الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: "في صدقة التطوع
"
والأفضل الإسرار بصدقة التطوع بخلاف الزكاة، والتصدق على القريب الأقرب، والزوج، ثم الأبعد ثم محارم الرضاع، ثم المصاهرة، ثم الولاء، ثم الجار، وعلى
ــ
ولم يزيدوا على ثلاثة من كل صنف أو زادوا عليها. "ووفت الزكاة بحاجتهم" فإنه يلزم المالك الاستيعاب، ولا يجوز له الاقتصار على ثلاث إذ لا مشقة في الاستيعاب حينئذ، وفيما إذا انحصر كل صنف أو بعض الأصناف في ثلاثة فأقل وقت الوجوب يستحقونها في الأولى، وما يخص المحصورين في الثانية من وقت الوجوب فلا يضرهم حدوث غنى أو غيبة أو موت لأحدهم بل حقهم باق بحاله فيدفع نصيب الميت لوارثه وإن كان هو المزكي، ولا يشاركهم قادم عليهم ولا غائب عنهم وقت الوجوب، فإن زادوا على ثلاثة لم يملكوا إلا بالقسمة إلا العامل فإنه يملك بالعمل. "وإلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدًا" إذا حصل به الغرض بل إذا استغنى عن الواحد بأن فرق المالك بنفسه سقط سهم العامل.
فصل: في صدقة التطوع
وهي سنة مؤكدة للأحاديث الكثيرة الشهيرة1، وقد تحرم كأن يعلم من آخذها أنه يصرفها في معصية، وقد تجب كأن وجد مضطرًا ومعه ما يطعمه فاضلًا عنه. "والأفضل الإسرار بصدقة التطوع" لأنه صلى الله عليه وسلم عد من السبعة الذين يستظلون بالعرش من أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه2، نعم إن أظهرها مقتدى به ليقتدى به ولم يقصد رياء ولا سمعة ولا تأذى به الآخذ كان الإظهار أفضل "بخلاف الزكاة" فإن إظهارها للإمام أفضل مطلقًا وكذا للمالك في الأموال الباطنة3. "و" الأفضل "التصدق على القريب" لأنه أولى من الأجنبي والأفضل تقديم "الأقرب" فالأقرب من المحارم وإن لزمته نفقتهم "والزوج" أو الزوجة فهما في درجة الأقرب "ثم" بعد الأقرب والزوجين الأفضل تقديم "الأبعد" من الأقارب ويقدم منهم الأقرب فالأقرب رحمًا. "ثم" بعد سائر الأقارب الأفضل تقديم "محارم الرضاع ثم المصاهرة ثم الولاء" من الجانبين ثم
1 منها ما رواه البخاري في الزكاة باب 27 "حديث 1442" ومسلم في الزكاة حديث 57، وأحمد في المسند "2/ 306، 347" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا".
2 لفظ الحديث: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله، الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه". رواه البخاري في الأذان باب 36 والزكاة باب 16 والرقاق باب 247 والحدود باب 19 "الأحاديث 660 و1423 و6479 و6806" ومسلم في الزكاة حديث 91، والترمذي في الزهد باب 53، والنسائي في القضاة باب 2، ومالك في الشعر حديث 4، وأحمد في المسند "2/ 439".
3 الأموال الباطنة: هي النقد وعروض التجارة وزكاة الفطر. والظاهرة: المواشي والزروع والثمار والمعادن.
العدو، وأهل الخير المحتاجين، وفي الأزمنة الفاضلة كالجمعة، والأماكن الفاضلة، وعند الأمور المهمة كالغزو والكسوف والمرض، وفي الحج وبما يحبه وبطيب نفس وبشر، ولا يحل التصدق بما يحتاج إليه لنفقته أو نفقة من عليه نفقته في يومه وليلته، أو لدين لا يرجو له وفاء، ويستحب بما فضل عن حاجته إذا لم يشق عليه الصبر على الضيق، ويكره
ــ
من جانب "ثم" الأفضل تقديم "الجار" فهو أولى حتى من القريب لكن بشرط أن تكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه وإلا قدم على الجار الأجنبي وإن بعدت داره1. "و" الأفضل الصدقة "على العدو" القريب أو الأجنبي والأشد عداوة أولى لما فيه من التأليف وكسر النفس2. "و" على أهل "الخير المحتاجين" فهما أولى من غيرهما وإن اختص الغير بقرب أو نحوه. "و" الأفضل تحري الصدقة "في سائر "الأزمنة الفاضلة كالجمعة" ورمضان سيما عشره الأواخر وعشر ذي الحجة وأيام العيد. "والأماكن الفاضلة" كمكة والمدينة وليس المراد أن من أراد التصدق في المفضول يسن تأخيره إلى الفاضل بل إنه إذا كان في الفاضل تتأكد له الصدقة وكثرتها فيه اغتنامًا لعظيم ثوابه والأفضل تحريها. "و" الاستكثار منها "عند الأمور المهمة كالغزو والكسوف والمرض وفي الحج" والسفر لأنها أرجى لقضاء الحاجات وتفريج الكروب ومن ثم سنت عقب كل معصية. "و" الأفضل أن يتصدق "بما يحبه" لقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون} [آل عمران: 92] ، وتكره الصدقة برديء وجد غيرها وبما فيه شبهة ولا يأنف من التصدق بالقليل، ويسن أن يتصدق بثوبه إذا لبس جديدًا غيره، وليس من التصدق بالرديء ومثله ما اعتيد من التصدق بالفلوس دون الفضة. "و" أن يكون تصدقه مقرونًا "بطيب نفس وبشر" لما فيه من تكثير الأجر وجبر القلب وبالبسملة وبإعطاء الفقير الصدقة من يده وبعدم الطمع في الدعاء منه فإن دعا له سن أن يرد عليه لئلا ينقص أجر الصدقة.
"ولا يحل التصدق بما يحتاج إليه لنفقته أو نفقة من عليه نفقته في يومه وليلته" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول" 3 وإطعام الأنصاري قوت صبيانه لمن نزل به ضيافة لا صدقة والضيافة لتأكدها ووجوبها عند أحمد لا يشترط فيها الفضل عن العيال. "أو" بما يحتاج إليه "لدين لا يرجو له وفاء" لأن أداءه واجب لحق الآدمي فلا يجوز
1 أي دار القريب.
2 قال الله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34] .
3 رواه بهذا اللفظ أحمد في المسند "2/ 194" والحاكم في المستدرك "1/ 415، 4/ 50" ورواه بلفظ "يقوت" بدل "يعول" أبو داود "حديث 1692" وأحمد "2/ 160، 164، 195" والبيهقي في السنن الكبرى "7/ 467، 9/ 25" والطبراني في الكبير "9/ 342". ورواه مسلم في الزكاة حديث 40 بلفظ: "كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته" عن عبد الله بن عمرو.
أن يأخذ صدقته ممن أخذ منه ببيع أو غيره، ويحرم السؤال على الغني بمال أو كسب، والمن بالصدقة يحبطها، وتتأكد بالماء والمنيحة.
ــ
تفويته أو تأخيره بسبب التطوع بالصدقة، ومحله إن لم يغلب على ظنه وفاؤه من جهة أخرى ظاهرة ولم يحصل بذلك تأخيره عن أدائه الواجب فورًا بمطالبة أو غيرها، ومحل ما ذكر في نفسه ما لم يصبر على الإضافة، ومن ثم قالوا يحرم إيثار عطشان آخر بالماء فإن صبر جاز، ومن ثم قالوا: يجوز للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرًا آخر مسلمًا. "ويستحب" التصدق "بما" أي بجميع ما "فضل عن حاجته" وحاجة ممونه يومه وليلته "إذا لم يشق عليه" ولا عليهم "الصبر على الضيق" وإلا كره، وعلى هذا التفصيل حملت الأخبار المختلفة الظاهر كخبر:"خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" 1 وخبر تصدق أبي بكر رضي الله عنه بجميع ماله والتصدق ببعض الفاضل عن حاجته مسنون مطلقًا وحيث حرمت الصدقة بشيء لم يملكه الآخذ. "ويكره" للإنسان "أن يأخذ صدقته" أو نحوها من زكاة أو كفارة "ممن أخذ منه" شيئًا على سبيل الصدقة سواء الأخذ من المتصدق عليه "ببيع أو غيره" لأن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه كما في الحديث2، وخرج بقوله "يأخذ" المشعر بالاختيار ما لو ورثها فلا يكره له التصرف فيها، وبقوله "ممن أخذ منه" ما لو أخذها من غيره فإنه لا يكره، ولو بعث لفقير شيئًا لم يزل ملكه عنه فإن لم يوجد أو لم يقبل من التصدق سن أن يتصدق به على غيره ولا يعود فيه. "ويحرم السؤال على الغني بمال أو كسب" وكذا إظهار الفاقة وأن يسأل وعليه حملوا خبر الذي مات من أهل الصفة وترك دينارين فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كيتان من نار" 3، ويكره له التعرض لها بدون إظهار فاقة، أما أخذها بلا تعرض ولا إظهار فاقة فخلاف السنة. "والمن بالصدقة" حرام "يحبطها" أي يمنع ثوابها للآية4. "وتتأكد بالماء" لخبر:"أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء"5 ومحله فيما يظهر إن كان الاحتياج إليه أكثر منه إلى الطعام وإلا فهو أفضل. "والمنيحة" وهي الشاة اللبون ونحوها بأن يعطيها لمحتاج يشرب لبنها ما دامت لبونًا ثم يردها إليه لما في ذلك من مزيد البر والإحسان.
1 رواه البخاري في النفقات باب 2، ومسلم في الزكاة حديث 95، وأبو داود في الزكاة باب 39، وغيرهم. ولفظ الحديث عند مسلم عن حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أفضل الصدقة -أو خير الصدقة- عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول".
2 حديث "العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه" رواه النسائي في الزكاة باب 98، وأما ما جاء بلفظ: "العائد في هبته
…
" فقد رواه البخاري في الهبة باب 30، ومسلم في الهبات حديث 5 و6؛ وغيرها.
3 رواه أحمد في المسند "1/ 137، 138" عن عبد الله بن مسعود.
4 وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية 264: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} .
5 رواه أبو داود في الزكاة باب 41 "حديث 1681" عن سعد بن عبادة أنه قال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل؟ قال: "الماء" قال: فحفر بئرًا وقال: هذه لأم سعد.