المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ والْكَفَالَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالالْتِزَامِ كَضَمِنْتُ دَيْنَكَ عَلَيْهِ، - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ والْكَفَالَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالالْتِزَامِ كَضَمِنْتُ دَيْنَكَ عَلَيْهِ،

‌فَصْلٌ:

يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ والْكَفَالَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالالْتِزَامِ كَضَمِنْتُ دَيْنَكَ عَلَيْهِ، أَوْ تَحَمَّلْتُهُ، أَوْ تقَلَّدْتُهُ، أَوْ تَكَفَّلْتُ بِبَدَنِهِ، أَوْ أَنَا بِالْمَالِ، أَوْ بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ ضَامِنٌ، أَوْ كَفِيلٌ، أَوْ زَعِيمٌ، أَوْ حَمِيلٌ. وَلَوْ قَالَ: أُؤَدِّي الْمَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ .. فَهُوَ وَعْدٌ

ــ

قال: (فصل:

يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر بالالتزام)؛ لأن الرضا القلبي لا يعرف إلا بذلك، لكن تعبيره بـ (اللفظ) يخرج الخط والإشارة من الأخرس، مع أن الضمان ينعقد بهما.

قال: (كضمنت دينك عليه، أو تحملته)؛ لاشتهارهما على ألسنة حملة الشرع، وكذلك ضمنت لك كذا.

قال: (أو تقلدته)؛ لأنها في معنى ذلك.

قال: (أو تكفلت ببدنه)؛ لدلالتها على المقصود، وحكم الجزء الشائع كالثلث ونحوه والجزء الذي لا يعيش الشخص بدونه كالوجه والكبد .. حكم جميع البدن كما قاله صاحب (التنبيه) وأقره المصنف عليه، ولا ترجيح في ذلك في (الشرح) و (الروضة)، ولو تكفل بشعره .. لم يصح.

قال: (أو أنا بالمال أو بإحضاره الشخص ضامن، أو كفيل)؛ لما تقدم.

قال: (أو زعيم)؛ لثبوتها في الكتاب والسنة.

قال: (أو حميل) من الحمالة وكذا قبيل على الأصح، وكذلك: أنه به صبير.

وفي قوله: دين فلان علي وجهان: أقواهما: أنه ليس بصريح.

قال: (ولو قال: أؤدي المال أو أحضر الشخص .. فهو وعد)؛ لأن صيغته لا تشعر بالالتزام.

ص: 503

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُمَا بِشَرْطٍ، وَلَا تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ، وَلَوْ نَجَّزَهَا وَشَرَطَ تَاخِيرَ الإِحْضَارِ شَهْرًا .. جَازَ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا،

ــ

قال: في (المطلب) هذا إذا خلا عن القرينة، فإن اقترن بما يشعر بالالتزام .. فينبغي أن يصح.

قال: (والأصح: أنه لا يصح تعليقهما بشرط) أي: كفالة المال والبدن؛ لأنهما عقدان فلا يقبلان التعليق كالبيع، وجوز ابن سريج ذلك؛ لأن القبول لا يشترط فيهما فجاز تعليقهما كالطلاق والعتاق.

والخلاف في كفالة البدن مرتب على الخلاف في كفالة المال.

قال: (ولا توقيت الكفالة) قياسًا على الضمان.

والثاني: يصح؛ لأنه قد يكون له غرض في تسليمه في مدة معينة، بخلاف المال؛ فإن المقصود أداؤه.

قال: (ولو نجزها وشرط تأخير الإحضار شهرًا .. جاز)؛ لأنه التزم لعمل في الذمة فجاز مؤجلًا قياسًا على العمل في الإجارة، وفيه وقفة للإمام جعلها في (الوسيط) وجهًا، وكذا في (الشرح الصغير).

وصورة المسألة أن يقول: ضمنت إحضاره بعد شهر، وهو كنظيره من الوكالة، فلو أحضره قبله فامتنع .. فهو كإحضاره في غير مكانه.

قال: (وأنه يصح ضمان الحالِّ مؤجلًا أجلًا معلومًا)؛ لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك.

والثاني: يفسد الضمان؛ لمخالفة الملتزم ما على الأصيل.

والثالث: يصح الضمان ويبطل التأجيل، والزيادة في الأجل بمثابة أصل التأجيل فتأتي فيه الأوجه، والذي صححه المصنف هو الأصح، ووقع في (المحرر) تصحيح أنه لا يصح، ولك أن تقول: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا رهن على دين حال وشرط

ص: 504

وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ. وَلِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ وَالأَصِيلِ، .....

ــ

في الرهن أجلًا؛ فإنه لا يصح ولا عكسه كما صرح به الماوردي، والضمان والرهن كلاهما وثيقة؟

قال: (وأنه يصح ضمان المؤجل حالًّا)؛ لأنه تبرع بالتزام التعجيل فصح كأصل الضمان.

والثاني: لا؛ للمخالفة وصححه الروياني.

وعلى الأصح: لو أطلق الضمان .. ثبت مؤجلًا على الصحيح.

قال: (وأنه لا يلزمه التعجيل) كما لو كان عليه دين مؤجل فالتزم تعجيله.

والثاني: يلزمه ما التزم؛ لأنه صفة لتبرع لازم فكان كما لو نذر عتق عبد مؤمن أو سليم من العيوب ونحو ذلك، ولا خلاف أن الدين على الأصيل لا يتغير.

قال: (وللمستحق مطالبة الضامن والأصيل) أما الضامن .. فلقوله صلى الله عليه وسلم: (الزعيم غارم) وأما الأصيل .. فلأنه لم يبرأ.

وقال مالك وأبو ثور: لا تجوز مطالبة الضامن إلا بعد عجز المضمون عنه، واختاره ابن أبي هريرة.

وقال ابن جرير: يطالب من شاء منهما، فإذا طالب أحدهما .. لم يكن له مطالبة الآخر، والمذهبان شاذان.

وعلى المذهب: له مطالبة أحدهما بالبعض والآخر بالباقي.

وعدل المصنف عن قول (المحرر): (وللمضمون له) إلى قوله: (المستحق)؛ ليدخل فيه الوارث، لكنه يشمل المحتال مع أنه لا يطالب الضامن؛ لأن ذمته قد برئت كما تقدم.

وشملت عبارة المصنف: ما إذا كان عليه ألف بها رهن وضامن والأصح: أنه إن

ص: 505

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الأَصِيلِ. وَلَوْ أَبْرَأَ الأَصِيلَ .. بَرِئَ الضَّامِنُ، وَلَا عَكْسَ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا .. حَلَّ عَلَيْهِ دُونَ الآَخَرِ

ــ

شاء طالب الضامن، وإن شاء باع الرهن، وقيل: ليس له بيع الرهن إلا بعد العجز عن مطالبة الضامن، وقيل: عكسه.

قال: (والأصح: أنه لا يصح) أي: الضمان (بشرط براءة الأصيل)؛ لمنافاته مقتضى العقد.

والثاني: يصح الضمان والشرط؛ لما رواه جابر رضي الله عنه في قصة ضمان أبي قتادة رضي الله عنه قال: (فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (هما عليك وفي مالك والميت منهما برئ) فقال: نعم، فصلى عليه) قال الحاكم [2/ 58]: صحيح الإسناد.

والثالث: يصح الضمان ويبطل الشرط، كما لو أعتق عبدًا بشرط أن يعطيه شيئًا.

قال: (ولو أبرأ الأصيل .. برئ الضامن)؛ لسقوط الحق.

قال: (ولا عكس)؛ لأنه إسقاط للوثيقة فلا يسقط بها الدين كفك الرهن، وفي معنى الإبراء: أداء الدين والاعتياض عنه والحوالة به، فلو عبر بقوله:(برئ) .. كان أشمل.

قال: (ولو مات أحدهما .. حل عليه) الدين (دون الآخر)؛ لأن ذمة الميت خربت، والحي يرتفق بالأجل، وقيل: لا يحل على الضامن بموت نفسه، وقيل: يحل عليه بموت الأصيل.

والجنون والاسترقاق كالموت في الحلول كما تقدم في (الفلس).

وعلى الصحيح: لو أخر المستحق المطالبة .. كان للضامن –على الأصح- أن

ص: 506

وَإِذَا طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الضَّامِنَ .. فَلَهُ مُطَالَبَةُ الأَصِيلِ بِتَخْلِيصِهِ بِالأَدَاءِ إِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ،

ــ

يطالبه بأخذ حقه من تركة الأصيل، أو إبرائه من الضمان؛ لأنه قد تهلك التركة ولا يجد مرجعًا.

واستثنى شارح (التعجيز) ما لو ضمن المؤجل حالًا –وقلنا بالأصح أنه يكون مؤجلًا- فإنه يحل على الضامن بموت الأصيل على الأصح، وهو حسن.

تحقيق:

الدين الذي على الأصيل هو الذي على الضامن باعتبار ذاته كفرض الكفاية، وإنما عرض له التعدد باعتبارهما؛ فلذلك حل على أحدهما دون الآخر، ويثبت على أحدهما حالًّا وعلى الآخر مؤجلًا.

قال: (وإذا طالب المستحق الضامن .. فله مطالبة الأصيل بتخليصه بالأداء إن ضمن بإذنه) قياسًا على تغريمه إذا غرم، ومعنى التخليص: أن يؤدي دين المضمون له ليبرأ الضامن، وقيل: ليست له هذه المطالبة، قال الإمام: وهو متجه في القياس.

وإذا كان المضمون عنه صغيرًا، وطولب الضامن بإذن الولي .. فله مطالبة الولي بالتخليص ما لم يبلغ، فإذا بلغ .. كان هو المطالب به.

ص: 507

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ.

وَلِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الأَصِيلِ إِنْ وُجِدَ إِذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالأَدَاءِ،

ــ

فرع:

إذا حبس المضمون له الضامن هل له حبس الأصيل؟ فيه وجهان:

أصحهما: كما قال الرافعي: لا، وتابعه عليه في (المطلب) وزاد أنه لا يلازمه بترسيم ولا غيره.

وصحح الشيخ أن له حبسه قال: وإلا .. فلا فائدة في طلبه، بل ينبغي أن يكون له حبسه إذا طولب وإن لم يحبس؛ ليرهقه إلى تخليصه، لأن المطلوب إذا علم أنه لا يحبس .. لم يبال بالامتناع.

قال: (والأصح: أنه لا يطالبه قبل أن يطالب)؛ لأنه لم يتوجه إليه خطاب ولم يغرم شيئًا.

والثاني: له المطالبة بالتخليص، كما لو استعار شيئًا فرهنه .. فإن للمالك مطالبته بفكه.

وفرق الأولون بأن الرهن محبوس بالدين وفيه ضرر، والضامن ليس محبوسًا به.

ومحل الخلاف إذا كان الدين حالًّا، فإن كان مؤجلًا .. لم يكن له مطالبته قطعًا.

قال: (وللضامن الرجوع على الأصيل إن وجد إذنه في الضمان والأداء)؛ لأنه صرف ماله إلى منفعة غيره بإذنه فكان كما لو قال: اعلف دابتي .. ففعل، واستدل له البيهقي [6/ 74] بأن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكًا شديدًا قد عصب رأسه فقال: (خذ بيدي يا فضل، قال: فأخذت بيده حتى قعد على المنبر ثم قال: من كنت أخذت منه شيئًا .. فهذا

ص: 508

وَإِنِ انْتَفَى فِيهِمَا .. فَلَا. وَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فقَطْ .. رَجَعَ فِي الأَصَحِّ،

ــ

مالي فليأخذ منه، فقام رجل فقال: يا رسول الله؛ إن لي عندك ثلاثة دراهم، فقال: أما أنا فلا أكذب قائلًا ولا أستحلف على يمين، فيم كانت لك عندي؟ فقال: أما تذكر أنه مر بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم؟ فقال: أعطه يا فضل).

وعبارة (المحرر): (إذا ضمن وأدى بإذنه) وهي أحسن؛ لأنه لا يلزم من الإذن في الأداء حصول الأداء، والرجوع متوقف على نفس الأداء وفي المسألة وجه رمز له صاحب (التقريب).

أما إذا شرط مع ذلك الرجوع .. فلا خلاف أنه يرجع.

ثم الرجوع في المثلي بالمثلي وفي المتقوم بالمثل الصوري كالقرض على الأصح، وقيل: بالقيمة.

قال: (وإن انتفى فيهما .. فلا)؛ لأنه متبرع، وخالف في ذلك مالك وأحمد.

لنا: حديث أبي قتادة رضي الله عنه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على الميت، ولو كان لأبي قتادة رضي الله عنه الرجوع .. لما صلى لبقاء الدين.

قال: (وإن أذن في الضمان فقط .. رجع في الأصح)؛ لأنه أذن في سبب الرجوع والأداء مرتب عليه.

والثاني: لا رجوع .. لأنه غرم بغير إذن.

والثالث: إن طولب ولم تمكنه مراجعة الأصيل لغيبة أو حبس ونحوهما .. رجع؛ لأنه مضطر إلى الأداء، وإلا .. فلا.

وقوله: (فقط) يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يسكت عن الأداء وهذا واضح.

والثاني: أن ينهاه عنه.

قال شيخنا: ويتجه أن يقال: إن كان النهي بعد الضمان .. لم يؤثر، وإن كان قبله، فإن انفصل عن الإذن .. كان رجوعًا عنه، وإن اتصل به .. أفسده.

ص: 509

وَلَا عَكْسَ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ أَدَّى مُكَسَّرًا عَنْ صِحَاحٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ مِئَةٍ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَّا بِمَا غَرِمَ

ــ

قال: (ولا عكس في الأصح) أي: إذا ضمن غير إذن وأدى به .. فالأصح: لا يرجع؛ لأن وجوب الأداء سببه الضمان ولم يأذن فيه.

والثاني: يرجع؛ لأنه أسقط الدين عن الأصيل بإذنه، فلو كان الإذن في هذه الصورة بشرط الرجوع .. فالأصح في (الروضة): أنه يرجع وبه جزم الماوردي.

تنبيهان:

أحدهما: إنما يرجع الضامن حيث يكون قد أدى من ماله، فإن أدى من يتهم الغارمين .. لم يرجع على الأصح، كذا قاله الشيخان وغيرهما في (قسم الصداقات).

الثاني: إحالة الضامن المضمون له وقبوله الحوالة عليه، ومصالحتهما عن الدين على عوض، وصيرورة الدين ميراثًا للضامن كالأداء في ثبوت الرجوع وعدمه، كذا وقع في (الشرح) و (الروضة)، وغلطهما في (المهمات) فيما ذكراه في الميراث؛ لأن ذمته برئت من الضمان بالإرث، وأما الحق فباق في ذمة المضمون، ولا يلزم من براءة ذمة الكفيل براءة ذمة الأصيل، وحينئذ فله مطالبته وإن ضمن بغير إذن.

قال: (ولو أدى مكسرًا عن صحاح أو صالح عن مئة بثوب قيمته خمسون .. فالأصح: أنه لا يرجع إلا بما غرم)؛ لأنه الذي بذله.

والثاني: يرجع بالصحاح والمئة؛ لحصول براءة الذمة به، والنقصان جرى من رب الدين مسامحة للضامن.

والثالث: يرجع في المئة لا في الصحاح؛ لأن غير الجنس يقع عوضًا، والمكسر

ص: 510

وَمنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا ضَمَانٍ وَلَا إِذْنٍ .. فَلَا رُجُوعَ، وَإِنْ أَذِنَ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ .. رَجَعَ، وَكَذَا إِنْ أَذِنَ مُطْلَقًا فِي الأَصَحِّ

ــ

لا يقع عوضًا عن الصحيح، بل هو مجرد مسامحة، فلو كانت قيمة الثوب أكثر من مئة .. لم يرجع إلا بمئة.

فلو قال: بعتك هذا الثوب بما ضمنته لك .. فالمختار في (الروضة): صحة البيع والرجوع بما ضمنه.

ولو ضمن ذمي لذمي دينًا على مسلم، ثم تصالحا على خمر .. فالأصح: أنه لا يرجع ولا يبرأ؛ لتعلقهما بالمسلم ولا قيمة للخمر.

قال: (ومن أدى دين غيره بلا ضمان ولا إذن .. فلا رجوع)؛ لأنه متبرع، وخالف ما لو وضع طعامه في فم مضطر حيث يرجع عليه وإن لم يأذن؛ لأنه واجب عليه استنقاذًا لمهجته.

قال: (وإن أذن بشرط الرجوع .. رجع)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم) صححه ابن حبان من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.

وفي حكم الإذن بشرط الرجوع التوكيل بالشراء على الأصح؛ لأن في ضمن أمره بالشراء أمره بدفع الثمن وستأتي المسألة.

قال: (وكذا إن أذن مطلقًا في الأصح)؛ لاقتضاء العرف الرجوع.

والثاني: لا يرجع واختاره الشيخ أبو حامد؛ لأنه لم يوجد منه إلا الإذن في الأداء كما هو الأصح فيما إذا قال: اغسل ثوبي ولم يسم له أجرًا، لكن الفرق أن المسامحة في المنافع أكثر منها في الأعيان.

والثالث: إن كان حالهما يقتضي الرجوع .. رجع، وإلا .. فلا، فلو قال: أدِّ دين فلان .. لم يرجع على الآمر، وإن قال: أدّ دين ضامني .. فهو كما لو قال: أدّ ديني.

ص: 511

وَالأَصَحُّ: أَنَّ مُصَاَلَحَتَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ. ثُمَّ إِنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ وَالْمُؤَدِّي إِذَا أَشْهَدَ بِالأَدَاءِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، وَكَذَا رَجُلٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ فِي الأَصَحِّ

ــ

قال: (والأصح: أن مصالحته على غير جنس الدين لا تمنع الرجوع)؛ لأن الإذن إنما يقصد به البراءة وقد حصلت.

والثاني: تمنع؛ لأنه إنما أُذن في الأداء دون المصالحة.

والثالث: إن قال: أدِّ ما علي من الدراهم مثلًا .. لا يرجع، وإن قال: أدِّ ديني أو ما علي .. رجع.

فإن قيل: جزموا في الضمان بأن المصالحة لا تمنع الرجوع، ولم يخرجوه على الخلاف هنا .. فالجواب: أن مصالحة الضامن وقعت عن حق وجب عليه، بخلاف المأذون له بلا ضمان.

هذا في المأذون له إذا صالح على غير الجنس، أما الضامن .. فإنه إذا صالح على غير جنس الدين .. فإنه يرجع اتفاقًا، والفرق بينه وبين المأذون: أن مصالحة الضامن وقعت عن حق وجب عليه؛ لأن الدين ثبت في ذمته ثبوته في ذمة الأصيل، والمأذون له من غير ضمان ليس كذلك.

قال: (ثم إنما يرجع الضامن والمؤدي إذا أشهد بالأداء رجلين أو رجلًا وامرأتين)؛ لثبوت الحق بكل منهما.

قال: (وكذا رجل ليحلف معه في الأصح)؛ لأنه كاف في إثبات الأموال.

والثاني: لا؛ لأنهما قد يترافعان إلى من لا يقضي بالشاهد واليمين فنسب في ذلك إلى تقصير.

وصورة هذه المسألة: أن يموت الشاهد أو يغيب ويرفع الواقعة إلى حنفي لا يقضي بشاهد ويمين، أما لو حضر وشهد وحلف معه الضامن عند من يحكم به .. فإنه يرجع قطعًا، كذا نقله في (المطلب) عن جماعة.

ص: 512

فَإِنْ لَمْ يُشهِدْ .. فَلَا رُجُوعَ إِنْ أَدَّى فِي غَيْبَةِ الأَصِيلِ وَكَذَّبَهُ، وَكَذَا إِنْ صَدَّقَهُ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ أَوْ أَدَّى بِحَضْرةِ الأَصِيلِ .. رَجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ.

ــ

ولا يكفي إشهاد من يعلم سفره عن قريب أو موته؛ لأنه لا يفضي إلى مقصود.

ولو أشهد مستورين فبانا فاسقين .. رجح الرافعي والمصنف الاكتفاء بذلك؛ لأنه لا اطلاع له على الباطن.

قال الشيخ: وعندي أنه لابد أن يكونا معدلين على حاكم؛ ليكون معذورًا في خفاء باطن أمرهما، أما المستور الذي لم يعدله حاكم .. فلا يكفي، ولو كان هو يعرف عدالتهما وأنهما ممن يزكيان عند الحاجة .. أغنى ذلك عن كونهما معدلين عند الحاكم.

وإن أشهد مستورين فعدلا .. رجع، وكذا إن أشهد من لا تقبل شهادته ثم صار مقبولًا.

قال: (فإن لم يشهد .. فلا رجوع إن أدى في غيبة الأصيل وكذبه)؛ لأن الأصل عدم الأداء؛ وهو بترك الإشهاد مقصر.

قال: (وكذا إن صدقه في الأصح)؛ لأنه لم يؤد ما ينتفع به الأصيل، لأن طلب الحق مستمر.

والثاني: يرجع؛ لاعترافه ببراءة ذمته.

ومحل الوجهين: إذا لم يأمره الأصيل بالإشهاد، فإن أمره به فلم يفعل .. لم يرجع جزمًا، وإن أذن له في تركه .. رجع، قالهما في (البحر).

قال: (فإن صدقه المضمون له أو أدى بحضرة الأصيل .. رجع على المذهب).

فيما إذا صدقه المضمون له وجهان:

أصحهما: الرجوع؛ لسقوط طلب المستحق بإقراره الذي هو أقوى من البينة.

والثاني: لا؛ لأن قول رب المال ليس حجة على الأصيل.

ص: 513

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفيما إذا أدى بحضرة الأصيل .. المنصوص: أنه يرجع؛ لأن التقصير في تلك الحالة منسوب إلى الأصيل حيث لم يحتط لنفسه بخلاف الغيبة.

وقيل: لا يرجع، كما لو ترك الإشهاد مع الغيبة، والمسألتان ليس فيهما طرق إنما عبر في (الروضة) في الأولى بالأصح وفي الثانية بالصحيح.

تتمة:

قال: أشهدت فلانًا وفلانًا فكذباه .. فهو كما لو لم يشهد، بخلاف ما لو أقرت المرأة بالنكاح بحضرة شاهدين فكذباها، فإنه لا يقدح في إقرارها على وجه؛ لأنها قد أقرت بحق عليها فلم يلغ بإنكارهما، وهذا يريد أن يثبت له حقًا.

* * *

خاتمة

ضمن عشرة فأدى خمسة وأبرئ عن الباقي لم يرجع إلا بما أدى، ويبرأ الضامن والأصيل عن الباقي، وهذه تقدمت في (الصلح).

وإذا باع من رجلين وشرط أن يكون كل منهما ضامنًا عن صاحبه .. بطل البيع؛ لأنه شرط على المشتري التزام غير الثمن.

وعن القديم: لو كاتب عبدين وشرط أن كلًّا منهما ضامن لصاحبه .. جاز، فيحتمل أن يطرد في البيع، والمشهور: القطع بالبطلان.

قال الشيخ: وقد رأيت ابن الرفعة في حسبته يمنع أهل الأسواق من البيع مسلمًا، ومعناه: التزام المشتري بما يلزم البائع من الدلالة وغيرها، ولعله أخذه من هذه المسألة.

* * *

ص: 514

فهرس الكتاب

كتاب البيع

7

باب الربا

57

باب في البيوع المنهيّ عنها

77

فصل: فيما نهي عنه من البيوع

90

فصل: في تفريق الصفقة وتعددها

100

باب الخيار

109

فصل: في خيار الشرط

116

فصل: في خيار النقيصة

122

فرع: اشترى عبدين معيبين صفقة ردهما

142

فصل: في التغرير الفعلي

147

باب في حكم المبيع قبل قبضه وبعده

152

فرع: للمشتري قبض المبيع استقبالًا

166

فرع: قال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه وقال المشتري في الثمن مثله

168

باب التولية وَالإشراك وَالمرابحة

174

باب في بيان بيع الأصول وَالثمار وغيرهما

184

فرع: باع شجرة رطبة دخل عروقها وورقها

196

فصل: في بيان بيع الثمر والزرع

204

باب اختلاف المتبايعين

218

باب في معاملة الرقيق

227

كتاب السلم

237

فصل: في بقية الشروط

249

فرع: يصح السلم في الحيوان

260

فصل: في أداء غير المسلم فيه عنه

274

فصل: في القرض

277

كتاب الرهن

293

فصل: في شروط المرهون به

303

فصل: فيما يترتب على لزوم الرهن

319

فصل: في الجناية من المرهون

336

فصل: في الاختلاف في الرهن

340

ص: 515

فصل: في تعلق الدين بالتركة

346

كتاب التفليس

353

فصل: فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس

365

فصل: في رجوع المعامل للمفلس

381

باب الحجر

396

فصل: فيمن يلي الصبي وكيفية تصرفه في ماله

421

باب الصلح

432

فصل: في التزاحم على الحقوق المشتركة

443

باب الحوالة

468

باب الضمان

481

فصل: في كفالة البدن

495

فصل: في بيان الصيغة

503

فهرس الكتاب

515

* * *

ص: 516