الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
اخْتَلَفَا فِي الرَّهْنِ أَوْ قَدْرِهِ .. صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ إِنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ، وَإِنْ شُرِطَ فِي بَيْعٍ .. تَحَالَفَا
ــ
وإن كان مما لا ينقسم بالأجزاء كالثياب والعبيد .. قال العراقيون: لا يجاب إليه، وإن كان أرضًا مختلفة الأجزاء كالدار .. لزم الشريك أن يوافقه، وفي المرتهن وجهان: أصحهما: له الامتناع؛ لما في القسمة من التبعيض وقلة الرغبة.
قال: (فصل:
اختلفا في الرهن) إما في أصله؛ بأن قال رب الدين: رهنتني كذا، وأنكر المالك، أو قال: رهنتني عبدك، فقال: بل ثوبي.
قال: (أو قدره) كما إذا قال: رهنتني هذين العبدين، فقال: بل أحدهما (.. صُدِّق الراهن بيمينه إن كان رهن تبرع)؛ لأن الأصل يعضده، وهو عدم الرهن، سواء كانت العين في يد الراهن أو المرتهن.
وفي وجه: يصدق المرتهن بيمينه إذا كانت في يده.
ولو عبر المصنف بدل (الراهن) بالمالك .. كان أولى؛ لأن منكر الرهن ليس براهن.
قال: (وإن شُرط في بيع .. تحالفا) كسائر كيفيات البيع إذا اختلف فيها.
والمراد: أنهما اختلفا كيف صدر البيع مع اتفاقهما على اشتراط الرهن واختلافهما في شيء مما تقدم كأصل الرهن وقدره؟ فهذا في الحقيقة اختلاف في كيفية عقد البيع، فيقضى بالتحالف، وهذه يعلم حكمها من (باب التحالف) فهي مستغنىً عنها.
لكن يرد عليه ما لو اتفقا على البيع بشرط الرهن واختلفا في الوفاء به -أي: هل رهن أو لا؟ - فادعاه المرتهن، وأنكره الراهن ليأخذ الرهن ويتوصل به إلى أن يفسخ المرتهن البيع .. فلا تحالف، بل يصدَّق الراهن؛ فإنهما لم يختلفا في كيفية البيع الذي هو مناط التحالف.
وَلَوِ ادَّعَى أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِئَةٍ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا .. فَنَصِيبُ الْمُصَدِّقِ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ، وَالْقَوْلُ فِي نَصِيبِ الثَّانِي قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ عَلَيْهِ. وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِهِ: فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ، أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ الرَّاهِنُ: غَصَبْتَهُ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَكَذَا إِنْ قَالَ: أَقْبَضْتُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى فِي الأَصَحِّ
ــ
قال: (ولو أدعى أنهما رهناه عبدهما بمئة وصدقه أحدهما .. فنصيب المصدق رهن بخمسين)؛ مؤاخذة بإقراره (والقول في نصيب الثاني قوله بيمينه)؛ لما تقدم.
قال: (وتقبل شهادة المصدق عليه) أي: على النافي؛ لخلوها عن جلب نفع ودفع ضرر، فإن شهد معه آخر أو حلف المدعي .. ثبت رهن الجميع، ولو زعم كل منهما: أنه لم يرهن وأن شريكه رهن وشهد .. قبلت شهادتهما في الأصح؛ لأنهما ربما نسيا، وإن تعمدا .. فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق، ولهذا لو تخاصم رجلان في شيء ثم شهدا في حادثة .. قبلت شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبًا في ذلك التخاصم.
ولك أن تقول: إنما لا توجب الكذبة الفسق إذا لم يكن جحد حق.
وعن ابن القطان وجه ثالث: أن الذي شهد أولًا تقبل شهادته دون من شهد آخرًا؛ لأنه انتهض خصمًا.
قال: (ولو اختلفا في قبضه، فإن كان في يد الراهن، أو في يد المرتهن وقال الراهن: غصبتَه .. صُدِّق بيمينه)؛ لأن الأصل عدم اللزوم وعدم الإذن في القبض.
قال: (وكذا إن قال: أقبضته عن جهة أخرى في الأصح) كإيداع أو إعارة أو كراء ونحوها؛ لأن الأصل عدم إذنه في القبض عن جهة الرهن.
وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ إِقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ .. فَلَهُ تَحْلِيفُهُ، وَقِيلَ: لَا يُحَلِّفُهُ إِلَّا أَنْ يَذْكُرَ لإِقْرَارِهِ تَاوِيلًا كَقَوْلِهِ: أَشْهَدْتُ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ
ــ
والثاني: القول قول المرتهن؛ لأنهما اتفقا على قبض مأذون فيه وأراد الراهن أن يصرفه إلى جهة أخرى، والظاهر خلافه؛ لتقدم العقد المحوج إلى القبض.
قال: (ولو أقر بقبضه ثم قال: لم يكن إقراري عن حقيقة .. فله تحليفه) أي: للراهن تحليف المرتهن: أنه أقبضه؛ لأنا نعلم غالبًا: أن الوثائق يشهد عليها قبل تحقق ما فيها.
قال: (وقيل: لا يحلفه إلا أن يذكر لإقراره تأويلًا كقوله: أشهدت على رسم القبالة)؛ لأنه ذكر أمرًا محتملًا.
وقيل: لا يحلفه مطلقًا.
وقال القفال: إذا أقر في مجلس القاضي .. لا يحلفه وإن ذكر تأويلًا.
وقال غيره: لا فرق.
وقال الإمام: إن اتحد المجلس .. كان كإكذابه نفسه، وإن اعتذر في مجلس آخر .. قُبِل.
ومن التأويل: أن يقول: إنما أقبضته بالقول ظانًا أنه يكفي، أو جاءني كتاب عن وكيلي: أنه أقبض، فبان مزورًا.
والخلاف جار: فيما إذا أقر لزيد بألف وشهدت عليه بينة بذلك، فقال: إنما أقررت بذلك؛ لأنه وعدني أن يقرضني فحلِّفوه.
وأفتى ابن الصلاح بأنه إذا ادعى: أن المال الذي أقر به كان في يده مضاربة .. أن له أن يحلفه؛ لأن ذلك قد يفعل.
ولو كان رب الدين قد أقبضه عوضه .. لم يكن له أن يحلفه: أنه أقبضه إياه.
وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: جَنَى الْمَرْهُونُ، وَأَنْكَرَ الآخَرُ .. صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ .. وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ: جَنَى قَيْلَ الْقَبْضِ .. فَالأَظْهَرُ: تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ فِي إِنْكَارِهِ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ .. غَرِمَ الرَّاهِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَغْرَمُ الأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ،
ــ
و (الرسم): الكتابة.
و (القَبالة) بفتح القاف: الورقة التي يكتب فيها الإقرار بدين أو غيره.
قال: (ولو قال أحدهما: جنى المرهون، وأنكر الآخر .. صدق المنكر بيمينه)؛ لأنه الأصل، والمراد: أنه قال: جنى بعد القبض، وذلك يفهم من قوله بعده:(قبل القبض).
قال: (ولو قال الراهن: جنى قبل القبض .. فالأظهر: تصديق المرتهن بيمينه في إنكاره)؛ صيانة لحقه، لأن الراهن قد يواطئ المجني عليه والعبد على إبطال حق المرتهن.
والثاني: يصدق الراهن؛ لأنه أقر في ملكه بما لا يجر لنفسه نفعًا.
وفي قول ثالث –انفرد به الإمام والغزالي-: إن كان موسرًا .. قبل، وإلا .. فلا، كالإعتاق.
ومحل القولين في المسألة: إذا عين الراهن المجني عليه فصدقه، وإلا .. فالرهن بحاله جزمًا، ودعوى الراهن زوال الملك كدعوى الجناية.
قال: (والأصح: أنه إذا حلف .. غرم الراهن للمجني عليه) كما لو قتله؛ لأنه حال بينه وبين حقه.
والثاني: لا يغرم، وهما مبنيان على قولي الحيلولة، بل الخلاف في المسألة هو ذلك، وهو قولان لا وجهان، فكان الصواب: التعبير بالأظهر.
قال: (وأنه يغرم الأقلَّ من قيمة العبد وأرشِ الجناية) كما في جناية أم الولد؛ لامتناع البيع.
والثاني: أرشَ الجناية بالغًا ما بلغ، وهما في كل عبد جان.
وَأَنِّهُ لَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ .. رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لَا عَلَى الرَّاهِنِ. فَإِذَا حَلَفَ .. بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ. وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَبِيعَ وَرَجَعَ عَنِ الإِذْنِ وَقَالَ: رَجَعْتُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَعْدَهُ .. فَالأَصَحُّ: تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ. وَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَأَدَّى أَلْفًا وقَالَ: أَدَّيْتُهُ عَنْ أَلْفِ الرَّهْنِ
ــ
قال: (وأنه لو نكل المرتهن .. ردت اليمين على المجني عليه، لا على الراهن)؛ لأن الحق المقر به إنما هو للمجني عليه لا للراهن.
والثاني: على الراهن؛ لأن الخصومة بينهما، وعبارته تقتضي: أنهما وجهان أيضًا، والأصح: قولان.
يقال: نَكل عن اليمين –بفتح الكاف- ينكُل –بضمها- أي: جَبُنَ، والناكل: الجبان الضعيف.
وقال أبو عبيدة: نكِل بالكسر لغة فيه، وأنكره الأصمعي.
قال (فإذا حلف .. بيع في الجناية)؛ لثبوتها باليمين المردودة.
وعلى هذا: لا خيار للمرتهن في فسخ البيع المشروط فيه؛ لأنه الذي فوته بنكوله هذا إذا استغرقت الجناية قيمته، فإن لم تستغرق .. بيع منه بقدرها، ولا يكون الباقي رهنًا على الأصح.
قال: (ولو أذن) أي: المرتهن (في بيع المرهون فبيع ورجع عن الإذن وقال: رجعت قبل البيع، وقال الراهن: بعده .. فالأصح: تصديق المرتهن)؛ لأن الأصل استمرار الرهن.
والثاني: الراهن؛ لقوة جانبه بالإذن.
والثالث: القول قول السابق منهما بالدعوى.
قال القمولي: وينبغي أن يكون هذا هو الأصح كنظيره من الرجعة وفي عزل الوكيل، أما إذا أنكر أصل الرجوع .. فهو المصدق.
قال: (ومن عليه ألفان بأحدهما رهن فأدى ألفًا وقال: أديته عن ألف الرهن ..
صُدِّقَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا .. جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ، وَقِيلَ: يُقَسَّطُ
ــ
صدق) سواء اختلفا في النية أو في اللفظ؛ لأنه أخبر بنيته وكيفية أدائه.
وفي القديم: القول قول القابض.
وكذلك الحكم لو كان بأحد الدينين ضامن أو كان حالًا والآخر مؤجلًا.
وسكت المصنف عن تحليف الدافع، وحكمه: أنهما إن اختلفا في اللفظ .. حُلِّف بلا نزاع، وإن اختلفا في النية .. فوجهان: أصحهما: التحليف أيضًا، ويستثنى المكاتب إذا اختلف مع السيد فيما أداه .. فالمجاب السيد كما سيأتي في بابه.
ولو لم يتعرضا للجهة، ثم قال المكاتب: قصدت النجوم، وأنكر السيد، أو قال: صدقت ولكن قصدت أنا الدين .. فوجهان: أصحهما في زوائد (الروضة): تصديق المكاتب، وهو مشكل، بل القياس: تصديق السيد؛ لأن التعيين في الابتداء إليه، فالقياس: أنا نراعي ذلك.
قال: (وإن لم ينو شيئًا .. جعله عما شاء)؛ لأن التعيين إليه.
قال: (وقيل: يقسط)؛ لعدم الأولوية، لكن هل يقسط على قدر الدينين أو على المستحقين بالسوية؟ فيه تردد للصيدلاني.
تتمة:
اختلف وارث الدافع ورب الدين في المدفوع، فقال الوارث: عن المرهون، وقال المرهون عنده: عن غيره؟ أفتى الشيخ بأن الوارث ههنا يقوم مقام الموروث؛ لأنه حق مالي فيورث، وليس كتعيين الطلاق في إحدى الزوجتين.