المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: "في سنن الاعتدال - المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات:

- ‌ترجمة مؤلف "المقدمة الحضرمية

- ‌ترجمة ابن حجر الهيتمي مؤلف "المنهاج القويم

- ‌خطبة الكتاب

- ‌باب أحكام الطهارة

- ‌مدخل

- ‌فصل: "في الماء المكروه

- ‌فصل: "في الماء المستعمل

- ‌فصل: "في الماء النجس ونحو

- ‌فصل: "في الاجتهاد

- ‌فصل: "في الأواني

- ‌فصل: "في خصال الفطرة

- ‌فصل: "في الوضوء

- ‌فصل: "في سنن الوضوء

- ‌فصل: "في مكروهات الوضوء

- ‌فصل: "في شروط الوضوء وبعضها شروط النية

- ‌فصل: "في المسج على الخفين

- ‌فصل: "في نواقض الوضوء

- ‌فصل: "فيما يحرم بالحدث

- ‌فصل: "فيما يندب له الوضوء

- ‌فصل: "في آداب قاضي الحاجة

- ‌فصل: "في الاستنجاء

- ‌فصل: "في موجب الغسل

- ‌فصل: "فص صفات الغسل

- ‌فصل: "في مكروهاته

- ‌باب: النجاسة وإزالتها

- ‌باب التيمم

- ‌مدخل

- ‌فصل: "في شروط التيمم

- ‌فصل: "في أركان التيمم

- ‌فصل: "في الحيض والاستحاضة والنفاس

- ‌باب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌فصل: "في مواقيت الصلاة

- ‌فصل: "في الاجتهاد في الوقت

- ‌فصل: "في الصلاة المحرمة من حيث الوقت

- ‌فصل: "في الأذان

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌مدخل

- ‌فصل: "في سنن الصلاة

- ‌فصل: "في سنن الركوع

- ‌فصل: "في سنن الاعتدال

- ‌فصل: "في سنن الركوع

- ‌فصل: "في سنن الاعتدال

- ‌فصل: "في سنن السجود

- ‌فصل: "في سنن الجلوس بين السجدتين

- ‌فصل: "في سنن السلام

- ‌فصل: "في سنن بعد الصلاة وفيها

- ‌فصل: "في شروط الصلاة

- ‌فصل: "في مكروهات الصلاة

- ‌فصل: "في سترة المصلي

- ‌فصل: "في سجود السهو

- ‌فصل: "في سجود التلاوة

- ‌فصل: "في سجود الشكر

- ‌فصل: "في صلاة النفل

- ‌فصل: "في صلاة الجماعة وأحكامها

- ‌فصل: "في أعذار الجمعة والجماعة

- ‌فصل: "في شروط القدوة

- ‌فصل: "فيما يعتبر بعد توفر الشروط السابقة

- ‌فصل: "في إدراك المسبوق الركعة

- ‌فصل: "في صفات الأئمة المستحبة

- ‌فصل: "في بعض السنن المتعلقة بالجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌مدخل

- ‌فصل: "فيما يتحقق به السفر

- ‌فصل: "في بقية شروط القصر ونحوه

- ‌فصل: "في بقية شروط القصر ونحوه

- ‌فصل: "في الجمع بالسفر والمطر

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌مدخل

- ‌فصل: "للجمعة شروط زوائد

- ‌فصل: "في بعض سنن الخطبة وصلاة الجمعة

- ‌فصل: "في سنن الجمعة

- ‌باب: صلاة الخوف

- ‌باب: صلاة العيدين

- ‌باب: صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستقساء

- ‌مدخل

- ‌فصل: "في توابع ما مر

- ‌فصل: "في تارك الصلاة

- ‌باب الجنائز

- ‌مدخل

- ‌فصل: "في بيان غسل الميت وما يتعلق به

- ‌فصل: "في الكفن

- ‌فصل: "في أركان الصلاة على الميت وما يتلعق بها

- ‌فصل: "في الدفن

- ‌باب كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌فصل: "في واجب البقر

- ‌فصل: "في زكاة الغنم

- ‌فصل: "في بعض ما يتعلق بما مر

- ‌فصل: "في شروط زكاة الماشية

- ‌باب: زكاة النبات

- ‌فصل: "في واجب ما ذكر وما يتبعه

- ‌باب: زكاة النقد

- ‌فصل: "في زكاة التجارة

- ‌فصل: "في زكاة الفطر

- ‌فصل: "في النية في الزكاة وفي تعجيلها

- ‌فصل: "في قسمة الزكاة على مستحقيها

- ‌فصل: "في صدقة التطوع

- ‌باب كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌فصل: "فيمن يجب عليه الصوم

- ‌فصل: "فيما يبيح الفطر

- ‌فصل: "في سنن الصوم

- ‌فصل: "في الجماع في رمضان وما يجب له

- ‌فصل: "في الفدية الواجبة

- ‌فصل: "في صوم التطوع

- ‌باب: الاعتكاف

- ‌باب: كتاب الحج والعمرة

- ‌مدخل

- ‌فصل: "في المواقيت

- ‌فصل: "في بيان أركان الحج والعمرة

- ‌فصل: "في بيان الإحرام

- ‌فصل: "في سنن تتعلق بالنسك

- ‌فصل: "في واجبات الطواف وسننه

- ‌فصل: "في السعي

- ‌فصل: "في الوقوف

- ‌فصل: "في الحلق

- ‌فصل: "في واجبات الحج

- ‌فصل: "في بعض سنن المبيت والرمي وشروطه

- ‌فصل: "للحج تحللان

- ‌فصل: "في دم الترتيب والتقدير

- ‌فصل: طفي محرمات الإحرام

- ‌فصل: "في موانع الحج

- ‌باب الأضحية

- ‌مدخل

- ‌فصل: طفي العقيقة

- ‌فصل: "في محرمات تتعلق بالشعر ونحوه

الفصل: ‌فصل: "في سنن الاعتدال

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمات:

‌ترجمة مؤلف "المقدمة الحضرمية

" 1:

هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بافضل الحضرمي. قال في "النور السافر": ولد سنة خمسين وثمانمائة "850هـ" وارتحل لطلب العلم إلى عدن وغيرها، وأخذ عن الإمامين محمد بن أحمد بافضل، وعبد الله بن أحمد مخرمة، ولازم الثاني، وتخرج به، وانتفع به كثيرًا، وأخذ أيضًا عن البرهان بن ظهيرة، وتميز واشتهر ذكره، وبعد صيته، وأثنى عليه الأئمة من مشايخه وغيرهم، وكان حريًّا بذلك.

وكان إمامًا، عالمًا، عاملًا، عابدًا، ناسكًا، ورعًا، زاهدًا، شريف النفس، كريمًا سخيًّا مفضالا، كثير الصدقة، حسن الطريقة، لين الجانب، صبورًا على تعليم العلم، متواضعًا، حسن الخلق، لطيف الطباع، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، له حرمة وافرة عند الملوك وغيرهم، حافظًا أوقاته لا يرى إلا في تدريس علم أو مطالعة كتاب أو اشتغال بعبادة وذكر.

ولي التدريس بجامع الشحر وانتصب فيها للاشتغال والفتوى، وصار عمدة القطر، وانتهت إليه رئاسة الفقه في جميع تلك النواحي، ولم يزل على ذلك حتى توفي يوم الأحد خامس شهر رمضان سنة 918هـ2، ودفن في طرف بلد الشحر من جهة الشمال في موضع موات، وهو أول من دفن هناك، ودفن الناس إلى جانبه، حتى صارت مقبرة كبيرة انتهى.

له مؤلفات كثيرة، نذكر منها:

المقدمة الحضرمية؛ وهو الكتاب الذي بين أيدينا

- الحجج القواطع في الواصل والقاطع.

- الفتاوى.

- رسالة في علم الفلك.

- لوامع الأنوار في فضل القائم بالأسحار.

1 انظر ترجمته في شذرات الذهب "8/ 126، طبعة دار الكتب العلمية"، والنور السافر "ص98"، والأعلام للزركلي "4/ 97"، وهدية العارفين "1/ 470".

2 في هدية العارفين "1/ 470"، أنه توفي سنة 1033هـ؛ وهو خطأ.

ص: 3

‌ترجمة ابن حجر الهيتمي مؤلف "المنهاج القويم

" 1:

قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب في وفيات سنة 973هـ:

وفيها: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي ابن حجر -نسبة على ما قيل إلى جد من أجداده كان ملازمًا للصمت فشبه بالحجر- الهيتمي السعدي الأنصاري الشافعي الإمام العلامة البحر الزاخر.

ولد في رجب سنة تسع وتسعمائة في محلة أبي الهيتم من إقليم الغربية بمصر المنسوب إليها، ومات أبوه وهو صغير، فكفله الإمامان الكاملان شمس الدين بن أبي الحمائل، وشمس الدين الشناوي، ثم إن الشمس الشناوي نقله من محلة أبي الهيتم إلى مقام سيدي أحمد البدوي، فقرأ هناك في مبادئ العلوم، ثم نقله في سنة أربع وعشرين إلى جامع الأزهر، فأخذ عن علماء مصر، وكان قد حفظ القرآن العظيم في صغره.

وممن أخذ عنه شيخ الإسلام القاضي زكريا، والشيخ عبد الحق السنباطي، والشمس المشهدي، والشمس السمهودي، والأمين الغمري، والشهاب الرملي، والطبلاوي، وأبو الحسن البكري، والشمس اللقاني الضيروطي، والشهاب ابن النجار الحنبلي، والشهاب ابن الصائغ في آخرين.

وأذن له بالإفتاء والتدريس وعمره دون العشرين، وبرع في علوم كثيرة من التفسير، والحديث، والكلام، والفقه، أصولا وفروعًا، والفرائض، والحساب، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والمنطق، والتصوف.

ومن محفوظاته "المنهاج الفرعي". ومقروءاته لا يمكن حصرها، وأما إجازات المشايخ له فكثيرة جدًّا استوعبها في "معجم مشايخه". وقدم إلى مكة في آخر سنة ثلاث وثلاثين، فحج وجاور بها، ثم عاد إلى مصر، ثم حج بعياله في آخر سنة سبع وثلاثين، ثم حج سنة أربعين، وجاور من ذلك الوقت بمكة، وأقام بها يدرس ويفتي ويؤلف.

1 انظر ترجمته في شذرات الذهب "8/ 435، 436، طبعة دار الكتب العلمية" ومعجم المؤلفين "1/ 293، 294"، والنور السافر للعيدروسي "ص287- 298"، والبدر الطالع للشوكاني "1/ 109"، وغيرها كثير.

ص: 4

ومن مؤلفاته "شرح المشكاة" و"شرح المنهاج" وشرحان على "الإرشاد" و"شرح الهمزية البوصيرية" و"شرح الأربعين النواوية" و"الصواعق المحرقة" و"كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع" و"الزواجر عن اقتراف الكبائر" و"نصيحة الملوك" وشرح مختصر الفقيه عبد الله بافضل الحاج المسمى "المنهج القويم في مسائل التعليم" و"الأحكام في قواطع الإسلام" و"شرح العباب" المسمى بـ"الإيعاب" و"تحذير الثقات عن أكل الكفتة والقات"، وشرح قطعة صالحة من "ألفية ابن مالك" و"شرح مختصر أبي الحسن البكري" في الفقه، و"شرح مختصر الروض" و"مناقب أبي حنيفة" وغير ذلك.

وأخذ عنه من لا يحصى كثرة، وازدحم الناس على الأخذ عنه، وافتخروا بالانتساب إليه، وممن أخذ عنه مشافهة شيخ مشايخنا البرهان بن الأحدب.

وبالجملة فقد كان شيخ الإسلام خاتمة العلماء الأعلام، بحرًا لا تكدره الدلاء، إمام الحرمين كما أجمع عليه الملأ، كوكبًا سيارًا في منهاج سماء الساري، يهتدي به المهتدون تحقيقًا لقوله تعالى:{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] ، واحد العصر، وثاني القطر، وثالث الشمس والبدر، أقسمت المشكلات ألا تتضح إلا لديه وأكدت المعضلات أليتها أن تنجلي إلا عليه، لا سيما وفي الحجاز عليها قد حجر، ولا عجب فإنه المسمى بابن حجر، وتوفي رحمه الله تعالى بمكة في رجب، ودفن بالمعلاة في تربة الطبريين، وانتهى.

وترجم له عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين، فقال: أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن علي ابن حجر الهيتمي، السعدي الأنصاري الشافعي "شهاب الدين، أبو العباس" فقيه مشارك في أنواع من العلوم، ولد في محلة أبي الهيتم من إقليم الغربية بمصر في رجب سنة 909هـ وتوفي بمكة سنة 973هـ1.

من مؤلفاته الكثيرة: تحفة المحتاج لشرح المنهاج للنووي في فروع الفقه الشافعي بمجلدين، مبلغ الأرب في فضل العرب، الصواعق المحرقة لإخوان الابتداع والضلال والزندقة، معدن اليواقيت الملتمعة في مناقب الأئمة الأربعة، تحرير المقال في آداب وأحكام وفوائد يحتاج إليها مؤدبو الأطفال، المنح المكية في شرح الهمزية للبوصيري، كنه أمراد في شرح بانت سعاد، الإعلام بقواطع الإسلام، الفتاوى الهيتمية "الفتاوى الحديثية"، شرح تحفة المحتاج، الإمداد في شرح الإرشاد، أشرف الوسائل إلى فهم

1 وفي النور السافر: 974هـ.

ص: 5

الشمائل، القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، المطالب في صلة الأقارب، تحفة المزوار إلى قبر المختار "الجوهر المنظم في زيارة القبر المعظم المكرم"، الفتح المبين في شرح الأربعين للنووي، كنز الناظر في مختصر الزواجر، خلافة الأئمة الأربعة "تاريخ الخلفاء الراشدين"، الإيضاح والبيان لما جاء في ليلتي الرغائب والنصف من شعبان، الزواجر، النعمة الكبرى على العالم بدولة سيد بني آدم، الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود.

ص: 6

‌خطبة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي فرض علينا تعلم شرائع الإسلام، ومعرفة صحيح المعاملة وفاسدها

ــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين خصصتهم بمعرفتك وأيدتهم ببرهانك.

وبعد؛ فقد سألني بعض الصلحاء أن أضع شرحًا لطيفًا على مقدمة الإمام المحقق الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بافضل الحضرمي نفعنا الله بعلومه وبركته فأجبته إلى ذلك ملتمسًا منه ومن غيره أن يمدني بدعواته الصالحة، وسائلًا من فضل مولانا أن يعم النفع به، وأن يبلغني كل مأمول بسببه، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأقوى سبب للفوز بشهوده في جنات النعيم آمين.

قال المؤلف رحمه الله: "بسم الله" أي أبتدئ أو أفتتح أو أؤلف متلبسًا أو مستعينًا أو متبركًا باسم الله إذ لا اعتداد بما لم يصدر باسمه تعالى، والاسم مشتق من السمو وهو العلو، والله علم على الذات الواجب الوجود لذاته المستحق لجميع الكمالات وهو عربي مشتق من "أَلِهَ" إذا تحير لتحير الخلق في كنه ذاته تعالى وتقدس وهو الاسم الأعظم وعدم الاستجابة لأكثر الناس مع الدعاء به لعدم استجماعهم لشرائط الدعاء، ولم يسم به غير الله قط، "الرحمن" هو صفة في الأصل بمعنى كثير الرحمة جدًّا ثم غلب على البالغ في الرحمة والإنعام بحيث لم يسم به غيره تعالى، وتسمية أهل اليمامة مسيلمة1 تعنت في الكفر، "الرحيم" أي ذي الرحمة الكثيرة فالرحمن أبلغ منه، وأتى به إشارة إلى أن ما دل عليه من دقائق الرحمة وإن ذكر بعد ما دل على جلائلها الذي هو المقصود الأعظم مقصود أيضًا لئلا يتوهم أنه غير ملتفت إليه فلا يسأل ولا يعطي، وكلاهما مشتق من الرحمة وهي عطف وميل روحاني غايته الإنعام، فهي لاستحالتها في حقه تعالى مجاز إما عن نفس الإنعام فتكون صفة فعل، أو عن إرادته فتكون صفة ذات، وكذا سائر أسمائه تعالى المستحيل معناها في حقه المراد بها غايتها.

"الحمد" أي كل ثناء بجميل سواء كان من مقابلة نعمة أم لا ثابت ومملوك ومستحق، "لله" وأردف التسمية بالحمد اقتداء بأسلوب الكتاب العزيز وعملا بما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "كل

1 سمى أهل اليمامة مسيلمة الكذاب بالرحمان، وكتب "الرحمان" بالألف بعد الميم تمييزًا عن "الرحمن" بالألف الخنجرية فوق الميم؛ وهو من أسماء الله تعالى.

ص: 7

لتعريف الحلال والحرام، وجعل مآل من علم ذلك وعمل به الخلود في دار السلام،

ــ

أمر ذي بال": أي حال يهتم به "لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" 1 وفي رواية: "أقطع" 2 وفي أخرى "أبتر" 3: أي قليل البركة، وفي رواية: "ببسم الله الرحمن الرحيم" 4، وفي أخرى: "بذكر الله" 5 وبها يتبين أن المراد البداءة بأي ذكر كان، وقرن الحمد بالجلالة إشارة إلى أنه سبحانه وتعالى يستحقه لذاته لا بواسطة شيء آخر وآثر كغيره الحمد على الشكر؛ لأن الحمد يعم الفضائل وهي الصفات التي لا يتعدى آثرها للغير والفواضل وهي الصفات المتعدية والشكر يختص بالأخيرة، "الذي فرض" أي أوجب "علينا" معشر الأمة إيجابًا عينيًّا6 لا رخصة في تركه "تعلم" ما نحتاج إليه لمباشرتنا لأسبابه، فالعبادات يجب على كل مكلف تعلم ما يكثر وقوعه من شروطها وأركانها فوزًا في الفوري وموسعًا في الموسع كالحج والمعاملة والمناكحة وغيرها، لا يجب تعلم ذلك فيه إلا على من أراد التلبس به، فمن أراد أن يتزوج مثلا امرأة ثانية لا يحل له حتى يتعلم غالب أحكام القسم ونحوه وعلى هذا فقس، أما الإيجاب على الكفاية بمعنى أنه إذا قام به البعض سقط عن الباقين فيعم سائر "شرائع الإسلام" وما يتوقف معرفتها أو كمالها عليه كالنحو وغيره، والشرائع جمع شريعة وهي لغة مشرعة الماء7 وشرعًا ما شرعه الله لعباده من الأحكام، فالإضافة بيانية أو بمعنى اللام وهو أولى إذ الإسلام هو الانقياد والاستسلام وتعرف الشريعة أيضًا بأنها وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما يصلح معاشهم ومعادهم، "و" تعلم "معرفة" جميع أحكام "صحيح المعاملة" والمناكحة والجناية وما يتعلق بكل "وفاسدها" وإنما وجب على الكافة ذلك عينًا أو كفاية "لتعريف" أي معرفة "الحلال" الشامل للواجب والمندوب والمباح والمكروه وخلاف الأولى "والحرام" حتى يفعل الحلال ويجتنب الحرام، وفي نسخة "من الحرام" أي لتمييز الحلال الطيب من الحرام الخبيث، "وجعل مآل" أي عاقبة "من علم ذلك وعمل به الخلود في دار السلام" على أسرّ حال وأهنئه من غير كدر يصيبه في قبره وما بعده، بخلاف من لم يعلم ذلك لتركه الواجب أو علمه ولم يعمل به فإن إسلامه وإن كان متكفلا له بالخلود أيضًا في دار

1 ذكره بهذه الرواية النووي في "الأذكار""ص 249" ونسبه إلى أبي داود وابن ماجه.

2 أخرجه بهذه الرواية ابن ماجه في كتاب النكاح، باب 19، حديث رقم1894 عن أبي هريرة.

3 ذكره بهذه الرواية المتقي الهندي في كنز العمال "رقم2511" والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "3/ 466".

4 ذكره بهذه الرواية السيوطي في الدر المنثور "1/ 10" والنووي في الأذكار "ص103" وروى معها الألفاظ الأخرى وقال: "روينا هذه الألفاظ كلها في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي".

5 لم أجده بهذا اللفظ.

6 أي واجبًا على كل مسلم مكلف بعينه.

7 قال في اللسان "8/ 175 -مادة شرع": "والشريعة والشراع والمشرعة: المواضع التي ينحدر إلى الماء منها، قال الليث: وبها سمي ما شرع الله للعباد شريعة من الصوم والصلاة والحد والنكاح وغيره".

ص: 8

وجعل مصير من خالفه وعصاه دار الانتقام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المان بالنعم الجسام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للأنام صلى الله

ــ

السلام وهي الجنة إلا أنه قد يكون بعد مزيد عذاب ومؤاخذة: "وجعل مصير" أي رجوع أو قرار "من خالفه وعصاه" عطف تفسير "دار الانتقام" وهي النار دائمًا إن كانت مخالفته في الكفر وإلا فمعنى كونها مصيره أن يستحق ذلك إن لم يعف عنه.

"وأشهد" أي أعلم وأبين "أن لا إله" أي لا معبود بحق في الوجود "إلا الله وحده لا شريك له" في ذاته ولا في وصف من صفاته، "المان" أي المتفضل على عباده المؤمنين من المن والمنة النعمة الثقيلة ولا يحمد إلا في حقه تعالى لأنه المتفضل بما يملكه حقيقة وغيره لا ملك له معه فلم يناسبه المن به، "بالنعم" جمع وهي اللذة التي تحمد عاقبتها، ومن ثم لم يكن لله نعمة على كافر وإنما ملاذه استدراج "الجسام" أي العظام. "وأشهد أن" سيدنا "محمدًا" وهو علم موضوع لمن كثرت خصاله الحميدة، وسمي به نبينا بإلهام من الله لجده1 بذلك ليطابق اسمه صفته. "عبده" قدمه لأنه أكمل أوصافه، ولذا خص بالذكر في أشرف مقامات كماله صلى الله عليه وسلم نحو:{نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِه} [الفرقان: 1]، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10] ، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19] ، لاسيما ليلة المعراج المتكفلة بغايات الكمالات المفاضة عليه صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة وما بعدها، و"رسوله" هو إنسان ذكر حر أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب ولا نسخ لشرع من قبله وآثره على النبي لأنه أفضل، لكن قال ابن عبد السلام: نبوة الرسول أفضل من رسالته لتعلقها بالله تعالى وتعلق الرسالة بالخلق وفيه نظر بينته في غير هذا الكتاب، "المبعوث رحمة للأنام" أي الخلق، أما كونه رحمة للخق فدل عليه الكتاب2 والسنة 3 والإجماع، ومعنى كونه رحمة للكافر أنه لا يعاجل بالعقوبة والأخذ بغتة كما وقع لأمم من قبله، وأما كونه مبعوثًا للخلق بناء على تعلق قوله للأنام بقوله المبعوث فهو ما ذكره بعض المحققين لخبر صحيح4 يدل له وهو اللائق بعلو مقامه صلى الله عليه وسلم، وقد بينت في بعض الفتاوى أن الأصح أنه صلى الله عليه وسلم مرسل للملائكة بما فيه مقنع

1 عبد المطلب بن هاشم.

2 في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} [الأنبياء: 107] .

3 منها ما رواه مسلم في كتاب الفضائل "حديث 125" عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لي أسماء: أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد" وقد سماه الله رءوفًا رحيمًا، وروى أيضًا "حديث رقم 126" عن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء، فقال:"أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة".

4 وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "

وبعثت إلى الناس عامة". رواه البخاري في التيمم "باب 1" والصلاة "باب 56"، والنسائي في الغسل "باب 26"، والدارمي في الصلاة "باب 111".

ص: 9

وسلم عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام.

وبعد؛ فهذا مختصر لا بد لكل مسلم من معرفته أو معرفة مثله فيتعين الاهتمام به وإشاعته، فأسأل الله الكريم أن ينفع به وأن يجعل جمعي له خالصًا لوجهه الكريم.

ــ

لمن تدبره "صلى الله وسلم عليه" من الصلاة وهي الرحمة المقرونة بتعظيم ويختص لفظها بالأنبياء والملائكة فلا يقال لغيرهم إلا تبعًا. و"على آله" هم أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب، وقد يراد بهم في مقام الصلاة كل مؤمن لخبر ضعيف فيه، "وصحبه" اسم جمع لصاحب وهو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو لحظة وإن لم يره ولم يرو عنه مؤمنًا ومات على الإيمان "البررة" جمع بار وهو من غلبت عليه أعمال البر "الكرام" جمع كريم والمراد به هنا من خرج عن نفسه وماله لله تعالى وكل الصحابة كذلك رضوان الله عليهم أجمعين.

و"بعد" كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأتون بأصلها وهو "أما بعد" في خطبهم لذلك، ولكون أصلها ذلك لزم الفاء في حيزها والأصل مهما يكن من شيء بعد الحمدلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "فهذا" المؤلف الحاضر في الذهن "مختصر" قل لفظه وكثر معناه "لا بد" أي لا غنى "لكل مسلم" يحتاج إلى معرفة ما هو مضطر إليه من العبادات محتاج إليه من المعاملات "من" معرفته أو من "معرفة مثله" ليكون على بصيرة من أمره وبينة من ربه وإلا ركب متن عمياء وخبط خبط عشواء "فيتعين" حينئذ عليك أيها الراغب في الخير "الاهتمام به" أي بهذا المختصر أو مثله حفظًا وفهمًا وكتابة، "و" عليك أيضًا "إشاعته" في البلدان ليكون لك نصيب من الأجر إذ الدال على هدى كفاعله1، وليس المطلوب منك الإيصال للهدى فإن الهدى هدى الله وحده وحينئذ "فأنا أسأل الله الكريم أن ينفع به" فإنه لا يخيب من اعتمد عليه ولجأ في مهماته إليه "وأن يجعل جمعي له" من متفرقات الكتب "خالصًا لوجهه" أي ذاته "الكريم" أي المتفضل على من شاء بما شاء إنه جواد حليم رءوف رحيم.

1 ورد في حديث صحيح: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله". رواه مسلم في الإمارة "حديث 133"، وأبو داود في الأدب "باب 115"، والترمذي في العلم "باب 14"، وأحمد في المسند 4/ 120، 5/ 274، 357.

ص: 10

‌باب أحكام الطهارة

‌مدخل

"باب أحكام الطهارة":

لا يصح رفع الحديث ولا إزالة النجس إلا بما يسمى ماء، فإن تغير طعمه أو لونه أو ريحه تغيرًا فاحشًا بحيث لا يسمى ماء مطلقًا بمخالط طاهر يستغني الماء عنه لم تصح الطهارة

ــ

باب أحكام الطهارة:

وهي لغة الخلوص من الدنس الحسي والمعنوي كالعيب1 وشرعًا ما توقف على حصوله إباحة كالغسلة الأولى أو ثواب مجرد كالغسلة الثانية والثالثة والوضوء المجدد والغسل المسنونين.

"لا يصح" ولا يحل "رفع الحدث" الأصغر، وهو ما أوجب الوضوء والأكبر وهو ما أوجب الغسل "ولا إزالة النجس" المخفف وهو بول الصبي الآتي ذكره والمغلظ وهو نجاسة نحو الكلب والمتوسط وهو ما عداهما من سائر النجاسات الآتية ولا فعل طهارة سلس ولا طهارة مسنونة "إلا بما" علم أو ظن كونه ماء مطلقًا وهو ما "يسمى ماء" من غير قيد لازم بالنسبة للعالم بحاله كماء البحر وما ينعقد منه الملح وينحل إليه نحو البرد الذي استهلك فيه الخليط والمترشح من بخار الماء الطهور المغلي والمتغير بما لا غنى عنه أو بمجاوره لأنه يسمى ماء لغة وعرفًا وما بباطن دود الماء وهو المسمى بالزلال2 لأنه ليس بحيوان وما جمع من ندى وليس نفس دابة في البحر، ودليل الحصر المذكور في الحدث آية التيمم3 والإجماع، وفي الخبث ما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بغسله وفي غيرهما القياس عليهما، وخرج بالمطلق المذكور المائع كالخل والجامد كالتراب في التيمم والنجاسة المغلظة والحجر في الاستنجاء وأدوية الدباغ ونحو ماء الزعفران مما قيد بلازم فلا يرفع حدثًا ولا يزيل نجسًا ولا يستعمل في طهر غيرهما "فإن تغير" حسًّا "طعمه" وحده "أو لونه" وحده "أو ريحه" وحده "تغيرًا فاحشًا" بأن سلب إطلاق اسم الماء عنه حتى صار "بحيث لا يسمى ماء مطلقًا" وإنما يسمى ماء مقيدًا كماء الورد أو استجد له اسم آخر كالمرقة مثلًا وكان ذلك التغير "بمخالط" مخالف للماء في صفاته أو واحدة منها وهو ما لا يمكن فصله "طاهر يستغني الماء عنه" بأن لا يشق صونه عنه ككافور رخو وقطران يختلطان بالماء وثمر وإن كان شجره نابتًا في الماء "لم تصح الطهارة به" لأنه ليس عاريًا عن القيود والإضافات فلا

1 انظر المعاني المتعددة للفظ "طهر" في لسان العرب "4/ 504-507" مادة "طهر".

2 في اللسان "مادة زلل": وزل الماء في حلقه يزل زلولا: ذهب، وماء زلال وزليل: سريع النزول والمر في الحلق، وماء زلال: بارد، وقيل: ماء زلال وزلازل: عذب، وقيل صاف خالص، وقيل: الزلال الصافي من كل شيء.

3 وهي الآية 6 من سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ

} الآية.

ص: 11

به، والتغير التقديري كالتغير الحسي، فلو وقع فيه ماء ورد لا رائحة له قدر مخالفًا له بأوسط الصفات، ولا يضر تغير يسير لا يمنع اسم الماء، ولا يضر تغير بمكث وتراب وطحلب وما في مقره وممره ولا بمجاور كعود ودهن ولا بملح مائي ولا بورق تناثر من الشجر.

ــ

يلحق بمورد النص العري1عنها. "والتغير التقديري كالتغير الحسي، فلو وقع فيه" أي الماء ما يوافقه في صفاته ومنه "ماء ورد لا رائحة له" سواء أوقع في ماء كثير أم قليل والماء المستعمل لكن إن وقع في ماء قليل لأن المستعمل إذا كثر طهر فأولى إذا وقع في الكثير "قدر مخالفًا له" للماء "بأوسط الصفات" كطعم الرمان ولون العصير وريح اللاذن2 فإن غير بفرضه في صفة سلب الطهورية، وإن كان عند فرض المخالفة في غير تلك الصفة لا يغير وذلك لأن لموافقته لا يغيره فاعتبر بغيره كالحكمية. "ولا يضر تغير يسير" وهو ما "لا يمنع اسم الماء" وإن كان بمخالط يستغنى لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ من قصعة فيها أثر عجين3، "ولا يضر تغير بمكث" لتعذر الاحتراز عنه "وتراب" طهور وإن قلنا إنه مخالط لأنه يوافق الماء في الطهورية بخلاف النجس والمستعمل "وطحلب" لم يطرح ولو متفتتًا لعسر الاحتراز عنه وهو نبت أخضر يعلو الماء فإن طرح ضر إن كان متفتتًا وإلا فلا "وما في مقره وممره" من نحو نورة4 وزرنيخ5 ولو مطبوخين وطين لم يكثر تغير الماء به بحيث صار لا يجري بطبعه لذلك "ولا بمجاور" وهو ما يمكن فصله "كعود ودهن" ولو مطيبين ومنه البخور وإن كثر وظهر في الريح وغيره لأن الحاصل بذلك مجرد تروح فهو كما لو تغير بجيفة على الشط، ومنه أيضًا ما أغلى فيه نحو بر وتمر بحيث لم يعلم انفصال عين مخالطة فيه بأن لم يصل إلى حد بحيث يحدث له اسم كالمرقة. "ولا بملح مائي" لانعقاده من عين الماء كالثلج بخلاف الملح الجبلي فيضر التغير به ما لم يكن بمقر الماء أو ممره، وكالملح المائي متغير بخليط لا يؤثر فلا يضر صبه على غير متغير وإن غيره كثيرًا، لأنه طهور "ولا بورق تناثر" بنفسه "من الشجر" ولو ربيعًا بخلاف المطروح للاستغناء عنه ولا يضر تغييره بالثمر إن تناثر بنفسه، ولو شك على التغير يسير أو كثير فكاليسير، أو هل زاد التغير للكثير لم يطهر للأصل فيهما، أو هل هو من مخالط أو غيره، أو هل المغير مخالط أو مجاور، لم يؤثر.

1 العري: الخالي.

2 اللاذن: جنس جنبة من الفصيلة اللاذنية، يستخرج منه صمغ راتنجي يعلك، ويستعمل عطرًا ودواءً، انظر المعجم الوسيط "ص822".

3 روى ابن ماجه في الطهارة، باب 35 "حديث رقم 378" عن أم هاني:"أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين" ورواه أيضًا النسائي في الغسل باب 11، والطهارة باب 148. وأحمد في المسند "6/ 342".

4 النورة: حجر الكلس، وأخلاط من أملاح الكلسيوم والباريون تستعمل لإزالة الشعر "المعجم الوسيط: ص962".

5 الزرنيخ: عنصر شبيه بالفلزات له بريق الصلب ولونه، ومركباته سامة، يستخدم في الطب وفي قتل الحشرات "المعجم الوسيط: ص393".

ص: 12

‌فصل: "في الماء المستعمل

"

لا تصح الطهارة بالماء المستعمل القليل في رفع الحدث وإزالة النجس، فلو أدخل

ــ

فصل: في الماء المستعمل

"لا تصح الطهارة بالماء المستعمل" هو ما أزيل به مانع من رفع حدث ولو حدث صبي لا يميز بناء على اشتراط طهره لصحة الطواف به، وهو المعتمد وإزالة خبث ولو معفوًّا عنه، وكذا ما لا رفع كطهر دائم الحدث وحنفي لم ينو وغسل ميت وكتابية من حيض أو نفاس المتوضيء يده في الماء القليل بعد غسل وجهه غير ناو للاغتراف صار الماء الباقي مستعملا، والمستعمل في طهر مسنون كالغسلة الثانية والثالثة تصح الطهارة به.

ص: 13

‌فصل: "في الماء النجس ونحو

ه"

ينجس الماء القليل وغيره من المائعات بملاقاة النجاسة، ويستثنى من ذلك مسائل:

ــ

لتحل لحليلها المسلم، ونحو مجنونة غسلها حليلها لذلك وذلك لأنه حصل باستعماله زوال المنع من نحو الصلاة فانتقل المنع إليه، كما أن الغسالة لما أثرت في المحل تأثرت، وإنما يؤثر الاستعمال في الماء "القليل" بخلاف الكثير وهو القلتان1 فإنه لا يؤثر الاستعمال فيه بل لو جمع المستعمل حتى بلغ قلتين صار طهورًا، وإنما يؤثر في القليل إن انفصل عن العضو المستعمل فيه ولو حكمًا؛ لأن جاوز ماء يده منكبه أو رجله ركبته، نعم لا يضر الانفصال من بدن الجنب إلا إذا كان إلى محل لا يغلب فيه التقاذف كأن انفصل من الرأس إلى نحو القدم بخلافه إلى نحو الصدر، وعلم مما تقرر أنه لا تصح الطهارة بالمستعمل "في رفع الحدث و" لا "إزالة النجس" ولا في غيرهما "فإذا أدخل المتوضئ يده" اليمنى أو اليسرى أو جزأ منهما وإن قل "في الماء القليل بعد غسل وجهه" ثلاثًا سواء قصد التثليث أو أطلق أو واحدة إن قصد ترك التثليث "غير ناو للاغتراف" سواء قصد غسلهما عن الحدث أم أطلق "صار الماء الباقي مستعملا" وإن لم تنفصل يده عنه لانتقال المنع إليه ومع ذلك له أن يحركها فيه ثلاثًا وتحصل له سنة التثليث، وله أن يغسل بقية يده بما فيها وإن صار ما اغترف منه مستعملا، لأن ماءها لم ينفصل عنها وإدخال الجنب شيئًا من بدنه بعد النية بلا نية اغتراف منه يصير الماء مستعملا أيضًا، ولو انغمس في ماء قليل ثم بعد انغماسه نوى رفع الجنابة ارتفعت، وله إذا أحدث أو أجنب ثانيًا وهو في الماء أن يرفع به الحدث المتجدد؛ لأنه لم ينفصل عن الماء فصورة الاستعمال باقية، وكذا لو انغمس محدث في ماء قليل ثم نوى فإن حدث جميع أعضائه يرتفع على المعتمد، ولو كان ببدنه خبث بمحلين فمر الماء بأعلاهما ثم بأسفلهما طهرا معًا كما لو نزل من عضو جنب إلى محل عليه خبث فأزاله بلا تغير "والمستعمل في طهر مسنون كالغسلة الثانية والثالثة" والوضوء المجدد والغسل المسنون "تصح الطهارة به" لأنه لم ينتقل إليه مانع2.

فصل: في الماء النجس ونحوه

"ينجس الماء القليل" وهو ما ينقص عن القلتين بأكثر من رطلين "وغيره من المائعات" وإن كثر وبلغ قلالا كثيرة "بملاقاة النجاسة" وإن لم يتغير لمفهوم ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغ

1 انظر تخريج الحديث في الحاشية "1" من الصفحة التالية.

2 أي مانع يمنع الصلاة.

ص: 14

ما لا يدركه الطرف، وميتة لا دم لها سائل إلا إن غيرت أو طرحت وفم هرة تنجس ثم غابت واحتمل ولوغها في ماء كثير، وكذلك الصبي إذا تنجس ثم غاب واحتملت طهارته،

ــ

الماء قلتين لم يحمل خبثًا" 1 إذ مفهومه أن ما دونهما يحمل الخبث: أي يتأثر به ولا يدفعه وفارق كثير المائع كثير الماء بأن حفظ كثير المائع لا يشق "ويستثنى من ذلك مسائل" لا ينجس فيها قليل الماء ولا كثير غيره وقليله بملاقاة النجاسة: منها "ما لا يدركه الطرف" أي البصر المعتدل فإنه لا يؤثر إن كان من غير مغلظ وقل عرفًا، ولم يغير ولو تغيرًا قليلا ولم يحصل بفعله لمشقة الاحتراز عنه، ولو كان بمواضع متفرقة ولو اجتمع لرؤى لم يعف عنه.

"و" منها "ميتة لا دم لها سائل" عند شق عضو منها في حياتها ويلحق شاذ الجنس بغالبه، وما شك في سيل دمه له حكم ما يتحقق عدم سيلان دمه ولا يجرح خلافًا للغزالي وذلك كزنبور وعقرب ووزغ2 ونمل ونحل وبق وقراد3 وقمل وبرغوث وخنفساء4 وذباب لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بغمسه فيما وقع فيه؛ لأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء5 وغمسه يفضي لموته كثيرًا، فلو نجس لما أمر به وقيس به سائر ما لا يسيل دمه فيعفى عنها "إلا إن غيرت" ما وقعت فيه ولو تغيرًا قليلا، فلا عفو إذ لا مشقة، ولو زال تغير نحو المائع بها طهر على احتمال فيه "أو طرحت"، وهي ميتة وليس نشؤها منه، أما إذا طرحت وهي حية فإنها لا تنجس وإن ماتت، وكذا لو طرحت ميتة ونشؤها منه كما اقتضاه كلام الشيخين لكن خالفهما كثيرون ولعل المصنف تبعهم "و" منها "فم هرة تنجس ثم غاب واحتمل" ولو على بعد "ولوغها في ماء" جار أو راكد "كثير وكذلك الصبي إذا تنجس ثم غاب واحتملت طهارته" ومثلهما كل حيوان طاهر وإن لم يعم اختلاطه بالناس، فإذا عاد وولغ في ماء قليل أو مائع لم ينجسه وإن كان الأصل بقاء فمه على النجاسة لأن احتمال الطهر قوي أصل طهارة نحو الماء فلم يؤثر فيه أصل بقاء النجاسة إذ لا يلزم منها التنجيس مع اعتضاد أصل الطهر بظاهر فكان أقوى، ولا يضر في احتمال طهر فم الهرة كونها تلعقه بلسانها لأن الماء يرد على جوانب فمها فيطهره كوروده على

1 رواه من حديث ابن عمر: أبو داود في الطهارة باب 33، والترمذي في الطهارة باب50، والنسائي في الطهارة باب43، والمياه باب3، وابن ماجه في الطهارة باب75، والدارمي في الوضوء باب 55، وأحمد في المسند"2/ 23، 27، 107".

2 الوزغ: سام أبرص، واحدة وزغة، وقد يقال: الوزغة الأنثى، والوزغ الذكر، انظر المعجم الوسيط "ص1029".

3 القراد: دويبة متطفلة ذات أرجل كثيرة تعيش على الدواب والطيور؛ الواحدة قرادة "المعجم الوسيط: ص724".

4 الخنفساء: حشرة سوداء أصغر من الجعل منتنة الريح "المعجم الوسيط: ص259".

5 روى البخاري في بدء الخلق، باب 17 "حديث رقم 3320"، والطب، باب 58 "حديث رقم 5782" عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء".

ص: 15

والقليل من دخان النجاسة واليسير من الشعر النجس واليسير من غبار السرجين ولا ينجس غبار السرجين أعضاءه الرطبة، وإذا كان الماء قلتين فلا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلا إن تغير طعمه أو لونه أو ريحه ولو تغيرًا يسيرًا، فإن زال تغيره بنفسه أو بماء طهر أو بمسك أو كدورة تراب فلا، والجاري كالراكد والقلتان خمسمائة رطلبالبغدادي تقريبًا فلا يضر

ــ

جوانب الإناء المتنجس، أما إذا لم يكن ذلك فإنه ينجس ما ولغ فيه. "و" منها "القليل من دخان النجاسة" والمتنجس ومثله البخار إن تصاعد بواسطة نار بخلاف المتصاعد لا بواسطة نار كبخار الكنيف1 والريح الخارجة من الشخص وإن كانت ثيابه رطبة فإنه طاهر. "و" منها "اليسير من الشعر النجس" لغير الراكب والكثير منه للراكب. "و" منها اليسير من غبار السرجين"2 ونحوه "ولا ينجس غبار السرجين أعضاءه" ولا ثيابه "الرطبة" كما لا ينجس ما وقع فيه وذلك لمشقة الاحتراز عن جميع ذلك، ولذلك عفى أيضًا عن منفذ غير الآدمي إذا وقع في الماء مثلا سواء غلب وقوع فيه أم لا بشرط أن لا يطرأ عليه نجاسة أجنبية وعما يحمله نحو الذباب، وعما يبقى من قليل الدم على اللحم والعظم، وعن قليل بول وروث ما نشؤه من الماء والمرجع في القلة والكثرة العرف، وشرط العفو عن ذلك أن لا يغير وأن لا يكون من مغلظ وأن لا يحصل بقصد، قيل: ويعفى عن جرة3 البعير وفم ما يجتر إذا التقم أخلاف أمه وفم صبي تنجس وإن لم يغب وذرق4 الطيور في الماء وإن لم تكن من طيوره وبعر فأرة عم الابتلاء بها، وبعر شاة وقع في اللبن حال الحلب، وما يبقى في نحو الكرش إذا شقت تنقيته منه، وفي أكثر ذلك نظر ومخالفة لكلامهم.

"وإذا كان الماء قلتين فلا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلا إن تغير طعمه" وحده "أو لونه" وحده "أو ريحه" وحده "ولو" كان "تغيرًا يسيرًا" لفحش النجاسة، ومن ثم فرض النجس المتصل به الموافق له في الصفات كبول منقطع الرائحة بأشدها كلون الحبر وريح المسك وطعم الخل، فإن كان بحيث يغيره أدنى تغير تنجس وخرج بوقوعها فيه تغيره برائحة جيفة على الشط فلا يضر "فإن زال تغيره" الحسي أو التقديري "بنفسه" لنحو طول مكث وهبوب ريح "أو بماء" ضم إليه ولو متنجسًا أو نبع فيه أو نقص منه وبقي قلتان "طهر" لانتفاء علة التنجيس وهي التغير، ولا يضر عوده بعد زواله حيث خلا عن نجس جامد، "أو" زال "بمسك أو كدورة تراب" أو نحوهما "فلا" يطهر لأن الظاهر استتار وصف النجاسة به لا زواله، وأفهم تعبيره بكدورة أن الماء لو صفا منها ولا تغير به طهر ولو وقع النجس في كثير متغير بما لا يضر قدر زواله، فإن فرض تغيره بهذه النجاسة تنجس وإلا فلا، "و" الماء "الجاري" وهو ما نقصان رطلين ويضر نقصان أكثر وقدرهما بالمساحة في المربع ذراع وربع طولًا وعرضًا وعمقًا وفي المدور كالبئر ذراعان عمقًا وذراع عرضًا، وتحرم الطهارة بالماء المسبل للشرب.

1 الكنيف: المرحاض.

2 السرجين: الزبل.

3 الجرة لذوات الظلف والخف: كالمعدة للإنسان.

4 ذرق الطيور: سلحها.

ص: 16

‌فصل: "في الاجتهاد

"

إذا اشتبه عليه طاهر بمتنجس اجتهد وتطهر بما ظن طهارته بعلامة ولو أعمى وإذا

ــ

اندفع في صبب1 أو مستو من الأرض وإلا فهو راكد "كالراكد" فإن كان قلتين لم ينجس إلا بالتغير أو أقل تنجس بمجرد ملاقاة النجس غير المعفو عنه، نعم الجاري وإن تواصل حسًا فهو منفصل حكمًا إذ كل جرية طالبة لما أمامها هاربة مما وراءها فاعتبر تقوي أجزاء الجرية الواحدة بعضها ببعض وهي لما يرتفع وينخفض بين حافتي النهر من الماء عند تموجه تحقيقًا أو تقديرًا، أما الجريات فلا يتقوى بعضها ببعض، فلو وقعت فيه نجاسة وجرت بجرية فموضع الجرية المتنجس بها نجس، وللمارة بعدها حكم غسالة النجاسة وإن لم تجر بجريه فكل جرية تمر عليها دون قلتين تكون نجسة وإن امتد النهر فراسخ إلى أن يجتمع فيه قلتان في محل، وبه يلغز فيقال لنا ماء بلغ آلافًا من القلال وهو نجس مع أنه ليس بمتغير "والقلتان خمسمائة رطل بالبغدادي" وبالمصري أربعمائة وستة وأربعون رطلًا2 "تقريبًا" لا تحديدًا "فلا يضر نقصان رطلين" فأقل "ويضر نقصان أكثر" من رطلين على ما في الروضة "وقدرهما بالمساحة في المربع3 ذراع وربع" بذراع اليد المعتدلة "طولًا وعرضًا وعمقًا" إذ كل ربع ذراع يسع أربعة أرطال بغدادية ومجموع ذلك مائة وخمسة وعشرين ربعًا في خمسة أرباع بسط العمق "وفي المدور كالبئر ذراعان عمقًا" بذراع النجار وهو بذراع اليد المعتدلة قيل ذراع وربع تقريبًا وقيل ذراع ونصف "وذراع عرضًا" وهو ما بين حائطي البئر من سائر الجوانب، وسبب اختلاف المربع والمدور مذكور في المطولات، "وتحرم الطهارة" وغيرها من سائر وجوه الاستعمالات ما عدا الماء "بالماء المسبل للشرب" لكن تصح الطهارة به، ويجب التيمم بحضرته، ومثله ما جهل حاله سواء دلت القرينة على أنه مسبل للشرب كالخوابي الموضوعة في الطرق أو لا كالصهاريج، ويحرم حمل شيء من المسبل إلى غير محله ما لم يضطر إليه.

فصل في الاجتهاد:

وهو كالتحري: بذل المجهود في تحصيل المقصود.

"إذا اشتبه عليه طاهر" من ماء أو تراب أو غيرهما "بمتنجس" أو طهور بمستعمل "اجتهد" أخبره بتنجيسه ثقة وبين السبب أو أطلق وكان فقيهًا موافقًا اعتمده.

1 الصبب: ما انحدر من الأرض، جمعها أصباب.

2 الرطل: معيار يوزن به أو يكال يختلف باختلاف البلاد، وهو في مصر اثنتا عشرة أوقية، والأوقية اثنا عشر درهمًا، انظر المعجم الوسيط "ص352".

3 قوله "المربع" المراد به المكعب؛ لأنه قال بعد: "طولًا وعرضًا وعمقًا".

ص: 17

‌فصل: "في الأواني

"

ويحرم استعمال أواني الذهب والفضة إلا لضرورة واتخاذها ولو إناء صغيرًا

ــ

وجوبًا إن ضاق الوقت ولم يجد غير ذلك الماء أو التراب أو اضطر إلى تناول المتنجس وجوازًا فيما عدا ذلك، "وتطهر بما ظن طهارته" واستعمله لأن التطهر شرط من شروط الصلاة، وحل التناول والاستعمال والتوصل إلى ذلك ممكن بالاجتهاد فوجب عند الاشتباه إن تعين طريقًا كما مر، وللاجتهاد شروط أربعة: أحدها: أن يكون لكل من المشتبهين أصل في التطهير والحل، فلو اشتبه ماء بماء ورد أو طاهر بنجس العين فلا اجتهاد بل يتوضأ بالماء وماء الورد بكل مرة. ثانيها: أن يكون للعلامة فيه مجال فلا يجوز الاجتهاد إلا بعلامة كتغير أحد الإناءين ونقصه واضطرابه وقرب نحو كلب أو رشاش منه لإفادة غلبة الظن حينئذ بخلاف ما إذا لم يكن فيه محال كما لو اختلطت محرمة بنسوة: ثالثها: ظهور العلامة فإن لم يظهر لم يعمل به سواء الأعمى والبصير، ولا يشترط في إدراكها البصر بل يتحرى من وقع له الاشتباه، "ولو" كان "أعمى" فإن له طريقًا في التوصل إلى المقصود كسماع صوت ونقص ماء واعوجاج الإناء واضطراب عطائه فإن لم يظهر له شيء قلد، فإن لم يجد من يقلده أو اختلف عليه مقلدوه تيمم والبصير لا يقلد بل يتيمم، وشرط صحة التيمم إتلاف الماءين لأن أحدهما طهور بيقين والتيمم لا يصح مع وجوده، رابعها: تعدد المشتبه وبقاء المشتبهين فلا اجتهاد في واحد ابتداء ولا انتهاء، ويجب عليه إعادة الاجتهاد لكل طهور ولو مجددًا وإن لم يكفه لوجوب استعمال الناقص، ثم إن وافق اجتهاده الأول فذلك وإلا أتلفهما ثم تيمم "وإذا أخبره بتنجيسه" أي أحد الإناءين "ثقة" ولو عدل رواية كامرأة وعبد "وبين السبب أو أطلق أو كان فقيها موافقًا" للمخبر في باب تنجس المياه "اعتمده" وجوبًا بخلاف ما إذا أطلق وهو عامي أو مخالف فلا يعتمده، وخرج بالثقة الصبي والمجنون والفاسق والكافر فلا يقبل خبرهم إلا إن كان من غير المجانين ولو بلغ عدد التواتر، ومن يخبر عن فعل نفسه فهو مقبول مطلقًا.

فصل في الأواني:

"ويحرم" على المكلف ولو أنثى "استعمال أواني الذهب والفضة" في الطهارة وغيرها لنفسه أو لغيره ولو صغيرًا كسقيه في مسعط فضة لما صح من النهي عن الأكل والشرب فيهما مع اقترانه بالوعيد الشديد1، وقيس بهما سائر وجوه الاستعمال كالاحتواء على

1 روى البخاري في الأشربة، باب 28 "حديث 5633" عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تلبسوا الحرير والديباج فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة"، وروى أيضًا من حديث أم سلمة "رقم5634":"الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" وروى مسلم حديث أم سلمة في اللباس والزينة "حديث1" بنفس لفظ البخاري، ورواه "حديث رقم 2" بلفظ:"من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نارًا من جهنم".

ص: 18

كمكحلة وما ضبب بالذهب، ولا يحرم ما ضبب بالفضة إلا ضبة كبيرة للزينة، ويحل المموه بهما إذا لم يحصل منه شيء بالعرض على النار.

ــ

مجمرة1 وشم رائحتها من قرب بحيث يصير عرفًا متطيبًا بها "إلا لضرورة" بأن لم يجد غيرها "و" يحرم "اتخاذها" لأنه يجر إلى استعمالها المحرم كآلة اللهو المحرمة "ولو" كان مستعملًا "إناء صغيرًا" جدا حتى ساوى الضبة2 المباحة "كـ"ـمرود3 و"مكحلة"4، وخلال5 لعموم النهي عن الإناء "و" يحرم استعمال "ما ضبب بالذهب" مطلقًا أو طليت ضبة به بحيث يتحصل منه شيء بالعرض على النار وإن صغرت الضبة وكان لحاجة لأن الخيلاء فيه أشد. "ولا يحرم ما ضبب بالفضة إلا ضبة كبيرة للزينة" وحدها أو مع الحاجة فتحرم لما فيها من السرف والخيلاء بخلاف الصغيرة لزينة أو الكبيرة لحاجة والصغيرة لحاجة فإنها تحل وإن لمعت من بعد أو كانت بمحل الشرب أو استوعبت جزأ من الإناء لانتفاء الخيلاء مع الكراهة في الأولين وضابط الصغر والكبر العرف ولو شك في الكبر فالأصل الإباحة، والمراد بالحاجة الغرض المتعلق بالتضبيب سوى التزيين كإصلاح كسر وشد وتوثق، "ويحل" الإناء "المموه بهما" أي بالذهب والفضة "إذا لم يحصل شيء منه بالعرض على النار" وإلا حرم أما إناء الذهب والفضة إذا غشي بنحاس أو نحوه بحيث ستره فإنه يحل لأن علة التحريم العين مع الخيلاء وهما موجودان في الأول دون الثاني6 هذا في الاستدامة. أما فعل التمويه والاستئجار له فحرام مطلقًا حتى في الكعبة، ولو فتح فاه للمطر النازل من ميزابها لم يحرم وإن مسه الفم على الأوجه لأنه لا يعد مستعملًا له، وتحل حلقة الإناء ورأسه وسلسلته ولو من فضة لانفصالها عنه مع أنه لا تسمى إناء، ولا ينافي هذا قولهم يحل الاستنجاء بالنقد لأن محله في قطعة لم تطبع ولم تهيأ له وإلا حرم الاستنجاء بها أيضًا، وخرج بأواني الذهب والفضة سائر الأواني ولو من جواهر نفيسة فيحل استعمالها لأن الفقراء يجهلونها فلا تنكسر قلوبهم برؤيتها، نعم يحرم استعمال الإناء النجس في غير جاف وماء كثير لأنه ينجسه.

1 المجمرة: ما يوضع فيه الجمر مع البخور.

2 الضبة: حديدة عريضة يضبب بها الباب، وغلق من خشب ذو مفتاح يغلب به الباب "المعجم الوسيط: ص532".

3 المرود: الميل من الزجاج أو المعدن يكتحل به.

4 المكحلة: الوعاء الذي فيه الكحل، جمعه مكاحل.

5 الخلال: العود الذي يتخلل به.

6 أي أن العين "أي الذهب والفضة" والخيلاء موجودان معًا في الحالة الأولى، وغير موجودين معًا في الحالة الثانية وهي حالة تغشيتهما بنحاس أو نحوه؛ ففي هذه الحالة الثانية وجد العين وانتفت الخيلاء.

ص: 19

‌فصل: "في خصال الفطرة

"

يسن السواك في كل حال ويتأكد للوضوء والصلاة لكل إحرام وإرادة قراءة القرآن والحديث والذكر واصفرار الأسنان ودخول البيت والقيام من النوم وإرادة النوم ولكل حال يتغير فيه الفم، ويكره للصائم بعد الزوال ويحصل بكل خشن لا أصبعه والأراك أولى ثم

ــ

فصل: في خصال الفطرة

"يسن السواك في كل حال" للأحاديث الكثيرة الشهيرة1، ولو أكل نجسًا وجب إزالة دسومته بسواك أو غيره "ويتأكد للوضوء و" التيمم لخبر فيه2 ويتأكد عند إرادة "الصلاة لكل إحرام" ولو لنفل وسجدة تلاوة أو شكر وإن كان فاقد الطهورين ولم يتغير فمه واستاك للوضوء وقرب الفصل للخبر الصحيح:"ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بغير سواك" 3، ويظهر أنه لو خشي تنجس فمه لم يندب لها وأنه لو تذكر فيها أنه تركه تداركه بفعل قليل، "و" عند "إرادة قراءة القرآن والحديث والذكر" وكذا كل عمل شرعي ويكون قبل الاستعاذة. و"اصفرار الأسنان "يعني تغيرها وإن لم يتغير فمه "و" عند "دخول البيت" أي المنزل ويصح أن يراد به الكعبة إذ يتأكد لدخول كل مسجد "و" عند "القيام من النوم" لأنه يورث التغير، "و" عند "إرادة النوم" لأنه يخفف التغير الناشئ منه، "و" يتأكد أيضًا "لكل حال يتغير فيه الفم" وعند كل طواف وخطبة وأكل وبعد الوتر وفي السحر وللصائم قبل أوان الخلوف وعند الاحتضار؛ لأنه يسهل طلوع الروح، ويسن التخلل قبل السواك وبعده ومن أثار الطعام، "ويكره للصائم بعد الزوال" وإن احتاج إليه لتغير حدث في فمه من غير الصوم كأن نام أو أكل ذا ريح كريه ناسيًا لأنه يزيل الخلوف المطلوب إبقاؤه فإنه عند الله أطيب من ريح المسك4 ولو لم يتعاط مفطرًا

1 من هذه الأحاديث: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب". رواه النسائي في الطهارة باب 4، وابن ماجه في الطهارة باب 7، وأحمد في المسند "6/ 47، 62، 124"، ومنها:"عشر من الفطرة"

وذكر منها السواك؛ رواه مسلم في الطهارة حديث 56، وأبو داود في الطهارة باب29، ورواه غيرهما ومنها:"أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح" ، رواه الترمذي في النكاح باب1، وأحمد في المسند "1/ 421"، ويوجد أحاديث أخرى كثيرة في هذا الباب.

2 رواه البخاري في الجمعة باب8، ومسلم في الطهارة حديث 42، ومالك في الطهارة حديث 114؛ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك"، والمقصود: عند كل وضوء؛ فقد رواه مالك "حديث 115" عن أبي هريرة أنه قال: "لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء".

3 رواه البيهقي في السنن الكبرى "1/ 38" في كتاب الطهارة "حديث رقم 160" من حديث عائشة بلفظ: "الركعتان بعد السواك أحب إليّ من سبعين ركعة قبل السواك"؛ ورواه أيضًا "حديث رقم 161" بلفظ: "صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك".

4 للحديث الصحيح: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". رواه البخاري في الصوم باب 2 و9، واللباس باب 78، ومسلم حديث 162-164، والترمذي في الصوم باب54، والنسائي في الصيام باب 41-43 وابن ماجه في الصيام باب1، ومالك في الصيام حديث 58، وأحمد في عدة مواضع من مسنده.

ص: 20

النخل، ويستحب أن يستاك بيابس ندي بالماء وأن يستاك عرضًا إلا في اللسان وأن يدهن غبًا ويكتحل وترًا ويقص الشارب ويقلم الظفر وينتف الإبط ويزيل شعر العانة ويسرح

ــ

يتولد منه تغير الفم ليلًا كره له السواك من بعد الفجر لأنه يزيل الخلوف الناشئ من الصوم دون غيره، "ويحصل" فضله "بكل خشن" ولو نحو أشنان1 بخلافه بنحو ماء الغاسول2، وإن نقى الأسنان وأزال القلح3 لأنه لا يسمى سواكًا "لا أصبعه" المتصلة به وإن كان خشنة لأنها لا تسمى سواكًا لأنها جزء منه، أما أصبع غيره أو أصبعه المنفصلة عنه فتجزئ إن كان خشنة وإن وجب دفنها فورًا، "والأراك أولى ثم النخل" ثم ذو الريح ثم الطيب ثم اليابس المندى بالماء ثم العود ولا يكره بسواك الغير إذا أذن وإلا حرم.

و"يستحب" إذا لم يجد سواكًا رطبًا أو لم يرد الاستياك به "أن يستاك بيابس ندي بالماء" لا بغيره لأن في الماء من التنظيف المقصود ما ليس في غيره. "وأن يستاك عرضًا" أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها لحديث مرسل فيه، ويكره طولًا لأنه قد يدمي اللثة ويفسدها "إلا في اللسان" فيسن فيه طولًا لحديث فيه4 ويكره بمبرد ومع الكراهة يحصل له أصل السنة، ويسن كونه باليد اليمنى وإن كان لإزالة تغير لأن اليد لا تباشره، وأن يبدأ بجانب فمه الأيمن ويذهب إلى الوسط ثم الأيسر ويذهب إليه "و" يستحب "أن يدهن غبًا" أي وقتًا بعد وقت "و" أن "يكتحل وترًا" ثلاثة في العين اليمنى ثم ثلاثة في اليسرى "و" أن "يقص الشارب" حتى تبين حمرة الشفة بيانًا ظاهرًا ولا يزيد على ذلك، وهذا هو المراد بإحفاء الشوارب الوارد في الحديث5 كما قال النووي، واختار بعض المتأخرين أن حلقه سنة أيضًا لحديث فيه6 "و" أن "يقلم الظفر" والأفضل أن يبدأ بسبابة يده اليمنى ثم الوسطى فالبنصر

1 الأشنان: شجر من الفصيلة الرمرامية ينبت في الأرض الرملية، يستعمل هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي "المعجم الوسيط: ص19".

2 الغاسول: عشب حولي ينبت في صحاري مصر "المعجم الوسيط: ص652".

3 القلح والقلاح: صفرة أو خضرة تعلو الأسنان.

4 وهو ما رواه البخاري في الوضوء باب 73 "حديث 244" عن أبي بردة عن أبيه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته يستن بسواك بيده يقول: أع أع، والسواك في فيه كأنه يتهوع" ورواه أيضًا أبو داود في الطهارة باب26.

5 ولفظه: "أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى"، رواه البخاري في اللباس باب64، ومسلم في الطهارة حديث 52- 55، والترمذي في الأدب باب 18، والنسائي في الطهارة باب14، وأحمد في المسند "2/ 16، 52، 239، 283، 256، 365، 366، 387، 410، 489".

6 روى البخاري في اللباس باب 63 "حديث 5888" عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من الفطرة قص الشارب"، ورواه أيضًا "حديث 5889" عن أبي هريرة:"الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب". وروى أيضًا "حديث رقم 5893" عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى"، والنهك: المبالغة في كل شيء كما في لسان العرب.

ص: 21

اللحية ويخضب الشيب بحمرة أو صفرة والمزوجة يديها ورجليها بالحناء، ويكره القزع ونتف الشيب ونتف اللحية والمشي في نعل واحد والانتعال قائمًا

ــ

فالخنصر فالإبهام فخنصر اليسرى فالبنصر فالوسطى فالسبابة فالإبهام، أما رجلاه فيقلمهما كما يخللهما في الوضوء. "و"أن "ينتف الإبط" ويحصل أصل السنة بحلقه هذا إن قدر على النتف وإلا فالحلق أفضل. "و" أن "يزيل شعر العانة" والأولى للذكر حلقه وللمرأة نتفه ولا يؤخر ما ذكر عن وقت الحاجة ويكره كراهة شديدة تأخيرها عن أربعين يومًا، ويسن أيضًا غسل البراجم وهي عقد طهور الأصابع وإزالة وسخ معاطف الأذن والأنف وسائر البدن "و" أن "يسرح اللحية و" أن "يخضب الشيب بحمرة أو صفرة" للاتباع ويحرم السواد إلا لإرهاب الكفار كغاز "و" أن تخضب المرأة "المزوجة يديها ورجليها بالحناء" إن كان زوجها يحب ذلك، ويسن البداءة في كل ذلك باليمنى، أما غيرها فلا يندب لها ذلك بل يحرم عليها الخضب بالسواد وتطريف الأصابع وتحمير الوجنة إن كانت خلية أو لم يأذن حليلها، وكذا يحرم عليها وصل شعرها بشعر نجس أو بشعر آدمي مطلقًا، وكذا بالطاهر على الخلية والمزوجة والمملوكة بغير إذن حليلها والوشر وهو تحديد أطراف الأسنان وتفريقها كالوصل بشعر طاهر ولا بأس بتصفيف الطرر1 وتسوية الأصداغ، "ويكره القزع" وهو حلق بعض الرأس للنهي عنه2 ولا بأس بحلق جميعه لمن لا يخف عليه تعهده وتركه لمن يخف عليه ولو خشي من تركه مشقة سن له حلقه وفرقه سنة "ونتف الشيب" لأنه نور بل قال في المجموع3 ولو قيل بتحريمه لم يبعد ونص عليه في الأم4 "ونتف اللحية" إيثارًا للمرودة وطليها بالكبريت استعجالا للشيخوخة وتصفيفها طاقة فوق طاقة تحسينًا والزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذارين من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس، ونتف جانبي العنفقة وتركها شعثة إظهارًا لقلة المبالاة بنفسه والنظر في بياضها وسوادها إعجابًا وافتخارًا، ولا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب، "و" ويكره بلا عذر "المشي في نعل واحد" للنهي الصحيح عنه5، والمعنى فيه أن مشيه يختل بذلك، وقيل لما فيه من ترك العدل

1 الطرر" جمع طرة، وهي ما تطره المرأة من الشعر الموفي على جبهتها وتصففه، وهي القصة "المعجم الوسيط: ص554".

2 وهو حديث ابن عمر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع" رواه البخاري في اللباس باب 72، ومسلم في اللباس والزينة حديث 72 و113، وأبو داود في الترجل باب14.

3 "المجموع في شرح المهذب لأبي إسحاق الشيرازي" للإمام النووي المتوفى سنة 676هـ، بلغ فيه إلى باب الربا، ثم أخذه الشيخ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي المتوفى سنة 756 فأكمله، انظر كشف الظنون "ص1912" وهدية العارفين "2/ 525".

4 كتاب "الأم" للإمام الشافعي.

5 روى البخاري في اللباس باب 40، ومسلم في اللباس والزينة "حديث 68" من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يمش أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعًا أو ليخلعهما جميعًا" وروى مسلم أيضًا في اللباس "حديث 70" عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله أو يمشي في نعل واحدة

".

ص: 22

‌فصل: "في الوضوء

"

فروض الوضوء ستة:

الأول: نية رفع الحدث أو الطهارة للصلاة أو نحو ذلك عند غسل الوجه وينوي

ــ

بين الرجلين وكالنعل الخف ونحوه. "والانتعال قائمًا" للنهي الصحيح عنه1 أيضًا ولأنه يخشى منه سقوطه، وإطالة العذبة2 والثوب والإزار عن الكعبين لا للخيلاء وإلا حرم، ولبس الخشن لغير غرض شرعي خلاف الأولى، ويسن أن يبدأ بيمينه لبسًا وبيساره خلعًا وأن يخلع نعليه إذا جلس وأن يجعلهما وراءه أو بجنبه إلا لعذر كخوف عليهما، وأن يطوي ثيابه ذاكرًا اسم الله، وأن يجعل عذبته بين كتفيه وكمه إلى رسغه، وللمرأة إرسال ثوبها على الأرض ذراعًا، ولا يكره إرسال العذبة ولا عدمه.

فصل: في الوضوء

وهو معقول المعنى وفرض مع الصلاة على الأوجه قبل الهجرة بسنة وهو من خصائص هذه الأمة بالنسبة لبقية الأمم لا لأنبيائهم، وموجبه الحدث وإرادة فعل ما يتوقف عليه، وكذا يقال في الغسل.

"وفروض الوضوء ستة" الأول: النية لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" 3 أي إنما صحتها بالنية فتجب إما "نية رفع حدث" أي رفع حكمه وإن نوى بعض أحداثه كأن نام وبال فنوى رفع حدث النوم لا البول لأن الحدث لا يتجزأ فإذا ارتفع بعضه ارتفع كله، وكذا لو نوى غير رفع حدثه كأن نام فنوى رفع حدث البول لكن بشرط أن يكون غالطًا وإلا كان متلاعبًا "أو" نية "الطهارة للصلاة" أو نحوهما أو الطهارة عن الحدث، ولا يكفي فيه نية الطهارة فقط ولا الطهارة الواجبة على الأوجه "أو" نية "نحو ذلك" كنية أداء الوضوء أو فرضه أو الوضوء وإنما لم تصح نية الغسل؛ لأنه قد يكون عادة بخلاف الوضوء، وكنية استباحة مفتقر إلى الوضوء كالصلاة وإن لم يدخل وقتها كالعيد في رجب وطواف وإن كان في الهند مثلا.

1 حديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائمًا" رواه عن جابر: أبو داود في اللباس باب 41، والترمذي في اللباس باب35، وابن ماجه في اللباس باب 30.

2 العذبة: طرف الشيء؛ يقال: عذبة السوط، وعذبة اللسان، وعذبة العمامة، والمراد هنا عذبة العمامة.

3 رواه البخاري في بدء الوحي باب1، والإيمان باب 41، والنكاح باب 5، والطلاق باب11، ومناقب الأنصار باب 45، والعتق باب 6، ومسلم في الإمارة حديث رقم 155، ورواه أيضًا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد.

ص: 23

سلس البول ونحوه استباحة فرض الصلاة وإن توضأ للسنة نوى استباحة الصلاة.

الثاني: غسل الوجه وحده ما بين منابت شعر رأسه ومقبل ذقنه وما بين أذنيه فمنه الغمم والهدب والحاجب والعذار والعنفقة بشرًا وشعرًا وإن كثف وشعر اللحية وشعر

ــ

ولا يعتد بالنية إلا إن كانت "عند غسل الوجه" فإن غسل جزأ منه قبلها لغا فإذا قرنها بجزء بعده كان الذي قارنها وهو أوله ووجب إعادة غسل ما تقدم عليها ثم المتوضئ إما سليم وإما سلس فالسليم يصح وضوؤه بجميع النيات السابقة بخلاف السلس. "و" من ثم "ينوي سلس البول ونحوه" كالمذي1 والودي2 "استباحة فرض الصلاة" أو غيرها من النيات السابقة لا رفع الحديث والطهخارة عنه لأن حدثه لا يرتفع ويستبيح السلس بذلك ما يستبيحه المتيمم مما يأتي وإنما تلزمه نية استباحة الفرض إن توضأ لفرض. "وإن توضأ لسنة نوى استباحة الصلاة" ولو نوى المتوضئ مع نية الوضوء تبردًا أو تنظفًا كفى، لكن إن نوى ذلك في الأثناء اشترط أن يكون ذاكرًا لنية الوضوء وإلا لم يصح ما بعدها لوجود الصارف، وكذا لو بقي رجلاه مثلا فسقط في نهر لم يرتفع حدثهما إلا إن كان ذاكرًا لها، بخلاف ما لو غسلهما فإنه يرتفع مطلقًا ولا يقطع نية الاغتراف حكم النية السابقة وإن عزبت3 لأنها لمصلحة الطهارة لصونها ماؤها عن الاستعمال، ومتى شرك بين عبادة وغيرها لم يثب مطلقًا عن ابن عبد السلام4، وعند الغزالي5 إن غلب باعث الآخرة أثيب وإلا فلا، وكلام المجموع وغيره في الحج يؤيده.

الفرض "الثاني: غسل" ظاهر "الوجه" أي انغساله وكذا يقال في سائر الأعضاء للآية6 "وحده" طولا "ما بين منابت شعر رأسه" أي ما من شأنه ذلك "و""مقبل ذقنه و" عرضًا "ما بين أذنيه فمنه الغمم" وهو ما ينبت عليه الشعر من جبهة الأغم إذ لا عبرة بنباته في غير

1 المذي: ماء رقيق يخرج من مجرى البول من إفراز الغدد المبالية عند الملاعبة والتقبيل من غير إرادة، "المعجم الوسيط، ص860".

2 الودي: الماء الرقيق الأبيض الذي يخرج في إثر البول في إفراز البروستاتة "المعجم الوسيط: ص1022".

3 عزب الشيء عزوبًا: بعد وخفي.

4 هو عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي الدمشقي الشافعي، فقيه، مشارك في الأصول والعربية والتفسير، ولد بدمشق سنة 577 أو 578هـ، وتوفي بالقاهرة في جمادى الأولى سنة 660هـ، انظر معجم المؤلفين "2/ 162".

5 هو الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، حكيم، متكلم، فقيه، أصولي، صوفي، مشارك في أنواع من العلوم، ولد بالطابران إحدى قصبتي طوس بخراسان سنة 450 أو 451هـ، وتوفي بها سنة 505هـ "معجم المؤلفين: 3/ 671".

6 الآية 6 من سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ

} .

ص: 24

العارض إن خف غسل ظاهره وباطنه وإن كثف غسل ظاهره، ويستحب تخليل اللحية الكثة بأصابعه من أسفل.

الثالث: غسل اليدين مع المرفقين وما عليهما.

الرابع: مسح شيء من بشرة الرأس أو شعره في حده.

ــ

محله كما لا عبرة بانحسار شعر الناصية. "و" منه "الهدب والحاجب والعذار" وهو الشعر النابت على العظم الناتئ بقرب الأذن ومنه البياض الذي بينه وبين الأذن "والعنفقة" فيجب غسل جميع الوجه الشامل لما ذكره وغيره "بشرًا" حتى ما يظهر من حمرة الشفتين مع إطباق الفم وما يظهر من أنف المجدوع لا غير "وشعرًا" ظاهرًا وباطنًا "وإن كثف" لأن كثافته نادرة، نعم ما خرج عن حد الوجه لا يجب غسل باطنه إن كثف، ويجب غسل جزء من ملاقي الوجه من سائر الجوانب إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكذا يزيد أدنى زيادة في اليدين والرجلين، وأفاد كلامه أن ما أقبل من اللحيين من الوجه دون النزعتين وهما بياضان يكتنفان الناصية ودون موضع الصلع وهو ما بينهما إذا انحسر عنه الشعر ودون موضع التحذيف وهو ما ينبت عليه الشعر من ابتداء العذار والنزعة ودون وتد الأذن لكن يسن غسل جميع ذلك وأن يأخذ الماء بيديه جميعًا للاتباع وما مر في الشعر محله في غير اللحية والعارض. "وشعر اللحية" الإضافة فيه بيانية إذ اللحية الشعر النابت بمجتمع اللحيين. "وشعر العارض" الإفاضة فيه كذلك إذ هو الشعر الذي بين اللحية والعذار "إن خف" بأن كانت البشرة ترى من خلاله في مجلس التخاطب "غسل ظاهره وباطنه" سواء أخرج عن حد الوجه أم لا، "وإن كثف" بأن لم تر منه البشرة كذلك "غسل ظاهره" ولا يجب غسل باطنه للمشقة إن كان من رجل، فإن كان من امرأة أو خنثى غسل باطنه مطلقًا، ولو خف البعض وكثف البعض فلكل حكمه إن تميز وإلا وجب غسل الكل، ولو خلق له وجهان غسلهما أو رأسان مسح بعض أحدهما؛ لأن كلا منهما يسمى وجهًا ورأسًا. "ويستحب تخليل اللحية الكثة" وغيرها مما لا يجب غسل باطنه "بأصابعه" اليمنى "من أسفل" للاتباع.

"الثالث: غسل اليدين مع المرفقين" للآية والمرفق مجتمع عظم الساعد والعضد فإن أبين الساعد وجب غسل رأس عظم العضد. "و" يجب غسلهما مع غسل "ما عليهما" من شعر وإن كثف وأظفار وإن طالت كيد نبتت بمحل الفرض وسلعة1 وباطن ثقب أو شق فيه، نعم إن كان لهما غور في اللحم لم يجب إلا غسل ما ظهر منهما، وكذا يقال في سائر الأعضاء، ولو خلق له يدان واشتبهت الزائدة بالأصلية وجب غسلهما.

"الرابع: مسح شيء" وإن قل "من بشرة الرأس" كالبياض الذي وراء الأذن. "أو" من

1 السلعة: زيادة تحدث في الجسم في العنق وغيره، تكون قدر الحمصة أو أكبر "المعجم الوسيط: ص443".

ص: 25

الخامس: غسل الرجلين مع الكعبين وشقوقهما.

السادس: الترتيب، فلو غطس صح وضوءه وإن لم يمكث وتجب الموالاة في وضوء دائم الحدث واستصحاب النية حكمًا.

ــ

"شعره" أو من شعرة منه للآية مع ما صح من مسحه صلى الله عليه وسلم بناصيته وعلى عمامته1، وإنما يجزئ مسح شعر الرأس إن كان داخلًا "في حده" بحيث لا يخرج الممسوح عن الرأس بالمد من جهة نزوله من أي جانب كان ويجزئ غسله وبله بلا كراهة وليس الأذنان منه وخبر:"الأذنان من الرأس"2 ضعيف.

"الخامس: غسل الرجلين مع الكعبين" للآية وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم "و" مع "شقوقهما" وغيرهما مما هو في اليدين ويجب إزالة ما يذاب في الشق من نحو شمع.

"السادس: الترتيب" كما ذكر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتوضأ إلا مرتبًا، فلو قدم عضوًا على محله لم يعتد به، ولو غسل أربعة أعضائه معًا ارتفع حدث وجهه فقط ويكفي وجود الترتيب تقديرًا "فلو غطس" ناويًا ولو في ماء قليل كما مر "صح وضوؤه وإن لم يمكث" زمنًا يمكن فيه الترتيب أو أغفل لمعة3 من غير أعضاء الوضوء لحصوله تقديرًا في أوقات لطيفة لا تظهر في الحس وخرج بغطس ما لو غسل أسافله قبل أعاليه فإنه لا يجزئ لعدم الترتيب حسًا حينئذ ويسقط وجوبه عن محدث أجنب، ومن ثم لو غسل جنب ما سوى أعضاء الوضوء ثم أحدث لم يجب ترتيبها، "وتجب الموالاة في وضوء دائم الحدث" فيجب عليه أن يوالي بين الاستنجاء والتحفظ وبينهما وبين الوضوء وبين أفعاله وبينه وبين الصلاة تخفيفًا للحدث ما أمكن، "و" يجب في كل وضوء "استصحاب النية حكمًا" ولا يتركها قبل تمام الوضوء بأن لا يأتي بما ينافيها كردة أو قطع وإلا احتاج إلى استئنافها، وإذا أحدث في أثناء الوضوء أو قطعه أثيب على الماضي إن كان لعذر وإلا فلا.

1 رواه مسلم في الطهارة "حديث 81 و83" عن المغيرة بن شعبة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين" نص الحديث رقم 83.

2 رواه أبو داود في الطهارة باب 51، والترمذي في الطهارة باب 29، وابن ماجه في الطهارة باب 53 من حديث عبد الله بن زيد وأبي أمامة وأبي هريرة، وفي زوائد ابن ماجه: إسناد حديث أبي هريرة ضعيف لضعف عمرو بن الحصين ومحمد بن عبد الله.

3 اللمعة: الموضع لا يصيبه الماء في الوضوء أو الغسل.

ص: 26

‌فصل: "في سنن الوضوء

"

وسننه السواك، ثم التسمية مقرونة بالنية مع أول غسل الكفين والتلفظ بالنية واستصحابها، فإن ترك التسمية في أوله ولو عمدًا أتى بها قبل فراغه فيقول: بسم الله أوله وآخره كما في الأكل والشرب ثم غسل الكفين، فإن لم يتيقن طهرهما كره غمسهما في الماء القليل ومائع قبل غسلهما ثلاث مرات ثم المضمضة ثم الاستنشاق، والأفضل الجمع

ــ

فصل: في سنن الوضوء

والسنة والتطوع والمندوب والنفل والحسن والمرغب فيه ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.

"وسننه" كثيرة ذكر المصنف بعضها فمنها: "السواك" لما مر وينوي به سنة الوضوء بناء على ما مشى عليه المصنف تبعًا لجماعة من أنه قبل التسمية، والمعتمد أن محله بعد غسل الكفين وقبل المضمضة فحينئذ لا يحتاج لنية إن نوى عند التسمية لشمول النية له كغيره. "ثم التسمية" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:"توضؤوا باسم الله" 1 أي قائلين ذلك وخبر: "لا وضوء لمن لم يسم الله" 2 محمول على الكمال وأقلها باسم الله وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم، والسنة أن يأتي بالبسملة "مقرونة بالنية مع أول غسل الكفين" فينوي معها غسل الكفين بأن يقرنها بها عند أول غسلهما ثم يتلفظ بها سرًا عقيب التسمية، فالمراد بتقديم النية على غسل الكفين تقديمها على الفراغ منه. "و" منها "التلفظ بالنية" عقيب التسمية كما تقرر وعند غسل الوجه إن أخرها إليه ليساعد اللسان القلب. "واستصحابها" بقلبه من أول وضوئه إلى آخره لما فيه من مزيد الحضور المطلوب في العبادة ومر أن استصحابها حكمًا شرط. "فإن ترك التسمية في أوله" أي الوضوء "ولو عمدًا أتى بها قبل فراغه فيقول بسم الله في أوله وآخره كما" يسن الإتيان بها "في" أثناء "الأكل والشرب" إذا تركها أولهما ولو عمدًا لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، لكن الوارد في حديث الترمذي وغيره "أوله وآخره" بإسقاط "في" أما في فراغ الوضوء فلا يأتي بها وكذا بعد فراغ الأكل والشرب على الأوجه، "ثم" بعد التسمية المقرونة بالنية "غسل الكفين" إلى الكوعين وإن لم يقم من النوم ولا أراد إدخالهما الإناء ولا شك في طهرهما والأفضل غسلهما معًا، ومر أن المراد بتقديم النية المقرونة بالتسمية على غسلهما الذي أشار إليه المصنف ثم تقديمها على الفراغ منه، "فإن لم يتيقن طهرهما" بأن تردد فيه على السواء أو لا "كره" له "غمسهما في الماء القليل" دون الكثير "و" في "مائع" وإن كثر "قبل غسلهما ثلاث مرات"

1 رواه النسائي في الطهارة باب 61، وأحمد في المسند "3/ 165" والبيهقي في السنن الكبرى "1/ 43".

2 رواه بهذا اللفظ الدولابي في الكنى والأسماء "1/ 36، 120" والزيلعي في نصب الراية "1/ 3" والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "2/ 352" والمنذري في الترغيب والترهيب "1/163" ورواه بلفظ: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" أبو داود والترمذي وأحمد والبيهقي والدارقطني وغيرهم كثير.

ص: 27

بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ثم يستنشق بباقيها والمبالغة فيهما لغير الصائم وتثليث كل من الغسل والمسح والتخليل ويأخذ الشاك باليقين، ومسح جميع الرأس، فإن

ــ

سواء أقام من نوم أم لا لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم المستيقظ عن غمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا1، وعلله بأنه لا يدري أين باتت يده الدال على أن المقتضي للغسل التردد في نجاسة اليد بسبب النوم لاستجمارهم بالحجر وألحق به التردد بغيره، ولا تزول الكراهة إلا بالغسل ثلاثا كما أفهمه كلام المصنف كالحديث وإن تيقنت الطهارة بالأولى لذكر الثلاث في الحديث، أما إذا تيقن ظهرهما أو كان الماء قلتين أو أكثر فهو مخير إن شاء قدم الغسل على الغمس أو أخره عنه، وهذه الثلاثة هي المندوبة أول الوضوء لكن يسن تقديمها عند التردد على الغمس. "ثم المضمضة ثم الاستنشاق" للاتباع ويحصل أقلهما بإصال الماء إلى الفم والأنف والجمع بينهما أفضل من الفصل لأن روايته صحيحة2 ويحصل بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا "والأفضل الجمع" بينهما "بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ثم يستنشق بباقيها" لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بذلك، ويحصل أصل السنة بالفصل بأن يتمضمض بثلاث غرفات ثم يستنشق بثلاث غرفات أو يتمضمض ثلاثا من غرفة ثم يستنشق ثلاثا من غرفة وهذه أفضل وإن كانت الأولى أنظف، وأفهم عطفه بـ"ثم" أن الترتيب بين غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق مستحق لا مستحب فما تقدم عن محله لغو، فلو أتى بالاستنشاق مع المضمضة أوقدمه عليها أو اقتصر عليه لم يحسب، ولو قدمها على غسل الكفين حسب دونهما على المعتمد. "و" الأفضل "المبالغة فيهما" بأن يبالغ بالماء في المضمضة إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثات مع إمرار الأصبح اليسرى على ذلك وفي الاستنشاق بتصعيد النفس إلى الخيشوم من غير استقصاء لئلا يصير سعوطا مع إدخال الأصبع اليسرى ليزيل ما فيه من أذى هذا "لغير الصائم" أما الصائم فتكره له المبالغة فيهما خشية الإفطار "وتثليث كل من الغسل والمسح والتخليل" والدلك والسواك والذكر كالتسمية والدعاء للاتباع في أكثر ذلك. "ويأخذ الشاك باليقين" وجوبا في الواجب وندبا في المندوب، فلو شك في استيعاب عضو وجب عليه استيعابه، أو هل غسل يده ثلاثا أو اثنتين جعله اثنتين

1 لحديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده". رواه مسلم في الطهارة حديث 87، وأبو داود في الطهارة باب 49، والترمذي في لطهارة باب 19، والنسائي في الطهارة باب 1، وأحمد في المسند "2/ 241، 289، 455، 471، 507".

2 عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري قال: قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا إناء فأكفأ منها على يديه، فغسلهما ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها، فمضمض واستنشق من كف واحدة

إلخ. رواه مسلم في الطهارة حديث 18، وهذا لفظه؛ والبخاري في الوضوء باب 41، وأحمد في المسند "4/ 42".

ص: 28

لم يرد نزع ما على رأسه مسح جزأ من الرأس ثم تممه على الساتر ثلاثا ثم مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد وصماخيه بماء جديد، وتخليل أصابع اليدين بالتشبيك، وأصابع الرجلين بخنصر اليد اليسرى من أسفل خنصر اليمنى إلى خنصر اليسرى والتتابع

ــ

وغسل ثالثة ولا نظر إلى احتمال زيادة رابعة وهي مكروهة لأنها لا تكره إلا إن تحقق أنها رابعة، ويجب ترك التثليث كسائر السنن لضيق الوقت وقلة الماء واحتياج إلى الفاضل لعطش محترم، ويسن ترك ذلك لإدراك جماعة ما لم يرج جماعة أخرى، والتثليث في مسح الخف والعمامة والجبيرة خلاف الأولى "ومسح جميع الرأس" للاتباع والذي يقع فرضا هو القدر المجزئ فقط، والأكل وضع مسبحتيه على مقدم رأسه وإبهاميه على صدغيه ثم يذهب بهما معا ما عدا الإبهامين لقفاه ثم يرد إن كان له شعر ينقلب ولا يحسب الرد مرة ثانية هذا إن لم يكن على رأسه عمامة أو نحوها. "فإن" كان و"لم يرد نزع ما على رأسه" وإن سهل "مسح جزأ من الرأس" والأولى أن يكون الناصية "ثم تممه" أي المسح "على الساتر" وقوله "ثلاثا" إن أراد به أن يمسح الجزء الذي من الرأس ثلاثا فصحيح أو أنه يمسح الساتر ثلاثا فضعيف لما مر من أن التثليث فيه خلاف الأولى لأنه خلاف الاتباع. "ثم" السنة بعد مسح الرأس "مسح" جميع "الأذنين ظاهرهما وباطنهما" والأفضل مسحهما "بماء جديد" فلا يكفي ببلل المرة الأولى من الرأس. "و" مسح "صماخيه" وهما خرقا الأذنين والأفضل أن يكون "بماء جديد" غير ماء الرأس والأذنين، فلو مسحهما بمائهما حصل أصل السنة كما لو مسحهما أو الأذنين بماء ثانية الرأس أو ثالثته، والأحب في كيفية مسحهما مع الصماخين أن يمسح برأس مسبحتيه صماخيه وبباطن أنملتيهما باطن الأذنين ومعطفهما ويمر إبهاميه على ظاهرهما ثم يلصق كفيه مبلولتين بهما استظهارا. "ويسن" غسلهما مع الوجه ومسحهما مع الرأس و"تخليل أصابع اليدين" والرجلين لما صح من الأمر به1 والأولى كونه في أصابع اليدين "بالتشبيك" لحصول المقصود بسرعة وسهولة وإنما يكره لمن بالمسجد ينتظر الصلاة "و" في "أصابع الرجلين بخنصر اليد اليسرى" أو اليمنى كما في المجموع والأولى أن يبدأ "من أسفل خنصر" الرجل "اليمنى" ويستمر على التوالي "إلى خنصر" الرجل "اليسرى" لما في ذلك من السهولة مع المحافظة على التيامن ومحل ندبه حيث وصل الماء بدونه وإلا وجب، نعم إن التحمت أصابعه حرم فتقها. "والتتابع" بين أفعال وضوئه بأن يشرع في تطهير كل عضو قبل جفاف ما قبله مع اعتدال الهواء والمزاج والزمان والمكان ويقدر الممسوح مغسولا وذلك للاتباع.

1 روى الترمذي في الطهارة باب 30، وابن ماجه في الطهارة باب 54، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء واجعل الماء بين أصابع يديك ورجليك".

ص: 29

والتيامن وإطالة غرته وتحجيله وترك الاستعانة بالصب إلا لعذر، والنفض والتنشيف بثوب إلا لحر أو برد أو خوف نجاسة وتحريك الخاتم والبداءة بأعلى الوجه والبداءة في اليد

ــ

"والتيامن" أي تقديم اليمنى على اليسرى للأقطع ونحوه في كل الأعضاء ولغيره في يديه ورجليه فقط ولو لابس خف لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يحب التيامن في شأنه كله"1 مما هو من باب التكريم كتسريح شعر وطهور واكتحال وحلق ونتف إبط وقص شارب ولبس نحو نعل وثوب وتقليم ظفر ومصافحة وأخذ وإعطاء، ويكره ترك التيامن، "وإطالة غرته وتحجيله" لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك2 ويحصلان بغسل أدنى زيادة على الواجب، وغاية تطويل الغرة أن يستوعب صفحتي عنقه ومقدم رأسه وتطويل التحجيل أن يستوعب عضديه وساقيه ويسن وإن ذهب محل الفرض من اليدين والرجلين، "وترك الاستعانة بالصب" عليه "إلا لعذر" لأنها ترفه لا يليق بحال المتعبد فهي خلاف الأولى وإن لم يطلبها أو كان المعين كافرًا لا مكروهة، نعم إن قصد بها تعليم المعين لم يكره فيما يظهر وهي في إحضار الماء مباحة وفي غسل الأعضاء بلا عذر مكروهة وتجب على العاجز ولو بأجرة مثل إن فضلت عما يعتبر في زكاة الفطر وإلا صلى بالتيمم وأعاد "و" ترك "النفض" لأنه كالتبري من العبادة فهو خلاف الأولى لا مباح على المعتمد. "و" ترك "التنشيف بثوب إلا لحر أو برد أو خوف نجاسة" بلا عذر وإن لم يبالغ فيه لأنه صلى الله عليه وسلم أتى بمنديل بعد غسله من الجنابة فرده3 ويتأكد سنة في الميت وإذا خرج عقب الوضوء في هبوب ريح بنجس أو آلمه شدة نحو برد أو كان يتيمم، وكأن المصنف تبع في قوله بثوب قول مجلى الأولى تركه بنحو ذيله أو طرف ثوبه لكنه مردود لأنه صلى الله عليه وسلم فعله بهما4، والأولى وقوف

1 رواه البخاري في الصلاة باب 47، والأطعمة باب 5، ومسلم في الطهارة حديث 66 و67، وأبو داود في اللباس باب 41، والترمذي في الجمعة باب 75، والنسائي في الطهارة باب 89، والغسل باب 17، والزينة باب 8 و62، وابن ماجه في الطهارة باب 42، وأحمد في المسند "6/ 94، 130، 147، 188، 302، 310".

2 لما ورد في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله"، وفي لفظ آخر:"إن أمتي يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". رواه البخاري في الوضوء باب 3، ومسلم في الطهارة حديث 34 و35، وأحمد في المسند "2/ 334، 362، 400، 523".

3 عن ابن عباس عن خالته ميمونة قالت: "أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثًا ثم أدخل يده في الإناء ثم أفرغ به على فرجه وغسله بشماله ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكًا شديدًا ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه ثم غسل سائر جسده ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده". رواه مسلم في الحيض "حديث 37" وفي حديث آخر عن ميمونة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمنديل فلم يمسه وجعل يقول بالماء هكذا؛ يعني ينفضه". رواه البخاري في الغسل باب 7، ومسلم في الحيض "حديث 38".

4 فقد روى الترمذي في الطهارة "باب 40" من حديث معاذ قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه".

ص: 30

والرجل بالأصابع، فإن صب عليه غيره بدأ بالمرافق والكعب ودلك العضو ومسح الساقين والاستقبال ووضع الإناء عن يمينه إن كان واسعًا، وأن لا ينقص ماؤه عن مد، وأن لا يتكلم في جميع وضوءه إلا لمصلحة، ولا يلطم وجهه بالماء ولا يمسح الرقبة

ــ

حامل المنشفة على اليمين والمعين على اليسار لأنه الأمكن "و" يسن "تحريك الخاتم" لأنه أبلغ في إيصال الماء إلى ما تحته فإن لم يصل إلا بالتحريك وجب "والبداءة بأعلى الوجه" للاتباع ولكونه أشرف.

"والبداءة في" غسل "اليد والرجل" أي كل يد ورجل "بالأصابع" إن صب على نفسه "فإن صب عليه غيره بدأ بالمرفق والكعب" هذا ما في الروضة، لكن المعتمد ما في المجموع وغيره من أن الأولى البداءة بالأصابع مطلقًا فيجري الماء على يده ويدير كفه الآخر عليها مجريًا للماء بها إلى مرفقه وكذا في الرجل ولا يكتفي بجريان الماء بطبعه، "ودلك العضو" مع غسله أو عقبه بأن يمر يده عليه خروجًا من خلاف من أوجبه، ويسن أن يصب على رجليه بيمينه ويدلك بيساره وأن يتعهد نحو العقب لا سيما في الشتاء، "ومسح الساقين" بسبابتيه شقيهما إن لم يكن بهما نحو رمص1 وإلا وجب وهما طرفا العين الذي يلي الأنف والمراد بهما هنا ما يشمل اللحاظ وهو الطرف الآخر، "والاستقبال" للقبلة في جميع وضوئه لأنها أشرف الجهات. "ووضع الإناء عن يمينه إن كان واسعًا" بحيث يغترف منه فإن كان يصب به وضعه عن يساره لأن ذلك أمكن فيهما، "وأن لا ينقص ماؤه" أي الوضوء "عن مد" للاتباع فيجزئ بدونه حيث أسبغ وصح "أنه صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد"2، هذا فيمن بدنه كبدنه صلى الله عليه وسلم اعتدالا وليونة وإلا زاد أو نقص بالنسبة. "وأن لا يتكلم في جميع وضوئه إلا لمصلحة" كأمر بمعروف ونهي عن منكر وتعليم جاهل وقد يجب كأن رأى نحو أعمى يقع في بئر "و" أن "لا يلطم" بكسر الطاء "وجهه بالماء" ولعل الخبر فيه لبيان الجواز وإن أخذ منه ابن حبان3 ندب ذلك "و" أن "لا يمسح الرقبة" لأنه لم يثبت فيه شيء بل قال النووي4 إنه بدعة، وخبر: "مسح

1 الرمص: وسخ أبيض جامد يجتمع في موق العين، انظر المعجم الوسيط "ص372".

2 روى أبو داود في الطهارة باب 44 "حديث 94" عن عباد بن تميم عن جدته أم عمارة "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتى بإناء فيه ماء قدر ثلثي مد". ورواه أيضًا النسائي في الطهارة باب 58.

3 هو أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي الشافعي، محدث، حافظ، مؤرخ، فقيه، لغوي، واعظ، مشارك في الطب والنجوم وغيرهما، ولد في بست من بلاد سجستان سنة بضع وسبعين ومائتين، وتوفي فيها سنة 354هـ، انظر ترجمته في معجم المؤلفين "3/ 207".

4 هو محيي الدين أبو زكريا يحيي بن شرف بن مري النووي الدمشقي الشافعي، فقيه، محدث، حافظ، لغوي، ولد بنوى من أعمال حوران في العشر الأول من المحرم سنة 631هـ، وتوفي فيها في 14 رجب سنة 677هـ، له مصنفات كثيرة في الحديث والفقه وغيرهما "معجم المؤلفين: 4/ 98".

ص: 31

وأن يقول بعده: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، ولا بأس بالدعاء عند الأعضاء.

ــ

الرقبة أمان من الغل"1 موضوع لكنه متعقب بأن الخبر ليس بموضوع. "وأن يقول بعده" أي الوضوء وهو مستقبل القبلة رافعًا بصره إلى السماء: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك"، وصلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وهذا الذكر أحاديثه صحيحة2 فتتأكد المحافظة عليه، ومنها أن من قال: "أشهد" إلى "رسوله" فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء3، وأن من قال: سبحانك إلخ كتب له في رق أي بفتح الراء ثم طبع بطابع بفتح الباء وكسرها فلم يكسر أي لم يتطرق إليه إبطال إلى يوم القيامة. "ولا بأس بالدعاء عند الأعضاء" أي أنه مباح لا سنة وإن ورد في طرق ضعيفة لأنها كلها ساقطة إذ لا تخلو عن كذاب أو متهم بالكذب أو بالوضع، وشرط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أن يشتد ضعفه كما صرح به السبكي، ومن ثم قال النووي: لا أصل لدعاء الأعضاء ومنه عند غسل الكفين: اللهم احفظ يدي من معاصيك كلها، وعند المضمضة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وعند الاستنشاق: اللهم أرحني رائحة الجنة، وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند غسل اليد اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابًا يسيرًا، وعند اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري، وعند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشري على النار، وعند مسح الأذنين: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعند غسل الرجلين: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزول فيه الأقدام.

1 ذكره بهذا اللفظ الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "2/ 365" وابن حجر في تلخيص الحبير "1/ 92" والعراقي في المغني عن حمل الأسفار "1/ 133" وعلي القاري في الأسرار المرفوعة "315" والفتني في تذكرة الموضوعات "31" وابن عراق في تنزيه الشريعة "2/ 75" والشوكاني في الفوائد المجموعة "12" والعجلوني في كشف الخفاء "2/ 290" والألباني في السلسلة الضعيفة "69".

2 ذكر بعضها النووي في الأذكار "ص29، 30" ونسبها إلى مسلم والترمذي والنسائي في اليوم والليلة.

3 ذكره النووي في الأذكار "ص30"، ونسبه إلى الإمام أحمد بن ماجه وكتاب ابن السني من رواية أنس، ثم قال: إسناده ضعيف.

ص: 32

‌فصل: "في مكروهات الوضوء

"

يكره الإسراف في الصب فيه وتخليل اللحية الكثة للمحرم والزيادة على الثلاث والاستعانة بمن يغسل أعضاءه إلا لعذر.

فصل: في مكروهات الوضوء

"يكره الإسراف في الصب فيه" ولو على الشط ومحله في غير الموقوف وإلا فهو حرام، ويكره ترك تخليل اللحية الكثة لغير المحرم "وتخليل اللحية الكثة للمحرم" لئلا يتساقط منها شعر وهذا ضعيف والمعتمد أنه يسن تخليلها حتى للمحرم لكن برفق "و" يكره "الزيادة على الثلاث" المحققة بنية الوضوء والنقص عنها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا ثم قال:"هكذا الوضوء فمن زاد على هذا الوضوء أو نقص فقد أساء وظلم" 1 أي أخطأ طريق السنة في الأمرين، وقد يطلق الظلم على غير المحرم إذ هو وضع الشيء في غير محله. "و" تكره "الاستعانة بمن يغسل أعضاءه إلا لعذر" كما مر وبالصب لغير عذر كما مر وترك التيامن، ويظهر أن كل سنة اختلف في وجوبها يكره تركها، وبه صرح الإمام في غسل الجمعة، بل وقياس قولهم يكره ترك التيامن وتخليل اللحية الكثة أن كل سنة تأكد طلبها يكره تركها.

1 رواه أبو داود في الطهارة باب 52 "حديث 135" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: إن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا، ثم مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال:"هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم".

ص: 33

‌فصل: "في شروط الوضوء وبعضها شروط النية

"

شروط الوضوء والغسل: الإسلام والتمييز والنقاء من الحيض والنفاس وعما يمنع وصول الماء إلى البشرة والعلم بفرضيته وأن لا يعتقد فرضًا معينًا من فروضه سنة والماء

ــ

فصل: في شروط الوضوء وبعضها شروط النية

والشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، والمراد به هنا ما هو خارج الماهية وبالركن ما هو بداخلها.

"شروط الوضوء والغسل الإسلام" لأنه عبادة يحتاج لنية والكافر ليس من أهلها ومر صحة غسل الكافر من حيض أو نفاس لكن لا مطلقًا بل لحل وطئها، ومن ثم لو أسلمت لزمها إعادته. "والتمييز" في غير الطفل للطواف لما مر أول الطهارة لأن غير المميز لا تصح عبادته فعلم أن هذين شرطان لكل عبادة. "والنقاء من الحيض والنفاس" لمنافاتهما له نعم أغسال الحج ونحوها تسن للحائض والنفساء وهذا شرط عبادة تحتاج للطهارة. "و" النقاء "عما بمنع وصول الماء إلى البشرة" كدهن جامد بخلاف الجاري، وكوسخ تحت الأظفار خلافًا الطهور وإزالة النجاسة العينية وأن لا يكون على العضو ما يغير الماء وأن لا يعلق نيته وأن يجري الماء على العضو ودخول الوقت لدائم الحدث والموالاة.

ص: 33

‌فصل: "في المسج على الخفين

"

فصل: "في المسح على الخفين"

ويجوز المسح على الخفين بدلا من غسل الرجلين في الوضوء، وشرط جواز المسح أن يلبسه بعد طهارة كاملة، وأن يكون الخف طاهرًا قويًّا يمكن تتابع المشي عليه

ــ

للغزالي، وكغبار على البدن وبخلاف العرق المتجمد عليه لأنه كالجزء منه، ومن ثم نقض مسه "والعلم بفرضيته" في الجملة؛ لأن الجاهل بها غير متمكن من الجزم بالنية "وأن لا يعتقد فرضًا معينًا من فروضه سنة"، فيصح وضوء وغسل من اعتقد أن جميع مطلوباته فروض أو بعضها فرض وبعضها سنة ولم يقصد بفرض معين النفلية، وكذا يقال في الصلاة ونحوها. "والماء الطهور" أو ظن أنه طهور، فلو تطهر بماء لم يظن طهوريته لم يصح طهره به وإن بان أنه طهور "وإزالة النجاسة العينية وأن لا يكون على العضو ما يغير الماء وأن لا يعلق نيته" فإن قال: نويت الوضوء إن شاء الله لم يصح إن قصد التعليق أو أطلق بخلاف ما إذا قصد التبرك، "وأن يجري الماء على العضو ودخول الوقت لدائم الحدث" أو ظن دخوله وتقديم استنجائه وتحفظ1 احتيج إليه "والموالاة" ومرت كاستصحاب النية حكمًا المعبر عنه بفقد الصارف.

فصل: في المسح على الخفين

وأحاديثه شهيرة2 قيل: بل متواترة حتى يكفر بها جاحده.

"ويجوز المسح على الخفين بدلا عن غسل الرجلين في الوضوء" وقد يسن كما إذا تركه رغبة في السنة لإيثاره الغسل الأفضل أو شك في جوازه وكان ممن يقتدي به أو وجد في نفسه كراهيته، وكذا في سائر الرخص أو خاف فوت الجماعة وقد يجب إذا أحدث وهو لابسه ومعه ماء يكفي المسح فقط أو توقف عليه إدراك نحو عرفة أو الرمي أو طواف الوداع أو الجمعة إن لزمته أو الوقت أو إنقاذ أسير، وخرج بالرجلين مسح خف واحدة وغسل أخرى فلا يجوز بخلاف مسح واحدة لنحو أقطع وبالوضوء الغسل وإزالة النجاسة فلا يجوز فيهما "وشرط جواز المسح" على كل من الخفين "أن يلبسه بعد طهارة" من وضوء أو غسل أو تيمم لا لفقد الماء "كاملة" بأن لا يبقى من بدنه لمعة بلا طهارة فلا يجزئ لبسه قبل كماله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم

1 التحفظ: هو أن يكون على مخرج النجاسة شيء من العذرة فيزيله.

2 رواها البخاري في الوضوء باب 35 و48، والصلاة باب 7 و25، والجهاد باب90، والمغازي باب 81، واللباس باب 10 و11، ومسلم في الطهارة حديث 72 و73 و75 و77 و78 و80-86، والصلاة حديث 105، ورواها أيضًا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد وغيرهم.

ص: 34

لذ1لمسافر في الحاجة ساترًا لمحل الغسل لا من الأعلى مانعًا لنفوذ الماء من غير الخرز والشق وينزعه المقيم بعد يوم وليلة، والمسافر سفر قصر بعد ثلاثة أيام بلياليها، وابتداء المدة فيهما من الحدث بعد اللبس، فإن مسح خفيه حضرًا ثم سافر أو عكس أتم مسح

ــ

يرخص فيه إلا بعده، والعبرة باستقرار القدمين، فلو غسل رجلا ولبس خفها ثم الأخرى ولبس خفها أمر بنزع الأولى من موضع القدم وردها ويجزئ غسلهما في الخف قبل قرارهما ويضر الحدث قبله. "و" شرطه "أن يكون الخف طاهرًا" ولو مغصوبًا وذهبًا فإن كان نجس العين أو متنجسًا بما لا يعفى عنه لم يجز مسحه مطلقًا لا للصلاة ولا لغيرها لعدم إمكانها مع كونها الأصل وغيرها تبع لها أو بمعفو عنه، فإذا مسح محل النجاسة فكذلك وإلا استباح به الصلاة وغيرها، وأن يكون "قويًّا يمكن" ولو بمشقة "تتابع المشي عليه" وإن كان لابسه مقعدًا ثم الواجب بالنسبة "للمسافر" والمقيم أن يكون بحيث يمكن التردد فيه بلا نعل "في الحاجة" التي تقع مدة لبسه وهي ثلاثة أيام ولياليها للمسافر ويوم وليلة للمقيم فلا يجزئ نحو رقيق يتخرق بالمشي عن قرب. وأن يكون "ساترًا لمحل الغسل" وهو القدم بكعبيه ولو زجاجًا شفافًا مشقوقًا شد بالعري1 ويشترط الستر من كل الجوانب "لا من الأعلى" عكس ستر العورة لأن الخف يلبس من أسفل ويتخذ لستره بخلاف القميص فيهما وأن يكون "مانعا لنفوذ الماء" لو صب عليه فالعبرة بماء الغسل فلا يجزئ نحو منسوج لا صفاقة2 له والمعتبر منعه لذلك "من غير" مواضع "الخرز" لا "الشق" ويمسح لابسه في غير سفر قصر مقيمًا كان أو مسافرًا سفرًا قصيرًا أو طويلا لا يبيح القصر يومًا وليلة، وفي سفر القصر له أن يمسح خفيه فيه ثلاثة أيام بلياليها كاملة سواء تقدم بعض الليالي على الأيام أم تأخر "و" حينئذ فيشترط في جواز المسح لمدة ثانية أن "ينزعه المقيم" ونحوه "بعد يوم وليلة والمسافر سفر قصر بعد ثلاثة أيام بلياليها أو ابتداء المدة فيهما من" نهاية "الحديث بعد اللبس" لأن وقت المسح يدخل به فاعتبرت مدته منه "فإن مسح خفيه" أو أحدهما "حضرا ثم سافر أو عكس" أي مسح سفرا ثم أقام "أتم مسح مقيم" تغليبًا للحضر لأنه الأصل فيقتصر في الأول على يوم وليلة، وكذا في الثاني إن أقام قبل مضيهما وإلا انتهت المدة بمجرد إقامته وأجزأه ما مضى وإن زاد على مدة المقيم لأن الإقامة إنما يؤثر في المستقبل، ويشترط أيضًا أن لا يحصل له حديث أكبر وإلا لزمه النزع وإن أمكنه غسل رجليه في ساق الخف، وأن لا يشك في المدة، وأن لا تنحل العرى3، وإن لم يظهر شيء من محل الفرض، ثم إن كان بطهارة المسح لزمه غسل قدميه مقيم، ويسن مسح أعلاه وأسفله عقبه خطوطًا مرة والواجب مسح أدنى شيء من ظاهر أعلاه.

1 العروة من الثوب: مدخل زره، ومن القميص أو الكوز ونحوهما: مقبضة "المعجم الوسيط: ص597".

2 صفق الثوب صفاقة: كثف نسجه.

3 راجع الحاشية 1 في هذه الصفحة.

ص: 35

‌فصل: "في نواقض الوضوء

"

نواقض الوضوء أربعة:

الأول: الخارج من أحد السبيلين إلا المني.

ــ

فقط. "ويسن مسح أعلاه وأسفله وعقبه" وحرفه وكونه "خطوطًا" مفرجًا أصابعه بأن يضع يسراه تحت عقبه ويمناه على ظهر الأصابع ثم يمر مفرجًا أصابعه هذه إلى آخر ساقه وتلك أطراف أصابعه، ويسن أن يكون مسحه "مرة" لما مر أن تثليثه خلاف الأولى. "والواجب" من ذلك "مسح أدنى شيء من ظاهر أعلاه" نظير ما مر في مسح الرأس، فلو مسح باطنه أو اقتصر على أسفله أو عقبه أو حرفه لم يجزه إذا لم يرد الاقتصار إلا على الأعلى.

فصل: في نواقض الوضوء

"نواقض الوضوء" أي ما ينتهي به "أربعة" لا غير "الأول: الخارج من أحد السبيلين" يعني خروج شيء من قبله أو دبره على أي صفة كان ولو نحو عود ودودة أخرجت رأسها وإن رجعت وريح ولو من قبل ودم باسور1 داخل الدبر لا خارج عنه لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِط} ، وهو محل قضاء الحاجة سمى باسمه الخارج للمجاورة، وصح الأمر بالوضوء من المذي2، وأن المصلي إذا سمع صوتًا أو وجد ريحًا أي علم بوجوده ينصرف من صلاته3 وقيس بذلك كل خارج "إلا المني" أي مني الشخص بنفسه فلا ينقض إن خرج منه أولًا لأنه أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل، بخلاف ما إذا خرج منه مني غيره أو نفسه بعد استدخاله فإنه ينقض، والأوجه أنه لو رأى على ذكره بللا لم ينتقض وضوؤه إلا إذا لم يحتمل طروه من خارج، وأن الولد الجاف ينقض لأن فيه شيئًا من مني الرجل، وخروج مني الغير ينقض كما تقرر.

1 الباسور: طية سميكة من الغشاء المخاطي في أسفل شق شرجي جمعها: بواسير "المعجم الوسيط: ص56".

2 روى البخاري في الغسل، باب غسل المذي والوضوء منه "حديث رقم 269" عن علي قال: كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم -لمكان ابنته- فسأل فقال: "توضأ واغسل ذكرك".

3 روى مسلم في الحيض "حديث 98" عن سعيد وعباس بن تميم عن عمه: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال:"لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، وروى أيضًا "حديث 99" عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا".

ص: 36

الثاني: زوال العقل بجنون أو إغماء أو نوم إلا النوم قاعدًا ممكنًا مقعده.

الثالث: التقاء بشرتي الرجل والمرأة وينتقض اللامس والملموس ولا ينقض صغير أو صغيرة لا يشتهي ولا ينقض شعر وسن وظفر ومحرم وبنسب أو رضاع أو مصاهرة.

الرابع: مس قبل الآدمي أو حلقة دبره بباطن الكف ولا ينتقض الممسوس وينقض

ــ

"الثاني: زوال العقل" أي التمييز إما بارتفاعه "بجنون أو" انغماره بنحو صرع أو سكر أو "إغماء" ولو ممكنًا "أو" استتاره بسبب "نوم" لخبر: "فمن نام فليتوضأ" 1 وخرج بذلك النعاس، ومن علاماته سماع كلام لا يفهمه وأوائل نشوة السكر لبقاء الشعور معهما "إلا النوم" الصادر من المتوضئ حال كونه "قاعدًا ممكنًا مقعده" من مقره كأرض وظهر دابة سائرة وإن كان مستندًا إلى شيء بحيث لو زال لسقط للأمن حينئذ من خروج شيء، أما غير الممكن فينتقض وضوؤه وإن كان مستقرًا ومثله ممكن نحيف لا يحس بخروج الخارج، وممكن انتبه بعد أن زالت أليتاه عن مقره يقينًا بخلاف ما لو شك في ذلك أو في أنه كان ممكنًا أم لا أو أنه نعس وإن رأى رؤيا.

"الثالث: التقاء بشرتي الرجل" ولو ممسوحًا2 "والمرأة" ولو ميتة عمدًا أو سهوًا ولو بعضو أشل أو زائد لقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] أي لمستم كما في قراءة، واللمس الجس باليد وغيرها، والمعنى في النقض به أنه مظنة التلذذ المثير للشهوة التي لا تليق بحال المتطهر والبشرة ظاهر الجلد وأراد بها ما يشمل اللحم كلحم الأسنان وخرج بما ذكره التقاء بشرتي ذكرين وإن كان أحدهما أمرد حسنًا أو أنثيين أو خنثيين أو خنثى مع غيره أو ذكر وأنثى بحائل3 وإن رق ولو بشهوة. "وينتقض اللامس والملموس" أي وضوؤهما لاشتراكهما في لذة اللمس "ولا ينقض صغير أو صغيرة" إن كان كل منهما بحيث "لا يشتهي" عرفًا غالبًا لذوي الطباع السليمة، فلا يتقيد بابن سبع سنين أو أكثر لاختلافه باختلاف الصغار والصغيرات وذلك لانتفاء مظنة الشهوة حينئذ بخلاف عجوز شوهاء أو شيخ هرم استصحابًا لما كان ولأنهما مظنتها4 في الجملة إذ لكل ساقطة لاقطة. "ولا ينقض شعر وسن وظفر" إذ لا يلتذ بلمسها "و" لا ينقض "محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة" كأم الزوجة لانتفاء مظنة الشهوة وخرج بالمحرم المحرمة باختلاف دين أو لعان أو وطء شبهة ما لم يطرأ عليه تحريم مصاهرة أو رضاع، ولو اشتبهت محرمة بأجنبيات ولو غير محصورات فلا نقض.

"الرابع: مس قبل الآدمي أو حلقة دبره" من نفسه أو غيره ولو سهوًا وإن كان أشل أو

1 رواه أبو داود في الطهارة باب 79، وابن ماجه في الطهارة باب 62، وأحمد في المسند "1/ 111".

2 الممسوح: في اللسان "2/ 594": "وخصى ممسوح: إذا سلتت مذاكيره".

3 الحائل: الساتر.

4 أي الشهوة.

ص: 37

‌فصل: "فيما يحرم بالحدث

"

يحرم بالحدث الصلاة ونحوها، والطواف، وحمل المصحف ومس ورقه وحواشيه

ــ

زائدًا على سنن الأصلي أو مشتبهًا به لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من مس ذكره" وفي رواية: "ذكرًا فليتوضأ" 1 والناقض من الدبر ملتقى المنفذ، ومن قبل المرأة ملتقى شفريها على المنفذ لا ما وراءهما كمحل ختانها وإنما ينقض المس "بباطن الكف" الأصلية ولو شلاء والمشتبهة بها والزائدة العاملة أي التي على سنن الأصلية لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ" 2 والإفضاء باليد المس بباطن الكف ولأنه هو مظنة التلذذ وهو الراحة وبطون الأصابع. "ولا ينتقض الممسوس" لأنه لا هتك منه "وينقض فرج الميت والصغير" لشمول الاسم له "ومحل الجب"3 كله لا الثقبة فقط، لأنه أصل الذكر "والذكر المقطوع" وبعضه إن سمى بعض ذكر بخلاف الجلدة المقطوعة في الختان، وكالذكر القبل والدبر إن بقي اسمهما بعد قطعهما. "ولا ينقض فرج البهيمة" لأنه لا يشتهي ولذا جاز كشفه والنظر إليه، "ولا المس برأس الأصابع وما بينها" وحرفها وحرف الكف نعم المنحرف الذي يلي الكف من حرفه ورؤوسها وهو ما بعده موضع الاستواء منها ينقض.

فصل: فيما يحرم بالحدث

والمراد به الأصغر عند الإطلاق.

"ويحرم بالحدث الصلاة" إجماعًا "ونحوها" كسجدة تلاوة وشكر وخطبة جمعة وصلاة جنازة. "والطواف"، ولو نفلا لأنه صلاة كما في الحديث4 "وحمل المصحف ومس ورقه وحواشيه وجلده" المتصل به لا المنفصل عنه، وإنما حرم الاستنجاء به وإن انفصل لأنه أفحش وجلده وخريطته وعلاقته وصندوقه وما كتب لدرس قرآن ولو بخرقة، ويحل حمله في أمتعة لا بقصده وفي تفسير أكثر منه وقلب ورقه بعود، ولا يمنع الصبي المميز من حمله ومسه للدراسة، ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بني على يقينه.

1 رواه بلفظ: "إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ" ابن ماجه في الطهارة باب 63 و64، وأبو داود في الطهارة باب 69، والترمذي في الطهارة باب 61 و62، والنسائي في الطهارة باب 117 والغسل باب 30، ومالك في الطهارة حديث 58 و60-62 وأحمد في مواضع من مسنده.

2 رواه النسائي في الغسل باب 30 "حديث رقم 445" من حديث بسرة بنت صفوان بلفظ: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ".

3 الجب: القطع.

4 وهو ما رواه الترمذي في الحج باب 112 "حديث رقم960" عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير" ورواه أيضًا النسائي في المناسك باب 136.

ص: 38

‌فصل: "فيما يندب له الوضوء

"

يستحب الوضوء من الفصد والحجامة والرعاف والنعاس والنوم قاعدًا ممكنًا

ــ

وذلك لقول تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَاّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ، أي المتطهرون وهو خبر بمعنى النهي، وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لا يمس المصحف إلا طاهر""و" يحرم أيضًا حمل ومس "خريطته"2 وهو فيها "وعلاقته وصندوقه" وهو فيه لأنها منسوبة إليه كالجلد "و" حمل ومس "ما كتب لدرس قرآن ولو بخرقة" لشبهه بالمصحف بخلاف ما كتب لا للدراسة كالتمائم وما على النقد لأنه لم يقصد به المقصود من القرآن فلم تجر عليه أحكامه. "ويحل حمله في أمتعة لا بقصده" أي معها بل ومع متاع واحد بقصد المتاع وحده أو لا بقصد شيء إذ لا يحل حمله بالتعظيم حينئذ، بخلاف ما إذا قصد المصحف وحده أو مع غيره، ويجري هذا التفصيل في حمل حامل المصحف على الأوجه ولو فقد الماء والتراب ومسلمًا ثقة جاز بل وجب حمله مع الحدث إن خاف عليه كافرًا أو تنجسًا أو ضياعًا وما يجب التيمم إن قدر عليه. "و" يحل حمله "في تفسير أكثر منه" بخلاف ما إذا استويا أو كان القرآن أكثر. "و" يحل "قلب ورقه بعود" ما لم تنفصل الورقة عن محلها وتصير محمولة على العود وكتابة ما لم يمس المكتوب. "ولا يمنع الصبي المميز" ولو جنبًا "من حمله ومسه للدراسة" لحاجة تعلمه ومشقة استمراره متطهرًا، أما غير المميز فيحرم تمكينه منه، وكذا لو لم يكن له غرض متعلق بالدراسة وإن قصد التبرك، "ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على يقينه" وهو الطهارة في الأولى والحدث في الثانية لأنه الأصل، والمراد بالشك هنا وفي معظم أبواب الفقه التردد مع استواء ورجحان.

فصل: فيما يندب له الوضوء

"يستحب الوضوء من الفصد والحجامة والرعاف و" من "النعاس و" من "النوم قاعدًا مقعدته، والقيء والقهقهة في الصلاة وأكل ما مسته النار وأكل لحم الجزور والشك في الحدث، ومن الغيبة والنميمة والكذب والشتم والكلام القبيح والغضب، ولإرادة النوم، ولقراءة القرآن والحديث والذكر والجلوس في المسجد والمرور فيه ودراسة العلم وزيارة القبور، ومن حمل الميت ومسه.

1 ذكره بهذا اللفظ ابن حجر في تلخيص الحبير "1/ 131" ورواه بلفظ: "لا يمس القرآن إلا طاهر"، الدارمي في مسنده "2/ 161"، والبيهقي في السنن الكبرى "1/ 88، 309، 4/ 89"، والطبراني في الكبير "12/ 312"، والهيثمي في مجمع الزوائد "1/ 276"، والسيوطي في الدر المنثور "1/ 343، 6/ 162"، والدارقطني في سننه "1/ 121، 2/ 285".

2 الخريطة: وعاء من جلد أو نحوه يشد على ما فيه.

ص: 39

‌فصل: "في آداب قاضي الحاجة

"

يستحب لقاضي الحاجة بولا أو غائطًا أن يلبس نعليه ويستر رأسه ويأخذ أحجار الاستنجاء، ويقدم يساره عند الدخول ويمناه عند الخروج، وكذا يفعل في الصحراء ولا

ــ

ممكنًا مقعدته" من "القيء و" من "القهقهة في الصلاة و" من "أكل ما مسته النار و" من أكل "لحم الجزور و" من "الشك في الحدث" للخروج من خلاف من قال: إن هذه تنقض أخذًا من الأحاديث الواردة في ذلك، لكن أعلها أصحابنا بأن بعضها ضعيف وبعضها منسوخ لكن قوي في المجموع من حيث الدليل النقض بأكل لحم الجزور، ويسن الوضوء أيضًا من كل ما اختلف في النقض به كمس الأمرد ونحو الشعر. "و" يسن أيضًا "من الغيبة والنميمة والكذب والشتم" سائر "الكلام القبيح" لخبر فيه ولأن الوضوء يكفر الخطايا كما ثبت في الأحاديث، "و" من "الغضب" لأنه يطفئه "ولإرادة النوم" للاتباع وعند اليقظة. "ولقراءة القرآن والحديث" وسماعهما "والذكر" ليكون على أكمل حال "والجلوس في المسجد والمرور فيه" تعظيمًا له "ودراسة العلم" الشرعي وسماعه وكتابته وحمله تعظيمًا له "وزيارة القبور ومن حمل الميت ومسه" لاستقذاره وجماع وإنشاد شعر واستغراق ضحك وخوف وقص نحو شارب وحلق عانة ورأس ولجنب أراد نحو أكل أو جماع وللمعيان إذا أصاب بالعين، قال بعضهم ولما ورد فيه حديث وإن لم يذكروه كشرب ألبان الإبل ومس الكافر والصنم والأبرص.

فصل: في آداب قاضي الحاجة

"يستحب لقاضي الحاجة" أي لمريدها "بولا" كانت "أو غائطًا أن يلبس نعليه و" أن "يستر رأسه" للاتباع، روي مرسلا وهو كالضعيف والموقوف يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقًا "و" أن "يأخذ" مريد الاستنجاء بالحجر "أحجار الاستنجاء" لما صح من الأمر به1

1 روى البخاري في الوضوء، باب الاستنجاء بالحجارة "حديث رقم155" عن أبي هريرة قال: اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته فكان لا يلتفت، فدنوت منه فقال:"ابغني أحجارًا أستنفض بها -أو نحوه- ولا تأتني بعظم ولا روث" ، فأتيته بأحجار بطرف ثيابي فوضعتها إلى جنبه وأعرضت عنه، فلما قضى اتبعته بهن، وروى أيضًا "حديث 156" عن عبد الله قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال:"هذا ركس".

ص: 40

يحمل ذكر الله تعالى، ويعتمد على يساره ويبعد ويستتر، ولا يبول في ماء راكد وقليل جار ولا في جحر، ولا في مهب ريح، ولا في طريق، وتحت شجرة مثمرة يؤكل ثمرها،

ــ

وحذرًا من الانتشار1 إذا طلب بعد فراغه ويندب أيضًا إعداد الماء "و" أن "يقدم يساره" أو بدلها "عند الدخول" ولو لخلاء جديد وإن لم يرد قضاء حاجة "ويمناه" أو بدلها "عند الخروج" عكس المسجد إذ اليسرى للأذى واليمنى لغيره وكالخلاء في ذلك السوق ومحل المعصية ومنه محل الصاغة والحمام والمستحم. "وكذا يفعل في الصحراء" فيقدم يساره عند وصوله لمحل قضائها لأنه يصير مستقذرًا بإرادة قضائها به ويمناه عند مفارقته. "و" أن "لا يحمل ذكر الله تعالى" أي مكتوب ذكره ومثله كل اسم معظم ولو مشتركًا كالعزيز والكريم ومحمد وأحمد إن قصد به المعظم أو دلت على ذلك قرينة، ومن المعظم جميع الملائكة وحمل ذلك مكروه، واختار الأذرعي2 تحريم إدخال المصحف الخلاء بلا ضرورة إجلالا له وتكريمًا، ولو تختم في يساره بما عليه معظم3 وجب نزعه عند الاستنجاء لحرمة تنجيسه ولو غفل عن تنحية ما ذكر حتى دخل الخلاء غيبه ندبًا، "و" أن "يعتمد" ولو قائمًا "على يساره" وينصب يمناه بأن يضع أصابعها على الأرض ويرفع باقيها لأن ذلك أسهل لخروج الخارج مع أنه المناسب."و" أن "يبعد" ولو في البول بالصحراء وغيرها إن كان ثم غيره إلى حيث لا يسمع لخارجه صوت ولا يشم له ريح فإن لم يفعل سن لهم الإبعاد عنه إلى ذلك وسن له أيضًا أن يغيب شخصه ما أمكن. "و" أن "يستتر" عن العيون بشيء طوله ثلثا ذراع فأكثر وقد قرب منه ثلاثة أذرع فأقل ولو بنحو ذيله، ولا بد أن يكون للساتر هنا عرض يمنع رؤية عورته أو بأن يكون بيتًا لا يعسر تسقيفه ومحل ذلك حيث لم يكن ثم من لا يغض بصره عن عورته ممن يحرم عليه نظرها وإلا وجب الستر مطلقًا. "و" أن "لا يبول" ولا يتغوط "في ماء راكد" وإن كثر ما لم يستبحر4 بحيث لا تعافه نفس ألبتة لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم عنه فيه5 "و" لا في ماء "قليل جار" قياسًا على الراكد وإنما كره ذلك ولم يحرم وإن كان فيه إتلاف عليه وعلى غيره لإمكان طهره بالمكاثرة، أما الكثير الجاري فلا يكره فيه اتفاقًا لكن لاأولى اجتنابه، ثم قضاء

1 أي انتشار النجاسة.

2 هو أحمد بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغني الأذرعي، فقيه، مفسر، ولد بأذرعات الشام سنة 627هـ، وتوفي سنة 708هـ، من مؤلفاته: جمع التوسط والفتح بين الروضة والشرح، وشرح المنهاج وسماه غاية المحتاج، وملاك التأويل في التفسير "معجم المؤلفين: 1/ 96".

3 أيْ أيّ اسم معظم ولو مشتركًا كما مر قبل أسطر.

4 استبحر الماء: اتسع وانبسط.

5 روى ابن أبي شيبة في مصنفه "1/ 141": "لا يبول أحدكم في الماء الراكد". ورواه البخاري في كتاب الوضوء، باب الماء الدائم، حديث رقم 239، عن أبي هريرة بلفظ:"لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه"، ورواه أيضًا مسلم في الطهارة حديث 95 و96.

ص: 41

ولا يتكلم إلا لضرورة، ولا يستنجي بالماء في موضعه وأن يستبرئ من البول ويقول عند دخوله، بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وعند خروجه: غفرانك الحمد

ــ

الحاجة في الماء ليلا مكروه مطلقًا لما قيل إنه بالليل مأوى الجن، والكلام في المباح فالمسبل1 والمملوك يحرم ذلك فيه مطلقًا ويكره بقرب الماء. "و" أن "لا" يبول ولا يتغوط "في حجر" وهو الثقب المستدير المراد به ما يشمل السرب وهو المستطيل لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الحجر2 ولأنه مأوى الجن ولأنه ربما أذاه حيوان به أو تأذى به. "و" أن "لا" يبول ولا يتغوط مائعًا "في مهب ريح" أي محل هبوبها وقت هبوبها ومنه المراحيض المشتركة بل يستدبرها في البول ويستقبلها في الغائط لئلا يترشش. "و" أن "لا" يبول ولا يتغوط "في طريق" ومحل جلوس الناس كالظل في الصيف والشمس في الشتاء لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:"اتقوا اللعانين" 3 وفسرهما بالتخلي في طريق الناس ومجالسهم سيما بذلك لأنهما يجلبان اللعن كثيرًا عادة، وفي رواية "الملاعن الثلاث"4 وفسر الثالث بالبراز في الموارد وكراهة ذلك هو المعتمد وقيل يحرم. "و" لا يقضي حاجته "تحت شجرة مثمرة" أي من شأنها ذلك ولو مباحة وفي غير وقت الثمرة صيانة لها عن التلويث عند الوقوع فتعافها الأنفس، ومنه يؤخذ ما بحثه المصنف من أن شرطها أن تكون مما "يؤكل ثمرها" إلا أن يقال: الأنفس تعاف الانتفاع بالمتنجس أيضًا فحينئذ لا فرق، ولو كان يأتي تحتها ماء يزيل ذلك قبل الثمرة فلا كراهة. "و" أن "لا يتكلم" حال خروج الخارج بذكر ولا غيره لما صح من النهي عنه فيكره "إلا لضرورة" فيجوز بل يجب إن خشي من السكوت لحوق ضرر له أو لغيره، واختار الأذرعي تحريم قراءة القرآن. "و" أن "لا يستنجي بالماء في موضعه" بل ينتقل عنه لئلا يصيبه الرشاش فينجسه، ومن ثم لو كان في متخذ له5 لم ينتقل لفقد العلة. "وأن يستبرئ من البول" بعد انقطاعه بنحو مشي ونتر ذكر بلطف ولا يجذبه وتنحنح وغيره مما يظن به من عادته أنه لم يبق بمجرى البول ما يخاف خروجه لئلا يتنجس به وإنما لم يجب لأن الظاهر عدم عوده لكن اختار جمع وجوبه. "و" أن "يقول عند دخوله" بمعنى وصوله محل قضاء حاجته "بسم الله" اي أتحصن من الشياطين "اللهم إني أعوذ" أي أعتصم "بك من الخبث" بضم الخاء مع ضم الباء أو سكونها جمع خبيث وهم ذكران الشياطين "والخبائث" جمع خبيثة وهن إناثهم للاتباع في ذلك، وإنما قدم القارئ التعوذ لأن البسملة من القرآن المأمور بالاستعاذة له. "و"

1 أي الماء المجعول لعابري السبيل.

2 رواه أبو داود في الطهارة باب 16 و29، وأحمد في المسند "5/ 82".

3 رواه الإمام أحمد في المسند "2/ 372".

4 رواه أبو داود في الطهارة باب14، وابن ماجه في الطهارة باب21، وأحمد في المسند "1/ 299".

5 كالمراحيض العامة، أو المراحيض المتخذة في البيوت.

ص: 42

لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ويحرم ذلك إن لم يكن بينه وبينها ساتر، أو بعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع أو كان الستر أقل من ثلثي ذراع إلا في المواضع المعدة لذلك، ومن آدابه أن لا يستقبل الشمس والقمر ولا يرفع ثوبه حتى

ــ

يقول "عند خروجه" بمعنى انصرافه منه: "غفرانك" منصوب على أنه مصدر بدل من اللفظ بفعله أو مفعول به "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" للاتباع، وحكمة سؤال المغفرة إما تركه الذكر بلسانه أو خوف التقصير في شكر هذه النعمة العظيمة أعني نعمة الإطعام فالهضم فتسهيل الخروج، ومن ثم قال الشيخ نصر1: يكرر غفرانك مرتين والمحب الطبري2 يكرر ثلاثًا. "و" أن "لا يستقبل" بقبله أو دبره "القبلة" أي الكعبة أو بيت المقدس "ولا يستدبرها" حال قضاء حاجته حيث استتر بمرتفع ثلثي ذراع فأكثر وقد قرب منه ثلاثة أذرع فأقل فإن فعل كره له ذلك لما صح من النهي عنه فيهما3. "ويحرم ذلك" أي استقبال الكعبة واستدبارها بفرجه حال قضاء حاجته. "إن لم يكن بينه وبينها ساتر أو" كان ولكن "بعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع" بذراع الآدمي المعتدل. "أو كان الساتر أقل من ثلثي ذراع" تعظيمًا للقبلة، بخلاف ما إذا كان بينه وبينها ساتر مرتفع ثلثي ذراع فأكثر وقد قرب منه ثلاثة أذرع فأقل: وإن لم يكن له عرض فإنه لا يحرم لأنه لم يخل بتعظيمها حينئذ ويحصل الستر بإرخاء ذيله، وهذا التفصيل جمع به الشافعي رضي الله تعالى عنه بين الأحاديث الصحيحة الدالة على التحريم تراة وعلى الإباحة أخرى، ولا فرق في ذلك بين من في الصحراء وغيره ومن في مكان يعسر تسقيفه أو لا. "إلا في المواضع المعدة لذلك" فإن الاستقبال والاستدبار فيها مباح مطلقًا لكنه خلاف الأفضل حيث أمكن الميل عن القبلة بلا مشقة، ولا استقبلها بالساتر المذكور جاز وإن كان دبره مكشوفًا على المعتمد، ولو اشتبهت القبلة وجب الاجتهاد حيث لا سترة، ويأتي هنا جميع ما ذكروه فيمن يجتهد في القبلة للصلاة، ولو هبت ريح عن يمين القبلة ويسارها جاز

1 لعله الحافظ أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود بن أحمد المقدسي النابلسي شيخ الشافعية بدمشق الشام المتوفي سنة 490هـ، من تصانيفه: أربعين في الحديث، الانتخاب الدمشقي في المذهب، التهذيب في الفروع، شرح الإرشاد لسليم الرازي في الفروع، الكافي في الفروع، مناقب الشافعي، وغيرها، انظر هدية العارفين "2/ 490، 491".

2 هو محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري. ولد بمكة سنة 615هـ، وتوفي بها سنة 694هـ، من تصانيفه: الرياض النضرة في فضائل العشرة، غاية الإحكام لأحاديث الأحكام، شرح التنبيه للشيرازي في فروع الفقه الشافعي، وغيرها "معجم المؤلفين: 1/ 185، 186".

3 رواه البخاري في الصلاة باب 29 "حديث 394" ومسلم في الطهارة "حديث 59" عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها؛ ولكن شرقوا أو غربوا". ورواه أيضًا مسلم "حديث 60" عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها".

ص: 43

يدنو من الأرض، ولا يبول في مكان صلب، ولا ينظر إلى السماء ولا إلى فرجه ولا إلى ما يخرج منه، ولا يعبث بيده، وأن يسبل ثوبه قبل انتصابه، ويحرم البول في المسجد ولو في إناء وعلى القبر ويكره عند القبر وقائمًا إلا لعذر وفي متحدث الناس فإذا عطس حمد الله بقلبه

ــ

الاستقبال والاستدبار، فإن تعارضا وجب الاستدبار لأن الاستقبال أفحش، ولا يكره استقبالها باستنجاء أو جماع أو إخراج ريح أو فصد1 أو حجامة2. "ومن آدابه" أي قاضي الحاجة "أن لا يستقبل الشمس و" لا "القمر" تعظيمًا لهما لأنهما من آيات الله الباهرة فيكره ذلك بخلاف استدبارهما لأن الاستقبال أفحش، "و" أن "لا يرفع ثوبه" دفعة واحدة بل شيئًا فشيئًا "حتى يدنو" أي يقرب "من الأرض" فينتهي الرفع حينئذ محافظة على الستر ما أمكن، نعم إن خشي تنجسه كشفه بقدر حاجته وله كشفه دفعة واحدة إذا كان خاليًا. "و" أن "لا يبول" ولا يتغوط مائعًا "في مكان صلب" لئلا يترشش فإن لم يجد غيره دقه بحجر ونحوه. "و" أن "لا ينظر إلى السماء ولا إلى فرجه ولا إلى ما يخرج منه ولا يعبث بيده" ولا يلتفت يمينًا ولا شمالا ولا يستاك لأن ذلك كله لا يليق بحاله، ولا يطيل قعوده لأنه يورث الباسور، "وأن يسبل ثوبه" شيئًا فشيئًا "قبل انتصابه" كما مر، "ويحرم البول" ونحوه "في المسجد ولو في إناء" لأن ذلك لا يصلح له كما في خبر مسلم3 أي لمزيد استقذاره بخلاف الفصد فيه في الإناء لأن الدم أخف ولذا عفى عن قليله وكثيره بشرطه، "و" يحرم ذلك "على القبر" المحترم "ويكره عند القبر" المحترم احترامًا له. "و" يكره البول والغائط "قائمًا إلا لعذر" لأنه خلاف الأكثر من أحواله صلى الله عليه وسلم، أما مع العذر كاستشفاء أو فقد محل يصلح للجلوس أو خشية خروج شيء من السبيل الآخر لو جلس أو كون البول أحرقه فلم يتمكن من الجلوس فمباح وعليه أو على بيان الجواز يحمل بوله صلى الله عليه وسلم قائمًا لما أتى سباطة4 قوم5. "و" يكره ذلك "في متحدث الناس" كما

1 الفصد: يقال: فصد العرق فصدًا وفصادًا: شقه. وفصد المريض: أخرج مقدارًا من دم وريده بقصد العلاج، "المعجم الوسيط: ص690".

2 الحجامة: امتصاص الدم بالمحجم، والمحجم: القارورة التي يجمع فيها دم الحجامة "المعجم الوسيط: ص158".

3 الذي رواه في كتاب الطهارة "حديث 100" عن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزرموه، دعوه" فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له:"إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه".

4 السباطة: هي ملقى القمامة والتراب ونحوها تكون بفناء الدور مرفقًا لأهلها.

5 روى البخاري في الوضوء، باب البول قائمًا وقاعدًا "حديث 224" وباب البول عند صاحبه والتستر بالحائط "حديث 225" ومسلم في الطهارة "حديث73" والجماعة، من حديث حذيفة قال:"رأيتني أنا والنبي صلى الله عليه وسلم نتماشى، فأتى سباطة قوم خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال، فانتبذت منه، فأشار إلى فجئته، فقمت عند عقبه حتى فرغ". اللفظ للبخاري "حديث رقم 225".

ص: 44

‌فصل: "في الاستنجاء

"

يجب الاستنجاء من كل رطب خارج من أحد السبيلين بالماء أو بالحجر، أو جامد طاهر قالع غير محترم، ويسن الجمع بينهما ولو بجامد متنجس دون ثلاث مسحات، فإن اقتصر على أحدهما فالأفضل الماء وشرط الحجر أن لا يجف النجس ولا ينتقل، ولا يطرأ

ــ

مر بدليله نعم إن كانوا يجتمعون على معصية فلا بأس بقضاء الحاجة في متحدثهم تنفيرًا لهم، ومر أنه يكره له أن يتكلم حال قضاء حاجته. "فإن عطس" حينئذ "حمد الله" تعالى "بقلبه" ولا يحرك لسانه.

فصل: في الاستنجاء

"يجب" لا على الفور بل عند خشية تنجس غير محله وعند إرادة نحو الصلاة "الاستنجاء من كل رطب خارج من أحد السبيلين" ولو نادرًا كدم "بالماء" على الأصل "أو بالحجر" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "وليستنج بثلاثة أحجار" وخرج بالرطب الريح وإن كان المحل رطبًا ونحو البعرة الجافة فلا يجب الاستنجاء من ذلك لكنه يسن من نحو البعرة وبأحد السبيلين الثقبة المنفتحة وقبلا المشكل أو أحدهما أو ذكران اشتبها فيتعين الماء كأقلف1 وصل بوله إلى جلدته، وليس المراد بالحجر خصوصه بل هو "أو" ما في معناه من كل "جامد طاهر" لا نجس ولا متنجس لأنه لا يصلح لإزالة النجاسة "قالع" لا ما لا يقلع لملاسته أو لزوجته أو تناثر أجزائه كالتراب "غير محترم" ومنه كتب التوراة والإنجيل إن علم تبديلهما وخليا عن اسم معظم، وجلد دبغ وجلد حوت كبير جف بحيث لو بل لم يلن على الأوجه بخلاف المحترم ككتب العلم الشرعي وآلته كالمنطق الموجود اليوم وجلدها المتصل بها بخلاف جلد المصحف فإنه محترم مطلقًا والمطعوم ولو عظمًا وإن حرق، وجزء آدمي محترم ولو منفصلا وجزء حيوان متصل به ولو فأرة على الأوجه، ويجزئ الحجر بعد المحترم وغير القالع ما لم ينقلا النجاسة. "ويسن" في القبل والدبر "الجمع بينهما" بأن يقدم الجامد ثم الماء ليزول العين ثم الأثر فتقل ملابسة النجاسة، وبه يعلم ما نقل عن الغزالي من أنه تحصل سنة الجمع "ولو بجامد متنجس" وما بحثه الإسنوي2 من حصولها أيضًا بعدد "دون ثلاث مسحات فإن اقتصر على أحدهما فالأفضل الماء" لأنه يزيل العين والأثر. "وشرط" إجزاء

1 الأقلف: الذي لم يختن، انظر لسان العرب "9/ 290".

2 هو جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي الشافعي نزيل القاهرة. مؤرخ، مفسر، فقيه، أصولي، عالم بالعربية والعروض، ولد بإسنا من صعيد مصر سنة 704هـ، وتوفي سنة 772هـ، له تصانيف كثيرة في الفقه والنحو والأصول وغيرها "معجم المؤلفين 2/ 129".

ص: 45

نجس آخر ولا يجاوز صفحته وحشفته ولا يصيبه ماء، وأن يكون بثلاث مسحات، فإن لم ينق المحل وجب الإنقاء، ويسن الإيتار، ويسن استيعاب المحل بالحجر، والاستنجاء باليسار، والاعتماد على الوسطى في الدبر إن استنجى بالماء، وتقديم الماء للقبل وتقديمه على الوضوء، ودلك يده بالأرض ثم يغسلها بعده ونضح فرجه وإزاره وأن يقول بعده: اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش.

ــ

"الحجر" لمن اقتصر عليه "أن لا يجف النجس" الخارج لأن الحجر لا يزيله حينئذ "و" أن "لا ينتقل" عن الموضع الذي استقر فيه عند الخروج لأنه حينئذ يطرأ على المحل نجاسة لا بسبب الخروج. "و" أن "لا يطرأ عليه نجس" أجنبي "آخر" ولو من الخارج كرشاشه لأن مورد النص الخارج والأجنبي ليس في معناه. "و" أن "لا يجاوز" الخارج "صفحته" في الغائط وهو ما ينضم من الأليتين عند القيام. "وحشفته" أو قدرها من مقطوعها في البول، وأن لا يدخل بول المرأة مدخل الذكر لأن مجاوزة ما ذكرنا نادرة جدًا فلا يلحق بما تعم به البلوى ولو تقطع الخارج تعين في المنفصل الماء وإن لم يجاوز ما ذكره. "و" أن "لا تصيبه ماء" غير مطهر له وإن كان طهورًا أو مائع آخر بعد الاستجمار أو قبله لتنجسهما، وكالمائع ما لو استنجى بحجر رطب أو كان المحل مترطبًا بماء ولا عرق على الأوجه. "وأن يكون بثلاث مسحات" وإن أنقى بدونها للنهي الصحيح عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار1 ويحصل ذلك ولو بأطراف حجر. "فإن لم ينق المحل" بالثلاث "وجب الإنقاء" بالزيادة عليها إلى أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء أو صغار الخزف. و"يسن الإيتار" إن حصل الإنقاء بشفع لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم به2. "ويسن استيعاب المحل بالحجر" أي بكل حجر من الثلاث بأن يبدأ بالأول من مقدم الصفحة اليمنى ويديره برفق إلى محل ابتدائه وبالثاني من مقدم اليسرى ويديره كذلك ويمر الثالث على صحفتيه ومسربته3 جميعًا، ويسن وضع الحجر على موضع ويديره برفق ولا يضر النقل الحاصل من عدم الإدارة، وظاهر كلامه ككلام الشيخين أنه لا يجب المحل بكل مسحة من الثلاث، وفيه كلام بينته في شرح الإرشاد4 بما حاصله أن في كلامهم شبه

1 روى النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار: مسلم في الطهارة حديث 58، والترمذي في الطهارة باب12، وأبو داود في الطهارة باب4، والنسائي في الطهارة باب41، وأحمد في المسند "5/ 437، 438، 439".

2 حديث: "من استجمر فليوتر" روي عن أبي هريرة وغيره؛ فرواه البخاري في الوضوء باب 25 و26، ومسلم في الطهارة حديث 20 و22 و24، وأبو داود في الطهارة باب19، والترمذي في الطهارة باب 21، والنسائي في الطهارة باب 38 و71، وابن ماجه في الطهارة باب 23 و44 والدارمي في الوضوء باب 5 و32، ومالك في الطهارة حديث 4، وأحمد في عدة مواضع من مسنده.

3 المسربة: الشعر المستدق الذي أخذ من الصدر إلى السرة.

4 واسم الكتاب "الإمداد في شرح الإرشاد" كما في هدية العارفين "1/ 146"، ومعجم المؤلفين "1/ 293" في ترجمة ابن حجر الهيتمي، ولعل الإرشاد المذكور هو "الإرشاد في فروع الشافعية" لشرف الدين إسماعيل بن أبي بكر بن المقري اليمني الشافعي المتوفى سنة 836هـ "كشف الظنون: ص69"، ولكن لم يذكر في كشف الظنون ضمن شروحاته شرحًا للهيتمي.

ص: 46

‌فصل: "في موجب الغسل

"

موجبات الغسل: الموت والحيض، والنفاس والولادة ولو علقة ومضغة وبلا

ــ

تعارض، فرجح جمع متأخرون الوجوب رعاية للمدرك وآخرون عدمه أخذًا بظواهر كلامهم، "و" يسن "الاستنجاء باليسار" للاتباع ويكره باليمنى، وقيل يحرم لصحة النهي عن الاستنجاء بها1. "و" يسن "الاعتماد على" الأصبع "الوسطى في الدبر إن استنجى بالماء" لأنه أمكن ولا يتعرض للباطن وهو ما لا يصل الماء إليه لأنه منبع الوسواس، نعم يسن للبكر أن تدخل أصبعها في الثقب الذي للفرج لتغسله. "و" يسن لمن يستنجي بالماء "تقديم الماء للقبل" لأنه لو قدم الدبر ربما عاد إليه النجس عند غسل القبل وبالحجر تقديم الدبر. "و" يسن "تقديمه" أي الاستنجاء "على الوضوء" إن كان غير سلس وإلا وجب عليه ذلك. "و" يسن للمستنجي "دلك يده بالأرض" أو نحوهما "ثم يغسلها" ويكون ذلك أعنى الدلك ثم الغسل "بعده" أي الاستنجاء للاتباع. "و" يسن له بعده "نضح فرجه وإزاره" من داخله دفعًا للوسواس. "و" يسن "أن يقول بعده: اللهم طهر قلبي من النفاق وحسن فرجي من الفواحش" لمناسبته الحال، ويكفي غلبة ظن زوال النجاسة وشم ريحها من اليد ينجسها دون المحل ما لم يشمها من محل ملاق له فيما يظهر، ولا يسن له شم يده وليحذر من ضم شرج مقعدته بل يسترخي قليلا لبقاء النجاسة في تضاعيفه، ولو سال عرق المستنجي بالحجر فإن جاوز صفحته وحشفته لزمه غسل المجاوز وإلا فلا.

فصل: في موجب الغسل

وهو بالفتح والضم والأول أفصح وأشهر، وقد يقال بالضم لماء الغسل، وبالكسر اسم لنحو سدر اغتسل به.

"موجبات الغسل" خمسة: أحدها: "الموت" لمسلم غير شهيد كما يعلم مما سنذكره في الجنائز. "و" ثانيها: "الحيض. و" ثالثها: "النفاس" مع الانقطاع ونحو القيام إلى الصلاة

1 روى مسلم في الطهارة "حديث 57" عن سلمان قال: قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة، قال: فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين

". وروى أيضًا النهي عن الاستنجاء باليمين النسائي في الطهارة باب 41، والدارمي في الوضوء باب 13 والأشربة باب21، وأحمد في المسند "2/ 250، 5/ 300، 310، 437".

ص: 47

رطوبة والجنابة وتحصل بخروج المني، ويعرف بتدفقه أو لذة بخروجه، أو ريح عجين رطبًا أو ريح بياض بيض جافًا، وبإيلاج الحشفة أو قدرها في فرج ولو دبرًا، أو فرج ميت أو بهيمة ولو مع حائل كثيف، وبرؤية المني في ثوبه أو فراش لا ينام فيه غيره، ويحرم بالجنابة ما يحرم بالحدث، ومكث في المسجد وتردد فيه لغير عذر، وقراءة القرآن بقصد القراءة.

ــ

إجماعًا. "و" رابعها: "الولادة ولو علقة ومضغة وبلا رطوبة" لأن كلا منهما مني منعقد. "و" خامسها: "الجنابة وتحصل" إما "بخروج المني" إجماعًا أي مني الشخص نفسه أول مرة من مخرج معتاد ومن فرجي المشكل1 مطلقًا ومن تحت صلب2 الرجل وترائب3 المرأة إن كان مستحكمًا بأن لا يخرج لنحو مرض وانسد الأصلي وإن لم يجاوز فرج المرأة بأن وصل لما يجب غسله ولو خرج من غير قصد أو كان الخارج منيه منها بعد غسلها إن قضت شهوتها بذلك الجماع بأن تكون بالغة مختارة مستيقظة اعتبارًا للمظنة كالنوم إذ يغلب على الظن اختلاط منيها به حينئذ ولا أثر لنزوله لقصبة الذكر. "ويعرف" المني سواء كان من رجل أو امرأة "بتدفقه" أي خروجه على دفعات قال تعالى: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارقك 6]، "أو لذة بخروجه" وإن لم يتدفق ويلزمهما فتور الذكر وانكسار الشهوة غالبًا "أو ريح4 عجين" أو طلع حال كون المني "رطبًا أو ريح بياض بيض" حال كون المني "جافًا" وإن لم يتدفق ولا التلذ به كأن خرج ما بقي منه بعد الغسل فإن فقدت هذه الخواص الثلاث فلا غسل ولا أثر لنحو الثخانة والبياض في مني الرجل والرقة والاصفرار في مني المرأة وجودًا ولا فقدًا. "و" إما "بإيلاج الحشفة أو قدرها" من فاقد ولو كانت من مبان "في فرج ولو دبرًا أو فرج ميت أو بهيمة" ولو سمكة وإن لم يشته ولا حصل إنزال ولا انتشار لا قصد ولا اختيار. "ولو مع حائل كثيف" لخبر مسلم:"إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وإن لم ينزل" 5 وخبر: "إنما الماء من الماء" 6، منسوخ وذكر الختانين جرى على الغالب هذا كله في ذكر الواضح وفرجه، أما الخنثى فلا غسل بإيلاج ذكره عليه ولا على المولج فيه مطلقًا ولا بإيلاج واضح في قبله لاحتمال الزيادة. "و" تحصل الجنابة أيضًا "بـ"ـسبب "رؤية المني في ثوبه" الذي لا يلبسه غيره. "أو فراش لا ينام فيه غيره" ممن يحتمل أن له منيًّا لعدم احتمال كونه من غيره حينئذ وإن كان بظاهر الثوب ويلزمه إعادة كل صلاة لا يحتمل حدوثه بعدها. "ويحرم

1 أي الخنثى المشكل.

2 صلب الرجل: فقار ظهره.

3 الترائب: عظام الصدر مما يلي الترقوتين. وفي التنزيل العزيز: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} .

4 أي رائحة.

5 لفظ الحديث في مسلم "كتاب الحيض، حديث رقم 88" من حديث عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل".

6 رواه مسلم في الحيض "حديث 80 و81" من حديث أبي سعيد الخدري.

ص: 48

‌فصل: "فص صفات الغسل

"

فصل: "في صفات الغسل"

وأقل الغسل نية رفع الجنابة أو فرض الغسل أو رفع الحدث، واستيعاب جميع

ــ

بالجنابة ما يحرم بالحدث" وقد مر "ومكث" المسلم "في المسجد" ورحبته وهوائه وجناح بجداره وإن كان كله في هواء الشارع وبقعة وقف بعضها مسجدًا شائعًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" 1 حسنه ابن القطان2. "وتردد فيه" أو في نحوه مما ذكر لأنه يشبه المكث بخلاف العبور، نعم هو خلاف الأولى إلا لعذر كقرب ومحل حرمة المكث والتردد إذا كانا "لغير العذر" فإن كانا لعذر كأن احتلم فأغلق عليه باب المسجد أو خاف من الخروج على تلف نحو مال جاز له المكث للضرورة ويجب عليه التيمم ويحرم بتراب المسجد وهو الداخل في وقفه، أما الكافر فلا يمنع من المكث فيه لأنه لا يعتقد حرمته. "و" يحرم على المسلم أيضًا "قراءة القرآن" بلسانه ولو لحرف منه "بقصد القراءة" وحدها أو مع غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن" 3، حسنه المنذري4 أما إذا لم يقصدها بأن قصد ذكره أو موعظته أو حكمه كالبسملة أو أطلق فلا يحرم لأنه لا يكون قرآنًا إلا بالقصد، نعم يجب قراءة الفاتحة في صلاة جنب فقد الطهورين لضرورة توقف صحة الصلاة عليها.

فصل: في صفات الغسل

"وأقل الغسل" الواجب "نية رفع الجنابة" في الجنب والحيض والنفاس في الحائض والنفساء أي رفع حكم ذلك أو استباحة ما يتوقف على الغسل. "أو فرض الغسل" أو الغسل المفروض أو الواجب أو أداء الغسل. "أو رفع الحدث" أو الحدث الأكبر أو عن جميع البدن وهو أفضل من الإطلاق أو الطهارة للصلاة في حق الجنب وما بعده5 لتعرضه للمقصود في غير رفع الحدث، وإلا استلزم رفع المطلق رفع المقيد فيها، ولا يكفي نية مطلق الغسل كما مر في

1 رواه أبو داود في الطهارة باب92، وابن ماجه في الطهارة باب 126.

2 هو عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد المبارك الجرجاني ويعرف بابن القطان، محدث، حافظ، فقيه، ولد سنة 277هـ، وتوفى سنة 365هـ، من تصانيفه: الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين وعلل الأحاديث وغيره "معجم المؤلفين: 2/ 257".

3 رواه الترمذي في الطهارة باب 98، وابن ماجه في الطهارة باب 105، من حديث عبد الله بن عمر.

4 هو عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري الشامي الأصل المصري الشافعي، محدث، حافظ، فقيه، ولد سنة 581هـ، وتوفي سنة 656هـ، من مؤلفاته: شرح التنبيه للشيرازي، والترغيب والترهيب، ومختصر سنن أبي داود، وغيرها "معجم المؤلفين: 2/ 171".

5 أي المذكور آنفًا من الحيض والنفاس.

ص: 49

شعره وبشره، ويجب قرن النية بأول مغسول.

وسننه: الاستقبال: والتسمية مقرونة بالنية، وغسل الكفين، ورفع الأذى، ثم الوضوء، ثم تعهد مواضع الانعطاف، وتخليل أصول الشعر ثلاثًا بيده المبلولة ثم الإفاضة على رأسه، ثم على شقه الأيمن ثم الأيسر والتكرار ثلاثًا، والدلك في كل مرة واستصحاب النية، وأن لا ينقص ماؤه عن صاع، وأن تتبع المرأة غير معتدة الوفاة أثر الدم بمسك ثم بطيب ثم بطين، فإن لم تجد ذلك فالماء كافٍ، وأن لا يغتسل من خروج المني قبل البول، ويسن الذكر المأثور بعد الفراغ، وترك الاستعانة.

ــ

الوضوء. "واستيعاب جميع شعره" وظفره ظاهرًا وباطنًا وإن كثف. "و" جميع ظاهر "بشره" حتى ما ظهر من نحو صماخ الأذن وأنف جدع وشقوق لا غور1 لها وإلا فكما في الوضوء ومن فرج بكر أو ثيب إذا قعدت لقضاء حاجتها وما تحت قلفة الأقلف، فلا يجب غسل باطن عقد الشعر وباطن فم وأنف وفرج وعين وشعر نبت بها أو بالأنف، نعم يجب نقض الضفائر إذا لم يصل الماء إلى باطن الشعر إلا به. "ويجب قرن النية بأول مغسول" فلو نوى بعد غسل جزء وجب إعادة غسله. "وسننه" كثيرة منها "الاستقبال والتسمية مقرونة بالنية وغسل الكفين" كالوضوء فيهما، نعم يسن لمن يغتسل من نحو إبريق أن يقرن النية بغسل محل الاستنجاء بعد فراغه منه لأنه قد يغفل عنه أو يحتاج إلى المس فينتقض وضوؤه. "و" منها "رفع الأذى" الطاهر كمني ومخاط والنجس الحكمي وإن كفى لهما غسلة. "ثم" بعد إزالته "الوضوء" الكامل للاتباع فتأخيره أو بعضه عن الغسل خلاف الأفضل، وينوي به سنة الغسل إن تجردت جنابته عن الحدث الأصغر وإلا نوى به رفع الحدث الأصغر. "ثم" بعد الوضوء "تعهد مواضع الانعطاف" كالأذن وطبقات البطن والموق2 واللحاظ وتحت المقبل من الأنف والأذن "وتخليل أصول الشعر ثلاثًا بيده المبلولة" بأن يدخل أصابعه العشرة في الماء ثم في الشعر ليشرب بها أصوله لأن هذا وما قبله أقرب إلى الثقة بوصول الماء، وأبعد عن الإسراف فيه. "ثم الإفاضة على رأسه" للاتباع، ولا يسن فيها البداءة بالأيمن، ويظهر أن محله إن كفى ما يفيضه على كل رأسه وإلا فالبداءة بالأيمن أولى كالأقطع الذي لا يتأتى منه إفاضة، "ثم على شقه الأيمن" المقدم منه ثم المؤخر "ثم" على "الأيسر" كذلك "والتكرار" لجميع ذلك "ثلاثًا والدلك في كل مرة" من الثلاث لما تصله يده. "واستصحاب النية" ذكرًا كالوضوء في جميع ذلك. "و" أن "لا ينقص ماؤه عن صاع" في معتدل لأنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع3، فإن نقص وأسبغ كفى، أما غير المعتدل

1 أي عمق.

2 موق العين وماقها: لغة في المؤق والمأق، وجمعهما أمواق، ومؤق العين: مؤخرها، وقيل مقدمها، لسان العرب "10 /335 و350".

3 روى البخاري في الوضوء باب 47 "حديث 201" ومسلم في الحيض "حديث 51" عن أنس: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل -أو كان يغتسل- بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد" وروى مسلم في الحيض "حديث 52" عن سفينة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضؤه المد".

ص: 50

‌فصل: "في مكروهاته

"

ويكره الإسراف في الصب، والغسل والوضوء في الماء الراكد، والزيادة على الثلاث، وترك المضمضة والاستنشاق، ويكره للجنب الأكل والشرب والنوم والجماع قبل غسل الفرج والوضوء، وكذا منقطعة الحيض والنفاس.

ــ

فينقص ويزيد ما يليق بحاله. "وأن تتبع المرأة" ولو بكرًا أو خلية "غير معتدة الوفاة" والمحرمة "أثر الدم" الذي هو حيض أو نفاس "بمسك" بأن تجعله بعد غسلها بنحو قطنة وتدخلها إلى ما يجب غسله من فرجها لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم به1 مع تفسير عائشة له بذلك، وحكمته تطييب المحل لا سرعة العلوق ويكره تركه، أما معتدة الوفاة والمحرمة فيمتنع عليها استعمال الطيب، نعم يسن للمحدة تطييب المحل بقليل قسط أو ظفار2. "ثم" إن لم تجد مسكًا يسن "بطيب" غيره "ثم" إن لم تجد طيبًا سن "بطين فإن لم تجد ذلك فالماء كاف" في دفع الكراهة. "و" لمن خرج منه مني الغسل قبل البول لكن السنة "أن لا يغتسل من خروج المني قبل البول" لئلا يخرج بعده شيء "ويسن الذكر المأثور" وهو ما مر عقب الوضوء "بعد الفراغ" من الغسل "وترك الاستعانة" والتنشيف كالوضوء.

فصل: في مكروهاته

"ويكره الإسراف في الصب" للغسل نظير ما مر في الوضوء بقيده "و" يكره "الغسل والوضوء في الماء الراكد" ولو كان كثيرًا أو بئرًا معينة لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم عن الغسل فيه، وقيس به الوضوء بجامع خشية الاستقذار والاختلاف في طهوريته، وبه يعلم أن الكلام في غير المستبحر الذي لا يتقذر بذلك بوجه ولا خلاف في طهوريته وإن فعل فيه ذلك، وأنه لا فرق بين الوضوء عن حدث أصغر أو أكبر. "و" يكره "الزيادة على الثلاث" كالوضوء بقيده السابق فيه "وترك المضمضة والاستنشاق" للخلاف في وجوبهما فيه كالوضوء. "ويكره للجنب الأكل

1 روى البخاري في الحيض باب 13 "حديث 314" عن عائشة: أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال: "خذي فرصة من مسك فتطهري بها" قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: "سبحان الله تطهري"، فاجتذبتها إليَّ فقلت: تتبعي بها أثر الدم. وروى أيضًا "حديث 315" عن عائشة أن امرأة من الأنصار قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف أغتسل من المحيض؟ قال: "خذي فرصة ممسّكة فتوضئي ثلاثًا" ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استحيا فأعرض بوجهه، أو قال:"توضئي بها" فأخذتها فجذبتها فاخبرتها بما يريد النبي صلى الله عليه وسلم.

2 القسط: عود يجاء به من الهند يجعل في البخور والدواء، وفي حديث أم عطية:"لا تمس طيبًا إلا نبذة من قسط وأظفار"، وفي رواية:"قسط أظفار" انظر لسان العرب "7/ 379" والأظفار: جنس من الطيب لا واحد له من لفظه، وقيل: واحده ظفر، وهو شيء من العطر أسود والقطعة منه شبيهة بالظفر "لسان العرب: 4/ 518".

ص: 51

‌باب: النجاسة وإزالتها

وهي: الخمر ولو محترمة، والنبيذ، والكلب، والخنزير وما تولد من أحدهما والميتة إلا الآدمي والسمك والجراد، والدم والقيح والقيء والروث، والبول والمذي

ــ

والشرب والنوم والجماع قبل غسل الفرج والوضوء لما صح من الأمر به في الجماع1 وللاتباع في البقية إلا الشرب فمقيس على الأكل، "وكذا منقطعة الحيض والنفاس" فيكره لها ذلك كالجنب بل أولى.

باب: النجاسة وإزالتها

"وهي" لغة كل مستقذر، وشرعًا بالحد مستقذر يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص، وبالعد كل مسكر مائع أصالة ومنه "الخمر" وهي المتخذة من عصير العنب "ولو محترمة" وهي ما عصر بقصد الخلية2 أو لا بقصد، ومن ثم لم تجب إراقتها بخلاف ما لو عصر بقصد الخمرية تجب إراقته فورًا ويعتبر تغيير القصد قبل التخمر "والنبيذ" وهو المتخذ من عصير نحو الزبيب للإجماع في الخمر وللأحاديث الصحيحة الصريحة في غيرها، أما الجامد فطاهر منه الحشيشة والأفيون وجوز الطيب والعنبر والزعفران فيحرم تناول القدر المسكر من كل ما ذكر كما صرحوا به. "والكلب" ولو معلمًا لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بالتسبيع من ولوغه وبإراقة ما ولغ فيه3، "والخنزير" لأنه أسوأ حالا من الكلب إذ لا يقتنى بحال. "وما تولد من أحدهما" مع حيوان طاهر ولو آدميًا تغليبًا للنجس، "والميتة" بجميع أجزائها وإن لم يكن لها دم سائل وهي مازالت حياتها لا بزكاة شرعية بالنص4 والإجماع "إلا الآدمي" ولو كافرًا؛ لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:"إن المؤمن لا ينجس حيًّا ولا ميتًا" 5 والتعبير بالمؤمن للغالب أو للشرف إذ لا قائل بالفرق. "والسمك والجراد" للخبر الصحيح: "أحل لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد

1 روى مسلم في الحيض "حديث 27" عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ".

2 أي لاتخاذه خلا.

3 روى مسلم في الطهارة "حديث 89" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار"، ورواه بلفظ آخر "حديث 91":"طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب"، وفي لفظ له "حديث 90" وللبخاري في الوضوء باب 33 "حديث 172":"إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا".

4 ورد ذلك نصًا في الآية 145 من سورة الأنعام: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} .

5 ذكره البخاري في الجنائز باب 8 تعليقًا عن ابن عباس بلفظ: "المسلم لا ينجس حيًّا ولا ميتًا".

ص: 52

والودي، والماء المتغير السائل من فم النائم، ومني الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما، ولبن ما لا يؤكل لحمه إلا الآدمي والعلقة والمضغة ورطوبة الفرج فطاهرات

ــ

والكبد والطحال" 1، "و" من النجاسات "الدم" وإن تحلب من كبد أو نحو سمك أو بقي على نحو العظام لكنه معفو عنه لقوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} ، أي سائلًا بخلاف غيره كالكبد والعلقة. "والقيح والقيء" وإن لم يتغير "والروث" بالمثلثة كالبول، نعم لو راثت أو قاءت بهيمة حبًّا صحيحًا صلبًا بحيث لو زرع نبت كان متنجسًا لا نجسًا، "والبول" للأمر بصب الماء عليه2 "والمذي" بسكون المعجمة للأمر بغسل الذكر أي رأسه منه وهو ماء أصفر رقيق غالبًا يخرج عند ثوران الشهوة ويشترك فيه الرجل والمرأة. "والودي" بسكون المهملة كالبول وهو ماء أبيض ثخين غالبًا يخرج عقب البول. "والماء المتغير السائل من فم النائم" إن تحقق كونه من المعدة بخلاف غيره لكن الأولى غسل ما يحتمل كونه منها ولو ابتلي بالأول شخص عفي عنه. "ومني الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما" ومن غيره لأنه الأصل. "ولبن ما لا يؤكل لحمه" كالأتان "إلا الآدمي" وإلا مني الحيوان غير الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما. "والعلقة" وهي دم غليظ "والمضغة" وهي لحمة صغيرة "ورطوبة الفرج" وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعرق من الحيوان الطاهر ولبن المأكول ولو ذكرًا صغيرًا ميتًا وإنفحته3 إن أخذت منه بعد ذبحه ولم يطعم غير لبن ولو نجسًا ومترشح كل حيوان طاهر كعرق ولعاب وبلغم إلا المتيقن خروجه من المعدة وماء قروح ونفط4 لم يتغير والبيض ولو من ميتة إن كان متصلبًا وبزر القز والمسك وفأرته 5 المنفصلة في حياته أو بعد ذكاته والزباد6 لا ما فيه من شعر السنور البري نعم يعفى عن قليله عرفًا، والعنبر وهو نبت بحري وإن ابتلعه حوت ما لم يستحل. "فطاهرات" للنصوص الصحيحة في أكثرها وقياسًا في باقيها ولو تحقق خروج رطوبة الفرج من باطنه كانت نجسة، وإنما لم ينجس ذكر

1 رواه ابن ماجه في الأطعمة باب 31 "حديث 3314" وأحمد في المسند "2/ 97" عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أحلت لكم ميتتان ودمان؛ فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال".

2 روى البخاري في الوضوء "حديث 219 و221" ومسلم في الطهارة "حديث 98 و99 100" من حديث أنس بن مالك قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه، لفظ البخاري "حديث 221" ورواه البخاري أيضًا "حديث 220" من حديث أبي هريرة بلفظ آخر.

3 الإنفحة: جزء من معدة صغار العجول والجداء ونحوهما "المعجم الوسيط: ص938".

4 النفط والنافطة: بئرة تخرج في اليد من العمل ملآى بالماء "المعجم الوسيط: ص941".

5 فأرة المسك: وعاؤه الذي يجتمع فيه.

6 الزباد: حيوان ثديي من الفصيلة الزبادية قريب من السنانير، له كيس عطر قريب من الشرج يفرز مادة دهنية تستخدم في الشرق أساسًا للعطر "المعجم الوسيط: ص388".

ص: 53

والجزء المنفصل من الحيوان كميتته، إلا شعر المأكول وريشه وصوفه ووبره فطاهرات، ولا يطهر شيء من النجاسات إلا ثلاثة أشياء: الخمر من إنائها إذا صارت خلا بنفسها والجلد المتنجس بالموت، ويطهر بالدبغ ظاهره وباطنه وما صار حيوانًا.

ــ

المجامع إذا وطئ من استنجت بماء أو حجر ولم يتحقق إصابة البول للذكر ولا لمدخله لعدم تحقق خروجها من الباطن، ويجوز أكل بيض غير المأكول حيث لا ضرر فيه. "والجزء المنفصل من الحيوان كميتته" طهارة ونجاسة فيدخل نحو الآدمي ومشيمته طاهرة بخلافهما من نحو الفرس للخبر الصحيح:"ما قطع من حي فهو ميت"1، "إلا شعر" الحيوان "المأكول وريشه وصوفه ووبره" إذا لم يعلم إبانته بعد موته "فطاهرات" لقوله تعالى:{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا} ، الآية: ولو انفصل من مأكول حي جزء عليه شعر فهما نجسان وخرج بما ذكره القرن والظلف والظفر فهي نجسة. "ولا يطهر شيء من النجاسات" بالاستحالة "إلا ثلاثة أشياء" أحدها "الخمر" ولو غير محترمة فتطهر وإن فتح رأسها أو نقلت من محلها أو تخللت لا بفعل فاعل "مع إنائها" ولو نحو خزف جديد تبعًا لها للضرورة "إذا صارت" أي استحالت" "خلا بنفسها " أي بلا مصاحبة عين لزوال علة النجاسة وهي الإسكار، أما إذا تخللت بمصاحبة عين نجسة وإن نزعت قبل التخلل أو طاهرة استمرت إليه أو لم تستمر لكن تحلل منها شيء فلا تطهر إذ النجس يقبل التنجس في الأولى، ولتنجسها بعد تخللها بالعين التي تنجست بها في الثانية، وكالخمر فيما ذكر النبيذ على المعتمد. "و" ثانيها "الجلد المتنجس بالموت" بأن لم يكن من نحو كلب "و" إن كان من غير المأكول "يطهر بالدبغ" والاندباغ "ظاهره" وهو ما لاقاه الدباغ "وباطنه" وهو ما لم يلاقه بشرط أن ينقى من الرطوبات المعفنة له بحيث لا يعود إليه النتن والفساد لو نقع في الماء لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" 2 وإنما تحصل التنقية المذكورة بحريف ولو نجسًا كذرق حمام لا بنحو شمس وتراب وخرج بالجلد الشعر نعم يطهر قليله تبعًا كإناء الخمر ثم هو بعد الاندباغ كثوب متنجس فلا بد لنحو الصلاة فيه وعليه من تطهيره. "و" ثالثها "ما صار حيوانًا" كالميتة إذا صارت دودًا لحدوث الحياة وهو وإن لم يكن متولدًا منها لكنه متولد من عفوناتها وهي نجسة، ولا يصح التمثيل بدم بيضة صارت فرخًا لأنه حينئذ كالمني إذ هو أصل حيوان طاهر، وخرج بحيوان ما صار رمادًا أو ملحًا مثلا فلا يطهر.

1 رواه أبو داود في الأضاحي باب 23، وابن ماجه في الصيد باب8، والدارمي في الصيد باب 9، وأحمد في المسند "5/ 218".

2 رواه مسلم في الحيض حديث 105، وأبو داود في اللباس باب 38، والترمذي في اللباس باب 7، والنسائي في الفرع باب 4، والدارمي في الأضاحي باب 20، ومالك في الصيد حديث 17، وأحمد في المسند "1/ 219، 227، 262، 270، 327، 343، 365، 366، 372".

ص: 54

فصل: "في إزالة النجاسة"

إذا تنجس شيء بملاقاة كلب أو فرعه مع الرطوبة غسل سبعًا مع مزج إحداهن بالتراب الطهور، والأفضل أن يكون في الأولى، ثم في غير الأخيرة، والخنزير كالكلب، وما تنجس ببول صبي لم يطعم إلا اللبن ينضح بالماء وما تنجس بغير ذلك، فإن كانت

ــ

فصل: في إزالة النجاسة

"إذا تنجس شيء" جامد ولو نفيسًا يفسده التراب "بملاقاة" شيء من "كلب أو فرعه" ولو لعابه "مع الرطوبة" في إحداهما "غسل سبعًا مع مزج إحداهن" سواء الأولى والأخيرة وغيرهما "بالتراب الطهور" لخبر: "طهور إناء إحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات إحداهن بالبطحاء" 1 وفي رواية: "أولاهن" 2، وهي لبيان الأفضل كما يأتي. وفي أخرى:"السابعة"3 وهي لبيان أقل الإجزاء. وفي أخرى: "الثامنة"4 أي بأن يصاحب السابعة، وإنما يعتبر السبع بعد زوال العين فمزيلها وإن تعدد واحدة ويكتفي بها وإن تعدد الولوغ أو كانت معه نجاسة آخرى وغمسه في ماء كثير مع تحريكه سبعًا أو مرور سبع جرات عليه كغسله سبعًا، والواجب من التراب ما يكدر الماء ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل كماء كدر ظهر أثره فيه، ولا يجب المزج قبل الوضع بل يكفي سبق التراب ولو مع رطوبة المحل لأن الطهور الوارد باق على طهوريته، ولا يجب التراب في تطهير أرض ترابية إذ لا معنى لتتريب التراب وخرج به نحو صابون وسحاقة خزف وبالطهور مختلط بنحو دقيق وإن قل ومستعمل للنص على التراب المنصرف للطهور وغيره لا يقوم مقامه. "والأفضل أن يكون" التراب "في الأولى ثم في غير الأخيرة" لعدم احتياجه حينئذ إلى تتريب ما يصيبه بعد التي فيها التراب. "والخنزير كالكلب" فيما ذكر قياسًا عليه بل أولى. "وما تنجس ببول صبي لم يطعم" بفتح أوله أي لم يتناول قبل الحولين "إلا اللبن" أو غيره للتحنيك أو للتداوي أو التبرك "ينضح" أي يرش "بالماء" حتى يعم موضعه ويغلب عليه وإن لم يغسل للاتباع فخرج غير البول وبول الأنثى

1 لفظ "البطحاء" رواه من حديث عليّ الدارقطني في سننه "كتاب الطهارة، حديث رقم 189" ولفظه: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالبطحاء".

2 هذه الرواية عند مسلم في الطهارة "حديث 91 " من حديث أبي هريرة، ورواها أيضًا أبو داود في الطهارة باب 37 "حديث 71".

3 هذه الرواية لأبي داود في الطهارة باب 37 "حديث رقم 73" من حديث أبي هريرة.

4 هذه الرواية لمسلم في الطهارة "حديث رقم 93" من حديث ابن المغفل، ولفظه في آخره: "

وعفروه الثامنة بالتراب".

ص: 55

عينية وجبت إزالة عينه وطعمه ولونه وريحه، ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله ويضر بقاؤهما أو الطعم وحده، وإن لم يكن للنجاسة عين كفي جري الماء عليها، ويشترط ورود الماء القليل، والغسالة القليلة طاهرة ما لم تتغير وقد طهر المحل.

ــ

والخنثى وأكله أو شربه للتغذي ورضاعه بعد حولين فلا يكفي نضحه بل لا بد من غسله وهو تعميم المحل مع السيلان لخبر: "يرش من بول الغلام ويغسل من بول الجارية" 1، ولأن الابتلاء بحمل الذكر أكثر والخنثى يحتمل كونه أنثى.

"وما تنجس بغير ذلك" من سائر النجاسات السابقة وغيرها "فإن كانت" نجاسة "عينية" وهي التي تدرك بإحدى الحواس "وجبت إزالة عينه و" لا تحصل إلا بإزالة "طعمه ولونه وريحه" ويجب نحو صابون وذلك إن توقفت الإزالة عليه، "ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله" كلون الصبغ بأن صفت غسالته ولم يبق إلا أثر محض وكريح الخمر للمشقة.

"ويضر بقاؤهما" بمحل واحد وإن عسر زوالهما. "أو" بقاء "الطعم وحده" لسهولة إزالته وعسرها نادر ويعرف بقاؤه فيما إذا دميت لثته أو غلب على ظنه زواله فيجوز له ذوق المحل استظهارًا. "وإن لم يكن للنجاسة عين" كبول جف ولم يدرك له طعم ولا لون ولا ريح "كفى جري الماء عليها" مرة من غير اشتراط نية وفيما مر لأنها من باب التروك "ويشترط ورود الماء القليل" على المحل لقوته وإلا تنجس بخلاف الكثير.

"والغسالة القليلة" المنفصلة "طاهرة" غير مطهرة "ما لم تتغير" بطعم أو لون أو ريح ولم يزد وزنها باعتبار ما يأخذه الثوب من الماء ويعطيه من الوسخ الطاهر "وقد طهر المحل" بخلاف ما إذا تغيرت أو زاد وزنها أو لم يطهر المحل فهي نجسة كالمحل؛ لأن البلل الباقي فيه بعضها والماء القليل لا يتبعض طهارة ونجاسة ولا نظر لانتقال النجاسة إليه لأن الماء قهرها فأعدمها فعلم أنها كالمحل مطلقًا فحيث حكم بطهارته حكم بطهارتها وحيث لا فلا، فلو وضع ثوبًا في إجانة2 وفيه دم معفو عنه وصب الماء عليه تنجس بملاقاته لأن دم نحو البراغيث لا يزول بالصب فلا بد بعد زواله من صب ماء طهور وهذا مما يغفل عنه أكثر الناس، وتجب المبالغة في الغرغرة عند غسل فمه المتنجس ويحرم ابتلاع نحو طعام قبل ذلك.

1 رواه أبو داود في الطهارة باب 135، والترمذي في الجمعة باب 78، والنسائي في الطهارة باب 189، وابن ماجه في الطهارة باب 77.

2 الإجانة: إناء تغسل فيه الثياب.

ص: 56

‌باب التيمم

‌مدخل

باب: التيمم

يتيمم المحدث والجنب لفقد الماء والبرد، والمرض، فإن تيقن فقد الماء تيمم بلا طلب، وإن توهم الماء أو ظنه أو شك فيه فتش في منزله وعند رفقته، وتردد قدر حد الغوث، وقدره بعضهم بغلوة سهم، فإن لم يجد ماء تيمم، وإن تيقن وجود الماء وجب طلبه في حد القرب -وهو ستة آلاف خطوة- فإن كان فوق حد القرب تيمم، والأفضل تأخير الصلاة إن تيقن وصول الماء آخر الوقت، ولا يجب طلبه في حد الغوث وحد

ــ

باب: التيمم

هو لغة: القصد، وشرعًا: إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشرائط تأتي، وفرض سنة أربع أو ست، وهو من خصائصنا. "يتيمم المحدث والجنب" ومأمور بطهر مسنون من وضوء أو غسل "لفقد الماء والبرد والمرض" هذه أسبابه من حيث الجملة، وأما تفصيلها "فإن تيقن" المسافر أو غيره "فقد الماء تيمم بلا طلب" لأنه حينئذ عبق "وإن توهم الماء أو ظنه أو شك فيه" وجب عليه طلبه لكن لا يصح إلا بعد تيقن دخول الوقت، نعم يصح تقديم الأذان عليه وإنما يحصل إن "فتش" عليه بنفسه أو مأذونه الثقة ولو عبدًا أو امرأة وإن كان واحدًا عن جمع "وفي منزله وعند رفقته" المنسوبين إليه إن جوز بذلهم ولو بأن ينادي فيهم: من عنده ماء يجود به ولو بالثمن "وتردد" يمينًا وشمالًا وأمامًا وخلفًا "قدر حد الغوث" وجوبًا وهو ما يلحقه فيه غوث الرفقة مع ما هم عليه من التشاغل والتفاوض في الأقوال "وقدره بعضهم" كالرافعي1 "بغلوة سهم" أي غاية رميه ومراده تقريب ما مر، وليس المراد بذلك أنه يدور الحد المذكور لما فيه من عظيم الضرر والمشقة بل أن يصعد مرتفعًا بقربه، ثم ينظر حواليه إن كان بغير مستو وإلا نظر في الجهات الأربع قدر الحد المذكور، ويخص مواضع الخضرة والطير بمزيد نظر "فإن" تردد و"لم يجد ماء تيمم وإن تيقن وجود الماء وجب طلبه في حد القرب" وهو ما يقصده النازلون لنحو احتطاب واحتشاش، قال محمد بن يحيى2: ولعله يقرب من نصف فرسخ "وهو" نحو "ستة آلاف خطوة" إذ الفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف خطوة فنصفه ما ذكر "فإن كان" الماء "فوق حد القرب تيمم" ولم يجب قصده للمشقة "والأفضل تأخير الصلاة إن تيقن وصول الماء" يعني وجوده أو القدرة على القيام أو ساتر العورة أو الجماعة "آخر الوقت" أي قبل أن يبقى منه ما يسع تلك الصلاة بالوضوء ومقدماتها لفضيلة الصلاة

1 هو أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعي القزويني الشافعي، فقيه، أصولي، محدث، مفسر، مؤرخ، ولد سنة 555هـ، وتوفي سنة 632هـ "معجم المؤلفين: 2/ 210".

2 هو محمد بن يحيى بن منصور النيسابوري الشافعي. فقيه، ولد بطريثيث من خراسان سنة 476هـ، وتفقه على الغزالي وغيره، وقتل بنيسابور على يد الغز سنة 548هـ. من تصانيفه الكثيرة: المحيط في شرح الوسيط، والإنصاف في مسائل الخلاف، والأربعون هو عن أربعين صحابيًّا في أربعين بابًا "معجم المؤلفين: 3/ 771".

ص: 57

القرب إلا إذا أمن نفسًا ومالًا وانقطاعًا عن الرفقة، وخروج الوقت، فإن وجد ماء لا يكفيه وجب استعماله ثم يتيمم، ويجب شراؤه بثمن مثله إن لم يحتج إليه لدين مستغرق، أو

ــ

بالوضوء والقيام والسترة والجماعة عليها بضد ذلك، وسواء في الأولى منزله وغيره على الأوجه خلافًا للماوردي1، ولو كان إذا قدم التيمم صلى في جماعة، وإذا أخر صلى بالوضوء منفردًا فالتقديم أفضل، ولو صلى بالتيمم أوله وبالوضوء آخره فهو الأكمل، أما إذا لم يتيقن ذلك فالتقديم أفضل. "ولا يجب طلبه" أي الماء "في حد الغوث وحد القرب" السابقين "إلا إذا أمن نفسًا" محترمة وجميع أجزائها "ومالًا" له أو لغيره وإن قل ما لم يكن قدرًا يجب بذله في تحصيل الماء ثمنًا أو أجرة في مسألة التيقن فلا يعتبر الأمن عليه لأنه ذاهب على كل تقدير، ومثله الاختصاص وإن كثر بخلافه في غير صورة التيقن فإن يعتبر الأمن على المال والاختصاص مطلقًا. "و" أمن "انقطاعًا عن الرفقة" وإن لم يستوحش وفارق الجمعة بأنها لا بدل لها "و" أمن "خروج الوقت" فلو خاف فواته لو قصده من أوله أو من حين نزوله جاز له التيمم بخلاف ما لو وجده وخاف فوت الوقت لو توضأ أو غسل النجاسة به؛ لأنه غير فاقد، وبخلاف المقيم فإنه لا يجوز له التيمم وإن خاف فوت الوقت لو سعى إلى الماء لأنه لا بد له من القضاء. "فإن وجد" المحدث أو الجنب "ماء" صالحًا للغسل "لا يكفيه" لطهره "وجب" عليه "استعماله" إذ الميسور لا يسقط بالمعسور وللخبر الصحيح:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم""ثم" بعد استعماله في بعض أعضاء الجنب أي بعض شاء وفي وجه المحدث وما يليه "يتيمم" عن الباقي، ولا يجوز له تقديم التيمم على استعماله لأنه معه ماء طاهرًا بيقين، أما ما لا يصلح إلا للمسح كثلج أو برد أو ماء لا يمكن أن يسيل لقلته لم يؤمر المحدث باستعماله في مسح الرأس لفقد الترتيب، ويجب أيضًا استعمال تراب ناقص، "ويجب" بعد دخول الوقت لا قبله "شراؤه" أي الماء ولو ناقضًا للطهارة واستئجار نحو دلو يحتاج إليه "بثمن" أو أجرة "مثله" في ذلك المكان والزمان، فلو طلب مالكه زيادة فلسٍ لم يجب لكنه أفضل، ومحل ذلك حيث لم ينته الأمر إلى شراء الماء لسد الرمق وإلا لم يجب لأن الشربة حينئذ قد تساوي دنانير، نعم إن بذل منه ذلك نسيئة بزيادة لائقة بمثل تلك النسيئة عرفًا وكان موسرًا بمال غائب إلى أجل يبلغه موضع ماله ولو غير وطنه لزمه القبول إذ لا ضرر عليه فيه وإنما يجب الشراء أو الاستئجار بعوض المثل "إن لم يحتج إليه لدين مستغرق" ولو

1 هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري المعروف بالماوردي. فقيه، أصولي، مفسر، أديب، ولد سنة 364هـ، وتوفي سنة 450هـ، من تصانيفه: الحاوي الكبير في فروع الفقه الشافعي، تفسير القرآن الكريم، أدب الدين والدنيا، الأحكام السلطانية، وغيرها "معجم المؤلفين: 2/ 499".

3 رواه البخاري في الاعتصام باب 6، ومسلم في الفضائل حديث 130 والحج حديث 412، والنسائي في الحج باب 1، وابن ماجه في المقدمة باب 1.

ص: 58

مئونة سفره، أو نفقة حيوان محترم ولو في المستقبل، ويجب طلب هبة الماء واستعارة دلو دون اتهاب ثمنه، ولو كان معه ماء يحتاج إليه لعطش حيوان محترم ولو في المستقبل وجب التيمم، ولا يتيمم للمرض إلا إذا خاف من استعمال الماء على نفس أو منفعة عضو أو طول المرض أو حدوث شين قبيح في عضو ظاهر، ولا يتيمم للبرد إلا إذا لم تنفع

ــ

مؤجلا ومستغرق صفة كاشفة إذ من لازم الحجة للدين أو يكون مستغرقًا "أو مئونة سفره" المباح ذهابًا وإيابًا "أو نفقة حيوان محترم ولو في المستقبل" ممن تلزم نفقته وإن لم يكن معه ومن رقيقه وحيوان معه ولو لغيره إن عدم نفقته، والمراد بالنفقة المئونة لتشمل حتى الملبوس والأثاث الذي لا بد منه وأجرة التداوي والمركوب، وكذا المسكن والخدام المحتاج إليهما لأن هذه الأشياء لا بدل لها بخلاف الماء، وخرج بالمحترم وهو ما حرم قتله نحو المرتد والحربي والزاني المحصن وتارك الصلاة بشرطه والخنزير والكلب العقور لا الذي لا منفعة فيه ولا ضرر بل هو محترم. "ويجب طلب هبة الماء" وقرضه وقبولهما لغلبة المسامحة فيه فالمنة فيه حقيرة "واستعارة" نحو "دلو" ورشاء1 مما يتوقف عليه القدرة على الماء أي طلب عاريته وقبولها وإن زادت قيمته على ثمن مثل الماء إذ لا تعظم المنة فيها والأصل عدم تلف المستعار، ولو امتنع من سؤال ذلك أو قبوله لم يصح تيممه ما دام قادرًا عليه "دون اتهاب ثمنه" أي الماء أو أجرة اتهاب نحو الدلو أو اقتراضه لعظم المنة في ذلك ولو من نحو أب أو ابن وإن كان قابل المقترض موسرًا بمال غائب وسائر العورة كالدلو فيما ذكر ولو لم يجد إلا ما يكفيه للماء أو الستر قدمه وإن لم يستر سوى السوءتين لدوام نفعه، ومن ثم وجب على السيد أن يشتريه لمملوكه دون ماء طهارته في السفر "ولو كان معه ماء يحتاج إليه لعطش حيوان محترم" من نفسه أو غيره ولو من أهل قافلته وإن كبرت ولم تنسب إليه. "ولو" كان "في المستقبل" وإن ظن وجود الماء "وجب التيمم" وحرم الطهارة بالماء دفعًا للضرر الناجز2 أو المتوقع وضبطه كضبط المرض الآتي ولا يكلف الطهر به ثم شربه لأن النفس تعافه بخلاف دابته بل لو كان معه نجس وطاهر سقاها النجس وتطهر بالطاهر، ولا يجوز ادخار الماء لطبخ وبل كعك قدبر على أكله يابسًا على المنقول فيهما وكالاحتياج للماء لذلك الاحتياج لبيعه لطعم المحترم أو لنحو دين عليه أو لغسل نجاسة، ولو جد العاصي بسفره ماء فاحتاج إليه للعطش لم يجز له التيمم اتفاقًا، وكذلك لو كان به قروح وخاف من استعماله لأنه قادر على التوبة وواجد للماء، "ولا يتيمم للمرض" أي لأجله حاصلا كان أو متوقعًا "إلا إذا خاف من استعمال الماء على نفس" أو عضو "أو منفعة عضو" أن يتلف "أو" خاف "طول" مدة "المرض"

1 الرشاء: الحبل، أو حبل الدلو ونحوها.

2 أي المحقق.

ص: 59

تدفئة أعضائه، ولم يجد ما يسخن به الماء، وخاف على منفعة عضو أو حدوث الشين المذكور، وإن خاف من استعمال الماء في بعض بدنه غسل الصحيح، وتيمم عن الجريح في الوجه واليدين، فإن كان جنبًا قدم ما شاء، وإن كان محدثًا تيمم عن الجريح وقت غسل العليل، ثم إن كان عليه جبيرة نزعها وجوبًا، فإن خاف من نزعها غسل الصحيح ومسح عليها، وتيمم عما تحتها في الوجه واليدين، ويجب عليه القضاء إذا وضع الجبيرة على غير طهر، أو كانت في الوجه واليدين، ويقضي إذا تيمم للبرد أو تيمم لفقد الماء في الحضر، والمسافر العاصي بسفره.

ــ

وإن لم يزد أو زيادته وإن لم يبطئ "أو" خاف "حدوث شين1 قبيح" أي فاحش كتغير لون ونحول واستحشاف2 وثغرة3 تبقى ولحمة تزيد لإطلاق المرض في الآية وضرر نحو الشين المذكور وما قبله فوق ضرر الزيادة اليسيرة على ثمن مثل الماء وإنما يؤثر إن كان "في عضو ظاهر" وهو ما لا يعد كشفه هتكًا للمروءة بأن يبدو في المهنة غالبًا والباطن بخلافه، واحترز بفاحش عن اليسير ولو على عضو ظاهر كأثر جدري وسواد قليل، وعن الفاحش بعضو باطن فلا أثر لخوف ذلك إذ ليس فيهما كثير ضرر، ولا نظر لكون المتطهر قد يكون رقيقًا فتنقص قيمته بذلك نقصًا فاحشًا لأن ذلك متوهم غير متحقق، ويعتمد في خوف ما ذكر قول عدل رواية أو نفسه إن عرف، وكذا لو لم يعرف ولا أخبره من ذكر وخاف ما مر لكنه يعيد إذا برأ. "ولا يتيمم للبرد" أي لأجله "إلا إذا لم تنفع تدفئة أعضائه" للضرر "ولم يجد ما يسخن به الماء" من إناء وحطب ونار "وخاف على منفعة عضو" له "أو حدوث الشين المذكور" للضرر حينئذ، أما إذا نفعته التدفئة أو جد ما يسخن به أو لم يخف ما ذكر فإنه لا يتيمم إذ لا ضرر حينئذ. والحاصل أنه حيث خاف محذور البرد أو مرض حاصل أو متوقع جاز له التيمم وحيث فلا فلا.

"وإن خاف من استعمال الماء" لنحو جرح "في بعض بدنه غسل الصحيح" ثم يتلطف بوضع خرقة مبلولة بقرب العليل فإن تعذر أمسه ماء بلا إفاضة "وتيمم عن الجريح" تيممًا كاملا بأن يكون "في الوجه واليدين" وإن كان الجرح في غيرهما لئلا يخلو العضو عن طهارة، ويجب أن يمر التراب عليه إن كان بمحل التيمم ولا يجب مسحه بالماء وإن لم يضره لأن واجبه الغسل، فلو تعذر فلا فائدة في المسح عليه ولا ترتيب بين التيمم وغسل الصحيح لكن يجب أن يكون وقت غسل الصحيح. "فإن كان جنبًا" يعني محدثًا حدثًا أكبر "قدم ما شاء" منهما إذ لا ترتيب عليه. "وإن كان محدثًا" حدثًا أصغر "تيمم عن الجريح وقت غسل" العضو "العليل" ولم ينتقل عن كل عضو حتى يكمله غسلًا ومسحًا وتيممًا عملًا بقضية الترتيب، فإن كانت العلة بيده وجب تقديم التيمم والمسح على مسح الرأس وتأخيرهما عن غسل الوجه وله تقديمهما إلى غسل الصحيح وهو الأولى ليزيل الماء أثر التراب وتأخيرهما عنه وتوسيطه

1 أي عيب.

2 الاستحشاف: اليبوسة والتقبض، يقال: استحشف الأنف: يبس غضروفه فعدم الحركة الطبيعية "المعجم الوسيط: ص176".

3 الثغرة: الثلمة.

ص: 60

‌فصل: "في شروط التيمم

"

شروط التيمم عشرة: أن يكون بتراب، وأن يكون طاهرًا، وأن لا يكون مستعملا،

ــ

بينهما، إذ العضو الواحد لا ترتيب فيه أو بوجهه ويده فتيممان، فإن عمت أعضاءه الأربعة فتيمم واحد، فإن بقي من الرأس شيء وجب ثلاث تيممات، ولا فرق في التيمم وغسل الصحيح المذكورين بين أن يكون بالجرح جبيرة أو لا. "ثم إن كان عليه جبيرة" وهي ألوح تهيأ للكسر والانخلاع تجعل على محله والمراد بها هنا الساتر لتشمل نحو اللصوق وعصابة نحو الفصد "نزعها" وغسل ما تحتها من الصحيح "وجوبًا فإن خاف من نزعها" محذورًا مما مر "غسل الصحيح" حتى ما تحت أطرافها إن أمكن ويتلطف كما مر "ومسح عليها" جميعها بماء إلى أن تبرأ بدلًا عما تحتها من الصحيح لا بتراب لأنه ضعيف فلا يؤثر من فوق حائل والماء يؤثر من ورائه في نحو مسح الخف، ولو ترشح الساتر بنحو دم امتنع المسح عليه حتى يجعل عليه ساترًا آخر لا ينفذ إليه الرشح "وتيمم عما تحتها" من الجريح تيممًا كاملًا "في الوجه واليدين ويجب عليه القضاء إذا وضع الجبيرة" أي الساتر "على غير طهر" وتعذر نزعه لفوات شرط الستر من الوضع على طهر كالخف "أو كانت في الوجه واليدين" وإن وضعت على طهر لنقص البدل والمبدل "ويقضي" وجوبًا أيضًا "إذا تيمم" في الحضر أو السفر "للبرد" لندرة فقد ما يسخن به أو يتدثر به "أو" إذا "تيمم لفقد الماء" وقد ندر فقده في محل التيمم وإن غلب في محل الصلاة بخلاف ما إذا غلب فقده أو استوى الأمران مسافرًا كان أو مقيمًا، إذ العبرة بندرة الفقد وعدمها لا بالسفر والإقامة، فقول المصنف كغيره "في الحضر" جرى على الغالب من ندرة الفقد في السفر وعدمها في الحضر. "و" يقضي المتيمم "المسافر العاصي بسفره" كآبق وناشزة لأن إسقاط القضاء من المتيمم بسبب السفر الذي لا يندر فيه فقد الماء رخصة فلا تناط بسفر المعصية بخلاف العاصي بإقامته.

فصل: في شروط التيمم

"شروط التيمم" أي ما لا بد منه فيه "عشرة" بل أكثر. الأول: "أن يكون بتراب" على أي لون كان كالمدر1والسبخ2 وغيرهما حتى ما يداوى به وغبار رمل خشن لا ناعم ومشوي

1 المدر: الطين اللزج المتماسك.

2 السبخ: المكان يظهر فيه الملح وتسوخ فيه الأقدام "المعجم الوسيط: ص 413".

ص: 61

وأن لا يخالطه دقيق ونحوه وأن يقصده فلو سفته الريح فردده لم يكفه، وأن يمسح وجهه ويديه بضربتين، وأن يزيل النجاسة أولا، وأن يجتهد في القبلة قبله، وأن يقع بعد دخول الوقت، وأن يتيمم لكل فرض عيني.

ــ

بقي اسمه. "و" الثاني: "أن يكون طاهرًا" قال الله تعالى: {صَعِيدًا طَيِّبًا} ، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: ترابًا طاهرًا. "و" الثالث "أن لا يكون مستعملا" كالماء بل أولى وهو ما بقي بمحل التيمم أو تناثر بعد مسه العضو وإن لم يعرض عنه. "و" الرابع: "أن لا يخالطه دقيق ونحوه" وإن قل الخليط لأنه يمنع وصول التراب للعضو. "و" الخامس: "أن يقصده" أي التراب بأن ينقله إلى العضو الممسوح ولو بفعل غيره بإذنه أو يتمعك1 بوجهه أو يديه في الأرض لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، أي اقصدوه. "فلو" انتفى النقل كأن "سفته"2 أي التراب "الريح عليه" عند وقوفه فيها ولو بقصد ذلك على عضو تيممه "فردده" عليه ونوى "لم يكفه" ذلك لانتفاء القصد بانتفاء المحقق له لأنه لم يقصد التراب وإنما التراب أتاه. "و" السادس:"أن يمسح وجهه ويديه بضربتين" وإن أمكن بضربة بخرقة3 لخبر أبي داود والحاكم وإن كان فيهما مقال. "و" السابع: "أن يزيل النجاسة أولا" فلو تيمم قبل إزالتها لم يجز على المعتمد سواء نجاسة محل النحو وغيرها لأنه للإباحة ولا إباحة مع المانع فأشبه التيمم قبل الوقت بخلاف ما لو تيمم عاريًا وعنده سترة لأن ستر العورة أخف من إزالة الخبث ولهذا لا إعادة على العاري بخلاف ذي الخبث. "و" الثامن "أن يجتهد في القبلة قبله" فلو تيمم قبل الاجتهاد فيها لم يصح على الأوجه ويفارق ستر العورة بما مر، وإما صح طهر المستحاضة قبله مع أنه للإباحة لأنه أقوى إذ الماء يرفع الحدث أصالة بخلاف التراب. "و" التاسع:"أن يقع" التيمم للصلاة التي يريد فعلها "بعد دخول الوقت" الذي يصح فعلها فيه لأنه طهارة ضرورة ولا ضرورة قبله فيتيمم للنافلة المطلقة فيما عدا وقت الكراهة وللصلاة على الميت بعد طهره وللاستسقاء بعد تجمع الناس وللفائتة بعد تذكرها. "و" العاشر: "أن يتيمم لكل فرض عيني" لأن التيمم طهارة ضرورة فيقدر بقدرها، نعم يجوز تمكين الحليل مرارًا وجمعه مع فرض بتيمم واحد للمشقة وله فعل الجنائز وإن كثرت مع فرض عيني لشبهها بالنافلة في جواز الترك وتعينها بانفراد المكلف عارض.

1 تمعك: تمرغ في التراب وتقلب فيه.

2 سفته: ذرته أو حملته.

3 للحديث الذي رواه أبو داود في الطهارة باب 125 "حديث 336" عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات. فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال:"قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال؛ إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده".

ص: 62

‌فصل: "في أركان التيمم

"

فروض التيمم خمسة:

الأول: النقل.

الثاني: نية الاستباحة، ويجب قرنها بالضرب واستدامتها إلى مسح وجهه فإن نوى بتيممه استباحة الفرض صلى الفرض والنفل، أو استباحة النفل أو الصلاة أو صلاة الجنازة لم يصل به الفرض.

الثالث: مسح وجهه.

الرابع: مسح يديه إلى المرفقين.

الخامس: الترتيب بين المسحين.

وسننه: التسمية وتقديم اليمنى، ومسح أعلى وجهه، وتخفيف الغبار، والموالاة، وتفريق الأصابع عند الضرب ونزع الخاتم، ويجب نزعه في الضربة الثانية، ومن سننه إمرار اليد على العضو، ومسح العضد وعدم التكرار والاستقبال والشهادتان بعده، ومن لم يجد ماء ولا ترابًا صلى الفرض وحده وأعاد بالماء.

ــ

فصل: في أركان التيمم

"فروض التيمم" أي أركانه "خمسة: الأول النقل" للتراب إلى العضو كما مر بدليله "الثاني: نية الاستباحة" لم يتوقف على التيمم كمس المصحف وتمكين الحليل1 في حق نحو الحائض "ويجب قرنها بالضرب" يعني النقل أول الأركان "واستدامتها إلى مسح" شيء من "وجهه" فلو أحدث مع النقل أو بعده قبل المسح أو عزبت بينهما بطل النقل وعليه إعادته لأنه أول الأركان لكنه غير مقصود فاشترط استدامتها إلى المقصود. "فإن نوى بتيممه استباحة الفرض صلى الفرض والنفل" وإن لم يستبحه لأن استباحة الأعلى تبيح الأدنى ولا عكس "أو استباحة النفل أو الصلاة أو صلاة الجنازة لم يصل به الفرض" إذ هو أصل فلا يجعل تابعًا للنفل ولا لمطلق الصلاة إذ الأحوط بتنزيلها على النفل ولا لصلاة الجنازة لما مر أنها تشبه النفل أو استباحة ما عدا الصلاة كمس المصحف لم يستبحها فالمراتب ثلاث أعلاها الأولى ثم الثانية بأقسامها. "الثالث: مسح" ظاهر "وجهه" كما مر في الوضوء للآية2 إلا أنه هنا لا يجب إيصال التراب إلى باطن الشعر وإن خف ومما يغفل عنه المقبل من أنفه على شفته. "الرابع: مسح يديه إلى المرفقين" للآية كالوضوء. "الخامس: الترتيب بين المسحين" لا النقلتين بأن يقدم ولو جنبًا مسح الوجه ثم اليدين كالوضوء. "وسننه" أي التيمم "التسمية" أوله ولو لنحو جنب. "وتقديم اليمنى" على اليسرى "و" تقديم "مسح أعلى وجهه" على أسفله كالوضوء في جميع ذلك "وتخفيف الغبار" من كفه الماسحة إن كثر لئلا يتشوه خلقه "والموالاة" فيه بتقدير

1 الحليل: الزوج.

2 الآية 6 من سورة المائدة: {

وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} .

ص: 63

‌فصل: "في الحيض والاستحاضة والنفاس

"

وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يومًا بلياليها، وغالبه ست أو سبع،

ــ

التراب ماء كالوضوء "وتفريق الأصابع عند الضرب" لأنه أبلغ في إثارة الغبار "ونزع الخاتم" في الضربة الأولى ليكون مسح الوجه بجميع اليد، "ويجب نزعه" أي الخاتم "في الضربة الثانية" عند المسح ليصل الغبار إلى محله ولا يكفي تحريكه لأنه لا يوصله إلى ما تحته بخلافه في الماء. "ومن سننه إمرار اليد على العضو" كالدلك في الوضوء، "ومسح العضو" كالوضوء أيضًا "وعدم التكرار" للمسح لأن المطلوب فيه تخفيف الغبار. "والاستقبال والشهادتان بعده" كالوضوء فيهما. "ومن لم يجد ماء ولا ترابًا صلى" وجوبًا "الفرض وحده" لحرمة الوقت وهي صلاة صحيحة فيبطلها ما يبطل غيرها بخلاف النفل إذ لا ضرورة إليه، "وأعاد بالماء" مطلقًا وبالتراب إن وجده بمحل يسقط به الفرض وإلا فلا فائدة في الإعادة به، ويجوز له فعل الجمعة بل يجب وإن وجب عليه قضاء الظهر.

فصل: في الحيض والاستحاضة والنفاس

الحيض لغة: السيلان. وشرعًا: دم جبلة1 يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات الصحة.

"وأقل" زمن "الحيض" تقطع الدم أو اتصل "يوم وليلة" أي قدرهما متصلًا وهو أربع وعشرون ساعة فما نقص عن ذلك فليس بحيض بخلاف ما بلغه عن الاتصال أو التفريق فإنه حيض وإن كان ماء أصفر أو كدرًا ليس على لون الدم لأنه أذى فشملته الآية2. "وأكثره" زمنًا "خمسة عشر يومًا بلياليها" وإن لم يتصل "وغالبه ست أو سبع" كل ذلك باستقراء الإمام الشافعي رضي الله عنه ومن وافقه إذ لا ضابط له لغة ولا شرعًا فرجع إلى المتعارف بالاستقراء، "ووقته" أي أقل سنة يتصور أن ترى الأنثى فيه حيضًا "بعد تسع سنين" قمرية ولو بالبلاد الباردة تقريبًا حتى إذا رأته قبل تمامها بدون ستة عشر يومًا كان حيضًا أو بأكثر كان دم فساد ولا آخر لسنه فما دامت حية فهو ممكن في حقها. "وأقل طهر" فاصل "بين الحيضتين خمسة عشر يومًا بلياليها" بالاستقراء أيضًا، وخرج بالحيضتين الطهر بين حيض ونفاس فإنه

1 الجُبْلَة والجِبِلَّة: الخلقة والطبيعة "المعجم الوسيط، ص106".

2 وهي قوله تعالى في الآية 222 من سورة البقرة: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} .

ص: 64

ووقته بعد تسع سنين، وأقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يومًا بلياليها، ويحرم ما يحرم بالجنابة، ومرور المسجد إن خافت تلويثه، والصوم، والطلاق فيه، والاستمتاع بما بين السرة والركبة، ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة.

ــ

يكون دون ذلك، فلو رأت حامل الدم ثم طهرت يومًا مثلا ثم ولدت فالدم بعد الولادة نفاس وقبلها حيض، ولو رأت النفاس ستين ثم طهرت يومًا مثلا ثم رأت الدم حيضًا على المعتمد. "ويحرم به" أي الحيض "ما يحرم بالجنابة" مما مر وزيادة على ذلك منها الطهارة بنية التعبد إلا في نحو أغسال الحج. "و" منها "مرور المسجد إن خافت تلويثه" صيانة له ومثلها كل ذي جراحة نضاحة فإن أمنته كره لها لغلظ حدثها وبه فارق ما مر في الجنب. "و" منها "الصوم" إجماعًا. "و" منها "الطلاق فيه" وإن لم تبذل له في مقابلته مالا لتضررها بطول مدة التبرص إذ ما بقي منه لا يحسب من العدة، ومن ثم لو كانت حاملا وكانت عدتها تنقضي بالحمل بأن يكون لاحقًا بالمطلق ولو احتمالا لم يحرم "والاستمتاع بما بين السرة والركبة" سواء بالوطء ومع حائل وهو كبيرة يكفر مستحله وغيره1 لا مع حائل لقوله تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]، وصح أنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عما يحل من الحائض قال:"ما فوق الإزار" 2، وخص بمفهومه عموم خبر مسلم:"اصنعوا كل شيء إلا النكاح" 3، ولم يعكس عملا بالأحوط لخبر:"من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه" 4، وشمل تعبيره بالاستمتاع تبعًا للروضة5 وغيرها النظر والمس بشهوة لا بغيرها، لكن عبر في التحقيق6 وغيره بالمباشرة الشاملة للمس ولو بلا شهوة دون النظر ولو بشهوة، والأوجه ما أفاده كلام المصنف وغيره من أن التحريم منوط بالتمتع، وبحث الإسنوي أن تمتعها بما بين سرته وركبته كعكسه فيحرم واعترضه كثيرون بما فيه نظر، والذي يتجه أن له أن يلمس يدها بذكره لأنها تمتع بما فوق السرة والركبة، بخلاف ما إذا لمسته هي لتمتعها بما بين سرته وركبته فيحرم على كل تمكين الآخر مما يحرم عليه، وخرج بما بين السرة والركبة ما عداه ومنه السرة والركبة ويستمر تحريم ذلك عليهما إلى أن ينقطع وتغتسل أو تتيمم بشرطه، نعم الصوم

1 أي الوطء.

2 رواه أبو داود في الطهارة باب 82 "حديث رقم 212" من حديث حزام بن حكيم عن عمه، ورقم "213" من حديث معاذ بن جبل.

3 رواه مسلم في الحيض "حديث 16" وأبو داود في الطهارة باب 102 "حديث 258" من حديث أنس بن مالك.

4 ذكره بهذا اللفظ الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "4/ 159، 7/ 275".

5 هو كتاب "روضة الطالبين وعمدة المتقين" في الفروع للإمام النووي سنة 676هـ، وعليه مختصرات وشروح كثيرة، انظر كشف الظنون "ص929، 930".

6 للإمام النووي.

ص: 65

فصل: "في المستحاضة

والمستحاضة تغسل فرجها ثم تحشوه، إلا إذا أحرقها الدم، أو كانت صائمة، فإن لم يكفها تعصب بخرقة ثم تتوضأ، أو تتيمم في الوقت، وتبادر بالصلاة، وإن أخرت لغير مصلحة الصلاة استأنفت، وتجب الطهارة، وتجديد التعصيب لكل فرض، وسلس البول

ــ

والطلاق يحلان بمجرد الانقطاع "ويجب عليها" أي الحائض "قضاء الصوم" بأمر جديد "دون الصلاة" إجماعًا فيهما للمشقة في قضائها لتكررها دون قضائه.

فصل: في المستحاضة

والاستحاضة دم علة يخرج من عرق فمه في أدنى الرحم، وقيل هو المتصلة بدم الحيض خاصة وغيره دم فساد والخلاف لفظي.

"والمستحاضة" يجب عليها أمور منها "تغسل فرجها" عما فيه من النجاسة "ثم تحشوه" بنحو قطنة "إلا إذا" تأذت به كأن "أحرقها الدم" فحينئذ لا يلزمها "أو كانت صائمة" فحينئذ يلزمها ترك الحشو والاقتصار على الشد نهارًا رعاية لمصلحة الصوم، وإنما روعيت مصلحة الصلاة فيمن ابتلع بعض خيط قبل الفجر وطرفه خارج لأن المحذور هنا لا ينتفي بالكلية فإن الحشو يتنجس وهي حاملته بخلافه ثم "فإن لم يكفها" الحشوة لكثرة الدم وكان يندفع أو يقل بالعصب ولم تتأذ به "تعصب" بعد الحشو "بخرقة" مشقوقة الطرفين بأن تدخلها بين فخذيها وتلصقها بأعلى الفرج إلصاقًا جيدًا ثم تخرج طرفًا لجهة البطن وطرفًا لجهة الظهر وتربطها بنحو خرطقة تشدها بوسطها. "ثم تتوضأ أو تتيمم" عقب ذلك، ومر في الوضوء أنه يجب الموالاة في جميع ذلك وإنما يجوز لها فعل ذلك "في الوقت" لا قبله كالتيمم "وتبادر" وجوبًا عقب الطهر "بالصلاة" تقليلًا للحدث. "فإن أخرت لغير مصلحة الصلاة" كالأكل "استأنفت" جميع ما ذكر وجوبًا، وإن لم تزل العصابة عن محلها ولا ظهر الدم من جانبها لتكرر حدثها مع استغنائها عن احتماله بالمبادرة، أما إذا أخرت لمصلحة الصلاة كإجابة المؤذن والاجتهاد في القبلة وستر العورة وانتظار الجمعة والجماعة وغير ذلك من سائر الكمالات المطلوبة منها لأجل الصلاة فإنه لا يضر مراعاة لمصلحة الصلاة. "وتجب الطهارة وتجديد التعصيب" وغيره مما مر على الوجه السابق وإن لم يزل عن محله نظير ما مر "لكل فرض" عيني أو انتقاض طهر أو تأخير الصلاة عنه كما مر أو خروج دم بتقصير في نحو شد لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم لها1

1 هي فاطمة بنت أبي حبيش. والحديث رواه البخاري في الوضوء، باب غسل الدم "حديث رقم 228" عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلى ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت".

ص: 66

وسلس المذي والودي مثلها، وأقل النفاس لحظة، وأكثره ستون يومًا، وغالبه أربعون يومًا، ويحرم به ما يحرم بالحيض.

ــ

بالوضوء لكل صلاة، ولها مع الفرض ما شاءت من النوافل "وسلس البول وسلس المذي والودي" ونحوها "مثلها" في جميع ما مر، نعم سلس المني يلزمه الغسل لكل فرض، ولو استمسك الحدث بالجلوس في الصلاة وجب بلا إعادة، ولا يجوز للسلس أن يعلق قارورة يقطر فيها بوله. "وأقل النفاس" وهو الدم الخارج بعد فراغ الرحم "لحظة" يعني لا حد لأقله بل ما وجد منه نفاس وإن قل "وأكثره ستون يومًا وغالبه أربعون يومًا" بالاستقراء، "ويحرم به ما يحرم بالحيض" مما مر قياسًا عليه.

تتمة: يجب على النساء أن يتعلمن ما يحتجن إليه من هذا الباب كغيره، فإن كان زوجها عالمًا لزمه تعليمها وإلا فلها الخروج ما لزمها تعلمه عينًا بل يجب ويحرم منعها إلا أن يسأل ويخبرها وهو ثقة وليس لها خروج إلى مجلس ذكر أو علم غير واجب عيني إلا برضاه.

ص: 67

‌باب الصلاة

‌مدخل

باب: الصلاة

تجب الصلاة على كل مسلم بالغ عاقل طاهر، فلا قضاء على كافر إلا المرتد، ولا على صبي ولا حائض ونفساء ولا مجنون إلا المرتد، ولا على مغمى عليه إلا السكران المتعدي بسكره، ويجب على الولي والسيد أمر الصبي المميز بها لسبع سنين، وضربه عليها لعشر، وإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو المغمى عليه أو أسلم الكافر أو طهرت

ــ

باب: الصلاة

هي لغة: الدعاء. وشرعًا: أقوال وأفعال غالبًا مفتتحة بالتكبير المقترن بالنية مختتمة بالتسليم، وأصلها قبل الإجماع الآيات والأحاديث الشهيرة.

"تجب" الصلاة وجوبًا موسعًا إلى أن يبقى من وقتها ما يسعها مع مقدماتها إن احتاج إليها فيجوز تأخيرها إلى ذلك بشرط أن يعزم على الفعل فيه "على كل مسلم" بخلاف الكافر فإنه وإن كان مخاطبًا بها لكن في الآخرة ليترتب عقابها عليه لا في الدنيا لأنا نقره على تركها بنحو الجزية. "بالغ" لا صبي وإن لزم وليه أمره بها "عاقل" لا مجنون "طاهر" لا حائض ونفساء "فلا قضاء على كافر" أصلي أسلم ترغيبًا له في الإسلام "إلا المرتد" فعليه بعد الإسلام قضاء جميع ما فاته تغليظًا عليه "ولا" قضاء "على صبي" لعدم تكليفه وإن صحت منه "ولا حائض ونفساء" لأنهما مكلفان بتركها ومن ثم حرم عليهما قضاؤها وقيل: يكره. "ولا مجنون" لعدم تكليفه "إلا المرتد" فلزمه قضاؤها حتى أيام الجنون تغليظًا عليه. "ولا" قضاء "على" نحو "مغمى عليه" ومعتوه ومبرسم1 لعدم تكليفهم إلا المرتد فإنه يقضي مطلقًا كما علم مما مرّ و"إلا السكران المتعدي بسكره" فيلزمه قضاء الزمن الذي ينتهي إليه الشكر غالبًا دون ما زاد عليه من أيام الجنون ونحوه، وفارق المرتد بأن من جن في ردته مرتد في جنونه حكمًا، ومن جن في سكره ليس بسكران في دوام جنونه قطعًا، وإنما منع نحو الحيض القضاء ولو مع الردة لأن سقوط الصلاة عن الحائض عزيمة لأنها مكلفة بالترك، وعن نحو المجنون رخصة، والمرتد والسكران ليسا من أهلها وكذا لا قضاء باستعجال الحيض بخلاف استعجال الجنون، أما إذا لم يتعد بسكره كما إذا تناول شيئًا لا يعلم أنه مزيل للعقل فلا قضاء عليه كما مر في الإغماء لعذره. "ويجب على الولي" الأب أو الجد ثم الوصي أو القيم "والسيد" والملتقط والمودع والمستعير ونحوهم تعليم المميز أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد بمكة وبعث بها ومات بالمدينة ودفن فيها ثم "أمر" كلٍ من "الصبي المميز" والصبية المميزة "بها" أي بالصلاة بشروطها. "لسبع" أي بعد سبع من السنين وإن ميز قبلها، ولا بد مع صيغة الأمر من التهديد "وضربه" وضربها "عليها لعشر" أي بعد

1 المبرسم: المصاب بعلة البرسام؛ وهي ذات الجنب، وهو التهاب في الغشاء المحيط بالرئة "المعجم الوسيط: ص49".

ص: 68

الحائض أو النفساء قبل خروج الوقت ولو بتكبيرة التحرم وجب القضاء بشرط بقاء السلامة من الموانع بقدر ما يسع الطهارة والصلاة، ويجب قضاء ما قبلها إن جمعت معها بشرط السلامة من الموانع قدر الفرضين والطهارة، ولو جن أو حاضت أو أغمي عليه أول الوقت وجب القضاء إن مضى قدر الفرض مع الطهر إن لم يمكن تقديمه.

ــ

العشر لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر" 1 وحكمة ذلك التمرين على العبادة والتمييز أن يصير بحيث يأكل وحده ويشرب وحده ويستنجي وحده ويختلف باختلاف أحوال الصبيان فقد يحصل مع الخمس وقد لا يحصل إلا مع العشر، وعلى من ذكر أيضًا نهيه عن المحرمات حتى الصغائر وتعليمه الواجبات ونحوها وأمره بها كالسواك وحضور الجماعات وسائر الوظائف الدينية، ولا يسقط الأمر والضرب عمن ذكر إلا بالبلوغ مع الرشد، "وإذا" زال المانع السابق كأن "بلغ الصبي" أو الصبية "أو أفاق المجنون أو المغمى عليه أو أسلم الكافر أو طهرت الحائض أو النفساء قبل خروج الوقت ولو بتكبيرة التحرم" أي بقدر ما يسعها "وجب القضاء" لصلاة ذلك الوقت "بشرط بقاء السلامة من الموانع بقدر ما يسع الطهارة والصلاة" قياسًا على اقتداء المسافر بمتم في جزء من صلاته بجامع لزوم الإتمام ثم ولزوم القضاء هنا. "ويجب" أيضًا "قضاء ما قبلها إن جمعت معها" كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء لأن وقتها وقت لها حالة العذر فحالة الضرورة أولى، بخلاف ما يجمع معها كالعشاء مع الصبح وهي مع الظهر والعصر مع المغرب فلا تلزم وإنما تجب مع قبلية تجمع "بشرط" بقاء "السلامة من الموانع قدر الفرضين والطهارة" بأن يبقى بعد زوال العذر سالمًا من الموانع زمنًا يسع أخف ما يمكن كركعتين للمسافر القاصر، ولا بد أن يسع مع ذلك مؤداة وجبت عليه بخلاف ما لو أدرك ركعة آخر العصر مثلًا، وخلا من الموانع قدر ما يسعها وطهرها فعاد المانع بعد أن أدرك من وقت المغرب ما يسعها فإنه يتعين صرفه للمغرب وما فضل لا يكفي للعصر فلا تلزم هذا إن لم يشرع في العصر قبل الغروب وإلا تعين صرفه العصر لعدم تمكنه حينئذ من المغرب، ولو أدرك ما يسع العصر والمغرب مع الطهارة دون الظهر تعين صرفه للمغرب والعصر، وكذا يقال فيما لو أدرك آخر وقت العشاء، "ولو جن" البالغ "أو حاضت" أو نفست المرأة "أو أغمي عليه أول الوقت" أو أثناءه واستغرق المانع باقيه "وجب القضاء" لصلاة الوقت مع فرض قبلها إن صلح لجمعه معها "إن مضى قدر الفرض مع الطهر إن لم يمكن تقديمه" كتيمم وطهر سلس لأنه أدرك من وقتها ما يمكن فيه فعلها فلا تسقط بما طرأ بعده كما لو هلك النصاب بعد الحول وإمكان الأداء بخلاف الشروط التي يمكن تقديمها كوضوء الرفاهية فلا يشترك اتساع ما أدركه إلا للصلاة فقط لإمكان تقديم الطهر في الجملة، وإنما لم يؤثر هنا إدراك ما لا يسع

1 رواه أبو داود في الصلاة باب 26 "حديث رقم 495" من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

ص: 69

فصل: "في مواقيت الصلاة"

وأول وقت الظهر زوال الشمس، وآخره مصير ظل كل شيء مثله غير ظل الاستواء، ولها وقت فضيلة أوله ثم اختيار إلى آخره.

وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر، وزاد قليلا، ولها أربعة أوقات: فضيلة

ــ

بخلاف نظيره آخر الوقت كما مر لإمكان البناء على ما أوقعه فيه بعد خروجه بخلافه هنا، ولا تجب الثانية هنا، وإن اتسع لها وقت الخلو من زمن الأولى كما أفهمه كلامه بخلاف عكسه السابق؛ لأن وقت الأولى لا يصلح للثانية إذا صلاهما جمعًا بخلاف العكس.

فصل: في مواقيت الصلاة

والأصل فيها حديث جبريل المشهور1.

"أول وقت الظهر زوال الشمس" وهو ميلها عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء إلى جهة المغرب في الظاهر لنا بزيادة الظل أو حدوثه لا نفس الميل فإنه يوجد قبل ظهوره لنا وليس هو أول الوقت. "وآخره مصير ظل كل شيء مثله غير ظل الاستواء" إن وجد، أما دخوله بالزوال فإجماع، وأما خروجه بالزيادة على ظل المثل فلحديث جبريل وغيره. "ولها" أي الظهر "وقت فضيلة أوله" على ما يأتي تحريره2 "ثم" وقت "اختيار" ويمتد "إلى" أن يبقى ما يسعها من "آخره" على المعتمد ووقت عذر وهو وقت العصر لمن يجمع ووقت ضرورة بأن يزول المانع وقد بقي من الوقت قدر تكبيرة كما مر ووقت الفضيلة والحرمة والضرورة يجري في سائر الصلوات. "وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر و" لا يظهر ذلك إلا إن "زاد" ظل الشيء على مثله "قليلا" وليست هذه الزيادة فاصلة بين الوقتين بل هي من وقت العصر لخبر مسلم:"وقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم يحضر العصر"

1 وهو الحديث الذي رواه أبو داود في الصلاة باب 2 "حديث 393" والترمذي في المواقيت باب 1، من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي -يعني المغرب- حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إلي فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين".

2 وهو قوله في المتن: "وأفضل الأعمال الصلاة أول الوقت".

3 رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 173" عن عبد الله بن عمرو بلفظ: "وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر"، ورواه برقم "174" بلفظ: "

ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر".

ص: 70

أوله، واختيار إلى مصير الظل مثلين، ثم جواز إلى الاصفرار، ثم كراهة إلى آخره.

وأول المغرب بالغروب، ويبقى حتى يغيب الشفق الأحمر، وهو أول وقت العشاء.

ولها ثلاثة أوقات: وقت فضيلة أوله، ثم وقت اختيار إلى ثلث الليل، ثم وقت جواز إلى الفجر الصادق، وهو المنتشر ضوؤه معترضًا بالأفق، وهو أول وقت الصبح.

ولها أربعة أوقات: وقت فضيلة أوله، ثم اختيار إلى الإسفار، ثم جواز إلى الحمرة، ثم كراهة، ويكره تسمية المغرب عشاء والعشاء عتمة، ويكره النوم قبلها

ــ

وقوله صلى الله عليه وسلم في خبر جبريل: "صلى بي الظهر حين كان ظله مثله" 1، أي فرغ منها حينئذ كما شرع في العصر في اليوم الأول حينئذ قاله الشافعي رضي الله عنه نافيًا به اشتراكهما في وقت واحد المصرح بعدمه خبر مسلم السابق. "ولها أربعة أوقات" بل سبعة "فضيلة" يصح فيها وفيما عطف عليها الجر بدلا من أوقات والرفع بدلا من أربعة "أوله واختيار إلى مصير الظل مثلين" غير ظل الاستواء "ثم جواز" بلا كراهة "إلى الاصفرار ثم كراهة إلى آخره" أي إلى بقاء ما يسعها ووقت عذر ووقت ضرورة ووقت حرمة. "وأول" وقت "المغرب بالغروب" إجماعًا "ويبقى حتى يغيب الشفق الأحمر" كما في خبر مسلم2، وخرج بالأحمر ما بعده من الأصفر ثم الأبيض ولها وقت فضيلة وحرمة وضرورة وعذر واختيار وهو وقت الفضيلة. "وهو" يعني غيبوبة الشفق الأحمر "أول وقت العشاء" للإجماع على دخوله بالشفق والأحمر هو المتبادر منه. "ولها ثلاثة أوقات" بل سبعة كالعصر "وقت فضيلة أوله ثم وقت اختيار إلى ثلث الليل" الأول "ثم وقت جواز" بلا كراهة إلى الفجر الكاذب ثم بكراهة إلى بقاء ما يسعها ثم وقت حرمة "إلى الفجر الصادق" ولها وقت ضرورة ووقت عذر "وهو" أي الفجر الصادق "المنتشر ضوؤه معترضًا بالأفق" أي نواحي السماء وقبله يطلع الكاذب مستطيلا ثم يذهب وتعقبه ظلمة "وهو" أي الفجر الصادق "أول وقت الصبح" لخبر مسلم" "وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس"3، "ولها أربعة أوقات" بل ستة "وقت فضيلة أوله ثم اختيار إلى الإسفار ثم جواز" بلا كراهة "إلى الحمرة ثم كراهة" إلى أن يبقى ما يسعها ثم حرمة ولها وقت ضرورة. "ويكره تسمية المغرب عشاء والعشاء عتمة" للنهي الصحيح عنها. "ويكره النوم قبلها" ولو قبل دخول وقتها على الأوجه خشية الفوات وكالعشاء في هذه غيرها، نعم يحرم النوم الذي لم يغلب حيث توهم الفوات بعد دخول الوقت وكذا قبله على ما اعتمده كثيرون

1 هو الحديث المتقدم في الحاشية "1" من الصفحة السابقة.

2 رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "الأحاديث 171 و172 و173 و174 و176 و177 و178 و179"، وليس فيها لفظ:"الأحمر".

3 رواه مسلم بهذا اللفظ في المساجد ومواضع الصلاة "حديث رقم 173".

ص: 71

بالبلد الحار لمن يصلي جماعة في موضع بعيد إلى حصول الظل، ولمن تيقن السترة آخر الوقت، ولمن تيقن الجماعة آخره، وكذا لو ظنها ولم يفحش التأخير، وللغيم حتى يتيقن الوقت أو يخاف الفوات، ومن صلى ركعة في الوقت فهي أداء أو دونها فقضاء، ويحرم تأخيرها إلى أن يقع بعضها خارجه.

ــ

وإقامة "حين دخل الوقت" أي عقب دخوله فلا يشترط تقدمها عليه بل لو أخر من هو متلبس بها بقدرها لم تفته الفضيلة على ما في الذخائر1 ولا يكلف العجلة على غير العادة بل يعتبر في حق كل أحد الوسط المعتدل من فعل نفسه ولا يضر التأخير لعذر آخر كخروج من محل تركه الصلاة فيه وسيأتي وكقليل أكل وكلام عرفًا، والحاصل أن كل تأخير فيه تحصيل كمال خلا عنه التقديم يكون أفضل. "و" من ذلك أنه "يسن التأخير عن أول الوقت للإبراد بالظهر لا الجمعة" وإنما يسن بشروط كونه "في الحر" الشديد وكونه "بالبلد الحار" وكونه "لمن يصلي جماعة" وكونها تقام "في موضع" مسجد أو غيره وكونهم يقصدون الذهاب إلى محل "بعيد" بأن يكون في مجيئه مشقة تذهب الخشوع أو كماله وكونهم يمشون إليها في الشمس لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم" 2 أي غليانها وانتشار لهبها دل بفحواه على أنه لا بد من الشروط المذكورة، فلا يسن الإبراد في غير شدة الحر ولو بقطر حار ولا في قطر بارد أو معتدل وإن اتفق فيه شدة حر ولا لمن يصلي منفردًا أو جماعة ببيت أو بمحل حضرة جماعة لا يأتيهم غيرهم أو يأتيهم من قرب أو من بعد لكن يجد ظلا يمشي فيه إذ ليس في ذلك كثير مشقة، وإذا سن الإبراد سن التأخير "إلى حصول الظل" الذي يقي غالب الجماعة من الشمس وغايته نصف الوقت. "و" منه أن يسن التأخير أيضًا "لمن" أي لعار "تيقن السترة آخر الوقت" لأن الصلاة بها أفضل "ولمن تيقن الجماعة آخره" أي بحيث يبقى ما يسعها لذلك. "وكذا لو ظنها ولو يفحش التأخير" عرفًا لذلك أيضًا فإن انتفى ما ذكر فالتقديم أفضل. "و" أن يسن أيضًا "للغيم" ونحوه مما يمنع العلم بدخول الوقت "حتى يتيقن الوقت" أي دخوله بأن تطلع الشمس مثلا فيراها أو يخبره بها ثقة. "أو" حتى يخاف الفوات "للصلاة. ومن صلى ركعة" من الصلاة "في الوقت فهي" أي الصلاة كلها "أداء أو" صلى "دونها فقضاء" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:"من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" 3

1 لعله "الذخائر في فروع الشافعية" للقاضي أبي المعالي مجلى بن جميع المخزومي الشافعي المتوفى سنة 550هـ، وهو من الكتب المعتبرة في هذا المذهب "كشف الظنون: ص822".

2 رواه البخاري في الوقت باب 9 و10، والأذان باب 18، وبدء الخلق باب 10، ومسلم في المساجد حديث 180 و181 و183 و184 و186. وأبو داود في الصلاة باب 4. والترمذي في المواقيت باب 5، والنسائي في المواقيت باب 5، وابن ماجه في الصلاة باب 4، والطب باب 19.

3 رواه البخاري في مواقيت الصلاة باب 30 "حديث رقم 580" ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث رقم 161" من حديث أبي هريرة.

ص: 73

‌فصل: "في مواقيت الصلاة

"

والحديث بعدها إلا في خير أو حاجة.

وأفضل الأعمال الصلاة أول الوقت، ويحصل ذلك بأن يشتغل بأسباب الصلاة حين دخل الوقت، ويسن التأخير عن أول الوقت للإبراد بالظهر لا الجمعة في الحر

ــ

لكن خالف في السبكي وغيره. "و" يكره "الحديث" وسائر الصنائع "بعدها" أي بعد فعلها ولو مجموعة جمع تقديم على ما زعمه ابن العماد1 خشية الفوات أيضًا "إلا في خير" كمذاكرة علم شرعي أو آلة له وإيناس ضيف وملاطفة زوجة. "أو حاجة" كمراجعة حساب لأن ذلك خير أو عذر ناجز فلا يترك لمفسدة متوهمة، وقد ورد:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل"2. "وأفضل الأعمال" البدنية بعد الإسلام "الصلاة" ففرضها أفضل الفرائض ونفلها أفضل النوافل للأدلة الكثيرة في ذلك، وقيل الحج وقيل الطواف وقيل غير ذلك، وأفضل أحوال الصلاة المؤقتة من حيث الوقت مع عدم العذر أن توقع" أول الوقت" ولو عشاء لأن ذلك من المحافظة عليها المأمور بها في آية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} ، ولما صح أنه صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: "الصلاة لأول وقتها" 3، ومن أنه كان يصلي العشاء لسقوط القمر ليلة ثالثة4، ومن أن نساء المؤمنين كن ينقلبن بعد صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرفهن أحد من الغلس5 فخبر: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" 6، وخبر: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يؤخر العشاء"7 معارضان بذلك. "ويحصل ذلك" الفضل الذي في مقابلة التعجيل "بأن يشتغل" أول الوقت "بأسباب الصلاة" كطهر وستر وأذان

1 هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عماد بن محمد بن يوسف الأقفهسي ثم القاهري الشافعي، ويعرف بابن العماد، ولد قبل 750هـ، وتوفي سنة 808هـ. من تصانيفه: عدة شروح على منهاج الطالبين في الفقه الشافعي. انظر معجم المؤلفين "1/ 214".

2 رواه الحاكم في المستدرك عن عمران بن الحصين.

3 رواه من حديث ابن مسعود البخاري في مواقيت الصلاة باب "حديث 527" ومسلم في الإيمان "حديث 137 و140" وأحمد "1/ 418، 442، 444".

4 رواه بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة" الترمذي في الصلاة باب 9، والنسائي في المواقيت باب 19، وأبو داود في الصلاة باب 7 "حديث 419" والدارمي في الصلاة باب 18، كلهم من حديث النعمان بن بشير.

5 رواه البخاري في المواقيت باب 27، والأذان باب 163 و165، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 232، وأبو داود في الصلاة باب 8، والنسائي في المواقت باب 25، والسهو باب 101، وابن ماجه في الصلاة باب 2، ومالك في الصلاة حديث 4، وأحمد في المسند "6/ 37، 179، 248، 259".

6 رواه الترمذي في الصلاة باب 3، والنسائي في المواقت باب 27، والدارمي في الصلاة باب 21، وأحمد في المسند "5/ 429".

7 رواه البخاري في المواقيت باب 13، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 237".

ص: 62

‌فصل: "في الاجتهاد في الوقت

"

ومن جهل الوقت أخذ بخبر ثقة عن علم، أو أذان مؤذن واحد، أو صياح ديك مجرب فإن لم يجد اجتهد بقراءة أو حرفة أو نحو ذلك، ويتخير الأعمى بين تقليد ثقة والاجتهاد، فإن تيقن صلاته قبل الوقت قضاها، ويستحب المبادرة بقضاء الفائتة، وتقديمها على الحاضرة التي لا يخاف فوتها وإن خاف فوات الجماعة فيها، ويجب المبادرة بقضاء الفائتة إن فاتته بغير عذر.

ــ

أي مؤداة واختصت الركعة بذلك لاشتمالها على معظم أفعال الصلاة إذ معظم الباقي كالتكرار لها، فجعل ما بعد الوقت تابعًا لها بخلاف ما دونها، وثواب القضاء دون ثواب الأداء لا سيما إن عصي بالتأخير. "ويحرم تأخيرها إلى أن يقع بعضها" أي الصلاة ولو التسليمة الأولى "خارجة" أي الوقت وإن وقعت أداء نعم إن شرع فيها وقد بقي من وقتها ما يسعها ولم تكن جمعة فطولها بالقراءة ونحوها حتى خرج جاز له ذلك وإن لم يوقع ركعة منها في الوقت لأنه استغرقه بالعبادة.

فصل: في الاجتهاد في الوقت

"من جهل الوقت" لنحو غيم أو حبس ببيت مظلم "أخذ" وجوبًا "بخبر ثقة" ولو عدل رواية "يخبر عن علم" أي مشاهدة، وكإخباره أذان الثقة العارف بالمواقيت في الصحو فيمتنع معهما الاجتهاد لوجود النص، فإن فقد جاز له الاجتهاد وجاز له الأخذ إما بأذان مؤذنين كثروا وغلب على الظن إصابتهم "أو أذان مؤذن واحد" عدل عارف بالمواقيت في يوم غيم إذ لا يؤذن عادة إلا في الوقت "أو صياح ديك مجرب" بالإصابة للوقت أو بحسابه إن كان عارفًا به لغلبة الظن بجميع ذلك "فإن لم يجد" ما ذكر "اجتهد" وجوبًا "بقراءة أو حرفة" كخياطة "أو نحو ذلك" من كل ما يظن به دوله كورد، ويجوز الاجتهاد لمن لو صبر تيقن بل حتى للقادر على اليقين حالًا بنحو الخروج من بيت مظلم لرؤية الشمس لأن في الخروج إلى رؤيتها نوع مشقة وبه فارق ما مر في الخبر عن علم. "ويتخير الأعمى بين تقليد ثقة" عارف "والاجتهاد" لعجزه في الجملة وإنما امتنع عليه التقليد في الأواني عند عدم التحير لأن الاجتهاد هنا يستدعي أعمالًا مستغرقة للوقت ففيه مشقة ظاهرة بخلافه، ثم أما البصير القادر على الاجتهاد فلا يقلد مجتهدًا مثله، وإذا تحرى وصلى فإن لم يبن له الحال فلا شيء عليه لمضي صلاته على الصحة ظاهرًا وإن بان الحال ولو بخبر عدل رواية عن علم "فإن تيقن صلاته" وقعت "قبل الوقت قضاها" وجوبًا لوقوعها في غير وقتها سواء أعلم في الوقت أم بعده، وإن علم وقوعها فيه أو بعده فلا قضاء ولا إثم، أما إذا لم يجتهد وصلى فإنه يعيد وإن بان وقوعها في الوقت لتقصيره. "ويستحب المبادرة بقضاء الفائتة" بعذر كنوم أو نسيان تعجيلا لبراءة الذمة

ص: 74

‌فصل: "في الصلاة المحرمة من حيث الوقت

"

تحرم الصلاة في غير حرم مكة وقت طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح، ووقت الاستواء إلا يوم الجمعة حتى تزول، ووقت الاصفرار حتى تغرب، وبعد صلاة الصبح حتى تطلع، وبعد صلاة العصر حتى تغرب، ولا يحرم ما له سبب غير متأخر عنها كفائتة

ــ

وللأمر بذلك في خبر الصحيحين1. "و" يستحب "تقديمها على الحاضرة التي لا يخاف فوتها وإن خاف فوات الجماعة فيها" أي الحاضرة على المعتمد خروجًا من خلاف من أوجب ذلك، ولا نظر لكون أحمد يوجب الجماعة عينًا لأنها عنده ليست شرطًا للصحة على الأصح بخلاف الترتيب عند من اشترطه فكانت رعاية خلافه أولى، أما إذا خاف فوتها ولو بخروج جزء منها عن الوقت فإنه يلزمه تقديم الحاضرة لحرمة إخراج بعضها عن الوقت. "ويجب المبادرة بقضاء الفائتة إن فاتته بغير عذر" تغليظًا عليه، ويجب عليه أيضًا أن يصرف لها سائر زمنه إلا ما يضطر لصرفه في تحصيل مؤنته ومؤنة من تلزمه مؤنته، ولا يجوز له أن ينتفل حتى تفرغ ذمته من جميع الفوائت التي تعدى بإخراجها عن وقتها.

فصل: في الصلاة المحرمة من حيث الوقت

"تحرم الصلاة" التي لا سبب لها أو لها سبب متأخر ولا تنعقد في "غير حرم مكة" في خمسة أوقات ثلاثة منها تتعلق بالزمان من غير نظر لمن صلى ولمن لم يصل واثنان يتعلقان بفعل صاحبة الوقت، فمن فعلها حرم عليه الصلاة الآتية ومن لا فلا ونعني بالثلاثة "وقت طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح" تقريبًا فيما يظهر لنا وإلا فالمسافة طويلة. "ووقت الاستواء إلا يوم الجمعة حتى تزول" ووقته وإن ضاق جدًا لكنه يسع التحرم. "ووقت الاصفرار" للشمس "حتى تغرب و" نعني بالاثنين "بعد" فعل "صلاة الصبح" لمن صلاها "حتى تطلع" الشمس "وبعد" فعل "صلاة العصر" ولو مجموعة في وقت الظهر "حتى تغرب" لما صح من النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة ومن استثناء حرم مكة بقوله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد

1 وهو حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله يقول: أقم الصلاة لذكري". رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 316"، ومالك في الوقوت "حديث 26"، وأحمد في المسند "3/ 184، 216".

ص: 75

وكسوف، وسنة وضوء وتحية وسجدة تلاوة وشكر، إن لم يقصد به تأخيرها إليها ليصليها فيها، ويحرم ما لها سبب متأخر عنها كصلاة الاستخارة، وركعتي الإحرام والصلاة إذا صعد الخطيب المنبر إلا التحية ركعتين إن لم يخش فوات التكبيرة.

ــ

مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار" 1 وليس في رواية الدارقطني وابن حبان "طاف" وبه يتجه أن الصلاة ثم ليست خلاف الأولى لأن الخلاف ضعيف بذلك، وأما استثناء يوم الجمعة ففي خبر أبي داود2 وإن كان مرسلًا3 لأنه عضده ندب التكبير إليها والترغيب في الصلاة إلى حضور الإمام. "ولا يحرم" من الصلاة "ما له سبب غير متأخر عنها" بأن كان متقدمًا أو مقارنًا "كفائتة" ولو نفلًا ما لم يقصد تأخيرها إليها ليقضيها فإنها لا تنعقد وإن كانت واجبة على الفور. "و" صلاة "كسوف" للشمس أو للقمر وعيد بناء على أن وقتها يدخل بالطلوع واستقاء وجنازة لم يتحر أي يقصد تأخير الصلاة عليها إلى وقت المكروه لا لفضيلة فيه ككثرة المصلين كما يأتي ومنذورة ومعادة "وسنة وضوء" وطواف ودخول منزل "وتحية" للمسجد "وسجدة تلاوة و" سجدة "شكر" فلا تحرم هذه الصلاة في الأوقات الخمسة "إن لم يقصد به تأخيرها إليها ليصليها فيها" فإن قصد ذلك لم ينعقد لأنه بالتأخير إلى ذلك مراغم للشرع بالكلية، ومنه تأخير الفائتة إليها ليقضيها فيها أو يداوم عليها وإن تضيق وقتها بأن فاتته عمدًا وتأخير الصلاة على الجنازة إليها أي لا لفضيلة تحصل فيها ككثرة المصلين فيما يظهر ودخول المسجد فيه بقصد التحية فقط، بخلاف ما إذا لم يقصد شيئًا أو دخله لغرض آخر، ومنه أيضًا تعمد التلاوة فيه ليسجد لها فلا تنعقد في الكل وللمراغمة المذكورة. "ويحرم ما لها سبب متأخر عنها كصلاة الاستخارة وركعتي الإحرام" لتأخر سببهما عنهما أعني الاستخارة والإحرام والمتأخر ضعيف باحتمال وقوعه وعدمه. "و" يحرم على الحاضرين "الصلاة" إجماعًا ولا تنعقد وإن كان لها سبب أو كانت فائتة بغير عذر "إذا صعد الخطيب المنبر" وجلس وإن لم يشرع في الخطبة ولا سمعها المصلي لإعراضه عنها بالكلية إذ من شأن المصلي الإعراض عما سوى صلاته بخلاف المتكلم، ويحرم أيضًا إطالة الصلاة التي شرع فيها قبل صعود الخطيب أما الداخل فلا يباح له. "إلا التحية ركعتين" فتسن له للأمر بها في الخبر الصحيح4، لكن يجب عليه تخفيفها بأن يقتصر على الواجبات ولو لم

1 رواه الترمذي في الحج باب42، والنسائي في المواقيت باب41 والمناسك باب 137، وابن ماجه في الإقامة باب 149، والدارمي في المناسك باب 79، وأحمد في المسند "4/ 80، 81، 82، 83، 84".

2 رواه في الصلاة باب 217 "حديث 1083" عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال: "إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة".

3 قال أبو داود بعد أن رواه: وهو مرسل؛ مجاهد أكبر من أبي الخليل، وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة.

4 وهو ما رواه مسلم في الجمعة "حديث 59" عن جابر بن عبد الله قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس، فقال له:"يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما"، ثم قال:"إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما".

ص: 76

‌فصل: "في الأذان

"

يستحب الأذان والإقامة للمكتوبة إن لم يصلها بفائتة للرجل ولو منفردًا ولو سمع الأذان، ولجماعة ثانية، وفائتة، فإن اجتمع فوائت أو جمع تقديمًا أو تأخيرًا أذن للأولى

ــ

يكن صلى سنة الجمعة القبلية نواها مع التحية إذ لا يجوز له الزيادة على ركعتين بكل حال هذا "إن لم يخش فوات التكبيرة" للإحرام وإلا بأن دخل آخر الخطبة وغلب على ظنه أنه إن صلى التحية فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام فلا يصلي التحية لأنها حينئذ مكروهة تنزيهًا بل يقف حتى تقام الصلاة ولا يقعد لكراهة الجلوس قبل التحية ولو صلاها وقد أقيمت الصلاة كان أشد كراهة.

فصل: في الأذان

وهو لغة: الإعلام1. وشرعًا: قول مخصوص يعلم به وقت الصلاة وهو مجمع على مشروعيته، لكن اختلفوا في أنه سنة أو فرض كفاية.

"يستحب الأذان والإقامة" على الكفاية فيحصلان بفعل البعض كابتداء السلام وإنما يسنان "للمكتوبة" دون المنذورة وصلاة الجنازة والسنن لعدم ثبوته في ذلك بل يكرهان فيه وتسن الإقامة لها مطلقًا، وأما الأذان فإنما يسن لها. "وإن لم يصلها بفائتة" أو مجموعة، أما إذا صلى فوائت ووالى بينها فلا يؤذن إلا للأولى، وكذا إن عقبها بحاضرة بلا فصل طويل، نعم إن دخل وقتها كأن صلى فائتة قبل الزوال وأذن لها فلما فرغ منها زالت الشمس أذن للظهر للإعلام بوقتها، ومثله ما لو أخر مؤداة لآخر وقتها فأذن لها وصلى فدخل وقت ما بعدها فيؤذن لها أيضًا، وأما أولى المجموعتين جمع تقديم أو تأخير فيؤذن لها دون ثانيتهما للاتباع ولو لم يوال بين ما ذكر أذن وأقام للكل، وإنما يسن الأذان "للرجل" أي الذكر ولو صبيًا بخلاف المرأة والخنثى كما يأتي، ويسن لكل مصل "ولو منفردًا" عن الجماعة "ولو سمع الأذان" من غيره كما في التحقيق وغيره، ويكفي في أذان المنفرد إسماع نفسه بخلاف أذان الإعلام كما يأتي "و" يسن أيضًا "لجماعة ثانية" مع رفع الصوت وإن كرهت كأن يكون المسجد غير مطروق ولم يأذن لهم إمامه الراتب2، نعم إن كان الجماعة الأولى أذنوا وصلوا جماعة أو فرادى وذهبوا لم يسن للجماعة الثانية رفع الصوت بل يسن لهم عدمه لئلا

1 انظر لسان العرب "13/ 12" قال: "والأذان والأذين والتأذين: النداء إلى الصلاة، وهو الإعلام بها وبوقتها".

2 الراتب: الثابت الدائم.

ص: 77

وحدها، ويستحب الإقامة وحدها للمرأة وأن يقال في الصلاة المسنونة جماعة: الصلاة جامعة. وشرط صحة الأذان الوقت إلا الصبح فيجوز بعد نصف الليل، وإلا الأول من يوم

ــ

يوهم السامعين دخول وقت صلاة أخرى لا سيما في يوم الغيم "و" يسن أيضًا لأجل "فائتة" لأن بلالًا كما رواه مسلم1 أذن للصبح لما فاتته صلى الله عليه وسلم حين نام بالوادي هو وأصحابه عنها إلى طلوع الشمس. "فإن اجتمع فوائت" أو والى بينها "أو جمع تقديمًا أو تأخيرًا" ووالى بينها "أذن للأولى وحدها" وأقام للكل، أما الأولى فاتباعًا لما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بسند فيه انقطاع لكنه معتضد بما مر من أنه أذن للفائتة، وأما الثاني فلما صح أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين2. "ويستحب الإقامة وحدها للمرأة" لنفسها وللنساء لا للرجال والخناثى وللخنثى لنفسه وللنساء لا للرجال، أما الأذان فلا يندب للمرأة مطلقًا فإن أذنت سرًّا لها أو لمثلها أبيح أو جهرًا فوق ما تسمع صواحبها، وثمة من يحرم نظره إليه حرم للافتتان بصوتها كوجهها، وإنما جاز غناؤها مع استماع الرجل له لأنه يكره له استماعه، وإن أمن الفتنة والأذان يسن له استماعه، فلو جوزناه لها لأدى إلى أن يؤمر الرجل باستماع ما يخشى منه الفتنة وهو ممتنع، وأيضًا فالنظر للمؤذن حال الأذان سنة، فلو جوزناه لها لأدى الأمر بالنظر إليها وإنما جاز لها رفع صوتها بالتلببية لفقد ما ذكر مع أن كل أحد ثم مشتغل بتلبية نفسه والتلبية لا يسن الإصغاء إليها، وتسن حتى للمرأة بخلاف الأذان ومثلها في جميع ما ذكر الخنثى. "و" يستحب "أن يقال في الصلاة المسنونة جماعة" غير المنذورة و"غير الجنازة" كصلاة عيد وكسوف واستسقاء وتراويح ووتر حيث ندبت الجماعة له ولم يكن تابعًا للتراويح "الصلاة جامعة" برفعهما ونصبهما ورفع أحدهما ونصب الآخر لو رود ذلك في الصحيحين3 في كسوف الشمس وقيس به الباقي، ويغني عن ذلك الصلاة وهلموا إلى الصلاة والصلاة يرحمكم الله ومحله عند الصلاة، وينبغي جعله عند أول الوقت أيضًا ليكون بدلًا عن الأذان والإقامة، وخرج بما ذكر النافلة التي لم تصل جماعة والتي لم تشرع الجماعة فيها والمنذورة وصلاة الجنازة فلا يسن فيها ذلك لأن مشيعي الجنازة حاضرون فلا حاجة لإعلامهم. "وشرط صحة الأذان الوقت" لأنه للإعلام به فلا يصح قبله "إلا الصبح فيجوز بعد نصف الليل" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم

1 هو جزء من الحديث الطويل الذي رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث رثم 311" عن أبي قتادة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم

إلخ".

2 وهو في حديث جابر الطويل الذي رواه مسلم في كتاب الحج "حديث رقم 147".

3 في حديث عبد الله بن عمرو قال: لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي: إن الصلاة جامعة. رواه البخاري في الكسوف باب 3 و8 ومسلم في الكسوف حديث 20، وأبو داود في الاستسقاء باب 6.

ص: 78

الجمعة والترتيب، والموالاة وكونه من واحد وبالعربية إن كان ثم من يحسنها، وعليه أن يتعلم، وشرطهما: إسماع بعض الجماعة وإسماع نفسه إن كان منفردًا، وشرط المؤذن:

ــ

مكتوم"1 "وإلا" الأذان "الأول من يوم الجمعة" فيجوز قبل الزوال أيضًا على ما في رونق الشيخ أبي حامد2 لكن فيه نظر إذ الأذان للصبح قبل وقتها خارج عن القياس فلا يلحق به غيره، على أن الفرق بينهما جلي إذ الناس قبل الفجر مشغولون بالنوم فندب تنبيههم ليتأهبوا للصلاة أول وقتها، بخلافهم يوم الجمعة فإنهم فيه كبقية الأيام وليسوا مشغولين بما يمنعهم معرفة أول الوقت فالأوجه أنه كغيره فلا يندب إلا بعد الزوال، على أنه نوزع في نسبة الرونق للشيخ أبي حامد3. "و" شرطه أيضًا كالإقامة "الترتيب" للاتباع ولأن تركه يوهم اللعب فلو عكس ولو ناسيًا لم يصح لكن يبني على المنتظم منه "والموالاة" بين كلماتهما فإن تركها ولو ناسيًا بطل أذانه ولا يضر يسير سكوت وكلام وإغماء ونوم إذ لا يخل بالإعلام "وكونه" كالإقامة أيضًا "من واحد" فلا يصح بناء غير المؤذن والمقيم على ما أتيا به لأنه يورث اللبس في الجملة وإن اشتبها صوتًا. "و" كونه "بالعربية" فلا يصح بغيرها "إن كان ثم من يحسنها" وإلا صح بها كأذكار الصلاة هذا إذا أذن لجماعة فإن أذن لنفسه وهو لا يحسنها صح وإن كان هناك من يحسنها، "وعليه" أي يتأكد له ندبًا "أن يتعلم وشرطهما" أيضًا "إسماع بعض الجماعة" ولو واحدًا إن أذن أو أقام لجماعة لأنها تحصل باثنين فلا يجزئ الإسرار ولو ببعضه ما عدا الترجيع لفوات الإعلام. "وإسماع نفسه" وإن لم يسمع غيره "إن كان منفردًا" لأن الغرض منهما حينئذ الذكر، ويسن أن يكون الرفع بالإقامة أخفض منه بالأذان. "وشرط المؤذن" كونه عارفًا بالوقت إن نصب له وإلا حرم نصبه وإن صح أذانه وشرطه وشرط المقيم "الإسلام" فلا يصحان من كافر لعدم أهليته للصلاة ويحكم له بإسلامه لنطقه بالشهادتين إلا إن كان عيسويًّا 4 لأنهم يعتقدون أن نبينا صلى الله عليه وسلم مرسل إلى العرب خاصة. "والتمييز" فلا يصحان

1 رواه البخاري في الأذان باب 11 و13، والشهادات باب 11، والصوم باب 17، ومسلم في الصيام حديث 36-39 والترمذي في الصلاة باب 35، والنسائي في الأذان باب 9 و10، والصيام باب 30، والدارمي في الصلاة باب 4.

2 أي أبو حامد الإسفراييني. قال حاجي خليفة في كشف الظنون "ص 934": "الرونق: مختصر في فروع الشافعية على طريقة اللباب للمحاملي، وقد اختلف في مؤلفه، قيل إنه منسوب إلى الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وقيل: إنه من تصانيف أبي حاتم القزويني؛ كذا في طبقات ابن السبكي، قال ابن السبكي: وهذا غير مستبعد فإن أبا حاتم قرأ على المحاملي، والرونق أشبه شيء بكلام المحاملي في اللباب".

3 راجع الحاشية السابقة.

4 العيسوية: نسبوا إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني. كان في زمان المنصور وابتدأ دعوته في زمن آخر ملوك بني أمية مروان بن محمد، فاتبعه بشر كثير من اليهود وأدعوا له آيات ومعجزات، وزعم أن الله تعالى كلمه وكلفه أن يخلص بني إسرائيل من أيدي الأمم العاصين، انظر الملل والنحل للشهرستاني "ص239".

ص: 79

الإسلام والتمييز والذكورة، ويكره التمطيط، والكلام اليسير فيه، وترك إجابته، وأن يؤذن قاعدًا أو راكبًا إلا المسافر الراكب، وفاسقًا، وصبيًا وجنبًا، ومحدثًا إلا إذا احدث في أثناء

ــ

من مجنون وصبي غير مميز وسكران إلا في أول نشوته، ويتأدى بأذان الصبي المميز وإقامته الشعار وإن لم يقبل خبره بدخول الوقت وأفعال الإمام "والذكورة" فلا يصحان من الأنثى للرجال أو الخناثى ولو محارم على الأوجه كما لا تصح إمامتها لهم ولا من الخنثى للرجال ولا للنساء كذلك ولحرمة نظر الفريقين إليه. "ويكره" فيهما التطريب والتلحين وتفخيم الكلام والتشادق1 "والتمطيط"2 بل قال ابن عبد السلام: يحرم التلحين أي إن غير المعنى أو أوهم محذورًا كمد همزة أكبر ونحوها، ومن ثم قال الزركشي3: وليحترز من أغلاط تقع للمؤذنين كمد همزة أشهد فيصير استفهامًا، ومد باء أكبر فيصير جمع كبر بفتح أوله وهو طبل له وجه واحد، ومن الوقف على إله والابتداء بإلا الله لأنه ربما يؤدي إلى الكفر كالذي قبله، ومن مد ألف الله والصلاة والفلاح لأن الزيادة في حرف المد واللين على مقدار ما تكلمت به العرب لحن وخطأ، ومن قلب الألف هاء من الله ومد همزة أكبر ونحوها وهو خطأ ولحن فاحش وعدم النطق بها للصلاة لأنه يصير دعاء إلى النار "و" يكره على المعتمد "الكلام اليسير فيه" وفي الإقامة حيث لم يكن في مصلحة وإلا كأن رد السلام أو شمت العاطس كان خلاف السنة، نعم قد يجب الكلام إن كان في تركه إلحاق ضر له أو لغيره ويسن له إذا عطس أن يحمد الله سرًا. "و" يكره "ترك إجابته" أي الأذان ومثله الإقامة "و" يكره "أن يؤذن" أو يقيم "قاعدًا أو راكبًا" لتركه القيام المأمور به، ومنه يؤخذ كراهة ترك كل سنة مؤكدة "إلا المسافر الراكب" فلا يكرهان له لحاجته إلى الركوب، لكن الأولى له أن يقيم بعد نزوله لأنه لا بد له منه للفريضة، ولا يكره له أيضًا ترك الاستقبال، ولا يكره له المشي لاحتياجه إليه، ويجزئه الأذان والإقامة مع المشي وإن بعد عن مكان ابتدائهما بحيث لا يسمع آخرهما من سمع أولهما. "و" يكرهان ممن يكون "فاسقًا وصبيًا" لأنهما غير مأمونين وأعمى ليس معه بصير يعرف الوقت. "وجنبًا ومحدثًا" لخبر:"كرهت أن أذكر الله إلا على طهر" 4 وخبر: "لا يؤذن

1 تشادق في الكلام وتشدق: لوى شدقه بكلام يتفصّح.

2 تمطط في الكلام: مده ولون فيه "المعجم الوسيط: ص876".

3 هو بدر الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي، فقيه، أصولي، محدث، أديب. ولد سنة 745هـ، وتوفي سنة 794هـ، من مصنفاته: البحر في أصول الفقه، وشرح التنبيه للشيرازي في فروع الفقه الشافعي، والبرهان في علوم القرآن، وغيرها "معجم المؤلفين: 3/ 174، 175".

4 رواه أبو داود في الطهارة باب 8 "حديث 17" وأحمد في المسند "5/ 80" عن المهاجرين قنفذ: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال:"إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر" أو قال: "على طهارة".

ص: 80

الأذان فيتمه، والتوجه فيهما لغير القبلة، ويسن ترتيله، والترجيع فيه، والتثويب في الصبح أداء وقضاء، ويسن الالتفات برأسه وحده يمينه في حي على الصلاة، ويساره في حي على الفلاح، ويسن وضع أصبعيه في صماخي أذنيه في الأذان دون الإقامة، وكون المؤذن ثقة

ــ

إلا متوضيء" 1 "إلا إذا أحدث في أثناء الأذان فيتمه" ولا يقطعه لئلا يوهم التلاعب فإن خالف بني إن قصر الفصل وإلا استأنف. "و" يكره "التوجه فيهما لغير القبلة" لتركه الاستقبال المنقول سلفًا وخلفًا. "ويسن ترتيله" أي التأني فيه بأن يأتي بكلماته مبينة وإدراج الإقامة لما صح من الأمر بهما. "والترجيع فيه" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم علمه لأبي محذورة وهو إسرار كلمتي الشهادة قبل الجهر بهما فهو اسم للأول، وسمي بذلك لأنه رجع إلى الرفع بعد أن تركه، والمراد بإسرار ذلك أن يسمع من بقربه عرفًا وأهل المسجد إن كان واقعًا عليهم والمسجد متوسط الخطة. "والتثويب" وبالمثلثة من ثاب إذا رجع "في الصبح" أي في أذانيه أداء "و" كذا "قضاء" كما صرح به ابن عجيل2 وأقروه وهو أن يقول بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم مرتين لما صح من أنه صلى الله عليه وسلم لقنه لأبي محذورة، وخص بالصبح لما يعرض للنائم من التكاسل بسبب النوم ويكره في غيره لأنه بدعة.

"ويسن الالتفات" في الأذان والإقامة "برأسه وحده" لا بصدره "يمينه" مرة "في" مرتي قوله: "حي على الصلاة ويساره" مرة "في" مرتي قوله: "حي على الفلاح" لأن بلالا كان يفعل ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان رواه الشيخان3 وقيس به الإقامة واختصت الحيعلتان بذلك لأن غيرهما ذكر الله تعالى وهما خطاب الآدمي كالسلام في الصلاة وإنما كره في الخطبة لأنها وعظ للحاضرين فالأدب أن لا يعرض عنهم ولا يلتفت في التثويب على ما قاله ابن عجيل لكن نوزع فيه لأنه في المعنى دعاء إلى الصلاة كالحيعلتين. "ويسن وضع" المؤذن أنملتي "أصبعيه" السبابتين "في صماخي أذنيه" لما صح من فعل بلال ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان بإحدى يديه علة يجعل السليمة فقط أو بإحدى سبابتيه جعل أصبعًا أخرى، وإنما يسن ذلك "في الأذان دون الإقامة" لفقد علته فيها وهي كونه أجمع للصوت، وبه يستدل الأصم على كونه أذانًا فيكون أبلغ

1 رواه الترمذي "حديث 200" والبيهقي في السنن الكبرى "1/ 397".

2 هو أبو العباس أحمد بن موسى بن علي بن عمر بن عجيل اليمني. توفي سنة 690هـ، له كتاب جمع فيه مشايخه وأسانيده في كل علم "معجم المؤلفين: 1/ 316".

3 رواه البخاري في الأذان باب 19 "حديث 634" ومسلم في الصلاة "حديث 249" عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه رأى بلالا يؤذن فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا بالأذان، هكذا رواه مختصرًا. ورواه مسلم مطولا عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم. قال: فخرج بلال بوضوئه فمن نائل وناضح، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه. قال: فتوضأ وأذن بلال. قال: فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا "يقول يمينًا وشمالًا" يقول: حي على الصلاة حتى على الفلاح

إلخ.

ص: 81

ومتطوعًا وحسن الصوت وعلى مرتفع، وبقرب المسجد، وجمع كل تكبيرتين بنفس، وبفتح الراء في الأولى في قوله: الله أكبر الله أكبر ويسكن في الثانية، وقول ألا صلوا في

ــ

في الإعلام. "و" يسن "كون المؤذن" والمقيم "ثقة" أي عدل شهادة لأنه أمين على الوقت ليخبر به "و" كونه "متطوعًا" لخبر الترمذي وغيره "من أذن سبع سنين محتسبًا كتب الله له براءة من النار" 1 "و" كونه "صيتًا" لقوله صلى الله عليه وسلم: "ألقه على بلال فإنه أندى صوتًا منك" 2 أي أبعد مدى صوت ولزيادة الإعلام. "و" كونه "حسن الصوت" لخبر الدارمي وابن خزيمة وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم أمر نحوًا من عشرين رجلًا فأذنوا له فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان3، ولأنه أرق لسامعيه فيكون ميله إلى الإجابة أكثر. "و" كونه "على مرتفع" كمنارة أو سطع للاتباع ولزيادة الإعلام فإن لم يكن للمسجد منارة ولا سطح فعلى بابه، ولا يسن في الإقامة المرتفع إلا إن احتيج إليه لكبر المسجد. "و" كونه "بقرب المسجد" لأنه دعاء الجماعة وهي فيه أفضل، ويكره الخروج منه بعده من غير صلاة إلا لعذر. "و" يسن في الأذان "جمع كل تكبيرتين بنفس" أي بصوت لخفتهما وإفراد كل كلمة مما بقي من كلماته بصوت، بخلاف الإقامة فإنه يسن فيها جمع كل كلمتين بصوت وتبقى الأخيرة فيفردها بصوت "ويفتح" المؤذن إذا لم يفعل ما يأتي عن المجموع "الراء في" التكبيرة "الأولى" من لفظتي التكبير "في قوله الله أكبر الله أكبر" على ما قاله المبرد4. وقال الهروي5: عوام الناس أي عامة العلماء على ضمها وبينت ما في ذلك في بشرى الكريم6 وغيره. وحاصله: أن لكل من الفتح والضم وجهان، وأن القول بأن الثاني هو القياس دون الأول، وأن كلا منهما غلط ممنوع، وفي المجموع عن البندنيجي7 وصاحب

1 رواه الترمذي في الصلاة باب 38، وابن ماجه في الأذان باب 5.

2 جزء من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه، رواه أبو داود في الصلاة باب 28 "حديث 499"، والترمذي في المواقيت باب 25، وابن ماجه في الأذان باب 1، والدارمي في الصلاة باب 3، وأحمد في المسند "4/ 43".

3 رواه الدارمي في الصلاة باب 7.

4 هو أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي المعروف بالمبرد. ولد سنة 210هـ، وتوفي سنة 285هـ، وله تصانيف كثيرة تدل على ثقافته الواسعة وتضلعه من اللغة والنحو والأدب وعلوم القرآن والأخبار والبلاغة "معجم المؤلفين: 3/ 773".

5 هو أبو عبيد أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الهروي العبدي الباشاني. لغوي، أديب، صنف غريب القرآن وغريب الحديث. توفي سنة 401هـ "معجم المؤلفين: 1/ 292".

6 اسم كتاب شرحه ابن حجر الهيتمي. قال في الحواشي المدنية: لا وجود له الآن. انظر حاشية المنهاج القويم "ص125" طبعة دار الفيحاء.

7 هو أبو نصر محمد بن هبة الله بن ثابت البندنيجي الشافعي نزيل مكة، ويعرف بفقيه الحرم، ولد ببندنيج بقرب بغداد سنة 407هـ، وتوفي باليمن سنة 495هـ، من تصانيفه: الجامع والمعتمد وكلاهما في فروع الفقه الشافعي "معجم المؤلفين: 3/ 758".

ص: 82

الرحال في الليلة الممطرة أو ذات الريح أو الظلمة بعد الأذان أو الحيعلتين، والأذان للصبح مرتين ويثوب فيهما، وترك رد السلام عليه، وترك المشي فيه، وأن يقول السامع مثل ما يقول المؤذن والمقيم إلا في الحيعلتين فيقول عقب كل: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويكون ذلك أربعًا في الأذان بعد الحيعلتين، وإلا في التثويب فيقول: صدقت وبررت،

ــ

البيان1: يسن الوقت على أواخر الكلمات في الأذان لأنه روي موقوفًا، ولا ينافيه ما مر من ندب قرن كل تكبيرتين في صوت لأنه يوجد من الوقف على الراء بسكنة لطيفة جدًّا، "ويسكن" ندبًا الراء "في" التكبيرة "الثانية"، لأنه يسن الوقف عليها. "و" يسن "قول ألا صلوا في الرحال" أو في رحالكم أو بيوتكم "في الليلة الممطرة" وإن لم تكن مظلمة ولا فيها ريح. "أو ذات الريح" وإن لم تكن مظلمة ولا ممطرة "أو" ذات "الظلمة" وإن لم يكن فيها مطر ولا ريح "بعد" فراغ "الأذان" وهو الأولى "أو" بعد "الحيعلتين" للأمر به في خبر الصحيحين، ويكره أن يقول حي على خير العمل لأنه بدعة لكنه لا يبطل الأذان بشرط أن يأتي بالحيعلتين أيضًا. "و" يسن "الأذان للصبح مرتين" ولو من واحد مرة قبل الفجر وأخرى بعده للاتباع، فإن أراد الاقتصار على مرة فالأولى أن يكون بعده. "ويثوب فيهما" على المعتمد كما مر "و" يسن للمؤذن والمقيم "ترك رد السلام عليه" لأنه مشغول بعبادة لا يليق الكلام في أثنائها ومن ثم تلزمه الإجابة، ويسن له الرد بعد الفراغ وإن طال الفصل على الأوجه. "و" يسن لهما "ترك المشي فيه" وفيها لأنه قد يخل بالإعلام ويجزيان مع المشي وإن بعد كما مر "و" يسن السامع" ولو لصوت لا يفهمه أو كان نحو حائض وجنب ومن به نجس ولم يجد ما يتطهر به وقارئ وذاكر وطائف ومشتغل بعلم ومن بحمام لا نحو أصم ممن لا يسمع ونحو مجامع وقاضي حاجة لكراهة الكلام لهما ومن بمحل نجاسة لكراهة الذكر فيه، ومن يسمع الخطيب "مثل ما يقول المؤذن والمقيم" بأن يجيبه عقب كل كلمة لما في خبر مسلم أن من فعل ذلك دخل الجنة2 وفي رواية: أنه يغفر له ذنبه3. ويجيب في الترجيع وإن لم يسمعه تبعًا لما سمعه، ومن ثم لو سمع بعضه فقط أجاب في الجميع "إلا في" كل من "الحيعلتين" وإلا ألا صلوا في رحالكم "فيقول عقب كل" في الأذان والإقامة "لا حول" أي عن المعصية "ولا قوة" أي على ما دعوتني إليه وغيره "إلا بالله ويكون ذلك أربعًا في الأذان بعد الحيعلتين" وثنتين في الإقامة للاتباع ولأنهما دعاء للصلاة لا يليق بغير المؤذن فيسن للمجيب ذلك لأنه تفويض محض إلى الله "وإلا في التثويب فيقول" بدل كل من

1 هو "البيان في الفروع" للشيخ أبي الخير يحيى بن سالم اليمني الشافعي العمراني المتوفى سنة 558هـ، مكث في تأليفه ست سنين، وهو كبير في نحو عشر مجلدات، انظر كشف الظنون "ص264".

2 رواه مسلم في الصلاة "حديث رقم 12" من حديث عمر بن الخطاب.

3 رواه مسلم في الصلاة "حديث رقم 13" من حديث سعد بن أبي وقاص.

ص: 83

وإلا في كلمتي الإقامة: أقامها الله وأدامها، وأن يقطع القراءة للإجابة، وأن يجيب بعد الجماع والخلاء والصلاة ما لم يطل الفصل، والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعده، ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، والدعاء عقبه وبينه وبين الإقامة، والأذان مع الإقامة أفضل من الإمامة، ويسن الجمع بينهما، وشرط المقيم: الإسلام والتمييز، ويستحب أن تكون الإقامة في غير موضع الأذان، وبصوت أخفض من الأذان، والالتفات في الحيعلة، فإن أذن جماعة فيقيم الراتب ثم الأول، ثم يقرع، والإقامة بنظر الإمام، والأذان بنظر المؤذن.

ــ

كلمتيه "صدقت وبررت" بكسر الراء الأولى وقيل: بفتحها أي صرت ذا بر أي خير كثير، وقيل: يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مناسب. "وإلا في كلمتي الإقامة فيقول" مرتين بدل كلمتيها "أقامها الله وأدامها" وجعلني من صالحي أهلها للاتباع وإن كان سنده ضعيفًا زاد في التنبيه1 بعد قوله وأدامها ما دامت السموات والأرض وروي بلفظ اللهم أقمها بالأمر إلخ. "و" يسن "أن يقطع القراءة" وغيرها مما مر "للإجابة وأن يجيب بعد" انقضاء ما يمنع الإجابة مما مر كانقضاء "الجماع والخلاء والصلاة" وقوله "ما لم يطل الفصل" بحثه غيره أيضًا وفيه نظر، وقضية كلام المجموع أنه لا فرق وما أشار إليه من أن المصلي لا يجيب هو كذلك إذ هي مكروهة له بل تبطل صلاته إن أجاب بحيعلة أو تثويب أو صدقت وبررت لأنه كلام آدمي. "و" يسن "الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم" لكل من المؤذن والمقيم وسامعهما "بعده" وبعدها "ثم يقول" عقب ذلك:"اللهم رب هذه الدعوة" وهي الأذان "التامة" أي السالمة عن تطرق نقص إليها لاشتمالها على معظم شرائع الإسلام "والصلاة القائمة" أي التي ستقام قريبًا "آت محمدًا الوسيلة" وهي منزلة في أعلى الجنة كما في خبر مسلم2 "والفضيلة" عطف بيان لها. "وابعثه مقامًا محمودًا" وهو مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء يحمده فيه الأولون والآخرون. "الذي وعدته" بدل مما قبله لا نعت، نعم ورد أيضًا المقام المحمود فعليه يصح أن يكون نعتًا وذلك لخبر مسلم:"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة واحدة الله عليه بها عشرًا ثم أسألوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة"3 أي غشيته ونالته، وحكمة سؤال ذلك مع كونه واجب الوقوع بوعد الله تعالى إظهار شرفه وعظم منزلته. "و" يسن لكل من المؤذن والمقيم والسامع "الدعاء عقبه وبينه وبين الإقامة" لأنه بينهما لا يرد كما صح في خبر الترمذي وغيره وفيه

1 التنبيه في فروع الشافعية، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي المتوفى سنة 476هـ، انظر كشف الظنون "ص489".

2 رواه مسلم في الصلاة "حديث 11" عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا؛ ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة".

3 هو الحديث المخرج في الحاشية السابقة.

ص: 84

‌باب صفة الصلاة

‌مدخل

باب: "صفة الصلاة"

فروضها ثلاثة عشر:

ــ

" سلوا الله العافية" 1 "والأذان مع الإقامة أفضل من الإمامة" كما قاله النووي وأطال هو وغيره الاحتجاج له والنزاع فيه رددته في غير هذا الكتاب. "ويسن" لمن تأهل لهما "الجمع بينهما" ولو بجماعة واحدة لحديث حسن فيه والنهي عن كون الإمام مؤذنًا لمن يثبت. "وشرط المقيم" كالمؤذن كما أشرت إليه فيما مر ومن ذلك أن يشترط فيه "الإسلام والتمييز" لما تقدم "ويستحب أن تكون الإقامة في غير موضع الأذان" للاتباع "و" أن تكون "بصوت أخفض من" صوت "الأذان" لحصول المقصود به بحضور المدعوين "و" يستحب "الالتفات في الحيعلة" التي في الإقامة كالأذان كما مر، ويسن لمحل الجماعة مؤذنان للاتباع ويزاد عليهما بقدر الحاجة والمصلحة ولا يتقيد بأربعة يترتبون في أذانهم إن اتسع الوقت، ويندب أن يقيم المؤذن دون غيره للخبر الصحيح:"من أذن فهو يقيم" 2 "فإن أذن جماعة فيقيم" المؤذن "الراتب" وإن تأخر أذانه لأنه له ولاية الأذان والإقامة وقد أذن. "ثم" إن لم يكن راتب أو كانوا راتبين كلهم فليقم "الأول" لسبقه "ثم يقرع" إن أذنوا معًا وتنازعوا لعدم المرجح "والإقامة" أي وقتها منوط "بنظر الإمام و" وقت "الأذان" منوط "بنظر المؤذن" لخبر ابن عدي وغيره: "المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة"3 ويعتد بها وإن لم يستأذن الإمام.

باب: صفة الصلاة

أي كيفيتها المشتملة على واجب وهي إما داخل في ماهيتها ويسمى ركنًا وإما خارج عنها ويسمى شرطًا، وعلى مندوب وهو إما يجبر بالسجود ويسمى بعضًا، وإما لا يجبر ويسمى هيئة، وهو ما عدا الأبعاض.

"فروضها" أي أركانها على ما هنا كالمنهاج "ثلاثة عشر" بجعل الطمأنينة في محالها الأربع هيئة تابعة للركن وهذا أولى من جعل الروضة لها أركانًا مستقلة لأنه أوفق بكلامهم في

1 رواه الترمذي في الصلاة باب 44، والدعوات باب 128.

2 رواه الترمذي في الصلاة باب 32، وابن ماجه في الأذان باب 3، وأحمد في المسند "4/ 169".

3 ذكره ابن عدي في الكامل في الضعفاء "4/ 1327" والطحاوي في مشكل الآثار "3/ 55" والمتقي الهندي في كنز العمال "رقم 20963" وابن حجر في تلخيص الحبير "1/ 211".

ص: 85

الأول: النية بالقلب، ويكفيه في النفل المطلق نحو تحية المسجد وسنة الوضوء، نية فعل الصلاة، وفي المؤقتة، والتي لها سبب نية الفعل والتعيين كسنة الظهر أو عيد الفطر أو الأضحى، وفي الفرض نية الفعل والتعيين صبحًا أو غيرها، ونية الفرضية للبالغ، ويستحب ذكر عدد الركعات والإضافة إلى الله تعالى، والأداء والقضاء، ويجب قرن النية بالتكبيرة.

ــ

التقدم والتأخر بركن وفقد الصارف شرط للاعتداد بالركن لا ركن مستقل.

"الأول: النية" لما مر في الوضوء وهي معتبرة هنا وفي سائر الأبواب "بالقلب" فلا يكفي النطق مع غفلته، ولا يضر النطق بخلاف ما فيه، ثم الصلاة على ثلاثة أقسام: نفل مطلق وما ألحق به كصلاة التسبيح، ونفل مقيد بوقت أو سبب، وفرض. فالأول يشترط فيه نية فعل الصلاة. والثاني: يشترط فيه فعل ذلك مع التعيين. والثالث: يشترط فيه فعل ذلك مع نية الفرضية كما قال. "ويكفيه في النفل المطلق" وهو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب ولا ما هو في معناه مما المقصود منه إيجاد صلاة لا خصوصه. "نحو تحية المسجد وسنة الوضوء" والاستخارة والإحرام والطواف. "نية فعل الصلاة" لتتميز عن بقية الأفعال فلا يكفي إحضارها في الذهن مع الغفلة عن قصد فعلها لأنه المطلوب وهي هنا ما عدا النية لأنها لا تنوي، ولا ينافي ما تقرر تصريحهم في سنة الإحرام والطواف بأنه لا بد من التعيين لأن معناه أنه لا بد منه في حصول الثواب، أما بالنسبة لإسقاط الطلب فلا يشترط، وكذا يقال في تحية المسجد وما بعدها. "و" يكفيه "في" النافلة "المؤقتة والتي لها سبب نية الفعل والتعيين" بالرفع لتتميز عن غيرها ويحصل التعيين بالإضافة "كسنة الظهر" قبلية أو بعدية ولا يكفي سنة الظهر فقط سواء آخر القبلية إلى ما بعد الفرض أم لا، ومثلها في ذلك سنة المغرب والعشاء لأن كل قبلية وبعدية بخلاف سنة الصبح والعصر "أو" سنة "عيد الفطر أو" سنة عيد "الأضحى" فلا يكفي سنة العيد فقط، وكذا لا بد أن يعين سنة كسوف الشمس أو خسوف القمر وينوي بما قبله الجمعة وما بعدها سنتها. "و" يكفيه "في الفرض" ولو كفاية أو منذورة "نية الفعل" كما مر "والتعيين صبحًا" مثلًا "أو غيرها" ولا يكفي نية فرض الوقت "ونية الفرضية" لتتميز عن النفل والمعادة، ولو رأى الإمام يصلي العصر فظنه يصلي الظهر فنوى ظهر الوقت لم يصح لأن الوقت ليس وقت الظهر أو ظهر اليوم صح لأنه ظهر يومه، وإنما تشترط نية الفرضية "للبالغ" على ما صوبه في المجموع قال: إذ كيف ينوي الصبي الفرضية وصلاته لا تقع فرضًا. ا. هـ. لكن الأوجه ما في الروضة وأصلها من أنه كالبالغ، والمراد به في حقه صورة الفرض أو حقيقته في الأصل لا في حقه كما يأتي في المعادة، ويؤيد ذلك أنه لا بد من القيام في صلاته وإن كانت نفلا. "ويستحب ذكر عدد الركعات" لتمتاز عن غيرها فإن عينه وأخطأ فيه عمدًا بطلت لأنه نوى غير الواقع. "والإضافة إلى الله تعالى" ليتحقق معنى الإخلاص وخروجًا من الخلاف، ويصح عطف هذا على ذكر وعلى عدد. "و" ذكر "الأداء والقضاء" ولو في النفل

ص: 86

الثاني: أن يقول الله أكبر في القيام، ولا يضر تخلل يسير وصف لله تعالى أو

ــ

لتمتاز عن غيرها، ويصح كل منهما بنية الآخر إن عذر بغيم أو نحوه لأن كلا يأتي بمعنى الآخر، بخلاف ما لو نواه مع علمه بخلافه وقصد المعنى الشرعي فإنه لا يصح لتلاعبه، ويسن ذكر الاستقبال لا اليوم والوقت إذ لا يجبان اتفاقًا. "ويجب قرن النية" المشتملة على جميع ما يعتبر فيها من قصد الفعل أو والتعيين أو والفرضية أو والقصر في حق المسافر أو والإمامة أو والمأمومية في الجمعة "بالتكبيرة" التي للإحرام وذلك بأن يستحضر في ذهنه ذلك ثم يقصد إلى فعل هذا المعلوم، ويجعل قصده هذا مقارنًا لأول التكبير، ولا يغفل عن تذكره حتى يتم التكبير، ولا يكفي توزيعه عليه بأن يبتدئه من ابتدائه وينهيه مع انتهائه لما يلزم عليه من خلو معظم التكبير الذي هو أول أفعال الصلاة عن تمام النية، واختار النووي وغيره كابن الرفعة1 والسبكي2 تبعًا للغزالي وإمامه3 أنه يكفي المقارنة العرفية عن العوام بحيث يعد مستحضرًا للصلاة.

"الثاني" من الأركان: "أن يقول الله أكبر في القيام" أو بدله لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته به4، والحكمة في الاستفتاح به استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته والوقوف بين يديه ليمتلئ هيبة فيخشع ويحضر قلبه وتسكن جوارحه ويتبين بفراغه دخوله في الصلاة بأوله، وأفهم كلام المصنف أنه لا يكفي الله كبير أو أعظم أو أجل، ولا الرحمن أكبر ولا أكبر من الله بل لا بد من لفظ الجلالة وأكبر وتقديم الجلالة للاتباع. "ولا يضر تخلل يسير وصف لله تعالى" بين كلمتي التكبير كالله عز وجل أكبر لبقاء النظم والمعنى بخلاف الله لا إله إلا هو أكبر فلا يكفي كما في التحقيق لطوله، وخرج بالوصف غيره كهو وزيادة واو ساكنة أو متحركة

1 هو أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس بن الرفعة الأنصاري البخاري المصري الشافعي الشهير بابن الرفعة، فقيه، ولد بمصر سنة 645هـ وتوفي بالقاهرة سنة 710هـ، انظر معجم المؤلفين "1/ 282".

2 هو تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الأنصاري الشافعي السبكي. فقيه، أصولي، مؤرخ، أديب، ناظم، ناثر، ولد بالقاهرة سنة 727 أو 728هـ، وتوفي بدمشق سنة 771هـ، من تصانيفه: طبقات الشافعية الصغرى والوسطى والكبرى، وغيرها "معجم المؤلفين: 2/ 343".

3 أي الشافعي.

4 وهو الحديث الذي رواه البخاري في الأذان باب 95 "حديث 757" وفي مواضع أخرى من كتابه "حديث 793 و6251 و6252 و6667" ومسلم في الصلاة "حديث 45" عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد وقال:"ارجع فصل فإنك لم تصل" فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ارجع فصل فإنك لم تصل""ثلاثًا" فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني. فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها".

ص: 87

سكوت، يترجم العاجز بأي لغة شاء، ويجب تعلمه ولو بالسفر، ويؤخر الصلاة للتعلم، ويشترط إسماع نفسه التكبير، وكذا القراءة وسائر الأركان.

الثالث: القيام في الفرض للقادر، ويشترط نصب فقار ظهره، فإن لم يقدر وقف

ــ

فلا يكفي. "أو" يسير "سكوت" وضبطه المتولي1 وغيره بقدر سكتة التنفس ويضر فيه الإخلال بحرف من غير الألثغ وزيادة حرف يغير المعنى كمد همزة الله وزيادة ألف بعد الباء وتشديدها وزيادة واو قبل الجلالة لا تشديد الراء من أكبر، وكذا إبدال همزة أكبر واوًا أو كافة همزة من جاهل لكن يلزمه تعلم مخرجهما، وكذا ضم راء أكبر مطلقًا على المعتمد ووصل همزة مأمومًا أو إمامًا بالله أكبر خلاف الأولى، وقال ابن عبد السلام: يكره. "ويترجم" وجوبًا "العاجز" عن النطق بالتكبير بالعربية "بأي لغة شاء" ولا يعدل إلى ذكر غيره. "ويجب تعلمه" لنفسه وطفله ومملوكه إن قدر عليه "ولو بالسفر" ببلد آخر وإن بعد لكن يشترط أن يستطيعه وينبغي ضبط الاستطاعة هنا بالاستطاعة في الحج "ويؤخر" وجوبًا "الصلاة" عن أول الوقت "للتعلم" إن رجاه فيه حتى لا يبقى إلا ما يسعها بمقدماتها فحينئذ يلزم فعلها على حسب حاله لحرمة الوقت، ولا يقضي بعد التعلم إلا ما فرط في تعلمه ويلزم الأخرس تحريك شفتيه ولسانه ولهاته2 ما أمكنه، فإن عجز نواه بقلبه، وكذا حكم سائر الأركان القولية. "ويشترط" على القادر على النطق بالتكبير "إسماع نفسه التكبير" إذا كان صحيح السمع ولا عارض عنده من لغط أو غيره. "وكذا القراءة" الواجبة "وسائر الأركان" القولية كالتشهد الأخير والسلام، ولا بد في حصول ثواب السنن القولية من ذلك أيضًا ولو كبر للإحرام مرات بنية الافتتاح بالأولى وحدها لم يضر أو بكل دخل في الصلاة بالأوتار وخرج بالأشفاع، لأنه من افتتح صلاة ثم نوى افتتاح صلاة أخرى بطلت صلاته، هذا إذا لم ينو بين كل خروجًا وافتتاحًًا وإلا خرج بالنية ودخل بالتكبير.

"الثالث" من الأركان: "القيام في الفرض" ولو منذورًا أو كفاية أو على صورة الفرض كالمعادة وصلاة الصبي "للقادر" عليه ولو بغيره فيجب من أول التحرم به إجماعًا، أما النفل والعاجز فسيأتيان. "وشرط" فيه "نصب فقار" أي عظام "ظهره" لا رقبته لأنه يسن إطراق الرأس، ولا يضر استناده إلى شيء وإن كان بحيث لو رفع لسقط لوجود اسم القيام لكن يكره ذلك إلا إن أمكن معه رفع قدميه فتبطل كما لو انحنى بحيث صار أقرب إلى أقل الركوع أو

1 هو أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي الشافعي المعروف بالمتولي. فقيه، أصولي، متكلم، فرضي، ولد بنيسابور سنة 426هـ، وتوفي ببغداد سنة 478هـ، من تصانيفه: تتمة الإبانة تأليف شيخه الفوراني في الفقه ولم يكملها، كتاب صغير في أصول الدين، ومختصر في الفرائض "معجم المؤلفين: 2/ 106".

2 اللهاة من كل ذي حلق: اللحمة المشرفة على الحلق، أو الهنة المطبقة في أقصى سقف الفم "المعجم الوسيط: ص843".

ص: 88

منحنيًا، فإن لم يقدر قعد وركع محاذيًا جبهته قدام ركبتيه، والأفضل أن يحاذي موضع سجوده، وهما على وزان ركوع القائم في المحاذاة، فإن لم يقدر اضطجع على جنبه، والأيمن أفضل، فإن لم يقدر استلقى، ويرفع رأسه بشيء، يومئ برأسه للركوع والسجود وإيماؤه للسجود أكثر قدر إمكانه، فإن لم يقدر أو ما بطرفه، فإن لم يقدر أجرى

ــ

مال على جنبه بحيث خرج عن سنن القيام "فإن لم يقدر" على القيام إلا منحنيًا لكون ظهره تقوس أو متكئًا على شيء أو إلا على ركبتيه أو إلا مع نهوض ولو بمعين بأجرة مثل وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة "وقف منحنيًا" في الأولى وكما قدر فيما بعدها لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ويلزمه في الأولى زيادة الانحناء في ركوعه إن قدر لتتميز الأركان ولو عجز عن الركوع والسجود دون القيام قام وأومأ إليهما قدر إمكانه. "فإن لم يقدر" على القيام في الفرض بأن لحقته مشقة شديدة لا تحتمل في العادة كدوران رأس راكب السفينة "قعد" كيف شاء للخبر الصحيح: "فإن لم تستطع" أي القيام "فقاعدًا" 1، ولو شرع في السورة فله القعود ليكملها، وكذا لو كان إذا صلى منفردًا صلى قائمًا ومع جماعة صلى قاعدًا فله أن يصلي معهم قاعدًا. "وركع" أي المصلي قاعدًا وأقل ركوعه أن ينحني حتى يكون "محاذيًا جبهته" ما "قدام ركبتيه والأفضل" أي أكمله هو "أن يحاذي" جبهته "موضع سجوده" وركوع القاعد في النفل كذلك "وهما على وزان ركوع القائم في المحاذاة" أي بالنسبة إلى النظر فإنه يسن لكل النظر إلى موضع سجوده، قال العز بن عبد السلام فيمن اتقى التشبهات فضعف عن القيام والجمعة لا خير في ورع يؤدي إلى إسقاط فرائض الله تعالى. "فإن لم يقدر" على القعود بأن نالته به المشقة السابقة "اضطجع" وجوبًا "على جنبه" مستقبلا للقبلة بوجه ومقدم بدنه "و" الجنب "الأيمن" أي الاضطجاع عليه "أفضل" بل الاضطجاع على الأيسر بلا عذر مكروه "فإن لم يقدر" على الاضطجاع بالمعنى السابق "استلقى" على ظهره وأخمصاه للقبلة لخبر النسائي:"فإن لم تستطع فمستلقيًا""ويرفع" وجوبًا "رأسه" قليلًا "بشيء" ليتوجه إلى القبلة بوجهه ومقدم بدنه هذا في غير الكعبة وإلا جاز له الاستلقاء على ظهره وعلى وجهه لأنه كيفما توجه فهو متوجه لجزء منها، نعم إن لم يكن لها سقف امتنع الاستلقاء على ظهره وعلى وجهه من غير أن يرفع رأسه "ويومئ"وجوبًا إن عجز عن ذلك "برأسه للركوع والسجود" يجب أن يكون "إيماؤه للسجود أكثر قدر إمكانه" لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ولوجوب التمييز بينهما على المتمكن "فإن لم يقدر" على الإيماء برأسه "أومأ بطرفه" أي بصره إلى أفعال الصلاة "فإن لم

1 روى البخاري في تقصير الصلاة باب 19 "حديث 1117" عن عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال:"صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"، ورواه أيضًا الترمذي في الصلاة باب 157، وابن ماجه في الإقامة باب 139، وأحمد في المسند "4/ 426".

ص: 89

الأركان على قلبه، ويتنفل القادر قاعدًا ومضطجعًا لا مستلقيًا ويقعد للركوع والسجود، وأجر القاعد القادر نصف أجر القائم، والمضطجع نصف أجر القاعد.

الرابع: الفاتحة إلا لمعذور لسبق وغيره، والبسملة والتشديدات التي فيها منها، ولا يصح إبدال الظاء عن الضاد، ويشترط عدم اللحن المخل بالمعنى، والموالاة فتنقطع

ــ

يقدر" على الإيماء بطرفه إليها "أجرى الأركان" جميعها "على قلبه" مع السنن إن شاء بأن يمثل نفسه قائمًا وراكعًا وهكذا لأنه الممكن، فإن اعتقل لسانه أجرى القراءة وغيرها على قلبه كذلك، ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتًا لوجود مناط التكليف، ومتى قدر على مرتبة من المراتب السابقة في أثناء الصلاة لزمه الإتيان بها، نعم لا تجزئ القراءة في النهوض وتجزئ في الهوي، "ويتنقل القادر قاعدًا" إجماعًا "ومضطجعًا لا مستلقيًا ويقعد للركوع والسجود" ولا يومئ بهما لعدم وروده "وأجر القاعد" في النفل "القادر نصف أجر القائم و" أجر "المضطجع نصف أجر القاعد" كما ثبت ذلك في خبر البخاري1، نعم من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن تطوعه قاعدًا مع القدرة كتطوعه قائمًا.

"الرابع" من الأركان: "الفاتحة" أي قراءتها في كل قيام أو بدله حتى القيام الثاني في صلاة الكسوفين في السرية والجهرية حفظًا أو تلقينًا أو نظرًا في نحو مصحف للخبر الصحيح: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب"2 أي في كل ركعة منها كما صرح به في خبر المسيء صلاته "إلا لمعذور لسبق" فإنها لا تلزمه أي لتحمل إمامه لها عنه لا لعدم مخاطبته بها فيدرك الركعة بإدراكه معه ركوعه المحسوب له "وغيره" كرحمة أو نسيان أو بطء حركة بأن لم يقم من السجود إلا والإمام راكع أو قريب من الركوع، وكذا لو انتظر سكتة الإمام فركع أو شك هل قرأ الفاتحة فإنه يتخلف لقراءتها فيهما، فإذا لم يقم إلا والإمام راكع مثلا ركع معه وسقطت عنه الفاتحة، وبهذا يعلم أن يتصور سقوط الفاتحة في الركعات الأربع "والبسملة" آية منها عملا بما صح أنه صلى الله عليه وسلم عدها آية منها وأنه قال:"بسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها وآية من كل سورة غير براءة" ، كما دل عليه خبر مسلم وغيره فهي قرآن ظنًا لا قطعًا لعدم التواتر، "والتشديدات التي فيها" وهي أربع عشرة "منها" لأنها هيئات لحروفها المشددة فوجوبها شامل لهيئاتها فإن خفف مشددًا بطلت قراءته بل قد يكفر به في إياك إن علم وتعمد لأنه بالتخفيف ضوء الشمس، وإن شدد مخففًا أساء ولم تبطل صلاته، "ولا يصح إبدال" قادر أو مقصر

1 وهو ما رواه في تقصير الصلاة باب 17 "حديث 1115" عن عمران بن حصين -وكان مبسورًا- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدًا، فقال:"إن صلى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد".

2 رواه ابن خزيمة في صحيحه "490" وابن حجر في فتح الباري "2/ 241" والنووي في الأذكار "46" وابن عدي في الكامل في الضعفاء "3/ 991".

ص: 90

الفاتحة بالسكوت الطويل إن تعمده، أو كان يسيرًا وقصد به قطع القراءة، وبالذكر إلا إذا كان ناسيًا، وإلا إذا سن في الصلاة كالتأمين والتعوذ، وسؤال الرحمة وسجود التلاوة لقراءة إمامه والرد عليه.

ــ

"الظاء عن الضاد" ولا حرفًا منها بآخر وإن لم يكن ضادًا ولا ظاء كإبدال الذال زايًا في الذين والحاء هاء في الحمد، ومنه أن ينطق بالقاف مترددة بينها وبين الكاف، ومن قال في هذه بعدم البطلان يحمل كلامه على المعذور كما صرح به في المجموع. "ويشترط" لصحة القراءة "عدم اللحن المخل بالمعنى" كضم تاء أنعمت أو كسرها ممن يمكنه التعلم وكقراءة شاذة وهي ما وراء السبعة إن غيرت المعنى كقراءة:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] ، برفع الأول1 ونصب الثاني2 أو زادت ولو حرفًا أو نقصت، فمن فعل شيئًا من ذلك بطلت قراءته إلا أن يتعمده ويعلم تحريمه فتبطل صلاته، ولو بالغ في الترتيل فجعل الكلمة كلمتين قاصدًا إظهار الحروف كالوقفة اللطيفة بين السين والتاء من نستعين لم يجز إذ الواجب أن يخرج الحرف من مخرجه ثم ينتقل إلى ما بعده متصلًا به بلا وقفة، وبه يعلم أنه يجب على كل قارئ أن يراعي في تلاوته ما أجمع القراء على وجوبه. "و" تشترط "الموالاة" في الفاتحة للاتباع، وكذا التشهد على ما اعتمده جمع. "فتنقطع الفاتحة بالسكوت الطويل" وهو ما يزيد على سكتة التنفس والعي "إن تعمده" وإن لم ينو القطع لإشعاره بالإعراض، بخلاف ما إذا كان ناسيًا أو ساهيًا وإن طال لعذره كالسكوت الطويل للإعياء أو لتذكر آية نسيها "أو كان يسيرًا وقصد به قطع القراءة" لتعديه بخلاف مجرد قصد قطع القراءة باللسان ولم يقطعها وإنما بطلت الصلاة بنية قطعها لأن النية ركن فيها يجب إدامتها حكمًا والقراءة لا تفتقر إلى نية مخصوصة، ومن لم يؤثر نية قطع الركوع أو غيره من الأركان، وتنقطع الموالاة أيضًا بقراءة آية من غيرها. "وبالذكر" وإن قل كالحمد للعاطس لأنه ليس مختصًا بالصلاة ولا لمصلحتها فأشعر بالإعراض "إلا إذا كان ناسيًا" لعذره "وإلا إذا سن" بالذكر "في الصلاة" بأن كان مأمورًا به فيها لمصلحتها فلا تنقطع به القراءة "كالتأمين" لقراءة إمامه "والتعوذ" من العذاب "وسؤال الرحمة" عند قراءة آيتهما منه أو من إمامه، وقوله بلى عند سماعه {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] ، وسبحان ربي العظيم عند:{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] ، ونحو ذلك. "وسجود التلاوة لقراءة إمامه والرد" من المأموم "عليه" إذا توقف فيها ومحله إذا سكت فلا يفتح عليه ما دام يردد التلاوة، وإلا انقطعت الموالاة فيما يظهر، ونسيان الموالاة لا الفاتحة عذر، ولو شك قبل الركوع هل قرأ الفاتحة؟ أو قبل السلام هل تشهد؟ لزمه إعادتهما أو في أثنائهما في بعض منهما لزمه إعادتهما أو بعدهما في بعضهما لم يؤثر، ويجب ترتيب الفاتحة

1 أي لفظ الجلالة "الله".

2 أي لفظ "العلماء".

ص: 91

الخامس: الركوع وأقله أن ينحني حتى تنال راحتاه ركبتيه، ويشترط أن يطمئن بحيث تستقر أعضاؤه وأن يقصد به غيره، فلو هوى للتلاوة فجعله ركوعًا لم يكفه.

السادس: الاعتدال وهو أن يعود ما كان عليه قبله. وشرطه الطمأنينة، وأن لا يقصد به غيره، فلو رفع رأسه فزعًا من شيء لم يكف.

ــ

أيضًا، فإن تعمد تركه استأنف القراءة إن لم يغير المعنى وإلا بطلت صلاته، وكذا في التشهد وإن لم يجب ترتيبه، ويجب التوصل إلى قراءة الفاتحة، فكل وجه قدر عليه وإلا أعاد ما صلاه مع التمكن من تعلمها، ومن تعذرت عليه قرأ سبع آيات من غيرها بقدر حروفها وإن تفرقت ولم تفد معنى منظومًا، فإن عجزت لزمه سبعة أنواع من الذكر أو الدعاء الأخروي بقدر حروفها، فإن لم يحسن شيئًا وقف بقدرها ولا يترجم عن شيء من القرآن لفوات إعجازه بخلاف غيره.

"الخامس" من الأركان: "الركوع" للكتاب1 والسنة والإجماع وتقدم ركوع القاعد بقسميه. "وأقله" للقائم "أن ينحني" بلا انخناس2 وإلا لم يصح "حتى تنال راحتاه ركبتيه" بأن يكون بحيث تنال راحتا معتدل الخلقة ركبتيه لو أراد وضعهما عليهما لأنه بدون ذلك أو به مع الانخناس لا يسمى ركوعًا والراحتان ما عدا الأصابع من الكفين. "ويشترط أن يطمئن" فيه "بحيث تستقر أعضاؤه" حتى ينفصل رفعه عن ركوعه عن هويه للخبر الصحيح: "ثم اركع حتى تطمئن راكعًا"3 ولا تقوم زيادة الهوى مقامها لعدم الاستقرار. "و" يشترط "أن لا يقصد به" أي بالهوى "غيره" أي غير الركوع بأن يهوي بقصده أو لا بقصد "فلو هوى للتلاوة" أي لسجودها "فجعله" عند بلوغ حد الراكع "ركوعًا لم يكفه" لوجود الصارف فيجب العود إلى القيام ليهوي، ولو ركع إمام فظن أن يسجد للتلاوة فهوى لذلك فرآه لم يسجد فوقف عن السجود حسب له عن ركوعه على ما رجحه الزركشي ويغتفر له ذلك للمتابعة، ورجح شيخنا زكريا4 أنه يعود للقيام ثم ركع وهو أوجه، ولو أراد أن يركع فسقط قام ثم ركع ولا يقوم راكعًا فإن سقط في أثناء انحنائه عاد للمحل الذي سقط منه في حال انحداره.

"السادس" من الأركان: "الاعتدال" ولو في النفل على المعتمد "وهو أن يعود" بعد الركوع "إلى ما كان عليه قبله" من قيام أو قعود "وشرطه الطمأنينة" فيه للخبر الصحيح: "ثم ارفع حتى تطمئن قائمًا""و" شرطه "أن لا يقصد به غيره" بأن يقصد الاعتدال أو يطلق "فلو

1 وهو قوله تعالى في الآية 77 من سورة الحج: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

2 هو حديث المسيء صلاته الذي تقدم.

3 وهو خبر المسيء صلاته.

4 هو زيد الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري الشافعي، ولد بسنيكة -بليدة من شرقية مصر- سنة 826، وتوفي في القاهرة سنة 926هـ، وقيل في وفاته غير ذلك، انظر معجم المؤلفين "1/ 733".

ص: 92

السابع: السجود مرتين، وأقله أن يضع بعض بشرة جبهته على مصلاه، وشرطه: الطمأنينة ووضع جزء من ركبتيه، وجزء من بطون كفيه وأصابع رجليه، وتثاقل رأسه، وعدم الهوي لغيره، فلو سقط على وجهه وجب العود إلى الاعتدال وارتفاع أسافله على أعاليه، وعدم السجود على شيء يتحرك بحركته إلا أن يكون في يده، فلو عصب جميع

ــ

رفع رأسه" منه "فزعًا" أو خوفًا "من شيء لم يكف" لوجود الصارف، ولو سقط عن ركوعه من قيام قبل الطمأنينة عاد إليه وجوبًا واطمأن ثم اعتدل أو بعدها نهض معتدلا ثم سجد، ولو شك غير المأموم وهو ساجد هل أتم اعتداله اعتدل فورًا وجوبًا فإن مكث ليتذكر بطلت صلاته.

"السابع" من الأركان: "السجود مرتين" في كل ركعة للكتاب1 والسنة والإجماع. "وأقله أن يضع بعض بشرة" أو شعر "جبهته على مصلاه" بلا حائل بينهما وخرج بالجبهة الجبين والأنف. "وشرطه الطمأنينة" فيه للخبر الصحيح: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا" 2 "ووضع جزء" على مصلاه وإن قل أو كان مستورًا أو لم يتحامل عليه على الأوجه "من ركبتيه وجزء من بطون كفيه" سواء الراحة والأصابع "و" جزء من بطون "أصابع رجليه" للخبر الصحيح: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين""و" شرطه أيضًا "تثاقل رأسه" بأن يتحامل على محل سجوده بثقل رأسه وعنقه بحيث لو كان على قطن لاندك وظهر أثره في يديه لو فرضت تحت ذلك. "و" شرطه "عدم الهوى لغيره" بأن يهوي له أو يطلق نظير ما مر "فلو سقط" من الاعتدال "على وجهه" لمحل السجود "وجب العود إلى الاعتدال" ليهوي منه أو من الهوي عليه لم يلزمه العود بل يحسب ذلك سجودًا ما لم يقصد بوضع جبهته الاعتماد عليها وإلا أعاد السجود لوجود الصارف أو على جنبه فانقلب بنية السجود أو بلا نية أو بنيته ونية الاستقامة أجزأه فقط لوجود الصارف فلا يجزئه بل يجلس ولا يقوم فإن قام عامدًا عالمًا بطلت صلاته. "و" شرطه "ارتفاع أسافله" أي عجيزته وما حولها "على أعاليه" للاتباع فلو تساويا لم يجزه لعدم اسم السجود إلا أن يكون به علة لا يمكنه معها السجود إلا كذلك، ولو عجز عن وضع جبهته إلا على نحو وسادة فإن حصل التنكيس لزمه وضع ذلك ليسجد عليه وإلا فلا إذ لا فائدة فيه. "و" شرطه "عدم السجود على شيء" محمول له أو متصل به بحيث "يتحرك بحركته" في قيامه أو قعوده فإن سجد عليه عامدًا عالمًا بطلت صلاته و"إلا" لزمه إعادة السجود فإن لم يتحرك بحركته أو لم يكن من

1 راجع الحاشية الأولى في الصفحة السابقة.

2 هو حديث المسيء صلاته.

3 رواه البخاري في الأذان باب 133 و134 و138، ومسلم في الصلاة حديث 227 و229 و230، والترمذي في المواقيت باب 87، والنسائي في التطبيق باب 44 و58. وابن ماجه في الإقامة باب 19، والدارمي في الصلاة باب 73، وأحمد في المسند "1/ 279، 280، 286، 292، 305".

ص: 93

جبهته لجراحة وخاف من نزع العصابة سجد عليها ولا قضاء.

الثامن: الجلوس بين السجدتين وشرطه الطمأنينة، وأن لا يطوله، ولا الاعتدال، وأن لا يقصد بالرفع غيره، فلو رفع فزعًا من شيء لم يكف.

التاسع: التشهد الأخير وأقله: التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتشترط موالاته، وأن يكون بالعربية.

العاشر: القعود في التشهد الأخير.

ــ

محموله وإن تحرك بحركته مثل "أن يكون" سريرًا هو عليه أو شيئًا "في يده" كعود جاز السجود عليه وإنما بطلت صلاته بملاقاة ثوبه للنجاسة وإن لم يتحرك بحركته لأنه منسوب إليه، وليس المعتبر هنا إلا السجود على قرار وبعدم تحركه بحركته هو قرار، وشرطه أيضًا كما علم من قوله بشرط أن لا يكون بين الجبهة ومحل السجود حائل إلا لعذر. "فلو عصب جميع جبهته لجراحة" مثلًا "وخاف من نزع العصابة" محذور تيمم "سجد عليها" للعذر "ولا قضاء" لأنه عذر غالب دائم.

"الثامن" من الأركان: "الجلوس بين السجدتين وشرطه الطمأنينة" ولو في النفل للخبر الصحيح: "ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا""وأن لا يطوله ولا الاعتدال" لأنهما ركنان قصيران إذ القصد بهما الفصل فإن طولهما فوق ذكرهما بقدر سورة الفاتحة في الاعتدال، وأقل التشهد في الجلوس عامدًا عالمًا بالتحريم بطلت صلاته. "وأن لا يقصد بالرفع غيره" أي الجلوس "فلو رفع فزعًا من شيء لم يكف" لما مر.

"التاسع" من الأركان: "التشهد الأخير" للخبر الصحيح: "قولوا التحيات لله" إلى آخره. "وأقله التحيات لله" جمع تحية وهي ما يحيا به من سلام أو غيره، والقصد الثناء على الله تعالى بأنه مالك لجميع التحيات من الخلق "سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" وهم القائمون بحقوق الله تعالى وحقوق العباد. "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" أو وأن محمدًا عبده ورسوله ولا يكفي وأن محمدًا رسوله. "وتشترط موالاته" لا ترتيبه كما مر. "وأن يكون" هو وسائر أذكار الصلاة المأثورة "بالعربية" فإن ترجم عنها قادرًا على العربية أو عما لم يرد وإن عجز بطلت صلاته، ويشترط أيضًا ذكر الواو العاطفة بين الشهادتين ويتعين لفظ التشهد فلا يكفي معناه بغير لفظه كأن يأتي بدل لفظ الرسول بالنبي أو عكسه أو بدل محمد بأحمد أو بدل أشهد بأعلم، ويشترط رعاية حروفه وتشديداته وعدم الإعراب المخل بالمعنى وإسماع النفس والقراءة في حال القعود القادر.

"العاشر" من الأركان: "القعود في التشهد الأخير" لأنه محله فيتبعه في الوجوب على القادر.

ص: 94

الحادي عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده قاعدًا، وأقلها: اللهم صل على محمد أو على رسوله أو على النبي.

الثاني عشر: السلام وأقله السلام عليكم.

الثالث عشر: الترتيب فإن تعمد تركه كأن سجد قبل ركوعه بطلت صلاته، وإن سها فما بعد المتروك لغو، فإن تذكر قبل أن يأتي بمثله أتى به، وإلا تمت ركعته وتدارك الباقي، ولو تيقن في آخر صلاته ترك سجدة من الركعة الأخيرة سجدها وأعاد تشهده أو من غيرها أو شك فيها أتى بركعة، وإن قام إلى الثانية وقد ترك سجدة من الأولى، فإن كان قد جلس ولو للاستراحة هوى للسجود، وإلا جلس مطمئنًا ثم يسجد، وإن تذكر ترك ركن بعد السلام، فإن كان النية أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته، وإن كان غيرها بنى على صلاته إن قرب الفصل ولم يمس نجاسة ولا يضر استدبار القبلة، ولا الكلام، وإن طال الفصل استأنفت الصلاة.

ــ

"الحادي عشر" من الأركان: "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده قاعدًا" لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بها في الصلاة والمناسب لها منها التشهد آخرها "وأقلها اللهم صل" أو صلى الله "على محمد أو على رسوله أو على النبي" دون أحمد أو عليه ويتعين صيغة الدعاء هنا لا في الخطبة لأنها أوسع، وشروط الصلاة شروط التشهد فلو أبدل لفظ بالسلام أو الرحمة لم يكف.

"الثاني عشر" من الأركان: "السلام" بعد ما مر للخبر الصحيح: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم"1 "وأقله السلام عليكم" للاتباع فلا يجزئ سلام عليكم وإنما أجزأ في التشهد كما مر لوروده ثم لا هنا ويجزئ عليكم السلام لكن يكره، ويشترط الموالاة بين قوله السلام وعليكم والاحتراز عن زيادة أو نقص فيه تغيير المعنى وأن يسمع نفسه.

"الثالث عشر: الترتيب" كما ذكر في عددها المشتمل على قرن النية بالتكبير وجعلهما مع القراءة في القيام وجعل التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القعود، فالترتيب عند من أطلقه مراد فيما عدا ذلك، وتقديم الانتصاب على تكبيرة الإحرام شرط لها لا ركن، ونية الخروج غير واجبة، والموالاة وهي عدم تطويل الركن القصير وعدم طول الفصل بعد سلامه ناسيًا شرط أيضًا، "فإن تعمد تركه" أي الترتيب بأن قدم ركنًا فعليًّا على محله "كأن سجد قبل ركوعه" عامدًا عالمًا "بطلت صلاته" لتلاعبه بخلاف تقديم القولي غير السلام لأنه لا يخل بهيئتها فيلزمه إعادته في محله. "وإن سها" عن الترتيب فترك بعض الأركان "فما" فعله "بعد المتروك لغو" لوقوعه في غير محله "فإن تذكر" المتروك "قبل أن يأتي بمثله أتى به" محافظة على الترتيب "وإلا" بأن لم يتذكره حتى أتى بمثله من ركعة أخرى "تمت" به "ركعته" لوقوعه في محله ولغا ما بينهما "وتدارك الباقي" من صلاته وسجد آخرها للسهو، ومحل ذلك فيما شملته الصلاة فجزئه الجلوس، وإن نوى به الاستراحة والتشهد عن الأخير وإن ظنه الأول

1 رواه أبو داود في الطهارة باب 31 "حديث 61" والصلاة باب 73 "حديث 618" والترمذي في الطهارة باب 3، والصلاة باب 62، وابن ماجه في الطهارة باب 3، والدارمي في الوضوء باب 22، وأحمد في المسند "1/ 123، 129" عن علي قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".

ص: 95

‌فصل: "في سنن الصلاة

"

ويسن التلفظ بالنية قبيل التكبير، واستصحابها، ورفع اليدين مع ابتداء تكبيرة

ــ

بخلاف سجدة التلاوة والشكر وسجدتي السهو فإنها لا تقوم السجود لأن نية الصلاة لم تشملها لعروضها فيها، بخلاف جلسة الاستراحة لأنها أصلية فيها، "ولو تيقن" أو شك "في آخر صلاته ترك سجدة من الركعة الأخيرة سجدها وأعاد تشهده" لوقوعه في غير محله وسجد للسهو "أو" تيقن أو شك في ترك سجدة "من غيرها" أي الركعة الأخيرة "أو شك فيها" هل هي من الأخيرة أو من غيرها "أتى بركعة" لأن الناقصة في مسألة اليقين كملت بسجدة من التي بعدها ولغا ما بينهما وأخذ بالأسوأ في مسألة الشك وهو جعل المتروك من غير الأخيرة حتى تلزمه ركعة لأنه الأحوط. "وإن قام إلى" الركعة "الثانية" مثلًا "وقد ترك سجدة من الأولى" أو شك فيها "فإن كان قد جلس" قبل قيامه "ولو للاستراحة هوى للسجود" اكتفاء بجلوسه لما مر "وإلا" بأن لم يكن جلس قبل قيامه "جلس مطمئنًا ثم يسجد" رعاية للترتيب. "وإن تذكر ترك ركن بعد السلام فإن كان النية أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته" وكذا لو شك فيهما. "وإن كان غيرهما بنى على صلاته إن قرب الفصل ولم" يأت بمناف للصلاة كأن "يمس نجاسة" غير معفو عنها. "و" لكن "لا يضر استدبار القبلة" إن قصر زمنه عرفًا "ولا الكلام" إن قل عرفًا أيضًا لأنهما قد يحتملان في الصلاة بخلاف ما إذا طال زمن الأول أو كثر الثاني. "وإن طال الفصل" عرفًا "استأنفت الصلاة" وإن لم يحدث فعلًا آخر، ولا يقال غايته أنه سكوت طويل وتعمده لا يضر خلافًا لمن وهم فيه لأن محله حيث لم يصدر منه شيء غير السكوت، وهنا صدر منه السلام وهو مبطل في هذه الصورة لو علم المتروك فلما جهله جوزنا له البناء ما لم يحصل منه ما يمنعه وهو طول الفصل بين تذكره وسلامه.

فصل: في سنن الصلاة

وهي كثيرة. "و" منها أنه "يسن التلفظ بالنية" السابقة فرضها ونفلها "قبيل التكبير" ليساعد اللسان القلب وخروجًا من خلاف من أوجب ذلك في كل عبادة تجب لها نية "واستصحابها" ذكرًا بأن يستحضرها بقلبه إلى فراغ الصلاة لأنه معين على الخشوع والحضور، أما حكمًا بأن لا يأتي بمنافيها فواجب. "ورفع اليدين" وإن اضطجع "مع اليدين" همزة "تكبيرة

ص: 96

الإحرام، وكفه مكشوفة إلى الكعبة ومفرجة الأصابع، ومحاذيًا بإبهاميه شحمة أذنيه، وينهي رفع اليدين مع آخر التكبير، ويرفع يديه عند الركوع، والاعتدال، والقيام من التشهد الأول، فإذا فرغ من التحرم حط يديه تحت صدره، وقبض بكف اليمنى كوع اليسرى، وأول الساعد، ونظر موضع سجوده إلا عند الكعبة، وإلا عند قوله إلا الله فينظر مسبحته، ويقرأ دعاء الاستفتاح عقب تكبيرة الإحرام، ومنه: الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان

ــ

الإحرام و" تكون "كفه مكشوفة" بل يكره سترها إلا لعذر ومتوجهة "إلى الكعبة" ليقع الاستقبال ببطونها "ومفرجة الأصابع" تفريجًا وسطًَا ليكون لكل عضو استقبال بالعبادة ولا يميل أطرافها نحو القبلة. "و" يسن أن يكون في رفعه "محاذيًا" أي مقابلًا "بإبهاميه" أي رأسهما "شحمة أذنيه" وبرأس بقية أصابعه أعلى أذنيه وبكفيه منكبيه وهذه الكيفية جمع بها الشافعي رضي الله عنه بين الروايات المختلفة في ذلك "وينهي رفع اليدين مع آخر التكبير" على المعتمد والأفضل قرن هذه الهيئة كلها بجميع التكبير، وينبغي أن ينظر قبل الرفع والتكبير إلى موضع سجوده ويطرق رأسه قليلًا. "ويرفع يديه" كذلك "عند الركوع" لكن يسن أن يكون ابتداء الرفع وهو قائم مع ابتداء تكبيره فإذا حاذى كفاه منكبيه انحنى "و" عند "الاعتدال" بأن يكون الرفع مع ابتداء رفع رأسه ويستمر إلى انتهائه. "و" عند "القيام من التشهد الأول" للاتباع في الكل "فإذا فرغ من التحرم" لم يستدم الرفع لكراهته بل "حط يديه" مع انتهاء التكبير كما مر "تحت صدره" وفوق سرته فهو أولى من إرسالهما بالكلية ومن إرسالهما ثم ردهما إلى تحت الصدر "وقبض بكف" يده "اليمنى" وأصابعها "كوع" يده "اليسرى" وهو العظم الذي يلي إبهام اليد "وأول الساعد" وبعض الرسغ وهو المفصل بين اليد والساعد، وحكمة ذلك أن يكونا فوق أشرف الأعضاء وهو القلب الذي هو محل النية والإخلاص والخشوع والعادة أن من احتفظ على شيء جعل يده عليه وقيل يبسط أصابعها في عرض المفصل أو ينشرها صوب الساعد. "و" يسن للمصلي "نظر موضع سجوده" في جميع صلاته لأنه أقرب إلى الخشوع، ويسن للأعمى ومن في ظلمة أن تكون حالته حالة الناظر لمحل سجوده "إلا عند الكعبة" فينظرها على ما قاله الماوردي ومن تبعه لكن المعتمد أنه بحضرتها لا ينظر إلا إلى محل سجوده "وإلا عند قوله" في تشهده "إلا الله فينظر" ندبًا "مسبحته" بكسر الباء عند الإشارة بها لخبر صحيح فيه1، وإلا في صلاة الخوف فينظر ندبًا إلى جهة عدوه لئلا يبغتهم "ويقرأ" ندبًا في غير صلاة الجنازة "دعاء الاستفتاح" سرًا "عقب تكبيرة الإحرام" لكن يفصل بينهما بسكتة

1 رواه أبو داود في الصلاة 181 "حديث 988" عن عبد الله بن الزبير قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه" وأرانا عبد الواحد: وأشار بالسبابة.

ص: 97

الله بكرة وأصيلًا. ويفوت بالتعوذ وبجلوس المسبوق مع الإمام لا بتأمينه معه، والتعوذ سرًا قبل القراءة، وفي كل ركعة، والتأمين بعد فراغ الفاتحة، والجهر به في الجهرية والسكوت بين آخر الفاتحة وآمين، وبين آمين والسورة، ويطولها الإمام في الجهرية بقدر الفاتحة وبعد فراغ السورة، وقراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة غير الفاتحة، وفي الصبح

ــ

يسيرة للاتباع ومحله إن غلب على ظنه أنه مع الاشتغال بالافتتاح يدرك الفاتحة قبل ركوع الإمام "ومنه الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحانه الله بكرة وأصيلًا" ومنه الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ومنه وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض الخ وغير ذلك للأحاديث الصحيحة في كل ذلك، ويسن أن يقول في الأخير: وأنا من المسلمين وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في بعض الأحيان: "وأنا أول المسلمين"؛ لأنه أول مسلمي هذه الأمة. "ويفوت" دعاء الافتتاح "بالتعوذ" فلا يندب له العود إليه لفوات محله "و" يفوت "بجلوس المسبوق مع الإمام" كذلك فلو سلم قبل أن يجلس لم يفت و"لا" يفوت "بتأمينه معه" أي مع إمامه لأنه يسير "و" يسن "التعوذ سرًا قبل القراءة" ولو في صلاة جهرية بالشروط السابقة في دعاء الاستفتاح لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} ، أي إذا أردت قراءة شيء منه {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ} ، أي قل أعوذ بالله من الشيطان {الرَّجِيمِ} ، وهذه أفضل صيغ الاستعاذة. "و" يسن "في كل ركعة" كالقيام الثاني من ركعتي صلاة الخسوف لأنه مأمور به للقراءة وهي في كل ركعة ولا تسن إعادته إذا سجد للتلاوة، ويسن لعاجز أتى بالذكر بدل القراءة. "و" يسن لكل قارئ "التأمين" أي قول آمين أي استجب "بعد" أي عقب "فراغ الفاتحة" أبو بدلها للاتباع في الصلاة وقيس بها خارجها، ويسن تخفيف الميم مع المد وهو الأفصح الأشهر ويجوز القصر، فإن شدد مع المد أو القصر وقصد أن يكون المعنى قاصدين إليك وأنت أكرم من أن تخيب قاصدًا لم تبطل. "و" يسن للمأموم وغيره "الجهر به في" الصلاة "الجهرية" والإسرار به في السرية اتباعًا في المأموم لفعل جماعة كثيرين من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وقيس بالمأموم غيره. "و" يسن "السكوت" لحظة لطيفة "بين آخر الفاتحة وآمين" لتتميز عن القرآن "وبين آمين والسورة" كذلك "ويطولها" أي هذه السكتة التي بين آمين والسورة "الإمام" ندبًا "في الجهرية بقدر الفاتحة" التي يقرءها المأموم ليتفرغ لسماع قراءته ويشتغل في سكوته هذا بذكر أو قرآن وهو أولى، لكن يظهر أنه إذا اشتغل بالقرآن راعى فيما يقرؤه جهرًا كونه مع ما قرأه سرًا على ترتيب المصحف وكونه عقبه لأن ذلك مندوب. "و" ويسن السكوت لحظة لطيفة أيضًا "بعد فراغ السورة" وقبل الركوع ليتميز بينهما، ويسن سكتة لطيفة أيضًا بين التحرم والافتتاح، وبينه وبين التعوذ، وبينه وبين القراءة، وكلها مع ما ذكر سكتات خفيفة إلا التي ينتظر فيها المأموم، وليس في الصلاة سكوت مندوب إليه غير ذلك. "و" يسن لكل مصل بالقيد الآتي في المأموم "قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة غير الفاتحة"

ص: 98

والأوليين من سائر الصلوات إلا المأموم إذا سمع الإمام، وسورة كاملة أفضل من البعض، وتطويل قراءة الركعة الأولى، والجهر لغير المرأة بحضرة الأجانب في ركعتي الصبح، وأوليي العشاءين، والجمعة حتى بعد سلام إمامه، وفي العيدين، والاستسقاء، والخسوف، والتراويح، والوتر بعدها والإسرار في غير ذلك، والتوسط في نوافل الليل المطلقة بين الجهر والإسرار، وقراءة قصار المفصل في المغرب، وطواله للمنفرد وإمام

ــ

آية فأكثر للاتباع، بل قيل بوجوب ذلك والأولى ثلاث آيات. وقضية كلامه حصول أصل السنة بأقل من آية، وينبغي حمله على حصول أصل السنة. "و" يسن السورة "في" ركعتي "الصبح" والجمعة والعيد وغيرهما مما يأتي. "و" في "الأولتين من سائر الصلوات" ولو نفلا للاتباع في المكتوبات وقيس بها غيرها وقراءته صلى الله عليه وسلم في غير الأولتين لبيان الجواز، نعم المسبوق إذا لم يدرك السورة فيما لحقه مع الإمام يقضيها فيما يأتي به بعد سلامه، أما الفاتحة فلا يتأدى بها إذا كررها أصل سنية السورة لأن الشيء الواحد لا يتأدى به فرض ونفل مقصودان في محل واحد، ولو اقتصر المتنفل على تشهد واحد سنت له السورة في الكل أو أكثر سنت له فيما قبل التشهد الأول "إلا المأموم إذا سمع الإمام" أي قراءته فلا تسن له حينئذ سورة لما صح من النهي عن ذلك، أما لو لم يسمعها أو سمع صوتًا لا يفهمه فتسن له السورة "سورة كاملة أفضل من البعض" من طويلة وإن طال لما فيه من الاتباع الذي قد يزيد ثوابه على ثواب زيادة الحروف، ولاشتمال السورة على مبدأ ومقطع ظاهرين بخلاف البعض، هذا إن لم يرد الاقتصار عليه وإلا كقراءة آيتي البقرة وآل عمران في سنة الصبح، والقرآن جميعه في التراويح كان البعض أفضل. "و" يسن "تطويل قراءة الركعة الأولى" على الثانية للاتباع ولأن النشاط فيها أكثر، نعم قد يطلب تطويل الثانية على الأولى لورود فيها كـ {سَبِّحْ} [الأعلى: 1] ، و {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] ، في نحو الجمعة أو ليلحق نحو المزحوم. "و" يسن "الجهر" بالقراءة "لغير المرأة" والخنثى أما هما "بحضرة الأجانب" فيسن لهما عدم الجهر خشية الفتنة، وبحضرة نحو المحارم فيسن لهما الجهر لكن دون جهر الرجل، وسنية الجهر تكون "في ركعتي الصبح وأوليي العشاءين" أي المغرب والعشاء "و" في "الجمعة حتى" في ركعة المسبوق التي يأتي بها "بعد سلام إمامه وفي العيدين والاستسقاء والخسوف" للقمر "والتراويح والوتر بعدها" للأحاديث الصحيحة في أكثر ذلك وبالقياس في غيره. "و" يسن "الإسرار في غير ذلك" كذلك أيضًا. "و" يسن "التوسط في نوافل الليل المطلقة بين الجهر والإسرار" إن لم يخف رياء أو تشويشًا على نحو مصل أو طائف أو قارئ أو نائم وإلا أسر، والتوسط أو يجهر تارة ويسر أخرى كما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم، وخرج بالمطلقة المقيدة بوقت أو سبب فنحو العيدين يندب فيه الجهر كما مر، ونحو الرواتب يندب فيه الإسرار، وحد الجهر أن يكون بحيث يسمع غيره، والإسرار أن يكون بحيث يسمع نفسه. "و" يسن "قراءة قصار المفصل في

ص: 99

محصورين رضوا في الصبح، وفي الظهر بقريب منه، وفي العصر والعشاء بأوساطه كالشمس ونحوها، وفي أولى صبح الجمعة {الم، تَنْزِيلُ} ، وفي الثانية {هَلْ أَتَى} ، وسؤال الرحمة عند آية رحمة، والاستعاذة عند آية عذاب، والتسبيح عند آية التسبيح وعند آخر {وَالتِّينِ} وآخر القيامة "بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ"، وآخر المرسلات:"آمَنَّا بِاللَّهِ"، يفعل ذلك الإمام والمأموم، ويجهران به في الجهرية، والتكبير للانتقال، ومده إلى الركن الذي بعده إلا في الاعتدال فيقول: سمع الله لمن حمده.

ــ

المغرب وطواله" بكسر أوله وضمه بالنسبة "للمنفرد وإمام محصورين رضوا" بالتطويل "في الصبح وفي الظهر بقريب منه" أي مما يقرأ في الصبح "وفي العصر والعشاء بأوساطه" للاتباع قال ابن معن1. وطواله من الحجرات إلى عم ومنها إلى الضحى أوساطه ومنها إلى آخر القرآن قصاره وفيه نظر، وإن كان قول المصنف "كالشمس ونحوها" يوافقه والمنقول كما قاله ابن الرفعة وغيره أن طواله كقاف والمرسلات، وأوساطه كالجمعة، وقصاره كسورة الإخلاص، وأشار بقوله للمنفرد إلخ أن طواله وإن قل حضوره رضوا بالتطويل إلا للمنفرد وإمام محصورين بمسجد غير مطروق لم يطرأ غيرهم وإن قل حضوره رضوا بالتطويل وكانوا أحرارًا ولم يكن فيهم متزوجات ولا أجراء عين وإلا اشترط إذن السيد والزوج والمستأجر، فإن اختل شرط من ذلك ندب الاقتصار في سائر الصلوات على قصار المفصل، ويكره خلافه خلافًا لما ابتدعه جهلة الأئمة من التطويل الزائد على ذلك، وكذا يقال في سائر أذكار الصلوات، فلا يسن للإمام تطويلها على أدنى الكمال فيها إلا بهذه الشروط وإلا كره "و" يسن "في أولى صبح الجمعة الم تنزيل وفي الثانية هل أتى" بكمالها للاتباع، وتسن المداومة عليهما، ولا نظر إلى قول يسن الترك في بعض الأيام لأن العامة قد تعتقد وجوبهما خلافًا لبعض ولو ضاق الوقت عنهما، فسورتان قصيرتان أفضل من بعضهما على الأوجه، وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في عشاء ليلة الجمعة بالجمعة والمنافقين، وفي مغاربها بالكافرون والإخلاص فيكون ذلك سنة، ويسن الكافرون والإخلاص أيضًا في سنة الصبح والمغرب والطواف والإحرام والاستخارة وفي صبح المسافر وإن قصر سفره أو كان نازلا. "و" يسن "سؤال الرحمة" بنحو: {رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِين} [المؤمنون: 118] ، "عند" قراءة "آية رحمة والاستعاذة" بنحو: رب أعذني من عذابك "عند" قراءة "آية عذاب" نحو: {حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71] ، "و" يسن "التسبيح عند" قراءة "آية التسبيح" نحو: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] ، "و" يسن "عند" قراءة "آخر" سورة "والتين وآخر" سورة "القيامة" أن يقول "بلى وأنا على ذلك من الشاهدين" عند قراءة "آخر" سورة "المرسلات آمنا بالله يفعل ذلك الإمام" والمنفرد لقراءة نفسه "والمأموم" لقراءة إمامه أو نفسه حيث سنت له وغير المصلى لكل قراءة سمعها "ويجهران" أي الإمام والمأموم وكذا المنفرد "به" أي بما ذكر "في الجهرية" كما في المجموع. "و" يسن لكل مصل "التكبير للانتقال" من ركن إلى آخر فيكبر للركوع والسجود والرفع منه ومن التشهد الأول، ويسن ابتداؤه عند أول هويه أو رفعه. "ومده إلى الركن الذي بعده" وإن جلس للاستراحة للاتباع ولئلا يخلو جزء من صلاته عن الذكر والمد المذكور إنما هو على لام الجلالة "إلا في الاعتدال" ولو لثاني قيام الكسوف "فيقول" إمامًا كان أو منفردًا أو مأمومًا مبلغًا أو غيره: "سمع الله لمن حمده" للاتباع أي تقبل الله منه حمده ويحصل أصل السنة بقوله من حمد الله سمعه.

1 لعله محمد بن سعيد بن معن القريضي اليمني الشافعي المعروف بابن معن. ولد سنة 497هـ، وتوفي سنة 576هـ. له: مختصر إحياء علوم الدين للغزالي، والمستصفى في سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ص: 100