الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: "في زكاة الفطر
"
وتجب زكاة الفطر بشروطٍ: إدراكُ غروب الشمس ليلة العيد، وأن يكون مسلمًا، وأن يكون ما يخرجُه فاضلا عن مؤونته ومؤونة من عليه مؤونته ليلة العيد ويومه وعن دست ثوب يليق به، ومسكن وخادم يحتاج إليه، وتجب عمن في نفقته من المسلمين من
ــ
فصل في زكاة الفطر:
والأصل فيها قبل الإجماع الأخبار الصحيحة الشهيرة1، والمشهور أنها وجبت كرمضان في السنة الثانية من الهجرة والخلاف فيها شاذ منكر فلا ينافي حكاية الإجماع المذكور.
"وتجب زكاة الفطر بشروط" منها "إدراك" وقت وجوبها بأن يكون حيًّا بالصفات الآتية عند "غروب الشمس ليلة العيد" بأن يدرك آخر جزء من رمضان وأول جزء من شوال لإضافتها إلى الفطر في الخبر، وأيضًا فالوجوب نشأ من الصوم والفطر منه فكان لكل منهما دخل فيه فأسند إليهما دون أحدهما لئلا يلزم التحكم، فلا تجب بما يحدث بعد الغروب من ولد ونكاح وإسلام وغنى وملك قنّ، ولا تسقط بما يحدث بعده من نحو موت ومزيل ملك كعتق وطلاق ولو بائنًا أو ارتداد وغنى قريب ولو قبل التمكن من الأداء لتقررها وقت الوجوب، نعم إن تلف المال قبل التمكن سقطت كما في زكاة المال. "و" منها "أن يكون" المخرِجُ "مسلمًا" فلا تجب على كافر أي في الدنيا كما مر أول الباب؛ لأنها طهرة وهو ليس من أهلها وهذا بالنسبة لنفسه، أما مسلم عليه مؤونته فيلزمه إخراجها عنه، ويجزئه إخراجها بلا نية هذا في الكافر الأصلي، أما المرتد فإن عاد إلى الإسلام وجبت فطرة نفسه أيضًا وإلا فلا، وأن يكون حرًّا أو مبعضًا، فلا تجب على رقيق ولو مكاتبًا لضعف ملكه وإنما لم تلزم سيده في الكتابة الصحيحة لأنه معه كالأجنبي، فعلم أنه لا يلزم الرقيق فطرة زوجته وإن لزمه نفقتها في كسبه بل إن كانت أمة فعلى سيدها أو حرة فسيأتي "و" منها "أن يكون" المخرج عن نفسه أو ممونه موسرًا بأن يكون "ما يخرجه فاضلا عن مؤونته ومؤونة من" تجب "عليه مؤونته ليلة العيد ويومه" لأن مؤونته ومؤونة ممونه في هذا الزمن ضرورية فاعتبر الفضل عنها، وإنما لم يعتبر زيادة على اليوم والليلة المذكورين لعدم ضبط ما وراءهما. "و" فاضلا "عن دست2 ثوب" له أو لممونه "يليق به" أي بكل منهما منصبًا ومروءة ومنه قميص وسراويل وعمامة ومكعب3 وما يحتاج إليه من زيادة
1 منها ما رواه البخاري في الزكاة باب 70 "فرض صدقة الفطر" ومسلم في الزكاة حديث 12، ومالك في الزكاة حديث 52، عن ابن عمر:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين".
زوجة وولد ووالد ومملوك، والواجب صاع سليم من العيب من غالب قوت البلد، وإن
ــ
للبرد والتجمل وغير ذلك مما يترك للمفلس؛ لأن ذلك يبقى للمدين والفطرة ليست بأشد من الدين. "و" عن "مسكن" له أو لممونه "و" عن "خادم" له أو لممونه "يحتاج" كل منهما "إليه" أي إلى ما ذكر من المسكن والخادم ويليقان بهما قياسًا على الكفارة، ولأنهما من الحوائج المهمة كالثوب فإن كانا نفيسين يمكن إبدالهما بلائقين ويخرج التفاوت لزمه ذلك وإن كانا مألوفين والحاجة للمسكن واضحة، وللعبد تعم الحاجة لأجل منصب من ذكر أو ضعفه لا لأجل عمله في ماشيته أو أرضه، بل يبيع في الفطرة العبد المحتاج إليه فيهما، والحاجة إلى ما ذكر تمنع تعلق الوجوب ابتداء، وأما إذا وجد فلا ترفعه، فإذا تعلقت الفطرة بالذمة صارت دينًا فيباع فيها نحو المسكن والخادم، وهل يعتبر الفضل عما عليه من الدين الذي لله أو للآدمي؟ فيه تناقض والمعتمد أن الدين يمنع الوجوب، فإذا لم يكن المخرج فاضلا عنه لم تلزمه فطرة. "و" كما تجب الفطرة عن نفسه كذلك "تجب" عليه "عمن في نفقته" وقت غروب الشمس ليلة العيد "من المسلمين" فلا تجب فطرة الكافر وإن وجبت نفقته لقوله في الخبر:"من المسلمين"1 ولأنها طهر للصائم من اللغو والرفث كما ورد2 والكافر ليس من أهلها ومحله في الكافر الأصلي، أما الرقيق المرتد فتجب فطرته إن عاد إلى الإسلام "من زوجه" ولو رجعية وبائن حامل ولو أمة لوجوب نفقتهما بخلاف البائن غير الحامل ولو لزمه إخدام زوجته، فإن أخدمها أمتها لزمه فطرتها أيضًا أو أجنبية فلا، وفي معناها من صحبتها لتخدمها بنفقتها بإذنه، ولا تجب فطرة ناشزة بخلاف التي حيل بينها وبين الزوج، ولا فطرة زوجة أب ومستولدته وإن وجبت نفقتهما لأنها لازمة للأب مع إعساره فيتحملها الولد بخلاف الفطرة، ولو أعسر الزود بأن كان قنًّا أو حرًّا ليس معه ما يفضل عما مر لم يلزم زوجته الحرة فطرتها وإن كانت غنية، لكن يسن لها إخراجها خروجًا من الخلاف، وإنما لزمت سيد أمة مزوجة بمعسر حر أو عبد لكمال تسليم الحرة نفسها بخلاف الأمة إذ لسيدها أن يسافر بها ويستخدمها.
"و" من "ولد" وإن سفل "ووالد" وإن علا لعجزهما بخلاف الولد الغني والوالد الغني أو القادر على الكسب إذ لا تجب نفقتهما حينئذ. "ومملوك" ومنه المكاتب كتابة فاسدة والمدبر والمعلق عتقه بصفة وأما الولد والمرهون والجاني والمؤجر والموصي بمنفعته والآبق وإن انقطع خبره والمغصوب فتجب فطرتهم في الحال كما تجب نفقتهم، ولأن الأصل فيمن انقطع خبره بقاء حياته، ولا تجب فطرة من وجبت نفقتها في باب المال أو على المسلمين وقن بيت المال
1 راجع الحاشية 1 من الصفحة السابقة.
2 روى أبو داود في الزكاة باب 18 "حديث 16109" وابن ماجة في الزكاة باب 21، عن ابن عباس قال:"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".
قدر على بعضه فقط أخرجه، ويجوز إخراجها في رمضان، ويسن قبل صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن يومه.
ــ
والمملوك للمسجد والموقوف عليه والموقوف ولو على معين وإن وجبت نفقتهم.
"والواجب، على كل رأس "صاع" وهو قدحان بالمصري إلا سبعي مد تقريبًا هذا فيما يكال، أما ما لا يكال أصلًا كالأقط1 الجبن فمعياره الوزن، فيعتبر فيه الصاع بالوزن لا بالكيل وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، وأربعة أرطال ونصف وربع رطل وسبع أوقية بالمصري، وإنما يجزئ صاع "سليم من العيب" فلا يجزئ المعيب بنحو غش أو سوس أو قدم غير طعمه أو لونه أو ريحه ولا أقط فيه ملح يعيبه وإن لم يفسد جوهره، فإن لم يعبه وجب بلوغ خالصه صاعًا ولا يحسب الملح في الكيل ويجب كونه "من غالب قوت البلد" سواء المعشر كالحب والتمر والزبيب وغيره كالأقط واللبن والجبن بشرط أن يكون في كل منها زبدة لثبوت بعض المعشر والأقط في الأخبار وقيس بهما الباقي، أما المخيض والسمن واللحم والدقيق والسويق والأقوات التي لا زكاة فيها والأقط واللبن والجبن المنزوعة الزبد فلا يجزئ شيء منها وإن كان قوت البلد لأنه ليس في معنى ما نص عليه، والعبرة في ذلك بغالب قوت محل المؤدي عنه لا المؤدي لأنها وجبت عليه ابتداء ثم يتحملها المؤدي، فلا يجزئ من غير غالب قوت محل المؤدي عنه ولا من غالب قوت محل المؤدي أو قوته لتشوف النفوس إلى الغالب في ذلك المحل، ومن ثم وجب صرف الفطرة لفقراء بلد المؤدي عنه لا بلد المؤدي، فلو كان الرقيق أو الزوجة مثلا ببلد والسيد أو الزوج ببلد آخر صرفت من غالب قوت بلد الرقيق أو الزوجة على مستحقي بلديهما لا بلد السيد أو الزوج، ويختلف الغالب باختلاف النواحي والأزمان، والعبرة بغالب قوت البلد في غالب السنة لا بغالب وقت الوجوب، ويجزئ الأعلى في الاقتيات وإن كان أنقص في القيمة عن الأدنى فيه ولا عكس، فالتمر أعلى اقتياتًا من الزبيب والشعير أعلى منهما. "وإن قدر على بعضه" أي الصاع "فقط" أي دون باقيه "أخرجه" وجوبًا للخبر الصحيح: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" 2 ومحافظة على الواجب بقدر الإمكان وعند الضيق يجب أن يقدم نفسه ثم زوجته؛ لأن نفقتهما آكد ثم ولده الصغير ثم أباه وإن علا ولو من قبل الأم ثم أمه، وإنما قدمت الأم في النفقة لأنها للحاجة والأم أحوج، وأما الفطرة فللتطهير والشرف والأب أولى بهذا لأنه منسوب إليه ويشرف بشرفه.
"ويجوز" للمالك دون الولي تعجيل الزكاة في الفطرة بعد دخول رمضان فيجزئ "إخراجها" ولو "في" أول ليلة من "رمضان" لانعقاد السبب الأول إذ هي تجب بسببين رمضان
1 الأقط: لبن محمض يجمد حتى يستحجر ويطبخ، أو يطبخ به "المعجم الوسيط: ص22".
2 رواه البخاري في الاعتصام باب 6، ومسلم في الفضائل حديث 130 والحج حديث 412، والنسائي في الحج باب 1، وابن ماجه في المقدمة باب 1.