الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
الطَّرِيقُ النَّافِذُ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ، وَلَا يُشْرَعُ فِيهِ جَنَاحٌ وَلَا سَابَاطٌ يَضُرُّهُمْ،
ــ
وقال أبو العباس: يجوز؛ لأن إنكاره حرام للكذب والإضرار، فإذا أراد إزالة الضرر .. جاز كمن أذنب ذنبين وأراد التوبة من أحدهما، والأشبه: أن الخلاف في الحل والقطع بالصحة.
ولو صالح الأجنبي من الدين على عين، ثم جحد الأجنبي وحلف هل يعود إلى من كان عليه الدين؟ فيه وجهان، صحح في زوائد (الروضة) في (باب الحوالة) العود وينفسخ الصلح.
قال: (فصل:
الطريق النافذ لا يتصرف فيه بما يضر المارة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) وهو حديث حسن رواه ابن ماجه [2340 عن عبادة] والدارقطني [3/ 77] وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ورواه مالك في (الموطأ)[2/ 745] مرسلًا كما قاله المصنف في (الأربعين).
ورورى حرملة عن الشافعي رضي الله عنه: أنه صحح حديث: (لا ضرر ولا ضرار).
ولأن الحق فيه ليس له خاصة بل لجميع المسلمين.
و (الطريق) يذكر ويؤنث.
و (النافذ) بالذال المعجمة، وبين الطريق والشارع اجتماع وافتراق فالطريق يكون في الصحارى والبنيان، والشوارع مختصة بالبنيان، والشارع لا يكون إلا نافذًا، والطريق يكون نافذًا وغير نافذ.
وقوله: (لا يتصرف) بضم الياء والتعبير بـ (يضر المارة) أولى من تعبير (الشرحين) و (الروضة) بما يبطل المرور؛ لأن كل ما يبطل يضر من غير عكس.
قال: (ولا يشرع فيه جناح ولا ساباط يضرهم) هذا تخصيص بعد تعميم؛ فإن عبارته الأولى شاملة لهذا وغيره.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال أبو حنيفة: لا اعتبار بالضرر وعدمه في إخراج الجناح، ولكن إن خاصمه إنسان فيه .. نزع وإن لم يضر، وإلا .. ترك.
وقال أحمد: لا يجوز إشراعه بحال إلا بإذن الإمام.
لنا: اتفاق الناس عليه في سائر الأعصار من غير إنكار، و (أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب بيده ميزابًا في دار العباس رضي الله عنه وقيس الجناح عليه، كذا استدل به الرافعي وغيره.
فأما نصب الميزاب .. فرواه أحمد [1/ 210] والحاكم [3/ 331] والبيهقي [6/ 66]، وليس فيه دليل على أبي حنيفة ولا على أحمد، أما أبو حنيفة .. فلأنه لا يقول بمنع النصب كما تقدم.
وقوله: (يشرع) معناه يخرج.
وأما أحمد .. فإنما منعه عند عدم إذن الإمام، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم آكد وأبلغ من الإذن.
فائدة:
(الجناح): مأخوذ من جناح الطائر، قال الجوهري: وهو يده، وقيل: من جنح إذا مال، و (الجوانح): الأضلاع التي تلي الصدر، والضلوع مما يلي الظهر.
و (الساباط): سقيفة بين حائطين تحتها طريق، والجمع سوابيط وساباطات.
وقولهم في المثل: أفرغ من حجام ساباط، قال الأصمعي: كان يمضي الأسبوع فلا يدنو منه أحد، فعندها يخرج أمه فيحجمها؛ ليرى الناس أنه غير فارغ، فما زال ذلك دأبه حتى أنزف دمها فماتت فجأة فسار مثلًا.
قال الشاعر [من السريع]:
مطبخه قفر وطباخه .... أفرغ من حجام ساباط
وقيل: إنه حجم كسرى إبرويز مرة .. فأغناه، فلم يحجم بعده أحدًا.
بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ مُنْتَصِبًا
ــ
فائدة أخرى:
قدر الطريق في أرض مملوكة سبلها مالكها ما اختاره، والأفضل توسيعها، وإن كانت بين أرض يريد أصحابها إحياءها: فإن اتفقوا .. فذاك، وإن اختلفوا .. فقدر سبعة أذرع؛ لما في (الصحيحين) [خ2341 - م1613] عن أبي هريرة رضي الله عنه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى عند الاختلاف في الطريق أن يجعل عرضه سبعة أذرع) كذا قال المصنف في زيادات (الروضة)، وهذا تابع فيه ابن الصلاح، والمنقول ما ذكره الماوردي في (باب القسمة) أن المرجع فيه إلى الحاجة، والحديث محمول على عرف المدينة.
ومعنى الحديث: إذا أريد ابتداؤها.
قال: (بل يشترط ارتفاعه بحيث يمر تحته منتصبًا) أي: الماشي، واعتبر الماوردي مع هذا أن تكون على رأسه الحمولة العالية، ولابد من ذلك.
ويشترط أيضًا أن لا يؤثر في إظلام الموضع، وقيل: لا أثر لذلك، وقيل: إن منع الضوء بالكلية .. أثر، وإلا .. فلا، فاجتمع ثلاثة أوجه.
تنبيهات:
أحدها: ما ذكره مخصوص بالمسلم، أما الكافر .. فلا يخرج جناحًا في شارع المسلمين على الأصح؛ لأنه كإعلام البناء على المسلمين، نبه عليه المصنف وابن الصلاح.
قال في (المطلب): وسلوكهم طرقات المسلمين ليس عن استحقاق ملك، بل إما بطريق التبع للمسلمين، أو بما بذلوه من الجزية.
وقال في (البحر) في (كتاب الجزية): ويجري الخلاف في آبار حشوشهم إذا أرادوا حفرها في أفنية دورهم.
وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ والْقَوَافِلِ .. فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ ....
ــ
أما إذا اشترى الذمي دارًا كانت لمسلم وبها روشن فهل يقر عليه أو يهدم؟ يشبه أن يكون كالدار العالية إذا اشتراها الذمي من المسلم، وسيأتي في (باب الجزية) إن شاء الله تعالى.
الثاني: مقتضى كلام المصنف: أنه يجوز أن يخرج الجناح فوق جناح جاره أو تحته، وكذلك في موضعه أيضًا إذا انهدم أو هدمه وإن كان على عزم إعادته، وهو كذلك.
واستشكل الرافعي وضعه موضع جناح الجار إذا لم يعرض عن ذلك، وقاسه على مقاعد الأسواق، ورده المصنف وجعله مقيسًا على الواقف في الطريق إذا فارق مكانه، والذي قاله الرافعي أولى.
الثالث: من وضع جناحًا على وجه لا يجوز .. قلعه الحاكم لا كل أحد على أشبه الوجهين في (المطلب)؛ لما فيه من توقع الفتنة.
وقال البندنيجي: لكل أحد قلعه كما لو بنى دكة على باب داره.
وقال سليم: لكل أحد مطالبته بقلعه؛ لأنه من إزالة المنكر، وينبغي حمل كلام البندنيجي عليه.
قال: (وإن كان ممر الفرسان والقوافل .. فليرفعه بحيث يمر تحته المحمل على البعير مع أخشاب المظلة)؛ لأنه قد يتفق ذلك نادرًا.
و (القوافل) جمع قافلة، وهي: الرفقة الراجعة من السفر.
و (المحمل) بفتح الميم الأولى وكسر الثانية.
و (المظلة) بكسر الميم –وحكى ابن الأعرابي فتحها-: البيت الكبير من الشعر.
وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إِشْرَاعِ الْجَنَاحِ، وَأَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دَكَّةً، أَوْ يغْرِسَ شَجَرَةً، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَضُّرَّ .. جَازَ ..
ــ
قال: (ويحرم الصلح على إشراع الجناح) سواء كان المصالح الإمام أو غيره؛ لأن الهواء تابع لا يفرد بالعقد كالحمل مع الأم، ولأنه إن ضر .. لم يجز أخذ العوض عنه، وإلا .. فهو مستحقه، وما يستحقه الإنسان لا يؤخذ منه عوض عنه كالمرور.
قال: (وأن يبني في الطريق دكة، أو يغرس شجرة) قال الرافعي: لأن المارة قد تزدحم فيه، ولأن مكانهما يشتبه بالأملاك عند طول المدة، والتعليل الأول منقوض بغرس الشجرة في المسجد؛ فإنه جائز مع الكراهة كما قاله في زيادات (الروضة) في آخر (شروط الصلاة).
والثاني: ينتقض بجواز فتح الباب إلى درب غير نافذ إذا سمره كما سيأتي.
و (الدكة) بفتح الدال: المسطبة، قال الشيخ: وينبغي أنها إذا كانت بفناء داره وكانت لا تضر .. لاتمنع؛ لأن الناس ما زالوا يتخذون ذلك من غير إنكار.
قال (وقيل: إن لم يضر جاز)؛ قياسًا على إشراع الجناح.
وأفهم كلامه جواز اتخاذ الطين في الطريق، وهو كذلك إن بقي مقدار المرور للناس، وإذا جوزنا نصب الدكة وغرس الشجرة فتلف بذلك شيء .. ضمنه.
وحكى الماوردي قولين فيما لو حفر بئرًا في طريق واسع بفناء داره فتلف به إنسان هل يضمنه؟ والشجرة والدكة في ذلك كالبئر.
وإذا كان الطريق واسعًا .. لم يجز لأحد أن يستولي على شيء منه بلا خلاف.
وَغَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الإِشْرَاعُ إِلَيْهِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ،
ــ
قال الشيخ: وقد عظمت البلية في هذا الزمان فصار وكلاء بيت المال يبيعون من الطرق ما يقولون: إنه لا يضر ولا يضيق، وهذا حرام ينبغي التحرز منه؛ لأنا لا نعلم مبتدأ الطريق هل هو بوقف أو غيره، فإن كان وقفًا .. لم يجز بيع شيء منه، وإن كان بطريق الإحياء .. فيحرم؛ لثبوت حق الاستطراق فصار كالوقف.
فإن قيل: إنه ملك المسلمين فيباع منه ما فضل عن حاجاتهم .. فالجواب أن ذلك مع الشك لا يجوز الإقدام عليه، فليحذر من هذا غاية الحذر.
قال: (وغير النافذ يحرم الإشراع إليه لغير أهله) بلا خلاف سواء ضر أم لا؛ لأنه ملك لهم فأشبه الإشراع إلى الدور، وإنما جاز لغيرهم الدخول فيه بغير إذنهم؛ لأن ذلك من قبيل الإباحات المستفادة من قرائن الأحوال، وليس لأجنبي أن يجلس فيها بغير إذنهم ولو كان فيهم صبي أو مجنون، بل قال الشيخ عز الدين: في جواز الدخول نظر؛ لأن الإباحة ممتنعة منه ومن وليه.
ولو اجتمع أهلها فسدوا رأسها .. لم يمنعوا عند الجمهور.
وقال العبادي: يحتمل أن يمنعوا؛ لأن أهل الشارع يفزعون إليه إذا عرضت زحمة.
وليس لبعضهم السد قطعًا، ولو سدوا باتفاقهم .. لم يستقل بعضهم بالفتح، ولو اتفقوا على قسمة صحن السكة .. جاز، ولو أراد أهل رأس السكة قسمة رأسها بينهم .. منعوا لحق من يليهم.
وما تقرر من جواز سد رأسها وقسمة الصحن مفروض فيما إذا لم يكن في السكة مسجد أو بئر مسبلة، فإن كان .. منعوا من السد والقسمة؛ لأن المسلمين كلهم يستحقون الاستطراق إليه.
وأما الإشراع إليها عند عدم الضرورة، فإن كان برضا أهلها .. فلا شك في
وَكَذَا لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِي الأَصَحِّ إِلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ، وَأَهْلُهُ: مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارِهِ إِلَيْهِ،
ــ
الجواز، وإن كان بغير رضاهم، فإن كان المسجد هناك قبل إحياء الزقاق .. جاز وصار كالشارع في جميع وجوهه من رأس الزقاق إلى باب المسجد، وإن كان المسجد وقف بعد صيرورة الزقاق واستحقاق أهله بأن وقف أحدهم مكانه مسجدًا .. فقد تردد في (المطلب) في جواز الإخراج إليه وقال: الأشبه المنع.
قال الشيخ: وعندي ينبغي القطع به؛ لأنه ليس للواقف إبطال حقوق بقية أهلها.
وإن لم يكن في السكة إلا دار واحدة فوقفها صاحبها مسجدًا .. فههنا يحتمل احتمالًا ظاهرًا أن يقال بجواز إشراع الجناح إليها؛ لأن وقف المسجد تحرير ولا حق لغيره، ويحتمل أن يقال: وهو الأشبه بالمنع؛ لأنها تابعة للمسجد.
وكما لا يجوز الإشراع في هواء المسجد لا يجوز فيما هو من حقوقه.
قال: (وكذا لبعض أهله في الأصح) كسائر الأملاك المشتركة.
والثاني: يجوز إذا لم يضر؛ لأن كل واحد منهم يجوز له الارتفاق بقراره، فيجوز بهوائه كالشارع.
قال: (إلا برضا الباقين) فيجوز؛ لأنه ملكهم.
هذا إذا رضوا مجانًا، فإن رضوا بعوض .. لم يجز ويبطل العقد؛ لأن الهواء لا يفرد بعقد، وإنما يتبع القرار كالحمل مع الأم.
ويشترط مع إذن أهل الدرب إذن المستأجر إن تضرر، وإلا .. فلا.
وفي (طبقات العبادي) نقلًا عن الاصحاب: أنه يجوز المرور في ملك الغير إذا لم يصر بذلك طريقًا للناس، فلو أراد الشركاء الرجوع بعد الإذن في الإخراج .. قال في (المطلب): يشبه أن لا يجوز؛ لأنه موضوع بحق فلا سبيل إلى قلعه.
قال: (وأهله) أي: أهل غير النافذ (من نفذ باب داره إليه)؛ لأنهم الذين يسمون سكانه.
لَا مَنْ لَاصَقَهُ جِدَارُهُ، وَهَلِ الِاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا لِكُلِّهِمْ، أَمْ تَخْتَصُّ شِرْكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا بَيْنَ رَاسِ الدَّرْبِ وَبَابِ دَارِهِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي. وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ بَابٍ إِلَيْهِ لِلِاسْتِطْرَاقِ. وَلَهُ فَتْحُهُ إِذَا سَمَّرَهُ فِي الأَصَحِّ ....
ــ
قال: (لا من لاصقة جداره)؛ لأن صاحب الباب له به انتفاع بخلاف الملاصق.
قال: (وهل الاستحقاق في كلها لكلهم، أم تختص شركة كل واحد بما بين رأس الدرب وباب داره؟ وجهان، أصحهما: الثاني)؛ لأن ذلك القدر هو محل تردده، وما عداه حكمه فيه حكم غير أهل السكة.
ووجه الأول: أنهم ربما احتاجوا إلى التردد في جميعه والارتفاق به لوضع الأثقال ونحوها، وكان ينبغي أن يقول:(في كله) كما في غيره؛ فإنه عائد على غير النافذ وهو مذكر.
وقوله: (لكلهم) كان ينبغي أن يقول: (لكل منهم).
قال: (وليس لغيرهم فتح باب إليه للاستطراق)؛ لتضررهم به، فإن أذنوا .. جاز ولهم الرجوع، فإن رجعوا بعد الفتح .. قال الإمام: لا يلزمهم بالرجوع شيء، بخلاف ما لو أعار الأرض للبناء والغراس ثم رجع .. فإنه لا يقلع مجانًا.
قال الرافعي: ولم أره لغيره، والقياس: أنه لا فرق.
قال ابن الرفعة: والفرق واضح؛ لأنه هنا بنى في ملكه وليس لأحد نقضه، بخلاف إعارة الأرض، لكن هذا يشكل بما إذا أعار أرضًا للدفن ثم رجع بعد الحفر كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قال: (وله فتحه إذا سمره في الأصح)؛ لأن له رفع جميع الجدار فبعضه أولى، وهذا الوجه صححه الكرخي والعمراني.
والثاني: لا؛ لأنه قد يطول الزمان فيستطرقه، وصححه الجرجاني والشاشي وابن أبي عصرون. قال المصنف: وهو أفقه.
وَمَنْ لَهُ فِيهَا بَابٌ فَفَتَحَ آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ رَاسِ الدَّرْبِ .. فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ. وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى رَاسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ .. فَكَذَلِكَ، وَإِنْ سَدَّهُ .. فَلَا مَنْعَ. وَمَنْ لَهُ دَارَانِ تُفْتَحَانِ
ــ
وجزم الماوردي والبندنيجي بالجواز إذا ركب عليه شباكًا، وخصا الخلاف بما إذا قال: افتحه واسمره، والخلاف جار في الفتح للاستضاءة أيضًا دون الاستطراق، وحيث منعنا فتح الباب المذكور ففتح .. قال في (المطلب): يظهر أن يؤمر بإزالة هيئة الباب.
قال: (ومن له فيها باب ففتح آخر أبعد من رأس الدرب .. فلشركائه منعه) أي: لكل من الشركاء منعه؛ لتضررهم بذلك، سواء سد الاول أو أبقاه؛ لأن الحق لغيره.
والمراد: من بابه أبعد من الباب الأول الذي للفاتح، ولا يثبت لمن بابه أقرب إلى باب الدرب في الأصح؛ بناء على كيفية الشركة، ولو كان باب شريكه مقابلًا لبابه .. فهو كمن هو أقرب إلى رأس السكة.
قال: (وإن كان أقرب إلى رأسه ولم يسد الباب القديم .. فكذلك)؛ لأن انضمام الثاني إلى الأول يورث زيادة زحمة الناس ووقوف الدواب في السكة فيتضررون به، وتحويل الميزاب من موضع إلى موضع كفتح باب وسد باب.
قال: (وإن سده .. فلا منع)؛ لأنه ترك بعض حقه، وقيل: يمتنع، حكاه صاحب (التعجيز) في شرحه له.
ولو كان بابه في آخر الدرب، فأراد أن يقدمه ويجعل الباقي دهليزًا .. انبنى ذلك على كيفية الشركة كما قاله في زوائد (الروضة)، ومقتضاه: تصحيح الجواز، وهو مقتضى إطلاق الكتاب.
قال: (ومن له داران تفتحان) هو بالتاء من فوق.
إِلَى دَرْبَيْنِ مَسْدُودَيْنِ، أَوْ مَسْدُودٍ وَشَارِعٍ، فَفَتَحَ بَابًا بَيْنَهُمَا .. لَمْ يُمْنَعْ فِي الأَصَحِّ. وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحَ الْبَابِ فَصَالَحَ أَهْلَ الدَّرْبِ بِمَالٍ .. صَحَّ. وَيَجُوزُ فَتْحُ الْكَوَّاتِ
ــ
قال: (إلى دربين مسدودين أو مسدود وشارع ففتح بابًا بينهما) أي: للاستطراق (.. لم يمنع في الأصح)؛ لأن المرور مستحق له، ورفع الحائل بين الدارين تصرف في ملكه فلا يمنع منه، وهذا تبع فيه الرافعي والبغوي فقط.
والثاني واختاره الجمهور: يمنع؛ لأنه يثبت لكل من الدارين استطراقًا إلى الدرب الآخر.
وموضع الوجهين إذا قصد الاستطراق، فإن قصد اتساع ملكه .. فلا منع قطعًا، ولو عبر بـ (المملوك) بدل (المسدود) .. كان أولى؛ لأنه لا يلزم من السد الملك، بدليل ما لو كان في أقصاه مسجد أو نحوه.
قال: (وحيث منع فتح الباب فصالح أهل الدرب بمال .. صح)؛ لأنه انتفاع بالأرض، بخلاف إشراع الجناح كما تقدم، فإن قدروا مدة .. كان إجارة، وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد .. كان بيعًا لجزء شائع من الدرب، ويجعل الفاتح كأحدهم، كما لو صالح رجلًا على مال ليجري في أرضه نهرًا .. كان ذلك تمليكًا للنهر.
ولو صالحه بمال على فتح باب من داره إلى داره .. صح، ويكون كالصلح على إجراء الماء على سطحه، ولا يملك شيئًا من الدار والسطح، لان السكة لا تراد إلا للاستطراق، فإثبات الاستطراق فيها يكون نقلًا للملك، وأما الدار والسطح .. فلا يقصد بهما الاستطراق وإجراء الماء.
وقوله: (فصالح أهل الدرب) أشار به إلى أنهم الذين يستحقون المنع أما أهل الشارع .. فليس لهم منع، ولا تصح منهم المصالحة.
قال: (ويجوز فتح الكوات) أي: في غير الدرب النافذ؛ لأنه تصرف في ملك نفسه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و (الكوة) بفتح الكاف: الطاقة، وفي لغة غريبة ضمها، والواو مشددة فيهما، وجمعها المصنف جمع تصحيح، وفي كافة اللغتان، ويجمع تكسيرًا على كوىً بضم الكاف وكسرها، وغالب ما تفتح للاستضاءة.
وله نصب شباك عليها بحيث لا يخرج منه شيء، فإن خرج هو أو غطاؤه .. كان كالجناح، قال الشيخ: فلينتبه لهذا، فإن العادة أن يعمل في الطاقات أبواب تخرج فتمنع من هواء الدرب.
هذا كله في حق من ليس له الفتح فيه اللاستطراق، فإن كان له ذلك .. فلا منع من أبواب الطاقات.
وقيد صاحب (الشافعي) جواز فتح الكوى بما إذا كانت عالية لا يمكن النظر منها إلى دار جاره.
تتمة:
قال المتولي وسليم: لو كان لداره باب إلى الشارع وباب إلى درب غير نافذ فأراد أن يدخل غيره من الباب الذي بالشارع ويخرجه من الباب الآخر الذي بالدرب .. لم يجز، والظاهر: أنه شيء انفرادا به.
وإذا كان بين داريه طريق نافذ فحفر تحته سردابًا من إحداهما إلى الأخرى .. جاز باتفاق الأصحاب؛ لأن القرار كالهواء فهو كالساباط الذي لا يضر، ولو لم يكن الطريق نافذًا .. لم يجز.
وقول الروياني: إنه يجوز ضعيف، ونقله عن الأصحاب شاذ لعله اعتمد فيه على قول بعضهم.
ولو أذن صاحب الدرب لإنسان في حفر سرداب تحت داره ثم باعها .. فللمشتري أن يرجع كما كان للبائع، قاله العبادي.
وَالْجِدَارُ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ: فَالْمُخْتَصُّ: لَيْسَ لِلآخَرِ وَضْعُ الجُذُوعِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ في الْجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ،
ــ
قال: (والجدار بن المالكين قد يختص به أحدهما، وقد يشتركان فيه:
فالمختص: ليس للآخر وضع الجذوع عليه بغير إذن في الجديد) ونقله البغوي في (شرح السنة) عن أكثر العلماء.
قال: (ولا يجبر المالك)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) وتقدم في أول الفصل أنه صحيح.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه منه) رواه الدارقطني [3/ 26] والحاكم [1/ 93] بإسناد صحيح.
ولأنه انتفاع بملك الغير، فأشبه البناء في أرضه، والحمل على بهيمته.
والقديم وراوه البويطي عن الشافعي رضي الله عنه في الجديد وبه قال مالك وأحمد: يجوز ذلك، ويجبر المالك عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا يمنع جار جاره أن يضع خشبة في جداره) ثم يقول أبو هريرة: (ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم) متفق عليه [خ2463 - م1609].
وقوله: (خشبة) يروى بالإفراد والجمع، قال الحافظ عبد الغني: الناس كلهم يروونه بالجمع إلا الطحاوي.
وقوله: (عنها) و (بها) المراد به السنة.
و (أكتافكم) بالمثناة من فوق، أي: بينكم، ونقل القاضي عياض عن بعضهم: أنه رواه بالنون ومعناه أيضًا بينكم.
وفي (تعليقة القاضي حسين): أن أبا هريرة رضي الله عنه قال ذلك حين كان متوليًا مكة والمدينة.
وقال البيهقي في (إحياء الموات): لم نجد في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعارض هذا الحديث، ولا تصح معارضته بالعمومات، وقد نص الشافعي رضي الله عنه في القديم والجديد على القول به، فلا عذر لأحد في مخالفته.
فَلَوْ رَضِيَ بِلَا عِوَضٍ .. فَهُوَ إِعَارَةٌ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الأَصَحِّ
ــ
وأجاب الأصحاب بأن الضمير في (جدار) لصاحب الخشب، أي: لا يمنعه الجار أن يضع خشبه في جدار نفسه وإن تضرر به من جهة منع الضوء والهواء.
ويشترط للإجبار –على القديم-:
أن لا يكون على المالك ضرر فيه بأن كانت الأخشاب ثقيلة لا يحتملها الجدار، أو أراد هو أن يبني عليها لم يكن له وضعها.
وأن لا يزيد الجار في ارتفاع الجدار، ولا يبني عليه أزجًا، ولا يضع عليه ما يضر الجدار.
وأن لا يكون له جدار أصلًا، أو لا يكون له إلا جدار واحد، فلو كان له جداران أمكن التسقيف عليهما .. فلا حاجة إلى جدار غيره، هذا هو المشهور عن القديم.
وعكس الإمام فقال: إن كانت الجدر كلها لغيره .. فلا يضع عليها، وإن كانت الثلاثة له والرابع لجاره .. فله الوضع عليه.
ولا فرق بين أن يحتاج في وضع الجذوع إلى نقب الجدار أو لا؛ لأن رأس الجذع يسد الفتح ويقوي الجدار، بخلاف فتح الكوة ونحوها؛ فإنه لا يجوز.
والفرق بين وضع الخشب على القديم وبين وضع رأس الرف ونحوه فإنه لا يجوز؛ لان المنع من وضع الجذوع قد يؤدي إلى تعذر الانتفاع بملكه بسبب امتناع التسقيف، بخلاف هذه الأمور.
ولو أراد أن يبني ساباطًا على شارع أو درب غير نافذ ويضعه على جدار جاره المقابل .. لم يجز قولًا واحدًا.
قال: (فلو رضي بلا عوض .. فهو إعارة) وهذا وما بعده تفريع على عدم الإجبار، وإنما كان هذا إعارة؛ لأن حدها منطبق عليه، ويستفيد بها المستعير الوضع مرة واحدة، حتى لو رفع جذوعه أو سقطت بنفسها، أو سقط الجدار فبناه صاحبه بتلك الآلة .. لم يكن له الوضع ثانيًا على الأصح.
قال: (له الرجوع قبل البناء عليه، وكذا بعده في الأصح) قياسًا على سائر العواري.
وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ: تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ، وَقِيلَ: فَائِدَتُهُ: طَلَبُ الأُجْرَةِ فَقَطْ. وَلَوْ رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ: فَإِنْ أَجَّرَ رَاسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ .. فَهُوَ إِجَارَةٌ،
ــ
والثاني: لا يرجع بعده؛ لأن مثل هذه الإعارة المقصودة بها التأبيد، كما إذا أعار لدفن ميت، وهذا عليه أكثر العراقيين، وإذا قلنا لا رجوع .. فلا أجرة، لكن إذا رفع الجذوع صاحبها أو سقطت بنفسها فهل له إعادتها بمقتضى الإذن الأول؟ وجهان: أصحهما: لا؛ لأن الإذن إنما يتناول مرة، فلابد من إذن جديد.
تنبيه:
محل المنع من إعادة الجذوع إذا وضعت بإذن، فلو ملكا علوًا وجذوعًا موضوعة عليه، ولم يعلم كيف وضعت: فإذا سقط الجدار .. فليس له المنع من إعادة الجذوع بلا خلاف، ولو أراد صاحب الجدار نقضه، فإن كان مستهدمًا .. جاز، وحكم إعادة الجذوع ما سبق، وإن لم يكن مستهدمًا .. فلا.
قال: (وفائدة الرجوع: تخييره بين أن يبقيه بأجرة أو يقلع ويغرم أرش نقصه) كما إذا أعار أرضًا للبناء والغراس.
قال: (وقيل: فائدته: طلب الأجرة فقط)؛ لأن ضرر القلع يتعدى إلى خالص ملك المستعير، لأن الجذوع إذا قلعت أطرافها لم تستمسك على الجدار الباقي، وسيأتي في (العارية) ما في ذلك من التناقض إن شاء الله تعالى.
قال: (ولو رضي بوضع الجذوع والبناء عليها بعوض: فإن أجر رأس الجدار للبناء .. فهو إجارة) ويجوز ذلك بلا خلاف كسائر الأعيان التي تؤجر للمنافع، ويصح بلفظ الإجارة والصلح، وكذا بلفظ بيع المنفعة إذا صححنا الإجارة.
ويشترط فيها شروطها، لكن لا يشترط فيها بيان المدة في الأصح؛ لأن الحاجة تدعو إلى دوامه وهذا أيضًا مفرع على عدم الإجبار، أما على الإجبار .. فلا يجوز أخذ العوض عليه.
وَإِنْ قَالَ: بِعْتُهُ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ بِعْتُ حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، فَإِذَا بَنَى .. فَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ بِحَالٍ. وَلَوِ انْهَدَمَ الْجِدَارُ فَأَعَادَهُ مَالِكُهُ .. فَلِلْمُشْتَرِي إِعَادَةُ الْبِنَاءِ
ــ
قال: (وإن قال: بعته) أي: رأس الجدار (للبناء عليه، أو بعت حق البناء عليه .. فالأصح: أن هذا العقد فيه شوب بيع وإجارة) أما شوب البيع .. فللتأبيد، وأما شوب الإجارة .. فلأن المستحق به منفعة، وجوز الشافعي رضي الله عنه ذلك في حقوق الأملاك كحق المرور ومجرى الماء ومسيله؛ لمسيس الحاجة في ذلك إلى إثبات الارتفاق على التأبيد، ولو كان إجارة محضة .. لاشترط تأقيتها، ولو كان بيعًا محضًا .. لكان رأس الجدار لصاحب الجذوع.
والثاني: أنه إجارة، واغتفر فيها التأبيد؛ للحاجة كخراج السواد.
والثالث: أنه بيع يملك المشتري به رأس الجدار، واستشكله الرافعي.
ولو باعه وشرط أن لا يبني عليه .. جاز وانتفع به فيما عدا البناء، وإن باع ولم يتعرض للبناء .. فكذلك في أصح الوجهين، وقيل: يبني.
و (الشوب): الخلط، وعبر في (المحرر) وغيره بـ (شائبة) هنا وفي (الخلع) وغيرهما وهو غير مستقيم؛ فإن الشائبة مؤنث شائب، وقد نبه في (الدقائق) على ذلك إلا أنه قال: التعبير بشائبة تصحيف، وصوابه: تحريف.
قال: (فإذا بنى .. فليس لمالك الجدار نقضه بحال) أي: نقض بناء المشتري؛ لأنه استحق دوامه بعقد لازم، وليس للمالك أيضًا منعه من البناء، ولا هدم جدار نفسه، لكن طريق مالك الجدار أن يشتري منه حق البناء بثمن معلوم، فإن ذلك جائز كما صرح به المحاملي، وحينئذ يتمكن من الخصال التي يتخير المعير بينها؛ لزوال استحقاق صاحب الجذوع، ولا يتمكن من القلع مجانًا.
قال: (ولو انهدم الجدار فأعاده مالكه .. فللمشتري إعادة البناء)؛ لأنه حق ثبت له.
وَسَوَاءٌ كَانَ الإِذْنُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا، وَسَمْكِ الْجُدْرَانِ، وَكَيْفِيَّتِهَا، وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا
ــ
هذا إذا بناه بتلك الآلة .. وبمثلها، فإن بناه بغير تلك الآلة .. ففي (الشرح) و (الروضة) لا خلاف أنه لا يعيد إلا بإذن جديد؛ لأنه جدار آخر، واعترضا بأن الخلاف مذكور في (البحر) في (باب العارية).
قال في (المطلب): ولعل قائله يقول: الأس أصل، فما دام .. فالاعتبار به، فلو حذف المصنف لفظة (الإعادة) وقال: فللمشتري البناء .. لشمل هذه، وأما مالك الجدار .. فلا يجبر على إعادته في الجديد.
ولو أراد صاحب الجذوع إعادة الجدار من ماله ليتمكن من وضع الجذوع عليه .. لم يكن لصاحب الجدار منعه؛ لأنه ثبت له حق لازم في الجدار وما تحته.
وعبر المصنف بـ (الانهدام)؛ ليحترز عما لو هدمه صاحب السفل أو غيره، فإن هدم قبل بناء المشتري .. فعلى الهادم قيمة حق البناء؛ لأنه حال بين المشتري وبين حقه بالهدم، فإذا أعاد البائع حائطه .. استرد الهادم القيمة؛ لأن الحيلولة قد ارتفعت وإن كان الهدم بعد بنائه.
والقياس أن يقال: إن قلنا: إن من هدم جدار الغير يلزمه إعادته .. فعليه إعادة السفل والعلو، وإن قلنا: يلزمه أرش النقص فعليه .. أرش نقص الآلات وقيمة حق البناء؛ للحيلولة، كذا قاله الرافعي.
قال: (وسواء كان الإذن بعوض أو بغيره يشترط بيان قدر الموضع المبني عليه طولًا وعرضًا، وسمك الجدران، وكيفيتها، وكيفية السقف المحمول عليها)؛ لأن الأغراض تختلف بذلك، والغرر مجتنب في البيع والإجارة والعارية التي لا ينفصل الحال فيها بمجرد الرجوع، وقيل: يكفي إطلاق البناء، ويحمل على ما يحتمله المبني عليه، والصحيح: أنه لا يشترط التعرض لوزن ما يبنيه؛ لأن تعريف كل شيء بحسبه، وإذا كانت الآلات مشاهدة .. أغنت مشاهدتها.
وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ .. كَفَى بَيَانُ قَدْرِ مَحَلِّ الْبِنَاءِ. وَأَمَّا الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ: فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتِدًا أَوْ يَفْتَحَ كَوَّةً بِلَا إِذْنٍ،
ــ
و (السمك) بفتح السين: الارتفاع إذا أخذت من أسفل صاعدًا، فإن عكست .. سمي عمقًا بضم العين المهملة.
والمراد بكيفية الجدران: أهي مجوفة أم لا؟ بالحجر أم بالطوب؟ وكيفية السقف: أهو عقد أم غيره؟ بالقصب أم بالجريد أم بخشب؟
قال: (ولو أذن في البناء على أرضه .. كفى بيان قدر محل البناء)؛ لأن الأرض تحتمل كل شيء فلا يختلف الغرض إلا بقدر محل البناء.
وقيل: يجب بيان السمك والكيفية أيضًا؛ لأنه قد تطول بسببه مدة التفريغ عند انتهاء المدة، وهذا التعليل يقتضي: أنه لا يأتي إذا باع حق البناء عليها؛ لأنه لا رجوع له.
نعم؛ ينبغي اشتراط قدر ما يحفر؛ لأن الغرض به يختلف.
قال: (وأما الجدار المشترك: فليس لأحدهما وضع جذوعه عليه بغير إذن في الجديد) هما القولان السابقان في جدار الأجنبي.
قال: (وليس له أن يتد فيه وتدًا أو يفتح كوة بلا إذن) هذا لا خلاف فيه قياسًا على منع الانتفاع بسائر الأملاك المشتركة بغير إذن، وكذا يمتنع أن يترب الكتاب من ترابه إلا بإذن، أما بالإذن .. فيجوز، لكن يشترط عدم العوض؛ لئلا يكون صلحًا على الضوء والهواء المجرد.
و (الوتد) بكسر التاء على المشهور: واحد الأوتاد، وبالفتح لغة.
وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَيْهِ وَيَسْنِدَ مَتَاعًا لَا يَضُرُّ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي جِدَارِ الأَجْنَبِيِّ. وَلَيْسَ لَهُ إِجْبَارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ فِي الْجَدِيدِ
ــ
فرع:
إذا فتح بابًا بالإذن .. فليس له السد أيضًا إلا بالإذن؛ لأنه تصرف في ملك الغير.
قال: (وله أن يستند إليه ويسند متاعًا لا يضر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام).
قال: (وله ذلك في جدار الأجنبي) أيضًا؛ لفعل السلف والخلف، كما له أن يستضيء بسراجه ويستظل بظل جداره.
فرع:
لو منع أحدهما الآخر من الاستناد .. فالأصح في زوائد (الروضة): أنه لا يمتنع؛ لأنه عناد محض كما لو قال: لا تنظر إلى حسن داري ونضارة أشجاري ورونق ثيابي، وادعى الإمام فخر الدين في (المحصول) الإجماع عليه، وقيده غيره بما إذا لم يحصل ثقله عليه.
قال المتولي: ولو أراد أن يملأ البيت بشيء يظهر ثقله على الحائط بحيث يخشى أن يدفعه .. لم يجز.
قال: (وليس له إجبار شريكه على العمارة في الجديد) كما لا يجبر على زراعة الأرض المشتركة؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر، لكنه يجبر في الأرض على إجارتها على الصحيح، وبه يندفع الضرر.
والقديم: يجبر على العمارة؛ صيانة للأملاك المشتركة عن التعطيل، وصححه في (الشامل) و (الذخائر) و (المرشد)، وأفتى به الشاشي وابن الصلاح، وكذلك الغزالي إن ظهر للقاضي أنه معاند.
فَلَوْ أَرَادَ إِعَادَةَ مُنْهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ .. لَمْ يُمْنَعْ، وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ، يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إِذَا شَاءَ. وَلَوْ قَالَ الآخَرُ: لَا تَنْقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَكَ حِصَّتِي .. لَمْ تَلْزَمْهُ إِجَابَتُهُ. وَإِنْ أَرَادَ إِعَادَتَهُ بِنقْضِهِ الْمُشْتَرَكِ .. فَلِلآخَرِ مَنْعُهُ ....
ــ
وأطلق الرافعي القولين، وقيدهما الإمام والغزالي بعمارة يختل الملك بتركها، فلا إجبار في الزيادة على ذلك قولًا واحدًا، وقيدهما ابن داوود بما إذا لم تمكن القسمة، فإن أمكنت .. فلا إجبار قطعًا.
قال الرافعي: والقولان يجريان في تنقية البئر والقناة والنهر، وفي السترة بين السطحين إذا تشعثت واحتاجت إلى الإصلاح، وفيما لو كان علو الدار لواحد وسفلها لآخر فانهدمت وطلب صاحب العلو من صاحب السفل أن يعيد سفله ليبني عليه.
قال: (فلو أراد) أي: الشريك (إعادة منهدم بآلة لنفسه .. لم يمنع)؛ لأن له غرضًا في الوصول إلى حقه، كما لو سقطت جذوعه الموضوعة على الجدار المشترك .. ينفرد بإعادتها.
قال: (ويكون المعاد ملكه؛ يضع عليه ما شاء وينقضه إذا شاء)؛ لأنه بآلته، لكن إذا كان للممتنع عليه حمل فهو على حاله.
واستبعد الشيخ وغيره جواز إعادة المنهدم وقال: إنه بعيد عن القواعد؛ لأن العرصة مشتركة، ولا حق لأحدهما على الآخر في الاستبداد بها، لاسيما وهو يمكنه المقاسمة فإن الأصح: جواز القسمة في ذلك بالتراضي عرضًا في كمال الطول وبها يندفع الضرر.
قال: (ولو قال الآخر: لا تنقضه وأغرم لك حصتي .. لم تلزمه إجابته)؛ لأنه ملكه وهذا تفريع على الجديد، أما على القديم وهو لزوم العمارة .. فعليه إجابته.
قال: (وإن أراد إعادته بنقضه المشترك .. فللآخر منعه)؛ لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه فمنع كسائر الأعيان المشتركة، وفي وجه ليس له منعه.
قال في (الوسيط): واتفق عليه الأصحاب.
وقال في (المطلب): إنه الأشبه، وبه جزم في (التنبيه).
وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إِعَادَتِهِ بِنُقْضِهِ .. عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ. وَلَوِ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَشَرَطَ لَهُ الآخَرُ زِيَادَةً .. جَازَ وَكَانَتْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الآخَرِ
ــ
وقال الإمام: مفهوم كلامهم: جواز الإقدام عليه عند عدم المنع، وهذا الوجه ذكره الرافعي وحذفه من (الروضة)، واختار الشيخ: أن صاحب الأسفل ليس له منع صاحب العلو، ولصاحب العلو منع صاحب السفل.
و (النقض): البناء المنقوض، وهو بضم النون عند ابن سيده والأزهري، وعند الجوهري وابن فارس بكسرها، وجمعه أنقاض، قال سيبويه: ولم يكسر على غير ذلك.
قال: (ولو تعاونا على إعادته بنقضه .. عاد مشتركًا كما كان) سواء تعاونا بعمل يد أو أجرة، فلو شرط التفاوت في الملك .. فسد الشرط في الأصح.
قال: (ولو أنفرد أحدهما وشرط له الآخر زيادة .. جاز وكانت في مقابلة عمله في نصيب الآخر) وللمسألة صورتان:
إحداهما –وهي أقرب إلى لفظ المصنف-: أن يعاد بنقضها وهو الظاهر، فيشترط أن تجعل له الزيادة من النقض في الحال، فإن شرط له بعد البناء .. لم يصح؛ لأن الأعيان لا تؤجل.
الثانية: أن تصور بالإعادة بآلة أحدهما، فهي مخرجة على قولي الجمع بين بيع وإجارة؛ لأنه قابل آلته وعمله ببعض العرصة.
فرع:
إذا هدم أحد الشريكين الجدار المشترك من غير إذن صاحبه لاستهدام وغيره، أو الجدار الخالص لغيره .. فالنص إجبار الهادم على إعادته؛ لحديث جريج الثابت في (الصحيحين) [خ2482 - م2550] فإنه قال:(أعيدوها كما كانت).
وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إِجْرَاءِ الْمَاءِ وَإِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَالٍ
ــ
وقيل: فيه القولان في الإجبار على العمارة، والقياس: غرامة النقصان؛ لأن الجدار ليس بمثلي.
والصواب: أن المراد الإجبار على أن يبني مع شريكه، وأما وجوب إعادتها على الهادم .. فلا يمكن بل تجب قيمته عليه؛ لأنا لو أجبرناه على إعادته مستهدمًا .. فهو غير منضبط، أو غير مستهدم .. كان زائدًا على ما هدمه، وذلك حيف.
وأما الجدار المختص بالغير .. فلا يضمنه إلا بالأرش بلا نزاع سواء كان الهادم عاصيًا أم لا.
قال: (ويجوز أن يصالح على إجراء الماء وإلقاء الثلج في ملكه على مال) كحق البناء، فإن قدر المدة .. فإجارة، وإلا .. فعلى الأوجه الثلاثة المتقدمة في بيع حق البناء.
وعن القديم: أن الجار إذا احتاج إلى ذلك .. وجب ولا يجوز الاعتياض عنه.
وقوله: (في ملكه) يشمل السطح والأرض، وهو كذلك بالنسبة إلى الماء، أما إلقاء الثلج .. فلا تجوز المصالحة عليه على السطح.
والمراد من إجراء الماء: ماء المطر ونحوه، أما الغسالة .. فلا تجوز المصالحة على إجرائها؛ لأنها مجهولة لا تدعو الحاجة إليها، وفي وجه تصح؛ للحاجة إلى ذلك.
وإن كان على الماء المتحصل في السطح من الأمطار .. فشرط صحة الصلح عليه أن يعرفا قدر السطح الذي يجري منه الماء.
وإن كان على الماء المجلوب في نهر أو عين .. فيصح أيضًا بشرط بيان موضع
وَلَوْ تَنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا: فَإِنِ اتَّصَلَ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا بَنَيَا مَعًا .. فَلَهُ الْيَدُ، ....
ــ
الإجراء وطوله وعرضه وعمقه وتقدير المدة.
قال في (الشامل): ولابد أن يكون الموضع محفورًا أيضًا.
فروع:
تجوز المصالحة على قضاء الحاجة في حش غيره بمال، وعلى جمع الزبل والقمامة في ملكه، وهي إجارة تراعى فيها شرائطها، وكذا المصالحة على البيتوتة على سطح داره.
ولو حصلت أغصان شجرته في هواء ملك غيره .. لزمه إزالة الأغصان إلا أن يرضى صاحب الملك بتركها، فإن طالبه بذلك فلم يفعل .. فله تحويل الأغصان عن ملكه باللّي ونحوه، فإن لم يمكن .. فله قطعها، ولا يحتاج فيه إلى إذن القاضي على الصحيح.
وإن صالحه على إبقائها بعوض، فإن لم يستند الغصن إلى شيء .. لم يصح، وإن استند، فإن كان بعد الجفاف .. جاز، وإن كان رطبًا .. لم يجز؛ لأنه يزيد، وانتشار العروق كانتشار الأغصان، وكذلك ميل الجدار.
قال: (ولو تنازعا جدارًا بين ملكيهما: فإن اتصل ببناء أحدهما بحيث يعلم أنهما بنيا معًا .. فله اليد)؛ لأن اتصاله به أمارة ظاهرة على يده وتصرفه، ونقل الإمام الاتفاق عليه، ويعرف ذلك بأن يدخل أنصاف لبنات الجدار المتنازع فيه في جداره الخاص، ونصف لبنات جداره الخاص في لبنات المتنازع فيه، ويظهر ذلك في الزوايا.
ومن صور الاتصال: أن يكون لأحدهما عليه أزج لا يمكن إحداثه بعد بناء الجدار بتمامه، فعلى هذا: يحلف ويحكم له به إلا أن تقوم بينة بخلافه.
وَإِلَّا .. فَلَهُمَا. فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً .. قُضِيَ لَهُ، وَإِلَّا .. حَلَفَا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا .. جُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا .. قُضِيَ لَهُ
ــ
فلو كان الجدار المتنازع فيه على خشبة طرفها في ملك أحدهما، وليس منها شيء في ملك الآخر .. فالخشبة لمن طرفها في ملكه والجدار المبني عليها تحت يده ظاهرًا، وفيه احتمال للإمام.
قال: (وإلا .. فلهما) أي: إذا لم يحصل الاتصال المذكور بأن كان منفصلًا عنهما أو متصلًا بهما اتصالًا لا يمكن إحداثه .. فتكون اليد لهما؛ لعدم المرجح.
قال الشافعي رضي الله عنه: ولا نظر إلى الدواخل والخوارج وأنصاف اللبن ومعاقد القمط –وهو بكسر القاف وإسكان الميم- وأغلب ما يكون ذلك في السترة بين السطحين فتشد بحبال أو خيوط.
قال: (فإن أقام أحدهما بينة .. قضي له)؛ لأنها مقدمة على اليد.
قال: (وإلا .. حلفا) أي: إذا لم يقم أحدهما بينة أو أقاماها .. حلف كل منهما لصاحبه؛ لأن كلًّا مدعيً عليه ويده على النصف، فالقول قوله فيه كالعين الكاملة، وهل يتخير القاضي فيمن يبدأ بتحليفه منهما أو يقرع؟ وجهان في (الحاوي).
قال الرافعي: ويجوز أن يقال: من سبق دعواه بدأ بتحليف صاحبه.
قي قدر ما يحلفه عليه وجهان: الأصح: على نصفه، وقيل: على جميعه.
قال: (فإن حلفا أو نكلا .. جعل بينهما)؛ لظاهر اليد.
قال: (وإن حلف أحدهما .. قضي له) أي: بالجميع.
وصورة المسألة: أن يحلف على نفي استحقاق صاحب النصف الذي في يده بعد طلبه، ثم يحلف أنه يستحق النصف الذي في يد صاحبه بعد أن يرد اليمين عليه، فلو كان القاضي قد بدأ بصاحبه أولًا فنكل وطلب يمين غريمه، فعرض على هذا فحلف أن جميعها له .. قال الشيخ: فالظاهر: أن ذلك يكفي؛ لأنه متضمن للنفي
وَلَوْ كَانَ لأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ .. لمْ يُرَجَّحْ. وَالسَّقْفُ بَيْنَ عُلْوِهِ وَسُفْلِ غَيْرِهِ كَجِدَارٍ بَيْنَ مِلْكَيْنِ، فَيُنْظَرُ: أَيُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ بَعْدَ الْعُلْوِ؟ .. فَيَكُونُ فِي يَدِهِمَا، أَوْ لَا .. فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ
ــ
والإثبات، فلو بدأ بأحدهما فحلف ثم عرض على الآخر فنكل .. فلابد من يمين الحالف أولًا اليمينَ المردودة.
قال: (ولو كان لأحدهما عليه جذوع .. لم يرجح)، لأنه قد تكون وضعت بإجارة أو إعارة أو بيع فلا يترك المحقق بمحتمل، فإذا حلفا بقيت الجذوع بحالها؛ لاحتمال أنها وضعت بحق، وهذا بخلاف ما لو تنازعا دابة أحدهما راكبها والآخر سائقها أو آخذ بزمامها .. فإن القول قول الراكب على الأصح بيمينه؛ لانفراده باليد، بخلاف الجذوع فإنه لا يرجح بها؛ لأن كلًّا منهما منتفع بالجدار.
وإن امتاز صاحب الجذوع بزيادة كما لو كان في دار ولأحدهما فيها متاع .. فإنها بينهما، والوجهان فيما لو تنازعا ثوبًا وأحدهما لابسه والآخر متعلق به يجاذبه.
واتفقوا على أنهما لو تنازعا سفينة وأحدهما راكبها والآخر ممسكها .. أنها للراكب؛ لأنه متصرف.
وإنما عبر بـ (الجذوع) تبعًا لـ (المحرر) دون الجذع؛ لأن أبا حنيفة رحمه الله يقول: إن الجمع منها يحصل به الترجيح دون الواحد، وفي الاثنين اختلاف رواية عنه.
قال: (والسقف بين علوه وسفل غيره كجدار بين ملكين، فينظر: أيمكن إحداثه بعد العلو؟ .. فيكون في يدهما)؛ لأنهما يشتركان في الانتفاع به، فإنه أرض لصاحب العلو وساتر لصاحب السفل، وصورة ذلك في السقف الخشب؛ فإن إحداثه ممكن بأن ينقب الحائط وتجعل الجذوع وتوضع عليه الألواح وغيرها.
و (العلو) مثلث العين و (السفل) بضم السين وكسرها.
قال: (أو لا .. فلصاحب السفل) أي: إذا لم يمكن إحداثه كالأزج .. فإنه يكون في يد صاحب السفل؛ لاتصاله ببنائه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تتمة:
حيث جعل بينهما .. فللأعلى الانتفاع به بالجلوس ووضع المتاع المعتاد، وينتفع الأسفل بالاستظلال به وله أن يعلق فيه ما لا يتأثر به كالثوب ونحوه، وأما تعليق ما يتأثر به ففيه أوجه:
أصحها: الجواز مطلقًا؛ ليساوي الأعلى لأن ثقله عليه.
والثاني: المنع.
والثالث: إن أمكن من غير إثبات وتد في جرم السقف .. جاز من غير سرف، وإلا .. فلا، وعلى هذا ليس للأعلى غرز وتد فيه أيضًا.
* * *
خاتمة
لإنسان دار وعرصة متجاورتان، وللدار ميزاب يرمي في العرصة فباع العرصة .. فهل لمشتريها منعه من إرسال ماء الميزاب فيها؟
قال ابن الصلاح: إن كان ذلك مستندًا إلى اجتماعهما في ملك واحد .. فله ذلك، وإن كان مستندًا إلى سبب سابق على اجتماعهما في ملكه جعل هذا حقًا من حقوق الدار .. لم يكن له ذلك.
ولو تنازعا في حيطان السفل التي عليها الغرفة .. فالمصدق صاحب السفل؛ فإنها في يده، أو في حيطان الغرفة .. فالمصدق صاحب العلو؛ لأنها في يده.
* * *