الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: "في شروط الصلاة
"
وشروط الصلاة: الإسلام والتمييز، ودخول الوقت والعلم بفرضيتها، وأن لا يعتقد فرضًا من فروضها سنة، والطهارة عن الحدثين، فإن سبقه بطلت، والطهارة عن الخبث في
ــ
أو الأيسر للاتباع "وهو" أي الفصل بانتقال "أفضل" تكثيرًا للبقاع التي تشهد له يوم القيامة "والنفل الذي لا تسن فيه الجماعة في بيته أفضل" منه بالمسجد للخبر الصحيح: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"1 وسواء كان المسجد خاليًا وأمن الرياء أم لا، لأن العلة ليست خوف الرياء فقط بل مع النظر إلى عود بركة صلاته على منزله. "ومن سنن الصلاة الخشوع" بل هو أهمها؛ لأن فقده يوجب عدم ثواب ما فقد فيه من كلها أو بعضها وللخلاف القوي في وجوبه في جزء من صلاته وهو حضور القلب وسكون الجوارح. "وترتيل القراءة وتدبرها وتدبر الذكر" لأن ذلك أعون على الخشوع والحضور فيه "والدخول فيها" أي في الصلاة "بنشاط" لأنه تعالى ذم المنافقين بكونهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى2. "وفراغ القلب" من الشواغل الدنيوية ومن التفكر في غير ما هو فيه ولو في أمر من أمور الآخرة لأن ذلك أعون على الحضور، وبقي من سنن الصلاة شيء كثير، ومن ثم قال بعض أئمتنا: من صلى الظهر أربع ركعات كان عليه فيها ستمائة سنة. ويكره ترك سنة من سنن الصلاة. ا. هـ. فينبغي الاعتناء بسننها لأن الكراهة قد تنافي الثواب أو تبطله.
فصل: في شروط الصلاة
والشرط ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته3. "وشروط" صحة "الصلاة الإسلام والتمييز" لما مر في الوضوء "ودخول الوقت" ولو ظنًا كما مر، "والعلم بفرضيتها" بتفصيله السابق في الوضوء فلا تصح ممن جهل بفرضيتها بخلاف من علمها فإنها تصح منه مطلقًا إلا إن قصد بفرض معين النفلية، ومن ثم قال: "وأن لا يعتقد فرضًا" أي معينًا "من فروضها سنة" لإخراجه حينئذ الفرض عن حقيقته الشرعية "والطهارة عن
1 رواه البخاري في الأذان باب 81، والأدب باب 75، والاعتصام باب 3، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث 213، وأبو داود في الصلاة باب 199، والوتر باب 11، والترمذي في الصلاة باب 213، والنسائي في قيام الليل باب 1، ومالك في الجماعة حديث 4، وأحمد في المسند "5/ 182، 184، 186، 187".
2 في الآية 141 من سورة النساء.
3 في المعجم الوسيط "ص479": الشرط، في الفقه: ما لا يتم الشيء إلا به ولا يكون داخلا في حقيقته.
الثوب، والبدن، والمكان، ولو تنجس بعض بدنه أو ثوبه وجهله، وجب غسل جميعه ولا يجتهد، ولو غسل نصف متنجس ثم باقيه طهر كله إن غسل مجاوره، وإلا فيبقى المنتصف على نجاسته، ولا تصح صلاة من تلاقي بدنه أو ثوبه نجاسة وإن لم يتحرك بحركته، ولا صلاة قابض طرف حبل على نجاسة وإن لم يتحرك بحركته ولا يضر محاذاة النجاسة من
ــ
الحدثين" الأصغر والأكبر "فإن سبقه بطلت" وإن كان فاقد الطهورين للخبر الصحيح: "إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته" 1، ويسن لمن أحدث في صلاته أن يأخذ بأنفه ثم ينصرف سترًا على نفسه لئلا يخوض الناس فيه فيأثموا. "والطهارة عن الخبث" الذي لا يعفى عنه "في الثوب والبدن والمكان" فتبطل بخبث في أحد الثلاثة وإن جهله مقارن وكذا طارئ ما لم ينح محله أو هو2 بشرط أن يكون يابسًا وأن ينحيه بنحو نفض لا بنحو يده أو عود فيها أو كمه وذلك لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] ، وللخبر الصحيح: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" 3، وثبت الأمر باجتناب النجاسة وهو لا يجب في غير الصلاة فيجب فيها، نعم يحرم التضمخ4 بها خارجها في البدن والثوب بلا حاجة. "ولو تنجس بعض بدنه أو ثوبه" بغير معفو عنه "وجهله" بأن لم يدر محله فيه "وجب غسل جميعه" لأن ما بقي منه جزء فالأصل بقاء النجاسة فيه هو مؤثر في الصلاة لأن لا بد فيها من ظن الطهارة، وبه فارق ما لو أصاب جزء منه قبل غسله رطبًا فإنه لا ينجسه لأن الأصل عدم تنجس ملاقيه. "ولا يجتهد" وإن كان الخبث بأحد كميه لأن شرط الاجتهاد تعدد المحل كما مر، فإن انفصل الكمان اجتهد فيهما. "ولو غسل نصف متنجس" كثوب تنجس كله "ثم باقيه طهر كله إن غسل" مع الباقي "مجاوره" من المغسول أولا "وإلا" يغسل المجاور "فيبقى المنتصف" بفتح الصاد "على نجاسته" دون ملاقيه لأن نجاسة المجاور لا تتعدى لما بعده، ألا ترى أن السمن الجامد لا ينجس منه إلا ما لاقى النجاسة دون ما جاوره "ولا تصح صلاة من تلاقي" بعض "بدنه أو" محموله من "ثوبه" أو غيره "نجاسة" في جزء من صلاته "وإن لم يتحرك بحركته" لنسبته إليه، ومر الفرق بين هذا وصحة السجود عليه. "و" لا تصح "صلاة قابض طرف حبل" أو نحوه "على نجاسة" لاقاها أو لاقى ملاقيها كأن شد بقلادة كلب أو بمحل طاهر من سفينة تنجر بجره برًا أو بحرًا فيها نجاسة أو حمار حامل لها لأنه حينئذ كالحامل للنجاسة، وشرط
1 من حديث علي بن طلق، رواه أبو داود في الطهارة باب 81 "حديث 205"، والصلاة باب 187 "حديث 1005"، والترمذي في الرضاع باب 12.
2 أي الخبث.
3 رواه الدارقطني في سننه "1/ 127"، والزيلعي في نصب الراية "1/ 128"، والمنذري في الترغيب والترهيب "1/ 139"، والألباني في إرواء الغليل "1/ 310".
4 التضمخ: التلطخ.
غير إصابة في ركوع أو غيره، وتجب إزالة الوشم إن لم يخف محذورًا من محذورات التيمم، ويعفى عن محل استجماره، وعن طين الشارع الذي تيقن نجاسته ويتعذر الاحتراز عنه غالبًا، ويختلف بالوقت وموضعه من الثوب والبدن، وأما دم البثرات والدماميل
ــ
البطلان في ذلك أن يكون الموضع الذي لاقى النجاسة من الحبل ونحوه يتحرك بحركته على المعتمد، فقول المصنف:"وإن لم يتحرك بحركته" ضعيف وإن وافق ما في الروضة وأصلها وخرج بشد مجرد اتصاله بنحو القلادة وبقوله قابض ما لو جعله تحت قدمه فإنه لا يضر وإن كان مشدودًا بذلك في الثانية أو تحرك بحركته؛ لأنه ليس حاملًا للنجاسة ولا للمتصل بها. "ولا يضر محاذاة النجاسة" لبدنه ومحموله "من غير إصابة في ركوع أو غيره"، وإن تحرك بحركته كبساط بطرفه خبث لعدم ملاقاته له ونسبته إليه، نعم تكره الصلاة مع محاذاته كاستقبال نجس أو متنجس وكصلاته تحت سقف متنجس قرب منه بحيث يعد محاذيا له عرفًا كما هو ظاهر. "وتجب إزالة الوشم" لحمله نجاسة تعد بحملها إذ هو غرز الجلد بالإبرة إلى أن يدمي ثم يذر عليه نيلة1 أو نحوها، فإن امتنع أجبره الحاكم هذا كله "إن لم يخف محذورًا من محذورات التيمم" السابقة في بابه وإن لم يتعد به بأن فعل به مكرهًا أو فعله وهو غير مكلف خلافًا لجمع لأنه حيث لم يخش محذورًا فلا ضرورة إلى بقاء النجاسة، أما إذا خاف ذلك فلا يلزمه مطلقًا "ويعفى عن محل استجماره" بحجر أو نحوه في حق نفسه ولو عرف ما لم يجاوز صفحته أو حشفته لمشقة اجتناب ذلك مع حل الاقتصار على الحجر، أما لو حمل مستجمرًا أو حامله فإن صلاته تبطل إذ لا حاجة إليه، ومثله حمل طير بمنفذه نجاسة ومذبوح وميت طاهر لم يطهر باطنه، وبيضة مذرة بأن حكم أهل الخبرة أنه لا يأتي منها فرخ، وخبث بقارورة ولو رصصت عليه للنجاسة بخلاف حمل الحي الطاهر المنفذ. "وعن طين الشارع الذي تيقن نجاسته" وإن اختلط بنجاسة مغلظة لعسر تجنبه "و" إنما يعفى عما "يتعذر" أي يتعسر "الاحتراز عنه غالبًا ويختلف بالوقت وموضعه من الثوب والبدن" فيعفى في الذيل والرجل في زمن الشتاء عما لا يعفى عنه في الكم واليد والذيل والرجل زمن الصيف، أما إذا لم يعسر تجنبه فلا يعفى عنه كالذي ينسب صاحبه لسقطة أو كبوة أو قلة تحفظ، وخرج بالطين عين النجاسة فلا يعفى عنها، وبتيقن نجاسته ما لو غلبت على الظن فإنه طاهر للأصل، ويعفى عن ذرق الطيور في المساجد وإن كثر لمشقة الاحتراز عنه ما لم يتعمد المشي عليه من غير حاجة أو يكون هو أو ممارسه رطبًا، وظاهر كلام جمع وصرح به بعض أصحابنا أنه لا يعفى عنه في الثوب والبدن مطلقًا وبه جزم في الأنوار، لكن قضية تشبيه الشيخين2 العفو عنه بالعفو عن طين الشارع
1 النيلة: مادة صبغية زرقاء.
2 إذا أطلق "الشيخان" في الفقه الشافعي فالمراد بهما الرافعي والنووي.
والقروح والقيح والصديد منها، ودم البراغيث والقمل والبعوض والبق، وموضع الحجامة والفصد وونيم الذباب وبول الخفاش، وسلس البول ودم الاستحاضة وماء القروح والنفاطات المتغير عن قليل ذلك وكثيره، إلا إذا فرش الثوب الذي فيه ذلك، أو حمله لغير ضرورة فيعفى عن قليله دون كثيره، ويعفى عن قليل دم الأجنبي غير الكلب والخنزير، وإذا عصر البثرة أو الدمل، أو قتل البرغوث عفي عن قليله فقط، ولا يعفى عن جلد البرغوث ونحوه، ولو صلى بنجس ناسيًا أو جاهلا أعادها.
ــ
العفو عما يتعسر الاحتراز عنه غالبًا. "وأما دم البثرات" بفتح المثلثة جمع بثرة بسكونها وهي خراج صغير "و" دم "الدماميل والقروح" أي الجراحات "والقيح والصديد" وهو ماء رقيق مختلط بدم أو دم مختلط بقيح "منها" أي من القروح "ودم البراغيث والقمل والبعوض والبق" ونحوها من كل ما لا نفس له سائلة "وموضع الحجامة والفصد وونيم الذباب" أي روثه "وبول الخفاش" وروثه "وسلس البول ودم الاستحاضة وماء القروح والنفاطات1 المتغير ريحه فيعفى عن قليل ذلك وكثيره" على المعتمد لعموم البلوى به "إلا إذا فرش الثوب الذي فيه ذلك" المعفو عنه "أو حمله لغير ضرورة" أو حاجة وصلى فيه "فيعفى عن قليله دون كثيره" إذ لا مشقة في تجنبه بخلاف ما لو لبسه لغير صحيح كتجمل فإنه يعفى حتى عن كثيره، ومحل العفو في جميع ما ذكر بالنسبة للصلاة، فلو وقع المتلوث بذلك في ماء قليل نجسه، فلو اختلط به أجنبي لم يعف عنه، نعم يعفى عن رطوبة ماء نحو الوضوء والغسل أما ماء ما ذكر غير المتغير فطاهر. "ويعفى عن قليل دم الأجنبي غير الكلب والخنزير" وفرع أحدهما لأن جنس الدم يتطرق إليه العفو فيقع القليل من ذلك في محل المسامحة ومن الأجنبي ما انفصل من بدنه ثم أصابه، قال الأذرعي: أي سواء دم البثرات وما بعده، أما دم نحو الكلب فلا يعفى عنه وإن قل لفظ حكمه. "وإذا" حصل ما مر من دم البثرات وما بعده بفعله كأن "عصر البثرة أو الدمل أو قتل البرغوث" أو نام في ثوبه لا لحاجة فكثر فيها دم نحو البراغيث "عفي عن قليله فقط" أي دون كثيره على المعتمد إذ لا كثير مشقة في تجنبه حينئذ "ولا يعفى عن جلد البرغوث ونحوه" مما مر لعدم عموم البلوى به، فلو قتله في الصلاة بطلت إن حمل جلده بعد موته وإلا فلا، نعم إن كان في تعاطيف الخياطة ولم يمكن إخراجه فينبغي أن يعفى عنه. "ولو صلى بنجس" لا يعفى عنه "ناسيًا" له "أو جاهلًا" به أو بكونه مبطلًا ثم تيقن كونه فيها "أعادها" وجوبًا لأن الطهر عنه من قبيل الشروط وهي من باب خطاب الوضع وهو لا يؤثر فيه الجهل والنسيان.
1 النفاطات: جمع نفاطة، وهي البثرة المملوءة ماء "المعجم الوسيط: ص941".
الشرط الثامن: ستر العورة، وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة، والحرة في صلاتها وعند الأجانب جميع بدنها إلا الوجه والكفين، وعند محارمها ما بين السرة والركبة، وشرط الساتر ما يمنع لون البشرة ولو ماء كدرًا لا خيمة ضيقة وظلمة، ولا يجب
ــ
"الشرط الثامن: ستر العورة" عن العيون فتبطل بعدم سترها مع القدرة عليه وإن كان خاليًا في ظلمة لإجماعهم على الأمر بالستر في الصلاة والأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي هنا يقتضي الفساد. "وعورة الرجل" أي الذكر الصغير والكبير "والأمة" ولو مبعضة1 ومكاتبة2 ومستولدة3 "ما بين السرة والركبة" لخبر: "عورة المؤمن ما بين سرته وركبته"4 وهو وإن كان ضعيفًا إلا أن له شواهد تجبره، وقيس بالذكر الأمة بجامع أن رأس كل ليس بعورة. "و" عورة "الحرة" الصغيرة الكبيرة "في صلاتها وعند الأجانب" ولو خارجها "جميع بدنها إلا الوجه والكفين" ظهرًا وبطنًا إلى الكوعين لقوله تعالى:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، أي ما ظهر منها وجهها وكفاها وإنما لم يكونا عورة حتى يجب سترهما لأن الحاجة تدعو إلى إبرازهما، وحرمة نظرهما ونظر ما عدا بين السرة والركبة من الأمة ليس لأن ذلك عورة بل لأن النظر إليه مظنة الفتنة. "و" عورة الحرة "عند" مثلها ومملوكة العفيف إذا كانت عفيفة أيضًا من الزنى وغيره وعند الممسوح الذي لم يبقى فيه شيء من الشهوة وعند "محارمها" الذكور "ما بين السرة والركبة" فيجوز لمن ذكر النظر من الجانبين لما عدا ما بين السرة والركبة بشرط أمن الفتنة وعدم الشهوة بأن لا ينظر فيتلذذ، والخنثى المشكل كالأنثى فيما ذكر رقًا وحرية فإن استتر كرجل لم تصح صلاته على المعتمد. "وشرط الساتر" في الصلاة وخارجها أن يشمل المستور لبسًا ونحوه مع ستر اللون فيكفي "ما يمنع" إدراك "لون البشرة ولو" حكى الحجم كسروال ضيق لكنه للمرأة مكروه وخلاف الأولى للرجل أو كان على غير ساتر لحجم الأعضاء كأن كان طينًا ولو لم يعتد به الستر كأن كان "ماء مكدرًا" أو صافيًا تراكمت خضرته حتى منعت الرؤية وحفرة أو خابية ضيقي رأس يستران الواقف فيهما وإن وجد ثوبًا لحصول المقصود بذلك بخلاف ما لا يشمل المستور كذلك، ومن ثم قال:"لا خيمة ضيقة وظلمة" وما يحكي لون البشرة بأن يعرف به بياضها من سوادها كزجاج ومهلهل5 وماء صاف؛ لأن مقصود الستر لا يحصل بذلك كالأصباغ التي لا جرم لها من نحو حمرة أو صفرة وإن
1 المبعضة: المجزأة. أي بعضها رقيق وبعضها مر.
2 المكاتبة: هي التي يكاتبها سيدها على مال ينجمه عليها، فيكتب عليها أنها إذا أدت نجومها في كل نجم كذا وكذا فهي حرة. انظر لسان العرب "1/ 700".
3 استولد الرجل المرأة: أحبلها. انظر المعجم الوسيط "ص1056".
4 ذكره المتقي الهندي في كنز العمال "حديث رقم 19096" ونسبه إلى سمويه عن أبي سعيد الخدري.
5 المهلهل من الثياب: الذي رق من الاستعمال حتى كاد يبلى "المعجم الوسيط: ص993".
الستر من أسفل، ويجوز ستر بعض العورة بيده، فإن وجد ما يكفي سوأتيه تعين لهما أو أحدهما فيقدم قبله، ويزر قميصه، أو يشد وسطه إن كانت عورته تظهر منه في الركوع أو غيره.
الشرط التاسع: استقبال القبلة إلا في صلاة شدة الخوف وإلا في نفل السفر المباح،
ــ
سترت اللون لأنها لا تعد ساترًا وتتصور الصلاة في الماء فيمن يمكنه الركوع والسجود فيه وفيمن يومئ بهما وفي الصلاة على الجنازة، ولو قدر على الصلاة فيه والسجود في الشط لم يلزمه بل له الإيماء به، ويجب على فاقد نحو الثوب الستر بالطين وإن رق والماء الكدر ويكفي بلحاف فيه اثنان وإن حصلت مماسة محرمة. "ولا يجب" عليه "الستر من أسفل" وإنما يجب من الأعلى والجوانب؛ لأنه المعتاد. "ويجوز ستر بعض العورة بيده" من غير مس ناقض لحصول المقصود به وكذا بيد غيره وإن حرم ولو لم يجد المصلي رجلًا أو غيره إلا ما يستر بعض عورته وجب لأنه ميسوره "فإن وجد ما يكفي سوأتيه" القبل والدبر "تعين لهما" لأنهما أغلظ "أو" كفى "أحدهما فيقدم" وجوبًا رجلًا أو غيره "قبله" ثم دبره لتوجهه بالقبل للقبلة فستره أهم تعظيمًا لها وستر الدبر غالبًا بالأليتين. "ويزر" وجوبًا "قميصه" أي جيب1 قميصه ولو بنحو مسلة أو يستره ولو بنحو لحيته أو يده. "أو يشد وسطه إن كانت عورته تظهر منه في الركوع أو غيره" فإن لم يفعل صح إحرامه، ثم عند الركوع إن ستره وإلا بطلت صلاته، ويجب عليه السعي في تحصيل الساتر بملك أو إجارة أو غيرهما نظير ما مر في الماء ويقدمه على الماء لدوام نفعه ولأنه2 لا بدل له، ويصلي عاريًا مع وجود ساتر النجس لا مع وجود الحرير بل يلبسه للحاجة ولو أمكنه تطهير الثوب وجب وإن خرج الوقت ولا يصلي فيه عاريًا ولو حبس على نجس فرش السترة عليه وصلى عاريًا وأتم الأركان ولا إعادة عليه.
"الشرط التاسع: استقبال" عين "القبلة" أي الكعبة فلا يكفي التوجه لجهتها للخبر الصحيح: "أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في وجهها وقال: هذه القبلة"3 وخبر: "ما بين المشرق والمغرب قبلة"4 محمول على أهل المدينة ولا بد أن يسامتها بجميع بدنه، فلو خرج بعض بدنه أو بعض صف طويل امتد بقربها عن محاذاتها بطلت الصلاة سواء من بأخريات المسجد
1 جيب القميص ونحوه: ما يدخل منه الرأس عند لبسه "المعجم الوسيط: ص149".
2 أي الثوب.
3 روى البخاري في الصلاة باب 30 "حديث 398" عن ابن عباس قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة، وقال:"هذه القبلة" ورواه أيضًا بالأرقام "1601 و3351 و3352 و4288".
4 رواه الترمذي في المواقيت باب 139، والنسائي في الصيام باب 43، وابن ماجه في الإقامة باب 56، ومالك في القبلة حديث 8.
فإن كان في مرقد أو في سفينة أتم ركوعه وسجوده واستقبل، وإن لم يكن في مرقد ولا في سفينة فإن كان راكبًا استقبل في إحرامه فقط إن سهل عليه، وطريقه قبلته في باقي صلاته
ــ
الحرام وغيرهم، ويجب استقبالها في كل صلاة "إلا في صلاة شدة الخوف" كما يأتي وصلاة العاجز كمريض لا يجد من يوجهه إلى القبلة ومربوط على خشبة وغريق ومصلوب فيصلي على حسب حاله ويعيد "وإلا في نفل السفر" المعين المقصد "المباح" أي الجائز وإن كره أو قصر بأن كان ميلا فأكثر لا أقل فحينئذ لا يشترط الاستقبال فيه بتفصيله الآتي لما صح "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر غير المكتوبة حيثما توجهت به"1 أي في جهة مقصده، وقيس بالراكب الماشي، ولأن بالناس حاجة بل ضرورة إلى الأسفار، فلو كلفوا الاستقبال لتركوا أورادهم لمشقته فيه، أما الفرض ولو جنازة ومنذورة فلا يصلي على دابة سائرة مطلقًا لأن الاستقرار فيه شرط احتياطًا له، نعم إن خاف من النزول على نفسه أو ماله وإن قل أو فوت رفقته إذا استوحش به كان له أن يصلي الفرض عليها وهي سائرة إلى مقصده ويومئ ويعيد، ويجوز فعله على السائرة والواقفة إن كان لها من يلزم لجامها بحيث لا تتحول عن القبلة إن أتم الأركان، وعلى سرير يمشي به رجال وفي زورق جار وفي أرجوحة معلقة بحبال، وإذا جاز التنفل على الراحلة "فإن كان في مرقد" كهودج2 ومحارة3 "أو في سفينة أتم" وجوبًا "ركوعه وسجوده" وسائر الأركان أو بعضها إن عجز عن الباقي "واستقبل" وجوبًا لتيسر ذلك عليه ومحل ذلك في غير مسير السفينة أما هو وهو من له دخل في سيرها فلا يلزمه التوجه في جميع صلاته ولا إتمام الأركان بل في إحرامه فقط إن سهل كراكب الدابة. "وإن لم يكن في مرقد وفي سفينة فإن كان راكبًا" فيما لا يسهل فيه الاستقبال في جميع الصلاة وإتمام الأركان "استقبل في إحرامه فقط إن سهل عليه" بأن كانت الدابة غير صعبة ولا مقطورة وإلا لم يلزمه في الإحرام أيضًا أما غيره ولو السلام فلا يلزمه فيه مطلقًا لأن الانعقاد يحتاط له ما لا يحتاط لغيره. "وطريقه" يعني جهة مقصده وإن لم يسلك طريقه ولو لغير عذر "قبلته في باقي صلاته" بالنسبة لمن سهل عليه التوجه إلى التحرم فقط وفي كلها بالنسبة لغيره للخبر السابق، فلو انحرف عن صوب مقصده أو استدبره عمدًا وإن قصر أو أكره أو غير عمد إن طال بطلت صلاته وإلا فلا ويسجد للسهو، نعم إن انحرف إلى القبلة ولو بركوبه مقلوبًا أو
1 رواه البخاري في الصلاة باب 31 "حديث 400" عن جابر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة". ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 39" عن ابن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة".
2 الهودج: أداة ذات قبة توضع على ظهر الجمل لتركب فيها النساء "المعجم الوسيط: ص976".
3 المحارة: منسم البعير. كذا في لسان العرب "4/ 222" والمعجم الوسيط "ص206".
ويومئ الراكب بركوعه وسجوده أكثر، وإن كان ماشيًا استقبل في الإحرام والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين، ومن صلى في الكعبة واستقبل من بنائها شاخصًا ثابتًا قدر ثلثي ذراع صحت صلاته، ومن أمكنه مشاهدتها لم يقلد، فإن عجز أخذ بقول ثقة يخبر عن علم فإن فقد اجتهد بالدلائل، فإن عجز لعماه أو عمى بصيرته قلد ثقة عارفًا،
ــ
على جنبه لم يضر لأنها الأصل، ومن ثم جاز له جعل وجهه لها وظهره لمقصده، "ويومئ الراكب" وجوبًا "بركوعه وسجوده" ويجب كون الإيماء بالسجود "أكثر" تمييزًا له لكن لا يلزمه بذل وسعه في الإيماء "وإن كان" المسافر "ماشيًا استقبل" القبلة "في الإحرام و" في "الركوع والسجود" ويتمها "و" في "الجلوس بين السجدتين" لسهولة ذلك كله عليه بخلاف الراكب ولا يمشي إلا في قيامه، ومنه الاعتدال وتشهده مع السلام لطول زمنهما "ومن صلى في الكعبة" أو عليها فرضًا أو نفلًا جاز له بل يندب الصلاة فيها. "و" حينئذ فإن "استقبل من بنائها" أو ترابها المجموع من أجزائها لا الذي تلقيه الريح "شاخصًا ثابتًا" كعتبة وباب مردود وكذا عصا مسمرة فيه أو مثبتة "قدر ثلثي ذراع" تقريبًا فأكثر بذراع الآدمي وإن بعد عنه ثلاثة أذرع فأكثر "صحت صلاته" لتوجهه إلى جزء منها بخلاف نحو حشيش نابت بها وعصا مغروزة فيها وإنما صح استقبال هوائها بالنسبة لمن هو خارج عنها؛ لأنه يعد حينئذ متوجهًا إليها كالمصلي على أعلى منها كأبي قبيس1 بخلاف المصلي فيها أو عليها "ومن أمكنه مشاهدتها" أي الكعبة بأن لم يكن بينه وبينها حائل كأن كان بالمسجد أو كان بينهما حائل بني لغير حاجة "لم يقلد" يعني لم يأخذ بقول أحد وإن كان مخبرًا عن علم بل لا بد من مشاهدتها أو مسها بالنسبة للأعمى ومن في ظلمة لإفادته اليقين فلا يرجع إلى غيره مع قدرته عليه. "فإن عجز" عن علمها لحائل بينه وبينها ولو طارئًا بني لحاجة "أخذ" وجوبًا "بقول ثقة" في الرواية ولو رقيقًا وأنثى "يخبر عن علم" أي مشاهدة لعينها؛ لأن خبره أقوى من الاجتهاد فلا يعدل إلى الاجتهاد مع قدرته على أقوى منه، ومثله رؤية محراب لم يطعن فيه وإن كان ببلدة صغيره لكن يشترط أن يكثر طارقوه، وقول الثقة رأيت كثيرًا من المسلمين يصلون إلى هذه الجهة أو القطب هاهنا والمصلي يعلم دلالته على القبلة أما غير الثقة كالفاسق والصبي فلا يقبل خبره، "فإن فقد" الثقة المذكور "اجتهد" وجوبًا بأن يستدل على القبلة "بالدلائل" التي تدل عليها وهي كثيرة أضعفها الرياح وأقواها القطب وهو عند الفقهاء نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي ويختلف باختلاف الأقاليم، ففي مصر يكون خلف أذن المصلي اليسرى، وفي العراق يكون خلف اليمنى، وفي أكثر اليمن قبالته مما يلي جانبه الأيسر، وفي الشام وراءه، ويجب تعلم أدلتها عينًا على من أراد سفرًا يقل فيه العارفون بالقبلة وإلا وجب على
1 أبو قبيس: جبل مشرف على مكة.
وإن تحير صلى كيف شاء ويقضي، ويجتهد لكل فرض، فإن تيقن الخطأ فيها أو بعدها استأنفها، وإن تغير اجتهاده عمل بالثاني فيما يستقبل ولا قضاء للأول.
الشرط العاشر: ترك الكلام فتبطل بنطق بحرفين، أو حرف مفهم، أو ممدود ولو بتنحنح وإكراه، وضحك وبكاء، وأنين، ونفخ من الفم أو الأنف، ويعذر في يسير الكلام إن سبق لسانه، أو نسي أو جهل التحريم وهو قريب عهد بالإسلام أو من نشأ ببادية بعيدة
ــ
الكفاية، ومن ترك التعلم وقد خوطب به عينًا لم يجز له التقليد إلا عند الضيق الوقت ويعيد بخلاف من خوطب به كفاية فإن له التقليد مطلقًا ولا يعيد وعليه يحمل قول المصنف "فإن عجز" عن الاجتهاد "لعماه" أي لعمى بصره "أو عمى بصيرته قلد ثقة عارفًا" يجتهد له لعجزه "وإن تحير" المجتهد فلم يظهر له شيء بعد اجتهاده أو اختلف على الأعمى مجتهدان ولم يترجح أحدهما عنده "صلى كيف شاء" لحرمة الوقت "ويقضي" وجوبًا لأنه نادر "ويجتهد" وجوبًا "لكل فرض" يعني صلاة وإن لم يفارق محله الأول سعيًا في إصابة الحق ما أمكن، نعم إن كان ذاكرًا للدليل الأول لم يلزمه ذلك، وإذا اجتهد وصلى "فإن تيقن الخطأ فيها أو بعده" ولو بخبر ثقة عن عيان "استأنفها" وجوبًا لتبين فساد الأولى "وإن" لم يتيقنه وإنما "تغير اجتهاده عمل بالثاني" وجوبًا لا فيما مضى لمضيه على الصحة ولم يتيقن فساده بل يعمل "فيما يستقبل" وإن كان في الصلاة فيتحول إلى ما ظنه الصواب إن ظهر له مقارنًا لظهور خطأ الأول وهكذا حتى لو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات بالاجتهاد صحت صلاته، "ولا قضاء للأول" من الاجتهادين ولا لغير الأخير من الاجتهادات لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، أما لو ظهر له الخطأ ثم ظهر له الصواب ولو عن قرب فإن صلاته تبطل لمضي جزء منها إلى غير قبلة محسوبة.
"الشرط العاشر: ترك الكلام" أي كلام الناس لخبر مسلم: "كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام"1 وفي رواية له2: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" ، "فتبطل" الصلاة "بنطق بحرفين وإن لم يفهما أو كانا من آية نسخ لفظها أو لمصلحة الصلاة كقوله لإمامه قم "أو حرف مفهم" نحو ق أو ع أو ل أو ط من الوقاية والوعاية والولاية والوطء "أو" حرف "ممدود" وإن لم يفهم إذ المد ألف أو واو أو ياء فالممدود في الحقيقة حرفان وتبطل بالنطق بما ذكر "ولو" حصل "بتنحنح وإكراه" لندرته فيها "وضحك وبكاء" ولو للآخرة "وأنين ونفخ من الفم أو الأنف" كما قاله جماعة من المتأخرين لكن يبعد تصوره وعطاس وسعال بلا غلبة في الكل إذ لا ضرورة حينئذ. "ويعذر في يسير الكلام" عرفًا كالكلمتين والثلاث "إن سبق لسانه" إليه "أو نسي" أنه
1 رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث رقم 35" من حديث زيد بن أرقم.
2 في المساجد ومواضع الصلاة "حديث رقم 33" من حديث معاوية بن الحكم السلمي.
عن العلماء أو حصل بغلبة ضحك أو غيره، ولا يعذر في الكثير بهذه الأعذار، ويعذر في التنحنح لتعذر القراءة الواجبة، ولو نطق بنظم القرآن بقصد التفهيم أو أطلق بطلت صلاته. ولا تبطل بالذكر والدعاء بلا خطاب، ولا بالتلفظ بقربة كالعتق والنذر، ولا بالسكوت
ــ
في الصلاة "أو جهل التحريم" للكلام فيها "وهو قريب عهد بالإسلام أو من" أي شخص "نشأ ببادية بعيدة عن العلماء" أي عمن يعرف ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم تكلم قليلا في الصلاة معتقدًا فراغها، ولم يبطل صلاة من تكلم فيها قليلا جاهلا لقرب إسلامه، وقيس بذلك الباقي، وكالجاهل من جهل تحريم ما أتى به أو كون التنحنح مبطلا وإن علم تحريم جنس الكلام، بخلاف ما لو علم الحرمة وجهل الإبطال فإنه يبطل إذ حقه بعد العلم بالتحريم الكف. "أو" إن "حصل" اليسير "بغلبة ضحك أو غيره" مما سبق إذ لا تقصير، "ولا يعذر" كما في المجموع وغيره وإن خالفه جماعة "في" الكلام "الكثير بهذه الأعذار" السابقة من التنحنح وما بعده إلى هنا؛ لأن الكثير يقطع نظم الصلاة. "و" قد "يعذر" فيه وذلك "في التنحنح لتعذر القراءة الواجبة" والتشهد الواجب وغيرهما من الواجبات القولية فلا تبطل الصلاة بالكثير حينئذ للضرورة بخلاف التنحنح لسنة كالجهر فإنه يبطلها إذ لا ضرورة إليه، "ولو نطق بنظم القرآن" أو ذكر كقوله لجماعة استأذنوا في الدخول عليه: باسم الله، أو فتح على إمامه بقرآن أو ذكر أو جهر الإمام أو المبلغ بتكبيرات الانتقالات فإن كان ذلك "بقصد التفهيم" أو الفتح أو الإعلام "أو أطلق" فلم يقصد شيئًا "بطلت صلاته"؛ لأن عروض القرينة أخرجه عن موضوعه من القراءة والذكر إلى أن صيره من كلام الناس، بخلاف ما لو قصد القراءة وحدها أو الذكر وحده أو مع نحو التفهيم فإن الصلاة لا تبطل لبقاء ما تكلم به على موضوعه، ولا فرق على الأوجه بين أن يكون انتهى في قراءته إلى تلك الآية أو أنشأها حينئذ، ولا بين ما يصلح لتخاطب الناس به من نظم القرآن والأذكار وما لا يصلح، وخرج بنظم القرآن ما لو غير نظمه كقوله: يا إبراهيم سلام كوني1، فتبطل صلاته مطلقًا، نعم إن لم يصل بعضها ببعض وقصد القراءة فلا بطلان. "ولا تبطل" الصلاة "بالذكر والدعاء بلا خطاب" لمخلوق غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا تعليق "ولا بالتلفظ بقربة كالعتق والنذر" والصدقة والوصية وسائر القرب المنجزات بلا تعليق ولا خطاب لمن ذكر؛ لأن ذلك قربة ومناجاة لله فهو من جنس الدعاء بخلافه مع خطاب مخلوق غير النبي صلى الله عليه وسلم من إنس وجن وملك وغيرهم وإن لم يعقل كقوله لعاطس: رحمك الله، ولهلال: ربي وربك الله، أو مع تعليق كإن شفى الله مريضي فعلي عتق رقبة، أو اللهم اغفر لي إن شئت، فتبطل بذلك مطلقًا كما لو نطق بشيء من ذلك بغير العربية وهو يحسنها، ولا تضر إشارة الأخرس ولو ببيع وإن صح بيعه ولا خطاب الله تعالى وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو في غير التشهد، ويسن حتى
1 نص الآية 69 من سورة الأنبياء: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} .
الطويل بلا عذر، ويسن لمن نابه شيء أن يسبح الله تعالى إن كان رجلا، وتصفق المرأة ببطن كف على ظهر أخرى.
الشرط الحادي عشر: ترك الأفعال الكثيرة، فلو زاد ركوعًا أو غيره من الأركان بطلت إن تعمده، أو فعل ثلاثة أفعال متوالية كثلاث خطوات أو حكات في غير الجرب، أو وثب وثبة فاحشة، أو ضرب ضربة مفرطة بطلت سواء كان عامدًا أو ناسيًا، ولا يضر
ــ
للناطق رد السلام بالإشارة ولمن عطس أن يحمد الله ويسمع نفسه، ولو قرأ إمامه: إياك نعبد وإياك نستعين فقالها أو قال استعنا أو نستعين بالله بطلت إن لم يقصد تلاوة أو دعاء قاله في التحقيق. "ولا" تبطل "بالسكوت الطويل" ولو "بلا عذر"؛ لأنه لا يخل بنظمها "ويسن لمن نابه شيء" في صلاته كتنبيه إمامه وإذنه لداخل وإنذاره نحو أعمى من وقوعه في محذور "أن يسبح الله تعالى إن كان رجلًا" بقصد الذكر وحده أو مع التنبيه وإلا بطلت صلاته كما علم مما مر، "و" أن "تصفق المرأة" والخنثى والأولى أن يكون "ببطن كف على ظهر" كف "أخرى" سواء اليمنى واليسرى وذلك لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:"من نابه شيء في صلاته فليسبح" 1، فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء فلو صفق الرجل وسبح غيره كان خلاف السنة، ولو كثر التصفيق بأن كان ثلاثًا متوالية أبطل ولا يضر حيث قصد به الإعلام وإن كان بضرب الراحتين.
"الشرط الحادي عشر: ترك" تعمده زيادة الركن الفعلي والفعل الفاحش وإن قل وترك "الأفعال الكثيرة" عرفًا ولو سهوًا "فلو زاد ركوعًا" لغير قتل نحو حية "أو غيره من الأركان" الفعلية "بطلت" صلاته "إن تعمده" ولم يكن للمتابعة وإن لم يطمئن فيه لتلاعبه بخلاف الركن القولي لأن زيادته لا تغير نظمها، وبخلاف الزيادة سهوًا أو للمتابعة لعذره، ولا يضر تعمد زيادة قعود قصير إن عهد في الصلاة غير ركن كأن جلس بعد الاعتدال وقبل السجود مثل جلسة الاستراحة، بخلاف الجلوس قبل نحو الركوع لأنه لم يعهد، "أو فعل ثلاثة أفعال متوالية" بأن لا يعد عرفًا كل منها منقطعًا عما قبله "كثلاث خطوات" وإن كانت بقدر خطوة مغتفرة أو مضغات ثلاث "أو حكات" متوالية مع تحريك اليد "في غير الجرب" وكأن حرك يديه ورأسه ولو معًا أو خطا خطوة واحدة ناويًا فعل الثلاث وإن لم يزد على الواحدة. "أو وثب وثبة" ولا تكون الوثبة إلا "فاحشة أو ضرب ضربة مفرطة" أو صفق تصفيقة أو خطا خطوة بقصد اللعب وإن كانت التصفيقة بغير ضرب الراحتين "بطلت" صلاته في جميع ما ذكر "سواء
1 من حديث سهل بن سعد الساعدي. رواه البخاري "حديث 684 و1201 و1204 و1218 و1234 و2690 و2693 و7190" ومسلم في الصلاة "حديث 102"، وأبو داود في الصلاة باب 169 وأحمد في المسند "5/ 330، 332، 333".
الفعل القليل، ولا حركات خفيفات وإن كثرت كتحريك الأصابع.
الشرط الثاني عشر: ترك الأكل والشرب، فإن أكل قليلا ناسيًا أو جاهلا بتحريمه لم تبطل.
الشرط الثالث عشر: أن لا يمضي ركن قولي أو فعلي مع الشك في نية التحرم أو يطول زمن الشك.
الشرط الرابع عشر: أن لا ينوي قطع الصلاة أو يتردد في قطعها.
الشرط الخامس عشر: عدم تعليق قطعها بشيء.
ــ
كان عامدًا أو ناسيًا" لمنافاة ذلك لكثرته أو فحشه للصلاة وإشعاره بالإعراض عنها، والخطوة بفتح الخاء المرة وهي المرادة هنا إذ هي عبارة عن نقل رجل واحدة فقط حتى يكون نقل الأخرى إلى أبعد عنها أو أقرب خطوة أخرى بخلاف نقلها إلى مساواتها وذهاب اليد ورجوعها ووضعها ورفعها حركة واحدة، أما في الجرب الذي لا يصبر معه على عدم الحك فيغتفر الحك لأجله وإن كثر لاضطراره إليه. "ولا يضر الفعل القليل" الذي ليس بفاحش ومنه الخطوتان وإن اتسعتا واللبس الخفيف وفتح كتاب وفهم ما فيه لكنه مكروه. "ولا حركات خفيفات وإن كثرت" وتوالت لكنها خلاف الأولى وذلك "كتحريك الأصابع" في نحو سبحة وحكة فلا بطلان بجميع ذلك وإن تعمده ما لم يقصد به منافاتها، وإنما لم يعف عن قليل الكلام عمدًا لأنه لا يحتاج إليه فيها بخلاف الفعل فيفعل عما يتعسر الاحتراز عنه مما لا يخل بها، والأجفان واللسان كالأصابع، وقد يسن الفعل القليل كقتل نحو الحية.
"الشرط الثاني عشر: ترك" المفطر فتبطل بوصول مفطر جوفه وإن قل ولو بلا حركة فم أو مضغ لأن وصوله يشعر بالإعراض عنها وترك غير المفطر أيضًا نحو "الأكل والشرب" الكثير سهوًا أو لجهل تحريمه فيها فتبطل به، وإنما لم يفطر الصائم لأن الصائم لا تقصير منه إذ ليس لعبادته هيئة تذكره بخلاف الصلاة "فإن أكل قليلا ناسيًا" أنه فيها "أو جاهلا بتحريمه" وعذر لقرب عهده بالإسلام أو نشئه بعيدًا عن العلماء "لم تبطل" صلاته لعذره.
"الشرط الثالث عشر: أن لا يمضي ركن قولي" كالفاتحة "أو فعلي" كالاعتدال "مع الشك في" صحة "نية التحرم" بأن تردد هل نوى أو أتم النية أو أتى ببعض أجزائها الواجبة أو بعض شروطها أو هل نوى ظهرًا أو عصرًا "أو يطول" عرفًا "زمن الشك" أي التردد فيما ذكر فمتى طال أو مضى قبل انجلائه ركن بأن قارنه من ابتدائه إلى تمامه أبطلها لندرة مثل ذلك في الأولى ولتقصيره بترك التذكر في الثانية وإن كان جاهلا وبعض الركن القولي ككله إن طال زمن الشك أو لم يعد ما قرأه فيه وقراءة السورة والتشهد الأول كقراءة الفاتحة إن قرأ منهما قدرها أو قدر بعضها وطال وخرج بقوله أن لا يمضي إلى آخره ما لو تذكره قبل طول الزمن وإتيانه بركن فلا بطلان لكثرة عروض مثل ذلك، وبتعبيره بالشك ما لو ظن أنه في صلاة أخرى فإنه تصح صلاته وإن أتمها مع ذلك سواء كان في فرض وظن أنه في نفل أو عكسه.