الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ
نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَنْ عَسْبِ الْفَحُلِ، وَهُوَ: ضِرَابُهُ، وَيُقَالُ: مَاؤُهُ، وَيُقَالُ: أُجْرَةُ ضِرَابِهِ، فَيَحْرُمُ ثَمَنُ مَائِهِ، وَكَذَا أُجْرَتُهُ فِي الأَصَحِّ
ــ
باب
قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن عَسْب الفحل) رواه البخاري [2284] هكذا من رواية ابن عمر رضي الله عنهما في (الإجارة)، وهو: بفتح العين وسكون السين المهملتين وبالباء الموحدة.
وجميع الأحاديث التي صدَّر بها الباب كلها في (الصحيحين) أو أحدهما إلا قوله: (وعن بيعتين في بيعة) فرواه الترمذي [1231] وقال: حسن صحيح.
وعندنا: النهي في العقود يدل على فسادها، إلا إذا تعلق بأمر خارج عن العقد كالنهي عن البيع إذا نودي لصلاة الجمعة في حق من يجب عليه حضورها .. فالمناهي حينئذ تنقسم إلى مفسد وغيره، وكذلك رتبها المصنف.
قال: (وهو: ضرابه) هذا أشهر التفاسير، قال الشاعر [من الوافر]:
ولولا عسبه لرددتموه .... وشر منيحة فحل معار
و (الضراب): النزوان، ولا يتعلق بها نهي، والتقدير: أجرة عسبه كما سيأتي.
قال: (ويقال: ماؤه) فتقديره: ثمن مائه.
قال: (ويقال: أجرة ضرابه) وعلى هذا التفسير: لا يحتاج إلى تقدير.
قال: (فيحرم ثمن مائه)؛ لأنه غير متقوم ولا معلوم.
قال: (وكذا أجرته في الأصح)؛ لأنه غير مقدور عليه للمالك بل يتعلق باختيار الفحل.
والثاني: يجوز كالاستئجار لتلقيح النخل، وبه قال ابن أبي هريرة.
وَعَنْ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَهُوَ: نِتَاجُ النِّتَاجِ؛ بِأَنْ يَبِيعَ نِتَاجَ النِّتَاجِ. أَوْ بِثَمَنٍ إِلَى نِتَاجِ النِّتَاجِ،
ــ
وأجيب بأن الأجير للتلقيح قادر على تسليم نفسه، وليس له عليه عين حتى لو شرط عليه الكُشُّ الذي يلقحه فسدت الإجارة، وههنا المقصود الماء وصاحب الفحل غير قادر على تسليمه.
وفي (الحاوي): في هذا النهي وجهان: أصحهما: أنه للتحريم، وينبغي أن يكون محلهما إذا فسرناه بالإجارة، أما البيع .. فممتنع قطعًا، وأما الإنزاء من غير بيع ولا إجارة .. فلا منع منه.
وتندب الإعارة لذلك ويجوز أن يعطي صاحب الفحل شيئًا على سبيل الهدية.
قال: (وعن حبل الحبلة) رواه الشيخان [خ2143 - م1514] عن ابن عمر رضي الله عنهما.
قال: (وهو: نتاج النتاج؛ بأن يبيع نتاج النتاج، أو بثمن إلى نتاج النتاج).
الأول: تفسير أبي عبيد وأبي عبيدة وغيرهما، وبه قال أحمد، وعلة البطلان: كونه معدومًا.
والثاني: تفسير ابن عمر رضي الله عنهما راوي الحديث، وإليه ذهب مالك والشافعي، وعلة البطلان فيه: جهالة قدر الأجل.
فائدة:
(حَبَل الحَبَلة) –بفتح الباء_ جمع حابل، كظالم وظلمة، وفاجر وفجرة، وكاتب وكتبة.
(والنتاج) بفتح النون، والمصنف ضبطها بخطه بالكسر في المواضع الثلاثة، يقال: نتجت الناقة على ما لم يسم فاعله تنتج نتاجًا وقد نتجها أهلها. وقال ابن سيده: النتاج: الحمل، فهو موافق لما ضبطه المصنف.
وَعَنِ الْمَلَاقِيحِ، وَهِيَ: مَا فِي الْبُطُونِ. وَالْمَضَامِينِ، وَهِيَ: مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ. وَالْمُلَامَسَةِ؛ بِأَنْ يَلْمسَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ إِذَا رَآهُ، أَوْ يَقُولَ: إِذَا لَمَسْتَهُ .. فَقَدْ بِعْتُكَهُ
ــ
وفي لفظ الحديث مجاز من وجهين:
أحدهما: إطلاقه الحبل على البهائم وهو مختص بالآدميات حتى قيل: إنه لا يقال لغيرهن إلا في الحديث.
والثاني: أنه مصدر أريد به اسم المفعول والهاء في (حبلة) للمبالغة.
قال: (وعن الملاقيح، وهي: ما في البطون) أي: من الأجنة، وهي جمع ملقوح، وهو: جنين الناقة، والناقة ملقوحة، ولا يكون إلا في الإبل، قاله أبو عبيد، وفي (الصحاح) نحوه.
قال: (والمضامين، وهي: ما في أصلاب الفحول) والنهي عنهما رواه مالك [2/ 654] مرسلًا، وأسنده البزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واعتضد المرسل بالإجماع على حكمه.
و (المضامين) جمع مضمون، يقال: ضمن الشيء، بمعنى: تضمنه، ومنه قولهم: مضمون الكتاب كذا وكذا، والذي فسر به المصنف المضامين والملاقيح هو المعروف، وفسرهما مالك وابن شهاب وابن المسيب بالعكس، وإنما نهي عنهما للغرر.
قال: (والملامسة) روى النهي عنها الشيخان [خ2144 - م1511] من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما.
قال: (بأن يلمس ثوبًا مطويًا) و (اللمس): الجس باليد، يقال: لمس يلمس بكسر الميم وضمها لغتان مشهورتان حكاهما الجوهري وخاله الفارابي في (ديوان الأدب).
قال: (ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه، أو يقول: إذا لمسته .. فقد بعتكه)؛ لأنه بيع غائب وتعليق.
وَالْمُنَابَذَةِ؛ بِأَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ بَيْعًا. وَبَيْعِ الْحَصَاةِ؛ بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الأَثْوَابِ مَا تَقَعُ هَذِهِ الْحَصَاةُ عَلَيْهِ، أَوْ يَجْعَلَا الرَّمْيَ بَيْعًا، أَوْ بِعْتُكَ وَلَكَ الْخِيَارُ إِلَى رَمْيهَا. وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ؛ بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ بِأَلْفَيْنِ إِلَى سَنَةٍ، أَوْ بِعْتُكَ ذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا. وَعَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ،
ــ
قال: (والمنابذة) وهي بذال معجمة مفاعلة من النبذ، والنهي عنها في (الصحيحين) أيضًا.
قال: (بأن يجعلا النبذ بيعًا) هذا تفسير الشافعي رضي الله عنه، ووجه البطلان: فقدان الصيغة.
قال: (وبيع الحصاة) رواه مسلم [1513].
قال: (بأن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما تقع هذه الحصاة عليه، أو يجعلا الرمي بيعًا، أو بعتك ولك الخيار إلى رميها) والجميع فاسد؛ لأنه من بيوع الجاهلية وفيها غرر وجهالة.
قال: (وعن بيعتين في بيعة) رواه النسائي [7/ 295] والترمذي [1231] عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال: (بأن يقول: بعتك بألف نقدًا أو بألفين إلى سنة)؛ لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره ليقع عليه العقد.
قال: (أو بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا)، ووجه البطلان: وجود الشرط.
قال: (وعن بيع وشرط) كذا رواه عبد الحق من رواية عمرو بن شعيب.
وروى أبو داوود [3498]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل سلف وبيع ولا شرط في بيع) رواه أحمد [2/ 179] والترمذي [1234] بلفظ: (ولا شرطان في بيع).
وعن القديم: أن الشرط الفاسد لا يبطل البيع.
كَبَيْعٍ بِشَرْطِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ،
ــ
فائدة:
روى الخطابي وغيره عن عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة فوجدت أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة، فسألت أبا حنيفة عن رجل باع بيعًا وشرطًا؟ فقال: البيع باطل والشرط باطل، ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته؟ فقال: البيع جائز والشرط باطل، ثم أتيت ابن شبرمة فسألته؟ فقال: البيع جائز والشرط جائز.
فقلت: يا سبحان الله! ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا في مسألة واحدة، فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا! حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط) البيع باطل والشرط باطل، فأتيت ابن أبي ليلى فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا! حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة وأعتقها وأشترط لهم الولاء) البيع جائز والشرط باطل.
ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا! حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (بعت النبي صلى الله عليه وسلم جملًا وشرط لي حملاني إلى المدينة) فالبيع جائز والشرط جائز.
قال: (كبيع بشرط بيع أو قرض)، وكذا إجارة ونكاح، فيبطل البيع الأول، فإذا أتيا بالثاني، فإن كانا يعلمان بطلان الأول .. صح، وإلا .. قال البغوي: يبطل، وقال الإمام وشيخه: يصح، وهو القياس.
وَلَوِ اشْتَرَى زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ، أَوْ ثَوْبًا وَيَخِطَهُ .. فَالأَصَحُّ: بُطْلَانُهُ، وَتُسْتَثْنَى صُوَرٌ كالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، أَوِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَيْبِ، أَوْ بِشَرْطِ: قَطْعِ الثَّمَرِ وَالأَجَلِ
ــ
قال: (ولو اشترى زرعًا بشرط أن يحصده البائع) هو بكسر الصاد وضمها.
قال: (أو ثوبًا ويخيطه .. فالأصح: بطلانه)؛ لمنافاة الشرط مقتضى العقد.
والثاني: يبطل الشرط، وفي البيع قولا تفريق الصفقة.
والثالث: يتخرج على قولي الجمع بين عقدين مختلفي الحكم، وكان ينبغي للمصنف أن يعبر بالمذهب؛ فإن المسألة ذات طرق.
فرع:
اشترى حطبًا على ظهر بهيمة مطلقًا، فهل يصح العقد ويسلمه إليه في موضعه أو لا يصح حتى يشترط تسليمه في موضعه؟ وجهان: صحح المصنف منهما: الصحة.
قال: (وتستثنى صور) أي: من النهي عن بيع وشرط (كالبيع بشرط الخيار، أو البراءة من العيب، أو بشرط: قطع الثمر) كما سيأتي.
قال: (والأجل)؛ لقوله تعالى: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى} ، ولابد من احتمال البقاء إليه، فلو أجله بألف سنة .. بطل العقد؛ للعلم بأنه لا يبقى إلى هذه المدة، قاله الروياني، واعترضه المصنف بأنه لا يشترط احتمال بقائه إليه؛ لأنه ينتقل إلى وارثه، لكن التأجيل بألف سنة مما يبعد بقاء الدنيا إليه فالفساد من هذه الجهة.
واعترضه في (المهمات) بأن الكلام ليس هو في مستحق الدين بل فيمن هو عليه، ولهذا قال الرافعي: فيسقط الأجل بموته، والأجل يسقط بموت من هو عليه لا بموت من له، ثم نقل عن صاحب (رفع التمويه): أن أكثر ما تؤجل إليه الأرض خمس مئة سنة.
وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ الْمُعَيَّنَاتِ لِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَالإِشْهَادِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ فِي الأَصَحِّ،
ــ
قال: (والرهن والكفيل)؛ للحاجة إلى ذلك، ولأنه قد لا يرضى بالمعاملة بدونها، ويغني اشتراط الرهن عن اشتراط القبض، حتى إذا رهن ولم يقبض .. كان له الفسخ؛ نظرًا إلى المعنى.
ويشترط في الرهن: أن يكون غير المبيع، فإن كان نفس المبيع .. أبطل.
قال: (المعينات) أي: بشرط تعين الأجل والرهن والكفيل، وكان ينبغي أن يقول: المعينين؛ تغليبًا للعاقل –وهو الكفيل- على غيره.
وتكفي في الرهن الرؤية أو الوصف بصفات السلم، وفي الكفيل المشاهدة أو المعرفة بالاسم والنسب، ولا يكفي الوصف.
وقيل: لا يشترط تعيين الكفيل، فإذا أطلق .. أقام من شاء.
قال: (لثمن في الذمة)؛ لأن الأعيان لا تؤجل ولا يرهن بها، وفي ضمانها تفصيل يذكر في موضعه، فلو قال: اشتريت بهذه الدراهم على أن أسلمها وقت كذا .. فهو فاسد؛ لأن الأجل شرع رفقًا للتحصيل والمعين حاصل.
ولو قال المصنف: لعوض .. كان أحسن؛ ليشمل المبيع في الذمة، مثل: اشتريت منك صاع بر في ذمتك صفته كذا، فيصح اشتراط الثلاثة فيه.
قال: (والإشهاد)؛ للحاجة إليه، ولا فرق فيه بين الشهادة على الثمن أو المثمن، ولا بين ما في الذمة والمعين؛ لأن لكل منهما غرضًا صحيحًا في الإشهاد على صاحبه مخافة الإنكار.
قال: (ولا يشترط تعيين الشهود في الأصح)؛ لأن المقصود ثبوت الحق وهو ثابت بكل شاهد.
فَإِنْ لَمْ يَرْهَنْ أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلِ الْمُعَيَّنُ .. فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ إِعْتَاقِهِ .. فَالْمَشْهُورُ: صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ،
ــ
والثاني: يشترط كما في الرهن والكفيل، ولا يجب في الرهن التعرض لمن يكون تحت يده في الأصح.
ومتى فسد شرط من هذه الشروط المستثناة لفوات أمر مما ذكرناه، فإن كان الأجل والخيار .. فسد البيع بفساده، وإن كان الإشهاد .. فلا، وإن كان الرهن والضمين .. فوجهان: أصحهما: الفساد.
قال: (فإن لم يرهن أو لم يتكفل المعين .. فللبائع الخيار)؛ لفوات شرطه، وكذلك لو رهن ولم يقبض، أو هلك الرهن قبل القبض، أو تعيب، أو وجد به بعد قبضه عيبًا قديمًا .. فله الخيار في البيع.
ولو ادعى الراهن: أن عيبه حدث بعض القبض .. فالقول قوله؛ استدامة للبيع.
ولو هلك بعض القبض، أو تعيب ثم اطلع على عيب قديم .. فالأصح: لا فسخ، ولا يقوم رهن وكفيل آخر مقام العين.
ولو عين شاهدين فامتنعا، فإن قلنا: لابد من تعيين الشاهدين .. فللبائع الخيار.
فرع:
باع عينًا واستثنى منفعتها مدة معلومة .. فالمذهب: بطلان البيع، وبالصحة قال أبو ثور ومحمد بن نصر المروزي وابن المنذر وابن خزيمة وأهل الحديث؛ لحديث جابر رضي الله عنه، والجواب عنه صعب.
قال: (ولو باع عبدًا بشرط إعتاقه .. فالمشهور: صحة البيع والشرط)؛ لما روى الشيخان عن بريرة: (أن عائشة رضي الله عنها اشترتها بشرط العتق والولاء لو ينكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا شرط الولاء)، ولأن استعقاب البيع العتق عهد في شراء القريب فاحتمل شرطه.
والقول الثاني: يصح البيع ويبطل الشرط كسائر الشروط المفسدة.
وَالأَصَحُّ: أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِالإِعْتَاقِ،
ــ
والثالث: يبطلان؛ لعموم النهي عن بيع وشرط.
وإذا صححنا الشرط .. فذلك إذا أطلق، أو قال: بشرط أن تعتقه عن نفسك، فإن قال: بشرط أن تعتقه عني .. فهو لاغ.
وصورة المسألة: أن يكون العبد ممن لا يعتق بالشراء، فإن اشترى أباه أو ابنه بشرط إعتاقه .. بطل البيع قطعًا؛ لتعذر الوفاء به.
قال: (والأصح: أن للبائع مطالبة المشتري بالإعتاق)؛ لأنه يثاب على اشتراطه وله غرض في زوال الرق.
والثاني: لا؛ لأنه لا ولاية له على حق الله تعالى، وإذا أعتقه المشتري .. فولاؤه له بكل حال، فإن امتنع من العتق وقلنا: إنه حق لله تعالى .. أجبر عليه بالحبس وغيره.
وقال القاضي والمتولي: إنه كالمولى، فيعتقه القاضي، وهذا هو المشهور، وعلى هذا: لا يسقط بإسقاطه.
وإن قلنا: للبائع .. لم يجبر، بل يخير البائع بين فسخ البيع وإمضائه، وإذا أسقطه .. سقط.
وفي سقوط شرط الرهن والكفيل والأجل بالإسقاط ثلاثة أوجه: أصحها: يسقط الرهن والكفيل دون الأجل.
فروع:
باع عبدًا بشرط أن يبيعه بشرط إعتاقه .. بطل على الأصح.
ولو اشترى عبدًا بشرط أن يعلق عتقه بصفة .. لم يصح البيع في الأصح.
ولو اشترى بعض عبد بشرط إعتاقه .. فظاهر عبارة (الحاوي الصغير) الصحة
وَأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ مَعَ الْعِتْقِ الْوَلَاءَ لَهُ، أَوْ شَرَطَ تَدْبِيرَهُ أَوْ كِتَابَتَهُ أَوْ إِعْتَاقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ .. لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ
ــ
حيث قال: وعتق المبيع، أي: فإنه لا يبطل بشرط عتقه، وصرح صاحب (المعين) اليمني فيه بالبطلان.
وإذا أعتق المشتري هذا العبد عن الكفارة، فإن قلنا: الحق لله تعالى أو للبائع ولم يأذن .. لم يجز، وإن أذن .. أجزأه على الصحيح، ويجوز استخدامه، والوطء والأكساب للمشتري، والقيمة له إذا قتل، ولا يكلف صرفها إلى آخر ليعتقه، ولو باعه لغيره وشرط عليه عتقه .. لم يصح على الأصح، وإذا جنى قبل إعتاقه .. وجب فداؤه كأم الولد، وإذا أولدها .. لم يجزئه عن الإعتاق على الأصح، بل عليه أن يعتقها.
قال: (وأنه لو شرط مع العتق الولاء له، أو شرط تدبيره أو كتابته أو إعتاقه بعد شهر .. لم يصح البيع) وكذا إذا اشترى دارًا بشرط أن يقفها أو ثوبًا بشرط أن يتصدق به.
أما الولاء .. فلأن شرطه يتضمن نقل الملك إلى البائع وارتفاع العقد.
والثاني: يصح البيع ويفسد الشرط؛ لحديث بريرة رضي الله عنها.
والثالث: يصح البيع والشرط؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (واشترطي لهم الولاء).
وأجاب الشافعي رضي الله عنه بأن (لهم) هنا بمعنى (عليهم) كما في قوله تعالى: {وإن أسأتم فلها} أي: فعليها.
وقول المصنف: (مع العتق) احترز به عما إذا أفرد شرط الولاء بأن قال: إذا أعتقته يومًا .. فولاؤه لي، فإنه لا يصح بلا خلاف.
وأما التدبير .. فليست مصلحته ناجزة حتى يلحق بالعتق، وكذلك عتقه بعد شهر، والمكاتبة معاوضة، والوقف وإن كان لله تعالى ففيه حجر.
والوجه الثاني في الأربعة: صحة الشرط؛ إلحاقًا بالعتق.
وَلَوْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَقَبْضٍ وَرَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَاكُلَ إِلَّا كَذَا .. صَحَّ،
ــ
قال: (ولو شرط مقتضى العقد كقبض وردٍّ بعيب، أو ما لا غرض فيه كشرط أن لا يأكل إلا كذا .. صح) أما شرط ما يقتضيه العقد .. فلأن اشتراطه تأكيد وتنبيه على ما أوجبه الشارع عليه، وأما ما لا غرض فيه .. فلأن ذكره لا يورث تنازعًا في الغالب.
وقوله: (صح) أي: العقد، أما الشرط .. فلا يجب القيام به، بل ذكره لاغ كما إذا باعه عبدًا بشرط أن لا يأكل إلا الهريسة –مثلًا- أو لا يلبس إلا الحرير.
وأفاد في (المهمات): أن الشافعي رضي الله عنه نص على البطلان في هذه الصورة، لا جرم اختار ابن الأستاذ وابن الصلاح وابن الرفعة أن يقرأ:(لا تأكل إلا كذا) بالتاء ثالثة الحروف خطابًا للمشتري؛ فإنه حينئذ لا غرض فيه البتة، وأما إذا قرئ بالياء آخر الحروف .. فقد ينازع في عدم الغرض ويتخيل فيه الإفساد، لأنه نفع للعبد فأشبه شرط إعتاقه، وهذا ظاهر إذا كان المشروط ينفع العبد، فإن كان لا ينفعه كشرط أكل الخبز البحت أو الشعير .. فلا يظهر، والمسألة أعمُّ من ذلك.
فرع:
شرط أن لا يسلم المبيع حتى يقبض الثمن، فإن كان مؤجلًا .. بطل البيع، وإن كان حالًّا .. بُني على أن البداءة في التسليم بمن؟ إن قلنا: بالمشتري .. صح البيع، وإلا .. فسد؛ للمنافاة.
فرع:
باع إناء بشرط أن لا يجعل فيه شيئًا محرمًا، أو سيفًا بشرط أن لا يقطع به الطريق، أو عبدًا بشرط أن لا يعاقبه بما لا يجوز .. صح البيع، قاله البغوي، ويقاس به ما يشابهه.
وَلَوْ شَرَطَ وَصْفًا يُقْصَدُ؛ كَكَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا، أَوِ الدَّابَّةِ حَامِلًا أَوْ لَبُونًا .. صَحَّ، وَلَهُ الْخِيَارُ إِنْ أَخْلَفَ، وَفِي قَوْلٍ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الدَّابَّةِ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا وَحَمْلَهَا .. بَطَلَ فِي الأَصَحِّ
ــ
قال: (ولو شرط وصفًا يقصد، ككون العبد كاتبًا، أو الدابة حاملًا أو لبونًا .. صح)؛ لأنه شرط تعلق بمصلحة العقد، ولا يقتضي إنشاء أمر مستقبل، فلم يدخل في النهي عن بيع وشرط، وإنما هو التزام أمر موجود عند العقد سميناه شرطًا.
وكذلك إذا اشترط أن الأمة حاملًا فيها القولان كالدابة، وهما مبنيان على أن الحمل يعلم، إن قلنا: نعم .. صح، وإلا .. فلا.
واحترز بـ (الوصف المقصود) عما لا يقصد كالزنا والسرقة ونحوهما؛ فإنه لا خيار بفواتهما.
ولو شرط ثيوبتها فخرجت بكرًا .. فالأصح: لا خيار خلافًا لصاحب (الحاوي الصغير).
ولو اشتراه على أنه خصي فبان فحلًا .. كان له الرد.
قال الأصحاب: يكفي أن يوجد في الصفة ما ينطلق عليه الاسم لا النهاية فيها.
نعم؛ لو شرط حسن الخط وكان خطه غير حسن في العرف .. فله الخيار.
و (اللبون): ذات اللبن، فإذا شرط ذلك وكان لها لبن وإن قل .. صح ولا خيار، وهذا الخيار على الفور وكيفيته كما ذكر في (الرد بالعيب).
قال: (وله الخيار إن أخلف)؛ لفوات شرطه.
قال: (وفي قول: يبطل العقد في الدابة)؛ لأنه شرط معها شيئًا مجهولًا فأشبه ما إذا قال: بعتكها وحملها.
وأجاب الأولون: بأن المقصود الوصف به لا إدخاله في العقد، وإلى هذا الجواب أشار المصنف بقوله:(ولو شرط وصفًا يقصد).
قال: (ولو قال: بعتكها وحملها .. بطل في الأصح)؛ لأن ما لا يجوز بيعه
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَمْلِ وَحْدَهُ، وَلَا الْحَامِلِ دُونَهُ، وَلَا الْحَامِلِ بِحُرٍّ
ــ
وحده لا يجوز بيعه مقصودًا مع غيره.
والثاني: يصح، ونقله في (البيان) عن الأكثرين؛ لأنه يدخل عند الإطلاق، فلا يضر التنصيص عليه كما لو قال: بعتك الجدار وأساسه.
ولو قال: بعتك الجبة وحشوها .. فقيل: على الخلاف، وقيل: يصح قطعًا، وصحح المصنف هذه الطريقة في (شرح المهذب)؛ لأن الحشو داخل في مسمى الجبة فذكره تأكيدًا.
قال الشيخ: واستقر رأيي على الفرق بين (الواو) و (الباء) فمع (الواو) يبطل مثل: وحملها وحشوها وأساسها، ومع (الباء) يصح مثل: بحملها وبحشوها وبأساسها، واللغة تقتضيه، وكلام الشافعي والأصحاب لا يخالفه إلا في الأساس، فلعل قائله لم يحرر العبارة.
وقال في (المهمات): الصحة في (مع) و (الباء) أظهر منها في (الواو)، ولأنهما للحال، أي: كائنة بحملها، أو مع حملها، فهو وصف محض، بخلاف (الواو)؛ فإنها ظاهرة في التغاير.
قال: (ولا يصح بيع الحمل وحده)؛ للجهالة، سواء بيع من مالك الأم أم من غيره، وهذه المسألة تقدمت في أول الباب، لكنه ذكرها هنا توطئة لما بعدها.
قال: (ولا الحامل دونه)؛ لأن الحمل لا يجوز إفراده بالعقد فلا يستثنى كأعضاء الحيوان.
وفي (النهاية) وجه: أنه يصح كما لو باع شجرة واستثنى الثمرة قبل بدو الصلاح.
وجوابه: أن الثمرة يجوز إفرادها بالعقد.
قال: (ولا الحامل بحر)؛ إلحاقًا للاستثناء الشرعي بالاستثناء الحسي، ولو