المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الرِّبَا ــ باب الربا لفظه مقصور، ويكتب بالألف والواو والياء، وقد يقال - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌بَابُ الرِّبَا ــ باب الربا لفظه مقصور، ويكتب بالألف والواو والياء، وقد يقال

‌بَابُ الرِّبَا

ــ

باب الربا

لفظه مقصور، ويكتب بالألف والواو والياء، وقد يقال فيه أيضًا: الرماء –بالميم والمد- وأصله: الزيادة إما في أصل الشيء، كقوله تعالى:{اهتزت وربت} أي: نمت وزادت، وإما في مقابله، كدرهم بدرهمين.

قال القاضي أبو حامد وداوود الظاهري: إنه حقيقة في الأول مجاز في الثاني.

وقيل: حقيقة فيهما.

وقال ابن سريج: هو في الثاني حقيقة شرعية.

وقيل: الربا كل بيع محرم، ونقل عن عمر وعائشة رضي الله عنهما.

وهو في الشرع: الزيادة في بيع النقد والمطعوم بمثلهما، وهو من الكبائر.

روى ابن بكير عن مالك بن أنس: أن رجلًا أتى إليه فقال: يا أبا عبد الله، رأيت رجلًا سكرانًا يتقافز يريد أن يأخذ القمر بيده، فقلت: امرأتي طالق إن كان يدخل في جوف ابن آدم شر من الخمر، فقال: ارجع حتى أنظر في مسألتك، فأتاه من الغد فقال: امرأتك طالق؛ إني تصفحت الكتاب والسنة فلم أر شيئًا أشد من الربا؛ لأن الله تعالى آذن فيه بالحرب.

وهو أنواع:

(ربا الفضل) وهو: زيادة أحد العوضين على الآخر في المقدار.

و (ربا النساء) وهو: بيع مال بمال نسيئة.

و (ربا اليد) وهو: بيع مال بمال يقبض فيه أحد العوضين في المجلس دون الآخر.

وذكر المتولي نوعًا رابعًا وهو (ربا القرض) وهو: أن يقرضه مالًا بمثله بشرط جر منفعة، لقول فضالة بن عبيد: كل قرض جر منفعة فهو ربا، ورواه الحارث بن أبي

ص: 57

إِذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ؛

ــ

أسامة من حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والأصل في تحريمه قبل الإجماع: قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربوا} ، وقوله عز وجل:{وذروا ما بقى من الربوا} .

و (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده) رواه مسلم [1598] من حديث جابر رضي الله عنه.

وروى أحمد [5/ 225] عن أبي هريرة رضي الله عنه، والدارقطني [3/ 16] والبيهقي [هب 5517] عن عبد الله بن حنظلة الغسيل رضي لله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (درهم ربا يأكله ابن آدم أشد عند الله تعالى إثمًا من ست وثلاثين زنية).

وفي (المستدرك)[2/ 37] من حديث مسروق عن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا سبعون بابًا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإنَّ أربى الربا عِرض الرجل المسلم) ثم قال: صحيح على شرط الشيخين.

وقال عمر رضي الله عنه: (لا يتَّجرْ في سوقنا إلا من فَقُهَ، وإلا .. أَكَلَ الربا).

وقال علي رضي الله عنه: (من أتَّجر قبل أن يتفقه .. ارتطم في الربا، ثم ارتطم، ثم ارتطم) أي: وقع فيه وارتبك ونشب.

وقيل: إن الربا لم يحل في شريعة قط، قال تعالى:{وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه} .

قال: (إذا بيع الطعام بالطعام) إنما قدمه على النقد؛ لأن أحكامه أكثر، وعبر في (المحرر) بالمطعوم، وعبارة المصنف موافقة لرواية مسلم [1592] عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا

ص: 58

إِنْ كَانَ جِنْسًا .. اشْتُرِطَ الْحُلُولُ، وَالْمُمَاثَلَةُ، وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ،

ــ

مثلًا بمثل) فعلق المنع على الطعام، وهو اسم مشتق، وتعليق الحكم على الاسم المشتق يدل على التعليل بما فيه من الاشتقاق، كقوله تعالى:{الزانية والزاني فاجلدوا} {والسارق والسارقة فاقطعوا} .

ولأنه صلى الله عليه وسلم نص على أصناف مختلفة المقاصد مع الاشتراك في أنها مطعومة، فدل على التعليل بالقدر المشترك.

وفي القديم: العلة مع الطعم: التقدير في الجنس بالكيل أو الوزن، فلا ربا فيما لا يوزن ولا يكال كسفرجل ورمان وبيض وجوز وأترج ونارنج وغيرها، واختلفوا على الجديد في المسائل:

منها: الزعفران والسقمونيا والطين الأرمني والمختوم والأدهان المطيبة، فهذه ربوية على الأصح.

ومنها: حب الكتان ودهنه ودهن السمك والطين الخراساني وماء الورد، فهذه غير ربوية على الأصح.

والفرق بين الطين الأرمني والخراساني: أن الأرمني دواء.

والطين المصري كالخراساني في الحكم وسيأتي.

ولا يحرم أكل الطين؛ لأنه لم يصح في حديث إلا أن يضر لكثرته فيحرم، وبهذا قال الروياني ومشايخ طبرستان.

وقال والده وجده والزجاجي والحناطي والقفال والقاضي حسين: يحرم.

وإذا قلنا بهذا: فليس بربوي وإنما الخلاف إذا قلنا بإباحته، وسيأتي في (الأطعمة) فيه زيادة في ذلك.

قال: (إن كان جنسًا .. اشترط الحلول، والمماثلة، والتقابض قبل التفرق)؛ لما روى مسلم [1594]: أن بلالًا رضي الله عنه جاء بتمر برني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من أين هذا؟) فقال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع؛ ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أَوَّهْ! عينُ الربا، لا تفعل ولكن مثلًا بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه).

وروى أيضًا [1587] عن عبادة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ص: 59

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس .. فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد).

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الربا في نسيئة) .. فقال الشافعي رضي الله عنه: إنه جواب سائل سأل عن التفاضل في جنسين، فنقل الراوي الجواب دون السؤال.

وقول المصنف: (إن كان جنسًا) أي: مجموع الثمن والمثمن، وفي (المحرر): إن كانا، وهو أحسن.

وأشار بقوله: (جنسًا) إلى أن اختلاف النوع لا يضر. كبرنيٍّ بمعقلي، والصفةِ كجيد برديء.

ولابد في القبض أن يكون محققًا، فلا تكفي الحوالة إن لم يحصل القبض لها في المجلس، وكذا إن حصل في الأصح، وتكفي الوكالة إن قبض الوكيل قبل مفارقة الموكل المجلس، فإن قبض بعد مفارقة الموكل المجلس .. امتنع.

ولو كان العاقد عبدًا مأذونًا فقبض سيده .. لم يكف، قال الجوري، أو وكيلًا فقبض موكله .. لم يكف بلا خلاف.

ولو مات العاقد .. قام وارثه مقامه على الأصح.

ولو تقابضا بعضَ كل واحد من العوضين ثم تفرقا .. بطل في غير المقبوض، وفي المقبوض قولا تفريق الصفقة.

والمراد بـ (التفريق): ما في خيار المجلس، ولا فرق فيه بين العامد والناسي –نص عليه الشافعي والإمام- ولا بين العالم والجاهل –قاله الماوردي- ولا بين المختار والمكره، قاله الصيمري.

ص: 60

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد يستشكل بأن الصحيح: عدم انقطاع الخيار بالتفرق كرهًا، فإن صح الحكمان .. فلعله لضيق باب الربا، أو لأن القبض شرط فلم يختلف بالنسبة إلى المكره وغيره، أو لأن باب الربا الأغلب عليه التعبد.

مهمة:

في (الروضة) هنا: أن إجازة العقد قبل التقابض مبطلة خلافًا لابن سريج.

وفي (باب الخيار): لو تقابضا ثم أجازا في المجلس .. لزم العقد، فإن أجازا قبل التقابض .. فوجهان:

أحدهما: تلغو الإجازة ويبقى الخيار.

والثاني: يلزم العقد وعليهما التقابض، فإن تفرقا قبله .. انفسخ العقد، ولم يتعرض للوجه الذي جزم به هنا، وهذا إنما يأتي على قول ابن سريج، وليس للمسألة ذكر في (الشرح الصغير) ولا في (المحرر)، وهي في (شرح المهذب) هنا وهي آخر مسألة فيه.

ومتى وقع العقد مع فوات أحد الشروط .. كان باطلًا وأثما به، وكذا إذا تفرقا من غير قبض .. أثما أيضًا وعليهما إذا أرادا التفرق أن يتفاسخا أو يتقايلا ثم يفترقان. ومن هذه المسألة يؤخذ: أن تعاطي العقود الفاسدة حرام.

وخرج من كلام المصنف: ما إذا باع طعامًا بغير طعام، فلا يشترط فيه شيء من الثلاثة بالإجماع.

ص: 61

أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ .. جَازَ التَّفَاضُلُ، وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ. وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا

ــ

قال: (أو جنسين كحنطة وشعير .. جاز التفاضل، واشترط الحلول والتقابض)؛ لما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا اختلفت هذه الأجناس .. فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد) فشرط التقابض وهو مستلزم الحلول غالبًا، ومثل المصنف بالحنطة والشعير؛ لأن مالكًا نقل عنه: أنهما جنس واحد.

قال: (والطعام ما قصد للطعم اقتياتًا أو تفكهًا أو تداويًا)؛ لأن حديث عبادة رضي الله عنه ذكر فيه أربعة: البر، والشعير، والتمر، والملح، وهي مختلفة المقاصد: فمقصود البر والشعير القوت وألحق بهما ما في معناهما كالأرز والذرة، ومقصود التمر التأدم فألحق به ما في معناه كالزبيب والفواكه ونحوها، ومقصود الملح الإصلاح فألحق به ما في معناه من الأدوية.

ولا فرق بين ما يؤكل نادرًا كالبلوط والطُّرْثُوث، أو غالبًا كالحبوب.

ومن الربويات: الفواكه والحلوى والإهليلج والبقول والتوابل والمصطكي والزنجبيل والصمغ والقُرطُم وبزر البصل والجزر والفجل واللفت؛ لأنها تصير مأكولة بعد نباتها، وكذلك الصعتر و (الثفاء) بالثاء المثلثة وتشديد الفاء والمد، وهي: حب الرشاد.

ولا ربا في الرياحين –إلا أن يركب منها شيء بالسكر أو العسل- ولا في الصندل والكافور والمسك والنوى والجلود والعظام وإن كان يجوز أكلها؛ لأنه لا يعتاد.

وعود البخور ليس بربوي، قال الشيخ: ولم أر فيه خلافًا.

وفي (الرافعي) و (الروضة) ما يقتضي إثبات خلاف فيه، وهو وهم.

ص: 62

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا ربا في الحيوان إلا في السمك الصغير إذا جوزنا ابتلاعه حيًا، وهو الأصح.

ومنع أبو حنيفة بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.

لنا: (أن عبد الله بن عمرو بن العاص ابتاع للنبي صلى الله عليه وسلم بأمره البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى خروج المصدق).

و (باع علي جملًا بعشرين بعيرًا إلى أجل) ولم يعرف له مخالف.

ولأنه يجوز التفاضل بينهما فليجز الأجل، كما لو باع ثوب قطن بثوب إبريسم إلى أجل.

واحترز عما يجوز أكله ولا يقصد عادة لشيء منها كأطراف قضبان العنب والجلود كما تقدم.

والمراد: طعم الآدميين غالبًا، وهو بضم الطاء، فمطعوم الجن كالعظم وما اختصت به البهائم كالحشيش .. غير ربوي.

ويرد على إطلاق المصنف خروج الماء العذب منه، وهو ربوي على الأصح.

فإن قيل: لو كان مطعومًا لم يجز الاستنجاء به .. قلنا: ثبتت الأحاديث بجواز ذلك فصار مستثنى للحاجة إليه.

فإن قيل: ذكر المصنف في (كتاب الأيمان): أن الطعام يتناول القوت والفاكهة والأدم والحلوى ولم يذكر التداوي هناك .. فالجواب: أن العرف لا يقتضيه؛ لأن مأخذ البابين مختلف، أما الإدام .. فإنه طعام هنا وهناك وإن لم يذكره هنا في (المحرر).

ص: 63

وَأَدِقَّةُ الأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ وَخُلُولُها وَأَدْهَانُهَا .. أَجْنَاسٌ، وَاللُّحُومُ وَالأَلْبَانُ كَذَلِكَ فِي الأَظْهَرِ. وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا، والْمَوْزُونِ وَزْنًا

ــ

قال: (وأدقة الأصول المختلفة الجنس وخلولها وأدهانها .. أجناس)؛ لأنها فروع لأصول مختلفة ربوية فأجري عليها حكم أصولها، وكل شيئين جمعهما اسم خاص .. فهما جنس واحد، وما ليس كذلك .. فهما جنسان.

فعلى هذا: يباع دقيق الحنطة بدقيق الشعير متفاضلًا.

واحترز بـ (المختلفة) عن المتحدة كأدقة أنواع القمح؛ فإنها جنس قطعًا.

قال: (واللحوم والألبان كذلك في الأظهر)؛ لأنها أيضًا فروع لأصول مختلفة.

والثاني: أنها جنس واحد؛ لاشتراكهما في الاسم.

وعلى هذا: ففي لحوم البريات مع البحريات وجهان: الأصح في أصل (الروضة): أنها جنس واحد، ولم يصحح الرافعي شيئًا.

والظبي مع الأيل كالضأن والمعز.

والأصح: أن الجراد ليس من جنس اللحوم.

والثاني: من لحوم البريات.

والثالث: من لحوم البحريات.

و (اللُّحمان) بضم اللام، جمع لحم.

قال: (والمماثلة تعتبر في المكيل كيلًا، والموزون وزنًا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنًا بوزن) رواه مسلم [1584].

فلو باع المكيل بالوزن أو الموزون بالكيل .. لم يصح.

ولا فرق في الكيل بين أن يكون معتادًا أم لا كالقصعة، ولا في الميزان بين:

ص: 64

وَالْمُعْتَبَرُ: غَالِبُ عَادَةِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَا جُهِلَ يُرْعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: الْكَيْلُ، وَقِيلَ: الْوَزْنُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ،

ــ

الطيار؛ وهو: الذي له لسان، والقرسطون؛ وهو: القبان، وغيرهما.

قال: (والمعتبر: غالب عادة الحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: في كون الشيء مكيلًا أو موزونًا؛ لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم اطلع عليها وأقرها.

فلو أحدث الناس خلاف ذلك .. لم يعتبر؛ لما روى أبو داوود [3340] والنسائي [5/ 54] من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان وزن أهل مكة) وليس هذا إخبارًا بانفرادهم بذلك؛ لأن ميزان غير مكة ومكيال غير المدينة معتبران، فدل على أن المراد: مراعاة أهل المدينة فيما يكيلونه وأهل مكة فيما يزنونه، فهو بيان للمرجع فيما أوجبه الشارع من المكيلات كصدقة الفطر وغيرها والموزونات كزكاة النقدين.

وأيضًا: فإن الشرع اعتبر المماثلة ولابد لها من حد ولا حد لها في عرف ولا لغة فيرجع إلى العادة، وأولاها: عادة زمنه صلى الله عليه وسلم.

والمكيل على عهده صلى الله عليه وسلم الحبوب والأدهان والألبان والتمر والزبيب والملح، فإن كان قطعًا كبارًا .. فالأصح يوزن.

قال: (وما جهل) أي: معياره في الحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (يرعى فيه عادة بلد البيع)؛ لأن الشرع اعتبر العادة الغالبة في كثير من الأحكام.

قال: (وقيل: الكيل)؛ لأنه أعم.

قال: (وقيل: الوزن)؛ لأنه أحصر.

قال: (وقيل: يتخير)؛ للتساوي.

ص: 65

وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ .. اعْتُبِرَ. وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ كَطَعَامٍ بِطَعَامٍ

ــ

قال: (وقيل: إن كان له أصل .. اعتبر)؛ مراعاة له.

ومحل الأوجه: إذا لم يكن أكبر جِرمًا من التمر، فإن كان أكبر .. اعتبر فيه الوزن جزمًا، كذا جزم به في (الشرح الصغير) هنا، وفي (الكبير) في آخر الباب.

وقال الجويني: محل الخلاف فيما كاله قوم ووزنه آخرون، أما ما اتفقوا فيه على شيء .. فهو أصله كالسكر؛ فإنه لم يكن بالمدينة واتفق الناس على وزنه.

وأغرب ابن أبي الدم فحكى وجهًا: أن السكر مكيل، ولعله أراد سكر الهند فهو كذلك يباع بها.

كل هذا فيما يتقدر، أما ما لا يتقدر بكيل ولا وزن كالبطيخ والرمان، وما يجفف من الثمار كالخوخ والمشمش ونحوهما .. فإنه يجوز بيع بعضه ببعض جزافًا، وفيه وجه ضعيف.

وأما في حال رطوبته .. فأصح القولين: منع بيع بعضه ببعض كما سيأتي في الكتاب.

قال: (والنقد بالنقد كطعام بطعام) في جميع ما سبق من الأحكام.

والمراد بالنقد هنا: الذهب والفضة.

والمطبوع والتبر والمصوغ والجيد والرديء والصحيح والمكسر في ذلك سواء.

ولا أثر لقيمة صنعته حتى لو اشترى بدنانير ذهبًا مصوغًا قيمته أضعاف الدنانير .. اعتبرت المماثلة ولا نظر إلى القيمة.

وبيع النقد بالنقد من جنسه ومن غير جنسه يسمى صرفًا.

قال ابن يونس: سمي بذلك؛ لصرف حكمه عن أحكام البيع، وعندي: أنه مشتق من (الصريف) وهو: الفضة.

قال الشاعر [من البسيط]:

بني غدانة ما إنْ أنتمُ ذهبًا .... ولا صريفًا ولكن أنتمُ خزفُ

ص: 66

وَلَوْ بَاعَ جِزَافًا تَخْمِينًا .. لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءً

ــ

وعلة الربا فيه: جنسية الأثمان غالبًا، وقيل: كونهما قيم الأشياء غالبًا.

وعند أبي حنفية: العلة فيهما كونهما موزونين من جنس واحد، فعداها إلى النحاس والرصاص وجميع ما يوزن في العادة.

فروع:

الأول: الفلوس إذا راجت رواج النقود .. لا يجري فيها الربا على الأصح.

الثاني: تصارفا على العين فخرج أحدهما نحاسًا .. فالنص –وعليه المعظم-: أنه باطل؛ تغليبًا للعبارة.

وقيل: يصح ويثبت الخيار؛ تغليبًا للإشارة إن كان له قيمة.

الثالث: اشترى منه دينارًا بعشرة وليس معه إلا خمسة فدفعها إليه ثم استقرضها منه ثم دفعها إليه عن بقية الثمن .. فوجهان:

أحدهما –وهو المنصوص فيه (الصرف)، وصححه الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهم-: الجواز، وهو الأصح في أكثر نسخ الرافعي وفي (شرحه الصغير).

ووقع في بعض نسخ (الكبير): أن الأصح: المنع، ومنها اختصر (الروضة). والصواب: الأول.

قال: (ولو باع جزافًا تخمينًا .. لم يصح وإن خرجا سواء) نقدًا كانا أو مطعومين، لأن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة.

وروى مسلم [1530]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الصبرة من التمر

ص: 67

وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ وَقْتَ الْجَفَافِ -وَقَدْ يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ أَوَّلًا-

ــ

لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر).

و (الجزاف) مثلث الجيم.

وقوله: (تخمينًا) أشار به إلى أنه لو باع جزافًا بغير تخمين كان أولى بالبطلان.

قال: (وتعتبر المماثلة وقت الجفاف)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع التمر بالرطب فقال: (أينقص الرطب إذا جف؟) قالوا: نعم، قال:(فلا إذًا) رواه مالك [1316] وأصحاب السنن.

فأشار صلى الله عليه وسلم بذلك إلى: أن المماثلة معتبرة حال الجفاف، هذا إذا كان مما يغلب تجفيفه كالحبوب وأكثر الرطب والعنب.

وإن كان أكثر منافعه حال الرطوبة وتجفيفه معتاد كالمشمش .. فأصح الأوجه: يمتنع رطبًا ويجوز يابسًا، وكذلك البطيخ حيث اعتيد تجفيفه.

قال: (وقد يعتبر الكمال أولًا) كذا بخط المصنف، وأشار به إلى العنب مثلًا؛ فإن كماله في كونه زبيبًا أو حال كونه خلًا، وكذا عصيرًا في الأصح.

فلو اقتصر على ما سبق لاقتضى أن لا كمال إلا حال كونه زبيبًا؛ لأنه حال جفافه، فنبه على أنه لا يعتبر وقت الجفاف مطلقًا بل قد يعتبر الكمال بغيره.

وقوله: (أولًا) تنبيه على أنا إذا اعتبرنا الكمال نكتفي بالكمال الأول كالعصير ولا يشترط الأخير كالخل، وكأنه قال: يعتبر الكمال ولو أولًا.

ويحتمل: أنه أشار بذلك إلى العرايا؛ فإن اعتبار الجفاف في التماثل وإن وجد، لكنه لم يوجد آخرًا، أي: عند الجفاف، وإنما وجد أولًا، أي: في حال الرطوبة فيباع حال رطوبته بمثله إذا جف.

ويحتمل أيضًا: إرادة اللبن؛ فإنه كامل في أول أحواله وهو حليب.

ص: 68

فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ وَلَا بِتَمْرٍ، وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا بِزَبِيبٍ. وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ لَا يُبَاعُ أَصْلًا، وَفِي قَوْلٍ: تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رَطْبًا.

ــ

قال: (فلا يباع رطب برطب)؛ للجهل بالمماثلة، وجوز المزني والأئمة الثلاثة بيع الرطب بالرطب.

قال: (ولا بتمر)؛ لتحقق التفاوت عند الجفاف، ومن هذا استثنى العرايا بالنص.

ويؤخذ من كلام المصنف: أنه لا يجوز بيع البسر بالبسر ولا الطلع بالطلع ولا أحدهما بالآخر.

وهكذا اللحم لا يباع رطبه برطبه ولا بقديده.

ولا يباع القصب بالقصب ولا بالسكر.

ومعلوم أنه إذا اختلف الجنس .. فلا منع.

قال: (ولا عنب بعنب ولا بزبيب)؛ لما تقدم، وكذا الحصرم بالحصرم لا يباع، ولا بالعنب وما أشبه ذلك.

قال: (وما لا جفاف له كالقثاء والعنب الذي لا يتزبب لا يباع أصلًا) أي: بعضه ببعض في حال رطوبته للجهل بالمماثلة.

فلو فرض تجفيفه على ندور .. ففي استمرار المنع وجهان.

قال: (وفي قول: تكفي مماثلته رطبًا) وهو اختيار ابن سريج؛ لأن معظم منافعه في حال رطوبته.

نعم؛ يرد على (المحرر) و (المنهاج) الزيتون؛ فإنه يباع بعضه ببعض وهو لا يتجفف وجعلوه حالة كماله، كما قاله صاحب (التقريب)، ووافقوه عليه.

أما المائعات كاللبن والدهن ونحوهما .. فكمالها كذلك في حال رطوبتها، لكنها لا ترد على المصنف؛ لأنه إنما تكلم في الحبوب والثمار.

و (القثاء) بكسر القاف وضمها وبالثاء المثلثة والمد.

ص: 69

وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَالْخُبْزِ، بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُبُوبِ: حَبًّا، وَفِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ: حَبًّا أَوْ دُهْنًا، وَفِي الْعِنَبِ: زَبِيبًا أَوْ خَلَّ عِنَبٍ،

ــ

قال: (ولا تكفي مماثلة الدقيق والسويق والخبز)؛ للجهل بتساويها، فلا يباع شيء من ذلك بمثله ولا بالآخر من جنسه ولا بالحب الذي أخذ منه، وكذا حكم جميع ما يتخذ من الحب كالجريش والعجين والنشاء والفتيت ونحوها، فلا يباع شيء من ذلك بمثله ولا بالآخر من جنسه ولا بالحب الذي أخذ منه، ويجوز بيع جميع ذلك بالنخالة؛ لأنها ليست ربوية.

وروى المزني: جواز الدقيق بالدقيق، واختاره الروياني إذا استويا في النعومة.

قال: (بل تعتبر المماثلة في الحبوب: حبًا) أي: بعد تناهي جفافه.

ويشترط: أن لا يكون مبلولًا ولا مقشورًا ولا معروضًا على النار، فإن جفف بعد البلل .. لم يجز أيضًا؛ لتفاوت انكماشه عند الجفاف.

والحنطة المسوسة أطلق الأئمة: جواز بيع بعضها ببعض.

قال الإمام: ولعله قبل أن تتآكل، فإن تآكلت وخلت أجوافها .. فالقياس القطع بالمنع كالمقلية والمبلولة.

قال: (وفي حبوب الدهن كالسمسم: حبًا أو دهنًا)؛ لأنهما غايته.

أما الكسب بالكسب، فإن كان مما يأكله الدواب .. جاز متفاضلًا ومتماثلًا مثل كسب القرطم، وإن كان مما يأكله الناس مثل كسب السمسم واللوز، فإن كان فيه خلط يمنع التماثل .. لم يجز، وإلا .. فيجوز على الأصح.

والشيرج والكسب جنسان يباع أحدهما بالآخر متفاضلًا خلافًا لابن الصباغ.

ولا يجوز بيع السمسم بالشيرج خلافًا لأبي ثور، وكذا كل دهن بأصله.

قال: (وفي العنب: زبيبًا أو خل عنب)؛ لأن كلًا منهما على هيئة الادخار.

ص: 70

وَكَذَا الْعَصِيرُ فِي الأَصَحِّ، وَفِي اللَّبَنِ: لَبَنًا أَوْ سَمْنًا أَوْ مَخِيضًا صَافِيًا، وَلَا يَكْفِي التَّمَاثُلُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ كَالْجُبْنِ وَالأَقِطِ. وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوِ الْقَلْيِ أَوِ الشَّيِّ

ــ

قال: (وكذا العصير في الأصح)؛ لأنه متهيئ لأكثر الانتفاعات.

وقد تقدم: أن المعيار في الخل والدهن واللبن وكل مائع الكيل.

قال: (وفي اللبن: لبنًا أو سمنًا أو مخيضًا صافيًا)؛ لأن كلًا منها مقصود، وسواء في اللبن الحليب والرائب والحامض.

ويجوز بيع المخيض بالمخيض إذا لم يكن فيهما ماء، وإنما يكال اللبن الحليب بعد سكون رغوته، والرائب يحوي الكيل منه أكثر من الحليب.

ولا يباع المغلي بالمغلي، فإن سخن من غير غليان .. جاز، قاله الروياني.

والزبد بالزبد لا يجوز بيعه على الأصح.

واحترز بـ (الصافي) عما فيه الماء، فلا يباع بمثله ولا بصاف.

واحترز أيضًا عما فيه زبد؛ فإنه لا يجوز بيعه بمثله ولا بما فيه زبد لم يزبد؛ لأنه يصير من قاعدة مد عجوة وليس ذلك لعدم كماله كما تُفهِم عبارة الكتاب.

قال: (ولا يكفي التماثل في سائر أحواله) أي: باقيها (كالجبن والأقط)، وكذلك المصل، وسواء الجبن اليابس والطري؛ لتأثيره بالنار.

و (الجبن) بضم الباء وإسكانها وتشديد النون مع الضم ثلاث لغات.

قال: (ولا تكفي مماثلة ما أثرت فيه النار بالطبخ أو القلي أو الشي)؛ لأن تأثير النار لا غاية له، وكذلك المعروض على النار للعقد كالدبس والسكر والفانيد والقند وعسل القصب والقطارة واللبأ .. ففي جواز بيع بعض هذا ببعض وجهان: أصحهما: المنع.

وقيل: إن طبخ الدبسان في قدر واحد جاز، ورد بأن النار تأخذ من أسفل القدر أكثر من أعلاه.

ص: 71

وَلَا يَضُرُّ تَاثِيرُ تَمْيِيزٍ كَالْعسَلِ وَالسَّمْنِ. وَإِذَا جَمَعَتِ الصَّفْقَةُ رِبَوِيًّا مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِنْهُمَا –كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ، وَكَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ- أَوِ النَّوْعُ؛ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا .. فَبَاطِلَةٌ.

ــ

قال: (ولا يضر تأثير تمييز كالعسل والسمن)؛ لأن نار التمييز نار لطيفة غالبًا ومحتاج إليها، ومن ذلك نار الذهب والفضة لتمييز الغش، فإن زيد على ذلك بأن انعقدت أجزاء السمن لم يجز بيع بعضه ببعض، وكذلك إذا قويت نار العسل بحيث نقص من أجزائه شيء .. امتنع بيع بعضه ببعض.

وأما الصفى بالشمس .. فحالته حالة كمال فيجوز بيع بعضه ببعض.

وقيل: لا يباع ما صفي في البلاد الحارة بها بما صفي في المعتدلة، ولا يجوز بيع الشهد بالشهد؛ لأن الشمع مانع من معرفة التماثل.

و (العسل) يذكر ويؤنث، والمراد به: عسل النحل وما يطلق عليه عسل من السكر وغيره مجاز، ويجوز بيعه بعسل النحل متفاضلًا.

أما ما لا يتأثر بالنار كالخل المغلي والماء المغلي .. فيباع بعضه ببعض.

والتمر إذا نزع نواه .. بطل كماله؛ لأنه يسرع إليه الفساد، فلا يباع منزوع النوى بما لم ينزع، ولا منزوع بمنزوع.

وبيع المشمش والخوخ المنزوعين فيه وجهان كالتمر، لكن الأصح هنا: الجواز.

قال: (وإذا جمعت الصفقة ربويًا من الجانبين واختلف الجنس منهما) أي: من الجانبين (كمد عجوة ودرهم بمد ودرهم، وكمد ودرهم بمدين أو درهمين، أو النوع؛ كصحاح ومكسرة بهما أو بأحدهما .. فباطلة) سواء كان المدان والدرهمان من ضرب واحد ونخلة واحدة أم لا على الأصح، وكذا إذا كان الاختلاف من أحدهما أيضًا كما صرح به في (المحرر).

ص: 72

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأصل هذه القاعدة ما رواه مسلم [1591] عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز ففصلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(لا يباع حتى يفصل).

فلو تعددت الصفقة بتفصيل الثمن بأن جعل الدرهم في مقابلة الدرهم والمد بالمد .. صح بالاتفاق.

وقوله: (واختلف الجنس) أي: جنس المبيع، ولو قال: واختلف المبيع جنسًا .. كان أحسن، وسواء كان الآخر ربويًا أم غيره كدرهم وثوب بدرهم أو بدرهمين وإن كان تمثيل الكتاب قد يُفهِم خلافَه.

نعم؛ قد يشترط كون الجنس الآخر مقصودًا؛ لأن الأصح: الصحة فيما إذا باع دارًا فيها بئر ماء عذب بمثلها وقلنا: إن الماء ربوي؛ لأنه تابع، وكذلك لو باع دارًا بذهب فظهر فيها معدن الذهب، بخلاف بيع دار سقفها مموَّه بذهب يحصل منه شيء بالعرض على النار بذهب، فإنه لا يصح؛ لأنه في الأولى تابع لمقصود الدار، كذا في (الشرح) و (الروضة) هنا، وسيأتي في (الأصول والثمار) إشكال على هذا إن شاء الله تعالى.

ولو باع حنطة بحنطة وفيهما أو في أحدهما حبات شعير .. لم يجز، وضبطه الإمام

ص: 73

وَيَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوانِ مِنْ جِنْسِهِ،

ــ

بما إذا كان الشعير قدرًا لو ميز لظهر في المكيال، وإلا .. لم يضر.

ولو كان فيهما أو في أحدهما قليل تراب .. جاز.

وقوله: (أو النوع كصحاح ومكسرة) كان الأحسن أن يقول: كالمعقلي والبرني؛ فإن الصحة والتكسير اختلاف صفة لا اختلاف نوع وإن كان اختلاف الصفة أيضًا مضرًا.

و (العجوة): نوع من التمر، قال الجوهري: إنه من أجود تمر المدينة، ونخلها يسمى اللينة، وهو أكبر من الصيحاني يضرب إلى سواد.

قال ابن الأثير: إنه من غرس النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي (فروق الشيخ أبي محمد): أحصينا من أنواع تمر المدينة مئة وعشرين نوعًا.

وفي (تاريخ البخاري)[5/ 112] بسنده إلى بريدة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير تمركم البرني).

غريبة:

قال محمد بن عبد الرحمن الحضرمي في كتاب (الإكمال لما في التنبيه من الإشكال): لو باع أمة ذات لبن بلبن .. جاز، بخلاف شاة في ضرعها لبن بلبن.

والفرق: أن لبن الشاة في الضرع له حكم العين فلهذا لا يجوز عقد الإجارة عليه، ولبن الآدمية ليس له حكم العين بل هو كالمنفعة ولذلك جاز عقد الإجارة عليه، وهو نقل غريب وتعليل حسن.

قال: (ويحرم بيع اللحم بالحيوان من جنسه)؛ لما روى الشافعي [1/ 250] رضي الله عنه عن مالك عن سعيد بن المسيب قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان)، وتابعه البغوي والبيهقي.

ص: 74

وَكَذَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ مَاكُولٍ وَغَيْرِهِ فِي الأَظْهَرِ

ــ

وروى الحاكم [2/ 35] عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع الشاة باللحم) وقال: رواته أئمة حفاظ ثقات، وصحح البيهقي إسناده [5/ 296].

وقال المزني: القياس الجواز إن لم يثبت الحديث، ونقله ابن الصلاح في (رحلته) قولًا عن بعض شراح (الوسيط).

قال: (وكذا بغير جنسه من مأكول وغيره في الأظهر)؛ لعموم النهي.

والثاني: لا يحرم.

أما المأكول .. فبالقياس على بيع اللحم باللحم، وأما غيره .. فلأن سبب المنع بيع مال الربا بأصله المشتمل عليه ولم يوجد ذلك.

فروع:

في بيع الشحم والألية والقلب والطحال والكلية والرئة والكبد بالحيوان والسنام بالبقر ولحم السمك بالشاة .. وجهان: أصحهما: البطلان، ويجريان في بيع الحيوان بجلد لم يدبغ، فإن دبغ .. جاز جزمًا، وكذا بيع الحيوان بالعظم، وعلله الروياني بأنه لا ربا في الجلد ولا في العظم.

وجوز الماوردي بيع اللبن بالحيوان، وحكى وجهين في اللحم بالسمك الحي، وجه الجواز: أن حيه كميتته.

ويجوز بيع البيض بالدجاج ولا يجوز بيع دجاجة فيها بيض ببيض في أشهر الطريقين.

تتمة:

يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز في قشره، وتقدم: أن معيارهما الكيل.

ويجوز بيع لب الجوز بلب الجوز ولب اللوز بلب اللوز على الأصح.

ص: 75

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا يجوز بيع العلس بالعلس في قشريه ولا في قشره الأسفل، ولا بيع الأرز بالأرز في قشريه أيضًا، ويجوز في قشرته السفلى.

*

*

*

خاتمة

إذا أراد بيع مال ربوي بجنسه بأكثر منه .. فله طرق:

أحدها: توسط عقد آخر، كما إذا أراد شراء دراهم صحاحًا بمكسرة أكثر من وزنها فيبيع الدراهم بدنانير والدنانير بدراهم، أو بعرض آخر، ثم إذا تقابضا وافترقا أو تخايرا .. اشترى بتلك الدراهم أو بذلك العرض المكسرة فيصح شراؤه، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عامل خيبر وهو سويد بن غزية:(أن يبيع الجمع بالدراهم ثم يبتاع بها جَنِيبًا) متفق عليه [خ7351 - م1593].

و (الجَنِيبُ) و (الجَمْعُ) نوعان من التمر: الأول: جيد، والثاني: رديء.

ولا فرق بين أن يتخذ ذلك عادة أو لا يتخذه عادة، خلافًا لمالك حيث قال: يجوز مرة واحدة، ولا يجوز إذا اتخذه عادة.

الثاني: أن يقترض كل منهما ماله من صاحبه ثم يبرئ كل منهما ذمة الآخر.

الثالث: أن يهب كل منهما من الآخر.

الرابع: أن يبيع الصحاح بزنتها من المكسرة ويهبه صاحبها الفاضل، فيجوز ذلك كله إذا لم يشترط في اقتراضه وبيعه وهبته ما يفعله الآخر لكنه يكره.

*

*

*

ص: 76