛ لعدم وجود أركانه كما لو قال: أعتقتك وسكت.

ولأنها بالعتق تملك نفسها. فيجب أن يعتبر رضاها؛ كما لو فصل بين العتق وجَعْلِه صداقاً.

وأما كونها عليها قيمتها إذا أبت ذلك؛ فلأنه أزال ملكه بعوض لم يسلم له. فرجع إلى قيمته؛ كالبيع الفاسد.

ص: 573

فصل [الشرط الرابع]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (الرابع: الشهادة. فلا ينعقد إلا بشاهدين عدلين ذكرين بالغين عاقلين وإن كانا ضريرين. وعنه: ينعقد بحضور فاسقين، ورجل وامرأتين، ومراهقَيْن عاقلَيْن).

أما كون الرابع من شروط النكاح: الشهادة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نِكاحَ إلا بولي وشاهدَي عدل» (1). رواه الخلال بإسناده.

وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا بُدَّ في النكاحِ من أربعة: الولي، والزوج، والشاهدان» (2). رواه الدارقطني.

ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد. فاشترطت الشهادة فيه؛ لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه. بخلاف البيع.

وأما كونه لا ينعقد إلا بشاهدين عدلين على المذهب فلقوله: «وشاهدَي عدل» (3).

ولأن النكاح لا يثبت بشهادة فاسقين. فلم ينعقد بحضورهما؛ كالمجنونين.

وأما كونه ينعقد بحضور فاسقين على روايةٍ؛ فلأنه ينعقد بالشهادة على روايةٍ. فلأن ينعقد بحضور فاسقين على روايةٍ بطريق الأولى.

ولأن الشهادة على النكاح تَحَمّل. فصحت من الفاسق؛ كسائر التحملات.

قال المصنف في المغني: وعلى كلتي الروايتين لا تعتبر حقيقة العدالة بل ينعقد بحضور مستوري الحال؛ لأن النكاح يكون في القرى والبادية وبين عامة الناس ممن

(1) سبق تخريجه ص: 565.

(2)

أخرجه الدارقطني في سننه (19) 3: 224 كتاب النكاح.

(3)

سبق تخريجه ص: 565.

ص: 574

لا يعرف بحقيقة العدالة. فاعتبار ذلك يشق. فاكتفي بظاهر الحال، وكون الشاهد مستوراً لم يظهر فسقه.

وأما كونه لا ينعقد إلا بحضور ذكرين على المذهب؛ فلما روى الزهري قال: «مضت السنةُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تجوزَ شهادة النساءِ في الحدودِ، ولا في النكاحِ، ولا في الطلاق» . رواه أبو عبيد في الأموال.

ولأنه عقد ليس بمال ولا المقصود منه المال ويحضره الرجال في غالب الأحوال. فلم ينعقد بشهادة النساء؛ كالحدود.

وأما كونه ينعقد بحضور رجل وامرأتين على روايةٍ؛ فلأنه عقد معاوضة. فانعقد بشهادة رجل وامرأتين؛ كالبيع.

وأما كونه لا ينعقد إلا بحضور بالغين عاقلين على المذهب؛ فلأن الصبي ليس من أهل الشهادة.

وأما كونه ينعقد بحضور مراهقَيْن عاقلَيْن على روايةٍ؛ فلأن المراهق العاقل يصح تحمله. أشبه شهادته على البيع.

وأما كونه ينعقد بما تقدم ذكره وإن كانا ضريرين؛ فلأنها شهادة على قول. فصحت من الضريرين؛ كالشهادة بالاستفاضة.

قال: (ولا ينعقد نكاح مسلم بشهادة ذميين. ويتخرج أن ينعقد إذا كانت المرأة ذمية).

أما كون نكاح المسلم لا ينعقد بشهادة ذميين؛ فلعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «وشاهدَي عدل» (1).

ولأنه نكاح مسلم. فلم ينعقد بشهادة ذميين؛ كنكاح المسلمين.

وأما كونه يتخرج أن ينعقد إذا كانت المرأة ذمية؛ فلأن شهادة بعض أهل الذمة تقبل على بعض في روايةٍ.

(1) سبق تخريجه ص: 565.

ص: 575

قال: (ولا ينعقد بحضور أصمّين ولا أخرسين. وهل ينعقد بحضور عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما؟ على وجهين. وعنه: أن الشهادة ليست من شروط النكاح).

أما كون النكاح لا ينعقد بحضور أصمّين؛ فلأنهما لا يسمعان العقد. فكان وجودهما كعدمهما.

وأما كونه لا ينعقد بحضور أخرسين؛ فلأنهما لا يتمكنان من الأداء.

وأما كونه ينعقد (1) بحضور عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما على وجه؛ فلعموم قوله عليه السلام: «إلا بولي وشاهدَي عدل» (2).

ولأنه ينعقد بهما نكاح غير هذا الزوج. فانعقد بهما نكاحه؛ كسائر العدول.

وأما كونه لا ينعقد بما ذُكر على وجه؛ فلأن العدو لا تقبل شهادته على عدوه، والابن لا تقبل شهادته لوالده.

وأما كون الشهادة ليست من شروط النكاح على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوّجَ صفيةَ بغير شهود (3).

ولأن الحسن بن علي وابن عمر وابن الزبير فعلوه.

ولأنه عقد معاوضة. أشبه البيع.

(1) في أ: لا ينعقد.

(2)

سبق تخريجه ص: 565.

(3)

سبق ذكره ص: 572.

ص: 576

فصل [الشرط الخامس]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (الخامس: كون الرجل كفءاً لها في إحدى الروايتين. فلو رضيت المرأة والأولياء بغيره لم يصح، والثانية: ليس بشرط. وهي أصح، لكن إن لم ترض المرأة والأولياء جميعهم فلمن لم يرض الفسخ، فلو زوج الأب بغير كفء برضاها فللإخوة الفسخ. نص عليه).

أما كون الخامس من شروط النكاح: كون الرجل كفءاً للمرأة في إحدى الروايتين؛ فلأن عمر رضي الله عنه قال: «لأمنعن تزوّجَ ذواتِ الأحسابِ إلا من الأكفاء» (1). رواه الخلال.

و«لأن سلمان قال لجرير: إنكم يا معشرَ العرب لا نتقدمُ في صلاتكُم ولا ننكح نساءكم. إن الله فضلكُم علينا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم» .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تُنكحُوا النساء إلا الأكْفاءَ، ولا يزوّجُهن إلا الأولياء» (2). رواه الدارقطني. وقد ضُعّف. ذكره ابن عبدالبر.

فعلى هذا لو رضيت المرأة والأولياء بغير كفء لم يصح؛ لأن ما كان شرطاً لا يسقط برضى أحد.

ولأن التزويج مع فقد الكفاءة تصرف في حق من يحدث من الأولياء بغير إذنه. فلم يصح؛ كما لو زوجت المرأة بغير إذنها.

وأما كون ذلك ليس بشرط في روايةٍ؛ فلأن الله تعالى قال: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13].

(1) أخرجه الدارقطني في سننه (195) 3: 298 كتاب النكاح، باب المهر.

(2)

أخرجه الدارقطني في سننه (11) 3: 245 الموضع السابق.

ص: 577

و «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس أن تنكحَ أسامة بن زيد مولاه. فنكحَها بأمره» (1) متفق عليه.

و«زَوَّجَ أباهُ زيد بن حارثة ابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية» (2).

ولأن الكفاءة لا تخرج عن كونها حقاً للمرأة أو للأولياء أو لهما. فلم يشترط وجودها؛ كالسلامة من العيوب.

وأما كون هذه الروايةِ أصح. والمراد به عند المصنف لا في المذهب؛ فلأن ما ذكر في الأولى يمكن حمله على الاعتبار في الجملة لا على الاشتراط.

وأما كون من لم يرض من الأولياء له الفسخ؛ فلأنه يلحقه بذلك عار ويأتيه صغار. فملك الفسخ رفعاً لذلك.

ولأنه نقص وقع في العقد. فأثبت الخيار؛ كالعيب.

و«لأن رجلاً زوج ابنته ليرفع خَسِيسَتَهُ فجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم الخيار» (3).

وأما كون الإخوة لهم الفسخ على المنصوص إذا زوج الأب المرأة بغير كفء برضاها؛ فلأن الأخ ولي في حال يلحقه العار بفقد الكفاءة. فملك الفسخ؛ كالولي المساوي.

قال: (والكفاءة: الدين والمنصب. فلا تزوج عفيفة بفاجر ولا عربية بعجمي. والعرب بعضهم لبعض أكْفاء، وسائر الناس بعضهم لبعض أكْفاء. وعنه: لا تزوج قرشية لغير قرشي، ولا هاشمية لغير هاشمي. وعنه: أن الحرية والصناعة واليسار من شروط الكفاءة، فلا تزوج حرة بعبد، ولا بنت بزاز بحجام، ولا بنت تانئ بحائك، ولا موسرة بمعسر).

أما كون الدِّين. وهو: العفة من الكفاءة فلا خلاف فيه في المذهب؛ لأن الفاسق مرذول مردود الشهادة والرواية. غير مأمون على النفس والمال. مسلوب

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1480) 2: 1114 كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها. ولم أره في البخاري.

(2)

أخرجه الدارقطني في سننه (206) 3: 301 كتاب النكاح، باب المهر.

(3)

أخرجه النسائي في سننه (3269) 6: 86 كتاب النكاح، البكر يزوجها أبوها وهي كارهة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1874) 1: 602 كتاب النكاح، باب من زوج ابنته وهي كارهة.

ص: 578

الولايات. ناقص عند الله وعند خلقه. قليل الحظ في الدنيا والآخرة. ولا يجوز أن يكون كفءاً للعفيفة.

فعلى هذا لا تزوج عفيفة بفاجر؛ لفقد العفة التي هي من الكفاءة.

وأما كون المنصب وهو النسب من الكفاءة لا خلاف فيه أيضاً في المذهب؛ فلأن عمر رضي الله عنه قال: «لأمنعنَ ذواتَ الأحسابِ إلا من الأكْفاء. قيل له: وما الأكفاء؟ قال: في الحسَب» . رواه أبو بكر عبدالعزيز بإسناده.

ولأن العرب يعدون الكفاءة في النسب، ويأنفون من نكاح الموالي، ويرون ذلك نقصاً وعاراً. فوجب أن تعتبر في الكفاءة؛ كالدِّين.

فعلى هذا لا يزوج عربية بعجمي؛ لفقد النسب الذي هو من الكفاءة.

وأما كون العرب بعضهم لبعض أكفاء على المذهب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنته عثمان، وزوج أبا العاص ابن الربيع زينب وهما من بني عبد شمس، وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم، وتزوج عبدالله بن عمر بن عثمان فاطمة ابنة الحسين بن علي، وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة، وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبدالمطلب ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس وهي قرشية.

ولأن سائر الناس بعضهم لبعض أكفاء إن تفاضلوا في شرف بعضهم على بعض. فكذلك العرب.

وأما كون القرشية لا تزوج لغير قرشي والهاشمية لغير هاشمي على روايةٍ؛ فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله اصطفَى كِنانةَ من ولدِ إسماعيلَ، واصطفَى من كِنانةَ قُريشاً، واصطفَى من قريشٍ بني هاشِم» (1).

ولأن العرب فضلت الأمم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقريش أخص به من سائر الناس، وبنو هاشم أخص به من قريش.

والأول أولى؛ لأن الثاني يدل على الفضيلة لا على أنها من الكفاءة، وإلا لما كان لفاطمة مكافئ.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (2276) 4: 1782 كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه الترمذي في جامعه (3605) 5: 583 كتاب المناقب، باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 579

وأما كون الحرية من شروط الكفاءة على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم خيّر بريرة حين عتقت تحت عبدٍ (1). ولو لم يكن للحرية أثر لما كان كذلك.

ولأن نقص الرق كبير وضرره بيِّن. فإنه مشغول عن امرأته بحقوق سيده، ولا ينفق نفقة الموسرين، ولا ينفق على ولده.

وأما كون الصناعة من شروطه على روايةٍ؛ فلأن الحياكة والحجامة والحراسة والكساحة والدباغة والزبالة والقيافة نقص بالنسبة إلى أصحاب الصنائع الجليلة كالتجارة في عرف الناس. أشبه نقص النسب. وقد جاء في حديث: «العربُ بعضهم لبعضٍ أكفاء إلا حَائِكًا أو حجّامًا» (2).

قيل للإمام أحمد: كيف تأخذ به وأنت تضعفه؟

قال: العمل عليه. يعني أنه ورد موافقًا لأهل العرف.

وأما كون اليسار من شروطه على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحسَبُ المالُ» (3)، وقال:«إن أحسابَ الناسِ بينهم في هذه الدنيا هذا المال» (4)، وقال لفاطمة بنت قيس لما أخبرته أن معاوية خطبها:«أما معاوية فصعلوكٌ لا مالَ له» (5).

ولأن على الموسرة ضرراً في إعسار زوجها لإخلاله بنفقتها ومؤونة أولاده. ولهذا ملكت الفسخ لإخلاله بالنفقة. فكذلك إذا كان مقارناً.

ولأن ذلك في عرف الناس يتفاضلون فيه كتفاضلهم في النسب وأبلغ. قال ابن الحجاج السهمي:

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2234) 2: 270 كتاب الطلاق، باب في المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد.

وأخرجه أحمد في مسنده (25796) 6: 209.

(2)

أخرجه ابن عبدالبر في التمهيد 19: 165. وقال: هذا منكر موضوع.

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (3271) 5: 390 كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الحجرات.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (4219) 2: 1410 كتاب الزهد، باب الورع والتقوى.

(4)

أخرجه النسائي في سننه (3225) 6: 64 كتاب النكاح، الحسب.

وأخرجه أحمد في مسنده (22481) طبعة إحياء التراث.

(5)

سبق تخريجه ص: 544.

ص: 580

قلَّ مالي. قد جتئماني بنكر

سألتَاني الطلاق أن رأتاني (1)

ويْكأن من يكن له نسب يحبب

ومن يفتقر يعش عيش ضر

فكان من شروطه الكفاءة؛ كالنسب.

فعلى هذا لا تزوج حرة بعبد؛ لانتفاء الحرية في العبد، ولا بنت بزاز بحجام؛ لانتفاء الاستواء في الصنعة، ولا بنت تانئ بحائك؛ لانتفاء اليسار. لا يقال: الحائك قد يكون موسراً لأن الغالب عليه خلاف ذلك، والعبرة بالغالب.

فإن قيل: ما التانئ؟

قيل: كثير المال.

(1) زيادة من الشرح الكبير 7: 469.

ص: 581