الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْخِيَارِ
يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ:
ــ
باب الخيار
هو طلب خير الأمرين، والأصل في البيع اللزوم، إلا أن الشارع أثبت فيه الخيار رفقًا بالمتعاقدين، وهو نوعان: خيار تشه، وخيار نقيصة.
فخيار التشهي: ما يتعاطاه المتعاقدان باختيارهما وشهوتهما من غير توقف على فوات أمر في المبيع، وسببه: المجلس، أو الشرط.
وخيار النقيصة سببه: خلف لفظي، أو تغرير فعلي، أو قضاء عرفي، فمنه خيار العيب، والتصرية، والخلف، والفلس، والمرابحة، والتحالف، واختلاط الثمار، وتلقي الركبان.
قال: (يثبت خيار المجلس في أنواع البيع)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر) متفق عليه [خ2107 - م1531] من رواية ابن عمر رضي الله عنهما.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا اشترى شيئًا يعجبه .. فارق المجلس، وتفسير الراوي مقدم على تفسير غيره.
ورواه مالك ثم قال: وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به.
وقال بعض أصحابه: أشار إلى أن إجماع أهل المدينة على نفيه.
ورد بأن ابن المسيب وابن شهاب من أجل فقهاء المدينة ونصا على العمل به، ولم يرد عن أحد من أهلها قبل مالك تركه إلا عن ربيعة على خلاف عنه.
وكان محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب في عصر مالك ينكر عليه ذلك، وكان محمد المذكور عظيم الشأن يشبه سعيد بن المسيب.
وأنكره أبو حنيفة أيضًا.
كَالصَّرْفِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ. وَلَوِ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ .. فَلَهُمَا الْخِيَارُ، وَإِنْ قُلْنَا: لِلْمُشْتَرِي .. تَخَييَّرَ الْبَائِعُ دُونَهُ
ــ
وتعلق المالكية والحنفية بأمور قال ابن عبد البر: أكثرها تشعب لا حاصل له.
والمعنى فيه: أن البيع من عقود المغابنات فشرع فيه الخيار لدفع الغبن.
ودخل في كلام المصنف الإقالة إذا جعلناها بيعًا، وكذلك بيع الأب ما له من طفله وعكسه.
لكن يرد عليه الحوالة والقسمة؛ فالأصح: لا خيار فيهما وإن جعلناهما بيعًا.
وكذلك بيع العبد من نفسه لا خيار فيه على الأصح في (الشرح الصغير) و (شرح المهذب)؛ لأن الإنسان لا يجهل حال نفسه.
وأما الحوالة فيأتي حكمها في أول بابها إن شاء الله تعالى.
قال: (كالصرف وبيع الطعام بالطعام والسلم والتولية والتشريك وصلح المعاوضة) احترز بـ (المعاوضة) عن صلح الحطيطة فلا خيار فيه؛ لأنه إبراء أو هبة ولا خيار فيهما.
لكن يرد عليه الصلح على المنفعة ولا خيار فيه على الأصح؛ لأنه إجارة، وكذلك الصلح عن دم العمد لا خيار فيه أيضًا، قاله القاضي حسين.
قال: (ولو اشترى من يعتق عليه، فإن قلنا: الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف .. فلهما الخيار)؛ لوجود المقتضي له بلا مانع، وهذه طريقة الأكثرين، ولو اشترى من شهد بحريته .. فثلاثة أوجه: أصحها: يثبت للبائع دون المشتري.
قال: (وإن قلنا: للمشتري .. تخير البائع دونه)؛ تنزيلًا للسراية منزلة إعتاق المشتري الأجنبي في زمن الخيار، وعلى قولنا:(الملك له) يسقط خياره في الأصح ولا يسقط خيار البائع على الأصح.
وَلَا خِيَارَ فِي الإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ، وَكَذَا ذَاتُ الثَّوَابِ وَالشُّفْعَةُ وَالإِجَارَةُ
ــ
تنبيه:
أطلق الشيخان وابن الرفعة: أن الخيار إذا انقضى في شراء القريب .. عتق.
قال الجوري في (باب القراض): إذا لم يوف الثمن لا يعتق وإن انقضى الخيار؛ لبقاء حق الحبس، كما لو ورثه وهو مرهون، وأشار الدارمي هناك إلى خلاف فيه.
قال: (ولا خيار في الإبراء والنكاح والهبة بلا ثواب) وهي المقيدة بنفيه والمطلقة إذا قلنا: لا تقتضيه؛ لأن اسم البيع لا يصدق على شيء من الثلاثة.
ولا خيار أيضًا: في الرهن، والوقف، والعتق، والطلاق، والعقود الجائزة.
قال: (وكذا ذات الثواب)؛ لأنها لا تسمى بيعًا، والخبر ورد في البيع، لكن في بابي (الهبة) و (الشفعة) من (الشرحين) و (الروضة) ما حاصله تصحيح الثبوت.
قال: (والشفعة) هذا في حق الشفيع، أما المشتري .. فلا خيار له قطعًا، واستدل لما صححه المصنف بأن المأخوذ منه لا خيار له ويبعد ثبوت خيار المجلس من أحد الجانبين، والذي صححه المصنف هنا وافق فيه (المحرر).
وصحح في (الشرح الكبير) في (الشفعة) ثبوت الخيار فيها للشفيع؛ لأن الأخذ فيها ملحق بالمعاوضات بدليل الرد بالعيب والرجوع بالعهدة، لا جرم استدرك عليه في (الروضة) هناك وصحح عدمه ونقله عن الأكثرين، فإن أثبتناه .. فمعناه: أنه بعد الأخذ يتخير في رد الملك وإمساكه، وهذا هو الأصح.
وقيل: معناه: أنه يتخير في المجلس قبل الأخذ بين الأخذ والترك.
ورجوع المالك في عين ماله بالفلس كالشفعة لا خيار فيه على الأصح.
قال: (والإجارة)؛ لأنها عقد غرر والخيار غرر فلا يضم غرر إلى غرر.
وَالْمُسَاقَاةُ وَالصَّدَاقُ فِي الأَصَحِّ. ويَنْقَطِعُ بِالتَّخَايُرِ؛ بِأَنْ يَخْتَارَا لُزُومَهُ، فَلَوِ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا. سَقَطَ حَقُّهُ وَبَقِيَ لِلاخَرِ،
ــ
والثاني: يثبت فيها الخيار؛ لأنها معاوضة لازمة فأشبهت البيع.
وقيل: يثبت في الواردة على الذمة دون الواردة على العين.
وصحح المصنف في (تصحيحه) ثبوت الخيار في الإجارة المتعلقة بالزمان، ويلزم منه الثبوت فيما عدا ذلك بطريق أولى، لكن الصحيح المعتمد في أكثر كتبه وكتب الرافعي: عدم ثبوته فيها.
قال: (والمساقاة)؛ لأنها كالإجارة على العين، وقيل: أولى بالثبوت، وقيل: أولى بالعدم.
والمسابقة، إن قلنا: لازمة .. فكالإجارة.
قال: (والصداق)؛ لأن المال فيه تبع للنكاح ولا خيار فيه.
فعلى هذا: لو شرطه .. بطل ووجب مهر المثل، ويجري الوجهان في بدل الخلع.
قال: (في الأصح) أي: في المسائل الخمس؛ لأنها لا تسمى بيعًا.
والوجه الثاني: أن الخيار ثابت في الجميع؛ لأنها في معنى البيع لثبوت العوض.
قال: (وينقطع بالتخاير، بأن يختارا لزومه) كقولهما: ألزمناه، أو أجزناه، أو رفعنا الخيار، أو أبطلناه، أو أفسدناه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار) أي: إلا بيعًا شرط فيه الخيار.
وقيل: هو استثناء من المفهوم، أي: إلا ما شرط فيه خيار الثلاث فلا يلزم بالتفرق.
ومحل الاتفاق على اللزوم: إذا كان قول الآخر على الفور.
قال: (فلو اختار أحدهما) أي: اللزوم ولم يختر الآخر على الفور (.. سقط حقه وبقي للآخر) كخيار الشرط.
وَبِالتَّفَرُّقِ بِبَدَنِهِمَا، فَلَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا أَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ .. دَامَ خِيَارُهُمَا، وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُزْفُ
ــ
وفيه وجه: يسقط خيار الآخر، لأن خيار المجلس لا يتبعض.
والثالث: يبقى لهما، وصححه الماوردي لما قلناه.
وجوابهما: أنه لا يتبعض ابتداء، أما دوامًا: فممنوع.
ولو التزم أحدهما وفسخ الآخر .. قدم الفسخ، ولو قال أحدهما: اختر، أو خيرتك، فقال: اخترت .. انقطع خيارهما، وإن سكت .. انقطع خيار القائل في الأصح ولا ينقطع خيار الساكت.
وإذا باع مال ولده من نفسه أو عكسه، فإن ألزم البيع لهما .. لزم، أو له .. بقي الولد، كذا قاله الشيخان وغيرهما، ولم يذكروا ما إذا ألزم البيع لولده .. فظن شيخنا أنه يلزمه ويسقط خيار الولي أيضًا، لما في إلزامه الولد دونه من عدم النظر له، وليس كذلك؛ فقد صرح في (البسيط) بأنه إذا بطل خيار أحدهما بقي الآخر، وهو الصواب.
قال: (وبالتفرق ببدنهما)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولابد في ذلك من وصف الاختيار، فلو حمل أحدهما مكرهًا .. لم يبطل خياره في الأصح، ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر .. بطل خيارهما، الهارب لفعله، والماكث لتمكنه من الفسخ بالقول.
واحترز (بالتفرق بالبدن) عن التفرق بالروح، يعني: عن التفرق بالموت؛ فإنه لا يبطل كما سيأتي.
قال: (فلو طال مكثهما أو قاما وتماشيا منازل .. دام خيارهما)؛ لعدم التفرق، وقيل: لا يزيد على ثلاثة أيام، وقيل: إذا أعرضا عما كانا فيه وطال الفصل .. انقطع، وقيل: ينقطع بانتقالهما إلى مجلس آخر.
قال: (ويعتبر في التفرق العرف) فما عده الناس تفرقًا .. لزم به العقد وما لا ..
وَلَوْ مَاتَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ .. فَالأَصَحُّ: انْتِقَالُهُ إِلَى الْوَارِثِ وَالْوَلِيِّ
ــ
فلا، فلو كانا في سفينة أو دار أو مسجد صغار .. فبأن يخرج أحدهما من المكان أو يصعد السطح، وإن كانت الدار كبيرة .. فبأن ينتقل من صحنها إلى صفتها أو بيت من بيوتها، وإن كانا في سوق أو صحراء أو صحن دار .. فبأن يولي أحدهما ظهره الآخر ويمشي قليلًا على الأصح.
والثاني: يبعد بحيث لو كلمه على العادة لم يسمع.
والثالث: لابد أن يزيد ما بينهما على ثلاثة أذرع.
والرابع: يكفي تولية الظهر.
والخامس: بمشي خطوة.
والسادس: خطوتين.
والسابع: خطوات.
ولو بني بينهما جدار أو أرخي ستر أو جرى نهر .. لم يكف على الأصح.
فرع:
تبايعا بالمكاتبة وقبل المكتوب إليه إما لفظًا أو بالكتابة .. فله خيار المجلس ما دام في مجلس القبول، ويتمادى خيار الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه.
قال: (ولو مات في المجلس أو جن .. فالأصح: انتقاله إلى الوارث والولي) كخيار الشرط والرد بالعيب، كذا نص عليه الشافعي رضي الله عنه هنا، ونص في المكاتب على أنه إذا باع ومات في المجلس يلزم البيع ولا ينتقل الخيار إلى سيده، فقيل بتقريرهما، والأظهر: أنهما على قولين:
أصحهما: أن الخيار ينتقل للوارث والسيد، والإغماء كالجنون.
ويقابل الأصح: أنه يسقط، أما في الموت .. فلأن الخيار يسقط بمفارقة المكان فبمفارقة الدنيا أولى، وأما في الجنون .. فلأنه في معنى الموت بدليل إسقاط التكليف
وَلَوْ تَنَازَعَا فِي التَّفَرُّقِ أَوِ الْفَسْخِ قَبْلَهُ .. صُدِّقَ النَّافِي
ــ
به، وهذا الخلاف يجري أيضًا في انتقاله إلى الموكل بموت الوكيل، وإلى السيد بموت المأذون.
فروع:
حيث قلنا بالانتقال فكان المنتقل إليه غائبًا فبلغه .. هل يكون على الفور أو يمتد امتداد مجلس بلوغ الخبر؟ فيه وجهان: أصحهما: الامتداد.
وإذا ورث الخيار جماعة، فإن كانوا حاضرين في المجلس .. فلهم الخيار إلى أن يفارقوا العاقد الآخر، فإن فارق بعضهم دون بعض .. لم ينقطع خيارهم في الأصح، وإذا فسخ بعضهم وأجاز بعض .. انفسخ في الجميع على الأصح.
وإذا تصرف الولي ثم أفاق المجنون .. لم يكن له نقض ما فعله من فسخ أو إجازة، فإن ادعى: أنه خلاف الحظ .. نظر القاضي، فإن وجده كما ادعى .. نقضه.
وإذا كان الوارث طفلًا أو مجنونًا .. نصب الحاكم من يفعل الأصلح له في فسخ أو إجازة.
وإذا خرس أحدهما في المجلس، فإن كانت له إشارة مفهمة أو كتابة .. فهو على خياره، وإلا .. أقام الحاكم عنه نائبًا.
قال: (ولو تنازعا في التفرق أو الفسخ قبله .. صدق النافي) أي: بيمينه في الأولى قطعًا، وفي الثانية على الأصح؛ لأن الأصل دوام الاجتماع.
والثاني: القول قول مدعي الفسخ؛ لأنه أعلم بتصرفه.
قال الرافعي وابن الأستاذ: إطلاق الأصحاب تصديق النافي ظاهر إن قصرت المدة، أما إذا طالت .. فدوام الاجتماع خلاف الظاهر، فلا يبعد تخريجه على الخلاف في تعارض الأصل والظاهر، وهو حسن.