المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ: مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ. - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ: مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ.

‌فَصْلٌ:

يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ: مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ. فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ بِبَلَدٍ آخَرَ .. صَحَّ إِنِ اعْتِيدَ نَقْلُهُ لِلْبَيْعٍ، وَإِلَّا .. فَلَا. وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعُمُّ فَانْقَطَعَ فِي مَحِلِّهِ .. لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الأَظْهَرِ، فَيَتَخَيَّرُ الْمُسْلِمُ بَيْنَ فَسْخِهِ، وَالصَّبْرِ حَتَّى يُوجَدَ،

ــ

و (المهرجان) بكسر الميم: عند نزولها الحمل.

ولو أجلا بفصح النصارى –بكسر الفاء، وهو: يوم الأحد الذي يلي سبت الظلام الذي بعده خميس العدس، وهو عيدهم الذي بعد صيامهم- أو فطر اليهود -وهو: عيد لهم- فقد نص الشافعي رضي الله عنه على: أنه لا يصح، والمذهب: الصحة إذا عرفه المسلمون.

قال: (فصل:

يشترط كون المسلم فيه: مقدورًا على تسليمه عند وجوب التسليم) فإن كان حالًا .. اشترطت القدرة عليه حال العقد وإن كان مؤجلًا عند الحلول، لأن المعجوز عن تسليمه لا يصح بيعه فامتناع السلم فيه أولى، وهذا الشرط ليس من خواص السلم بل يعم كل بيع، وإنما ذكره؛ لما ينبني عليه من الفروع الآتية، وكذا لا يصح على أقرب الوجهين إذا غلب على الظن وجوده لكن بمشقة عظيمة كالقدر الكثير من باكورة التمر.

قال: (فإن كان يوجد ببلد آخر .. صح إن اعتيد نقله للبيع، وإلا .. فلا)؛ لأن الأول مقدور على تسليمه دون الثاني، وهذا التفصيل ذكره الإمام، ونقله عنه الرافعي هنا، ثم خالفه في آخر الباب.

قال: (ولو أسلم فيما يعم فانقطع في محله .. لم ينفسخ في الأظهر) كما إذا أفلس المشتري بالثمن.

قال: (فيتخير المسلم بين فسخه، والصبر حتى يوجد).

ص: 249

وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْمَحِلِّ انْقِطَاعَهُ عِنْدَهُ .. فَلَا خَيَارَ قَبْلَهُ فِي الأَصَحِّ

ــ

والثاني: ينفسخ كما لو اشترى قفيزًا من صبرة فتلفت، وكما لو تلف المبيع قبل القبض.

ولو قصر المسلم إليه في الدفع حتى انقطع .. جرى القولان، وقيل: لا ينفسخ قطعًا.

ويجريان أيضًا فيما إذا حل الأجل بموت المسلم إليه قبل وجود المسلم فيه، أو تأخيره التسليم لغيبة أحد العاقدين، أو تسويف المسلم إليه ومدافعته إلى أن انقطع.

والمراد بانقطاعه: أن ينقطع البتة، أو وجد ببلد آخر ويفسد بالنقل، أو امتنع من هو عنده من بيعه، أما لو كان يوجد بثمن غال .. فيجب تحصيله، وكذا إن أمكن نقله من غير فساد .. وجب إن قربت المسافة.

قال: (ولو علم قبل المحل انقطاعه عنده .. فلا خيار قبله في الأصح)؛ لأنه لم يدخل وقت وجوب التسليم.

والثاني: نعم؛ لتحقق العجز في الحال.

والوجهان مخرجان بما إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدًا فتلف قبل الغد هل يحنث في الحال أو يتأخر إلى الغد؟

فرع:

في هذا الخيار ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه على الفور.

والثاني: إلى ثلاثة أيام.

والثالث –وهو الصحيح-: أنه على التراخي لا يبطل بالتأخير ولا بالتصريح بالإسقاط على الصحيح، وله الفسخ بعد ذلك –كزوجة المولي إذا رضيت ثم أرادت

ص: 250

وَكَوْنُهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أوْ ذَرْعًا. ويَصِحُّ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا وَعَكْسُهُ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي مِئَةِ صَاعٍ حِنْطَةً عَلَى أَنَّ وَزْنَهَا كَذَا .. لَمْ يَصِحَّ

ــ

المطالبة .. كان لها ذلك– ولو صرح بإسقاط الفسخ .. لم يسقط في الأصح.

قال: (وكونه ملعوم القدر كيلًا أو وزنًا أو عدًا أو ذرعًا)؛ للحديث المتقدم، أما ما لا يأتي وزنه بالقبان لكبره .. فإنه يوزن بالعرض على الماء؛ بأن يوضع في ظرف ويلقى في الماء وينظر قدر غوصه، وقد عولوا عليه هنا وفي (الزكاة) في الإناء بعضه ذهبًا وبعضه فضة، والظاهر في (الربا): انه لا يعول عليه.

قال: (ويصح في المكيل وزنًا وعكسه)؛ لأن المقصود معرفة المقدار، بخلاف الربويات؛ فإن الغالب عليها التعبد، كذا أطلق هذا الحكم جماعة، وحمله الإمام على ما يعد الكيل في مثله ضابطًا، فلو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلًا .. لم يصح، وصحح هذا المصنف في (التصحيح)، لكن جزم الرافعي بعد هذا بالجواز في اللآلئ الصغار إذا عم وجودها كيلًا ووزنًا، وهو مخالف لما تقدم عن الإمام فيما لا يعد الكيل فيه ضبطًا، فكأنه اختار هنا إطلاق الأصحاب.

قال: (ولو أسلم في مئة صاع حنطة على أن وزنها كذا .. لم يصح)؛ لأنه يورث عزة الوجود، وكذا في الثياب بالذرع والوزن، أما في الخشب .. فيصح؛ لأنه إن زاد .. أمكن نحته.

ص: 251

وَيُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْبِطِّيخِ وَالْبَاذَنْجَانِ وَالْقِثَّاءِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ. وَيَصِحُّ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْوَزْنِ فِي نَوْعٍ يَقِلُّ اخْتِلَافُهُ، وَكَذَا كَيْلًا فِي الأَصَحِّ

ــ

قال: (ويشترط الوزن في البطيخ والباذنجان والقثاء والسفرجل والرمان)؛ لأنها إذا كيلت .. تجافت في المكيال، وإذا عدت .. تفاوتت، ولو جمع في ذلك بين العد والوزن .. كان مفسدًا.

قال الرافعي: ولا يجوز السلم في البطيخة الواحدة والسفرجلة الواحدة ولا في عدد منها؛ لأنه يحتاج إلى ذكر حجمها ووزنها وذلك يورث عزة الوجود.

قال الشيخ: والذي قاله سبقه إليه الفوراني والمتولي والبغوي، وهو مخالف لنص الشافعي رضي الله عنه في (البويطي)؛ فإنه صرح فيه بأن السلم في عدد منه ومن البيض مع التعرض لوزن كل واحدة .. جائز، ويجوز السلم في البيض والبقول وزنًا، وجوز أبو حنيفة في البيض عدًا.

ونقل ابن المنذر عن الشافعي رضي الله عنه: أنه لا يجوز في البيض ولا في البقول، ومعناه: أن ذلك لا يجوز عددًا، أما وزنًا .. فجائز قطعًا.

قال: (ويصح في الجوز واللوز بالوزن في نوع يقل اختلافه)؛ لأن العادة جارية بذلك، فإن اختلفت قشوره .. لم يجز السلم فيه، وهذا الشرط استدركه الإمام على الأصحاب فإنهم أطلقوا الصحة، فتبعه الرافعي والمصنف في كتبهما، لكن المصنف في (نكته على الوسيط) بعد أن حكى قول الإمام، قال: المشهور في المذهب ما أطلقه الأصحاب ونص عليه الشافعي رضي الله عنه.

ويجوز السلم في المشمش كيلًا ووزنًا وإن اختلفت نواه كبرًا وصغرًا.

قال: (وكذا كيلًا في الأصح)؛ قايسًا على الحبوب، وقيل: لا، لتجافيهما في المكيال، فالأول نقله المزني، والثاني البويطي، فالخلاف قولان لا وجهان، والفستق والبندق كالجوز واللوز.

ص: 252

وَيُجْمَعُ فِي اللَّبِنِ بَيْنَ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ. ولَوْ عَيَّنَ كَيْلًا .. فَسَدَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا، وَإِلَّا .. فَلَا فِي الأَصَحِّ

ــ

قال: (ويجمع في اللبن بين العد والوزن) فيقول: كذا كذا لبنة كل لبنة زنتها كذا؛ لأنه يضرب باختيار فلا يورث عزة الوجود، ثم الأمر فيها على التقريب.

وأفاد في (المهمات): أن الشافعي رضي الله عنه نص على: أن الوزن في اللبن مستحب لا بأس بتركه، لكن يشترط أن يذكر طوله وعرضه وثخانته وأنه من طين معروف، فالراجح: عدم اشتراط ما ذكره المصنف في الجمع بين الوزن والعد.

ويصح السلم في الطوب الآجر على الصحيح المنصوص، فيذكر صفة الطبخ واللون، ولا يجوز السلم في (الآجر المهلوج) وهو: الذي لم يتكامل نضجه.

وسئل الشيخ عن جواز السلم في الفحم، فأجاب بأن الشافعي رضي الله عنه نص على جوازه في الآجر، والفحم يشبهه؛ لأن الحطب يجعل كقمين الطوب وتوقد عليه النار حتى يستوي، فهذا مأخذه، قال: ولم أجد فيه نقلًا، ولا بأس بالإفتاء بالجواز؛ لما قلناه.

قال: (ولو عين كيلًا .. فسد إن لم يكن معتادًا) أي: ولم يعرف مقداره كالقصعة والكوز؛ لجهالته وللغرر؛ لأنه قد يتلف قبل المحل، أما لو قال: بعتك من هذا ملء هذا القصعة .. فإنه يصح؛ لانتفاء العلتين.

قال: (وإلا .. فلا في الأصح) يعني: إذا كان معتادًا .. لم يفسد، بل يلغو الشرط؛ لانتفاء الغرض في تعيينه.

والثاني: يفسد؛ لتعرضه للتلف.

والمراد بـ (المعتاد): أن يكون يعرف ما يسع، وبـ (غير المعتاد): أن لا يعرف ما يسع، وهكذا لو شرط الوزن بصنجة بعينها أو الذرع بذراع بعينه، إن كان مجهولًا .. بطل العقد، وإن كان معلومًا .. صح في الأصح ويلغو التعيين.

ص: 253

وَلَوْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ .. لَمْ يَصِحَّ،

ــ

كل هذا في السلم المؤجل، أما الحال .. فالمنصوص: أنه كالبيع.

ولو شرط الذرع بذراع يده .. فقيل: يصح، والأصح: المنع؛ لأنه قد يموت، ذكره الماوردي.

ولو قال: أسلمت إليك في ثوب كهذا الثوب، أو في مئة صاع من الحنطة كهذه الحنطة .. لم يصح على الأصح المنصوص.

ولو أسلم في ثوب ووصفه ثم أسلم في ثوب آخر بتلك الصفة .. جاز إن كانا ذاكرين لتلك الصفات.

والفرق: أن الإشارة إلى المعين لم تعتمد الوصف.

قال: (ولو أسلم في ثمر قرية صغيرة .. لم يصح)؛ لأنه قد يتعذر ذلك، وذلك غرر من غير حاجة، واستدل له بما روى البيهقي [6/ 24] والدارقطني في (المؤتلف) عن عبد الله بن سلام: أن زيد بن سعنة رضي الله عنهما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد؛ هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا إلى أجل معلوم من حائط لبني فلان، فقال:(لا يا يهودي، لا أبيعك من حائط مسمى إلى أجل مسمىً، ولكن أبيعك أوسقًا إلى أجل مسمى) قال الحافظ المزي: إنه حسن.

وزيد بن سعنه رضي الله عنه كان يهوديًا ثم أسلم، وشهد مشاهد كثيرة، وكان يقول: ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنتين لم أَخبُرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده كثرة الجهل عليه إلا حلمًا، ثم قال: لما جئته أتقاضاه دين هذا السلم .. وجدته قد خرج في جنازة هو وأصحابه نحو البقيع، فنظرت إليه بوجه غليظ، وأخذت بمجامع قميصه وردائه وقلت: اقضني يا محمد حقي، فنظر إلي عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره وقال: يا يهودي؛ أتفعل هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فوالذي بعثه

ص: 254

أَوْ عَظِيمَةٍ .. صَحَّ فِي الأَصَحِّ. وَمَعْرِفَةُ الأَوْصَافِ الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا

ــ

بالحق، لولا ما أحاذر فوته .. لضربت بسيفي رأسك، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم، ثم قال:(يا عمر؛ أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج؛ أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التقاضي، اذهب به يا عمر فاقضه حقه، وزده عشرين صاعًا مكان ما رُعْتَه) فأسلم عند ذلك زيد بن سعنة رضي الله عنه.

قال: (أو عظيمة .. صح في الأصح)؛ لأنه لا ينقطع غالبًا.

والثاني: انه كتعيين المكيال، وعلى هذا: يفسد العقد في وجه، والأصح: أنه يصح ويلغو الشرط.

وموضع الخلاف: ما إذا لم يفد تنويعًا، فإن أفاده كمعقلي البصرة .. جاز جزمًا؛ لأنه مع معقلي بغداد صنف، لكن يختلفان في الأوصاف، ومثله القمح الصعيدي مع البحري.

وأفهمت عبارته: أنه لو أسلم في جميع ثمرة القرية العظيمة .. صح، والأصح خلافه.

قال: (ومعرفة الأوصاف التي يختلف بها الغرض اختلافًا ظاهرًا)؛ لأن القيمة تختلف بسببها، واحترز بذلك عما يتسامح الناس بإهمال ذكره.

وجملة كلام المصنف معطوفة على قوله في أول الفصل: (كونه مقدورًا) أي: يشترط ذلك ويشترط معرفة الأوصاف.

وأورد الرافعي على هذا الشرط: أن كون العبد قويًا على العمل أو كاتبًا مثلًا أوصاف يختلف بها الغرض والقيمة ولا يجب التعرض لها.

قال الشيخ: وطريق الاحتراز عن ذلك: أن يزاد فيه من الأوصاف التي لا يدل الأصل على عدمها؛ فإن الكتابة والقوة فضيلةٌ الأصل عدمها، ولهذا لا يثبت للمشتري الرد بفواتها، والضعف عيب يدل الأصل على عدمه.

ص: 255

وَذِكْرُهَا فِي الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إِلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ، فَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ مَقْصُودُهُ كَالْمُخْتَلِطِ الْمَقْصُودِ الأَرْكَانِ كَهَرِيسَةٍ وَمَعْجُونٍ وَغَالِيَةٍ وَخُفٍّ وَتِرْيَاقٍ،

ــ

قال: (وذكرها في العقد) فلا يكفي ذكرها بعده وإن كان في مجلس العقد، ولا الاتفاق عليها قبله، إلا أن يتفقا على أنهما أرادا في حالة العقد ما اتفقا عليه فتتجه صحته، كما سيأتي في (النكاح) إذا نويا معينة من البنتين.

قال: (على وجه لا يؤدي إلى عزة الوجود)؛ لأن السلم غرر فلا يجوز إلا فيما يوثق بتسليمه.

قال: (فلا يصح فيما لا ينضبط مقصوده كالمختلط المقصود الأركان كهريسة ومعجون وغالية وخف وترياق)؛ لأن أقدار الأجزاء المختلطة وأوصافها لا تنضبط، هذا الذي اتفق عليه أئمة المذهب.

وعن ابن سريج: جوازه في الخفاف والنعال مع قوله: لا يعلم ما في الخف إلا الله.

وهذا محمول على خف يجمع أجناسًا، أما المتخذ من شيء واحد كالخف المعروف في هذه البلاد، فإن كان من جلد .. امتنع على الصحيح، وإن كان من غير جلد .. فكالثياب المخيطة، وسيأتي أنه يصح في الجديد المنضبط منها، ومن هذا النوع: القسي، لا يجوز السلم فيها؛ لاشتمالها على عقب وعصب، وكذلك النبل المريش.

وأما الغالية .. فإنها مركبة من مسك وعنبر وكافور.

قال الجوهري: أول من سماها بذلك سليمان بن عبد الملك.

قلت: في هذا نظر؛ فقد قالت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [من الكامل]:

ماذا على من شم تربة أحمد .... أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبت على مصائب لو أنها .... صبت على الأيام عدن لياليا

واحترز بـ (الترياق المختلط) عما إذا كان نباتًا أو حجرًا فيجوز السلم فيه.

ص: 256

وَالأَصَحُّ: صِحَّتُهُ فِي الْمُخْتَلِطِ الْمُنْضَبِطِ كَعَتَّابِيٍّ وَخَزٍّ، وَجُبْنٍ وَأَقِطٍ وَشَهْدٍ، وَخَلِّ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ،

ــ

وقال الجرجاني: الترياق نجس؛ فإنه تطرح فيه لحوم الحيات أو لبن الأتان، فلا يجوز السلم فيه لنجاسته، فينبغي أن يحمل كلام المصنف ومن وافقه على ترياق طاهر.

و (الترياق) بالتاء والدال والطاء مكسورات ومضمومات، فهي ست لغات.

ويقال: دراق وطراق، وهو عجمي معرب.

أما استصناع النعال .. فلا يجوز إلا كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه في (الأم)، وهو: أن يشتري النعلين والشراك وجميع ما يعمل نعلًا ثم يستأجر على الحذو، وكذلك حكم استصناع الأواني، وجوز الاستصناع في ذلك أبو حنيفة وقال: إن الصانع والمستصنع بالخيار، قال أصحابنا: لو صح .. لزم.

قال: (والأصح: صحته في المختلط المنضبط كعتابي وخز) وإن تركبا من قطن وحرير؛ لسهولة ضبط كل من الأجزاء.

والثاني: المنع كالمعجونات.

وتعبيره بـ (الأصح) يخالف تعبيره في (الروضة) بالصحيح.

قال: (وجبن وأقط وشهد، وخل تمر أو زبيب)؛ لأن الملح والأنفحة في الجبن والأقط والماء في خل التمر والزبيب من مصالحه.

والثاني: لا كاللبن المخلوط بالماء.

وأما الشهد .. فكالتمر.

و (الشهد) بفتح الشين وضمها، والشهدة أخص منه.

قال الشيخ: والشهد ليس من هذا النوع بل هو من المختلط خلقة، والأصح فيه عند الرافعي: الجواز كالتمر مع النوى.

والثاني: المنع؛ لأن الشمع قد يقل ويكثر فأشبه سائر المختلطات، وهذا هو

ص: 257

لَا خُبْزٍ فِي الأَصَحِّ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ. وَلَا يَصِحُّ فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَلَحْمِ الصَّيْدِ بِمَوْضِعِ الْعِزَّةِ، وَلَا فِيمَا لَوِ اسْتُقْصِيَ وَصْفُهُ .. عَزَّ وُجُودُهُ كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ، وَجَارِيَةٍ وَأُخْتِهَا أَوْ وَلَدِهَا

ــ

المختار، ونص عليه الشافعي والماوردي وغيره.

قال الماوردي: ولا بأس بالسلم في قصب السكر وزنًا، ويقطع أعلاه الذي لا حلاوة فيه ولا منفعة، ويطرح ما عليه من القشر، وتقطع مجامع عروقه من أسفله، ولا يجوز في السلجم والجزر إلا بعد قطع الورق؛ لأن ورقهما غير مقصود، وفي جواز السلم في الباذنجان بأقماعه وجهان.

قال: (لا خبز في الأصح عند الأكثرين)؛ لتأثره بالنار تأثرًا ظاهرًا.

والثاني: الصحة؛ لأنه مضبوط وصححه الإمام والغزالي والفارقي ومشايخ خراسان، فإذا قلنا بهذا .. اشترط فيه ذكر البلد والنوع كالعلامة والخشكار وأنه رطب أو يابس.

قال: (ولا يصح فيما يندر وجوده كلحم الصيد بموضع العزة)؛ لما تقدم.

قال: (ولا فيما لو استقصي وصفه) أي: الوصف المعهود وهو الواجب (.. عز وجوده)؛ لأنه لو استقصي .. امتنع للعزة، وإن لم يستقص .. امتنع لفقدان شرطه.

قال: (كاللؤلؤ الكبار واليواقيت) وكذلك سائر الجواهر؛ لأن ثمنها على قدر صفائها واستدارتها وذلك لا ينضبط.

أما صغار اللؤلؤ .. فيجوز السلم فيها وزنًا وكيلًا، وهو ما يقصد للدواء لا للزينة، وضبطه الجويني بسدس دينار تقريبًا وإن قصدها للزينة.

أما البلور .. فقال الماوردي: لا بأس بالسلم فيه.

قال: (وجارية وأختها أو ولدها)؛ لأن اجتماع وصف كل منهما مع البنوة أو الأخوة يؤدي إلى عزة الوجود.

ص: 258

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال أبو إسحاق: يجوز أن يسلم في جارية معها ولدها في بلد تكثر فيه الجواري؛ إذا لا يتعذر وجود ذلك.

وقال الإمام والغزالي: لا يمتنع ذلك في الزنجية التي لا تكثر صفاتها، ويمتنع في السرية التي تكثر صفاتها، والصحيح المشهور .. الأول.

وأورد الرافعي على هذا الحكم: أنهم حكوا عن نصه: أنه لو شرط كون العبد كاتبًا أو الجارية ماشطة .. جاز.

قال: ولمدَّعٍ أن يدعي ندرة اجتماع الكتابة والمشط مع الصفات التي يجب التعرض لها، بل قضية ما أطلقوه: تجويز السلم في عبد وجارية بشرط كون هذا كاتبًا وتيك ماشطة.

وكما يندر كون أحد الرقيقين ولد الآخر مع اجتماع تلك الصفات .. فليسو بين الصورتين في المنع والتجويز.

وفرق الشيخ بأن اشتراط الكتابة في العبد والمشط في الجارية يسهل تحصيله بالاكتساب، وليس فيه إلا زيادة وصف على الأوصاف المطلوبة، وأما البنوة والأخوة .. فوصف غير مكتسب، فيعز اجتماعه مع باقي الأوصاف، وكونها ذات لبن وصف فيها.

تتمة:

أسلم في عبد شاعر .. لم يصح؛ لأن الشعر طبع لا يمكن تعلمه، فيبعد اجتماع الأوصاف المذكورة، وقول الشعر بخلاف اجتماع الصنائع.

ولو أسلم في جارية حامل .. المذهب: القطع بأنه لا يصح، وقيل: قولان؛ بناء على أن الحمل هل يعلم ويقابله قسط من الثمن أو لا؟

ص: 259

فَرْعٌ:

يَصِحُّ فِي الْحَيَوَانِ،

ــ

قال: (فرع:

يصح في الحيوان) فكل ما جاز بيعه من الحيوان يجوز السلم فيه؛ لما روى أبو داوود [3350] والحاكم [2/ 56] على شرط مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنه: أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بعيرًا ببعيرين إلى أجل).

وروى البيهقي [5/ 288] عن علي رضي الله عنه: أنه باع جملًا له يدعى: عصيفيرًا بعشرين بعيرًا إلى أجل.

واشترى ابن عمر رضي الله عنهما راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة، رواه مالك في (الموطأ)[2/ 652]، وهو في (البخاري) بغير إسناد.

و (الربذة): موضع على ثلاث مراحل من المدينة.

ولأن الحيوان يثبت في الذمة ثمنًا وصداقًا.

وفي إبل الدية، وصح:(أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرًا).

ومنع أبو حنيفة السلم في الحيوان؛ لأن ابن مسعود رضي الله عنه كرهه، ولأنه لا يضبط بالصفة.

وروى الحاكم [2/ 57]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سلف الحيوان)، لكن قال ابن السمعاني في (الإصطلام): إنه غير ثابت.

وأما ضبطه بالصفة .. فيدل له ما في (الصحيحين)[خ5240]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها).

ص: 260

فَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقِيقِ: ذِكْرُ نَوْعِهِ كَتُرْكِيٍّ، وَلَوْنِهِ كَأَبْيَضَ –وَيَصِفُ بَيَاضَهُ بِسُمْرةٍ أَوْ شُقْرَةٍ- وَذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ، وَسِنِّهِ، وَقَدِّهِ طُولًا وَقِصَرًا، وَكُلُّهُ عَلَى التَّقْرِيبِ. وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْكَحَلِ وَالسِّمَنِ وَنَحْوِهِمَا

ــ

قال: (فيشترط في الرقيق: ذكر نوعه كتركي)؛ لاختلاف الغرض بذلك، وكذا صنف النوع إن اختلف في أظهر القولين.

قال: (ولونه كأبيض، ويصف بياضه بسمرة أو شقرة) وكذلك سواده بصفاء أو كدرة.

هذا إذا اختلف لون الجنس، فإن اتحد كالزنج .. فلا.

قال: (وذكورته وأنوثته، وسِنِّه)؛ لاختلاف الأغراض بذلك، فيقول: ابن سبع أو عشر أو محتلم، والرجوع في الاحتلام إلى قول الرقيق، ويرجع في السن إلى ظنون النخاسين وأهل الخبرة إن كان صغيرًا، وإليه إن كان بالغًا، وإلى سيده إن ولد في الإسلام، فلو شرط كونه ابن سبع بلا زيادة ولا نقصان .. فسد؛ لندرته.

قال: (وقده طولًا وقصرًا) كستة أشبار مثلًا أو خمسة.

قال الشافعي رضي الله عنه: يقول: خماسي أو سداسي.

فقيل: أراد بذلك خمسة أشبار وستة، وقيل: أراد التعرض للسن أو خمس سنين.

قال الجوهري: يقال: غلام رباعي وخماسي، ولا يقال: سباعي؛ لأنه إذا بلغ سبعة أشبار .. صار رجلًا؛ لأنهم يقولون هو سباعي البدن، أي: تام البدن.

قال: (وكله على التقريب)، فلو شرط كونه ابن خمس كذا بلا زيادة ولا نقصان .. بطل، وظاهر عبارة المصنف: العود إلى الجميع، ولم يذكر الرافعي التقريب إلا في السن خاصة، وكذلك في (الروضة) وغيرها، والمصنف ههنا عمم الحكم، ولا يظهر ذلك إلا في السن والقد إذا ضبط بالأشبار.

قال: (ولا يشترط ذكر الكحل والسمن ونحوهما) كتكلثم الوجه.

ص: 261

فِي الأَصَحِّ. وَفِي الإِبِل وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ: الذُّكُورَةُ وَالأُنُوثَةُ،

ــ

و (الدعج) وهو: شدة سواد العين (في الأصح)؛ للتسامح به، وكذا الملاحة.

والصحيح: اشتراط ذكر الثيوبة أو البكارة في الجارية، ويقابل الأصح: أن ذلك يشترط، وهو قوي؛ لأنه مقصود لا يؤدي ذكره إلى عزة الوجود.

و (الكَحَل) بفتح الكاف والحاء كما ضبطه المصنف: أن يعلو جفون العين سواد كالكحل.

قال الشاعر [من البسيط]:

ليس التكحل في العينين كالكَحَل

ويستحب ذكر تفلج الأسنان أو غيره وجعودة الشعر وسبوطته، ولو اشترط كون العبد أو الجارية يهوديًا أو نصرانيًا أو خبزًا أو حاسبًا أو صائغًا أو نجارًا أو شيخًا أو كهلًا أو مزوجًا .. جاز.

ونقل الرافعي عن الصيمري: أنه لو شرط كونه زانيًا أو قاذفًا أو سارقًا .. جاز، بخلاف ما لو شرط كون الجارية مغنية أو عوادة .. لا يصح –قال-: وفرق بينهما بأنها صناعة محظورة وتلك أمور تحدث كالعمى، وهذا فرق لا يقبله ذهنك. أهـ

فأما الزنا والسرقة .. فقد قال غير الصيمري: لا يصح اشتراطه، وفرق الماوردي في المغنية بين الغناء المحرم كذات العود .. فيمتنع، وإلا .. فلا.

ووقع في (الروضة): القوادة بالقاف، والصواب: أنه بالعين، ولا يشترط التعرض لخفة الروح وعذوبة الكلام وحسن الخلق، فلو شرط .. أبطل؛ للجهالة.

قال: (وفي الإبل والخيل والبغال والحمير: الذكورة والأنوثة)؛ لاختلاف الغرض بهما.

ص: 262

وَالسِّنُّ وَاللَّوْنُ وَالنَّوْعُ

ــ

قال: (والسن) كبنت مخاض وبنت لبون أو جذعة ونحو ذلك.

قال: (واللون)؛ لأن الغرض يختلف بذلك، ولأن الأسود من الإبل أطيبها لحمًا.

قال: (والنوع)، فيقول في الإبل: بخاتي أو عراب، وكذا الصنف، فيقول: أرحبية أو مهرية أو مجيدية أو من نعم بني فلان، فإن اختلفت نعمهم .. فالأظهر: اشتراط ذكر الصنف.

والثاني: لا، ويعطي من أيها شاء.

ويقول في الخيل: عربي أو تركي أو من خيل بني فلان، فإن اختلفت .. ففي وجوب بيان الصنف القولان، وكذلك الحكم في البقر والغنم.

واشترط الماوردي في الإبل والخيل: ذكر القد، فيقول: مربوع أو مشرف، ولو اشترط في الإبل كونها عوامل أو تدور في الطحن .. جاز، لكن يبين طحن الدقيق أو غيره؛ فإن منها ما يدور عن يمينه ومنها ما يدور عن يساره ويصعب نقله.

ويستحب في الخيل ذكر الشيات كالأغر والمحجل واللطيم، فإن تركه .. جاز.

ص: 263

وَفِي الطَّيْرِ: النَّوْعُ وَالصِّغَرُ وَكِبَرُ الْجُثَّةِ. وَفِي اللَّحْمِ: لَحْمُ بَقَرٍ، أَوْ ضَانٍ، أَوْ مَعْزٍ، ذَكَرٍ خَصِيٍّ رَضِيعٍ مَعْلُوفٍ، أَوْ ضِدِّهَا،

ــ

و (اللطيم): الذي سالت غرته في أحد شقي وجهه.

ولا يجوز السلم في فرس أبلق؛ لعدم انضباطه.

قال: (وفي الطير: النوع والصغر وكبر الجثة) ولا يكاد يعرف سنها، فإن عرف .. وصفه به.

وفي (البحر): أن الشافعي رضي الله عنه قال: يقول: فرخ أو ناهض.

وأهمل الرافعي والمصنف اشتراط لونه، ولابد منه، اللهم إلا أن يكون المراد بها الأكل فلا يعتبر ذلك، وكذا الذكورة والأنوثة، ثم إذا جوزنا .. فبالعدد، فإن كان مذبوحًا .. فبالوزن قطعًا.

فإن قيل: نص في (البويطي) على: أنه لا يجوز السلم في الطيور؛ لأنها لا تنضبط بسن ولا تعرف بالتقدير .. فالجواب: أنه نص في غيره على الصحة؛ ولذلك لم يقل أحد من الأصحاب به إلا صاحب (المهذب)، وبقية الأصحاب أنكروه.

ويجوز السلم في السمك والجراد حيًا وميتًا عند عموم الوجود، ويوصف كل جنس بما يليق به.

قال: (وفي اللحم: لحم البقر، أو ضأن، أو معز، ذكر خصي رضيع معلوف، أو ضدها) ضد الخصي: الفحل، وضد الرضيع: الفطيم أو الجذع أو الثني أو نحوها، وضد المعلوفة: الراعية، فلحم الراعية أطيب، ولحم المعلوفة أدسم، والغرض يختلف بكل ذلك.

قال الإمام: ولا يكتفى في العلف بالمرة والمرات حتى ينتهي إلى مبلغ يؤثر في اللحم.

وأطلق المصنف البقر ولابد من ذكر نوعه كعراب أو جواميس.

ص: 264

مِنْ فَخِذٍ أَوْ كَتِفٍ أَوْ جَنْبٍ، وَيُقْبَلُ عَظْمُهُ عَلَى الْعَادَةِ

ــ

كل هذا في غير لحم الصيد.

ويصح في الطري والسمين، فلو كان في بلد لا يختلف الراعية فيها والمعلوفة .. قال الماوردي: لم يلزم ذكره، فكلام المصنف محمول على الغالب، لكنه أهمل ذكر السمن والهزال وقد اشترطه العراقيون.

ولا يجوز شرط العجف؛ لأنه هزال من غير علة فهو عيب وشرط هذا العيب مفسد.

ومنع أبو حنيفة السلم في اللحم كما منعه في الحيوان.

قال: (من فخذ أو كتف أو جنب)؛ لاختلاف الأغراض بذلك؛ لأن ما قرب من المراعى والشرب كان أطيب.

قال: (ويقبل عظمه على العادة)؛ لأنه بمنزلة النوى في التمر، وهذا عند الإطلاق، فإن اشترط النزع .. جاز، ويلزم قبول الجلد إن كان لحم طائر أو سمك، بخلاف لحم الغنم إلا في الجدي الصغار، ولا يلزم قبول الرأس والرجل والذنب في الطير والسمك، لكن نص في (الأم) على: أن الذنب إذا كان عليه لحم .. لزم قبوله.

وقال البغوي: توزن الرؤوس مع العصافير.

فروع:

يجوز السلم في اللحم المملح والقديد إذا لم يكن عليه عين الملح، ويجوز في الألية والكبد والطحال والرئة والسنام، ولا يجوز في الكرش مع ما يتعلق بها؛ لاختلافها، ويبين في اللبن ما يبين في اللحم إلا الذكورة، ويبين نوع العلف ويقول: حليب، أو لبن يومه.

ص: 265

وَفِي الثِّيَابِ: الْجِنْسُ، وَالطُّولُ وَالْعَرْضُ، وَالْغِلَظُ وَالدِّقَّةُ، وَالصَّفَاقَةُ وَالرِّقَّةُ، وَالنُّعُومَةُ والْخُشُونَةُ، وَمُطْلَقُهُ يُحْمَلُ عَلَى الْخَامِ. وَيَجُوزُ فِي الْمَقْصُورِ،

ــ

ولا يجوز شرط الحموضة؛ لأنها عيب، ويجوز السلم في المخيض إذا خلا عن الماء، ولا يضر وصفه بالحموضة؛ لأنها مقصودة فيه، والسمن يذكر فيه ما يذكر في اللبن، وكونه أصفر أو أبيض، والعتق عيب لا يجوز شرطه.

ويذكر في اللبأ ما يذكر في اللبن، وأنه قبل الولادة أو بعدها، وأول بطن أو ثانيها، ولبأ يومه أو أمسه إذا لم يتغير.

والجبن إذا جوزنا السلم فيه .. يزاد فيه ذكر البلد وجوبًا، وأنه رطب أو يابس، ويستحب ذكر مدة اليابس.

قال: (وفي الثياب: الجنس) فيبين أنها من صوف أو قطن أو كتان أو حرير، وكذلك النوع كقطن عراقي أو يماني، ويذكر بلد النسج إن اختلف به الغرض.

قال: (والطول والعرض، والغلظ والدقة، والصفاقة والرقة، والنعومة والخشونة)؛ لاختلاف الأغراض بذلك، فـ (الغلظ والدقة) راجعان إلى كيفية الغزل، و (الصفاقة والرقة) راجعان إلى كيفية النسج، فإن (الصفاقة): انضمام بعض الخيوط إلى بعض و (الرقة): بُعدها.

و (الواو) في (الدقة) و (الرقة) بمعنى (أو).

قال: (ومطلقه يحمل على الخام)؛ لأن القصارة صفة زائدة.

قال: (ويجوز في المقصور)؛ لأن القصارة وصف مقصود، لكن لا يجوز في الملبوس؛ لأنه غير منضبط، اللهم إلا أن يكون ملبوسًا لم يغسل؛ فالنص: أنه يجوز السلم فيه.

ولا يجوز في الجباب والقلانس المحشوة ولا في الزلالي والثياب المنقوشة، ويجوز في الأكسية واللبود إذا وصفت.

ص: 266

وَمَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ النَّسْجِ كَالْبُرُودِ، وَالأَقْيَسُ: صِحَّتُهُ فِي الْمَصْبُوغِ بَعْدَهُ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: مَنْعُهُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

مهمة:

نقل الرافعي والمصنف عن الصيمري هنا: أنه يجوز السلم في القمص والسراويلات إذا ضبطت طولًا وعرضًا، وضيقًا وسَعة، وصرحا في آخر (الخلع) بعدم جواز السلم فيها، والفتوى على خلاف ما قالاه هنا.

قال: (وما صبغ غزله قبل النسج كالبرود) وهذا لا خلاف فيه.

قال: (والأقيس: صحته في المصبوغ بعده) هذا الذي صححه الإمام والغزالي والشاشي، وجزم به الماوردي.

قال: (قلت: الأصح: منعه، وبه قطع الجمهور والله أعلم) هذا هو المنصوص في (البويطي)، وفرقوا بفرقين:

أحدهما: أن الصبغ بعد النسج يسد الفُرَج فلا تظهر الصفاقة.

والثاني: أنه إذا صبغ بعد النسج .. فكأنه أسلم في ثوب وصبغ معًا.

ولا يجوز أن يسلم في نسج رجل بعينه إلا أن يكون ينسب إليه نسبة تعريف.

فروع:

لا يجوز السلم في الكتان الخشب، ويجوز بعد الدق، فيذكر بلده ولونه، وطوله أو قصره، ونعومته أو خشونته، ودقته أو غلظه، وحداثته أو عتقه إن اختلف بذلك.

ويجوز في المغزول منه ومن غيره، فيذكر جنسه ونعومته ودقته وغلظه، ويذكر وقت غزله؛ فغزل الشتاء ألين، وغزل الصيف قوي نقي، وما غزل به من مردن أو مغزل.

ص: 267

وَفِي التَّمْرِ: لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ وَبَلَدُهُ، وَصِغَرُ الْحَبَّاتِ وَكِبَرُهَا، وَعِتْقُهُ وَحَدَاثَتُهُ. وَالْحِنْطَةُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ كَالتَّمْرِ

ــ

ويجوز في القطن، فييبين بلده ولونه، وكثرة لحمه وقلته، وخشونته ونعومته، وحداثته وعتقه إن اختلف به الغرض.

ويجوز السلم في الحليج والحب، ولا يجوز في القطن في الجوز قبل التشقق، وأما بعده .. ففي (التهذيب): أنه يجوز، وظاهر المذهب: المنع، وهو المنصوص.

والإبريسم يذكر بلده ولونه، ودقته وغلظه، ولا حاجة إلى ذكر النعومة والخشونة، ولا يجوز في القز وفيه الدود.

قال: (وفي التمر: لونه ونوعه وبلده، وصغر الحبات وكبرها، وعتقه وحداثته)؛ لأن الغرض يختلف بذلك، ويحتاج أن يبين عتيق عام أو عامين، فإن أطلق .. فالأصح: الجواز ويحمل على مسمى العتق.

ولا يجوز السلم في التمر المكنوز في القواصر؛ لأنه لا يكون على صفة واحدة غالبًا، ويبين أيضًا هل جفافه على النخل أو بعد جذاذه؟ فإن الأول أبقى، والثاني أصفى، والرطب كالتمر إلا في ذكر الحداثة والقدم.

وفي (الوسيط): أوجب ذكر ذلك فيه دون الحنطة والحبوب، وهو خلاف ما عليه الأصحاب.

والسلم في الزبيب كالسلم في التمر، فلو أسلم في تمر منزوع النوى .. ففي صحته وجهان في (الحاوي)، فإن صححنا .. فالمعتبر فيه: الوزن.

قال: (والحنطة وسائر الحبوب كالتمر) في جميع ما تقدم من الشروط، فيبين نوعها كالشامي والمصري والصعيدي والبحري، ولونه فيقول: أبيض أو أحمر أو أسمر، وقدره فيقول: صغير الحبات أو كبيرها أو متوسطها.

ص: 268

وَفِي الْعَسَلِ: جَبَلِيٌّ أَوْ بَلَدِيٌّ،

ــ

قال الشيخ: وعادة الناس اليوم لا يذكرون اللون ولا صغر الحبات وكبرها، وهي عادة فاسدة مخالفة لنص الشافعي والأصحاب، فينبغي أن ينبه عليها.

وعن بعض المتأخرين: لابد من شرط كونها سقوية أو غير سقوية.

فروع:

يجوز السلم في الدقيق على المنصوص خلافًا للداركي، وعلى المنصوص: يذكر ما يذكر في الحنطة ويزيد ثلاثة أشياء.

أن يطحن بالرحى أو الدولاب أو الماء.

وخشونة الطحن أو نعومته.

وقرب زمانه أو بعده، قاله الماوردي.

والنخالة: أفتى ابن الصلاح بأنها مثلية فيجوز السلم فيها، وأفتى بأن المعيب من الحبوب وغيرها غير مثلي فلا يجوز السلم فيه.

ولا يجوز السلم في الأرز والعلس؛ لاستتارهما بالكمام، كذا في (الشرح) و (الروضة).

ووقع في (فتاوى) المصنف: جوازه في الأرز، وفي (الشرح) و (الروضة): الجزم بجواز بيع العلس في كمامه، بل قال في (شرح المهذب): أنه لا خلاف فيه، فالمعتمد فيهما: جواز السلم فيهما في كمامهما.

قال: (وفي العسل: جبلي أو بلدي)؛ لأن الجبلي أطيب، ويبين أن البلدي حجازي أو مصري أو مغربي أو نحو ذلك.

ص: 269

صَيْفِيٌّ أَوْ خَرِيفِيٌّ، أَبْيَضُ أَوْ أَصْفَرُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِتْقُ وَالْحَدَاثَةُ. وَلَا يَصِحُّ فِي مَطْبُوخٍ وَمَشْوِيٍّ، وَلَا يَضُرُّ تَاثِيرُ الشَّمْسِ. وَالأَظْهَرُ: مَنْعُهُ فِي رُؤُوسِ الْحَيَوَانِ

ــ

قال: (صيفي أو خريفي)؛ لأن الخريفي أجود.

قال: (أبيض أو أصفر)؛ لتفاوت الغرض بذلك.

قال: (ولا يشترط العتق والحداثة)؛ لأن الغرض بذلك لا يختلف.

قال الماوردي: ويبين مرعاه ورقته.

ومطلقه يحمل على المصفى، ولا يقال: عسل إلا لعسل النحل، ويلزمه قبول المصفى بالشمس أو النار الخفيفة.

قال: (ولا يصح في مطبوخ ومشوي)؛ لأن النار يختلف تأثيرها في ذلك.

أما الدبس والعسل المصفى بالنار والسكر والفانيد واللبأ .. ففيها في (الروضة) وجهان، وإطلاقه الوجهين من تصرفه، وفي (المهمات): أن الأصح: المنع، والذي صححه المصنف في (تصحيحه) من جواز الجميع .. معترض، والمعتمد: المنع فيها.

قال: (ولا يضر تأثير الشمس) أي: في اللبأ والعسل وغيرهما؛ لعدم اختلافه.

قال: (والأظهر: منعه في رؤوس الحيوان)؛ لأنها تجمع أجناسًا مقصودة ولا تنضبط بالوصف، ومعظمها العظم وهو غير مقصود.

والثاني: يصح كاللحم.

وعلى الأصح: يشترط أن تكون نِيئة موزونة منقاة من الشعر، فإن كانت غير منقاة .. لم يجز جزمًا، وإن كانت مشوية أو مطبوخة .. لا يجوز السلم فيها أيضًا، والأكارع كذلك، ويزيد ذكر كونها من الأيدي أو الأرجل.

ص: 270

وَلَا يَصِحُّ فِي مُخْتَلِفٍ كَبُرْمَةٍ مَعْمُولَةٍ وَجِلْدٍ وَكُوزٍ وطَسٍّ وَقُمْقُمٍ وَمَنَارَةٍ وَطِنْجِيرٍ وَنَحْوِهَا. وَيَصِحُّ فِي الأَسْطَالِ الْمُرَبَّعَةِ وَفِيمَا يُصَبُّ مِنْهَا فِي قَالَبٍ،

ــ

قال: (ولا يصح في مختلف كبرمة معمولة وجلد وكوز وطس وقمقم ومنارة وطنجير ونحوها) كالأباريق؛ لتعذر الضبط.

واحترز بـ (المعمولة) عن المصبوبة في قالب كما سيأتي، لكن قوله:(وجلد) ليس على إطلاقه، بل يجوز السلم في القطع منها وزنًا.

و (البُرمة): القدر، وجمعها: بُرْم وبِرام وبُرَم.

و (الكوز) جمعه: كيزان وأكواز وكوزة، مثل: عود وأعواد وعودة وعيدان.

و (الطَّس): الطَّسْت، والجمع: طِساس وطُسُوس.

و (القُمقُم) بضم القاف: ضرب من الآنية، وهو بالرومية، ويقال: قمقمة، والجمع: قماقم.

و (الطِّنجير) بكسر الطاء كما ضبطه المصنف بخطه، أعجمي معرب، وهو: الدست، وفتح طائه عده الحريري من لحن الخواص.

و (المنارة) بفتح الميم، جمعها: مناور بالواو؛ لأنه من النور.

قال: (ويصح في الأسطال المربعة)؛ لعدم اختلافها، بخلاف الضيقة الرؤوس، وجمع السطل: سطول وأسطال.

قال: (وفيما يصب منها في قالب)؛ لانضباطه.

و (القَالب) بفتح اللام كما ضبطه أيضًا بخطه.

فرع:

يجوز السلم في الرصاص، فيذكر نوعه ولونه وخشونته، وفي الحديد يذكر النوع، وأنه ذكر أو أنثى، ويذكر لونه وخشونته.

قال القاضي حسين: الذكر: الفولاذ، والأنثى: اللَّين.

وفي الحطب: يذكر نوعه وغلظه ورقته، وأنه من نفس الشجرة أو من أغصانها،

ص: 271

وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي الأَصَحِّ، وَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى الْجَيِّدِ. وَيُشْتَرَطُ مَعْرفَةُ الْعَاقِدَيْنِ الصِّفَاتِ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِي الأَصَحِّ

ــ

ووزنه، ولا يجب التعرض للرطوبة والجفاف، والمطلق محمول على الجفاف، ويجب قبول المعوج والمستقيم.

قال: (ولا يشترط ذكر الجودة والرداءة في الأصح) وادعى الإمام الاتفاق عليه.

قال: (ويحمل مطلقه على الجيد).

والثاني: يشترط؛ لاختلاف الغرض والقيمة بهما، وبهذا جزم العراقيون والقاضي حسين، وهو المنصوص في مواضع من (الأم)، فإذا شرطا الجودة .. نزل على أقل الدرجات فيها، فذكر الجودة لا يضر قطعًا، والخلاف في اشتراطه.

وإن أسلم في الرديء، فإن كان المشروط رداءة النوع .. جاز، قال في (الوسيط): كالجُعرور –بضم الجيم- وهو: نوع رديء من التمر، يقال له: الدَّقَل.

قال الراجز:

قد أطعمتني دَقَلًا حوليّا .... مسوِّسًا مُدوِّدًا حَجْريا

وإن نص على رداءة العيب .. فهو مفسد، وإذا شرط الأجود .. بطل؛ لأن أقصاه غير معلوم فكأنه شرط شيئًا مجهولًا، وقيل: قولان، وإن شرط الأردأ .. فالأصح: الصحة؛ لأنه إن أتى برديء هو أردأ الأشياء .. فهو المسلم فيه، وإن أتى بما هو فوق ذلك .. فالمطالبة بما هو دون ذلك عناد.

قلت: وهذا يشكل على ما تقدم من تصحيح سَلَم الأعمى مطلقًا، وهو يقوي الوجه الصائر إلى أنه إن عمي قبل التمييز .. لا يصح سلمه.

قال: (ويشترط معرفة العاقدين الصفات) فلو جهلاها أو أحدهما .. لم يصح كالبيع.

قال: (وكذا غيرهما في الأصح)؛ ليرجع إليه عند التنازع.

وعلى هذا: هل تعتبر الاستفاضة أو تكفي معرفة عدلين سواهما؟ فيه وجهان:

ص: 272

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أصحهما: الثاني، ويجري الوجهان فيما لو لم يعرف المكيال إلا عدلان، وهذا يخالف ما تقدم فيما إذا أقت بفصح النصارى وكان يعرفه المتعاقدان دون غيرهما؛ فإنه يصح على الصحيح.

قال الرافعي: ولعل الفرق: أن الجهالة في فصح النصارى عائدة إلى الأجل وهنا إلى المعقود عليه، فجاز أن يحتمل في الأجل ما لا يحتمل في المعقود عليه.

تتمة:

يجوز السلم في المنافع كتعليم القرآن وغيره، نص عليه المتولي والروياني، ومنعه القاضي في (الفتاوى).

ويجوز في الطين وفي البقول كالكراث والبصل والنعنع والهندباء وزنًا.

ويجوز في أنواع العطر العامة الوجود كالمسك والعنبر والكافور والعود والزعفران، فيذكر نوعها ووزنها، ولا يجوز في الند المعمول من ذلك؛ لأنه مختلط في أجناس لا يدرى قدرها.

ويجوز السلم في الكاغد عددًا، وفي الزئبق والكبريت وحجارة الكحل، وكذا في ماء الورد على الصحيح كما نقله الروياني عن عامة الأصحاب، ولم يصحح في (الروضة) فيه شيئًا.

ولا يجوز في الكشك، ولا في العود الرطب، ولا في التوتياء الهندي؛ لندرة وجودها، ولا في السفن والمراكب عند الأكثرين؛ لأنها لا تتم إلا بآلات لا يمكن استيفاء وصفها.

ص: 273