الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: "في قسمة الزكاة على مستحقيها
"
ويجب صرف الزكاة إلى الموجودين من الأصناف الثمانية وهم الفقراء،
ــ
لفضيلة، ومع جواز التأخير لذلك يضمن ما تلف في مدة التأخير أيضًا، أما ما تلف قبل التمكن فلا يضمنه بل يقسط قسطه، وتتعلق الزكاة بالمال تعلق شركة، فالمستحق شريك للمالك بقدر الواجب إن كان من الجنس وإلا فبقدر قيمته فيمتنع عليه بيع القدر المذكور ورهنه، فإذا باع النصاب أو بعضه أو رهنه بعد تمام الحول صح إلا في قدر الزكاة. نعم مال التجارة يجوز بيعه ورهنه؛ لأنه متعلقهما القيمة لا العين، ومن له دين حل وقدر على استيفائه بأن كان على مليء حاضر باذل أو جاحد وعليه بينة أو يعلمه القاضي أو على غيره1 وقبضه لزمه إخراج زكاته حتى للأحوال الماضية لوجوبها فيه، كما تجب في الضال والمغصوب والمرهون والغائب وما اشتراه وتم حوله قبل القبض أو حبس عنه بأسر ونحوه لملك النصاب وحولان الحول، لكن لا يجب الإخراج من ذلك إلا عند عود المغصوب والضال وإمكان السير للغائب مع الوصول إليه فيخرجها حينئذ عن جميع الأحوال الماضية.
فصل: في قسمة الزكاة على مستحقيها
والأصل في ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية. "ويجب صرف الزكاة إلى الموجودين من الأصناف الثمانية"2، فإن وجدوا كلهم بمحل الزكاة وجب الصرف إليهم، ولا يجوز أن يحرم بعض الأصناف، فإن فقد بعضهم أو بعض آحاد الصنف ردت حصة من فقد الفاضل عن كفاية بعضهم على بقية الأصناف، ونصيب المفقود من آحاد الصنف على بقية ذلك الصنف، ولا ينقل شيء من ذلك إلى غيرهم لانحصار الاستحقاق فيهم، ومحله إذا نقص نصيبهم عن كفايتهم وإلا نقل إلى ذلك الصنف، أما لو عدمت الأصناف كلهم في البلد أو فضل عنهم شيء فإن الكل في الأولى والفاضل في الثابتة ينقل إلى جنس مستحقه بأقرب بلد إلى الزكاة، فعلم أنه لا يجوز للمالك ولا يجزئه نقل الزكاة مع وجود مستحقيها بموضع المال حال الوجوب عنه إلى غيره وإن قربت المسافة؛ لأن ذلك يوحش أصناف البلد بعد امتداد أطماعهم إليها.
"وهم: الفقراء" والفقير من ليس له زوج ولا أصل ولا فرع تكفيه نفقته ولا مال ولا كسب يقع موقعًا من كفايته مطعمًا وملبسًا ومسكنًا، كمن يحتاج إلى عشرة ولا يجد إلا ثلاثة، وإن كان صحيحًا يسأل الناس، أو كان له مسكن وثوب يتجمل به وعبد يخدمه وإن تعدد ما يحتاجه من ذلك، ولا أثر لقدرته على كسب حرام أو غيره لائق بمروءته، ومن ثم أفتى
1 أي على غير مليء، أو غير جاحد، أو لا يعلمه القاضي.
2 المذكورين في الآية 60 من سورة التوبة.
والمساكين، والغارمون، وأبناء السبيل وهم المسافرون، أو المريدون للسفر المباح
ــ
الغزالي بأن لأرباب البيوت الذين لم تجر عادتهم بالكسب أخذ الزكاة، ويعطى من غاب ماله بمسافة القصر، قال القفال1: بشرط أن لا يجد من يقرضه أو بأجل إلى حضوره أو حلوله لا من دينه قدر ماله إلا إن صرفه في الدين، وللمكفي بنفقة قريبه الأخذ من باقي السهام2 إن كان من أهلها حتى ممن تلزمه نفقته ولو لم تكتف الزوجة بنفقة زوجها أعطيت من سهم المساكين، ويسن لها أن تعطي زوجها المستحق من زكاتها.
"و" الصنف الثاني: "المساكين" والمسكين من له ما يسد مسدًّا من حاجته بملك أو كسب حلال لائق ولكنه لا يكفيه3 كمن يحتاج إلى عشرة وعنده ثمانية لا تكفيه الكفاية اللائقة بحاله من مطعم وملبس ومسكن وغيرها مما مر وإن ملك أكثر من نصاب، والعبرة في عدم كفايته وكفاية الفقير بالعمر الغالب بناء على الأصح أنهما يعطيان كفاية ذلك، ولا يمنع الفقر والمسكنة اشتغاله عن كسب يحسنه بحفظ القرآن أو بالفقه أو التفسير أو الحديث أو ما كان آلة لذلك، وكان يتأتى منه ذلك فيعطى ليتفرغ لتحصيله لعموم نفعه وتعديه4، وكونه فرض كفاية، ومن ثم لم يعط المشتغل بنوافل العبادات وملازمة الخلوات؛ لأن نفعه قاصر على نفسه، ولا يمنعهما أيضًا كتب المشتغل بما ذكر إن احتاجت للتكسب كالمؤدب والمدرس بأجرة أو القيام بفرض من نحو إفتاء وتدريس من غير أجرة؛ لأن ذلك من الحاجات المهمة، وكذلك كتب من يطبب نفسه أو غيره، وكتب الوعظ إن كان في البلد واعظ، بخلاف كتب التواريخ المشتملة على وقائع دون تراجم الرجال ونحوها، وكتب الشعر الخالي عن نحو الرقائق والمواعظ ومن له عقار ينقص دخله عن كفايته يعطى تمامها، ومن نذر صوم الدهر ولم يمكنه أن يكتسب مع الصوم كفاية جاز له الأخذ، وكذا من يكتسب كفايته لكنه يحتاج للنكاح فله أخذ ما ينكح به؛ لأنه من تمام كفايته.
"و" الصنف الثالث: الغارمون" أي المدينون وهم أنواع: الأول: من استدان لدفع فتنة بين متنازعين فيعطى ما استدانه لذلك وإن كان غنيًّا بنقد أو غيره لعموم نفعه. الثاني: من استدان لقرى ضيف أو عمارة مسجد وقنطرة وفك أسير ونحوها من المصالح العامة فيعطى ما استدانه وإن كان غنيًّا لكن بغير نقد، والثالث: من استدان لنفسه لطاعة أو مباح أو لمعصية وصرفه في
1 هو أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي الشافعي. فقيه، محدث، مفسر، أصولي، لغوي، شاعر، ولد في الشاش سنة 291هـ، وتوفي فيها سنة 365هـ. انظر معجم المؤلفين "3/ 498".
2 وهي الأصناف الستة الباقية بعد الفقراء والمساكين.
3 قيل: المسكين أسوأ حالا من الفقير، وقيل: المسكين أحسن حالا منه. انظر اللسان "13/ 214، 215". وفي اللسان أيضًا "13/ 216": "المسكين الصحيح المحتاج، وقال زيادة الله بن أحمد: الفقير: القاعد في بيته لا يسأل، والمسكين: الذي يسأل. وأصل المسكين في اللغة الخاضع، وأصل الفقير المحتاج".
4 أي تعدي نفع تحصيل العلم إلى غيره.
المحتاجون. والعاملون عليها، والمؤلفة وهم: ضعفاء النية في الإسلام، وشريف في قومه يتوقع بإعطائه إسلام نظرائه. والغزاة الذكور المتطوعون، والمكاتبون كتابة صحيحة،
ــ
مباح أو لمباح وصرفه في معصية إن عرف قصد الإباحة أو لا لكن لا نصدقه فيه1 أو لمعصية وصرفه فيها لكنه تاب وغلب على الظن صدقه في توبته فيعطى في هذه الأحوال كلها قدر دينه إن حل وعجز عن وفائه، وثم إن لم يكن معه شيء أعطي الكل، وإلا فإن كان بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن ترك له مما معه ما يكفيه وأعطي ما يقضي به باقي دينه. والرابع: الضامن فيعطى إن أعسر وحل المضمون وكان ضامنًا لمعسر أو لموسر لا يرجع هو عليه كأن ضمنه بغير إذنه ومن قضى دينه بقرض استحق بخلاف من مات وإن لم يخلف وفاءه.
فرع: دفع زكاته لمديونه بشرط أن يردها له عن دينه لم يجز ولا يصح قضاء الدين بها، فإن نويا ذلك بلا شرط لم يضر، وكذا إن وعده المدين بلا شرط ولا يلزمه الوفاء بالوعد، ولو قال لمدينه: اقض ديني وأرده لك زكاة فأعطاه بريء من الدين ولا يلزم إعطاءه، ولو قال لمدينه: جعلت ديني عليك زكاة لم يجز بل لا بد من قبضه منه ثم دفعه له عن الزكاة إن شاء.
"و" الصنف الرابع: "أبناء السبيل" أي الطريق سموا بذلك لملازمتهم لها "وهم المسافرون أو المريدون للسفر المباح المحتاجون" بأن لم يكن معهم ما يكفيهم في سفرهم، فمن سافر كذلك ولو لنزهة أو كان غريبًا مجتازًا بمحل الزكاة أعطي وإن كان كسوبًا جميع كفاية سفره لا ما زاد بسبب السفر فقط ذهابًا، وإن لم يكن له مال أو ما يوصله إلى محل ماله وإيابًا إن قصد الرجوع ويعطى ما يحمله إن عجز عن المشي أو طال سفره وما يحمل عليه زاده ومتاعه إن عجز عن حملها بخلاف المسافر سفر معصية ما لم يتب أولا لمقصد صحيح كالهائم.
"و" الصنف الخامس: "العاملون عليها" ومنهم الساعي الذي يبعثه الإمام لأخذ الزكوات وبعثه واجب وشرطه فقه بما فوض إليه، ومنها أن يكون مسلمًا مكلفًا حرًّا عدلا بصيرًا ذكرًا؛ لأنه نوع ولاية والكاتب والقاسم والحاشر الذي يجمع أرباب الأموال والعريف الذي يعرف أرباب الاستحقاق والحاسب والحافظ والجندي والجابي ويزاد فيهما بقدر الحاجة وليس منهم الإمام والوالي والقاضي بل رزقهم في خمس الخمس، والذي يستحقه العامل أجرة مثل عمله فقط، فإن استؤجر بأكثر من ذلك بطلت الإجارة والزائد من سهمه على أجرته يرجع للأصناف.
"و" الصنف السادس: "المؤلفة" قلوبهم "وهم" أصناف: الأول: "ضعفاء النية في الإسلام" فيعطون ليقوى إسلامهم. "و" الثاني: شريف في قومه" مسلم "يتوقع بإعطائه إسلام نظرائه" والثالث: مسلم مقيم بثغر من ثغورنا ليكفينا شر من يليه من الكفار ومانعي الزكاة، والرابع، من يكفينا شر البغاة، والخامس، من يجبي الصدقات من قوم يتعذر إرسال ساع
1 أي يجب عليه في ذلك بينة.
وأقل ذلك ثلاثة من كل صنف إلا إذا انحصروا ووفت الزكاة بحاجتهم، وإلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدًا.
ــ
إليهم وإن لم يمنعوا، وشرط إعطاء المؤلف بأقسامه احتياجنا إليه لا كونه ذكرًا على المعتمد، ولا يعطى من الزكاة كافر لا لتأليف ولا لغيره، نعم يجوز أن يكون الكتاب والحمال والحفاظ ونحوهم كفارًا مستأجرين من سهم العامل؛ لأن ذلك أجرة لا زكاة.
"و" الصنف السابع: "الغزاة الذكور المتطوعون" بالجهاد بأن لم يكن لهم رزق في الفيء وهم المراد بسبيل الله في الآية1 فيعطى كل منهم وإن كان غنيًّا كفايته وكفاية ممونه إلى أن يرجع من نفقة وكسوة ذهابًا وإيابًا وإقامة في الثغر ونحوه إلى الفتح وإن طالت إقامته مع فرس إن كان يقاتل فارسًا، ومع ما يحمله في سفره إن عجز عن المشي أو طال السفر وما يحمل زاده ومتاعه إن لم يطق حملهما، أما المرتزق فلا يعطى من الزكاة مطلقًا فإن اضطررنا إليه أعانه أغنياؤنا من أموالهم لا من الزكاة.
"و" الصنف الثامن: "المكاتبون كتابة صحيحة" وهم المراد بالرقاب في الآية بخلاف فاسد الكتابة؛ لأنها غير لازمة من جهة السيد، وإنما يعطي صحيحها إن عجز عن الوفاء وإن كان كسوبًا فيعطى ولو بغير إذن سيده، أو يعطى سيده بإذنه قدر دينه الذي عجز عنه ولو قبل حلول النجوم2، ويرد ما أعطيه من الزكاة بزوائده المتصلة إن رق بأن عجز نفسه لعدم حصول العتق أو أعتقه سيده تبرعًا أو بإبرائه أو بأداء غيره عنه أو أدائه هو من مال آخر لعدم حصول المقصود به، ويصدق بلا يمين مدعي فقر أو مسكنه أو عجز عن كسب لا في تلف مال عرف وولد إلا بإخبار عدلين أو عدل أو اشتهار بين الناس، ومدعي ضعف نية لا بقية أصناف المؤلفة إلا بذلك ومدعي إرادة غزو، ويكفي تصديق سيد مكاتب ودائن غارم أو الإخبار أو الاشتهار المذكور، وشرط الآخذ من هذه الأصناف الإسلام والحرية، وأن لا يكون هاشميًّا ولا مطلبيًّا ولا مولى لهم وإن انقطع خمس الخمس عنهم، ولا يعطى أحد بوصفين في حالة واحدة بخلاف ما لو أخذ فقير غارم بالغرم فأعطاه غريمه فإنه يعطى بالفقر.
"وأقل" من يعطى من كل صنف من "ذلك" إذا فرق المالك بنفسه أو وكيله "ثلاثة من كل صنف" عملا بأقل الجمع في غير الأخيرين في الآية وبالقياس عليه فيهما، وتجب التسوية بين الأصناف وإن تفاوتت حاجاتهم لا بين آحاد الصنف فله أن يعطى الثمن كله لفقير إلا أقل متمول فيعطيه لفقيرين آخرين، فإن أعطى واحدًا الكل وثم غيره من ذلك الصنف غرم للآخرين أقل متمول من ماله. "إلا إذا انحصروا" في آحاد يسهل عادة ضبطهم ومعرفة عددهم
1 في قوله تعالى: {
…
وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ} [التوبة: 60] .
2 النجوم: جمع نجم، وهو الوقت المعين لأداء دين أو عمل، وما يؤدى في هذا الوقت، وهي هنا الأقساط المتوجبة للسيد على عبده.