الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب إحياء المَوَات
والأصل في ذلك ما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منْ أحيَا أرضاً ميتةً فهيَ لهُ. وليسَ لعرقِ ظالمٍ حَق» (1). قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وعن عائشة مثله (2). رواه أبو داود.
قال ابن عبدالبر (3): هو مسند صحيح مُتلقى بالقبول عند فقهاء المدينة وغيرهم.
قال المصنف رحمه الله: (وهي: الأرض الداثِرة، التي لا يُعلم أنها ملكت. فإن كان فيها آثار الملك (4)، ولا يُعلم لها مالك: فعلى روايتين).
أما قول المصنف رحمه الله: وهي الأرض الداثرة التي لا يعلم أنها ملكت؛ فبيانٌ لمعنى الموات شرعاً.
ويسمى مَواتاً ومِيتَةً ومَوَتاناً بفتح الميم والواو. والمُوْتان بضم الميم وسكون الواو: الموت الذريع.
ولا بد أن يُلحظ في قوله: التي لا يعلم أنها ملكت: أن يكون الملك لمسلمٍ أو مقرٍّ بالجزية، ولهذا روى كثير بن عبدالله بن عوف عن أبيه عن جده قال (5): سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أحيَا أرضاً مَواتاً في غيرِ حقِّ مسلمٍ فهيَ له» (6). رواه ابن عبدالبر.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1378) 3: 662 كتاب الأحكام، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات. عن سعيد بن زيد، وأخرجه أيضاً عن جابر ولكن بدون لفظ:«وليس لعرق ظالم حق» (1379) 3: 663.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (3073) 3: 178 كتاب الخراج، باب في إحياء الموات. عن سعيد بن زيد، ولم أره عن عائشة.
(3)
ساقط من هـ.
(4)
في هـ: ملك.
(5)
ساقط من هـ.
(6)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 147 كتاب إحياء الموات، باب ما يكون إحياء وما يرجى فيه من الأجر.
وأما كون الأرض الداثرة التي كان فيها آثار المُلك، ولا يعلم لها مالك على روايتين؛ فلأن النظر إلى كونها داثرة يقتضي أن تكون مَواتاً. والنظر إلى كونها فيها آثار المُلك يقتضي أن لا تكون مَواتاً.
فإن قيل: ما فائدة الخلاف في ذلك؟
قيل: جواز الإحياء وعدمه. ويعضد الجواز عموم قوله: «من أحيا أرضاً ميتةً فهيَ له» (1). ويعضد العدم أنها أرض لها مالك، فلم يجز إحياؤها، كما لو كان معلوماً. وعموم الحديث مخصوص بذلك.
قال: (ومن أحيا أرضاً ميتة فهي له، مسلماً كان أو كافراً، بإذن الإمام أو غير إذنه، في دار الإسلام وغيرها. إلا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها. وما قَرُب من العامر وتعلق بمصالحه لم تملك بالإحياء. وإن لم يتعلق بمصالحه فعلى روايتين).
أما كون من أحيا أرضاً ميتة هي للمحيي؛ فلما تقدم من الأحاديث.
وأما كونها له بذلك مسلماً كان أو كافراً، بإذن الإمام أو غير إذنه، في دار الإسلام وغيرها غير ما استثني؛ فلأن العموم المتقدم يشمل ذلك كله.
ولأن الموجب للملك الإحياء، وهو موجود في كل الصور.
ولأن التمليك لا يختلف فيه المسلم والذمي. دليله: البيع وسائر العقود.
وقال ابن حامد: لا يملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مُوتان الأرض لله ورسوله، ثم هي لكم» (2).
وجوابه: أن هذا لا يعرف صحته. وإنما روى أبو عبيد: «عادِي الأرض لله ورسوله ثم هي لكم» (3) وهو مرسل رواه طاووس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم لا يمتنع أن أن يريد بقوله: «هي لكم» أي لأهل دار الإسلام، والذمي من أهل الدار.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6: 143 كتاب إحياء الموات، باب لا يترك ذمي يحيي
…
عن ابن عباس رضي الله عنه.
(3)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (676) ص: 253 كتاب أحكام الأرضين في إقطاعها، باب الإقطاع.
وأما كون المسلم لا يملك بالإحياء ما أحياه من أرض الكفار التي صولحوا عليها؛ فلأنهم صولحوا على بلادهم فلم يُتَعَرّض لمواتهم؛ لأن الموات تابع للبلد.
وأما كونه لا يُملك بالإحياء ما قرب من العامر، وتعلق بمصالحه من طريقٍ، ومسيلِ ماءٍ، ومطرحِ عمارةٍ، وملقى ترابٍ؛ فلقوله عليه السلام:«من أحيا أرضاً ميتةً في غيرِ حق مسلمٍ فهيَ له» (1).
ولأنه تعلق به حق الأرض. أشبه ما حصل فيه الإحياء.
وأما كونه يملك بالإحياء ما قرب من العامر ولم يتعلق بمصالحه على روايةٍ فلعموم الأدلة المقتضية لذلك.
وأما كونه لا يملك ذلك بالإحياء على روايةٍ؛ فلأنه قريبٌ من العامر، وقد يحتاج إليه في المآل. أشبه ما قرب من العامر وتعلق بمصالحه.
والأولى أولى، لما ذكر.
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المعادن القَبَلِيَّة» (2). وهو يعلم أنها بين عمارة المدينة.
ولأنه موات لم يتعلق به مصلحة العامر. فجاز إحياؤه، كالبعيد.
قال: (ولا تملك المعادن الظاهرة، كالملح، والقار، والنفط، والكحل، والجص بالإحياء. وليس للإمام إقطاعه. فإن كان بقرب الساحل موضعٌ إذا حصل فيه الماء صار ملحاً مُلك بالإحياء، وللإمام إقطاعه).
أما كون المعادن الظاهرة (3) لا تملك بالإحياء؛ فلأن في ذلك ضرراً على المسلمين لكونه من المصالح العامة.
وأما كون الإمام ليس له إقطاع ذلك؛ فلما ذكر قبل.
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع رجلاً معدن الملح. فلما قيل له: إنه بمنزلة الماء العدّ: ردّه» (4). كذا قال الإمام أحمد، ورواه أبو عبيد في الأموال.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (3062) 3: 173 كتاب الخراج، باب في إقطاع الأرضين.
(3)
في هـ: الظاهر.
(4)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (685) ص: 255 كتاب أحكام الأرضين في إقطاعها، باب الإقطاع. والماء العدّ: هو الدائم الذي لا ينقطع.
ولأنه لا يجوز إقطاع مشارع الماءِ وطرق المسلمين. فكذلك هذا.
وأما كون الموضع الذي إذا حصل فيه الماء صار ملحاً يملك بالإحياء، وكونه يجوز إقطاعه؛ فلأنه لم يضيق على أحدٍ. فملك بالإحياء وجاز إقطاعه، كبقية الموات.
قال: (وإذا مَلك المحيا ملكه بما فيه من المعادن الباطنة، كمعادن الذهب والفضة. وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن جارٍ أو كلأ أو شجر فهو أحق به. وهل يملكه؟ على روايتين).
أما كون المعادن الباطنة تملك بملك المحيا؛ فلأنها من جملة أجزائه. فملكت بملكه، كغيره.
وأما كون المحيي أحق بما ظهر في المحيا من عين ماءٍ (1) أو معدِنٍ جارٍ أو كلأٍ أو شجر؛ فلأنه لو سبق إلى شيء من المباح الذي لا يَملك أرضه كان أحقَّ به، لقوله عليه السلام:«منْ سبقَ إلى ما لم يسبقْ إليه مسلمٌ فهوَ له» (2). رواه أبو داود.
وفي لفظ: «فهو أحق به» (3)؛ فلأن يكون أحق بالمباح الذي في ملكه بطريق الأولى.
وأما كونه يملكه على روايةٍ؛ فلأنه متصلٌ بأرضه. فَمَلَكه، كالمعادن الباطنة.
ولأنه نماء ملكه. فملكه، كشعر غنمه.
وأما كونه لا يملكه على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الناسُ شركاءُ في ثلاثٍ: الماء والكَلأ والنار» (4) رواه ابن ماجة والخلال.
وقال عليه السلام (5): «لا حمى إلا في الأراك» (6).
(1) ساقط من هـ.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (3071) 3: 177 كتاب الخراج، باب في إقطاع الأرضين.
(3)
ذكره القرطبي في تفسيره 17: 297.
(4)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2472) 2: 826 كتاب الرهون، باب المسلمون شركاء في ثلاث. قال في الزوائد: عبدالله بن خراش قد ضعفه أبو زرعة والبخاري وغيرهما. وقال محمد بن عمار الموصلي: كذاب.
(5)
ساقط من هـ.
(6)
أخرجه أبو داود في سننه (3066) 3: 175 كتاب الخراج، باب في إقطاع الأرضين. ولفظه:«لا حمى في الأراك» .
قال: (وما فضل من مائه لزمه بذله لبهائم غيره. وهل يلزمه بذله لزرع غيره؟ على روايتين).
أما كون ما فضل من ماء الشخص (1) يلزمه بذله لبهائم غيره؛ فلما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «منْ منعَ فضلَ الماءِ وفضلَ الكلأِ منعهُ اللهُ فضلَ رحمتهِ [يومَ القيامة] (2» ) (3).
وأما كونه لا يلزمه بذل ذلك لزرع غيره على المذهب؛ فلأن الزرع لا حرمة له.
وأما كونه يلزمه ذلك على روايةٍ؛ فلما روى إياس بن عبد (4)«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهَى عن بيعِ فضلِ الماء» (5). رواه أبو داود والنسائي والترمذي. وقال: حديث صحيح.
(1) في هـ: الشجر.
(2)
زيادة من ج.
(3)
أخرجه الشافعي في البيوع، باب فيما نهي عنه من البيوع وأحكام أخر 2: 153/ 530.
(4)
في هـ: إياس بن عبدالله، وهو تصحيف.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه (3478) 3: 278 كتاب البيوع، باب في بيع فضل الماء.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1271) 3: 492 كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع فضل الماء.
وأخرجه النسائي في سننه (4662) 7: 307 كتاب البيوع، بيع فضل الماء.
فصل [فيما يحصل به الإحياء]
قال المصنف رحمه الله: (وإحياء الأرض أن يحوزها بحائطٍ، أو يجري لها ماء. وإن حفر بئراً عادِيَة ملك حريمها خمسين ذراعاً. وإن لم تكن عادية فحريمها خمسة وعشرون ذراعاً. وعند القاضي: حريمها قدر مد رشائها من كل جانب. وقيل: قدر ما يحتاج إليه في ترقية مائها. وقيل: إحياء الأرض ما عُدَّ إحياء. وهو: عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها من زرع أو بناء. وقيل: ما يتكرر كل عام، كالسقي والحرث فليس بإحياء، وما لا يتكرر فهو إحياء).
أما كون إحياء الأرض أن يحوزها بحائطٍ، أو يجري لها ماءً على المذهب: أما الأول، فلما روى سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«منْ حَاطَ حَائِطاً على أرضٍ فهيَ له» (1). رواه أبو داود.
ولأن الحائط حاجز منيع. فكان إحياء، كبناء الأرض داراً.
وأما الثاني؛ فلأن نفع الأرض بالماء أكثر من إحيائها بحائط.
وأما كون حافر البئر العادِيَة يملك حريمها خمسين ذراعاً، وكون حريمها إذا لم تكن عادِيَة خمسة وعشرين ذراعاً على المذهب؛ فلما روى سعيد بن المسيب أنه قال:«السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعاً، والبدئ (2) خمسة وعشرون ذراعاً» (3). رواه أبو عبيد في الأموال.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (3077) 3: 179 كتاب الخراج، باب في إحياء الموات.
(2)
معناه البئر الجديدة المبتدأة.
(3)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (719) ص: 269 بلفظ: «حريم البئر البدئ خمس وعشرون ذراعاً من نواحيها كلها
…
وحريم البئر العادية لخمسون ذراعاً من نواحيها كلها» كتاب أحكام الأرضين في إقطاعها، باب إحياء الأرضين واحتجارها والدخول على من أحياها. وأخرجه أيضاً عن يحيى بن سعيد مثل لفظ المؤلف (722).
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه رواه الخلال والدارقطني (1).
وأما كون حريم البئر قدر مد رشائها من كل جانب عند القاضي؛ فلأن ذلك ثبت لدفع الضرر. فَقُدِّر بمد الرِّشاء من كل جانب؛ لأن الحاجة تندفع به دون غيره.
وأما كون إحياء الأرض ما عد إحياء على قولٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الإحياء ولم يبين صفته. فوجب أن يحمل على العرف، كالحِرْز والقبض.
وأما قول المصنف: وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها من زرعٍ أو بناءٍ؛ فبيان لما يُعد إحياء في العرف.
فعلى هذا إذا أرادها للزرع كفاه تحويطُها بترابٍ أو غيره مما تتميز به عن غيرها، وبسوق الماء إليها من نهرٍ أو بئر. وإن أرادها لحظيرةٍ كفاه تحويطها بحائط جرت به عادة مثلها. وإن أرادها داراً كفاه التحويط مع التسقيف بما جرت به العادة.
وأما كون ما يتكرر كل عام كالسقي والحرث ليس بإحياء، وكون ما لا يتكرر إحياءً على قولٍ؛ فلأن ما يتكرر لا إشعار فيه بالإحياء. بخلاف ما لا يتكرر.
قال: (ومن تحجّر مَوَاتاً لم يملكه. وهو أحق به ووارثه بعده ومن ينقله إليه. وليس له بيعه. وقيل: له ذلك. فإن لم يُتم إحياءه قيل له: إما أن تحييه أو تتركه. فإن طلب الإمهال أُمْهِل الشهرين والثلاثة. فإن أحياه غيره فهل يملكه؟ على وجهين).
أما كون من تحجر مَوَاتاً لا يملكه؛ فلأن سبب الملك الإحياء، ولم يوجد.
وأما كونه أحق به؛ فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سبقَ إلى ما لا يَسْبقْ إليه مسلمٌ فهوَ له» (2) رواه أبو داود.
وفي لفظ: «فهوَ أحقُّ به» (3).
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (63) 4: 220 كتاب في الأقضية والأحكام وغير ذلك، في المرأة تقتل إذا ارتدت، من حديث أبي هريرة. قال الدارقطني: الصحيح من الحديث أنه مرسل عن ابن المسيب، ومن أسنده فقد وهم.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وأما كون وارثه أحق به بعده؛ فلقوله عليه السلام: «منْ تَرَكَ حقاً فلِوَرثتِه» (1).
وأما كون من ينقله إليه أحق به؛ فلأنه بمنزلته.
وأما كونه ليس له بيعه على المذهب؛ فلأنه لم يملكه. فلم يكن له بيعه، كحق الشفعة.
وأما كونه له ذلك على قولٍ؛ فلأنه صار أحق به.
وأما كونه يقال لمن لم يُتم الإحياء: إما أن تحييه أو تتركه؛ فلأن في تركه على حاله تضييقاً على المسلمين في حقٍّ مشترك، . فلم يمكن (2) منه، كالوقوف في طريق ضيق.
وأما كون طالب الإمهال يمهل الشهرين والثلاثة؛ فلأنه ربما أخّره لعذرٍ والظاهر زواله في مثل تلك المدة.
وأما كون غيره يملكه إذا أحياه على وجهٍ؛ فلعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضاً ميتةً ملكَها» (3).
ولأن الإحياء يُملك به وفاقاً. فقدم على التحجر المختلف في ثبوت الملك به.
وأما كونه لا يملكه على وجهٍ؛ فلأن مفهوم قوله عليه السلام: «منْ سبقَ إلى ما لم يَسبقْ إليه مسلم» (4) يدل عليه.
ولأن المتحجر أسبق. فكان أولى، كحق الشفيع مع المشتري.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2268) 2: 845 كتاب الاستقراض، باب الصلاة على من ترك دَيناً. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من ترك مالاً فلورثته» .
وأخرجه مسلم في صحيحه (1619) 3: 1237 كتاب الفرائض، باب من ترك مالاً فلورثته. مثله.
(2)
في أوهـ: يكن.
(3)
لم أقف عليه بهذا اللفظ. وقد سبق تخريج حديث بنحوٍ منه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(4)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
فصل [في الإقطاع]
قال المصنف رحمه الله: (وللإمام إقطاع مَوَات لمن يحييه. ولا يملكه بالإقطاع بل يصير كالمتحجر الشارع في الإحياء).
أما كون الإمام له إقطاع مَوَات لمن يحييه؛ فلما روى وائل بن حجر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً فأرسل إلى معاوية أن أعطه إياه أو أعلمها إياه» (1). حديث صحيح.
و«أقطع بلالَ بن الحارث المزني» (2)، و «أبيضَ بنَ حمّال المازني» (3)، و «الزبيرَ حُضْرَ فَرَسِه» (4) رواه أبو داود.
وأقطع أبو بكر وعمر وعثمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (5).
وأما كون من أقطع له ذلك لا يملكه بالإقطاع؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعَ بلال بن الحارثِ العقيق. فاسترجعَ منه عمرُ ما عجزَ عن إحيائِه» (6). ولو ملكه لم يجز استرجاعه.
وأما كونه يصير كالمتحجّر الشارعِ في الإحياء؛ فلأنه ترجح بالإقطاع على غيره. فوجب أن يصير كمن ذكر؛ لاشتراكهما في الترجح على الغير.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (3058) 3: 173 كتاب الخراج، باب في إقطاع الأرضين.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1381) 3: 665 كتاب الأحكام، باب ما جاء في القطائع.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (3061) 3: 173 الموضع السابق.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (3064) 3: 174 الموضع السابق.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1380) 3: 664 الموضع السابق. قال الترمذي: حديث غريب.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (3072) 3: 177 الموضع السابق. حضر فرسه: أي قدر ما تعدو عدوة واحدة، ونصبه على تقدير المضاف، أي قدر حضر فرسه.
(5)
ر الأموال ص: 256 - 257.
(6)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (713) ص: 267 كتاب أحكام الأرضين، باب إحياء الأرضين واحتجارها والدخول على من أحياها.
قال: (وله إقطاع الجلوس في الطرق الواسعة، ورحاب المساجد ما لم يضيّق على الناس. ولا يُملك ذلك بالإحياء. ويكون المُقْطَعٌ أحق بالجلوس فيها. فإن لم يقطعها فلمن سبق الجلوس فيها. ويكون أحق بها ما لم ينقل قُماشه (1) عنها. فإن أطال الجلوس فيها فهل يزال؟ على وجهين).
أما كون الإمام له إقطاع ما ذُكر ما لم يضيّق على الناس؛ فلأن ذلك يباح الجلوس فيه، والانتفاع به. فجاز للإمام إقطاعه، كالأرض الميتة.
وقول المصنف رحمه الله: ما لم يضيق على الناس؛ مشعرٌ بأنه ليس له ذلك إذا ضيّق على الناس. وهو صحيح؛ لأن فيه مضرةٌ على الناس. وليس للإمام أن يأذن فيما لا مصلحة فيه. فضلاً عمّا فيه مضرة.
وأما كون المقطع لا يملك ذلك بالإحياء؛ فلما ذُكر في إقطاع الأرض.
وأما كون من سبق له (2) الجلوس إذا لم يقطعها الإمام؛ فلاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار (3) على إقرار الناس على ذلك من غير إنكار.
ولأنه ارتفاق بمباحٍ من غير إضرارٍ فلم يمنع منه كالإحياء.
وأما كونه أحق بها من غيره ما لم ينقل قُماشَه عنها؛ فلأنه سبق إلى شيء مباح. أشبه من سبق إلى ماءٍ أو كلأٍ. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مِنَى مُناخُ منْ سَبَق» (4).
وقول المصنف رحمه الله: ما لم ينقل قُماشَه عنها؛ مشعرٌ بأنه إذا نقل قُماشه عنها كان للغير الجلوس فيها. وصرح به في المغني؛ لأن صاحب القُماش زالت يده برفع قُماشه. بخلاف ما لو أقام ولم يرفع قُماشه فإنه لا يكون للغير الجلوس فيها؛ لأن الأول لم تزل يده.
وأما كون قُماشه يُزال إذا أطال الجلوس فيها على وجهٍ؛ فلأنه يصير كالمتملك، وتملكه لا يجوز.
(1) قماش البيت: متاعُه. مختار الصحاح، مادة قمش.
(2)
في أ: إلى.
(3)
سقطت جملة: في جميع الأعصار من هـ.
(4)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5: 139 كتاب الحج، باب النزول بمنى.
وأما كونه لا يزال على وجهٍ؛ فلأنه قد سبقت يده. فلم يمنع من الاستدامة، كالابتداء.
قال: (فإن سبق اثنان أُقرع بينهما. وقيل: يقدم الإمامُ من يرى منهما).
أما كون من ذكر يقرع بينهما على الأول؛ فلأنهما استويا في السبق، والقرعة مميزة في كثيرٍ من المواضع. فليكن هاهنا كذلك.
وأما كونه يقدم الإمام من يرى منهما على الثاني؛ فلأنه أعلم بالمصلحة في ذلك.
قال: (ومن سبق إلى معدِنٍ فهو أحق بما ينال منه، وهل يمنع إذا طال (1) مقامه؟ على وجهين).
أما كون من سبق إلى معدنٍ أحق بما ينال منه؛ فلقوله عليه السلام: «منْ سبقَ إلى ما لم يسبقْ إليه أحد فهو أحق به» (2).
[وأما كونه يمنع إذا طال مقامه ففيه وجهان وجههما ما تقدم في الجلوس في الطريق.
قال: (ومن سبق إلى مباح، كصيدٍ، وعنبرٍ، وحطبٍ، وثمرٍ، وما ينبذه الناس رغبة عنه: فهو أحق به. وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما).
أما كون من سبق إلى شيء مما ذكر أحق به من غيره؛ فلما تقدم من قوله عليه السلام: «من سبقَ إلى ما لم يسبقْ إليه أحد فهو أحقُ به] (3» ) (4).
وأما كون المسبوق إليه يقسم بين الاثنين إذا سبقا (5) إليه؛ فلأنهما استويا في السبب، والقسمة ممكنة. بخلاف ما إذا سبقا إلى مكان ضيّق يقصدان الجلوس فيه.
(1) في هـ: أطال.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
ساقط من هـ.
(4)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(5)
في هـ: استبقا.
قال: (وإذا كان الماء في نهر غير مملوك، كمياه الأمطار: فلمن في أعلاه أن يسقي ويحبس الماء حتى يصل إلى كعبه. ثم يرسل إلى من يليه. فإن أراد إنسان إحياء أرض بسقيها منه جاز ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه).
أما كون الأعلى له السقي وحبس (1) الماء حتى يبلغ الكعب، فلما روى عبادة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى من شربَ من نهرٍ من مسيلٍ أن الأعلى يسقي قبل الأسفل» (2). رواه ابن ماجة بمعناه.
وعن عبدالله بن بكر بن حزم أنه بلغه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سيل مَهْزُورٍ ومُذَيْنِبٍ: يُمْسكُ حتى الكعبينِ ثم يُرسلُ الأعلى على الأسْفل» (3). رواه مالك في موطئه.
قال ابن عبد البر: هذا حديث مدني مشهور عند أهل المدينة معمولٌ به عندهم.
قال عبدالملك بن حبيب: مهزورٍ ومذينبٍ واديان من أودية المدينة يسيلان من المطر، ويتنافس أهل الحوائط في سيلهما.
وأما كون من أراد إحياء أرض بسقيها من ذلك يجوز ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه؛ فلأنه مباحٌ لا ضرر على غيره. فجاز له ذلك، كما لو سبق.
وقول المصنف رحمه الله: ما لم يضر
…
إلى آخره؛ مشعرٌ بأنه إذا كان ذلك يضر بأهل الأرض المذكورة لا يجوز وهو صحيح؛ لقوله عليه السلام: «لا ضرر ولا ضرار (4» ) (5). [رواه ابن ماجة والدارقطني](6).
(1) في هـ: ويحبس.
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2483) 2: 830 كتاب الرهون، باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء. قال في الزوائد: في إسناده إسحاق بن يحيى، قال ابن عدي: يروي عن عبادة ولم يدركه. وكذا قال غيره.
(3)
أخرجه مالك في الموطأ (28) 2: 570 كتاب الأقضية، باب القضاء في المياه.
(4)
في هـ: إضرار.
(5)
أخرجه ابن ماجة في سننه (2341) 2: 784 كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره.
وأخرجه مالك في الموطأ (31) 2: 571 كتاب الأقضية، باب القضاء في المرفق.
وأخرجه الدارقطني في سننه (83) 4: 227 كتاب في الأقضية والأحكام وغير ذلك، في المرأة تقتل إذا ارتدت. وفي (85) 4: 228 بلفظ: «لا ضرر ولا إضرار» .
(6)
زيادة من ج.
قال: (وللإمام أن يحمي أرضاً من الموات ترعى فيها دواب المسلمين التي يقوم بحفظها ما لم يضيّق على الناس وليس ذلك لغيره).
أما كون الإمام له أن يحمي ما ذكر؛ فلما روي أن عمر قال: «حمى النبي صلى الله عليه وسلم النقيع لخيل المسلمين» (1). رواه أبو عبيد.
والإمام قائم مقامه.
ولأن عمر وعثمان فعلا الحمى، واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر فكان كالإجماع.
ولأن في ذلك مصلحة فجاز للإمام فعلها كسائر المصالح، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما أَطعمَ الله لنبي طُعمةً إلا جَعلهَا لمن بَعدَه» (2).
وقول المصنف رحمه الله: ما لم يضيّق على الناس؛ مشعرٌ بأنه إذا كان يضيق على الناس ليس للإمام ذلك. وهو صحيح؛ لأن الجاهلية كانوا يحمون لأنفسهم، ويرعون مع العامة فيما سواه. فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لما فيه من التضييق على الناس فقال:«لا حِمَى إلاّ للهِ ولِرَسُولِه» (3) رواه أبو داود.
وأما كون غير الإمام ليس له ذلك؛ فلأن الإمام إنما جاز له ذلك لما تقدم ذكره وذلك مفقود في غيره.
قال: (وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحدٍ نقضه. وما حماه غيره من الأئمةِ فهل يجوز نقضه؟ على وجهين).
أما كون ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم ليس لأحدٍ نقضه؛ فلأن حماه حكمٌ منه، وحكمه نص. فلم يجز نقضه بالاجتهاد، كسائر أحكامه صلى الله عليه وسلم (4).
(1) أخرجه أبو عبيد في الأموال (740) ص: 274 كتاب أحكام الأرضين، باب حمى الأرض ذات الكلأ. عن ابن عمر.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (2973) 3: 144 كتاب الخراج، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال.
وأخرجه أحمد في مسنده (14) 1: 4 كلاهما بمعناه.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (2241) 2: 835 كتاب المساقاة، باب لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه أبو داود في سننه (3083) 3: 180 كتاب الخراج، باب في الأرض يحميها الإمام أو الرجل.
(4)
زيادة من ج.
وأما كون ما حماه غير النبي صلى الله عليه وسلم من الأئمة هل يجوز نقضه؟ فيه وجهان؛ فلأن المعنى المذكور قبل يقتضي النقض، ولأن لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد يقتضي عدمه.
قال المصنف في الكافي: والأول أولى، لأن الاجتهاد كان في تلك المدة دون غيرها، ولهذا ملك الحامي لها تغييرها.