الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الضَّمَانِ
ــ
باب الضمان
لفظه مأخوذ من التضمن، ومعناه تضمين الدين في ذمة من لا دين عليه مع بقائه في ذمة من هو عليه.
وادعى ابن الصباغ أنه مأخوذ من الضم، وأراد تفسير معناه دون اشتقاقه.
والضامن يسمى: الضمين والحميل والزعيم والكفيل والصبير.
والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {سلهم أيهم بذلك زعيم} .
وقوله: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} وكان حمل البعير معلومًا.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (الزعيم غارم) رواه أحمد [5/ 267] وأبو داوود [3565] والترمذي [1265] وقال: حسن صحيح.
وفي (الصحيحين)[خ2291 - م1619]: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فقال: (هل ترك شيئًا؟ قالوا: لا، قال: هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلوا على صاحبكم) قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلي دينه فصلى عليه).
قال جابر رضي الله عنه: كان ذلك في ابتداء الإسلام وفي المال قلة، فلما فتح الله الفتوح .. قال صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من خلف .. مالًا .. فلورثته، ومن خلف كلًّا أو دينًا .. فكَلُّه إليَّ ودينه علي، فقيل: يا رسول الله؛
شَرْطُ الضَّامِنِ: الرُّشْدُ، وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ كَشِرَائِهِ
ــ
وعلى كل إمام بعدك؟ قال: وعلى كل إمام بعدي) رواه الطبراني في (الكبير)[20/ 265].
قال: (شرط الضامن: الرشد) فلا يصح ضمان الصبي والمجنون والسفيه؛ لعدم رشدهم.
ومراده بـ (الرشد): إطلاق التصرف، سواء كان المضمون عنه حيًا أو ميتًا، أما الميت .. فلما تقدم، وأما الحي .. فلما روى ابن عباس رضي الله عنهما:(أن النبي صلى الله عليه وسلم تحمل عن رجل عشرة دنانير) رواه الحاكم [2/ 10] وقال: على شرط الشيخين.
وذكر في (المحرر) مع هذا الشرط صحة العبارة، والمصنف رأى دخوله في الرشد .. فلهذا حذفه.
نعم؛ يرد عليه المكره والمكاتب؛ فإن ضمانهما لا يصح وهما رشيدان، وكذا المبذر بعد بلوغه رشيدًا ولم يحجر الحاكم عليه يصح ضمانه وغيره من التصرفات وليس برشيد.
وصرح المصنف والرافعي في (كتاب الصيام) بأن الرشد يطلق على الصبيان، فاقتضى ذلك دخولهم في عبارته ههنا وليس مرادًا، فلو ضمن وقال: كنت يوم الضمان صبيًا أو مجنونًا .. قبل ذلك بيمينه إن أمكن الصبا وعرف الجنون.
والفرق بينه وبين ما إذا زوج أمته ثم ادعى ذلك أن المصدق الزوج على الأصح: أن الأنكحة يحتاط فيها غالبًا، والظاهر: أنها تقع بشروطها.
وشملت عبارته المرأة فيصح ضمانها مزوجة كانت أو غيرها، ولا حاجة إلى إذن الزوج خلافًا لمالك.
قال: (وضمان محجور عليه بفلس كشرائه) فيكون صحيحًا كما تقدم في بابه، ويطالب به إذا أيسر بعد فك الحجر، وهذا يصح ضمانه وليس من أهل التبرع.
وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ فِي الأَصَحِّ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ لِلأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ .. قَضَى مِنْهُ ....
ــ
واحترز عن المحجور عليه لسفه، فلا يصح ضمانه مطلقًا؛ لأنه تبرع.
قال: (وضمان عبد بغير إذن سيده باطل في الأصح) كنكاحه.
والثاني: يصح؛ لأنه لا ضرر فيه على السيد فكان كما لو أقر بإتلاف مال، وكما لو خالعت الأمة بمال في ذمتها بغير إذنه.
واختلف تصحيح الإمام في هذين الوجهين، فصحح في آخر (النهاية): أنه لا يصح، وفي (باب مداينة العبيد): الصحة.
وعلى الأصح: الفرق بين الضمان وخلع الأمة: أن الضمان لا ضرورة إليه والخلع قد تحتاج إليه الأمة لسوء معاشرة الزوج.
قال: (ويصح بإذنه)؛ لأن المنع كان لأجله وقد زال بإذنه، وهذا الإذن تمكين لا أمر، فلو أمره سيده بالضمان .. لم يلزمه الامتثال، بخلاف البيع وغيره من التصرفات فإنه يجب عليه امتثال أمر السيد فيها.
لكن يرد على المصنف: ما إذا ضمن العبد بالإذن مالًا على أجنبي لسيده .. فإنه لا يصح؛ لأن كسبه الذي يؤدي منه ملك للسيد، بخلاف ما إذا ضمن ما عليه بإذنه .. فإنه يصح.
قال: (فإن عين للأداء كسبه أو غيره .. قضى منه)؛ امتثالًا لأمره، لكن قوله:(أو غيره) يشمل مال التجارة والذي في يد المأذون، وإنما يصح تعيين السيد لذلك إذا لم يتعلق به حق غيره، فلو كان على المأذون ديون وعين ما في يده .. فأوجه:
أصحها: يتعلق بما فضل عن ديونهم.
والثاني: لا يتعلق الضمان بما في يده؛ لأنه كالمرهون.
والثالث: يشارك المضمون له الغرماء كسائر الديون.
ومحل الأوجه: إذا لم يحجر عليه بطلب الغرماء، فإن حجر عليه .. لم يتعلق الضمان بما في يده جزمًا.
وَإِلَّا .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَاذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ .. تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الإِذْنِ، وَإِلَّا .. فَبِمَا يَكْسِبُهُ
ــ
قال: (وإلا) أي: وإن اقتصر على الإذن في الضمان للعبد ولم يعين له طريقًا (.. فالأصح: أنه إن كان مأذونًا له في التجارة .. تعلق بما في يده وما يكسبه بعد الإذن) سواء كان الكسب نادرًا أو معتادًا؛ لأنه عقد يقتضي الغرم صدر بإذن السيد فيتعلق غرمه بما ذكرناه قياسًا على النكاح.
والثاني: لا يتعلق برأس المال، بل بالربح الحاصل والمستقبل.
والثالث: بالمستقبل خاصة.
والرابع –وهو المصحح في (التنبيه) -: يكون في ذمته إلى أن يعتق؛ لأنه إنما أذن في الالتزام دون الأداء.
وعلى الأوجه كلها: لا يتعلق بذمة السيد، ولم يصرح الأصحاب باشتراط علم السيد بمقدار الدين الذي أذن لعبده في ضمانه، وهو محتمل في المأذون وغيره فالأشبه: اشتراط ذلك.
قال: (وإلا .. فبما يكسبه)؛ قياسًا على النكاح.
والثاني: يتعلق بالذمة؛ لأن الإذن في الالتزام يفيد الاستقلال دون الأداء كما تقدم، وقيل: يتعلق برقبته، وفي قول قديم: بذمة السيد كما قيل به في النكاح.
وقوله: (بما يكسبه) المراد: بعد الإذن كما صرح به الرافعي وغيره هنا، وهذا بخلاف الإذن في النكاح؛ فإن المؤن وغيرها تتعلق بالأكساب المتجددة بعد عقدة النكاح؛ لأن مؤن النكاح إنما تجب بالعقد، والدين ثابت قبل الضمان، وأيضًا الضمان غرامة محضة بخلاف النكاح فهو قريب من المعاملات.
فروع:
أم الولد والمدبر كالقن في الضمان، وكذلك المبعض إذا لم تكن مهايأة، أو كانت وضمن في نوبة السيد، فإن ضمن في نوبته .. صح قطعًا، وجوز الرافعي أن يخرج
وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ،
ــ
على الخلاف في دخوله في الأكساب النادرة.
والعبد الموقوف قال في (المطلب): ينبغي أن يجزم بعدم صحة ضمانه إذا قلنا بالمشهور: إنه لا يصح عتقه؛ لعدم فائدته.
والموصى بمنفعته دون رقبته أو عكسه يظهر: أنه كالقن، لكن هل المعتبر إذن مالك الرقبة أو المنفعة؟ فيه نظر.
وإذا أدى العبد في الرق .. فالرجوع لسيده، وإن أدى بعد عتقه .. فالرجوع للعبد في الأصح.
قال: (والأصح: اشتراط معرفة المضمون له)؛ لتفاوت الناس في الاستيفاء، والأغراض تختلف بذلك، فأشبه معرفة قدر الدين.
والثاني: لا يشترط؛ لظاهر الآية وحديث أبي قتادة رضي الله عنه، فإنه لم ينقل فيه العلم بمعرفة الغريم، والله أعلم.
حادثة:
وقع في فتاوى المتأخرين: أن زيدًا عامل عمرًا بدين ضمنه خالد، ثم أقر زيد أن المال الذي عامل فيه كان لبكر، وتصرف فيه بطريق الوكالة فأفتى الشيخ عز الدين بن عبد السلام وجماعة ببطلان الضمان؛ لأنه بان أن الضامن لم يعرف المضمون له وقد ضمنه لزيد، وليس لزيد على عمرو شيء.
وأفتى ابن الصلاح ووافقه ابن الرفعة وعلماء عصره بالصحة، وقالوا: معرفة وكيل المضمون له كمعرفته، وقد عرف الوكيل فضمانه الدين لزيد أعم من أن يكون زيد مالكًا أو وكيلًا، والتعليل المذكور في معرفة المضمون له يأبى أن تكون معرفة الوكيل كمعرفة الموكل.
وَأَنَّهُ لَا يُشْترَطُ قَبُولُهُ وَرِضَاهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَطْعًا،
ــ
قال: (وأنه لا يشترط قبوله ورضاه)؛ لما تقدم من عدم التعرض له في الحديث.
والثاني –وهو قول ابن سريج وصاحب (الإفصاح) وابن كج-: يشترط القبول؛ لأنه عقد وثيقة فاشترط ذلك فيه كالرهن.
والثالث: لا يشترط القبول بل الرضا؛ لأن الضمان تجدد له سلطنة، وتمليك الشخص شيئًا بغير رضاه بعيد.
وعلى هذا: فيكفي رضا الوكيل كما صرح به الماوردي.
ويجوز تقديم الرضا على الضمان، فإن تأخر عنه .. فهو إجارة إن جوزنا وقف العقود، وكذا نقله الرافعي عن الإمام وأقره.
وقال الماوردي: يجوز وقوعه بعده قبل مفارقة المجلس، وجوز رجوع الضامن قبل رضا المضمون له.
وعبر في (المحرر) بقوله: (ولا رضاه) بزيادة: (لا) ولابد منها؛ لأن المقصود نفي كل منهما، لا نفي الهيئة الاجتماعية.
قال: (ولا يشترط رضا المضمون عنه قطعًا)؛ للحديث السابق، ولأنه يجوز أداء دين الغير بغير إذنه فالتزامه أجوز، وما ادعاه من القطع تبع فيه (الشرح) و (الروضة) و (النهاية)، وليس كذلك، ففي (تعليق القاضي حسين) وجه: أنه يشترط رضاه، وإليه ذهب الجوري في (شرح المختصر) لكنه بعيد يرده الحديث الصحيح.
وعلم من عبارته أنه لا تشترط حياته ولا يساره أيضًا.
وقال أبو حنيفة: لا يصح ضمان الميت إلا إذا خلف وفاء، أو كان به ضامن، ووافقنا على أنه إذا ضمن عنه في حياته ثم مات معسرًا .. أن الضمان لا يبطل.
وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ: كَوْنُهُ ثَابِتًا وَصَحَّحَ الْقَدِيمُ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ
ــ
قال: (ولا معرفته في الأصح) كما لا يشترط رضاه.
والثاني: يشترط؛ ليعرف هل يستحق اصطناع المعروف أو لا، وصحح هذا الغزالي في (الخلاصة) تبعًا للشيخ أبي محمد.
قال: (ويشترط في المضمون: كونه ثابتًا) أي: حال الضمان، فلا يصح ضمان ما سيجب ببيع أو قرض، سواء جرى سبب وجوبه كنفقة الغد للمرأة أما لا؛ لأن الضمان توثقة بالحق فلا يسبق وجوب الحق كالشهادة.
وقوله: (ثابتًا) صفة لموصوف محذوف، أي: حقًا ثابتًا، فتدخل فيه الأعيان المضمونة والديون، سواء كانت مالًا أو عملًا ثابتًا في الذمة بعقد الإجارة، بخلاف الرهن؛ فإنه لا يصح على الأعيان كما تقدمت الإشارة إليه بقوله:(شرط المرهون به كونه دينًا ثابتًا لازمًا).
فجملة الشروط التي اعتبرها المصنف تبعًا للرافعي ثلاثة: أن يكون ثابتًا لازمًا معلومًا، واعتبر الغزالي رابعًا وهو: أن يكون قابلًا لأن يتبرع الإنسان به على غيره ليخرج به حد القصاص وحد القذف والأخذ بالشفعة.
والمراد: أن يكون ثابتًا باعتراف الضامن لا المضمون عنه، فلو قال شخص: لزيد على عمرو ألف وأنا ضامنه فأنكر عمرو .. فلزيد المطالبة في الأصح، قاله الرافعي في آخر (الإقرار بالنسب)، وسيأتي ذكره في (كتاب الصداق) في تتمة (فصل: نكحها بخمر).
قال: (وصحح القديم ضمان ما سيجب)؛ لأن الحاجة قد تمس إليه، وفي قول: إن جرى سبب وجوبه .. صح، وإلا .. فلا، وإذا جوزنا ضمان النفقة المستقبلة .. فلابد من تقديرها بمدة وأن تكون نفقة المعسرين.
وَالْمَذْهَبُ: صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ،
ــ
وقيل: يجوز ضمان [نفقة] الموسر والمتوسط لمن حاله كذلك، وصححه في (المطلب).
ويصح ضمان نفقة المدة الماضية للزوجة، سواء كانت نفقة الموسرين أو المعسرين، وكذا ضمان الكسوة والإدام ونفقة الخادم ونفقة اليوم، وفي نفقة اليوم وجه: أنه لا يصح كالثمن في زمن الخيار، وهذا يظهر على القول بأن النشوز في أثناء اليوم يسقط نفقة جميعه.
ولا يجوز ضمان نفقة القريب مدة مستقبلة، وفي نفقة يومه وجهان: أرجحهما عند الشيخ: عدم الصحة؛ لأن سبيلها سبيل البر والصلة.
قال: (والمذهب: صحة ضمان الدرك)؛ لأن الحاجة تدعو إلى معاملة من لا يعرف، ويخاف عدم الظفر به لو ظهر الاستحقاق فاحتيج إلى التوثق، وبهذا قال الأئمة الثلاثة، وخرج ابن سريج قولًا: إنه لا يصح؛ لأنه ضمان ما لم يجب.
وجوابه: أنا نشترط في صحته قبض الثمن كما سيأتي، وقطع بعضهم بالمنصوص؛ فلذلك عبر المصنف عنه بـ (المذهب).
و (الدرك) بفتح الدال وبفتح الراء وإسكانها: التبعة، سميت بذلك؛ لالتزام الغرامة عند إدراك المستحق عين ماله، ويسمى أيضًا: ضمان العهدة، وهي الصك الذي يكتب فيه الثمن، والفقهاء يعبرون به عن الثمن.
قال: (بعد قبض الثمن)؛ لأن الضامن إنما يضمن ما دخل في ضمان البائع، والثمن لا يدخل في ضمانه إلا بالقبض.
وقيل: يصح قبل القبض؛ لأن المشتري قد لا يثق بتسليم الثمن إلا بعد التوثق.
ومحله بالاتفاق إذا علم الضامن قدر الثمن، فلو جهله .. قال المتولي: يتخرج على بيع السلعة برقمها.
وَهُوَ: أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إِنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ
ــ
تنبيه:
ظاهر إطلاق المصنف وغيره: أن المراد القبض الحقيقي، فلو أحال بالثمن أو صالح عنه .. لم يكف وإن جعلنا الحوالة استيفاء؛ لأن ذلك ليس بقبض حقيقي، ولو قبضه في المجلس .. لم يكف أيضًا كما تقدم في (السلم)، وكذلك لو أبرأه منه، فقد صرح الماوردي في (باب الربا) بأن أحد العوضين لو كان دينًا وأبرأه منه .. لم يكف، وعلله بعدم الاستقرار.
وفي (فتاوى البغوي): إذا أثبت دينًا على غائب، وللغائب دار فأمر القاضي ببيعها من المدعي بالدين، فباع وضمن البائع أو غيره للمدعي الدين، إن خرجت مستحقة .. لا يصح؛ لعدم القبض، وعلى قياسه لو باعها صاحبها بالدين المذكور وضمن دركه .. لا يصح.
قال: (وهو: أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقًا) فيقول: ضمنت لك عهدته أو دركه أو خلاصك منه، فلو قال: خلاص المبيع .. لم يصح؛ لأنه لا يستقل بخلاصه بعد ظهور الاستحقاق، ولو ضمن عهدته إن أخذ المبيع بالشفعة لأجل بيع سابق .. صح.
قال في (المطلب): والمضمون في هذا الفصل ليس هو رد العين، وإلا .. كان يلزم أن لا تجب قيمته عند التلف بل المضمون إنما هو ماليته عند تعذر رده، حتى لو بان الاستحقاق والثمن في يد البائع .. لا يطالب الضامن بقيمته.
قال: (أو معيبًا) فيضمن رد الثمن إن خرج المبيع معيبًا، ورده للحاجة إليه.
قال: (أو ناقصًا لنقص الصنجة)؛ للاحتياج إلى ذلك أيضًا.
وصورة المسألة: أن يبيع شيئًا بشرط أن وزنه كذا، فإذا خرج دونه .. بطل البيع على قول، ويثبت للمشتري الخيار في قول آخر كما تقدم في بابه، على أن ضمان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العهدة قد يكون للبائع أيضًا، بأن يخرج الثمن المعين مستحقًا أو ناقصًا ونحو ذلك.
وقوله: (لنقص الصنجة) كتبه المصنف بخطه بـ (اللام) أي: بأن جاء المشتري بصنجة وزن بها، فاتهمه البائع فيها، فضمن شخص نقصها إن نقصت؛ فإنه يصح، ويقع في بعض النسخ بـ (الكاف)، وهي أعم من اللام.
و (الصنجة) بفتح الصاد: فارسية معربة، والجمع: صنج، ويقال: سنجة –بالسين- خلافًا لابن السكيت.
تنبيه:
قال الشيخ: قال الأصحاب في (كتاب البيع): إن ما وجب بكيل أو وزن لا يصح قبضه جزافًا، ومتى قبضه بكيل أو وزن وادعى بعد ذلك أنه أنقص من حقه نقصًا كثيرًا .. لم يقبل قوله في الأصح، وههنا قالوا: يقبل، وما قالوه في البيع محمول على ما إذا قبض بكيل أو وزن معروف لهما، وههنا قبض بصنجة المشتري، والبائع جاهل بها ولكن اعتمد عليه فهل نقول: إن القبض صحيح اعتمادًا على تصديقه ظاهرًا؟ أو نقول: فاسد حتى لا يجوز له التصرف فيما قبضه في الأصح كما إذا قبضه جزافًا؟ لم أر فيه نقلًا، والاقرب: أنه صحيح؛ اعتمادًا على ظن الصدق، ولكن يقبل قوله؛ لعدم حصول الموافقة على الصنجة.
فروع:
الأول: إذا عين الضامن في ضمانه جهة كخروجه مستحقًا .. لم يطالب بجهة أخرى كالرد بالعيب، وإن أطلق ضمان العهدة أو الدرك .. طولب عند خروجه مغصوبًا أو مستحقًا بشفعة، فلو بان الفساد بشرط أو غيره أو خرج المبيع معيبًا فرده .. فوجهان لم يصحح الرافعي في (الكبير) منهما شيئًا، وأقربهما في (الشرح الصغير)
وَكَوْنُهُ لَازِمًا، لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ. وَيَصِحُّ ضَمَانُ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الأَصَحِّ.
ــ
وزوائد (الروضة): عدم المطالبة، وأجاب في (الحاوي الصغير) بالمطالبة.
الثاني: في صحة ضمان الدرك للمستأجر وجهان حكاهما الرافعي في آخر بابها، وجزم الشيخ بأن ضمان الدرك في الإجارة كهو في البيع.
الثالث: قال ابن القطان: إذا عقد البيع وكتب في شرطه، وأن على البائع إن استحق المبيع غرم ما يحدثه المشتري من بناء وغراس .. فالشرط فاسد؛ لأنه ضمان مجهول، والحيلة لمن أراد ذلك أن يكتب في الصك: ثم بعد تمام العقد وتفرقهما عن تراض ضمن فلان بن فلان لفلان بن فلان –إن خرج المبيع مستحقًا- أرشَ ما يحدثه من بناء أو غراس.
قال: (وكونه لازمًا) أي: حالًا ومآلًا؛ لأنه وثيقة يستوفى منها الحق فصحت في كل دين لازم وإن لم يكن مستقرًا كالرهن.
والمراد بـ (اللازم): ما يلزم من هو عليه أداؤه عند طلب مستحقه.
قال: (لا كنجوم كتابة) كما لا يصح الرهن بها، وقيل: يصح، وهو مخرج من الخلاف في ضمان ما لم يجب وجرى سبب وجوبه، أما ضمان ما على المكاتب من دين لغير سيده .. فإنه يصح.
قال: (ويصح ضمان الثمن في مدة الخيار في الأصح)؛ لأنه آيل إلى اللزوم فألحق به.
والثاني: لا؛ لعدم اللزوم في الحال.
وقال المتولي: الخلاف مفروض فيما إذا كان الخيار للمشتري، أو لهما، فإن كان للبائع وحده .. صح ضمانه بلا خلاف؛ للزومه في حق من عليه.
وَضَمَانُ الْجُعْلِ كَالرَّهْنِ بِهِ. وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا فِي الْجَدِيدِ. وَالإِبْرَاءُ مِنَ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ
ــ
قال: (وضمان الجعل) في الجديد (كالرهن به)؛ لأن كلًّا منهما للتوثق، وتقدم أنه يصح بعد الفراغ لا قبله، وعبر بـ (الجديد)؛ لأن القديم يصحح ضمان ما لم يجب ولا جرى سبب وجوبه فهذا أولى.
وضمان مال المسابقة إن جعلناها إجارة .. صح، وإلا .. فكالجعل.
قال: (وكونه معلومًا في الجديد)؛ لأنه إثبات مال في الذمة بعقد فأشبه البيع والإجارة، فيشترط العلم بالجنس والقدر والصفة.
والقديم: لا يشترط؛ لأن معرفته متيسرة.
ومحل الخلاف في مجهول تمكن الإحاطة به مثل: أنا ضامن لثمن ما بعت من زيد، كما مثل به في (المحرر) فإن قال: لشيء منه .. بطل جزمًا، ولو قال: لثمن ما ستبيعه .. بطل على الجديد؛ للجهالة وعدم الاستقرار.
وإذا شرطنا العلم فوكل .. ففي اشتراط علم الوكيل أيضًا وجهان: أشبههما في (الرافعي): لا يشترط، وقال في (الكفاية): الجمهور على اشتراطه، والأصح في (الشرح) و (الروضة): أنه لا يشترط القبول، وفي (باب الهبة) من (المطلب): المنصوص اشتراطه.
قال: (والإبراء من المجهول باطل في الجديد) سواء في ذلك مجهول العين والقدر والصفة؛ لأن البراءة متوقفة على الرضا، والرضا بالمجهول غير معقول؛ لأنه تمليك.
والقديم: يصح؛ لأنه إسقاط، فأشبه ما إذا قطع عبد عضوًا من عبد فعفا السيد عن القصاص وهو لا يعلم عين المقطوع .. فإنه يصح، والمصحح في (الشرح) و (الروضة): أن الإبراء تمليك، وفي (الصغير): أنه إسقاط.
إِلَّا مِنْ إِبِلِ الدِّيَةِ،
ــ
وقال في زوائد (الروضة) في (الرجعة): المختار: أنه لا يطلق ترجيح واحد من القولين، وإنما يختلف الراجح بحسب المسائل؛ لظهور دليل أحد الطرفين.
فروع:
لفظ الترك صريح في الإبراء كما صرح به الروياني، ولو قال: أبرأتك من الدين شهرًا، إن قلنا: إسقاط .. صح، وإن قلنا: تمليك .. فوجهان.
ولو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد أبرأتك .. لم يصح جزمًا.
ولو قال: أبرأتك من درهم إلى ألف .. فوجهان، وقيل: قولان: المنصوص منهما في (البويطي): الصحة، وسيأتي قريبًا نظير ذلك من الضمان.
وإذا قال المغتاب لمن اغتابه: اجعلني في حل وهو لا يدري ما اغتابه به فوجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه محض إسقاط.
والأصح في (الأذكار): لا يكفي؛ لأن المقصود رضاه ولا يمكن الرضا بالمجهول، لكن أفتى الحناطي بأن الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب .. يكفي فيها الندم والاستغفار، وأنه لو قال: أبرأتك في الدنيا دون الآخرة .. برئ في الدنيا والآخرة، لأن من برئ في الدنيا برئ في الآخرة.
وقوله له: أنت في حل من كذا هل هو صريح في البراءة أو كناية؟ فيه وجهان.
قال: (إلا من إبل الدية) فتصح البراءة منها وإن كانت مجهولة اللون والصفة؛ لأنها تثبت في ذمة الجاني مع اغتفار هذه الجهالة فكذا هنا.
وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الأًصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ مِمَّا لَكَ عَلَى زَيْدٍ مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَةٍ .. فَالأَصَحُّ: صِحَّتُهُ، وَأَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِعَشَرَةٍ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: لِتِسْعَةٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ
ــ
قال: (ويصح ضمانها في الأصح) قياسًا على الإبراء، ولأنها معلومة السن والعدد، والمرجع في صفتها ولونها إلى غالب إبل البلد.
والثاني: لا، لأن الإبراء مطلوب مأمور به فسومح فيه، بخلاف الضمان.
ولا يجوز ضمان الدية على العاقلة قبل تمام السنة؛ لعدم ثبوتها.
قال: (ولو قال: ضمن مما لك على زيد من درهم إلى عشرة .. فالأصح: صحته)؛ لانتفاء الضرر بذكر الغاية.
والثاني: لا يصح؛ لجهالة المقدار، فإنه متردد بين الدرهم والعشرة، وهذا الوجه أقيس عند الغزالي، وأصح عند البغوي والروياني.
قال: (وأنه يكون ضامنًا لعشرة) أي: إذا كانت عليه أو أكثر منها؛ إدخالًا للطرفين.
قال: (قلت: الأصح: لتسعة والله أعلم)؛ إدخالًا للطرف الأول، وهذا الذي صححه المصنف في نظيره من الإقرار كما سيأتي.
وقيل: يكون ضامنًا لثمانية؛ إخراجًا للطرفين، كما لو قال: بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار .. فإنهما لا يدخلان في البيع، واختار الشيخ موافقة صاحب (التهذيب) في لزوم عشرة في الضمان والإقرار، وكأنه قال: له علي دراهم من درهم إلى عشرة.
والغاية إذا كانت بيانًا لما قبلها دخل طرفاها كما تقول: قرأت القرآن من فاتحته إلى خاتمته، وغسلت يدي من رؤوس الأصابع إلى الإبط، وهذا معنى قولهم: إذا كان من جنس المغيا .. دخلت.