الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ مُطْلَقًا، وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ، وَبِشَرْطِ إِبْقَائِهِ. وَقَبْلَ الصَّلَاحِ إِنْ بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنِ الشَّجَرِ .. لَا يَجُوزُ إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ،
ــ
تتمة:
لو أصاب الثمار آفة ولم يبق في تركها فائدة .. فهل له الإبقاء؟ فيه قولان ذكرهما صاحب (التقريب).
قال ابن الرفعة: الذي يقع في النفس صحته قول الإجبار، لكن ظاهر نص (الأم) خلافه.
قال: (فصل:
يجوز بيع الثمر بعد بدو صلاحه مطلقًا) أي: بغير شرط قطع ولا تبقية؛ لمفهوم نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها وتذهب عنها الآفة، رواه مسلم [1555/ 15].
وفي هذه الحالة للمشتري تركها إلى أوان الجذاذ.
و (بدا) بلا همز معناه: ظهر، قال تعالى:{وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} .
قال: (وبشرط قطعه) بالإجماع.
قال: (وبشرط إبقائه)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وقال أبو حنيفة: لا يصح؛ لأن ذلك ينافي وجوب التسليم.
وأجاب الأصحاب بأن التسليم فيه بالتخلية.
قال: (وقبل الصلاح إن بيع منفردًا عن الشجر .. لا يجوز إلا بشرط القطع) سواء جرت العادة بقطعه أم لا؛ لما روى الشيخان [خ2197 - م1555/ 15] عن ابن عمر وأنس رضي الله عنهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها).
وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ، لَا كَكُمَّثْرَى. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي .. جَازَ بِلَا شَرْطٍ. قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي وَشَرَطْنا الْقَطْعَ .. لَمْ يَجِبِ الْوَفَاءُ بِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ
ــ
وفي حديث أنس رضي الله عنه: (حتى تزهي) قيل لأنس: ما زهوها؟ قال: (تحمر وتصفر –قال-: أرأيت إن منع الله الثمرة .. بم يستحل أحدكم مال أخيه؟).
وقوله: (أرأيت .. إلخ) روى مالك عنه: أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه سفيان الثوري، وإتقان مالك وحفظ سفيان يوجبان الحكم بأنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أنسًا رضي الله عنه مرة رفعه، ومرة قاله من كلامه مستندًا إلى ما سمعه.
ثم إذا صح البيع بشرط القطع فقبضه بالتخلية فتكون مؤنة القطع على المشتري؛ لأنه التزم له تفريغ أشجاره، وللبائع التبقية إلى بدو الصلاح، وله إجباره على قطعها قبل بدو الصلاح.
وصورة مسألة الكتاب: أن تكون الأشجار قائمة ثابتة، فلو قطعت شجرة عليها ثمرة ثم باع الثمرة وهي عليها .. فإنه يجوز من غير شرط القطع؛ لعدم تبقية الثمرة عليها.
قال: (وأن يكون المقطوع منتفعًا به، لا ككمثرى)؛ لأن شرط المبيع ذلك.
و (الكمثرى) بفتح الميم وبالثاء المثلثة واحدة كمثرات.
قال: (وقيل: إن كان الشجر للمشتري .. جاز بلا شرط)؛ لأنهما يجتمعان في ملك شخص واحد، فأشبه ما إذا اشتراهما معًا، وبهذا جزم صاحب (التنبيه)، ورجحه جماعة، وصححه في (الروضة) في (المساقاة)، ولم يصحح الرافعي هناك شيئًا، ونقلاه هنا عن الجمهور.
قال: (قلت: فإن كان الشجر للمشتري وشرطنا القطع .. لم يجب الوفاء به والله أعلم)؛ لأنه لا يجب أن يقطع ثمار نفسه عن أشجاره.
وَإِنْ بِيعَ مَعَ الشَّجَرِ .. جَازَ بِلَا شَرْطٍ، وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ. وَيَحْرُمُ بَيْعُ الزَّرْعِ الأَخْضَرِ فِي الأَرْضِ إِلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ، فَإِنْ بِيعَ مَعَهَا أَوْ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ .. جَازَ بِلَا شَرْطٍ، وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ: ظُهُورُ الْمَقْصُودِ؛ كتِينٍ وَعِنَبٍ وَشَعِيرٍ
ــ
وصورة ذلك: أن يبيع الشجرة لشخص ويبقي الثمرة ثم يبيعه الثمرة، أو يوصي لإنسان بثمرة فيبيعها لصاحب الشجرة، أو يبيع الثمرة بشرط القطع ثم يشتريها قبله.
قال: (وإن بيع مع الشجر .. جاز بلا شرط) بالإجماع.
هذا إذا لم يفصل الثمن، فإن فصله بأن قال: بعتك الشجرة بدينار والثمرة بعشرة .. فلا يصح؛ لانتفاء التبعية كما قاله الرافعي في (المساقاة).
قال: (ولا يجوز بشرط قطعه)؛ لأن فيه حجرًا على المشتري في ملكه، بخلاف البيع من صاحب الأصل؛ فإن العقد هنا شملهما فصارت الثمرة تابعة.
قال: (ويحرم بيع الزرع الأخضر في الأرض إلا بشرط قطعه)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة، رواه مسلم [1535/ 50] من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ومراد المصنف بـ (الزرع): ما ليس بشجر، فدخل فيه البقول، فلو باعه من مالك الأرض .. فهو كبيع الثمرة من مالك الشجرة.
ولا فرق في الثمار بين ما يجذ كالتمر، أو يقطف كالحصرم، أو يجمع كالبطيخ والقثاء والخيار والباذنجان والتفاح والكمثرى والخوخ والجوز واللوز، كلها تجري فيها الأقسام المتقدمة في بيعها قبل بدو الصلاح وبعده مفردة وتابعة.
قال: (فإن بيع معها) أي: مع الأرض (أو بعد اشتداد الحب .. جاز بلا شرط) أما الأول .. فكبيع الثمرة مع الشجرة، وأما الثاني .. فكبيع الثمرة بعد بدو الصلاح.
قال: (ويشترط لبيعه وبيع الثمر بعد بدو الصلاح: ظهور المقصود) حتى لا يكون بيع غائب (كتين وعنب وشعير)؛ لأن حباته ظاهرة، وكذلك السلت والأرز على المذهب، وقيل: إنهما كالحنطة.
وَمَا لَا يُرَى حَبُّهُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ فِي السُّنْبُلِ .. لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ، وَلَا مَعَهُ فِي الْجَدِيدِ. وَلَا بَاسَ بِكِمَامٍ لَا يُزَالُ إِلَّا عِنْدَ الأَكْلِ. وَمَا لَهُ كِمَامَانِ –كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَاءِ- يُبَاعُ فِي قِشْرِهِ الأًسْفَلِ،
ــ
قال: (وما لا يرى حبه كالحنطة والعدس في السنبل .. لا يصح بيعه دون سنبله) قطعًا؛ لاستتاره، وهذا لا خلاف فيه، إلا أن القاضي أشار إلى وجه فيه وليس ببعيد بناء على بيع الغائب.
قال: (ولا معه في الجديد)؛ لأن المقصود مستتر بما ليس من صلاحه، فأشبه الحنطة في تبنها بعد الدياس.
والقديم: الجواز؛ لمفهوم نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتد -قال الترمذي [1228]: حسن غريب- وهذا قد اشتد.
قال (ولا بأس بكمام لا يُزال إلا عند الأكل) ففي الثمار كالرمان والموز، وفي الزرع كالعلس؛ لأن بقاءه فيها من مصلحته، وكذلك قصب السكر في قشره الأعلى إذا بدت فيه الحلاوة، ونقل الماوردي جوازه وإن كان مزروعًا ويبقى إلى أوان قطعه، والكتان إذا بدا صلاحه.
قال ابن الرفعة في (المطلب): يظهر جواز بيعه؛ لأن ما يغزل منه ظاهر، والساس في باطنه كالنوى في التمر، قال: لكن هذا لا يتميز في رأي العين، بخلاف التمر؛ فإنه إذا قطع .. تميز النوى فيه عن اللحم.
و (الكِمام) بكسر الكاف: أوعية الطلع، واحدها: كم، بكسر الكاف.
قال: (وما له كمامان –كالجوز واللوز والباقلاء- يباع في قشره الأسفل)؛ لأن بقاءه فيه من مصلحته.
وَلَا يَصِحُّ فِي الأَعْلَى، وَفِي قَوْلٍ: يَصِحُّ إِنْ كَانَ رَطْبًا
ــ
و (الباقلاء): الفول، يشدد ويخفف، فإن شددت .. قصرت، وإذا خففت .. مددت، واحدته: باقلاة.
قال القزويني: النظر إلى زهره يورث الهم والحزن.
وقال الجاحظ: الإكثار من أكله يفسد العقل ويورث الأحلام الرديئة، وسيأتي في (كتاب الأيمان) في الكلام على الفاكهة شيء من هذا إن شاء الله تعالى.
ويأتي في عدة امرأة المفقود: أن عمر رضي الله عنه سأله عن طعام الجن، فقال: الفول، قال ابن الأثير وغيره: هو الباقلاء.
قال في (المهمات): وتعبيره بـ (كمامين) غير مستقيم، والصواب: كمامتان بالتاء، أو كمان.
قال: (ولا يصح في الأعلى) لا على أصوله، ولا على وجه الأرض؛ لاستتاره.
قال: (وفي قول: يصح إن كان رطبًا)؛ لأنه يصون القشر الأسفل ويحفظ رطوبة اللب فيتعلق الصلاح به، وقيل: إن الشافعي أمر الربيع أن يشتري له باقلاء أخضر، واختاره ابن القاص والاصطخري، وصححه الأكثرون.
واحترز بـ (الرطب) عما إذا كان يابسًا؛ فإنه لا يصح فيه جزمًا إذا منعنا بيع الغائب.
قال في (المطلب): واللوبياء فيما نظنه كالباقلاء، وأما اللوز الأخضر .. فيجوز بيعه في الأعلى قبل انعقاد الأسفل؛ فإنه مأكول كله.
ويصح بيع طلع النخل مع قشره في الأصح إذا لم يتصلب.
وَبُدُوُّ صَلَاحِ الثَّمَرِ: ظُهُورُ مَبَادِئِ النُّضْجِ وَالْحَلَاوَةِ فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ، وَفِي غَيْرِهِ: بِأَنْ يَاخُذَ فِي الْحُمْرَةِ أَوِ السَّوَادِ
ــ
قال: (وبدو صلاح الثمر: ظهور مبادئ النضج والحلاوة فيما لا يتلون، وفي غيره: بأن يأخذ في الحمرة أو السواد)؛ لحديث أنس رضي الله عنه المتقدم.
وفي (أبي داوود)[3364]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد) وهذه الأوصاف وإن عرف بها بدو الصلاح فليست شرطًا فيه؛ لأن القثاء لا يتصور فيه شيء منها، بل يستطاب أكله صغيرًا وكبيرًا، وكذلك الزرع صلاحه باشتداده.
فالعبارة الشاملة أن يقال: بدو الصلاح صيرورته إلى الصفة التي يطلب غالبًا كونه عليها، كصفرة المشمش، وحمرة العناب، وسواد الإجاص، وبياض التفاح، وحلاوة قصب السكر، وحموضة الرمان، ولين التين والبطيخ، واشتداد القمح، وانشقاق كمام القطن، وانفتاح الورد وورق التوت.
و (النضج) بضم النون وفتحها، يقال: هو ناضج ونضيج، وفلان ناضج الرأي، أي: محكمه.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (بدو الصلاح ظهور الثريا، ويقال لها: النجم).
وفي الحديث: (إذا طلع النجم .. لم يبق من العاهة شيء) أراد: عاهات الثمار؛ لأنها تطلع بالحجاز إذا بدا صلاح البسر، وحينئذ يهيج البحر وتختلف الرياح، قال صلى الله عليه وسلم:(من ركب البحر بعد طلوع الثريا .. فقد برئت منه الذمة).
وَيَكْفِي بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَ بُسْتَانٍ أَوْ بُسْتَانَيْنِ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ .. فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّابِيرِ. وَمَنْ بَاعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ .. لَزِمَهُ سَقْيُهُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا، وَيَتَصَرَّفُ مُشْتَرِيهِ بَعْدَهَا. وَلَوْ عَرَضَ مُهْلِكٌ بَعْدَهَا كَبَرْدٍ .. فَالْجَدِيدُ: أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي
ــ
قال: (ويكفي بدو صلاح بعضه وإن قل) حتى في الحبة الواحدة؛ لأن الله تعالى أجرى العادة: أن لا تطيب الثمار دفعة واحدة؛ إطالة لزمن التفكه، وليس صلاح جنس صلاحًا لجنس آخر، فلو باع بسرًا بدا صلاحه وعنبًا لم يبد صلاحه صفقة واحدة .. اشترط القطع في العنب دون البسر، وأشار المصنف إلى هذا بقوله:(بدو صلاح بعضه).
قال: (ولو باع ثمر بستان أو بستانين بدا صلاح بعضه .. فعلى ما سبق في التأبير) فلا تحصل التبعية عند اختلاف البستان، ولا عند اتحاده إذا أفرد ما لم يبد صلاحه، أو كان مالكه خلاف مالك الذي بدا فيه، وتحصل التبعية وإن اختلف النوع.
قال: (ومن باع ما بدا صلاحه) سواء كان زرعًا أو ثمرًا (.. لزمه سقيه قبل التخلية وبعدها)؛ لأن ذلك من تمام التسليم الواجب عليه، وهو مقدار ما تنمو به الثمار وتسلم من الفساد، فلو شرط ذلك على المشتري .. بطل العقد؛ لمخالفته مقتضى العقد، أما عند اشتراط القطع .. فلا يجب السقي على البائع، إنما يجب إذا استحق المشتري الإبقاء بالشرط أو الإطلاق.
قال: (ويتصرف مشتريه بعدها) أي: بعد التخلية؛ لحصول القبض، وقال الإمام: إن هذا لا خلاف فيه، وحكى في (الشامل) عن القديم: أنه لا يقبض إلا بالقطع والنقل.
قال: (ولو عرض مهلك بعدها كبرد .. فالجديد: أنه من ضمان المشتري)؛ لما روى مسلم [1556] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها وكثر دينه، فقال صلى الله عليه وسلم:(تصدقوا عليه) فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه:(خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك)؛ فلو كانت من ضمان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البائع .. لأسقط صلى الله عليه وسلم الديون التي لحقته من ثمن الثمار التالفة.
وسيأتي في (باب التفليس): أن الرجل المذكور معاذ بن جبل رضي الله عنه.
وبهذا قال أبو حنيفة وداوود وجمهور السلف.
والقديم –وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة من أهل الحديث-: أنه من ضمان البائع، وأوجبوا وضع الجوائح، لما روى مسلم [1554/ 14] عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن بعت من أخيك تمرًا فأصابته جائحة .. فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا ثم تأخذ مال أخيك بغير حق).
وفيه أيضًا [1554/ 17]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح).
وقال مالك: يوضع الثلث فصاعدًا ولا يوضع أقل منه.
والجديد: حمل الحديث على الندب جمعًا بين الحديثين.
ومنهم من حمل حديث جابر رضي الله عنه على ما قبل بدو الصلاح، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه على ما بعده.
قال الشيخ: وهو جمع حسن، وفي ألفاظ الحديث ما يشهد له إذا كان بآفة سماوية كمطر أو جراد أو ريح أو حريق أو طير أو سموم أو زنابير أو انقطاع ماء القنوات أو السيل، فإن كان بغصب أو سرقة .. فهو من ضمان المشتري على القولين معًا، وللقديم شرطان:
أحدهما: أن لا يبيعه من مالك الأشجار، فإن باعه منه .. فهو من ضمان المشتري بلا خلاف؛ لانقطاع العلائق.
والثاني: أن يحصل التلف قبل إمكان الجذاذ، فإن حصل بعده وبعد إمكان النقل .. فالأشبه: أنه من ضمان المشتري أيضًا؛ لتقصيره.
وقوله: (كبرد) ضبطه المصنف بإسكان الراء وفتحها؛ ليشمل النوعين، وهو حسن.
واحترز بقوله: (بعدها) عما إذا حصل قبلها؛ فإنه من ضمان البائع.
فَلَوْ تَعَيَّبَ بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ .. فَلَهُ الْخِيَارُ. وَلَوْ بِيعَ قَبْلَ صَلَاحِهِ بِشَرْطِ قَطْعِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى هَلَكَ .. فَأَوْلَى بِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. وَلَوْ بِيعَ ثَمَرٌ يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُ وَاخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ كَتِينٍ وَقِثَّاءٍ .. لَمْ يَصِحَّ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي قَطْعَ ثَمَرِهِ. وَلَوْ حَصَلَ الاِخْتِلَاطُ فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَنْفَسخُ الْبَيْعُ
ــ
قال: (فلو تعيب بترك البائع السقي .. فله الخيار) أي: للمشتري؛ لأن السقي لما كان لازمًا للبائع .. كان التعييب الحاصل بتركه كالسبب المتقدم على القبض، حتى لو تلف بذلك .. انفسخ العقد أيضًا، و (المحرر) لم يذكر هذه المسألة إنما ذكر التعييب بالجائحة، فغيره المصنف واعتذر عنه في (الدقائق).
قال: (ولو بيع قبل صلاحه بشرط قطعه ولم يقطع حتى هلك .. فأولى بكونه من ضمان المشتري)؛ لتفريطه.
وفهم من تعبيره بـ (الأولوية): أن الخلاف هنا مرتب على ما لم يشترط فيه القطع، فإن جعلناه هناك من ضمان المشتري .. فكذلك هنا، وإن جعلناه من ضمان البائع .. فههنا خلاف.
ولا يختص قولا الجوائح بالثمار بل يجريان في الزرع إذا بيع بعد الاشتداد فأصابته جائحة.
قال: (ولو بيع ثمر يغلب تلاحقه واختلاط حادثه بالموجود كتين وقثاء .. لم يصح)؛ لانتفاء القدرة على التسليم، وفي وجه أو قول: أنه موقوف، فإن سمح البائع بما حدث .. تبين الانعقاد، وإلا .. فلا.
قال: (إلا أن يشترط المشتري قطع ثمره) فيصح لزوال المحذور.
هذا إذا بيع بعد الصلاح، فإن بيع قبله .. فشرط القطع لابد منه لتصحيح العقد، ولو شرط القطع فلم يقطع حتى اختلط .. فهو كالتلاحق فيما يندر.
قال: (ولو حصل الاختلاط فيما يندر فيه .. فالأظهر: أنه لا ينفسخ البيع)؛ لبقاء عين المبيع، وتسليمه ممكن بالطريق الآتي.
والثاني: ينفسخ؛ لتعذر التسليم المستحق، وهذا هو الصحيح المفتى به، فقد
بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ سَمَحَ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا حَدَثَ .. سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الأَصَحِّ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِصَافِيَةٍ، وَهُوَ الْمُحَاقَلَةُ،
ــ
صححه في (البسيط)، والقاضي أبو الطيب والشاشي وصاحب (المهذب) وابن أبي عصرون والمصنف في (نكت الوسيط) والشيخ.
وسواء في طرد القولين وقع الاختلاط قبل التخلية أو بعدها.
وقيل: لا ينفسخ قطعًا إذا اختلط بعدها.
ولو اختلط الطعام بعد قبضه .. لم ينفسخ قطعًا، فإن اختلفا في قدره .. قال الماوردي: صدق من انثال الطعام على صبرته، فإن كان المبيع شاة أو ثوبًا فاختلط بمثله ولم يتميز .. انفسخ في الأصح، بخلاف الحنطة؛ فإن غايتها الإشاعة وهي غير مانعة.
قال (بل يتخير المشتري)؛ دفعًا للضرر.
قال: (فإن سمح له البائع بما حدث .. سقط خياره في الأصح)؛ لزوال المحذور.
والثاني: لايسقط؛ لما في ذلك من المنة.
و (سمح) بفتح الميم.
والمصنف تبع الإمام والغزالي في أن الخيار يثبت أولًا للمشتري حتى تجوز له المبادرة بالفسخ، فإن بادر البائع فسمح .. سقط خياره.
قال في (المطلب): وهو مخالف لنص الشافعي والأصحاب؛ فإنهم خيروا البائع أولًا.
قال: (ولا يصح بيع الحنطة في سنبلها بصافية؛ وهو المحاقلة)؛ لما روى مسلم [1536] عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة
وَلَا الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ؛ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ. وَيُرَخَّصُ فِي الْعَرَايَا، وَهُوَ: بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الأَرْضِ، أَوِ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ،
ــ
والمزابنة والمخابرة والمعاومة والثنيا) ثم فسر المحاقلة بما فسرها به المصنف، فإن كان من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .. فذاك، وإن كان من الراوي .. فهو أعرف من غيره.
ولفظها مأخوذ من الحقلة، وهي الساحة التي تزرع، سميت محاقلة؛ لتعلقها بزرع في حقله.
و (المعاومة): بيع الشجر سنتين وثلاثًا.
و (الثنيا): أن بيع الشيء ويستثنى بعضه.
ووجه البطلان في المحاقلة: أن المبيع مستتر بما ليس من صلاحه.
قال: (ولا الرطب على النخل بتمر؛ وهو المزابنة)؛ للحديث المذكور، ولفظها مأخوذ من الزبن، وهو المخاصمة والمدافعة، وإنما بطلت؛ لأنها بيع مال ربوي بجنسه من غير تحقق مساواة في الكيل.
قال: (ويرخص في العرايا، وهو: بيع الرطب على النخل بتمر في الأرض؛ لما روى الشيخان [خ2191 - م1540] عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في بيع العرية أن تباع بخرصها تمرًا يأكلها أهلها رطبًا) فلو باع رطبًا برطب .. فالأصح: المنع.
وحكم البسر حكم الرطب في الجواز، قاله الماوردي.
وعلى هذا: ينبغي إلحاق الحصرم بالعنب.
و (العرايا) جمع: عرية، كمطية ومطايا، وضحية وضحايا، وهي: التي يفردها صاحبها للأكل؛ لأنها عريت عن حكم جميع البستان.
قال: (أو العنب في الشجر بزبيب)؛ لأنه زكوي يمكن خرصه ويدخر يابسه فكان
فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ،
ــ
كالرطب، والشافعي رضي الله عنه يجوز القياس في الرخص لا يختلف قوله في ذلك وإن كان ابن الرفعة توهم فيه خلافًا.
ومحل تجويز العرايا: إذا لم يتعلق بها حق الزكاة؛ بأن يكون الذي في ملك البائع أقل من خمسة أوسق، أو يكون خرص عليه وقلنا: الخرص تضمين، أو باع ما عدا قدر الزكاة، أو قلنا بالقديم: إن المالك يترك له بعض نخلات فيبيع منها.
قال (فيما دون خمسة أوسق)؛ لما روى الشيخان [خ2190 - م1541] عن داوود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق) الشك وقع من داوود.
قال الشافعي رضي الله عنه: فلذلك جوزنا دون الخمسة؛ لأنه متفق عليه، ومنعنا الخمسة؛ للشك فيها، والأصل: التحريم؛ للنهي عن المزابنة، وفي قول: يجوز في الخمسة، لإطلاق الحديث المتقدم.
والمراد بـ (الخمسة وبما دونها): إذا كان جافًا، فيبيع من الرطب مقدارًا لو جف لجاء منه دون خمسة أوسق بمثله من التمر وإن كان الرطب أكثر، ويعرف ذلك بالخرص، وإليه أشار في الحديث المتقدم بقوله:(بخرصها تمرًا يأكلونه رطبًا).
ونظير المسألة: المهادنة يجوز عقدها أربعة أشهر قطعًا، ولا يجوز أكثر من سنة قطعًا، وفيما بينهما قولان.
فروع:
إذا أوجبنا النقص عن الخمسة .. فالنص: أنه يكفي أيُّ قدر كان، وهل الخمسة تقريب أو تحديد؟ كلام الماوردي يشعر بالتحديد، وبه جزم المصنف في (رؤوس المسائل) وغيرها.
وقال ابن الرفعة: لا يبعد تخريجه على الزكاة، ويكفي هنا خارص واحد بخلاف الزكاة على رأي، ويجوز أن يخرصا بأنفسهما، وتوقف ابن الرفعة في جواز خرص
وَلَوْ زَادَ فِي صَفْقَتَيْنِ .. جَازَ، وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ بِتَسْلِيمِ التَّمْرِ كَيْلًا، وَالتَّخْلِيَةِ فِي النَّخْلِ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ،
ــ
أحدهما؛ لأجل اتحاد القابض والمقبض.
قال الشيخ: والمختار جوازه، ولابد من تعيين الثمن، فلا يجوز جزافًا ولا خرصًا؛ لئلا يعظم الغرر.
و (الوسق) تقدم في (الزكاة): أنه ستون صاعًا.
قال: (ولو زاد في صفقتين .. جاز)؛ قياسًا على الصفقة الأولى، خلافًا لأحمد، وكذلك سائر الصفقات إذا تعددت بحيث لا تزيد حصة كل صفقة على ما ذكرنا، فلو باع واحد لاثنين في صفقة بحيث يخص كل واحد القدر الجائز .. جاز، ولو باع اثنان لواحد .. فالأصح: الجواز كعكسه.
والثاني: المنع، وهذا عكس القاعدة المتقدمة قبيل (باب الخيار)؛ فإن الصفقة تتعدد بتعدد البائع قطعًا، وبتعدد المشتري في الأظهر، وهنا بالعكس جرى الخلاف في تعدد البائع دون المشتري، وقد تقدمت الإشارة هناك إلى هذا.
واحترز المصنف بـ (الصفقتين) عما إذا زاد في صفقة واحدة؛ فإن البيع يبطل في الجميع، ولم يخرجوه على الخلاف في تفريق الصفقة كما تقدم؛ لأنه بالزيادة صار عقد ربا فبطل جميعه.
قال: (ويشترط التقابض بتسليم التمر كيلًا، والتخلية في النخل)؛ لأنه مطعوم بمطعوم، واستشكل ابن الرفعة الاكتفاء بالتخلية إذا قلنا: إنها من ضمان البائع بعد التخلية كما تقدم.
وقال: (والأظهر: أنه لا يجوز في سائر الثمار)؛ لما روى مسلم [1539/ 59] عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا بالتمر والرطب، ولم يرخص في غير ذلك) لكن العنب لما كان إلحاقه جليًا .. اقتصرنا عليه، وسائر الثمار ليست في معناهما.
وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ.
ــ
والثاني: يجوز، وبه قال مالك وبعض الحنابلة؛ لأن النفس تدعو إلى أكلها في حال رطوبتها.
ومحل القولين فيما يدخر يابسه كالجوز واللوز والتين والمشمش.
قال: (وأنه لا يختص بالفقراء)؛ لإطلاق الرخصة، وقياسًا على سائر البيوع.
والثاني: يختص بهم، وبه قال المزني؛ لما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه:(أنه سمى رجالًا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به وعندهم فضول قوتهم من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر) رواه الشافعي رضي الله عنه لكن بسند لا يحتج به.
تتمة:
قال الجرجاني والمتولي: ضابط الغني في هذا الباب: مَن عنده نقد، فمن لا نقد عنده .. فقير وإن ملك أموالًا كثيرة.
وفي (البحر) عن المزني: الفقير هنا: المعسر المضطر، ومحل الخلاف: في اعتبار حاجة المشتري، أما البائع .. فلا يعتبر قطعًا.
وقال المالك: تشترط حاجة البائع.
* * *
خاتمة
إذا اشترى العرية من يجوز له شراؤها ثم تركها حتى صارت تمرًا .. جاز.
وقال أحمد: يبطل العقد، فشرط صحة العقد عنده: أن يأخذها أهلها رطبًا، وعند الجمهور لا يشترط ذلك.
* * *