المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب نكاح الكفار - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ٣

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوديعة

- ‌باب إحياء المَوَات

- ‌باب الجُعالة

- ‌باب اللقطة

- ‌باب اللقيط

- ‌كتاب الوقف

- ‌باب الهبة والعطية

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب ميراث ذوي الفروض

- ‌باب العصبات

- ‌باب أصول المسائل

- ‌باب تصحيح المسائل

- ‌باب المناسخات

- ‌باب قسمة التركات

- ‌باب ذوي الأرحام

- ‌باب ميراث الحمل

- ‌باب ميراث المفقود

- ‌باب ميراث الخنثى

- ‌باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم

- ‌باب ميراث أهل الملل

- ‌باب ميراث المطلقة

- ‌باب الإقرار بمشارك في الميراث

- ‌باب ميراث القاتل

- ‌باب ميراث المعتق بعضه

- ‌باب الولاء

- ‌كتاب العتق

- ‌باب التدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌باب أحكام أمهات الأولاد

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب أركان النكاح وشروطه

- ‌باب المحرمات في النكاح

- ‌باب الشروط في النكاح

- ‌باب حكم العيوب في النكاح

- ‌باب نكاح الكفار

- ‌كتاب الصداق

- ‌باب الوليمة

- ‌باب عشرة النساء

- ‌كتاب الخلع

- ‌نهاية السقط من المطبوعة

الفصل: ‌باب نكاح الكفار

‌باب نكاح الكفار

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وحكمه حكم نكاح المسلمين فيما يجب به، وتحريم المحرمات. ويُقرون على الأنكحة المحرمة ما اعتقدوا حلها ولم يرتفعوا إلينا. وعنه: في مجوسي تزوج كتابية أو اشترى نصرانية: يحول بينهما الإمام فيَخْرج من هذا أنهم لا يُقرون على نكاح مُحَرَّم).

أما كون حكم نكاح الكفار حكم نكاح المسلمين فيما ذكر؛ فلأن أنكحتهم صحيحة؛ لأن الله تعالى أضاف النساء إليهم فقوله: {وامرأته حمالة الحطب} [المسد: 4]، وقوله:{امرأة فرعون} [التحريم: 11]. وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وُلدتُ من نكاحٍ لا من سِفَاح» (1). وإذا كانت صحيحة وجب فيها ما يجب في أنكحة المسلمين وحرم فيها ما يحرم فيها، لاشتراكهما في الصحة.

فعلى هذا يقع طلاقهم ويصح ظهارهم وإيلاؤهم ويجب المهر بعقدهم والقَسْم وتحصل الإباحة للزوج الأول وغير ذلك من الأحكام.

قال: ويقرون على الأنكحة الفاسدة ما اعتقدوا حلها ولم يرتفعوا إلينا على المذهب؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر» (2). ولم يتعرض لأنكحتهم مع علمه بأنهم يستبيحون نكاح محارمهم. ولا يقرونهم على كفرهم فلأن يقرون على نكاح يعتقدون حله بطريق الأولى.

(1) سبق تخريجه ص: 529.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2987) 3: 1151 أبواب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب.

ص: 637

وأما كون المجوسي إذا تزوج كتابية أو اشترى نصرانية يحول بينهما الإمام على روايةٍ؛ فلأنه نكاح فاسد. أشبه المسلم إذا نكح نكاحاً فاسداً.

وأما كونه يُخَرَّج من هذا أن الكفار لا يقرون على نكاح محرّم؛ فلأن الحيلولة المذكورة تقتضي عدم الإقرار، وإنما كان كذلك لكون النكاح فاسدا، وهذا موجود في نكاح غير المجوسي.

فإن قيل: قد نقل عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه يملك الحيلولة المذكورة لأن النصارى لهم كتاب. وعلل أبو بكر بأن علينا في ذلك ضرراً يعني تحريم أولاد النصرانية.

قيل: في التخريج على ذلك إذاً نظر لأن ظاهر تعليل الإمام وأبي بكر ينفي هذا التخريج لأن الحيلولة إذا كانت لمعنى وجب أن يكون في المُخَرَّج. وكلا التعليلين مفقود في الأنكحة الفاسدة لأن من نكاحها يحرم لها دين ولا يحرم نكاح ولدها (1). فوجب اقتصار الحيلولة على المنصوص لانتفاء العلة المقتضية للحيلولة في غيره.

قال: (وإن أسلموا أو ترافعوا إلينا في ابتداء العقد لم نُمْضِه إلا على الوجه الصحيح. وإن كان في أثنائه لم يتعرض لكيفية عقدهم، بل إن كانت المرأة ممن لا يجوز ابتداء نكاحها كذات محرمه ومن هي في عدتها أو شرط الخيار في نكاحها متى شاء أو مدة هما فيها أو مطلقة ثلاثاً فرق بينهما، وإلا أقرا على النكاح).

أما كون الإمام لا يمضي نكاح الكفار إلا على الوجه الصحيح إذا أسلموا أو ترافعوا إليه في ابتداء العقد؛ فلأن الله تعالى قال: {وإن حكمتَ فاحكم بينهم بالقسط} [المائدة: 42]، وقال:{وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: 49].

ولأنه لا حاجة إلى عقده. بخلاف ذلك.

وأما كونه لا يتعرض لكيفية عقدهم إذا أسلموا أو ترافعوا في أثنائه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أسلم في زمنه خلقٌ كثير وجَمٌ غفير فأقرَّهم على أنكحتهم ولم يسألهم النبي

(1) كذا في أ.

ص: 638

صلى الله عليه وسلم عن شروط النكاح ولا عن كيفيته. وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة. فكان يقيناً.

وأما كونه يفرق بين الزوجين إذا كانت الزوجة ممن لا يجوز ابتداء نكاحها كما مثل المصنف؛ فلأن الاستدامة أضعف من الابتداء. فإذا لم يجز الابتداء وهو أقوى فلأن لا تجوز الاستدامة وهي أضعف بطريق الأولى.

وأما كونهما يقران على نكاحهما إذا لم تكن المرأة كما ذكر؛ فلما تقدم ذكره من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: (وإن قهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته واعتقداه نكاحاً أقرا، وإلا فلا).

أما كون الحربيين يقران على ما ذكر إذا اعتقداه نكاحاً؛ فلأن الصحيح في الكتابي اعتقاده الحل وهو موجود هنا.

وأما كونهما لا يقران إذا لم يعتقداه نكاحاً؛ فلأن المصحح اعتقاد كونه نكاحاً، وهو منتف هاهنا.

قال: (وإن كان المهر مسمى صحيحاً أو فاسداً قبضته استقر وإن كان فاسداً لم تقبضه فرض لها مهر المثل).

أما كون المهر المسمى الصحيح يستقر قبض أو لم يقبض؛ فلأنه مسمى صحيح في نكاح صحيح. فوجب استقراره بشرطه؛ كتسمية المسلم.

وأما كون الفاسد المقبوض يستقر؛ فلأنا لا نتعرض إلى ما فعلوه.

ولأن المُحَرّم إذا قبضوه لا يتعرض إليه. بدليل قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} [البقرة: 278]. أمر بترك ما بقي دون ما قُبض. وقال تعالى: {فمن جاءه موعظةٌ من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله} [البقرة: 275].

ولأن التعرض إليهم تنفيراً لهم عن الإسلام. فعفي عنه؛ كما عفي عما تركوه من الفرائض.

ولأنهم تقابضوا بحكم الشرك وبرئت ذمة من هو عليه منه كما لو تبايعوا بيعاً فاسداً وتقابضوا.

وأما كون المرأة يفرض لها مهر المثل إذا كان فاسداً ولم تقبضه؛ فلأن مهر المثل يفرض في التسمية الفاسدة إذا كانت الزوجة مسلمة، وكذلك الكافرة.

ص: 639

فصل [إذا أسلم الزوجان]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإذا أسلم الزوجان معاً، أو أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما).

أما كون الزوجين على نكاحهما إذا أسلما معاً أي دفعة واحدة؛ فلأنه لم يوجد منهما اختلاف دين.

وقد روى ابن عباس «أن رجلاً جاءَ مسلماً على عهدِ النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاءت امرأته (1) مسلمةٌ بعدَه. فقال: يا رسولَ الله! إنها كانتْ أسلمتْ معي. فردَّها عليه» (2).

وقول المصنف: معاً؛ يدل على أنه شرط كونهما على نكاحهما بلفظهما بالإسلام دفعة واحدة. وصرح به في المغني لأن اختلاف الدين مفسد للنكاح وبمجرد سبق أحدهما للآخر بالإسلام يحصل الاختلاف. ويحتمل أن يقف على المجلس لأن حكم المجلس حكم العقد. بدليل القبض ونحوه.

ولأن اتفاقهما على النطق بكلمة الإسلام دفعة واحدة يتعذر. فلو اعتبر ذلك لوقعت الفرقة بين كل مسلمين إلا في الشاذ النادر.

وأما كونهما على نكاحهما إذا أسلم زوج الكتابية؛ فلأن نكاح الكتابية يجوز ابتداؤه فالاستمرار أولى.

(1) في أ: امرأة.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2238) 2: 271 أبواب الطلاق، باب إذا أسلم أحد الزوجين.

ص: 640

قال: (وإن أسلمت الكتابية أو أحد الزوجين غير الكتابيين قبل الدخول انفسخ النكاح. فإن كانت هي المسلمة فلا مهر لها. وإن أسلم قبلها فلها نصف المهر. وعنه: لا مهر لها).

أما كون النكاح ينفسخ إذا أسلمت الكتابية أو أحد الزوجين غير الكتابيين قبل الدخول؛ فلأن دينهما اختلف. فلم يجز استمراره؛ كابتدائه.

وأما كون الزوجة لا مهر لها إن كانت هي المسلمة؛ فلأن الفرقة حصلت من جهتها. أشبه ما لو ارتدت.

وعن الإمام أحمد رضي الله عنه لها نصف المهر ذكره المصنف في المغني وأبو الخطاب وغيرهما؛ لأن الفرقة حصلت من جهة الزوج بإبائه الإسلام وامتناعه منه وهي فعلت ما فرض الله عليها. أشبه ما لو علّق طلاقها على الصلاة فصلت.

وفرّق المصنف بين إسلامها وبين التعليق من حيث: إن التعليق من جهة الزوج بخلاف الإسلام فإنه لا أثر له فيه البتة.

وأما كونه لها نصف المهر على المذهب إذا أسلم قبلها؛ فلأن الفرقة حصلت من جهة الزوج. أشبه ما لو طلقها.

وأما كونها لا مهر لها على روايةٍ؛ فلأن الفرقة حصلت بإبائه الإسلام. فكان من جهتها.

ولأن في إيجاب المهر عليه تنفيراً له عن الإسلام لأنه يجتمع عليه فسخ النكاح مع وجوب المهر.

قال: (وإن قالت: أسلمَ قبلي. وأنكرها: فالقول قولها. وإن قال: أسلمنا معاً فنحن على النكاح وأنكرته فعلى وجهين).

أما كون القول قولها إذا قالت: أسلم قبلي وأنكرها؛ فلأنها تدعي استحقاق شيء أوجبه العقد وهو يدعي ما يسقطه. فلم يقبل قوله؛ لأن الأصل عدمه. وهذا تفريع على أنها تستحق نصف المسمى إذا سبقها بالإسلام. أما على الروايةِ الأخرى فلا فائدة في اختلافهما.

وأما كون القول قولها إذا قالا: أسلمنا معاً فنحن على النكاح وأنكرته على وجه؛ فلأن الظاهر معها إذ يتعذر اتفاق إسلامهما دفعة واحدة.

ص: 641

وأما كون القول قول الزوج على وجه؛ فلأن الأصل بقاء النكاح والفسخ طارئ عليه. فكان القول قول من يوافق قوله الأصل؛ كالمنكر.

وهذا الخلاف مبني على أنه يعتبر إسلامهما دفعة واحدة. أما إذا قيل: العبرة بالمجلس فينبغي أن يكون القول قول الزوج قولاً واحداً لأن الظاهر ينتفي حينئذ.

قال: (وإن أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة. فإن أسلم الثاني قبل انقضائها فهما على نكاحهما، وإلا تبينا أن الفرقة وقعت حين أسلم الأول. فعلى هذا لو وطئها في عدتها ولم يسلم الثاني فعليه المهر، وإن أسلم فلا شيء لها، وإذا أسلمت قبله فلها نفقة العدة، وإن كان هو المسلم فلا نفقة لها، وإن اختلفا في السابق منهما فالقول قولها في أحد الوجهين. وعنه: أن الفرقة تتعجل بإسلام أحدهما كما قبل الدخول، وأما الصداق فواجب بكل حال).

أما كون الأمر يوقف على انقضاء العدة على المذهب فيما إذا أسلم أحد الزوجين قبل الدخول؛ فلما روى ابن شهاب قال: «كان بين إسلامِ صفوانَ بن أمية وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحوٌ من شهر. أسلمتْ يوم الفتح وبقيَ صفوان حتى شهد حنيناً والطائف وهو كافر. فلم يفرّق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما واستقرّت عنده امرأتُه بذلك النكاح» (1). رواه مالك في الموطأ.

وقال ابن عبدالبر: وشُهرة هذا الحديث أقوى من إسناده.

وقال ابن شهاب: «أسلمتْ أم حكيم يوم الفتح وهربَ زوجُها عكرمةُ حتى أتى اليمن. فارتحلتْ حتى قدمت عليه اليمن فدعتهُ إلى الإسلام. فأسلمَ وقدمَ فبايعَ النبي صلى الله عليه وسلم. فثَبَتَا على نِكاحِهِما» (2).

و«لأن أبا سفيان أسلمَ عام الفتح قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة ولم تسلم هند حتى فتحت مكة فثبتا على نكاحهما» (3).

(1) أخرجه مالك في موطئه (44 - 45) 2: 428 - 429 كتاب النكاح، باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله.

(2)

أخرجه مالك في موطئه (46) 2: 429 الموضع السابق.

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 186 كتاب النكاح، باب من قال: لا ينفسخ النكاح بينهما بإسلام أحدهما

ص: 642

وقال ابن شبرمة: «كان الناسُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يسلمُ الرجلُ قبلَ المرأة والمرأةُ قبل الرجل فأيُّهما أسلمَ قبلَ انقضاءِ عدّةِ المرأةِ فهيَ امرأتهُ. فإن أسلمَ بعدَ العدةِ فلا نكاحَ بينهما» (1).

ولأنه لا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين أحد ممن أسلم وبين امرأته.

فإن قيل: فما الفرق بين المدخول بها وغير المدخول بها؟

قيل: غير المدخول بها لا عدة لها. فتتعجل البينونة؛ كما لو طلقها واحدة.

وأما كون الزوجين على نكاحهما إذا أسلم الثاني قبل انقضاء العدة؛ فلما ذكر قبل.

ولأن فائدة وقوف الأمر ذلك.

وأما كوننا نتبين أن الفرقة وقعت حين أسلم الأول إذا لم يسلم الآخر؛ فلأن سبب الفرقة اختلاف الدين. فوجب أن تحتسب الفرقة منه؛ كالطلاق.

وأما كون الزوج عليه مهر المثل إذا وطئها في عدتها ولم تسلم هي؛ فلأنه تبين أنه وطئ بائناً منه. أشبه ما لو وطئ مختلعة في عدتها.

وأما كونها لا شيء لها إذا أسلم هو؛ فلأنه وطئ زوجته.

وأما كونها لها نفقة العدة إذا أسلمت قبله؛ فلأنها محبوسة بسببه.

ولأنه يتمكن من بقاء نكاحها واستمتاعه منها بإسلامه معها فكانت لها النفقة كالرجعية.

وأما كونها لا نفقة لها إذا كان هو المسلم؛ فلأنه لا سبيل لها إلى استيفاء نكاحها وتلافي حالها. أشبهت البائن.

وأما كون القول قولها إذا اختلف في السابق منهما في وجه؛ فلأن الأصل وجوب النفقة وهو يدعي سقوطها.

وأما كون القول قوله في وجه؛ فلأنه منكر، والقول قول المنكر.

وأما كون الفرقة تتعجل بإسلام أحدهما كما قبل الدخول على روايةٍ؛ فلأن الله تعالى قال: {ولا تُمسكوا بعِصَم الكوافر} [الممتحنة: 10].

(1) أخرج البيهقي نحوه في السنن الكبرى عن ابن عباس 7: 187 كتاب النكاح، باب من قال: لا ينفسخ النكاح بينهما بإسلام أحدهما

ص: 643

ولأن فسخ النكاح لا يختلف قبل الدخول وبعده كالرضاع.

والأول أصح؛ لما تقدم من إسلام الجم الغفير والخلق الكثير في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يُعلم أنه فرق بين أحد وبين زوجته.

وأما كون الصداق واجباً بكل حال؛ فلأنه استقر بالدخول. فلم يسقط بشيء.

ص: 644

فصل [إذا ارتد أحد الزوجين]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإن ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح. ولا مهر لها إن كانت هي المرتدة. وإن كان هو المرتد فلها نصف المهر).

أما كون النكاح ينفسخ بردة أحد الزوجين قبل الدخول فلأنه اختلاف دين يمنع الإصابة. فأوجب فسخ النكاح؛ كما لو أسلم أحد الزوجين الوثنيين.

وأما كون الزوجة لا مهر لها إن كانت هي المرتدة؛ فلأن الفسخ من جهتها.

وأما كونها لها نصف المهر إذا كان هو المرتد؛ فلأن الفسخ من جهته. فهو كما لو طلقها قبل الدخول.

قال: (وإن كانت الردة بعد الدخول فهل تتعجل الفرقة أو تقف على انقضاء العدة؟ على روايتين. وإن كان هو المرتد فلها نفقة العدة. وإن كانت هي المرتدة فلا نفقة لها).

أما كون الفرقة بعد الدخول تتعجل بالردة أو تقف على انقضاء العدة على روايتين. أي المتقدم ذكرهما (1)؛ فلما مضى من توجيههما فيما إذا أسلم أحد الزوجين غير الكتابيين حينئذٍ؛ لأن هذا في معناه.

وأما كون الزوجة لها نفقة العدة إذا كان الزوج هو المرتد؛ فلأنه يتمكن من الاستمتاع بها بأن تسلم. فكانت النفقة عليه؛ كالرجعية.

وأما كونها لا نفقة لها إذا كانت هي المرتدة؛ فلأنه لا سبيل للزوج إلى تلافي نكاحها. فلم يكن لها نفقة؛ كما بعد العدة.

(1) ص: 642.

ص: 645

قال: (وإن انتقل أحد الكتابيين إلى دين لا يقر عليه فهو كردته).

أما كون انتقال من ذُكر إلى ما ذُكر كردته؛ فلأنه رجوع عن دينه إلى دين لا يقر عليه. فكان حكمه حكم المرتد؛ لاشتراكهما في المعنى.

وأما كون بيان ما يقر عليه وما لا يقر عليه فقد تقدم ذكره في موضعه فلا حاجة إلى إعادته.

ص: 646

فصل [إذا أسلم وتحته من يحرم جمعهن]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإن أسلم كافر وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه اختار منهن أربعاً وفارق سائرهن. فإن لم يختر أجبر عليه. وعليه نفقتهن إلى أن يختار منهن أربعاً).

أما كون من أسلم وتحته أكثر من أربعة نسوة فأسلمن معه يختار منهن أربعاً ويفارق سائرهن؛ فـ «لأن غيلان بن سلمةَ أسلمَ وتحتَهُ عشرُ نسوةٍ فأسلمنَ معهُ فأمرَهُ النبي صلى الله عليه وسلم أن يختارَ منهن أربعاً» (1). رواه الترمذي وابن ماجة.

وفي لفظ: «اخترْ منهُنّ أربعاً وفارقْ سائرهن» (2).

وروى قيس بن الحارث قال: «أسلمتُ وتحتي ثمان نسوة. فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اخترْ منهنّ أربعاً» (3). رواه أبو داود وابن ماجة.

فإن قيل: ما صفة الاختيار؟

قيل: يقول: اخترت نكاح هؤلاء، أو أمسكتهن، أو اخترت حبسهن، أو إمساكهن، أو نكاحهن، أو ما أشبه ذلك.

وإذا وقع الاختيار فالعدة منه؛ لأن البينونة تحصل عنده. ويحتمل أن يكون من حين الإسلام؛ لأن البينونة الحقيقية إنما حصلت بالإسلام وإنما الاختيار بَيّن محلها.

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1128) 3: 435 كتاب النكاح، باب الرجل يسلم وعنده عشر نسوة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1953) 1: 628 كتاب النكاح، باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة.

(2)

أخرجه الشافعي في مسنده (43) 2: 16 كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح. ولفظه:«أمسكْ أربعاً وفارقْ سائرهن» .

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (2241) 2: 272 أبواب الطلاق، باب في من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1952) 1: 628 الموضع السابق.

ص: 647

وأما كون من ذكر يجبر على الاختيار إذا لم يختر؛ فلأنه حق عليه يمكنه فعله وهو ممتنع منه. فأجبر عليه؛ كإيفاء الدين. بيان أنه حق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به غيلان وقيساً (1)، وأمره للوجوب. وإذا وجب عليهما وجب على من ساواهما في المعنى الذي وجب الاختيار من أجله؛ لوجود العلة.

ولقوله عليه السلام: «حُكمي على الواحدِ حُكمي على الكُل» (2).

وأما كونه عليه نفقتهن إلى أن يختار؛ فلأنهن في حبسه لأن له أن يختار من شاء منهن.

فإن قيل: هذا اختيار الحاكم كالمُولي إذا امتنع من الفيئة والطلاق.

قيل: الخيار هاهنا خيار تشهي، ولا سبيل إليه إلا بمعرفة منه.

قال: (فإن طلق الجميع ثلاثاً أقرع بينهن فأُخرج بالقرعة أربعٌ منهن، وله نكاح البواقي).

أما كون المطلقات بما ذكر يقرع بينهن؛ فلتمييز الزوجات اللواتي هن محل الطلاق.

وأما كون أربع منهن يخرجن بالقرعة؛ فلأن ذلك فائدة الإقراع.

وأما كون المطلق له نكاح البواقي فلأنهن لم يطلقن منه.

وشرط هذا النكاح: أن تنقضي عدة المطلقات. ذكره المصنف في المغني؛ لئلا يكون جامعاً بين أكثر من أربع.

واشترط المصنف رحمه الله تعالى هنا في طلاق الجميع: أن يكون ثلاثاً؛ لأنه لو طلقهن أقل من ذلك لكان طلاقهن رجعياً، ويقرع بينهن وبين المختارات؛ لما سبق.

(1) سبق ذكر حديثي غيلان وقيس قريباً.

(2)

قال الزركشي في كتابه المعتبر (ص: 157): لا يعرف بهذا اللفظ. ولكن معناه ثابت أخرجه الترمذي في جامعه (1597) 4: 151 كتاب السير، باب ما جاء في بيعة النساء. بلفظ:«إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامراة واحدة» .

وأخرجه النسائي في سننه (4181) 7: 149 كتاب البيعة، بيعة النساء. بلفظ:«إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة» .

ص: 648

قال: (وإن ظاهر أو آلى من إحداهن فهل يكون اختيارًا لها؟ على وجهين).

أما كون ذلك اختياراً لها على وجهٍ؛ فلأن حكم الظهار والإيلاء لا يثبت في غير زوجة.

وأما كونه لا يكون اختياراً لها على وجهٍ؛ فلأنه يصح في غير زوجة.

قال: (وإن مات فعلى الجميع عدة الوفاة. ويحتمل أن يلزمهن أطول الأمرين من ذلك، أو ثلاثة قروء).

أما كون الجميع عليهن عدة الوفاة على المذهب؛ فلأن الزوجات لم يتعين منهن.

وأما كونه يحتمل أن يلزمهن أطول الأمرين مما ذكر فلأن كل واحدةٍ منهن يحتمل أن تكون مختارة أو مفارقة. وعدة المختارة عدة الوفاة، وعدة المفارقة ثلاثة قروء فأوجبنا أطولهما لتنقضي العدة بيقين؛ كما قلنا فيمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها.

قال: (والميراث لأربع منهن بالقرعة).

أما كون الميراث لأربع منهن؛ فلأنه لا يجوز أن يرث أكثر من أربع؛ لأن الميراث هنا بالزوجية، ولا زوجية فيما زاد على الأربع.

وأما كون ذلك بالقرعة؛ فلأن المستحق مبهم. أشبه ما إذا أعتق أحد عبديه عيناً ثم أنسيه.

قال: (وإن أسلم وتحته أختان اختار منهما واحدة. وإن كانتا أماً وبنتاً فسد نكاح الأم. وإن كان دخل بالأم فسد نكاحهما).

أما كون من أسلم وتحته أختان يختار واحدة منهما؛ فلما روى الضحاك بن فيروز (1) الديلمي عن أبيه قال: «أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله! إني

(1) في أ: فيروز بن الضحاك.

ص: 649

أسلمتُ وتحتي أُختان. فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: اختر أيتَهُما شِئْت» (1). رواه ابن ماجة.

وأما كون نكاح الأم يفسد إذا كانت أماً وبنتاً؛ فلأنها تحرم بنفس العقد لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجلٍ نكحَ امرأةً فدخلَ بها أو لم يَدخلْ فلا يحلُّ لهُ نِكاحُ أمِّهَا» (2). رواه ابن ماجة.

وأما كون نكاحهما يفسد إذا كان دخل بالأم: أما الأم؛ فلما تقدم.

وأما البنت؛ فلأنها تحرم بالدخول؛ لما تقدم في موضعه، وقد وجد.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (2243) 2: 272 كتاب الطلاق، باب في من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1130) 3: 436 كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده أختان.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1951) 1: 627 كتاب النكاح، باب الرجل يسلم وعنده أختان.

(2)

أخرجه الترمذي في جامعه (1117) 3: 425 كتاب النكاح، باب ما جاء فيمن يتزوج المرأة ثم يطلقها. ولم أقف عليه في ابن ماجة.

ص: 650

فصل [إذا أسلم وتحته إماء]

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإن أسلم وتحته إماء فأسلمن معه وكان في حال اجتماعهم على الإسلام ممن يحل له نكاح الإماء فله الاختيار منهن، وإلا فسد نكاحهن).

أما كون من أسلم وتحته إماء فأسلمن معه له الاختيار منهن إذا كان في حال اجتماعهم على الإسلام ممن يحل له الإماء. والمراد به: أن يكون خائف العنت عادماً لطَوْل الحرة وثمن الأمة؛ فلأنه يجوز (1) له أن يبتدئ نكاح الأمة. فلأن يجوز له الاستدامة بطريق الأولى.

فإن قيل: كم يختار منهن؟

قيل: واحدة. فإن لم تعفه فهل له أن يختار ولو إلى أربع؟ فيه روايتان مضى توجيههما في نكاح الأمة (2).

وقوله: وكان في حال اجتماعهم: فيه تنبيه على أن شرطي الحل يشترط وجودهما حال الاجتماع على الإسلام؛ لأنه حال الاختيار.

ولا يشترط وجودهما حين إسلامه وحده؛ لأنه ليس وقت الاختيار. وسيتضح ذلك بما سيأتي بعد إن شاء الله تعالى.

وأما كون نكاح الإماء يفسد إذا كان من أسلم ممن لا يحل له نكاح الإماء وهو من لم يخف العنت أو كان واجداً للطَّول المتقدم ذكره؛ فلانتفاء شرط الصحة.

(1) في أ: لا يجوز. والصواب ما أثبتناه.

(2)

ص: 594.

ص: 651

قال: (وإن أسلم وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر: فله الاختيار منهن. وإن أسلمت إحداهن بعده ثم عتقت ثم أسلم البواقي فله الاختيار منهن. وإن عتقت ثم أسلمت ثم أسلمن لم يكن له الاختيار من البواقي. وإن أسلم وتحته حرة وإماء فأسلمت الحرة في عدتها قبلهن أو بعدهن انفسخ نكاحهن).

أما كون من أسلم وهو موسرٌ فلم تسلم زوجاته حتى أعسر: له الاختيار منهن؛ فلأن الشروط تعتبر في وقت الاختيار، وهو وقت اجتماعهم على الإسلام، وهو حينئذٍ عادم للطول خائف للعنت.

وأما كونه له الاختيار إذا أسلمت إحداهن بعده ثم عتقت ثم أسلم البواقي؛ فلأن الاعتبار بحالة الاختيار وحالة الاختيار حالة اجتماعهم على الإسلام وهن في تلك الحالة إماء.

وأما كونه ليس له الاختيار إذا عتقت ثم أسلمت ثم أسلمن؛ فلأن بعضهن حالة الاجتماع على الإسلام حرة، ومن تحته حرة لم يكن له أن يختار أحداً من البواقي؛ لأنه اختيار مع وجود حرة.

ولا بد أن يُلحظ فيمن عتقت ثم أسلمت حصول الإعفاف بها واحدة كانت أو أكثر. فإن لم يحصل جاز له أن يختار من البواقي ما يحصل به الإعفاف حتى يكمل أربعاً؛ لما تقدم في إحدى الروايتين.

وأما كون نكاح الإماء ينفسخ إذا أسلم وتحته حرة وإماء فأسلمت الحرة في عدتها قبلهن أو بعدهن؛ فلأنه قادرٌ على الحرة فلا يختار أمَة.

قال: (وإن أسلم عبدٌ وتحته إماء فأسلمن معه ثم أُعتق فله أن يختار منهن. وإن أسلم وأُعتق ثم أسلمن فحكمه حكم الحر لا يجوز أن يختار منهن إلا بوجود الشرطين فيه).

أما كون العبد إذا أسلم وتحته إماء فأسلمن معه ثم أُعتق له أن يختار منهن؛ فلأنه زوج له الاختيار كغيره. والمراد: اختيار اثنتين لا غير؛ لأنه ثبت له الاختيار وهو عبد؛ لأن إسلامهن قبل عتقه والاختيار في حالة الإسلام.

ص: 652

وأما كون حكم من أسلم وأُعتق ثم أسلم زوجاته الإماء حكم الحر. والمراد به: أن له أن يختار أربعاً كالحر؛ فلأنه في وقت الاختيار ممن يحل له نكاح أربع، والاختيار أسهل من الابتداء فإذا جاز الابتداء فلأن يجوز الإمساك بطريق الأولى.

وأما كونه لا يجوز أن يختار منهن إلا بوجود الشرطين فيه؛ فلأن الأمة لا يجوز له نكاحها إلا بوجودهما؛ لما تقدم.

ص: 653