الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: "في الفدية الواجبة
"
يجب مد من غالب قوت البلد، ويصرف إلى الفقراء والمساكين، لكل يوم؛ يخرج
ــ
ومسكنًا وغيرها "صام شهرين متتابعين" وهما هلاليان، فإن انكسر الأول تمم ثلاثين من الثالث، فإن أفسد يومًا ولو اليوم الأخير ولو بعذر كسفر ومرض وإرضاع ونسيان نية استأنف الشهرين. نعم، لا يضر الفطر بحيض ونفاس وجنون وإغماء مستغرق لأن كلا منها ينافي الصوم مع كونه اضطراريًّا. "فإن لم يقدر" على صومهما بأن عسر عليه هو أو تتابعه لنحو هرم أو مرض يدوم شهرين غالبًا أو لخوف زيادة مرضه أو لنحو شدة شهوته للوطء "أطعم" أي ملك "ستين مسكينًا" أو فقيرًا من أهل الزكاة "كل واحد" منهم "مدا" مما يجزئ في الفطرة وسبق فيها بيان المد ويجوز أن يملكهم ذلك كله مشاعًا وأن يقول خذوه وينوي به الكفارة، فإن صرف الستين إلى مائة وعشرين بالسوية حسب له ثلاثين مدا فيصرف ثلاثين أخرى إلى ستين منهم ويسترد الباقي من الباقين إن ذكر لهم أنها كفارة وإلا فلا، ويجوز أن يصرف لمسكين مدين من كفارتين وأن يعطي رجلًا مدًّا ويشتريه منه ثم يصرفه لآخر ويشتريه منه وهكذا إلى الستين، لكنه يكره لشبهه بالعائد في صدقته.
"وتسقط الكفارة" هنا "بطرو والجنون والموت في أثناء النهار" الذي جامع فيه لأنه بان بطرو ذلك أنه لم يكن في صوم لمنافاته له "لا بالمرض والسفر" والإغماء والردة إذا طرأ أحدها بعد الجماع فإن طروه لا يمنع وجوب الكفارة لأن المريض والسفر لا ينافيان الصوم فيتحقق هنا هتك حرمته، ولأن طرو الردة لا يبيح الفطر فلا يؤثر فيما وجب من الكفارة. "ولا بالإعسار" بل إذا عجز المجامع عن الخصال الثالثة السابقة استقرت الكفارة في ذمته، فإذا قدر بعد ذلك على خصلة منها فعلها، ولا يجوز له أن يصرف شيئًا منها إلى من تلزمه نفقته كسائر الكفارات وكالزكاة، نعم لغير المكفر التطوع بالتكفير عنه بإذنه ولو حينئذ صرفها له ولأهله لأن الصارف لها غير المجامع. "ولكل يوم يفسده" من رمضان بالجماع السابق "كفارة" ولا يتداخل سواء كفر عن كل يوم قبل إفساده ما بعده أم لا لأن كل يوم عبادة مستقلة بنفسها لا ارتباط لها بما بعدها بدليل تخلل منافي الصوم من نحو أكل وجماع في الليالي بين الأيام.
فصل: في الفدية الواجبة بدلا عن الصوم وفيمن تجب عليه
"يجب" مع القضاء الفدية بثلاث طرق وهي "مد" وجنسه جنس الفطرة جنسًا ونوعًا وصفة فيجب "من غالب قوت البلد" في غالب السنة "يصرف إلى" واحد من "الفقراء
من تركة من مات وعليه صوم رمضان أو غيره، وتمكن من القضاء أو تعدى بفطره أو يصوم عنه قريبه أو من أذن له الوارث أو الميت، ويجب المد أيضًا على من لا يقدر على الصوم لهرم أو مرض لا يرجى برؤه، وعلى الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على الولد
ــ
والمساكين" دون غيرهما من مستحقي الزكاة لأن المسكين ذكر في الآية1 الآية والفقير أسوأ حالا منه2 ولا يجب الجمع بينهما، ويجوز إعطاء واحد مدين وثلاثة لأن كل مد كفارة مستقلة، وبه فارق ما مر في كفارة الجماع، ويمتنع إعطاؤه دون مد وحده أو مع مد كامل لأنه بدل عن صوم يوم وهو لا يتبعض، ويجب المد "لكل يوم" لما مر أن كل يوم عبادة مستقلة.
الطريق الأول: فوات نفس الصوم فحينئذ "يخرج" مد لكل يوم "من تركة من مات وعليه صوم رمضان أو غيره" كنذر أو كفارة "و" قد "تمكن القضاء" ولم يقض "أو تعدى بفطره" وإن لم يتمكن "أو يصوم عنه قريبه" وإن لم يوصه بذلك سواء العاصب والوارث وولي المال وغيرهم من سائر الأقارب. "أو" يصوم عنه "من أذن له" القريب المذكور سواء "الوارث" وغيره "أو" من أذن له "الميت" في أن يصوم عنه بأجرة أو دونها وذلك للأخبار الصحيحة كخبر الصحيحين: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" 3 وصح "أنه صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة أن تصوم عن أمها صوم نذر ماتت وهو عليها"4، ولو صام عمن عليه رمضان مثلا ثلاثون قريبًا أو أجنبيًّا بالإذن في يوم واحد أجزأ، والإطعام أولى من الصوم للخلاف فيه دون غيره، وخرج بالقريب ومأذونه الأجنبي الذي يأذن له القريب ولا الميت فلا يجوز الصوم، وفارق نظيره من الحج بأن له بدلا وهو الإطعام والحج لا بدل له، ولو مات وعليه صلاة أو الاعتكاف فلا قضاء عليه ولا فدية، ولا يصح الصوم عن حي ولو نحو هرم اتفاقًا، وخرج بقوله "تمكن" ما إذا مات قبل التمكن منه بأن مات عقب موجب القضاء أو النذر أو الكفارة أو استمر به العذر كالسفر أو المرض إلى موته فإنه لا فدية عليه كما لا زكاة على من تلف ماله بعد الحول وقبل التمكن من الأداء. "ويجب المد" لكل يوم "أيضًا على من لا يقدر على الصوم" الواجب سواء رمضان وغيره بأن عجز عنه "لهرم" أو زمانة "أو" لحقته به مشقة شديدة لأجل "مرض لا يرجى برؤه" قال الله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] ، أي لا يطيقونه أو يطيقونه حال الشباب ثم يعجزون عنه أو
1 وهي قوله تعالى في الآية 184 من سورة البقرة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} .
2 وقيل العكس. انظر لسان العرب "13/ 214، 215".
3 رواه البخاري في الصوم باب 42، ومسلم في الصيام حديث 153، وأبو داود في الصوم باب 41، وأحمد في المسند "6/ 69".
4 روى مسلم في الصيام حديث 156 عن ابن عباس قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: "أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟ " قالت: نعم، قال:"فصومي عن أمك".
مع القضاء، وعلى من أفطر لإنقاذ حيوان مشرف على الهلاك، وعلى من أخر القضاء إلى رمضان آخر بغير عذر
ــ
يطيقونه أي يكلفونه فلا يطيقونه بناء على خلاف ما عليه الأكثرون من عدم نسخ الآية، والفدية هنا واجبة ابتداء لا بدلا عن الصوم، فلو أخرت عن السنة الأولى لم يلزمه للتأخير شيء، ولو عجز عنها لم تثبت في ذمته على ما بحثه النووي.
الطريق الثاني: فوات فضيلة الوقت. "و" من ثم وجبت الفدية أيضًا "على" الحرة والقنة1 بعد العتق "الحامل والمرضع" غير المتحيرة وإن كانت مستأجرة أو متطوعة أو كانتا مريضتين أو مسافرتين "إذا أفطرتا خوفًا على الولد" فقط وإن كان من غير المرضع للآية السابقة فإنها على القول بنسخها باقية بلا نسخ في حقهما كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، أما المتحيرة فلا فدية عليها للشك، هذا إن أفطرت ستة عشر يومًا فأقل وإلا لزمتها الفدية لما زاد لأنه لا يحتمل فساده بسبب الحيض، والفطر فيما ذكر جائز بلا واجب إن خيف تضرر الولد، لكن محله في المستأجرة والمتطوعة إذا لم توجد مرضعة مفطرة أو صائمة ولا تتعدد الفدية بتعدد الأولاد بخلاف العقيقة لأنها فداء عن كل واحد، ولو أفطرت المريضة أو المسافرة بنية الترخص لم يلزمهما فدية، وكذا إن لم يقصدا ذلك ولا الخوف على الولد أو قصدا الأمرين. وخرج بقوله "على الولد" ما لو خافتا على أنفسهما ولو مع ولديهما لأنها لا فدية عليهما حينئذ كالمرض المرجو البرء، ولا تلزمهما الفدية وحدها بل "مع القضاء و" تجب الفدية والقضاء أيضًا "على من أفطر لإنقاذ حيوان مشرف على الهلاك" أو على إتلاف عضوه أو منفعته بغرق أو صائل أو غيرهما وتوقف الإنقاذ على الفطر فأفطر ولم تكن امرأة متحيرة ولا نحو مسافر بتفصيله السابق لأنه فطر ارتفق به شخصان وإن وجب. وخرج بالحيوان المال فلا تلزم الفدية فيه أخذًا من كلام القفال2، لكنه فرضه في مال نفسه لأنه ارتفق به شخص واحد.
الطريق الثالث: تأخير القضاء. "و" حينئذ فتجب الفدية لكل يوم "على من أخر القضاء" أي قضاء رمضان أو شيئًا منه سواء فاته بعذر أو بغير عذر "إلى رمضان آخر بغير عذر" بأن أمكنه القضاء في تلك السنة لخلوه عن نحو سفر ومرض قدر ما عليه من القضاء لخبر فيه ضعيف3 لكنه يعضده إفتاء ستة من الصحابة رضي الله عنهم به ولا مخالف لهم ولتعديه
1 كذا في الأصل، والصواب "القن" فهو يطلق بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع، وقد يجمع على أقنان وأقنة. والقن: العبد الذي كان أبوه مملوكًا لمواليه. انظر المعجم الوسيط "ص763".
2 تقدمت ترجمته. راجع ص237 حاشية1.
3 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 253" حديث رقم 8213 عن أبي هريرة قال في المريض يمرض ولا يصوم رمضان ثم يبرأ ولا يصوم حتى يدركه رمضان آخر، قال: يصوم الذي حضره ويصوم الآخر ويطعم لكل ليلة مسكينًا. ورواه أيضًا "حديث 8211" عن ابن عباس بلفظ: "يصوم هذا ويطعم عن ذاك كل يوم مسكينًا ويقضيه".