المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْبَيْعِ ــ كتاب البيع لما انتهى من ربع العبادات المقصود بها التحصيل - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْبَيْعِ ــ كتاب البيع لما انتهى من ربع العبادات المقصود بها التحصيل

‌كِتَابُ الْبَيْعِ

ــ

كتاب البيع

لما انتهى من ربع العبادات المقصود بها التحصيل الأخروي، وهي أهم ما خلق لها الإنسان

أعقبه بربع المعاملات المقصود منها التحصيل الدنيوي؛ ليكون سببًا للأخروي؛ وأخر عنهما ربع النكاح؛ لأن شهوته متأخرة عن شهوة البطن، وأخر ربع الجنايات والمخاصمات؛ لأن ذلك غالبًا إنما يكون بعد شهوتي البطن والفرج، وأفرد لفظه؛ اقتداء بالآية الآتية، وطردًا للقاعدة السابقة في (الطهارة) و (الصلاة) و (الزكاة) و (الصوم).

و (البيع) في اللغة: بذل شيء في مقابلة شيء.

قال الشاعر [من البسيط]:

ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم .... ولا أسلمها إلا يدًا بيد

وفي الشرع: نقل ملك إلى الغير.

والشراء: قبوله

ويطلق كل منهما على الآخر، وتقول العرب: بعت بمعنى اشتريت، وجاء شرى بمعنى باع، قال الله تعالى:{وشروه بثمن بخس} .

وقال عز وجل: {ولبئس ما شروا به أنفسهم} .

قيل: وسمي بيعًا، لأن البائع يمد باعه إلى المشتري حالة العقد عادة، وضُعِّفَ بأن البيع من ذوات الياء، تقول: باع يبيع بيعًا، والباع واوي، تقول: بعته أبوعه بوعًا.

وفي هذا التضعيف نظر؛ فإن بعض المتأخرين حكى جواز اشتقاق ذوات الواو من وات الياء وبالعكس.

والأصل في مشروعيته قبل الإجماع: قوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم} .

ص: 7

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله تعالى: {وأحل الله البيع} .

ورجح الشافعي رضي الله عنه والأصحاب: أن الآية عامة في كل بيع إلا ما خص بالسنة، ونقل عنه: أنها مجملة والسنة مبينة لها.

وتظهر فائدة القول فيما إذا اختلف في مسألة في البيع: أحلال هي أم حرام؟ فإن قلنا: عامة .. جاز أن يستدل بها عليها، وإلا .. فلا.

وسئل صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب؟ فقال: (عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) رواه الحاكم [2/ 10] عن رافع بن خديج رضي الله عنه.

وصح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتجر لخديجة رضي الله عنها.

وكان أبو بكر تاجرًا في البز، وعمر في الطعام، وعثمان في البر والتمر، والعباس في العطر رضي الله عنهم.

والبيوع ثلاثة أنواع:

بيع أعيان موجودة، وهو المراد هنا.

وبيع أعيان في الذمة، وهي المرادة بـ (كتاب السلم).

وبيع منافع، وهي الإجارة.

وأحكام البيع ثلاثة: الصحة، واللزوم، وانتقال الملك.

فأما الصحة .. فتثبت مقارنة لآخر حرف من قول المشتري على الأصح.

وقيل: عقبه.

واللزوم يتوقف على انقضاء الخيار.

والملك إباحة الانتفاع كما سيأتي في أول (باب إحياء الموات).

ص: 8

شَرْطُهُ: الإِيجَابُ؛

ــ

قال: (شرطه: الإيجاب) أي: لفظًا على وجه الجزم بأي لغة كان، عرف العربية أم لا؛ لقوله تعالى {لا تأكلوا أمولكم بينكم بالبطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} .

وروى ابن حبان [4967] وابن ماجه [2185]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما البيع عن تراض).

والرضا أمر خفي لا يطلع عليه، فوجب أن يناط الحكم بسبب ظاهر يدل عليه، وهو الصيغة.

والمذهب: اشتراط ذلك في كل شيء.

وعن ابن سريج تخريج قول: إنه يكتفى في المحقرات بالمعاطاة.

واختار ابن الصباغ والمتولي والبغوي والمصنف والشيخ الاكتفاء بها فيما يعده الناس بيعًا، ومثلوا المحقرات بالباقة من البقل، والرطل من الخبز، ومنهم من مثلها بما دون نصاب السرقة. والأشبه: إتباع العرف.

وحيث أبطلنا بيع المعاطاة .. ففي حكم ما أخذ بها وجهان:

أحدهما: أنه إباحة.

وأصحهما: أنه كالمقبوض بعقد فاسد فيجب رده أو بدله إن تلف، ولكل مطالبة الآخر.

وقيل: يسقط من ذمتهما بالتراضي، وهو ضعيف.

وقال ابن أبي عصرون: لا مطالبة لهما في الآخرة.

ومراد المصنف بـ (الشرط): ما لابد منه؛ لأن الغزالي جعل الصيغة ركنًا.

ويستثنى من إطلاقه البيع الضمني، كقوله: أعتق عبدك عني؛ فإنه يكتفى فيه بالالتماس والجواب.

وشمل إطلاقه: ما إذا باع الأب أو الجد مال ابنه الصغير من نفسه أو اشترى منه.

والأصح: لابد فيه من الصيغة كما سيأتي.

ص: 9

كَبِعْتُكَ وَمَلَّكْتُكَ

ــ

وعلى الأصح: لا يكفي التوكيل.

والأصح: أن الهازل كغيره اعتبارًا باللفظ لا بالقصد.

وكان ينبغي للمصنف أن يقدم الكلام على العاقد والمعقود عليه على الكلام على الصيغة؛ لتقدمهما عليها طبعًا.

فرع:

جرت عادته أن يأخذ من بياع ثم يحاسبه بعد مدة ويعطيه كما يفعله كثير من الناس .. قال في (شرح المهذب): إنه باطل بالإجماع، وسامح فيه في (الإحياء)، وجوزه ابن الصلاح بشرط أن يقرر ما يأخذه كل يوم ولا يؤخر تقريره إلى يوم الحساب.

قال: (كبعتك وملَّكتك) هذان صريحان في البيع لاشتهارهما فيه وتكررهما على لسان حملة الشريعة.

وأشار بـ (كاف التشبيه) إلى أن الصريح لا ينحصر في هاتين اللفظين، بل ينعقد بكل ما أشبه ذلك، كشريت منك هذا، وصارفتك –في عقد الصرف- ووليتك هذا العقد، وأشركتك معي فيه نصفين.

ولو اتصل بهذه الصيغ كلها لفظة (قد) كقوله: قد بعتك، وقد ملكتك .. لم يضر.

وعبارة (المحرر): كبعتك أو ملكتك، وهي أحسن؛ لأنها تدل على الاكتفاء بأحدهما بخلاف تعبير المصنف.

وضابط الإيجاب: كل لفظ يدل على التمليك بعوض دلالة ظاهرة.

ص: 10

وَالْقَبُولُ؛ كَاشْتَرَيْتُ وَتَمَلَّكْتُ وَقَبِلْتُ،

ــ

وفي وجه: أنه لا يصح بلفظ التمليك، وصححه الماوردي؛ لأن التمليك من أحكام البيع فاحتاج إلى تقديم العقد ليتعقبه التمليك، ولأنه يحتمل الهبة بعوض فصار مجملًا، ولذلك صرح الرافعي في (باب الخلع) بأن ملكت صريح، وأشار ابن الرفعة إلى أنه كناية على المذهب.

وفهم من عبارة المصنف: أنه لابد من إسناد البيع إلى جملة المخاطب ولو كان نائبًا عن غيره، فلو قال: بعته ليدك أو لنصفك .. لم يصح.

قل: (والقبول) وهو: كل لفظ يدل على التمليك دلالة ظاهرة.

قال الإمام: هو على الحقيقة ما لا يتأتى الابتداء به.

قال: (كاشتريت وتملكت وقبلت) فلو اقتصر على قوله: (قبلت) .. صح في الأصح، بخلاف النكاح؛ فإنه لابد أن يقول: قبلت نكاحها في الأصح.

ومن ألفاظ القبول: (رضيت) كما صح به القاضي والروياني في (باب الرهن)، وشملت عبارته: ما لو باع ما له لطفله.

والأصح: أنه لابد فيه من الإيجاب والقبول.

وقيل: يكفي أحدهما.

وقيل: ينعقد بالنية وحدها؛ لأن اللفظ إنما اعتبر لمعرفة ما في القلب لا للتعبد، وهو ظاهر.

وسكت المصنف عن صيغة الثمن؛ لوضوح اشتراط أنه لابد من ذكره، وله ألفاظ:

منها: أن يقول: بكذا، وهي الأصل.

ومنها: على أن تعطيني كذا، كما جزم به الرافعي في (الصداق)، وأسقطه من (الروضة).

ومنها: ولك على كذا، أو ولي عليك كذا.

ومنها: قوله: على ألف.

ص: 11

وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ لَفْظِ الْمُشْتَري. فَلَوْ قَالَ: بِعْنِي، فَقَالَ: بِعْتُكَ .. انْعَقَدَ فِي الأَظْهَرِ. وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ –كَجَعَلْتُهُ لَكَ بِكَذَا- فِي الأَصَحِّ

ــ

فرع:

السمسار –بسينين مهملتين- إذا قال للبائع: بعت، فقال: نعم، وقال للمشتري: اشتريت، فقال: نعم .. صح في الأصح وإن لم يتخاطبا.

أما إذا قال له: بعتك، فقال: نعم، أو قال: بعتك أقبلت؟ فقال: نعم .. فقال الرافعي في (كتاب النكاح): يصح، وفي (النهاية) في (كتاب الإقرار): لا يكون قبولًا.

قال: (ويجوز تقديم لفظ المشتري) أي: على لفظ البائع؛ لحصول المقصود بذلك، هذا في غير (قبلت) و (نعم) إذا صححنا القبول بهما.

قال: (فلو قال: بعني، فقال: بعتك .. انعقد في الأظهر)؛ لأن المقصود وجود لفظ دال على الرضا بموجب العقد وقد حصل، فصح به كالنكاح.

وفي (صحيح مسلم)[1755]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه في جارية: (هب لي المرأة) قال: هي لك) وهو يدل على انعقاد الهبة بالاستيجاب والإيجاب فالبيع أولى.

والثاني: لا ينعقد إلا أن يقول بعد ذلك: اشتريت، أو قبلت؛ لأنه قد يقول ذلك استبانة للرغبة، والصحيح: أن الخلاف وجهان.

وفي نظير المسألة في النكاح قولان: الأصح باتفاقهم: الانعقاد.

وقول البائع: اشتر مني، كقوله: بعني على الصحيح.

ولو قال: اشتريت منك، فقال: بعتك .. انعقد إجماعًا.

قال: (وينعقد بالكناية –كجعلته لك بكذا- في الأصح)؛ لما تقدم من حديث سلمة رضي الله عنه.

وفي (صحيح مسلم)[715]: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لجابر رضي الله عنه: (أتبيعني جملك بأوقية) قال: هو لك بها، قال:(قد أخذته).

ص: 12

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولابد معها من النية، والصريح لا يحتاج إليها.

قال الأصحاب: كل تصرف يستقل به الشخص ينعقد بالكناية، وما لا يستقل به الشخص بل يفتقر إلى الإيجاب والقبول ضربان:

أحدهما: ما يشترط فيه الإشهاد كالنكاح.

وبيع الوكيل المشروط فيه ذلك لا ينعقد بالكناية؛ لأن الشاهد لا مطلع له عليها.

والثاني: ما لا يشترط فيه الإشهاد، وهو نوعان:

أحدهما: ما يقبل مقصوده التعليق بالغرر، فيصح بالكناية مع النية، كالكتابة والخلع والصلح عن دم العمد؛ فإن يستقل بمقصوده، وهو العتق والطلاق والعفو.

و [الثاني]: إن لم يقبله كالبيع والإجارة ونحوهما .. ففيه الوجهان المذكوران في الكتاب.

وفي (الشرح) و (الروضة) و (شرح المهذب) –نقلًا عن الإمام من غير اعتراض عليه-: أن محل الخلاف فيما إذا عدمت القرائن، فإن حصلت وأفادت التفاهم .. وجب القطع بالصحة.

فكلام المصنف محمول على غير البيع المشروط فيه الإشهاد والذي لم تحتف به قرائن تفيد إرادة البيع.

ومن الكنايات أن يقول: خذه، أو تسلمه، وكذا: سلطتك عليه، على الأصح.

ص: 13

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فروع:

الأول: كتب إلى غائب بالبيع أو غيره من عقود المعاوضات .. انعقد على الأصح، خلافًا لصاحب (المهذب).

وشرطه: أن يقبل المكتوب إليه عند وقوفه على الكتاب.

وفي وجه بعيد: لا يشترط الفور، ويكفي التواصل اللائق بين الكتابين.

وإذا قبل المكتوب إليه .. فله خيار المجلس ما دام فيه، ويتمادى خيار الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه.

ولو تبايع حاضران بالمكاتبة وجوزناها في الغيبة .. فههنا وجهان لم يرجح الشيخان منهما شيئًا.

وقال الشيخ: ينبغي أن يكون أصحهما: الصحة.

وحكم الكتْب في القرطاس والرق واللوح والأرض والنقش على الخشب والحجر .. واحد، ولا أثر لرسم الأحرف في الماء والهواء على الصحيح كما سيأتي في (الطلاق).

الثاني: في (فتاوى الغزالي): لو قال: بعني، فقال: باعك الله، أو بارك الله لك فيه، أو قال في الإقالة: أقالك الله، أو قد رده الله عليك .. فهو كناية يصح به البيع والإقالة إن نواهما، وإلا .. فلا.

الثالث: قال البائع: بعتك هذا بكذا، فقال المشتري: اشتريته ولم يسمع البائع كلامه .. قال البغوي: إن قاله بحيث يسمعه من بقربه .. صح، وإلا .. فلا، كما لو حلف لا يكلم فلانًا.

الرابع: قال: أنا بائع منك هذا بكذا، أو هذا مبيع منك بكذا .. قال القمولي: لم

ص: 14

وَيُشْتَرَطُ: أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا، وَأَنْ يَقْبَلَ عَلَى وَفْقِ الإِيجَابِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ، فَقَالَ: قَبِلْتُ بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ .. لَمْ يَصِحَّ

ــ

أظفر فيه بنقل، ويحتمل أنهم صريحان، وهو أقرب، ويحتمل خلافه.

قال: (ويشترط: أن لا يطول الفصل بين لفظيهما)؛ لأنه إذا طال أخرج الثاني عن كونه جوابًا، وضابط الطول ما أشعر بالإعراض.

وقيل: يكفي وقوع القبول في مجلس الإيجاب.

وكان الأحسن أن يقول: (بين الإيجاب والقبول)؛ لئلا ترد الكتابة وإشارة الأخرس.

ويشترط أيضًا: أن لا يتخلل بينهما كلام أجنبي عن العقد ولو كان يسيرًا، كما صرح به في (شرح المهذب) حيث قال: ولو تخللت كلمة أجنبية .. بطل العقد، لكنهما ذكرا في (كتاب الطلاق) عن الإمام: أنه لا ينقطع الإيجاب والقبول بتخلل كلام يسير على الأصح.

ويشترط أيضًا: أن لا يتغير الإيجاب قبل القبول، فلو أوجب بثمن مؤجل، أو على أن للمشتري الخيار، ثم أسقط الأجل أو الخيار قبل القبول، أو جعل الثمن حالًا .. لم يصح.

ويشترط في الطلاق: أن يقصد اللفظ للمعنى، ولابد من ذلك هنا كما سيتأتي تقريره في (الطلاق).

قال: (وأن يقبل على وفق الإيجاب) في القدر والنقد وصفته والحلول والأجل، أما التوافق في اللفظ .. فلا يشترط، فيجوز أن يقول: بعتك بألف، فيقول: اشتريت، أو تملكت، وما أشبهه.

قال: (فلو قال: بعتك بألف مكسرة، فقال: قبلت بألف صحيحة .. لم يصح)؛ لأنه قبل غير ما أوجبه البائع، ونبه بذلك على أنه لا يصح عكسه من باب

ص: 15

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أولى، ونقل الشيخان عن (فتاوى القفال): أنه لو قال: بعتك بألف درهم، فقال: قبلت بألف وخمس مئة .. صح، واستغرباه.

لا جرم أن الرافعي في الباب الثاني من (الوكالة) وفي (كتاب الخلع) جزم في المسألة بالبطلان، وهو المعتمد.

وقال في (شرح المهذب) هنا: الظاهر فساد العقد، وبه جزم الماوردي والهروي والإمام والقاضي حسين، وإذا صححناه فبـ (الألف) فقط، ويلغو قوله: خمس مئة، كما أشار إليه الإمام وغيره.

ولو قال: بعتك كذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمس مئة ونصفه بخمس مئة .. قال المتولي: يصح؛ لأنه تصريح بمقتضى الإطلاق، واستشكله الرافعي بأن تفصيل الثمن من موجبات تعدد الصفقة، فكأن البائع أوجب بيعة والمشتري قبل بيعتين.

قال المصنف: وهو كما قال، لكن الظاهر الصحة.

وكذا لو باعه عبدين بألف فقبل أحدهما بخمس مئة.

ولو قال: بعتك هذه الدار بألف على أن لي نصفها .. صح، كما لو قال: بعتك نصفها.

وقال محمد بن الحسن: لا يصح.

قال الهروي: وهذا محتمل ويشترط في الصيغة التنجيز، فلو قال: بعتك هذا بألف إن شئت، فقال: شئت .. لم ينعقد خلافًا للمتولي، ولو قال: اشتريت، أو نحوه .. فالأصح الانعقاد، ولو قال: اشتريت منك هذا بكذا، فقال: بعتك إن شئت .. لم يصح؛ لأن التعليق يستدعي مشيئة جديدة، صرح به الإمام والغزالي في (باب الإقرار).

ص: 16

وَإِشَارَةُ الأَخْرَسِ بِالْعَقْدِ كَالنُّطْقِ. وَشَرْطُ الْعَاقِدِ: الرُّشْدُ

ــ

ويشترط بقاء أهليتهما إلى القبول، فلو جن أحدهما، أو أغمي عليه، أو حجر عليه بسفه قبل وجود الشق الآخر .. بطل.

وعن الداركي: أنه لو أوجب ثم مات ووارثه حاضر في المجلس فقبل .. صح.

وقال الماوردي: إنه خلاف الإجماع.

قال: (وإشارة الأخرس) أي: المفهومة (بالعقد كالنطق)؛ للضرورة، وكذا كتابته، لأن ذلك يدل على ما فؤاده كما يدل عليه النطق من الناطق، ولا حاجة إلى قوله:(بالعقد)؛ لأن الفسخ والدعاوى والإقرار وغير ذلك كذلك، والمصنف أعادها في (الطلاق) وضم الحل إلى العقد.

واحترز بـ (العقد) عن إشارته في الشهادات والصلاة والحنث في الحلف على الكلام؛ فإنها ليست كنطقه على الأصح.

أما إشارة الناطق .. فلا تعتبر، خلافًا للمتولي؛ فإنه قال: إذا قال: أنت طالق إن شاء زيد، فأشار زيد بالرضا .. يقع، وخالفه الجمهور.

قال: (وشرط العاقد: الرشد)، فلا ينعقد بيع الصبي والمجنون والسفيه وإن أذن الولي ووافق الغبطة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاث

) الحديث رواه الترمذي [1423].

وفي وجه: يصح من الصبي في حال اختبار رشده.

وعبر في (المحرر) بالتكليف، وأورد عليه في (الدقائق) السكران؛ فإنه يصح بيعه على المذهب مع أنه غير مكلف، والسفيه والمكره بغير حق؛ فإنهما مكلفان ولا يصح بيعهما.

قال: ولا يرد شيء منهما على (المنهاج)، وقد علم أن السكران عند الفقهاء مكلف كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه، فلا يرد على قيد التكليف.

ص: 17

قُلْتُ: وَعَدَمُ الإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ،

ــ

لكن يرد على طرد (الكتاب) وعكسه صور:

منها: الأعمى، فلا تصح معظم عقوده كما سيأتي.

ومنها: لو سفه بعد رشده ولم يعد الحجر عليه .. صح بيعه وشراؤه وغيرهما على الأصح إلا أن يعاد الحجر عليه.

ومنها: لو عقد الذمة لنفسه والتزم الجزية .. لزم وليس لوليه منعه، قاله في (المعتمد) في (السير).

ولو وجب عليه القصاص فصالح منه على شيء من ماله .. صح.

ومنها: لو اشترى حال حاجته إلى المطاعم ونحوها، وامتنع الولي، وعسرت مراجعة الحاكم، وانتهى الأمر إلى الضرورة .. قال الإمام: فالوجه: القطع بتجويز تصرفاته على حسب الضرورة.

ومنها: لو آجر نفسه بما له التبرع به من منافع بدنه .. صح عند الماوردي والروياني، كما صحح أنه لو أذن له في بيع شيء معين وقدر الثمن .. صح.

ومنها: لو أذن لعبده في التجارة .. فقضية إطلاق الجمهور: الجزم بصحة تصرفاته مع السفه.

وقيد صاحب (التنبيه) والجرجاني في (التحرير) الجواز بالرشد، ولا يعرف لغيرهما.

قال: (قلت: وعدم الإكراه بغير حق)؛ لقوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} .

ولا أثر لقول المكره بغير حق إلا في الصلاة فتبطل به في الأصح، ولا لفعله إلا في الرضاع، والحدث، والتحول عن القبلة، وترك القيام في الفريضة مع القدرة،

ص: 18

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكذلك القتل ونحوه في الأصح، وكل هذا يأتي في (الطلاق) إن شاء الله تعالى.

ويرد على الأول: ما لو أكرهه على طلاق زوجة نفسه، أو بيع ماله، أو عتق عبده، وما أشبه ذلك، فإن ينفذ كما سيأتي في (الطلاق) إن شاء الله تعالى.

وأما الثاني .. فيرد عليه صور:

منها: لو أكرهه على إتلاف مال الغير، أو أكله، أو تسلم الوديعة .. ضمن الجميع.

ومنها: لو أكره مجوسي مسلمًا على ذبح شاة، أو محرم حلالًا على ذبح صيد، فذبحا .. حل، وكذا لو أكرهه المجوسي على رمي صيد ففعل .. حل.

وذكر الرافعي تفقهًا: أنه لو أكره مسلم مسلمًا على الذبح .. حل.

ومنها: لو أكرهه على غسل ميت لم يتوجه عليه غسله فغسله .. صح.

ولو أكره على وطء زوجته أو أمته فأحبلها .. صح له وللزوجة الإحصان، واستقر به المهر، وأمية الولد، وأحل الزوجة للمطلق ثلاثًا فيما يظهر في جميع ذلك.

ومنها: لو حضر المحرم عرفة مكرهًا .. صح وقوفه.

واحترز عن المكره بحق؛ فيصح بيعه؛ إقامة لرضا الشرع مقام رضاه، كمن عليه دين وامتنع عن الوفاء والبيع، فإن شاء القاضي .. باع ماله بغير إذنه لوفاء الدين، وإن شاء .. عزره وحبسه إلى أن يبيعه، وكذلك من أمر عبده بالبيع فامتنع فأكرهه .. فإنه يصح؛ لأنه من الاستخدام الواجب.

فرع:

يصح بيع المصادر وبيع التلجئة على الأصح فيهما.

ص: 19

وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْمُصْحَفَ وَالْمُسْلِمَ فِي الأَظْهَرِ،

ــ

و (التلجئة): أن يخاف من ظالم على ماله، فيقول لصديقه: أبيعك مالي على أن ترده على إذا أمنته. وهم يسمونه: بيع الأمانة، وجزم في (الشامل) بصحته.

وقال الشيخ أبو نصر: إن كان له مال غير الذي باعه .. صح البيع، وإلا .. فوجهان.

قال الوزير ابن هبيرة: رأيت بخط ابن عقيل الحنبلي: أن بعض عمال كسرى أراد أن يجري نهرًا، فكتب إليه: أنه لا يجري إلا في بيت لعجوز، فأمر أن يشترى منها، فضوعف لها الثمن فلم تقبل، فكتب كسرى أن خذوا بيتها، فإن المصالح الكليات تغتفر فيها المفاسد الجزئيات.

قال ابن عقيل: وجدت هذا صحيحًا؛ فإن الله –وهو الحكم العدل- يبعث المطر والشمس، وإن كان الحكيم القادر لم يراع نوادر المضار لعموم المنافع .. فغيره أولى. وفي الاستدلال بهذا نظر لا يخفى.

قال: (ولا يصح شراء الكافر المصحف والمسلم في الأظهر)؛ لما في شراء المصحف من الامتهان وفي المسلم من الإذلال.

والثاني –وبه قال أبو حنيفة-: يصح، لأن الشراء سبب من أسباب الملك فيملكهما، قياسًا على الإرث، ولكن يؤمر بإزالة الملك عنهما.

وعلى هذا: ينصب القاضي من يقبضه، وقيل: يمكنه من قبضه، وقيل: يأمره بالتوكيل.

ولو قبضه بغير إذن القاضي .. صح؛ لأن التفريع على صحة البيع، والقولان جاريان في تملكه بالهبة والوصية والسلم.

والصحيح: أن كتب الحديث وآثار الصالحين كالمصحف، وجعل صاحب (البيان) كتب الفقه كذلك؛ تعظيمًا للعلم.

ص: 20

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وشذ الماوردي فجزم بجواز بيع كتب الحديث والفقه من الكافر، والخلاف في الصحة، أما الجواز .. فلا يجوز قطعًا.

وحكم البعض منهما حكم الكامل.

وفي صحة ارتهان العبد المسلم من الكافر واستئجاره منه على عمل يعمله بنفسه وجهان: أصحهما: الصحة، لكن يكره ويؤمر بإزالة الملك عن منافعه على الأصح في (شرح المهذب).

وأما ما اشتراه فأسلم .. فإنه يجبر على إزالته بلا نزاع، إما ببيع، أو هبة ونحوهما، وكذلك الوقف كما صرح به الصيمري، لكن لو وقفه على ذمي يتجه: أنه لا يكفي.

وصحح المارودي إجارته على عمل ينفرد به، وأبطلها على ما يعمله عند المستأجر كالخدمة.

أما إجارته على الذمة .. فلا خلاف في جوازها، ويجوز إيداعه عنده قطعًا؛ إذ لا ملك ولا منفعة ولا حق لازم، واستشكله الشيخ إذا كان صغيرًا، قال: والذي لا أشك فيه أنه لا يجوز إيداع المصحف عنده، وسيأتي في بابها إن شاء الله تعالى.

وأما إعارته منه .. فقطع الرافعي بجوازها وكراهتها، وفي (التنبيه): أنها حرام، وهو وجه ضعيف.

وإذا اشترى المسلم عبدًا مسلمًا لكافر بإذنه .. لم يصح إن صرح بالسفارة، وإن نواها .. وقع للوكيل، وإن اشتراه كافر لمسلم بإذنه، فإن صرح بالسفارة .. صح.

ص: 21

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والأصح في (شرح المهذب): أن المرتد لا يباع لكافر؛ لبقاء علقة الإسلام.

تنبيه:

أفهمت عبارة المصنف جواز تملك الكافر العبد والأمة الكافرين، وهو الذي أطلقه الأصحاب.

وقال ابن الصلاح: التحقيق التفصيل، إن كان المملوك كافرًا كفرًا لا يقر أهله عليه كالتركي .. لم يجز أن يتملكه، وإن كان يقر عليه كالتهود والتنصير .. جاز، قال: ولا ينبغي تمكين الكافر من ابتياع مملوك فارهٍ ترفهًا، كما يمنع من ركوب الخيل وبالسرج.

و (الشراء) يمد ويقصر، والأفصح مده، وجمعه أشرية، كرداء وأردية، وسقاء وأسقية، وكساء وأكسية.

و (المصحف) مثلث الميم، كما تقدم في (باب الأحداث).

فرع:

يجوز بيع المصحف من المسلم، وإجارته، ونسخه بالأجرة، وقد قيل: الثمن يتوجه إلى الدفتين لا إلى كلام الله عز وجل.

ص: 22

إِلَّا أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ فِي الأَصَحِّ،

ــ

وقيل: إنه بدل أجرة النسخ.

لكن يكره بيعه في أصح الوجهين، وهو المنصوص، ولا يكره شراؤه.

ويجوز بيع الكتب التي فيها منفعة كالطب والحساب والشعر المباح المنتفع به، ولا يجوز بيع كتب الكفر والتنجيم والشعبذة والفلسفة، بل يجب إتلافها؛ لتحريم الاشتغال بها.

وقال صاحب (الوافي): لا يصح بيع التوراة والإنجيل إلا أن ينتفع بورقها أو جلدها.

قال: (إلا أن يعتق عليه، فيصحُّ في الأصح)؛ لانتفاء الإذلال، ولأنه يحصل له من العلو بالحرية أكثر ما يحصل له بهوان الرق.

والثاني: لا يصح؛ لما فيه من ثبوت الملك له على المسلم.

والأصح: أنه لو اشتراه بشرط العتق .. صح. وقيل: يتخرج على الخلاف.

وقوله: (فيصح) مرفوع؛ أي: فإنه يصح، وبالنصب يفسد معناه.

ولا يكره للمسلم بيع عبده الكافر من كافر كبيرًا كان أو صغيرًا، لكن الأولى أن لا يبيعه الصغير.

وقال أحمد: لا يجوز أن يبيعه الصغير؛ لأنه ينشأ على دين مالكه.

مهمة:

قال المحاملي في (اللباب): لا يدخل عبد مسلم في ملك كافر ابتداء إلا في ست مسائل: بالإرث، والاسترجاع بإفلاس المشتري، والرجوع في هبته لولده، وإذا

ص: 23

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رد عليه بعيب، وإذا قال لمسلم: أعتق عبدك عني، وإذا كاتب عبده ثم عجز عن الوفاء .. فله تعجيزه.

ص: 24

وَلَا الْحَرْبِيِّ سِلَاحًا، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

قال في (الروضة): في هذه تساهل؛ فإن المكاتب لم يزل الملك عنه ليتجدد بالتعجيز.

قال: وترك سابعة، وهي: إذا اشترى من يعتق عليه، ووافقه ابن الرفعة على ذلك، وأهملا:

ما إذا رجع بتلف مقابله قبل القبض.

وإذا جعل العبد صداقًا لكافرة فأسلم في يدها ثم رجع إلى الزوج.

وإذا أقرض العبد فأسلم في يد المقترض فرجع فيه.

وإذا باعه بثوب ثم وجد بالثوب عيبًا فرد الثوب واسترده.

وإذا باعه عبدًا مسلمًا ثم تقايلا.

وإذا أسلم عبد الكافرين قبل القبض .. فالأصح عدم البطلان ويقبضه الحاكم.

وإذا تفاسخا في زمن الخيار وكان قد أسلم.

وإذا التقطه فأسلم ثم أقام ذمي بينة بملكه.

وإذا اعتق الكافر نصيبه من عبد مسلم .. فإن الباقي يدخل في ملكه ويقوم عليه.

وإذا رُد عليه لفوات شرط، ونحو ذلك.

قال: (ولا الحربي سلاحًا والله أعلم)؛ لأنه مستعد لقتالنا فيكون تسليمه معصية فيصير معجوزًا عن تسليمه شرعًا فلا يصح.

وفي وجه: يصح ويؤمر بإزالة الملك كالعبد المسلم، وأجمعوا على أنه حرام.

واحترز بـ (الحربي) عن الذمي، وعن بيعه للبغاة وقطاع الطريق، والأصح فيها: الجواز.

وكذلك يجور رهنه عند غير الحربي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند أبي شحيمة اليهودي.

ص: 25

وَلِلْمَبِيعٍ شُرُوطٌ: طَهَارَةُ عَيْنِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُّ بَيْعُ الْكَلْبِ

ــ

لكن أفهمت عبارة المصنف جواز بيعه لمن دخل إلينا بأمان، والمتجه فيه: المنع؛ لأن الظاهر إمساكه عنده إلى حين عوده، ولأن الحرابة فيه متأصلة، والأمان عارض، والسلاح عدة المقاتل.

والمراد به هنا: ما يستعان به على المحاربة وإن صرحوا في (باب صلاة الخوف) و (قسم الغنائم) بأن الترس والدرع ليسا منه.

ويحرم بيع الخيل أيضًا من الحربي؛ لأنها أعظم عدة للقتال.

وفهم من التعبير بـ (السلاح) جواز بيع الحديد، وبه صرح الرافعي، وعلله بأنه لا يتعين جعله سلاحًا، فإن غلب على الظن أنهم يعملونه سلاحًا .. كان كبيع العنب لعاصر الخمر، وقد تعرض المصنف له في آخر (باب المناهي).

قال: (وللمبيع شروط) عدها الغزالي خمسة:

أن يكون طاهرًا، منتفعًا به، مملوكًا، مقدورًا على تسليمه، في مال معين.

واعترض في (المطلب) على حصره بالربويات فإن لها شروطًا أخرى.

وقد يستغنى بالملك عن الطهارة؛ فإن النجس لا يثبت فيه ملك بل اختصاص، وأما القدرة على التسليم والعلم به وكون الملك لمن له العقد .. فشروط في العاقد، فرجعت الخمسة إلى اثنين: أن يكون مملوكًا، منتفعًا به.

وحده الإمام بكونه مقدورًا على تسليمه شرعًا.

قال: (طهارة عينة)؛ لأن النجس محرم الأكل وما حرم أكله حرم بيعه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء .. حرم عليهم ثمنه) رواه أحمد [1/ 247] وأبو داوود [3488] بإسناد صحيح.

قال: (فلا يصح بيع الكلب)؛ لما روى الشيخان [خ 2086 - 1567]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمنه).

ص: 26

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإن قيل: إنه نهى عن بيع الكلب إلا كلب صيد .. فالجواب: أن هذا الاستثناء لم يثبت، إنما ثبت في الاقتناء.

فروع:

يجوز اقتناء الكلب للصيد وللزرع- وفي معناه: النخل والكرم وسار الشجر -وللماشية- وفي معناها: الخيل، والبغال، والحمير، وحراسة أهل البوادي وسكان الخيام وأهل الحصون والبيوت المفردة في أطراف الرساتيق والدروب- وللحراسة في السفر على الأصح فيهما.

وتجوز تربية الجرو الصغير لما يباح اقتناء الكبير له في الأصح.

ولو أراد اتخاذ الكلب ليصطاد به إذا أراد ولا يصطاد في الحال، أو ليحفظ الزرع والماشية إذا صارا له .. لم يجز في الأصح.

والكلب الكلِب والعقور يقتلان، وأما غيرهما .. فتقدم أن المنصوص: جواز قتلها.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (من اقتنى كلبًا إلا كلب صيد نقص من أجره كل يوم قيراطان).

قيل: قيراط من عمل الليل، وقيراط من عمل النهار.

وقيل: من الفرض والنفل.

فلو تعددت الكلاب .. ففي تعدد القيراط نظر، وأفتى الشيخ بعدم تعدده، كما لو ولغت في إناء، فإنه يغسل سبعًا على الأصح.

ص: 27

وَالْخَمْرِ وَالْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ، وَكَذَا الدُّهْنُ فِي الأَصحِّ

ــ

قال: (والخمر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) رواه الشيخان [خ 2236 - م1581].

وفي وجه: يجوز بيع الخمر المحترمة، ويكره اقتناء العذرة والميتة، وقال صاحب (المهذب): لا يجوز، وحمل على التنزيه.

ويكره اقتناء السرجين، والوقود به، وتربية الزرع والبقول به.

قال: (والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره كالخل واللبن) قال في (شرح المهذب): لا خلاف في ذلك، واحترز عما يمكن تطهيره كالثوب المتنجس وما في معناه؛ فإن يصح بيعه قطعًا، إلا أن تستره النجاسة فيجري فيه قولا بيع الغائب.

قال شيخنا: ومقتضى كلام المصنف: أن الآجر واللبن وغيرهما مما يعجن بالزبل ونحوه لا يصح بيعه، ويلزم منه امتناع بيع الدور ونحوها.

قال: (وكذا الدهن في الأصح) هذا معطوف على الخل واللبن لا على المتنجس، والخلاف فيه مرتب على الخلاف في تطهيره: إن قلنا: لا يطهر وهو الأصح .. لم يصح بيعه، وإلا .. فوجهان:

أصحهما: أنه لا يصح أيضًا؛ للأمر بإراقة السمن الذائب الذي وقعت فيه الفأرة.

ص: 28

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والثاني: يجوز كالثوب المتنجس، أما الدهن النجس كودك الميتة .. فلا يطهر ولا يجوز بيعه اتفاقًا.

فروع:

بيع الماء النجس على الوجهين.

وتصح الوصية بالزيت النجس والتصدق به على جهة نقل اليد، وعلى جهة التمليك ممتنع.

وقال المصنف: ينبغي القطع بصحة الصدقة به للاستصباح ونحوه.

والند المعجون بالخمر قال بان الصباغ والروياني: لا يجوز بيعه، وقال الرافعي: ينبغي أن يجوز كالثوب النجس؛ لإمكان تطهيره بنقعه في الماء.

وفي تنجيس المتبخر به الوجهان في دخان النجاسة.

وفي جواز بيع الزباد وجهان مبنيان على طهارته.

ولا يجوز بيع الدرياق الذي فيه لحوم الحيات؛ لنجاسته، ويباح أكله للضرورة.

ويجوز بيع القز وفي باطنه الدود الميت للضرورة سواء باعه وزنًا أو جزافًا، صرح به القاضي وغيره، وقال الإمام: إن باعه وزنًا .. لم يجز، وإن باعه جزافًا .. جاز.

حادثة:

سئل الشيخ عن الوشم النجس الذي لا يمكن زواله من البدن: هل يمنع صحة البيع.

ص: 29

الثَّانِي: النَّفْعُ،

ــ

كالأعيان التي لا يمكن تطهيرها أو يكون كالثوب المصبوغ بصبغ نجس فيصح بيعه على رأي الغزالي دون غيره؟

فقال: الذي أراه القطع بصحة البيع وأن الوشم النجس لا يمنع من ذلك؛ لأن اليد المشتملة على الوشم ليست مبيعة ولا جزءًا من المبيع، إنما هي وصف بلا خلاف؛ لأنها لا يقابلها قسط من الثمن، وأحد العبدين جزء بلا خلاف.

والسقف: هل هو جزء أو وصف؟ فيه خلاف.

والأعيان التي يمكن تطهيرها مبيعة، وكل جزء منها مبيع مقابل بقسط من الثمن، والصبغ النجس في الثوب كالجزء، ألا ترى أن صاحبه يكون شريكًا لصاحب الثوب بجزء من الثمن، فلا ينكر جريان خلاف فيه.

وأما يد العبد والجارية .. فلا تشبه الصبغ ولا جزء الأعيان النجسة.

والمقصود من بيع الحيوان: صورته ومعناه، وهو المشار إليه بـ (أنا) الذي نتكلم فيه في أصول الدين، فذلك المعنى المشار إليه هو المبيع المعبر عنه بالنفس، ولا غرض للفقيه في تحقيق ذلك.

قال: فلذلك أقطع بصحة بيع الجارية المشتملة على الوشم النجس؛ لأنه لم تنقص به عين ولا قيمة.

قال: (الثاني: النفع)؛ لأن بذل المال في مقابلة ما لا منفعة فيه سفه، وأكل ثمنه من أكل أموال الناس بالباطل وقد نهى الله تعالى عن ذلك.

وفوات النفع قد يكون حسًا وقد يكون شرعًا كما سيأتي، ولا فرق في ذلك بين النفع الواقع والمتوقع، فيجوز بيع الجحش الصغير والعبد الزمن بالاتفاق، بخلاف الحمار الزمن في الأصح، وقيل: يصح؛ لغرض الجلد.

ويصح أيضًا بيع الطاووس ونحوه؛ للاستمتاع بصورته، والعندليب ونحوه؛

ص: 30

فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ،

ــ

للاستمتاع بصوته، كذا جزم به الشيخان، لكنهما حكيا في الاستئجار لهذا الغرض خلافًا لم يذكراه هنا.

و (العندليب) جمعه عنادل، وهو: الهزار.

ومثل الرافعي بالزرزور أيضًا، واعترض عليه بأنه مأكول.

ويجوز بيع ما ينتفع بتعلمه كالقرد، أو بصيده كالصقر والهرة، وما رواه مسلم [1567] من حديث جابر رضي الله عنه:(من النهي عن ثمنها) فمحمول على الكراهة أو على الوحشية التي لا نفع فيها، وشذ ابن القاص فمنع بيعها لظاهر الحديث.

فرع:

بيع الدار التي لا ممر لها، إن كانت ملاصقة لدار المشتري أو الشارع .. يصح بيعها، وإلا .. فلا.

قال: (فلا يصح بيع الحشرات) وهي: صغار دواب الأرض، واحدها حشرة -بفتح الحاء والشين، وحكى ابن الصلاح في (مشكله): إسكانها- وذلك كالعقارب والخنافس والنمل ونحوها، فلا يصح بيعها؛ لعدم النفع بها، ولا نظر إلى منافعها المذكورة في الخواص؛ لأن تلك المنافع لا تلحقها بالأموال.

لكن يستثنى العلق فيجوز بيعه على الأصح؛ لمنفعة امتصاص الدم.

وقيل: يجوز بيع النمل بعسكر مكرم وهي: مدينة بقرب شيراز؛ لأنه يعالج به السكر، وبنصيبين، لأنه تعالج به العقارب الجرارة.

فرع:

السموم التي يقتل كثيرها وقليلها ولا تستعمل في الأدوية لا يصح بيعها على الأصح، خلافًا للغزالي وشيخه وشيخ شيخه.

ص: 31

وَكُلِّ سَبُعٍ لَا يَنْفَعُ، وَلَا حَبَّتَيِ الْحِنْطَةِ،

ــ

وأما الذي يقتل كثيره وينفع قليله في الأدوية كالسقمونيا والأفيون -وهو لبن الخشخاش- فصححه الشيخان جواز بيعه.

وقال القاضي أبو الطيب: يجوز بيع قليله دون كثيره، ورده ابن الصباغ.

والصواب: تحريم بيع الأفيون والتجارة فيه؛ لأنه مسكر مخذل مفسد للعقول والأبدان والأديان.

قال: (وكل سبع لا ينفع) كالتي لا يصاد بها ولا يقاتل عليها؛ لأن بذل المال في مقابلتها سفه، ولا يعتبر باقتناء الملوك لها للهيبة.

وقيل: يجوز بيع السباع؛ للانتفاع بجلودها بعد الدبغ.

ولا يجوز بيع الطيور التي لا نفع فيها، ولا نظر إلى ما يتخذ من أجنحتها من الفائدة.

ومنهم من لم يجر الوجه في الطيور؛ فإن الجلد يمكن تطهيره، بخلاف الأجنحة.

أما التي تصلح للاصطياد كالفهد، أو للمقاتلة كالفيل .. فيجوز بيعها وفي الفيل وجه.

ومثل الرافعي لما لا ينتفع به بالنمر، وهو قد جزم في (باب الصيد) بأنه يصلح له، ونقله عن الشافعي والأصحاب، وأنكر على الغزالي عده مما لا يصلح لذلك!

قال (ولا حبتي الحنطة)؛ لسقوط منفعتها لقلتهما، ولا نظر لظهور النفع بهما إذا ضُمَّتا إلى أمثالهما، ولا إلى وضعهما في الفخ، ولا فرق بين زمان الرخص والغلاء اتفاقًا.

وأغرب المتولي فحكى وجهًا بجواز بيعهما.

ص: 32

وَآلَةِ اللَّهْوِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الآلَةِ إِنْ عُدَّ رُضَاضُهَا مَالًا

ــ

وعلى الوجهين: لا يجوز للغير أخذهما، فإن أخذهما .. لزمه ردهما، فإن تلفتا .. لم يضمنهما؛ إذ لا مالية لهما.

قال: (وآلة اللهو) أي: المحرم؛ لسقوط النفع بها شرعًا، ويدل له ما تقدم من النهي عن بيع الأصنام، وسيأتي في (الشهادات) بيان الآلة المحرمة.

ومراد المصنف: أن كل ما هيئ لغرض محرم لا يصلح لغيره كآلات الملاهي والمزامير والطنابير .. لا يجوز بيعها.

قال: (وقيل: يصح في الآلة إن عد رُضاضها مالًا)؛ لأن فيها نفعًا متوقعًا، فأشبه الجحش الصغير.

والخلاف جار في بيع الأصنام والصور إذا كان رضاضها ينتفع به بعد كسرها.

وفي وجه ثالث –اختاره الإمام والغزالي-: إن كانت من جواهر نفيسة كالذهب والفضة والنحاس .. صح بيعها على هيئتها، وإن كانت من حجر أو خشب ونحوه .. لم يصح.

و (الرضاض) –بضم الراء-: المكسَّر.

فروع:

يصح بيع إناء الذهب والفضة قطعًا وإن كان محرم الاستعمال؛ لأن المقصود منه عين النقدية.

والأصح: أنه لا يصح بيع النرد مطلقًا.

وقال المتولي: إن صلح لبيادق الشطرنج .. صح، وإلا .. فلا.

ويكره بيع الشطرنج كاللعب به.

والجارية المغنية إن اشتراها بقيمتها غير مغنية .. صح، وإن اشتراها بزيادة عليها

ص: 33

وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ عَلَى الشَّطِّ، وَالتُّرَابِ بِالصَّحْرَاءِ فِي الأَصَحِّ

ــ

من أجل الغناء

قال المحمودي: لا يصح؛ لأنه بذل مال في مقابلة معصية.

وقال الأودني: يصح بكل حال، وهذا هو الأصح.

وقال الرافعي في (الصداق): المسألة مفرعة على أنها لو غصبت فنسيت الألحان في يد الغاصب، هل يرد معها ما نقص من قيمتها أو لا؟

قال الشيخ: والذي يقتضيه الفقه والنظر الصحيح: أن الغناء المحرم لا يضمن بالأرش ولا يقابل بالثمن قطعًا، فإن شرطه في البيع .. لم يصح قطعًا، وإن لم يشرطه .. صح؛ لأن المبيع نفس الجارية.

قال ابن الرفعة: ومحل الخلاف في الغناء المحرم، وهو ما كان بآلة محرمة، أما بغير آلة .. فيباح للسيد فلا منع منه، وإن كانت المشترية امرأة .. فأولى بالجواز.

ويجرى الخلاف فيما إذا باعه ديكًا هراشًا أو كبشًا نطاحًا بزيادة على قيمتها مجردين عن الوصفين، وقد قال القاضي حسين: إذا أتلفهما .. لزمه قيمتهما بغير وصفيهما ولا اعتبار بزيادة القيمة بذلك.

وأفتى ابن الصلاح في الجارية اشترتها مغنية وحملتها على الفساد: أنها تباع عليها، واستند فيه إلى ما نقله القاضي حسين: أن السيد إذا كلف عبده من العمل ما لا يطيق .. بيع عليه، والنقل غريب، والمسألة حسنة.

ونازعه برهان الدين بن الفركاح في ذلك وقال: قد روى مسلم [1661/ 38]: (ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، إن كلفتموهم .. فأعينوهم) ولم يقل: فبيعوهم.

قال: (ويصح بيع الماء على الشط، والتراب بالصحراء في الأصح)؛ لاجتماع شرائط المبيع فيه، وكثرة ذلك في ذلك المكان لا يخرجه عن كونه مالًا.

والثاني: لا يصح؛ لأن بذل المال في مقابلته ضياع.

ص: 34

الثَّالِثُ: إِمْكَانُ تَسْلِيمِهِ،

ــ

ويجري الوجهان في كل ما يوجد مباحًا بلا مؤنة كبيع الصخرة في الشعاب الكثيرة الصخور.

وينبغي تخصيص الخلاف بما إذا لم يكن في المبيع وصف مقصود زائد كالتبريد ونعومة التراب، إن كان .. صح البيع قطعًا والتفريع على صحة بيع الماء وأنه يملك، وهو الصحيح.

وفيه وجه يأتي في (إحياء الموات) إن شاء الله تعالى: إنه لا يملك، فلا يجوز بيعه مطلقًا.

و (الشط): جانب الوادي والنهر، ونبه في (الدقائق) على أن هذه اللفظة زادها على (المحرر).

فرع:

بيع لبن الآدميات مبني على الخلاف في طهارته.

وفي وجه: يجوز بيع لبن الأمة دون الحرة ومنع الأنماطي بيعه مطلقًا.

وأما لبن الرجل .. فلا يجوز بيعه؛ إذ لا يحل شربه بحال.

وفي بيع لبن ما لا يؤكل لحمه وبيضه خلاف مبني على طهارته أيضًا.

قال: (الثالث: إمكان تسليمه)؛ ليتوثق بالمقصود منه، وفي (صحيح مسلم) [1513]:(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر).

قال الماوردي: الغرر ما تردد بين متضادين أغلبهما أخوفهما.

وقيل: ما انطوت عنا عاقبته، وذلك موجود في جميع ما يذكره المصنف.

واعترض في (المطلب) بأن التسليم فعل البائع، وسيأتي في (بيع المغصوب): أن قدرة البائع ليست بشرط، فالصواب: التعبير بالتسلُّم –بضم اللام- وكان ينبغي التعبير بالقدرة بدل الإمكان؛ فإنه لا يلزم من ثبوت إمكانه القدرة عليه.

ص: 35

فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الضَّالِّ وَالآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ. فَإِنْ بَاعَهُ لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ .. صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ

ــ

قال: (فلا يصح بيع الضال والآبق) وكذلك منقطع الخبر والفرس العائر والبعير الناد؛ لما روى أحمد [3/ 42] وابن ماجه [2196]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن بيع ما في ضروعها إلا بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص؛ وهي: أن يقول: أغوص لك في البحر غوصة بكذا فما أخرجته .. فهو لك) فنهى عنه؛ لأنه غرر، وسواء عرف موضع الآبق ونحوه أم لا.

ولا يشترط اليأس بل يكفي ظهور التعذر.

قال الرافعي: وقد أحسن بعضهم فقال: إذا عرف مكانهما وعلم أنه يصل إليهما إذا أراد .. صح البيع.

قال في (شرح المهذب): والمذهب الأول.

وقال الدارمي: لو قال: الآبق عندي فبعنيه .. صح بيعه منه جزمًا.

فإن قيل: عتْق الضال والآبق جائز قطعًا وتقدم: أنه يجوز بيع العبد الزمن لمنفعة الإعتاق فينبغي أن يجوز بيعهما لذلك .. فالجواب: أن شرط المبيع موجود في العبد الزمن دونهما، وقد روى الأربعة بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبع ما ليس عندك)، وهما ليسا عنده.

قال: (والمغصوب)؛ لعدم القدرة على تسليمه، أما بيعه للغاصب .. فصحيح قطعًا، وكذلك البيع الضمني كأعتق عبدك عني بكذا فيعتقه وهو مغصوب فيصح.

ويجوز تزويج الآبقة والمغصوبة وإعتاقهما، ولا تصح كتابة المغصوب وإجارته ورهنه وهبته كبيعه.

قال: (فإن باعه لقادر على انتزاعه .. صح على الصحيح)؛ لأن المقصود وصوله إليه وهو متيسر عليه.

ص: 36

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الإِنَاءِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا،

ــ

والثاني: لا يصح؛ لأن التسليم واجب على البائع وهو عاجز عنه.

ويجريان في بيع الآبق لمن يسهل عليه رده.

فلو ادعى المشتري العجز والبائع عدمه .. حلف المشتري وله الفسخ، قاله الماوردي، وهو تفريع على: أنه لا خيار له مع القدرة على الانتزاع، وهو أضعف الوجهين عند الإمام.

وبيع النحل في الكوارة صحيح إن شاهد جميعه، وإلا .. فهو بيع غائب، فإن باعها وهي طائرة .. صح في الأصح.

وصورة المسألة: أن يكون اليعسوب فيها.

والفرق بينها وبين باقي الطير: أنها لا تقصد بالجوارح، وتأكل غالبًا مما ترعاه، فلو توقف صحة بيعها على حبسها .. لربما أضر بها أو تعذر بسببه بيعها بخلاف غيرها.

وقال أبو حنيفة: لا يصح بيعها كسائر الحشرات.

واحتج أصحابنا بأنها منتفع بها بخلاف الحشرات.

ولو باع سفينة في اللجة لا يقدر حين البيع على تسليمها .. لا يجوز سواء كان فيها أم لا، فإن قدر .. جاز.

وسيأتي في (الإجارة): أنه لا يجوز أن يستأجر البركة لأخذ السمك منها.

قال: (ولا يصح بيع نصف معين من الإناء والسيف ونحوهما) أي: مما تنقص قيمته بكسره أو قطعه كثوب نفيس ونصل ونحو ذلك؛ لأن الشرع نهى عن إضاعة المال. وفي الثوب وجه: أنه يصح؛ لأن البائع رضي به، فأشبه ما إذا باع أحد الخفين، وصححه صاحب (التقريب) وهو القاسم بن القفال الشاشي، ووافقه القاضي أبو الطيب والماوردي واختاره الشيخ.

والفرق على المذهب: أن النقص ليس في نفس الخف بل في التفريق.

ص: 37

وَيَصِحُّ فِي الثَّوْبِ الَّذِي لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ فِي الأَصَحِّ،

ــ

قال الرافعي: والقياس جريان الوجهين في الإناء والسيف ونحوهما، وقد يفرق بأن الثوب نسج ليقطع بخلاف الإناء والسيف.

قال المصنف: وطريق من أراد شراء ذراع من ثوب –حيث قلنا: لا يصح-: أن يواطئ صاحبه على شرائه ثم يقطعه قبل الشراء ثم يشتريه بعد قطعه، فيصح بلا خلاف.

قال الشيخ: وفي هذا: تسليم أن فعل ذلك حلال وليس من إضاعة المال التي لا لغرض حتى يحرم، وذلك يقتضي صحة البيع.

واحترز بـ (المعين) عن المشاع؛ فإنه يصح، أما لو باع جذعًا من بناء .. فلا يصح؛ لأن الهدم يوجب النقص، وكذا لو باع فصًا من خاتم.

قال: (ويصح في الثوب الذي لا ينقص بقطعه في الأصح) كالكرباس؛ لزوال المحذور.

والثاني: لا يصح؛ لأن القطع لا يخلو من تغيير عين المبيع.

فروع:

أفتى ابن الصلاح بأنه لا يصح بيع ثلاثة أذرع من الأرض مثلًا ليحفرها ويأخذ ترابها؛ لأنه لا يمكن أخذ تراب الثلاث إلا بحفر أكثر منها.

ولو باع جزءًا معينًا من حيوان .. لم يصح كقطعة معينة من سيف.

قال البغوي: فإن باعه بعد الذبح .. صح.

وبيع الصوف على ظهر الغنم في حياتها إن أطلق وشرط الجز من أصله .. باطل، وكذا إن أطلق شرط الجز في الأصح، وإن عين موضعه .. صح، وللغزالي فيه احتمال.

وبعد موتها يصح قطعًا؛ إذ ليس في استيعابه إيلام.

وقال القاضي حسين: لا؛ لأنه يتعيب به الجلد.

ص: 38

وَلَا الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إِذْنِ مُرْتَهِنِهِ، وَلَا الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ فِي الأَظْهَرِ وَلَا يَضُرُّ تَعَلُقُهُ بِذِمَّتِهِ،

ــ

قال: (ولا المرهون بغير إذن مرتهنه) أي: بعد القبض وقبل فكاك الرهن سواء عاد إلى يد الراهن أم لا؛ لأنه عاجز عن تسليمه شرعًا، والمصنف أعاد المسألة في (كتاب الرهن)، لكن بيعه من المرتهن صحيح؛ لزوال المانع.

وحكى الإمام عن شيخه ترددًا فيما إذا ابتدأ الراهن بشق الإيجاب.

ويلتحق بالمرهون كل عين استحق مستحق حبسها إما للعمل فيها، كما لو استأجر صباغًا ليصبغ له الثوب، أو صائغًا ليصوغ له الذهب، أو قصارًا ليقصر له الثوب، أو خياطًا ليخيطه .. فلهم الحبس إلى استيفاء الأجرة، فلا يصح بيعه قبل العمل في الأول، ولا قبل استيفاء الأجرة في الثاني.

ومن القسم الأول: بيع الأشجار المساقى عليها قبل انقضاء المدة.

قال: (ولا الجاني المتعلق برقبته مال في الأظهر) كالمرهون وأولى؛ لأن الجناية تقدم على الرهن.

والثاني: يصح ويصححه الغزالي؛ لأن السيد لم يحجر على نفسه، بخلاف الراهن.

والثالث: أنه موقوف، إن فدى .. نفذ، وإلا .. فلا.

كل هذا: إذا باعه موسرًا وكان البيع قبل اختيار الفداء، فإن كان معسرًا .. بطل -وقيل: على الخلاف- وإن كان بعد اختيار الفداء .. صح، كذا أطلقه في (التهذيب).

ومقتضاه: أن السيد إذا اختار الفداء .. يلزمه، والأصح: المنع كما ذكره المصنف في بابه، ولا يخفى أن محل المنع إذا باعه لغير حق الجناية.

قال: (ولا يضر تعلقه بذمته) كما إذا اشترى شيئًا بغير إذن سيده وأتلفه كما سيأتي في (باب معاملات العبيد)، وهذا لا خلاف فيه؛ لأن البيع إنما ورد على العين

ص: 39

وَكَذَا تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ في الأَظْهَرِ. الرَّابعُ: الْمِلْكُ لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ،

ــ

ولا حجر للسادة على ذمم عبيدهم، وكذا لا يضر التعلق بكسبه أيضًا كما إذا زوجه.

قال: (وكذا تعلق القصاص في الأظهر)؛ لأنه مرجو السلامة بالعفو.

والثاني: لا يصح؛ لأن المستحق يجوز له العفو على مال وقد تقدم أن تعلق المال مانع.

وقيل: موقوف، إن فداه .. صح، وإلا .. فلا.

وموضع الخلاف: إذا تعلق بجملته، فإن تعلق ببعض أعضائه .. صح قطعًا.

وحذف المصنف لفظ (الرقبة)؛ لدلالة ما قبله عليه.

ومما يندرج في هذا الشرط: بيع الثوب الذي يحتاج إلى التستر به وقد دخل وقت الصلاة، والماء الذي يحتاج إلى الوضوء به ولم يجد غيره.

قال: (الرابع: الملك لمن له العقد)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق إلا فيما يملك، ولا عتق إلا فيما يملك، ولا بيع إلا فيما يملك) قال الترمذي [1181]: حسن.

وإنما عبر بقوله: (لمن له العقد)؛ ليدخل المالك، والوكيل، وولي المحجور عليه، والقاضي في بيع مال الممتنع من وفاء دينه، والملتقط للحيوان ونحوه بشرطه.

وينبغي أن يزاد في هذا الشرط قيد التمام –ليخرج بيع المبيع قبل قبضه، فإنه لا يصح كما سيأتي- مع وجود الملك وشملته عبارته.

لكن يرد عليها الفضولي؛ فإن العقد عند من يصححه يقع للمالك موقوفًا على إجازته، والمقصود إخراجه، فلو قال:(أن يكون للعاقد عليه ولاية) كما في (الحاوي الصغير) .. لكان جامعًا مانعًا.

ص: 40

فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ، وَفِي الْقَدِيمِ: مَوْقُوفٌ؛ إِنْ أَجَازَ مَالِكُهُ .. نَفَذَ، وَإِلَّا .. فَلَا. وَلَوْ بَاعَ مَالَ مْوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ وَكَانَ مَيْتًا .. صَحَّ فِي الأَظْهَرِ

ــ

قال: (فبيع الفضولي باطل)؛ لعموم ما تقدم.

قال: (وفي القديم) ونص عليه في الجديد (موقوف؛ إن أجاز مالكه .. نفذ، وإلا .. فلا)؛ لحديث عروة البارقي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارًا يشتري به شاة، فاشترى به شاتين، فباع إحداهما بدينار ثم أتاه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب .. لَربح فيه) رواه أبو داوود [3384] وابن ماجه [2402] بإسناد صحيح، ورواه البخاري [3642] مرسلًا في (باب علامات النبوة) لكن بإسناد منقطع، وإنما أخرجه؛ لأجل قطعة منه مسندة.

والحق: إنه مرسل؛ لجهالة الحي؛ فلذلك لم يحتج به الشافعي رضي الله عنه هنا، واحتج به في: أن من وكل في شراء شاة بدينار .. له أن يشترى شاتين بدينار، على قاعدته في الاحتجاج بالمرسل إذا وافق القياس دون ما إذا خالفه.

وبيع الفضولي مخالف للقياس، والقولان جاريان في كل عقد يقبل النيابة كالإجارة والهبة والعتق والنكاح والطلاق وغيرها، فلو عبر بالعقد بدل البيع .. لشمله.

ثم المعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد، فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز .. لم ينفذ.

قال: (ولو باع مال مورثه ظانًا حياته وكان ميتًا .. صح في الأظهر)؛ لأنه مالك صدر منه العقد.

والثاني: يبطل؛ لأنه متلاعب، لاعتقاده أن المبيع لغيره.

هذا إذا لم يكن معه وارث آخر، فإن كان .. خرج بيع نصيبه على قولي تفريق الصفقة وبطل في نصيب غيره.

ص: 41

الْخَامِسُ: الْعِلْمُ بِهِ،

ــ

ويجري القولان فيما إذا باع العبد ظانًا أنه آبق أو مكاتب فإذا هو قد رجع أو فسخ الكتابة، وفيما إذا زوج أمة أبيه أو أعتق عبده ظانًا حياته فإذا هو ميت.

قال الشيخ: كذا جزموا به، وفيه إشكال؛ لأنهم احتاطوا في النكاح وقالوا: لو تزوج خنثى ثم بان رجلًا .. لم يصح قطعًا، وكذا: لو تزوج من يشك في كونها محرمة عليه، فكيف يصح هنا مع الشك؟!

ولو قال: إن كان أبي قد مات فقد بعتك ما له .. ففيه القولان، وأولى بالبطلان.

قال الشيخ: ويعبر بقولَي وقف العقود عن ثلاث مسائل:

إحداها: بيع الفضولي، وهو وقفُ صحته، ومعناه: أن الصحة ناجزة ولا يحصل الملك إلا عند الإجازة كما تقدم.

والثانية: بيع مال أبيه على ظن حياته، وهو وقفُ تبيُّنٍ، والملك فيه من حين العقد.

والثالثة: تصرفات الغاصب، مقتضى كلام الغزالي والرافعي: أنها كالأولى، ومال ابن الرفعة إلى أنها كالثانية.

قال: (الخامس: العلم به)؛ لما روى مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر)، ولا يشترط العلم من كل وجه بل بالعين والقدر والصفة، ويستثنى من ذلك صور:

منها: إذا اختلط حمام برج بآخر .. فلأحدهما البيع من الآخر في الأصح كما سيأتي في (الصيد والذبائح).

ومنها: ماء الحمام إذا جعلنا المدفوع ثمنه، ومثله الشرب من السقاء، وشرب البهيمة من الحوض مع الجهالة.

قال ابن عبد السلام: ومنها: شراء الفقاع، وما المقصود به لبه كالخشكنان.

ص: 42

فَبَيْعُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ بَاطِلٌ. وَيَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ تُعْلَمُ صِيعَانُهَا، وَكَذَا إِنْ جُهِلَتْ فِي الأَصَحِّ

ــ

ومنها: إذا باع صاعًا من صبرة مجهولة الصيعان .. فإن المبيع واحد منها.

ومنها: إذا باع المال الزكوي بعد الحول .. فإن الأصح: البطلان في قدر الزكاة، والصحة في غيره وهو مجهول العين.

قال: (فبيع أحد الثوبين باطل)، وكذلك أحد العبدين؛ لما فيه من الغرر، وأجازه أبو حنيفة في العبدين أو الثلاثة دون الثوبين أو الثياب.

و (المحرر) ذكر المسألتين، فلو ذكرهما المصنف أو اقتصر على مسألة العبدين .. كان أولى، وقد يجاب بأن البطلان في العبدين أولى، لتفاوت الغرض فيهما، فإذا بطل في الثوبين .. ففي العبدين أولى.

وكذلك الحكم لو قال: بعتك هؤلاء إلا واحدًا ولم يعينه سواء تساوت القيمة أو تفاوتت، ولا فرق بين عدد وعدد ولا بين أن يقول: على أن تختار أيها شئت أو لا.

قال: (ويصح بيع صاع من صبرة تعلم صيعانها)؛ لعدم الغرر، وينزل على الإشاعة على المذهب؛ حذرًا من إفساد العقد، فلو تلف بعضها .. تلف بقدره من مقابله، وقيل: على الإبهام، فيبقى المبيع ما بقي صاع.

و (الصبرة): الكوم المجموع من الطعام، سميت بذلك؛ لإفراغ بعضها على بعض.

والمراد بالعلم المصحح في هذه المسألة: علم المتعاقدين معًا، فلو علم أحدهما فقط .. كان على الخلاف فيما إذا جهلاه، فكان الصواب التعبير بقوله: علما.

قال: (وكذا إن جهلت في الأصح)؛ لتساوي أجزائها.

والثاني: لا يصح، وهو اختيار القفال، كذراع من أرض مجهولة الذرعان.

وأجيب عن الأول بأن الأرض تتفاوت، وعن الثاني بأن المبيع في مسألة صاع من صبرة معلومٌ، وفي الصبرة إلا صاع مجهول.

ص: 43

وَلَوْ بَاعَ بِمِلْءِ ذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً، أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ ذَهَبًا، أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ، أَوْ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ .. لَمْ يَصِحَّ

ــ

قال الإمام: ولو قال: بعتك صاعًا من باطن هذه الصبرة .. فهو كبيع الغائب.

قال: (ولو باع بملء ذا البيت حنطة، أو بزنة هذه الحصاة ذهبًا، أو بما باع به فلان فرسه، أو بألف دراهم ودنانير .. لم يصح)؛ للجهالة والغرر، ويشترط في الثالثة: أن يقول: (بمثل ما باع) أو يقصد المثلية، وإلا .. ففيه الخلاف فيما إذا قال: أوصيت له بنصيب ابني.

والأصح فيه: الصحة كما ذكره الرافعي في الكلام على بيع المرابحة.

وأشار بقوله: (حنطة) و (ذهبًا) –مُنكِّرًا- إلى أن شرط الامتناع أن يكون الثمن في الذمة، فإن كان معينًا .. صح البيع.

و (ملء البيت) مضبوط في (الشرح) و (الروضة) بالنصب بغير حرف جر على أنه مبيع وما بعده ثمن.

وفي (المحرر) و (المنهاج) بحرف الجر على أن المسائل الأربعة التي ذكراها في الثمن، والحكم صحيح، لكن الأول أحسن؛ لأن الكلام في أقسام المبيع لم يفرع وإنما يذكر الثمن معه تبعًا.

وصورة المسألتين: أن يكون ملء البيت وزنة الحصاة مجهولين، فإن كانا معلومين .. صح، فلو قال: بعتك بملء ذا البيت من هذه الحنطة .. فلا يظهر إلا الصحة؛ لإمكان الاستيفاء قبل التلف، قاله ابن الرفعة.

وأورد على الصورة الرابعة: أنه لم لا يصح ويحمل على التشطير إذا صححنا البيع بالكناية كما إذا قال: قارضتك على أن الربح بيننا أو أشركتك معي، وكذا لو استأجر أرضًا ليزرع ويغرس .. صح في وجه، وحمل على التشطير في الجميع.

ولو قال: هذا لزيد وعمرو، أو وقفت على زيد وعمرو، أو أوصيت به لزيد وعمرو .. نزل على الشطر.

ص: 44

وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ .. تَعَيَّنَ، أَوْ نَقْدَانِ وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا .. اشْتُرِطَ التَّعْيِينُ

ــ

وحكى الرافعي فيما إذا باع بألف صحاح ومكسرة وجهين، أظهرهما: البطلان، ثم قال: ويشبه أن يجري هذا الوجه فيما ذكرناه.

وقال المصنف: لا جريان له؛ لكثرة التفاوت بين الذهب والفضة.

قال: (ولو باع بنقد وفي البلد نقد غالب .. تعين)؛ لأن الظاهر إرادتهما له، ويندرج في عبارته: ما لو كان في البلد دراهم عددية ناقصة الوزن كمكة، والأصح: تنزيل العقد عليها.

ولو قال: بوزن عشرة دراهم من فضة، ولم يبيِّن أنها مضروبة أو تبر .. لم يحمل على النقد الغالب بل يبطل لتردده، قال البغوي في (فتاويه)، ولهذا عبر المصنف بقوله:(ولو باع بنقد) ولم يقل: بذهب أو فضة، وهو من محاسن كلامه، فإن كان نقد البلد مغشوشًا .. ففي جواز المعاملة به أوجه تقدمت في (الزكاة)، أصحها: الجواز.

فعلى هذا: إذا غلب .. انصرف العقد إليه عند الإطلاق، ولو غلب من جنس العروض نوع .. انصرف عند الإطلاق إليه في الأصح كالنقد.

ولو كان الغالب في البلد فلوسًا .. تعينت ولم يحكوا فيها الخلاف الذي في العروض وإن كانت هي عروضًا في الأصح، وحينئذ فلا يحتاج فيها إلى الوزن بل يجوز بالعدد، وإن كانت في الذمة وتقويم المتلفات أيضًا .. يكون بغالب نقد البلد، فإن لم يكن فيها غالب .. عين القاضي واحدًا منها.

قال: (أو نقدان ولم يغلب أحدهما .. اشترط التعيين)؛ لأنه ليس بعضها أولى من بعض.

وصورة المسألة: إذا اختلفت قيمتها، وإلا .. فلا يجب التعيين كما قاله صاحب (البيان)، والمراد: التعيين لفظًا، فلو عينا بالنية .. لم يكف، ويكفي ذلك في نظيره من الخلع.

ص: 45

وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ،

ــ

فروع:

لو باع بنقد معين أو أطلق وحمل على نقد البلد فأبطله السلطان .. فله ما عقد به، وقيل: له الخيار، وقيل: ينفسخ البيع.

ولو باع بنقد في بلد ثم لقيه في بلد آخر لا يتعاملون به فيه فدفعه إليه .. لزمه قبوله في الأصح.

وإذا عين نقدًا لا يوجد أو يوجد في موضع لا يمكن إحضاره وقت وجوب التسليم، فإن جوزنا الاستبدال .. جاز، وإلا .. فلا.

وإذا باع بدينار صحيح فأعطى صحيحين وزنهما مثقال .. لزمه القبول.

وإن أحضر صحيحًا وزنه مثقال ونصف .. فال المتولي: يلزمه قبوله والزيادة أمانة.

والصواب الذي عليه المحققون: لا يلزمه، فإن تراضيا .. جاز، وحينئذ لو أراد أحدهما كسره .. لم يجبر الممتنع، ولو أعطاه نصفين وزنهما دينار .. لم يجب القبول.

قال: (ويصح بيع الصبرة المجهولة الصيعان كل صاع بدرهم)؛ لأن الصبرة مشاهدة، ولا يضر الجهل بمبلغ الثمن؛ لأن الجهل ينتفي بالعلم بالتفصيل كما ينتفي بالعلم بالجملة فيما إذا باع بثمن معين جزافًا.

وقيل: لا يصح البيع؛ لأنه لم يعلم مبلغ الثمن في حال العقد، فإن كانت الصبرة معلومة .. فلا إشكال في الصحة، ومثله: لو باعه قطيعًا كل شاة بدرهم .. فإنه يصح. أما لو قال: بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم .. فإنه لا يصح في شيء منها؛ لأنه لم يبع جميع الصبرة ولا عين المبيع منها.

وقال ابن سريج: يصح في صاع واحد كما قال فيما إذا أجر كل شهر بدرهم قال: والأظهر: كراهة بيع الصبرة المجهولة جزافًا، لأنه يوقع في الندم.

ص: 46

وَلَوْ بَاعَهَا بِمِئَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ .. صَحَّ إِنْ خَرَجَتْ مِئَةً، وَإِلَّا .. فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَتَى كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا .. كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ

ــ

قال: (ولو باعها بمئة درهم كل صاع بدرهم .. صح إن خرجت مئة)؛ لحصول الغرضين، وهما: بيع الجملة بالجملة، ومقابلة كل واحد بواحد.

قال: (وإلا .. فلا على الصحيح)؛ لتعذر الجمع بين الأمرين المذكورين.

والثاني: يصح؛ لإشارته إلى الصبرة ويلغو الوصف.

فعلى هذا: إن خرجت ناقصة .. فللمشتري الخيار، وإن خرجت زائدة .. فالأصح: أن الزيادة للمشتري فلا خيار له قطعًا ولا للبائع في الأصح.

وعبارته تقتضي: ضعف الخلاف وأنه وجهين، وعبر في (الروضة) بالأظهر، وهو الصواب فهو مخالف لما في الكتاب من وجهين.

ولو قال: بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم .. لم يصح على الصحيح، واختار الإمام وشيخه الصحة.

ولو قال: بعتك صاعًا منها بدرهم ومهما زاد بحسابه .. صح، قاله الرافعي في (كتاب الإجارة)، فإن عبر بقوله: على أن ما زاد فبحسابه .. لم يصح؛ لأنه شرط عقد في عقد.

ولو قال: بعتك عشرة من هذه الأغنام بكذا .. لم يصح وإن علم عدد الجميع، بخلاف مثلها في الثوب والصبرة والأرض؛ لأن قيمة الشاة تختلف.

قال: (ومتى كان العوض معينًا .. كفت معاينته) ثمنًا كان أو مثمنًا اعتمادًا على التخمين، ولا تشترط معرفة قدره بالكيل والوزن.

وفي (الذخائر) وجه: أنه لا تكفي المعاينة.

ص: 47

وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ

ــ

وإذا باع صبرة في موضع فيه انخفاض وارتفاع، أو سمنًا ونحوه في ظرف مختلف الأجزاء رقة وغلظًا .. فكبيع الغائب على الأصح.

والثاني: القطع بالصحة.

والثالث: بالبطلان.

ولو باع الصبرة إلا صاعًا، فإن كانت معلومة الصيعان .. صح، وإلا .. فلا.

قال: (والأظهر: أنه لا يصح بيع الغائب)؛ لأنه غرر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه.

قال الماوردي: ونص عليه الشافعي رضي الله عنه في ستة كتب، وسواء كان ذلك في الثمن أو المثمن، لكن يجوز للعبد أن يشتري نفسه وللحر أن يؤجر نفسه؛ لأن أحدًا لا يجهل نفسه.

قال: (والثاني: يصح، ويثبت الخيار)؛ لحديث: (من اشترى ما لم يره .. فهو بالخيار إذا رآه) لكنه ضعيف، وقال الدارقطني: باطل، وإلى هذا القول ذهب جمهور الأصحاب، ونص عليه في ستة كتب أيضًا.

ولا يثبت الخيار بزيادة ولا بما لا يكترث به من النقص.

وإذا صححنا بيع الغائب .. فلا بد من ذكر جنس المبيع على الصحيح بأن يقول: بعتك عبدي أو داري أو فرسي، ولا يجوز أن يقول: بعتك ما في كمي أو داري أو ما ورثته عن أبي إذا لم يعرفه المشتري.

وأما النوع .. فالأصح أيضًا: أنه لا بد من ذكره بأن يقول: عبدي التركي أو الحبشي وفرسي العربي أو الرومي، فإن كان أكثر من واحد من ذلك النوع .. فيذكر ما يحصل به تمييز المبيع من غيره من ذكر اسمه أو نسبة أو غيرهما، وهل يفتقر معهما إلى الصفات؟ الأصح المنصوص: لا.

ص: 48

عِنْدَ الرُّؤْيَةِ

ــ

قال: (عند الرؤية)؛ لظاهر الخبر سواء اشترطه أم لم يشترطه على الصحيح، ولا فرق بين أن يشترط ذكر الوصف فيجده كما وصفه أو لا يشترطه على الأصح.

أما قبلها .. فالأصح: نفوذ الفسخ دون الإجارة، وقيل: ينفذان، وقيل: لا ينفذان.

وظهور زيادة على الصفة المذكورة في حق البائع إذا باع ما لم يره كظهور النقصان في جانب المشتري إذا اشترى ما لم يره.

ولو حضر البائع فرأي بعضه دون بعض .. لم يبطل خياره حتى يرى جميعه.

واستفيد من لزوم ثبوت الخيار عند الرؤية: أن شراء الأعمى لا يصح وإن جوزنا بيع الغائب؛ لأنه لا يمكن إثبات الخيار له، لعدم إمكان رؤيته، وهذا هو الأصح.

وقيل: يصح ويقوم وصف غيره له مقام رؤيته.

والقولان في بيع الغائب جاريان في شرائه، وإجارته، والصلح عليه، وجعله رأس مال سَلَم إذا أُسلم في المجلس، وصحة تسميته في الصداق، والخلع، والعفو عن الدم، وفي الرهن، والهبة، وأولى بالصحة.

وقيل: يصح اتهاب الغائب ولا تصح هبته، والخلاف أيضًا جار في الوقف، لكن صحح ابن الصلاح والمصنف: الصحة، وجزم القفال في (الفتاوى) بالمنع.

فرع:

لا يشترط في صحة البيع أن يكون المشتري من أهل المعرفة بالمبيع، فلو رأى جوهرة فاشتراها وهو لا يعرف الجوهر من الزجاج .. صح.

وعن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي: أنه يشترط؛ لأن مقصود الرؤية معرفة الأوصاف.

ص: 49

وَتَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إِلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، دُونَ مَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا.

ــ

قال (وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا يتغير غالبًا إلى وقت العقد) كالأرض والحديد والأواني ونحوها؛ لأن الغالب بقاؤها على ما كانت عليه.

وشرط الصحة: أن يكون عند العقد ذاكرًا للأوصاف التي رآها، وإلا .. فهي بيع غائب، قاله ابن الرفعة تبعًا للماوردي، واستغربه في (شرح المهذب) وقال: لم يتعرض له الجمهور.

والصواب: اعتباره؛ لأن تغير الأزمان منكر للمعارف.

وشرط الأنماطي الرؤية عند العقد وهو منقول عن النص.

وقيل: إن الإصطخري ألزمه فيما إذا كان في يده خاتم فأراه غيره فنظره جميعه ثم غطاه بكفه ثم باعه منه، وفيما لو دخل دارًا ونظر إلى جميعها ثم وقف في ناحية منها واشتراها .. أنه لا يصح، فقال: لا يصح فيهما.

وهذا لا يصح؛ لأن الإصطخري لم يذكره، وإنما هذه المناظرة وقعت مع من احتج بقول الأنماطي.

قال: (دون ما يتغير غالبًا) كالفواكه والأطعمة؛ لأن الرؤية السابقة لم تفد معرفته حال العقد.

وقيل: يصح، وصححه الشيخ أبو علي في (شرح التلخيص)، وسكت المصنف عما إذا احتمل التغير وعدمه كالحيوان، وفيه وجهان: أصحهما: الصحة؛ لأن الظاهر بقاؤه بحاله.

فرع:

اختلفا: فقال المشتري: تغير عما رأيته عليه فلي الخيار، وأنكر البائع .. ففيه رأيان:

ص: 50

وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ إِنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيهِ كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ،

ــ

أحدهما –عن صاحب (التقريب) وصححه الغزالي-: أن القول قول البائع.

وأظهرهما –وهو المنصوص وقطع به صاحب (التنبيه) وغيره-: أن القول قول المشتري مع يمينه.

فرع:

رأى ثوبين فسرق أحدهما فاشترى الثاني ولا يعلم أيهما المسروق .. قال الغزالي: إن تساوت قيمتهما وصفتهما وقدرهما كنصفي كرباس واحد .. صح البيع بلا خلاف، وإن اختلفا في شيء من ذلك .. ففيه القولان في بيع الغائب.

واعترض عليه ابن الصلاح في ذلك وقال: الصواب إجراء الخلاف في صورة التساوي أيضًا، وصوب المصنف في (شرح المهذب) كلام الغزالي وأفسد قول ابن الصلاح.

قال: (وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه كظاهر الصبرة)؛ لأن الغالب فيها عدم الاختلاف، وكذلك الجوز واللوز.

وتكفي رؤية المائعات في ظروفها كالعسل والخل واللبن والدبس والزيت والسمن.

أما ما لا يدل على باقيه كصبرة البطيخ والرمان والباذنجان .. فلا بد من رؤية كل واحد منها، بل قال البغوي: إذا رأى أحد جانبي البطيخة .. كان كبيع الغائب.

ولا تكفي في سلة العنب والتين والخوخ رؤية أعلاها؛ لكثرة الاختلاف فيها، قاله المتولي والرافعي، وفي كلام الإمام ما يخالفه، فإن قال: لو اشترى قِرْطَلَّة فاكهة فظهر فيها حشوٌ جهله .. يخيَّر.

والتمر إن لم تلتصق حباته .. فصبرته كصبرة الجوز واللوز، وإن التصقت حباته كالقوصرة .. كفى رؤية أعلاها على الصحيح، والقطن في العدل كقوصرة التمر.

وإن كانت الحنطة في بيت مملوء فرأى بعضها من الكوة أو الباب .. كفى.

لكن إن باعها جزافًا .. اشترطت معرفة سعة البيت وعمقه، وإلا .. فلا، وكذا الجمد في المجمدة.

ص: 51

وَأُنْمُوذَجِ الْمُتَمَاثِلِ، أَوْ كَانَ صِوَانًا لِلْبَاقِي خِلْقَةً كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ،

ــ

قال: (وأنموذج المتماثل) هو: بفتح الذال المعجمة، والمراد: أنه إذا كان عنده قمح مثلًا فأخذ شيئًا منه وأراه لغيره، كما يفعله السمسمار، ويسمونه: العين، فذلك المقدار هو الأنموذج.

فإذا اعتمد في الشراء على رؤيته، فإن قال: بعتك من هذا النوع كذا .. فهو باطل، وإن قال: بعتك الحنطة التي في هذا البيت وهذا الأنموذج منها، فإن لم يدخل الأنموذج في البيع .. لم يصح على الأصح؛ لأنه لم ير المبيع ولا شيئًا منه، وإن أدخله فيه .. صح، وهذه الصورة التي أرادها المصنف.

ومراده بـ (المتماثل): المتساوي الأجزاء كالحبوب ونحوها، لا المثلي كما توهمه ابن الرفعة، وإلا .. فيرد عليه السفرجل والبطيخ ونحوهما؛ فإن رؤية الأنموذج فيها لا تكفي كما تقدم.

قال: (أو كان صوانًا للباقي خلقه كقشر الرمان والبيض)؛ لأن صلاحه في إبقائه فيه، ومن ذلك قصب السكر كما سيأتي في (باب بيع الأصول والثمار) إن شاء الله تعالى.

وكان ينبغي أن يزاد: (وما في معناه)؛ فإن الروياني والمصنف وغيرهما جوزوا بيع الكعك المحشو والخشكنان ونحوهما؛ لأنه من مصلحته كقشر الرمان، وفي معنى ذلك: الفقاع؛ فإن الكوز صوان مَصْلحي لا خلقي.

وقال العبادي: يفتحه وينظر فيه بحسب الإمكان.

أما الدر في الصدف .. فلا يصح بيعه جزمًا.

وقد أجمعوا على صحة بيع الجبة المحشوة بالقطن ونحوها، ولعل اللحف والفرش في معنى ذلك.

ولا تكفي رؤية المبيع من وراء قارورة شفافة، بخلاف السمك والأرض في الماء

ص: 52

وَالْقِشْرَةِ السُفْلَى لِلْجَوْزِ وَاللَّوْزِ. وَتُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ

ــ

الصافي؛ لأن استتارهما به من صلاحهما، كذا قيد الرافعي صحة البيع هنا بصفاء الماء مع تصحيحه إجارة الأرض مستورة بماء كدر.

فائدة:

(الرُّمّان) فُعّال، كالحُمّاض والعُنّاب، وليس بفعلان، كقولهم: أرض مرمنة.

روى البيهقي في (الشعب)[5958] عن علي رضي الله عنه أنه قال: (كلوا الرمان بشحمه؛ فإنه دباغ المعدة).

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان إذا سقطت منه حبة رمان أكلها، فسئل عن ذلك؟ فقال:(بلغني أنه ليس في الأرض رمانة تلقح إلى بحبة من حب الجنة، فلعلها هذه).

قال صاحب (الفلاحة): تؤخذ رمانة من شجرة وتعد حباتها فتكون حبات رمان تلك الشجرة كذلك العدد، وكذلك تعد شرفات قمع الرمانة، فإن كانت زوجًا .. فعدد حباتها زوج، وإن كانت فردًا .. فعدد حباتها فرد.

و (الصوان) بضم الصاد وكسرها، والصيان بالياء: الوعاء الذي يصان فيه الشيء، تقول: صنت الشيء صونًا. وصيانًا وصيانة فهو مصون، ولا تقل: مصان، وثوب مصون على النقص، ومصوون على التمام.

قال: (والقشرة السفلى للجوز واللوز)؛ لأنه بدونها يفسد، أما القشرة العليا .. فلا يصح بيعه فيها كما سيأتي في (بيع الثمار)، ولا يصح بيع اللب وحده على القولين جميعًا.

قال: (وتعتبر رؤية كل شيء على ما يليق به)؛ لاختلاف الغرض بذلك، ففي الكتاب بنظره ورقة ورقة، وفي الورق: جميع طاقاته، وفي العبد: الوجه

ص: 53

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والأطراف، وكذا باقي البدن على الأصح ما خلا العورة، وأصح الأوجه في زوائد (الروضة): أن الأمة كالعبد.

وثانيها: تشترط رؤية ما يبدو عند المهنة والحاجة.

والثالث: الوجه والكفين، وتشترط رؤية الشعر في الأصح، لا رؤية اللسان والأسنان على الأصح.

وفي الدواب: مقدمها ومؤخرها وقوائمها ورفع السرج والإكاف والجل، وهل يشترط أن يجريها بين يديه؟ وجهان: أصحهما: لا.

وفي شراء الدار: السقوف والجدران داخلًا وخارجًا والمستحم والبالوعة، وكذا السطوح في الأصح.

وفي البستان: الأشجار والجدران ومسايل الماء، ولا حاجة إلى رؤية أساس البنيان وعروق الأشجار ونحوها.

والأصح: اشتراط رؤية طريق الدار، ومجرى الماء الذي تدور به الرحى.

وفي الثوب المطوي: نشره، وللإمام احتمال فيما لا ينشر إلا عند القطع، وإذا نشر فما كان صفيقًا كالديباج المنقوش .. اشترط رؤية وجهيه، وكذلك البسط والزلالي والرقيق.

والكرباس: تكفي رؤية أحد وجهيه في الأصح.

وقيل: يشترط اللمس في الثياب، والشم في المسك ونحوه، والذوق في الخل، والصحيح: خلافه.

فرع:

عن القفال: إذا اشترى ثوبًا مطويًا وصححنا الشراء فنشره واختار الفسخ وكان لطيِّه مؤنة ولم يحسن طيه .. كانت مؤنة الطي على المشتري، كما لو اشترى شيئًا ونقله إلى بيته فوجد به عيبًا .. كانت مؤنة رده عليه.

ص: 54

وَالأَصَحُّ: أَنَّ وَصْفَهُ بِصِفَةِ السَّلَمِ لَا يَكْفِي. وَيَصِحُّ سَلَمُ الأَعْمَى،

ــ

فرع:

لو كان الثوب على منسج قد نسج بعضه فباعه على أن ينسج البائع باقيه .. لم يصح البيع قطعًا نص عليه.

قال: (والأصح: أن وصفه بصفة السلم لا يكفي) وكذلك سماع وصفه بطريق التواتر؛ لأن الرؤية تفيد أمورًا تقصر عنها العبارة، وفي الحديث:(ليس الخبر كالمعاينة).

والثاني: يكفي؛ لأنها تقوم مقام الرؤية.

وصورة المسألة: أن يبيعه شيئًا حاضرًا تمكن رؤيته ويجعل الوصف قائمًا مقام الرؤية، كقوله: بعتك الفرس التي في داري، أو الثوب التي في حانوتي وصفتها كذا وكذا .. فلا يقوم الوصف مقام الرؤية.

أما التي في (باب السلم) في قول المصنف: (ولو قال: اشتريت منك ثوبًا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال: بعتك .. انعقد بيعًا، وقيل: سلمًا) .. فتلك في شراء موصوف في الذمة، وكلامه هنا في بيع حاضر جعلا فيه الصفة قائمة مقام الرؤية، فافترقا.

وإذا اختلفا في رؤية المبيع: فأنكرها المشتري، وادعاها البائع .. فأفتى الغزالي بأن القول قول البائع، وسيأتي في آخر (اختلاف المتبايعين).

قال: (ويصح سلم الأعمى) مسلمًا كان أو مسلمًا إليه؛ لأن المعتمد عليه في السلم الوصف، واستدل له العراقيون بصحة سلم البصير فيما لم يشاهده؛ لأن أحدًا لم يقل: أنه لا يجوز لأهل بغداد أن يسلموا في الموز، ولا لأهل خراسان أن يسلموا في الرطب؛ لأنهم لم يشاهدوه.

وثبوت المسمى في نكاح الأعمى الذي لم يتقدم له الإبصار، فإن كان الأعمى قد رأى شيئًا مما لا يتغير وهو ذاكر لصفاته .. فإنه يصح بيعه وشراؤه كالبصير.

ص: 55

وَقِيلَ: إِنْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ .. فَلَا

ــ

قال: (وقيل: إن عمي قبل تمييزه .. فلا)؛ لعدم معرفته الصفات، وسيأتي في (باب السلم): أنه تشترط معرفة المتعاقدين الصفات، وهذا يقوي هذا الوجه.

تتمة:

إذا ملك الأعمى شيئًا بالسلم أو الشراء وصححناه .. لم يصح قبضه ذلك بنفسه، بل يوكِّل بصيرًا يقبضه له بتلك الأوصاف، فلو قبضه الأعمى .. لم يعتد به.

قال المتولي: ولو اشترى البصير شيئًا ثم عمي قبل قبضه وقلنا: لا يصح شراؤه .. فهل ينفسخ البيع؟ فيه وجهان: صحح المصنف منهما: عدم البطلان.

* * *

خاتمة

قال: بعتك هذا العبد الكبير وكان صغيرًا .. صح تغليبًا للإشارة، قاله الروياني.

وبيع الجزر واللفت والبصل ونحوها في الأرض لا يصح قولًا واحدًا، لأنه غرر، وبه قال ابن المنذر وأحمد، وأجازه مالك والأوزاعي وإسحاق.

قال المصنف: ومما تعم به البلوى: ما اعتاده الناس من بيع النصيب من الماء الجاري من النهر، قال المحاملي: هو باطل؛ لجهالة قدره، ولأن الماء الجاري غير مملوك.

ولو اشترى سمنًا، أو غيره من المائعات، أو غيرها في ظرفه كل رطل بدرهم مثلًا على أن يوزن بظرفه ويسقط أرطالًا معينة بسبب الظرف ولا يوزن الظرف .. فالبيع باطل بلا خلاف، لأنه غرر ظاهر.

قال في (شرح المهذب): وهذا من المنكرات المحرمة التي تقع في كثير من الأسواق.

* * *

ص: 56