المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الرَّهْنِ ــ كتاب الرهن هو في اللغة: الثبوت والدوام، ومنه: الحالة الراهنة، - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الرَّهْنِ ــ كتاب الرهن هو في اللغة: الثبوت والدوام، ومنه: الحالة الراهنة،

‌كِتَابُ الرَّهْنِ

ــ

كتاب الرهن

هو في اللغة: الثبوت والدوام، ومنه: الحالة الراهنة، أي: الثابتة.

وقال الماوردي: هو الاحتباس، ومنه:{كل نفس بما كسبت رهينة} .

وتقول: رهنت الشيء وأرهنته بمعنىً.

قال عبد الله بن همام السلولي [من المتقارب].

فلما خشيت أظافيرهم .... نجوت وأرهنتهم مالكا

وهو في الشرع: جعل المال وثيقة بدين.

والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهن مقبوضة} ، وقرئ:{فرهن} ، وهي جمع: رهن، وقيل: الرُّهُن جمع الجمع.

ورهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي بالمدينة يقال له: أبو الشحم على ثلاثين صاعًا من شعير لأهله، رواه البخاري [2069]، ومسلم [1603] بمعناه، وهو حجة على مجاهد وداوود في منعهما الرهن في الحضر.

ثم قيل: إنه صلى الله عليه وسلم افتكه قبل موته؛ لما روى ابن حبان [3061]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك.

والأصح: أنه لم يفتكه؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي)، وحديث ابن حبان محمول على من لم يخلف وفاء، وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم على معاملة اليهودي؛

ص: 293

لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ. فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهَنِ بِهِ، أَوْ مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ كَالإِشْهَادِ، أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ .. صَحَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ .. بَطَلَ الرَّهْنُ

ــ

بيانًا لجواز معاملة أهل الكتاب.

وقيل: لأنه لم يكن عند أحد من مياسير أهل المدينة طعام فاضل عن حاجته غيره.

قال: (لا يصح إلا بإيجاب وقبول)؛ لأنه عقد بين اثنين على مال فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالبيع، والخلاف في انعقاد البيع بالإيجاب والاستيجاب وبالمعاطاة، فيجيء في الرهن مثلهما، ويقوم مقام الصيغة إشارة الأخرس كما تقدم.

وقيل: إن كان الرهن مشروطًا في بيع .. أغنى شرطه عن الصيغة بعد البيع، وهو ظاهر النص، ونقله في (المطلب) عن الجمهور.

قال: (فإن شرط فيه مقتضاه كتقدم المرتهن به، أو مصلحة للعقد كالإشهاد، أو ما لا غرض فيه .. صح العقد) كالبيع في الأقسام الثلاثة، وجميع ما تقدم هناك يأتي هنا.

قال: (وإن شرط ما يضر المرتهن .. بطل الرهن) كشرط أن لا يبيعه عند المحل، أو لا يبيعه إلا بعد شهر، أو بأكثر من ثمن المثل، أو لا يقدم به، أو يكون مضمونًا؛ لأنه يخالف مقتضاه، وقيل: في جميع هذه الصور الست القولان الآتيان فيما يضر الراهن:

أحدهما: يبطل الرهن.

والثاني: يصح ويبطل الشرط.

ص: 294

وَإِنْ نَفَعَ الْمُرْتَهِنَ وَضَرَّ الرَّاهِنَ كَشَرْطِ مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ .. بَطَلَ الشَّرْطُ، وَكَذَا الرَّهْنُ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ شُرِطَ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ مَرْهُونَةً .. فَالأَظْهَرُ: فَسَادُ الشَّرْطِ وَأَنَّهُ مَتَى فَسَدَ .. فَسَدَ الْعَقْدُ. وَشَرْطُ الْعَاقِدِ: كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ مَالَ الصَّبيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا

ــ

قال: (وإن نفع المرتهن وضر الراهن كشرط منفعته للمرتهن .. بطل الشرط)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) متفق عليه [خ2735 - م1504/ 6].

قال (وكذا الرهن في الأظهر)؛ لأنه ليس من مقتضاه ولا من مصلحته.

والثاني: لا يبطل؛ لأنه تبرع، فلم يؤثر ذلك فيه، كما لو أقرضه الصحاح بشرط أداء المكسر .. يلغو الشرط ويصح العقد، ثم البطلان فيما إذا أطلق المنفعة، فلو قيدها بسنة مثلًا .. فهذا جمع بين بيع وإجارة في صفقة، والأظهر فيه: الصحة.

قال: (ولو شرط أن تحدث زوائده مرهونة .. فالأظهر: فساد الشرط)؛ لأنها معدومة ومجهولة.

والثاني: يصح الشرط ويكون رهنًا؛ لأن الرهن عند الإطلاق إنما لا يسري إلى الزوائد لضعفه، فإنه قوي بالشرط .. سرى.

واحترز بـ (الزوائد) عن الكسب؛ فإن اشتراطها مبطل على القولين.

قال: (وأنه متى فسد .. فسد العقد)؛ لأنه جمع بين معلوم ومجهول، وفي صحة المعلوم قولا تفريق الصفقة.

قال: (وشرط العاقد) راهنًا كان أو مرتهنًا (كونه مطلق التصرف) كعاقد البيع.

قال: (فلا يرهن الولي مال الصبي والمجنون، ولا يرتهن لهما)؛ لأن الولي في حال الاختيار لا يبيع إلا بحال مقبوض قبل التسليم بلا رهن ولا ارتهان.

والمراد بـ (الولي) هنا: الأب أو الجد أو الوصي أو الحاكم أو أمينه، ولو عبر

ص: 295

إِلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ. وَشَرْطُ الرَّهْنِ: كَوْنُهُ عَيْنًا فِي الأَصَحِّ،

ــ

بمال المحجور .. لعم السفيه وكان أولى، وحكم الرهن والارتهان سواء، ونصوص الشافعي رضي الله عنه تقتضي: أن الارتهان يجوز بالمصلحة، والرهن لا يجوز إلا بالضرورة.

قال: (إلا لضرورة) فيجوز الرهن والارتهان، كأن يحتاج إلى النفقة أو الكسوة، أو باع ماله مؤجلًا لضرورة نهب ونحوه، أو كان مؤجلًا بسبب إرث وغيره؛ لأن في الارتهان مفسدة، لأنه قد يتلف المرهون ويرفعه إلى حاكم يرى سقوط الدين فيه.

قال: (أو غبطة ظاهرة) كما إذا اشترى ما يساوي ألفين بألف نسيئة ورهن به ما يساوي ألفًا من ماله؛ لأنه إن تلف .. كان في المشتري ما يجبره، وكذا إذا باع الولي ماله مؤجلًا بغبطة وارتهن على الثمن، وسيأتي حكم قرض مال الطفل في آخر (باب الحجر).

قال: (وشرط الرهن) أي: المرهون (كونه عينًا في الأصح) فلا يجوز رهن المنفعة جزمًا؛ لأنها تتلف شيئًا فشيئًا، ولا رهن الدين؛ لأن الرهن لا يلزم إلا بالقبض، ومتى قبضه المالك .. خرج عن أن يكون دينًا.

والثاني: يصح رهن الدين إذا كان على مقر مليء كبيعه تنزيلًا؛ لما في الذمم منزلة الأعيان.

هذا في الابتداء، أما إذا جنى على المرهون .. فإنا نحكم على الأرش وهو في الذمة بأنه مرهون على الأصح.

ولو مات وعليه دين وخلف منفعة أو دينًا .. فإن الدين يتعلق بجميع التركة تعلق رهن على الصحيح.

ويلغز بهذه الصورة فيقال: عين مرهونة من غير صدور عقد عليها، وكذا التي قبلها.

ص: 296

وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَالأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَعَكْسُهُ، وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُبَاعَانِ، وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ تُقَوَّمُ الأُمُّ وَحْدَهَا ثُمَّ مَعَ الْوَلَدِ فَالزَّائِدُ قِيمَتُهُ

ــ

وكذلك إذا رهن عصيرًا فانقلب في يد المرتهن خمرًا .. فإن التخمر يخرجه عن المالية، فإن عاد خلًا .. عاد الرهن على المشهور كما يعود الملك.

قال: (ويصح رهن المشاع) سواء رهنه من شريكه أو غيره وقبضه بقبض الجميع؛ قياسًا على البيع، وبهذا قال مالك وأحمد.

قال: (والأم دون ولدها وعكسه)؛ لأن ذلك ليس بتفريق، إذ الملك فيهما باق.

قال: (وعند الحاجة يباعان، ويوزع الثمن)؛ لأن بيعهما معًا ممكن والتفريق منهي عنه، فلما التزم بالرهن بيع الأم .. جعل ملتزمًا لما هو من أحكامه وهو بيع الولد معها، هذا هو الأصح المنصوص.

والثاني: يجوز بيع الأم وحدها؛ لأنه موضع ضرورة فيحتمل التفريق لذلك.

قال: (والأصح: أنه تقوَّم الأم وحدها ثم مع الولد فالزائد قيمته) فتقوَّم الأم وحدها موصوفة بكونها ذات ولد حاضة له، فيقال: قيمتها –مثلًا- مئة، ثم تقوَّم هي والولد جميعًا، فيقال: قيمتهما –مثلًا- مئة وخمسون، فالخمسون الزائدة لا حق للمرتهن فيها.

والثاني: أن الأم تقوَّم وحدها، ثم يقوَّم الولد وحده محضونًا مكفولًا، ثم يقسَّط الثمن عليهما.

هذا إذا كانت الأم مرهونة، فإن كان الولد .. انعكس الحكم في التقويم، فكان ينبغي أن يقول: يقوَّم المرهون وحده، ثم يقوم مع الآخر، فالزائد قيمة الآخر.

وحكم الولد مع الأب وغيره ممن يمتنع التفريق بينهما كحكمه مع الأم، وهذه المسألة مستثناة من قولنا: ما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه.

ص: 297

وَرَهْنُ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ كَبَيْعِهِمَا. وَرَهْنُ الْمُدَبَّرِ، وَمُعَلَّقِ الْعِتْقِ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ

ــ

قال: (ورهن الجاني والمرتد كبيعهما) فيصح في الأصح فيهما إذا كانت الجناية عمدًا، ولا يصح في الجاني خطأ في الأصح.

وقد تقدمت مسألة بيع الجاني في (البيع)، ومسألة المرتد في (الرد بالعيب) حيث قال:(ولو قتل بردة سابقة .. ضمنه البائع في الأصح) فجزم بصحة بيعه، وهو الأصح، فيكون الراجح: صحة رهنه.

فرع:

رهنُ الأرض المستغلة بالزراعة .. باطل، وكذا رهن سواد العراق؛ لأن عمر رضي الله عنه وقفه على المسلمين كما سيأتي في (السير).

وأما الأبنية التي كانت به كالدور .. فالصحيح: أنه ليست وقفًا فيجوز رهنها وبيعها.

قال: (ورهن المدبر، ومعلق العتق بصفة يمكن سبقها حلول الدين باطل على المذهب)؛ لتعلق حق العتق بهما، أما معلق العتق .. فالمنصوص فيه: البطلان، والقول بالصحة فيه مخرج، وأم المدبر .. ففيه ثلاث طرق:

الصحة قطعًا.

والبطلان قطعًا.

وإجراء قولين: أصحهما: البطلان.

وأصل القولين: أنه تعليق عتق بصفة أو وصية، إن قلنا: تعليق .. لم يصح رهنه، وإن قلنا: وصية صح، لكن قال في (الروضة): القوي في الدليل صحة رهن المدبر.

واحترز المصنف عن الصفة التي يقطع بتأخيرها فيصح، أو بسبقها فيبطل، فإن احتمل الأمران .. فالأظهر: بطلانه؛ للغرر.

ص: 298

وَلَوْ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ: فَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ .. فُعِلَ، وَإِلَّا: فَإِنْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ، أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، أَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ وَجَعَلَ الثَّمَنَ رَهْنًا .. صَحَّ، وَيُبَاعُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا، وَإِنْ شَرَطَ مَنْعَ بَيْعِهِ .. لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَطْلَقَ .. فَسَدَ فِي الأَظْهَرِ

ــ

ووجه الصحة: أن الأصل استمرار الرق.

أما رهنه بدين حالٍّ .. فيصح على ما جزم به الأصحاب، وفيه إشكال من جهة: أن رهن المدبر باطل مطلقًا.

ومحل الخلاف: إذا لم يشرط بيعه قبل وجود الصفة، فإن شرطه .. صح، قاله في (المرشد)، وهو ظاهر.

قال: (ولو رهن ما يسرع فساده: فإن أمكن تجفيفه كرطب .. فعل)؛ حفظًا للرهن، وكذلك العنب الذي يتزبب، واللحم الذي يمكن تقديده.

قال ابن الرفعة: والمجفف هو المالك ومؤنته عليه، أما إذا رهنه بحالٍّ أو مؤجل يحل قبل فساده .. فإنه يباع على حاله.

قال: (وإلا) أي: وإن لم يمكن تجفيفه كالبقول وما لا يجفف من الثمار (فإن رهنه بدين حال، أو مؤجل يحل قبل فساده، أو شرط بيعه وجعل الثمن رهنًا .. صح)؛ لانتفاء المحذور.

قال: (ويباع عند خوف فساده ويكون ثمنه رهنًا) أي: من غير إنشاء عقد.

قال: (وإن شرط منع بيعه .. لم يصح)؛ لأنه ينافي مقتضاه، وهذا اتفق الأصحاب عليه.

قال: (وإن أطلق .. فسد في الأظهر)؛ لأنه لا يمكن بيعه في الدين عند محله فلم يجز رهنه كأم الولد.

والثاني –وبه قال أبو حنيفة وأحمد-: يصح ويباع كما لو شرط بيعه، لأن الظاهر: أنه لا يقصد إتلاف ماله، ونقل في (الشرح الصغير) تصحيحه عن

ص: 299

وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ يَفْسُدُ قَبْلَ الأَجَلِ .. صَحَّ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ رَهَنَ مَا لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَطَرَأَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ .. لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ بِحَالٍ

ــ

الأكثرين، وهو موافق لنص (المختصر)، ولأن مطلق العقد يحمل على المتعارف ويصير كالمشروط، والمتعارف فيما يفسد: أن يباع قبل فساده، ولم يصحح في (الشرح الكبير) شيئًا من القولين وفاقًا للقاضي أبي الطيب.

قال الشيخ: ولي به أسوةٌ؛ فإن النظر بينهما متجاذب.

وإذا قلنا بالصحة، فإذا أشرف على الفساد .. بيع ويكون ثمنه رهنًا كما لو شرطه، ويجبر الراهن على ذلك عند الجمهور.

قال: (وإن لم يعلم هل يفسد قبل الأجل .. صح في الأظهر)؛ لأن الأصل البقاء.

والثاني: يفسد؛ للجهل بإمكان البيع عند المحل، ويشكل على هذا: ما تقدم في المعلق العتق بصفة لا يعلم هل تتقدم أو تتأخر: أنه لا يصح، وهما في المعنى مستويان.

قال: (ولو رهن ما لا يسرع فساده فطرأ ماعرضه للفساد كحنطة ابتلت .. لم ينفسخ الرهن بحال)؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، بل يباع عند الإشراف على الفساد ويجعل ثمنه رهنًا مكانه.

هذا إذا عرض بعد القبض، فإن عرض قبله ولم يمكن تجفيفه .. ففي الانفساخ وجهان: أصحهما: أنه لا ينفسخ أيضًا.

ص: 300

وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِبَرْهَنَهُ، وَهُوَ فِي قَوْلٍ: عَارِيَّةٌ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَيُشْتَرَطُ: ذِكْرُ جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ،

ــ

قال: (ويجوز أن يستعير شيئًا ليرهنه) أشار بهذا إلى أنه لا يشترط أن يكون المرهون ملكًا للراهن، فإذا استعار شيئًا ليرهنه .. جاز على النص؛ لأن المقصود التوثقة وهي حاصلة بذلك، وبهذا قال الجمهور خلافًا لابن سريج.

ومقتضى إطلاق المصنف: أنه لو كان المستعار دراهم أو دنانير .. فالمتجه: الصحة وإن منعنا إعارتها لغير ذلك.

ويجوز أن يرهن ماله على دين غيره، وأن يوكل المديون في أن يرهن على دين نفسه مال الموكل.

قال: (وهو في قول: عارية)؛ لأنه قبضه بإذن مالكه لمنفعة نفسه، فأشبه ما لو استعاره للخدمة.

قال: (والأظهر: أنه ضمان دين في رقبة ذلك الشيء)؛ لأن العارية ينتفع المستعير بها مع بقاء عينها، والانتفاع بها هنا ببيعها في الدين فيبطل كونها عارية، فلم يبق إلا الضمان، كما لو أذن لعبده في ضمان دين غيره؛ فإنه يصح وتكون ذمته فارغة.

قال الإمام: وليس القولان في أنه يتمحض عارية أو ضمانًا، وإنما هما في المغلب منهما.

قال: (فيشترط: ذكر جنس الدين وقدره وصفته) أي: في الحلول والأجل والصحة والتكسير وغير ذلك كما في الضمان؛ لاختلاف الأغراض بذلك، وإذا عين قدرًا .. جاز أن يرهنه بما دونه جزمًا، فإن زاد .. بطل في الجميع على الأصح المنصوص؛ للمخالفة، كما لو باع الوكيل بالغبن الفاحش.

وقيل: يبطل في الزائد فقط، واختار الشيخ تخريجه على تفريق الصفقة.

ولو قال: ارهنه بمئة دينار فرهنه بمئة درهم .. لم يصح، وكذا إذا قال: بمئة درهم فرهنه بمئة دينار.

ص: 301

وَكَذَا الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ فِي الأَصَحِّ. فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ .. فَلَا ضَمَانَ وَلَا رُجُوعَ لِلْمَالِكِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهَنِ. وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَانَ حَالًّا .. رُوجِعَ الْمَالِكُ لِلْبَيْعِ، وَيُبَاعُ إِنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ بِمَا بِيعَ بِهِ

ــ

ولو قال: ارهنه بما شئت .. جاز أن يرهنه بأكثر من قيمته؛ لاقتضاء العرف ذلك، ولو أراد المالك إجباره على فكه .. فله ذلك بكل حال، إلا إذا كان الدين مؤجلًا وقلنا: إنه ضمان، فإن أعتقه المالك وقلنا: إنه ضمان .. ففي (التهذيب): أنه كإعتاق المرهون، وإن قلنا: عارية .. صح وكان رجوعًا.

قال: (وكذا المرهون عنده في الأصح)؛ لاختلاف الناس طلبًا واستيفاء.

والثاني: لا يجب؛ لضعف الغرض في ذلك.

وهما مأخوذان من القولين في اشتراط تعيين المضمون له، فإن قلنا: عارية .. لم يشترط ذلك، وعلى القولين: إذا عين شيئًا من ذلك .. لم تجز مخالفته.

قال: (فلو تلف في يد المرتهن .. فلا ضمان) أي: عليه؛ لأن يده يد أمانة، وهل يضمنه الراهن؟ ينبني على أنه عارية أو ضمان، إن قلنا: عارية .. غرمنا الراهن، وإن قلنا: ضمان .. فلا، أما إذا تلف في يد الراهن .. فالمذهب: الضمان؛ لأنه مستعير.

قال: (ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن)؛ إذ لو رجع .. لما حصلت فائدة الرهن، ولم يكن به توثق، وهذا على قول الضمان قطعًا، وكذا على قول العارية على الأصح.

قال: (وإذا حل الدين أو كان حالًا .. روجع المالك للبيع) كما لو رهنه المالك.

قال: (ويباع إن لم يقض الدين) أي: إن لم يوفه واحد منهما .. بيع على القولين موسرًا كان الراهن أو معسرًا، كما يطالب الضامن في الذمة مع وجود الأصيل.

قال: (ثم يرجع المالك بما بيع به) أي: على قول الضمان سواء بيع بالقيمة أم بأكثر أم بأقل بقدر يتغابن به، أما على قول العارية، فإن بيع بالقيمة أو بأقل .. رجع بالقيمة، أو بأكثر .. رجع بالقيمة عند الجمهور.

ص: 302