المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ التَّفْلِيسِ منْ عَلَيْهِ دُيُونٌ حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ ــ كتاب - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ التَّفْلِيسِ منْ عَلَيْهِ دُيُونٌ حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ ــ كتاب

‌كِتَابُ التَّفْلِيسِ

منْ عَلَيْهِ دُيُونٌ حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ

ــ

كتاب التفليس

هو في اللغة: النداء على المفلس وشهرته بصفة الإفلاس.

وفي الشرع: جعل القاضي من عليه الدين مفلسًا بمنعه من التصرف في ماله.

وأفلس الرجل: صار ماله فلوسًا، كأجنب أي: صار جنبًا، وقيل: صار إلى حالة يقال فيها: ليس معه فلس، إذا ذهب ذهبه وفضت فضته.

وافتتح الباب في (المحرر) بما روى الدارقطني [4/ 230] وصحح الحاكم [3/ 274] عن كعب بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ، وباع ما له في دين كان عليه، وقسمه بين غرمائه، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لكم إلا ذلك) ثم بعثه إلى اليمن وقال: (لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك) فلم يزل باليمن حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم.

وبما روى مسلم [1559/ 24] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها .. فهو أحق بها من الغرماء) وهو أصرح من الرواية المشهورة: (أيما رجل مات أو أفلس .. فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه)؛ فإن الحنفي يحمله على المغصوب والعواري.

قال: (من عليه ديون حالة زائدة على ماله يحجر عليه)؛ للحديث المتقدم.

والمراد بـ (الديون): الجنس؛ لأن الدين الواحد يحجر به، فلو لم يكن عليه إلا

ص: 353

بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ

ــ

ديون مؤجلة وطلب أصحابها الحجر، وقلنا بالإفلاس بحل الديون .. لم يحجر عليه بها على الأصح؛ لأن طلب الحجر فرع طلب الدين والمؤجل لا يطلب.

وعبارة المصنف تقتضي: أنه لا يحجر عليه إذا لم يكن له مال، وتوقف فيه الرافعي.

قال: وجاز أن يقال: يجوز؛ منعًا له من التصرف فيما عساه يحدث له باصطياد أو اتهاب.

وقوله: (يحجر عليه) أي: يجب على الحاكم ذلك، كما صرح به في زوائد (الروضة) عن الأصحاب، وعبر في (المحرر) –تبعًا للإمام وغيره- بجوازه، فعدل عنها المصنف لذلك.

قال: ولعل مرادهم: أن القاضي يفعل المصلحة من الحجر والبدار إلى البيع.

قال: (بسؤال الغرماء)؛ لأن ذلك لمصلحتهم، فإنه قد يخص بعضهم بالوفاء فيضر بالباقين، وقد يتصرف فيه فيضيع حق الجميع.

قال في (الكفاية): ومن هذه العلة يستنبط: أن المال لو كان مرهونًا .. امتنع الحجر، ولم أقف عليه منقولًا.

ولفظ (المال) يطلق على الأعيان وعلى الديون كما صرحوا به في (الأيمان)، وعلى المنافع كما صرح به الرافعي في (الوصية).

ص: 354

وَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ. وَإِذَا حُجِرَ بِحَالٍّ .. لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ فِي الأَظْهَرِ

ــ

فأما اعتبار العين .. فواضح، لكن ما لا يصل إلى الأداء منه كالمغصوب والغائب ينبغي عدم اعتباره، والدين إن كان حالًّا على مليء مقر .. اعتبر، وإلا .. فلا.

وأما المنفعة .. فلا اعتبار بها كما سيأتي في الكلام على إيجار أم الولد الموقوفة.

والمراد: الغرماء المطلقون التصرف، أما المحجور عليهم .. فسيأتي حكمهم.

قال شيخنا: وفي الحجر بدين الله تعالى إذا طلبه من له طلبه نظر، وكذا الحجر بالدين على الصبي ونحوه، وعبارة المصنف تشمله، فإن رأينا الحجر به .. حجر على الولي في مال المحجور عليه، أم المكاتب .. فلا يحجر عليه بالتماس السيد النجوم؛ لأنه متمكن من إسقاطها.

و (الغرماء): جمع غريم، وقد تقدم ذكره في (صلاة الجماعة).

قال: (ولا حجر بالمؤجل)؛ لأنه لا يطالب به الآن.

ولو كان بعضه حالًّا وبعضه مؤجلًا، فإن كان الحال قدرًا يحجر به .. حجر، وإلا .. فلا.

قال: (وإذا حجر بحالٍّ .. لم يحل المؤجل في الأظهر)؛ لأن الأجل حق مقصود له فلا يفوت عليه، وهذا نص (المختصر).

والثاني: يحل كالموت، وبه جزم في (البويطي)، لكن تعبيره بـ (الأظهر) مخالف لتعبير (الروضة) بـ (المشهور).

وأجاب الشيخ عن الأول بأن ذمة الميت خربت.

وإذا قلنا: يحل المؤجل بالإفلاس، فإذا أزيل عنه الحجر وبقي بعض الأجل .. قال القفال: يعود الحق مؤجلًا، وهذا فرع غريب في تأجيل الحال، وهو مبني على مسألة الزائل العائد.

ص: 355

وَلَوْ كَانَتِ الدُّيُونُ بِقَدْرِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ .. فَلَا حَجْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِه .. فَكَذَا فِي الأَصَحِّ

ــ

وفي الحلول بالجنون ثلاث طرق:

أحدها: يحل به؛ لأنه لا استقلال له كالميت وقيمه كالوارث.

والثاني: لا يحل به؛ لأن قيم المجنون له أن يبتاع له بثمن مؤجل عند ظهور المصلحة، فإذا لم يمنع الأجل ابتداء .. فأولى أن لا يقطعه دوامًا.

والثالث: قولان، والأصح: أنه لا يحل مطلقًا.

قال الشيخ: ولم يصرح الرافعي بتصحيح في ذلك، لكنه الذي يفهم من كلام الأصحاب.

ووقع في (الروضة): ولو جن وعليه مؤجل .. حل على المشهور وهو مكتوب على كشط ومضروب عليه، ثم كشط الضرب.

قال الشيخ: ولا ريبة في أن الصحيح: عدم الحلول.

وفي الحلول باسترقاق الحربي خلاف مرتب على المفلس، وأولى بالحلول.

وبحل الدين أيضًا بالردة المتصلة بالموت، كما اتفقوا على أنه يحل بالموت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(ذمة الميت معلقة بدينه حتى يقضى عنه).

قال: (ولو كانت الديون بقدر المال، فإن كان كسوبًا ينفق من كسبه .. فلا حجر)؛ لأنه لا حاجة إليه، بل يأمره بقضاء الدين.

قال: (وإن لم يكن كسوبًا وكانت نفقته من ماله .. فكذا في الأصح)؛ لتمكنهم من المطالبة في الحال.

ص: 356

وَلَا يُحْجَرُ بِغَيْرِ طَلَبٍ. وَلَوْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ. حُجِرَ، وَإِلَّا .. فَلَا. وَيُحْجَرُ بِطَلَبِ الْمُفْلِسِ فِي الأَصَحِّ

ــ

والثاني: يحجر؛ لئلا يذهب ماله، واختاره الإمام.

قال: (ولا يحجر بغير طلب)؛ لأن الحق لهم وهم أعرف بمصالحهم، فلو كانت الديون لمجانين أو صبيان أو محجور عليهم بسفه .. حجر لمصلحتهم بلا التماس، ولا يحجر لدين الغائبين؛ لأنه لا يستوفى ما لهم في الذمم، إنما تحفظ أعيان أموالهم، على أن في المسألة تناقضًا بيَّنه في (المهمات).

قال: (ولو طلب بعضهم ودينه قدر يحجر به .. حجر)؛ لئلا يضيع حقه بتكاسل غيره، ولأنه كجميع الغرماء إذا طلبوا، ثم لا يختص الحجر به بل يعم أثره الجميع.

والمراد بكونه (يحجر به): أن يكون زائدًا على ماله، أو مساويًا له على الوجه المتقدم.

قال: (وإلا .. فلا) أي: إذا لم يكن دين الطالب زائدًا على الأصح، ولا مساويًا له على ذلك الوجه .. فلا حجر؛ لأن دين الطالب ممكن وفاؤه بكماله ولا ضرر إلى طلب الحجر، هذا هو المشهور.

واختار الجويني والقاضي أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ والمتولي: أنه يحجر به، وقواه المصنف.

قال: (ويحجر بطلب المفلس في الأصح)؛ لأن له فيه غرضًا ظاهرًا.

وفي (الرافعي): أنه الحجر على معاذ رضي الله عنه كان بسؤاله، وهذا لم يثبت، بل في (النهاية): أنه كان بسؤال الغرماء.

والثاني: لا يحجر؛ لأن الحرية والرشد ينافيان الحجر، وإنما جوز بسؤال الغرماء للضرورة، واختاره الشيخ، قال: وصورة المسألة: أن يثبت الدين بدعوى

ص: 357

وَإِذَا حُجِرَ .. تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَى حَجْرِهِ لِيُحْذَرَ

ــ

الغرماء وإقامتهم البينة على إقراره ولم يطلبوا الحجر، ويطلب هو، أو كان القاضي عالمًا بثبوت الدين وقلنا: يعتمد العلم، أما بدون ذلك .. فلا يكفي طلب المفلس.

قال: (وإذا حجر .. تعلق حق الغرماء بماله) كالرهن؛ لأن ذلك فائدة الحجر سواء كان ماله عينًا أو دينًا أو منفعة.

قال شيخنا: وفي تعلقه بالدين المؤجل حتى لا يصح الإبراء منه نظر ظاهر، والظاهر: خلافه.

فعلى هذا: إذا حل .. هل يتعلق به جزمًا، أو يتخرج على الخلاف في الأموال الحادثة؟ فيه نظر.

ومعنى (التعلق بماله): أنه لا ينفذ تصرفه فيه بما يضر الغرماء، ولا تزاحمه الديون الحادثة.

واحترز بـ (حق الغرماء) عن ديون الله تعالى كالزكاة والكفارات والنذور؛ فإنها لا تتعلق بماله كما جزم به الشيخان في الباب الثاني من (كتاب الأيمان) بعد ذكرهما الأقوال في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي، وقالا: إن الأقوال لا تجري في المفلس، بل يقدم حق الآدمي ما دام حيًا.

قال الشيخ: ولم يحتج المصنف إلى ذكر المنع من التصرف كما ذكره غيره؛ لأن ذلك حقيقة الحجر.

قال: فإن قلت: الصحيح عند الرافعي والمصنف: أنه يحجر بسؤال المفلس، وذلك يدل على أن الحجر لنفسه .. فالجواب أنه لأجل الغرماء وإن جاز بسؤاله؛ لأن من مصلحته وفاء ديونه.

قال: (وأشهد على حجره ليحذر) وهذا الإشهاد مندوب على الأصح.

ص: 358

وَلَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ .. فَفِي قَوْلٍ: يُوقَفُ تَصَرُّفُهُ، فَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ عَنِ الدَّيْنِ .. نَفَذَ، وَإِلَّا .. لَغَا، وَالأَظْهَرُ: بُطْلَانُهُ. وَلَوْ بَاعَ مَالَهُ لِغُرَمَائِهِ بِدَيْنِهمْ .. بَطَلَ فِي الأَصَحِّ

ــ

وقيل: واجب.

وقيل: شرط لا يصح الحجر إلا به.

والحاكم مخير في صيغة الحجر بين أن يقول: وقفت عليك مالك ومنعتك من التصرف، وأن يقول: حجرت عليك ومنعتك من التصرف.

ويستحب مع الإشهاد النداء عليه، ولم يقل أحد بوجوبه.

قال: (ولو باع أو وهب أو أعتق .. ففي قول: يوقف تصرفه)؛ لأنه محجور عليه لحق الغرماء، فيكون تصرفه موقوفًا كالمريض، وكذلك الحكم في وقفه وإجارته وغيرهما، ويصح تدبيره ووصيته؛ لنفوذهما بعد الموت.

قال: (فإن فضل ذلك عن الدين .. نفذ) كما إذا حصل إبراء أو بيع بزيادة ثمن.

قال: (وإلا .. لغا) أي: الجميع إن لم يفضل شيء؛ إلحاقًا له بالمريض، فإن فضل شيء لبعضها فقط .. لغا الأضعف فالأضعف، فيلغو الرهن ثم الهبة ثم البيع ثم الكتابة ثم الوقف ثم العتق، كذا في (الروضة).

وفي (المهذب): يحتمل عندي نقض الآخر فالآخر كالمريض، وصرح في (المطلب) بأن هذا القول غير القول بوقف العقود المنسوب إلى القديم، فإن ذاك إنما تحصل فيه الصحة أو الملك من حين الإجارة، وهنا يتبين أنه صح وملك من حين العقد، ومع هذا القول لا يسوغ للمفلس الإقدام على التصرف، بل يمنعه قولًا واحدًا.

قال: (والأظهر: بطلانه)؛ قياسًا على الرهن، وبه قال مالك والمزني، ولأنه محجور عليه بحكم الحاكم فلا يصح تصرفه على مراغمة مقصود الحجر كالسفيه.

قال: (ولو باع ماله لغرمائه بدينهم .. بطل في الأصح)؛ لاحتمال أن يكون له غريم آخر فلا يصح من غير مراجعة القاضي.

ص: 359

فَلَوْ بَاعَ سَلَمًا أَوِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ .. فَالصَّحِيحُ: صِحَّتُهُ، وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ. وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ

ــ

والثاني: يصح كبيع الرهن للمرتهن، ،الوجهان مفرعان على الأظهر: أن بيعه للأجنبي باطل، فإن قلنا: يصح للأجنبي موقوفًا .. فههنا يصح جزمًا.

وظاهر عبارته: أن الخلاف في بيع جميع ماله فقط وليس كذلك، بل البعض كالجميع، فكان الصواب حذف لفظة (ماله).

وقوله (بدينهم): احترز به عما إذا باعه ببعضه أو بعين .. فإنه كالبيع من الأجنبي.

وصورة المسألة: أن يكون دينهم من نوع واحد، وباعهم بلفظ واحد، فإن باعهم مرتبًا .. بطل جزمًا، وإن باعهم معًا ودينهم مختلف .. بطل على الأصح.

ولو باع الأجنبي بإذن الغرماء .. لم يصح أيضًا على الأصح.

قال: (فلو باع سلمًا أو اشترى في الذمة .. فالصحيح: صحته، ويثبت في ذمته)؛ لأنه لا ضرر على الغرماء فيه.

والثاني: لا يصح كالسفيه، وكذلك الحكم في البيع الوارد على الذمة والقرض والإجارة، فلو قال:(فلو تصرف في ذمته) كما عبر الرافعي .. كان أولى.

وقوله: (فالصحيح صحته) صوابه: فالمشهور؛ لأن الثاني قول شاذ.

قال: (ويصح نكاحه وطلاقه وخلعه)؛ إذا لا تعلق لذلك بالمال، والمراد: خلع الزوج، أما خلع الزوجة أو الأجنبي .. فلا ينفذهما في العين، وفي الدين الخلاف في السلم ونحوه.

وقال الغزالي في (الخلاصة): لا يتناول الحجر الطلاق ولا الإقرار بالنسب، ولا القصاص، ولا الاستيلاد، وبمثل ذلك عبر الشيخ أبو محمد في (مختصر

ص: 360

وَاقْتِصَاصُهُ وَإِسْقَاطُهُ. وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ .. فَالأَظْهَرُ: قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ .....

ــ

المختصر)، ومسألة الاستيلاد غريبة لا تعرف إلا في هذين الكتابين.

قال: (واقتصاصه)؛ لما تقدم مع التشفي، والمراد: أنه إذا طلبه أجيب.

قال: (وإسقاطه) أي: ولو مجانًا في الأصح؛ لأنه مندوب إليه، وقد ذكره المصنف قبيل (الديات).

والثاني: لا؛ لأن فيه تضييعًا لحق الغرماء.

قال: (ولو أقر بعين أو دين وجب قبل الحجر .. فالأظهر: قبوله في حق الغرماء).

أما قبوله بالنسبة إليه .. فلا خلاف فيه؛ لأن المكلف يؤاخذ بإقراره، والقولان في قبوله في حق الغرماء أظهرهما –كما قال-: يقبل كإقرار المريض بدين يزاحم به الغرماء، ولأن ضرره في حقه أكثر فلا يتهم فيه.

وعلى هذا: لو أراد الغرماء تحليفه عليه .. لم يحلف؛ لأنه لو امتنع .. لم يفد؛ إذ لا يقبل رجوعه، وفي (فتاوى البغوي) وجه: أنه يحلف ويصح رجوعه.

والقول الثاني: لا يقبل إقراره في حقهم؛ لأن فيه إضرارًا بهم، ولأنه ربما واطأ المقر له، ولا فرق في الدين بين أن يطلقه أو يسنده لمعاملة أو إتلاف.

وقول المصنف: (وجب قبل الحجر) صفة للدين، ولا فرق في العين بين أن تكون مغصوبة أو عارية أو مستامة أو وديعة.

وفائدة القبول في الدين: مزاحمة الغرماء، وفي العين: تسليمها إليه.

وتعبيره بـ (الوجوب) أولى من تعبير (المحرر) و (الروضة) بـ (اللزوم)؛ ليدخل فيه ما وجب، ولكن تأخر لزومه إلى ما بعد الحجر كالثمن في المبيع المشروط فيه الخيار.

ص: 361

وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إِلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ مُطْلَقًا .. لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهمْ، وَإِنْ قَالَ: عَن جِنَايَةٍ .. قُبِلَ فِي الأَصَحِّ. وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ مَا كَانَ اشْتَرَاهُ

ــ

ولو أقر بسرقة توجب القطع .. قطع، وفي رد المسروق القولان، والقبول أولى؛ لعدم التهمة.

مهمة:

ادعى عليه بمال لزمه قبل الحجر فأنكر ونكل، فحلف المدعي، إن قلنا: النكول ورد اليمين كالبينة .. زاحم، وإن قلنا: كالإقرار وهو الأظهر .. فعلى القولين، كذا قاله الشيخان هنا، وهو وهم؛ فإن الصحيح في الدعاوى: أن الحكم لا يتعدى إلى ثالث إن جعلناه كالبينة، بل يكون قاصرًا عليهما، والذي قالاه هنا هو الوجه المرجوح في موضعه، حتى قال الرافعي في آخر (الشركة): إن الأئمة اتفقوا على ضعفه.

قال: (وإن أسند وجوبه إلى ما بعد الحجر بمعاملة أو مطلقًا .. لم يقبل في حقهم) أما الأولى .. فلتقصير من عامله، وأما الثانية .. فلأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن، وهو ما بعد الحجر؛ لأنه المتحقق.

واحترز بـ (المعاملة) عما إذا أسنده لجناية وسيأتي.

قال: (وإن قال: عن جناية .. قبل في الأصح) كما لو أسند لزومه لما قبل الحجر.

والثاني: لا كما لو قال: عن معاملة، وكان الأحسن التعبير بـ (المذهب).

ولو أضاف الجناية إلى ما قبل الحجر .. فكما لو أضاف المعاملة إليه، وإن أطلق الجناية .. فكما لو أطلق الدين.

قال: (وله أن يرد بالعيب ما كان اشتراه)؛ لأنه من أحكام البيع الأول

ص: 362

إِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ. وَالأَصَحُّ: تَعَدِّي الْحَجْرِ إِلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ بِالِاصْطيَادِ وَالْوَصِيَّةِ وَالشِّرَاءِ إِنْ صَحَّحْنَاهُ،

ــ

لا تصرف مبتدأ، قال القاضي حسين: ولا يجبر عليه، ويؤخذ ذلك من قول المصنف:(وله الرد)؛ لأنه لم يفوت حاصلًا، وإنما هو امتناع من الاكتساب.

ولم يصرح الرافعي بهذه المسألة لكنه نقل عن النص: أن المريض إذا اطلع على عيب فيما كان قد اشتراه في حال صحته فكان الأحوط الرد فتركه .. حسب من الثلث، فدل على أنه تفويت، فينبغي وجوب الرد في مسألة الكتاب.

قال: (إن كانت الغبطة في الرد)؛ عملًا بالمصلحة، فإن كانت في الإمساك .. لم يرد، بخلاف الفسخ والإجازة في زمن الخيار؛ فإنهما جائزان ولو بخلاف الغبطة على الأصح؛ لأن العقد حينئذ مزلزل فضعف تعلقهم به.

قال في (الشرح الصغير): ويجيء عليه: أن الرد بالعيب لا يقيد بالغبطة أيضًا، قال الشيخ: وليس كما قال.

وعبارة المصنف تقتضي: أنه لا يرد إذا لم تكن غبطة أصلًا، لا في الردة ولا في الإمساك، وفيه نظر، وليس في (الشرحين) ولا في (الروضة) تصريح به.

ولو تعذر الرد بحدوث عيب عنده .. استحق الأرش إن لم يرض البائع بالعيب الحادث، ولا ينفذ إبراؤه منه؛ لما فيه من إبطال حق الغرماء.

قال: (والأصح: تعدي الحجر إلى ما حدث بعده بالاصطياد والوصية والشراء إن صححناه)؛ لأن المقصود بالحجر وصول الحق إلى مستحقه، وهذا المعنى

ص: 363

وَأَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ أَنْ يَفْسَخَ وَيَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ إِنْ عَلِمَ الْحَالَ، وَإِنْ جَهِلَ .. فَلَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ التَّعلُّقُ بِهَا .. لَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ

ــ

يقتضي شمول الحجر للمال الحادث أيضًا.

والثاني: لا يتعدى؛ لأنه لم يكن موجودًا حالة الحجر.

وقيل: الوجهان فيما ملكه بالشراء، وما عداه يتعدى إليه الحجر جزمًا.

قال: (وأنه ليس لبائعه أن يفسخ ويتعلق بعين متاعه إن علم الحال، وإن جهل .. فله ذلك)؛ لأن الإفلاس كالعيب فيفرق فيه بين العلم والجهل.

والثاني: له ذلك مطلقًا؛ لتعذر الوصول إلى الثمن، كما لو تزوجت فقيرًا عالمة بحاله .. فإن لها الفسخ بإعساره بالنفقة.

والثالث: لا مطلقًا؛ لتقصيره بترك البحث والسؤال.

قال: (وأنه إذا لم يكن التعلق بها) أي: إذا قلنا: ليس له التعلق بعين ماله، فـ (كان) في عبارته تامة بمعنى يثبت، وعبارة (المحرر):(إذا لم يكن له) فحذف المصنف (له) اختصارًا فالتبس على بعض النساخ فكتب (إذا لم يمكن) وفي كل منهما نقص وإيهام.

قال: (.. لا يزاحم الغرماء بالثمن)؛ لأنه دين حدث بعد الحجر برضا مستحقه، فلا يزاحم الغرماء به؛ قياسًا على دين الصداق والضمان، والديون التي هذا شأنها لا يزاحم مستحقها الغرماء الأولين، فإن فضل شيء عن ديونهم .. أخذه.

والثاني: يزاحم؛ لأن الغرماء ملكوا المبيع في مقابلة مزاحمته، بخلاف الصداق ونحوه.

وقيل: لا يزاحم إلا بثمن المبيع خاصة.

ص: 364