المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ السَّلَمِ ــ كتاب السلم قال الأزهري: السلم والسلف بمعنى واحد، سمي: سلمًا؛ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ السَّلَمِ ــ كتاب السلم قال الأزهري: السلم والسلف بمعنى واحد، سمي: سلمًا؛

‌كِتَابُ السَّلَمِ

ــ

كتاب السلم

قال الأزهري: السلم والسلف بمعنى واحد، سمي: سلمًا؛ لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفًا؛ لتقديمه.

وقال الماوردي: السلم لغةُ حجازيةٌ، والسلف عراقية، واللفظان رواهما مسلم في (صحيحه)[1603/ 126 - 1604/ 127] كما ستأتي الإشارة إليه.

وجمع المصنف في الباب بين السلم والقرض؛ لاشتراكهما في المعنى وإن امتاز كل منهما بأمور تختص به.

وروى البيهقي والخطابي والرافعي في (شرح المسند) عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كره لفظ السلم؛ كأنه ضن بالاسم الذي هو موضوع للطاعة والانقياد لله عن أن يسمى به غيره، وأن يستعمله في غير طاعة الله ويذهب به إلى معنى السلف، وهذا من الإخلاص باب لطيف المسلك.

والأصل في الباب: قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} قال ابن عباس رضي الله عنهما: (نزلت في السلم).

وروى الشيخان [خ2239 - م1604] عنه أنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال:(من أسلف .. فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم).

قال الشافعي رضي الله عنه: وأجمعت الأمة على جواز السلم فيما علمت.

ص: 237

هُوَ بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، يُشْتَرَطُ لَهُ مَعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ أُمُورٌ:

ــ

وحكي عن سعيد بن المسيب: أنه أبطله، وهو محجوج بالكتاب والسنة والإجماع والقياس؛ فإن الحاجة قد تدعو إلى ذلك فجوز للضرورة.

قال: (هو بيع موصوف في الذمة) هذه أحسن العبارات، ومع ذلك يرد عليها: ما إذا عقده بلفظ البيع ولم يتعرض للفظ السلم .. فالأصح: انعقاده بيعًا لا سلمًا كما سيأتي، فينبغي أن يزاد فيه: بلفظ السلم.

وزاد في (الروضة): ببدل يعطى عاجلًا، ورده الشيخ بأن التعجيل شرط من شروطه، لا أنه داخل في حقيقته.

وقال في (التنبيه): إنه صنف من البيع، وقال: الصلح بيع، والإجارة بيع؛ لأن السلم بيع الدين فقط، والصلح يجري على العين والذمة، وكذلك الإجارة.

قال: (يشترط له مع شروط البيع) أي: مع ما لابد منه في البيع (أمور)؛ لما تقدم: أنه صنف من البيع .. لزم أن تعتبر فيه شروط البيع، والمراد: ما لابد في البيع منه من شروط وأركان؛ لأنه قد تقدم: أنه أطلق الشرط على ما لابد منه، وذكرها الإمام سبعة:

تسليم رأس المال في المجلس، وكون المسلم فيه دينًا، مقدورًا عليه تسليمه، معلوم المقدار، معروف الأوصاف، والعلم بقدر رأس المال، وبيان موضع التسليم.

واقتصر الرافعي على الخمسة الأول؛ لأنها متفق عليها، والأخيران مختلف فيهما.

لكن يستثنى منه: أن سلم الأعمى يصح وإن كان أكمه على الصحيح، وبيعه وشراؤه لا يصحان في الجديد.

والكافر لا يصح شراؤه العبد المسلم على الصحيح كما تقدم، وفي صحة إسلامه فيه طريقان:

ص: 238

أَحَدُهَا: تَسْلِيمُ رَاسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِس. فَلَوْ أَطْلَقَ ثُمَّ عَيَّنَ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ .. جَازَ،

ــ

أحدهما: أنه على القولين، والمذهب: الصحة.

وعلى هذا: هل يؤمر بفسخه أو لا اعتراض عليه حتى يقبضه؟ فيه وجهان.

قال: (أحدها: تسليم رأس المال في المجلس)؛ للحديث المتقدم: (من أسلف .. فليسلف في كيل معلوم) والسلف هو التقديم، فاقتضى التعجيل، ولأن السلم مشتق من إسلام المال، أي: تعجيله، وأسماء العقود المشتقة من المعاني لابد من تحقيق تلك المعاني فيها، فلو تفرقا من غير قبض .. لم يصح؛ لأنه من بيع الدين بالدين وقد نهى الشارع عنه، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد.

وقال مالك: يجوز تأخيره مدة يسيرة كاليوم واليومين.

ولو تفرقا قبل تسليم بعضه .. فأوجه:

أصحها: أنه يصح فيما قبض مقابله، ويبطل فيما لم يقبض مقابله.

والثاني: ينفسخ في الجميع.

والثالث: يبطل في مقابل ما لم يقبض، وفي الباقي قولا التفريق.

قال القاضي: وهو من تفريق الصفقة في الابتداء، وجعله الرافعي من تفريقها في الدوام، وقال الإمام: هو رتبة ثالثة بين التفريق في الابتداء والدوام، وكذا الخلاف في الصرف.

قال: (فلو أطلق ثم عين وسلم في المجلس .. جاز)؛ لأن المقصود: أن لا يتفرقا من غير قبض رأس المال، ولأن المجلس حريم العقد، فجعل القبض فيه كالتعيين في صلب العقد.

وأجمعوا على: منع أن يجعل الرجل دينًا له على رجل سلمًا في طعام إلى أجل؛ لأنه بيع دين بدين.

ص: 239

وَلَوْ أَحَالَ بِهِ وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ فِي الْمَجْلِسِ .. فَلَا،

ــ

قال: (ولو أحال به) أي: برأس المال (وقبضه المحال في المجلس .. فلا) أشار بهذا إلى أن المراد بالتسليم: حقيقته، فلو أحال به .. لم يصح وإن قلنا: إنها استيفاء؛ لأن الحوالة ليست بقبض حقيقي، والمحال عليه يؤدي عن نفسه، لا عن المسلم.

وطريقة صحة العقد: أن يقبضه المسلم، ثم يسلمه إلى المسلم إليه.

وسكت المصنف عما إذا أحال المسلم إليه أجنبيًا برأس المال على المسلم، وهو باطل أيضًا لما تقدم.

وإن أحضر المسلم رأس المال، فقال المسلم إليه: سلمه إليه .. صح ويكون المحتال وكيلًا عن المسلم إليه في القبض.

فرع:

وجد رأس المال في يد المسلم إليه، وقال: قبضت قبل التفرق، وقال المسلم إليه: بعده، وأقام كل منهما بينة .. قال ابن سريج: التسليم إليه أولى؛ لأن معها

ص: 240

وَلَوْ قَبَضَهُ وَأَوْدَعَهُ الْمُسْلِمَ .. جَازَ. وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَنْفَعَةً، وَيُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ. وَإِذَا فُسِخَ السَّلَمُ وَرَاسُ الْمَالِ بَاقٍ .. اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ: لِلْمُسْلَمِ إِلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ إِنْ عُيِّنَ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْعَقْدِ

ــ

زيادة علم وهو القبض قبل التفرق، فلو لم تكن بينة .. فالقول قول مدعي الصحة.

قال: (ولو قبضه وأودعه المسلم .. جاز)؛ قياسًا على سائر أمواله.

ولو قبضه، ثم رده إليه عن دين .. ففي (الرافعي) عن أبي العباس الروياني: أنه لا يصح، وأقره عليه.

والصواب: صحته؛ لأن التصرف في الثمن مع البائع في مدة الخيار صحيح على الأصح، ويكون إجازة منهما، وكذلك تصرف المشتري في المبيع.

قال: (ويجوز كونه منفعة، ويقبض بقبض العين) المراد: إذا جعل منفعة الدار أو العبد أو غيرهما مدة معلومة رأس مال الثمن .. جاز، كما يجوز جعل المنفعة ثمنًا وأجرة وصداقًا، ويكون تسليمها بتسليم العين؛ لأنه لما تعذر القبض الحقيقي .. اكتفينا بهذا لأنه الممكن.

وشمل إطلاق المصنف: ما لو كانت المنفعة متعلقة ببدنه كتعليم سورة أو خدمة شهر، ويكون تسليمها بتسليم نفسه، وفي جواز ذلك كله نظر، ولأجل ذلك أسقط المصنف هذه المسألة من (الروضة).

قال: (وإذا فسخ السلم ورأس المال باق .. استرده بعينه) فيمتنع إبداله إن كان معينًا في العقد؛ لأن الثمن المعين في العقد كالمبيع، وكذا إن كان مطلقًا وعين في المجلس في الأصح؛ لأنه بالتعيين في المجلس صار كالمعين في صلب العقد.

واحترز بقوله: (باق) عما إذا تلف؛ فإنه يرد مثله في المثلي، وقيمته في المتقوم.

قال: (وقيل: للمسلم إليه رَدُّ بدله إن عين في المجلس دون العقد)؛ لأن العقد لم يتناوله.

ص: 241

وَرُؤْيَةُ رَاسِ الْمَالِ تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فِي الأَظْهَرِ. الثَّانِي: كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا، فَلَوْ قَالَ: أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ هَذَا الْثَّوْبَ فِي هَذَا الْعَبْدِ .. فَلَيْسَ بِسَلَمٍ،

ــ

قال الشيخ: والذي يظهر: أن محل هذا الوجه إذا جرى الفسخ بعد التفرق، أما قبله .. فيسترد لا محالة.

وخص المتولي الوجهين: بما إذا كان رأس المال مثليًا، وقطع بتعيين رده إذا كان متقومًا.

قال: (ورؤية رأس المال تكفي عن معرفة قدره في الأظهر) كالمهر وثمن المبيع.

والثاني: لا تكفي بل يجب ذكر قدره، وكذا صفته؛ لأنه لا يؤمن أن يفسخ السلم بانقطاع المسلم فيه، فإذا لم يعرف قدره وصفته .. لم يعرف ما يرده، وبهذا قال مالك وأحمد.

وقال أبو حنيفة: إن كان مكيلًا أو موزونًا .. وجب ضبط صفاته، وإن كان مذروعًا أو معدودًا .. فلا.

وأجيب عن الثاني بأن احتمال الفسخ ثابت في البيع.

ولا فرق على القولين بين السلم الحال والمؤجل، ومنهم من خصهما بالمؤجل وقطع في الحال بأن المعاينة كافية.

وكلام المصنف محمول على ما إذا كان رأس المال مثليًا، أما المتقوم المشاهد .. فلا تشترط معرفة قيمته على المذهب.

كل هذا إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والقيمة على القول بها، فإن علما ذلك ثم تفرقا .. فلا خلاف في الصحة، وحيث صح ثم اتفق فسخ وتنازعا في قدره .. صدق المسلم إليه؛ لأنه غارم.

قال: (الثاني: كون المسلم فيه دينًا)؛ لأن بذلك تتحقق حقيقة السلم، وفي تسمية هذا شرطًا –وهو لابد منه- نظر، لكن الفقهاء يطلقونه عليه.

قال: (فلو قال: أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد .. فليس بسلم)؛ لعدم الدينية.

ص: 242

وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الأَظْهَرِ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَقَالَ: بعْتُكَ .. انْعَقَدَ بَيْعًا، وَقِيلَ: سَلَمًا. الثَّالِثُ: الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ، أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ. اشْتُرِطَ بَيَانُ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ، وَإِلَّا .. فَلَا

ــ

قال: (ولا ينعقد بيعًا في الأظهر)؛ لاختلاف اللفظ واختلاف الأحكام، فإن أسم السلم يقتضي الدينية فإضافته إلى المعين تناقض.

والثاني: ينعقد بيعًا، نظرًا إلى المعنى وهو بعيد.

ولو قال: بعتك بلا ثمن .. ففي انعقاده هبة هذا الخلاف.

قال: (ولو قال: اشتريت منك ثوبًا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال: بعتك .. انعقد بيعًا)؛ اعتبارًا باللفظ.

هذا إذا لم يذكر بعده لفظ السلم، فإن قال: بعتك كذا سلمًا أو اشتريته سلمًا .. فإنه يكون سلمًا كما جزم به الرافعي في تفريق الصفقة.

قال: (وقيل: سلمًا)؛ اعتبارًا بالمعنى، وصححه العراقيون، وجزم به في (التنبيه)، والروياني والجرجاني، ونقل عن النص، واختاره الشيخ ورجحه في (المهمات).

فعلى هذا: لا يثبت فيه خيار الشرط، ولا يجوز الاعتياض عن الثوب، ويجب قبض رأس المال في المجلس.

وعلى الأول: يثبت الخيار، ولا يجب التسليم، وفي الاعتياض القولان: أصحهما: الجواز.

قال: (الثالث: المذهب: أنه إذا أسلم بموضع لا يصلح للتسليم أو يصلح ولحمله مؤنة .. اشترط بيان محل التسليم، وإلا .. فلا)؛ لأن الموضع إذا كان صالحًا للتسليم وليس للحمل مؤنة .. اقتضى العرف وجوب التسليم فيه فحمل عليه، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك؛ لأن الأغراض تختلف باختلاف الأمكنة، وجملة ما في المسألة سبع طرق:

ص: 243

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إحداها: قولان.

والثانية: إن عقدا في موضع يصلح للتسليم .. لم يشترط، وإلا .. اشترط.

والثالثة: إن كان لحمله مؤنة .. اشترط، وإلا .. فلا.

والرابعة: إن لم يصلح .. اشترط، وإلا .. فقولان.

والخامسة: إن لم يكن لحمله مؤنة .. لم يشترط، وإلا .. فقولان.

والسادسة: إن كان له مؤنة .. اشترط، وإلا .. فقولان.

والسابعة: ما في الكتاب.

والمراد بمحل العقد: تلك المحلة، لا خصوص الموضع الذي عقد فيه.

والمصنف أطلق المسألة، ومحلها في السلم المؤجل، أم الحال .. فلا يشترط فيه بيان التسليم، بل يتعين موضع العقد كالبيع، لكن لو عينا غيره .. جاز بخلاف البيع.

فروع:

الثمن في الذمة والأجرة والصداق وعوض الخلع والكتابة ومال الصلح عن دم العمد وكلُّ عوض ملتزم في الذمة .. حكمه حكم السلم الحال، إن عين للتسليم موضعًا .. جاز، وإلا .. تعين موضع العقد.

ومتى شرطنا التعيين فلم يعين .. فسد العقد، وإن لم يشرطه فعيَّن .. تعيَّن، وعند الإطلاق يحمل على مكان العقد على الصحيح، فلو عيَّن موضعًا فخرب وصار لا يصلح .. فالأقيس: تعين أقرب موضع صالح.

ولو شرط تسليم المسلم فيه ببلد .. لزمه في أولها، ولا يكلف نقله إلى منزله، ولو قال: في أي موضع شئت من البلدان .. فسد السلم، ولو قال: في أي موضع

ص: 244

وَيَصِحُّ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا، فَإِنْ أَطْلَقَ .. انْعَقَدَ حَالًّا، وَقِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ

ــ

شئت من البلد الفلاني، فإن كان واسعًا كالبصرة وبغداد .. لم يجز، وإن كان صغيرًا .. جاز.

قال: (ويصح حالًا ومؤجلًا) أما المؤجل .. فبالنص والإجماع، وأما الحال .. فلأنه إذا جاز مؤجلًا .. فلأن يجوز حالًا أولى؛ لبعده عن الغرر.

ونقض هذا بالكتابة.

وأجيب بأن الأجل في الكتابة واجب؛ لعدم قدرة العبد، والحلول ينافي ذلك.

ومنع الأئمة الثلاثة السلم الحال؛ لقوله في الحديث: (إلى أجل معلوم).

جوابه: أن المراد: في كيل معلوم إن كان مكيلًا، وأجل معلوم إن كان مؤجلًا، ووزن معلوم إن كان موزونًا، وهم جوزوه في المذروع والمعدود، مع أن الحديث إنما نص على المكيل والموزون.

وشرط جواز السلم حالًا: أن يكون المسلم فيه موجودًا، فأما ما لم يوجد إلا بعد ذلك كالرطب في غير أوانه .. فلا يجوز إلا مؤجلًا.

تتمة:

قال المتولي: وفائدة العدول عن البيع إلى السلم الحال: أن المال ربما لا يكون حاضرًا، فلو باعه منه .. كان بيع غائب، فيعدل إلى السلم ويصف المال بصفاته، ويحضره ليكون العقد صحيحًا لازمًا.

قال: (فإن أطلق .. انعقد حالًا) كالثمن في البيع المطلق.

قال: (وقيل: لا ينعقد)؛ لأن العرف في السلم التأجيل فحمل عليه، وهو مجهول فيفسد.

ثم هذا التأجيل فيه أصل والحلول رخصة، أو بالعكس، أو كل منهما أصل، فيه ثلاثة أوجه في (الحاوي)، تظهر ثمرتها فيما إذا أطلق هل ينعقد أو لا؟

وإذا شرط المطالبة متى شاء .. فهو حال في أول أوقات الإمكان، وإذا أطلقا العقد ثم ألحقا أجلًا في المجلس .. فالمذهب: لحوقه، ولو صرحا بالأجل في العقد ثم

ص: 245

وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالأَجَلِ. فَإِنْ عَيَّنَ شُهُورَ الْعَرَبِ أَوِ الْفُرْسِ أَوِ الرُّومِ .. جَازَ،

ــ

أسقطاه في المجلس .. سقط وصار حالًا.

قال: (ويشترط العلم بالأجل) أي: إذا عقداه مؤجلًا، فلا يصح تأقيته بالحصاد والدياس ولا بقدوم الحاج والميسرة، خلافًا لمالك.

لنا: قوله تعالى: {إلى أجل مسمى} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:(إلى أجل معلوم).

وقال ابن خزيمة: يجوز التأقيت بالميسرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي شيئًا إلى الميسرة، والحديث صححه الحاكم [2/ 23]، ورواه النسائي [7/ 294] عن عائشة رضي الله عنها، ولفظه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي أن ابعث لي بثوبين إلى الميسرة).

والجواب: ضعف الحديث، أو لعل الوقت كان معلومًا، أو أن هذا لم يكن عقدًا بل استدعاء ولهذا لم يصف الثوبين.

وفي جواز تأجيل الضمان بالميسرة والحصاد والدياس قولان.

قال: (فإن عين شهور العرب أو الفرس أو الروم .. جاز)؛ لأنها معلومة مضبوطة.

أما شهور العرب. فبالإجماع وهي الهلالية، وأما شهور الفرس .. فعلى الصحيح.

فشهور العرب شهر منها ثلاثون يومًا وشهر تسعة وعشرون، إلا ذا الحجة؛ فإنه تسعة وعشرون وخمس وسدس، فالسنة العربية ثلاث مئة وأربعة وخمسون يومًا وخمس وسدس يوم، كذا ذكره صاحب (المهذب) في (كتاب الطلاق).

وتوقف مجلي فيه وقال: لم يبن لي وجه زيادة الخمس والسدس ولا رأيته لغيره من الأصحاب.

وصحح الجيلي: أن الهلالية ثلاث مئة وخمسة وخمسون يومًا.

وأما السنة الشمسية .. فثلاث مئة وخمسة وستون يومًا وربع يوم، أولها الحمل، وربما يجعل أولها النيروز.

ص: 246

فَإِنْ أَطْلَقَ .. حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِيِّ، فَإِنِ انْكَسَرَ شَهْرٌ .. حُسِبَ الْبَاقِي بِالأَهِلَّةِ وَتُمِّمَ الأَوَّلُ ثَلَاثِينَ

ــ

والهلالية أولها المحرم، وقد استقر التأريخ الإسلامي من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكانت في شهر ربيع الأول، ثم قدم عنه بشهرين.

وأما شهور الفرس –وهم فارس- فعدة كل شهر منها ثلاثون يومًا، إلا الأخير فخمسة وثلاثون، فتكون سنتهم ثلاث مئة وخمسة وستين يومًا.

وأما شهور الروم .. فالثاني والسابع والتاسع والثاني عشر كل منها ثلاثون يومًا، والخامس ثمانية وعشرون يومًا وربع يوم، والسبعة الباقية أحد وثلاثون، فتكون سنتهم ثلاث مئة وخمسة وستين يومًا وربع يوم.

قال: (فإن أطلق .. حمل على الهلالي)؛ لأنه عرف الشرع سواء في ذلك السنة والشهر.

قال: (فإن انكسر شهر .. حسب الباقي بالأهلة وتمم الأول ثلاثين)؛ لأنه لما تعذر اعتبار الهلالي في المنكسر .. رجعنا إلى العدد، وقيل: إذا انكسر الأول .. انكسر الجميع، فيعتبر الجميع بالعدد ثلاثين ثلاثين، وبهذا قال ابن بنت الشافعي.

تنبيه:

كلامه يفهم: أنه إذا أجله بثلاثة أشهر والعقد في آخر يوم من شهر –كصفر مثلًا- فمضى الربيعان وجمادى ناقصًا .. أنه لا يحل إلى بمضي جزء من جمادى قدر الباقي من صفر، وبه جزم الإمام، وقال غيره: يحل بمضي الثلاثة؛ فإنها عربية كوامل، وهذا هو الصواب، وأبداه الإمام احتمالًا، وهذه ترد على إطلاق الكتاب.

ص: 247

وَالأَصَحُّ: صِحَّةُ تَاجِيلِهِ بِالْعِيدِ وَجُمَادَى، وَيُحْمَلُ عَلَى الأَوَّلِ

ــ

قال: (والأصح: صحة تأجيله بالعيد وجمادى، ويحمل على الأول)؛ لتحقق الاسم به.

والثاني: يفسد، لتردده بينهما، ويجريان في التوقيت بربيع وبنفر الحجيج.

قال ابن الرفعة: الظاهر: أن محل الخلاف في العيدين: إذا كان العقد قبلهما، فإن كان بينهما .. انصرف بحسب الواقع إلى الآخر منهما؛ لأنه الذي يلي العقد.

ولو قال: إلى أول شهر كذا أو آخره .. بطل؛ لأنه يقع في جميع النصف الأول أو الآخر، كذا نقله الشيخان عن عامة الأصحاب، ثم نقلا عن الإمام والبغوي: أنه يصح، ويحمل على الجزء الأول.

قال الشيخ: والمنصوص في (البويطي): الصحة، وصرح به الشيخ أبو حامد والماوردي.

قال الشيخ: وهو الأقوى دليلًا والأصح نقلًا، وفي (المهمات): أنه المعتمد في الفتوى.

تتمة:

التأجيل بالنيروز والمهرجان جائز على الصحيح.

فـ (النيروز): عند نزول الشمس برج الميزان.

ص: 248