المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابٌ الْعَبْدُ إِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ .. لَا يَصِحُّ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌بَابٌ الْعَبْدُ إِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ .. لَا يَصِحُّ

‌بَابٌ

الْعَبْدُ إِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ .. لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فِي الأَصَحِّ، وَيَسْتَرِدُّهُ الْبَائِعُ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَوْ سَيِّدِهِ

ــ

باب

ترجمه الشافعي رضي الله عنه بـ (باب مداينة العبيد)، ولا شك أن العبد محجور عليه لحق السيد فلا يصح تصرفه إلا بإذنه كما سيأتي.

قال الإمام: تصرفات الرقيق ثلاثة أقسام:

الأول: ما لا ينفذ وإن أذن السيد فيه كالولايات والشهادات.

والثاني: ما ينفذ بغير إذن السيد كالعبادات والطلاق ونحوهما.

والثالث: ما يتوقف على الإذن كالبيع والإجارة.

قال: (العبد إن لم يؤذن له في التجارة .. لا يصح شراؤه بغير إذن سيده في الأصح)؛ لأنه محجور عليه لنقص فأشبه السفه، ولأنه لو صح .. فإما أن يثبت الملك له وليس أهلًا لذلك، أو للسيد بعوض في ذمته ولم يرض به، أو في ذمة العبد وهو ممتنع؛ لما فيه من حصول أحد العوضين لغير من يلزمه الآخر.

والثاني: يصح، وبه قال أبو حنيفة وابن أبي هريرة وابن أبي عصرون، ونسبه الماوردي إلى الجمهور؛ لأنه يعتمد الذمة ولاحجر على ذمته، وإذا قلنا بهذا .. فهل الملك له أو للسيد؟ فيه وجهان: قطع المتولي بالثاني، والإمام بالأول.

والخلاف كالخلاف فيما إذا اشترى المفلس شيئًا بثمن في ذمته، لكن الأصح هناك: الصحة كما سيأتي، والخلاف جار في عقود المعاوضات كلها خلا النكاح.

ولو كان لرجلين عبد فأذن له أحدهما في التجارة .. لم يصح حتى يأذن الآخر.

قال: (ويسترده البائع سواء كان في يد العبد أو سيده)؛ لأنه باق على ملكه، ولو أدى الثمن من مال السيد .. فله استرداده أيضًا.

ص: 227

فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ .. تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ، أَوْ فِي يَدِ السَّيِّدِ .. فَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُهُ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ. واقْتِرَاضُهُ كَشِرَائِهِ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ .. تَصَرَّفَ بِحَسَبِ الإِذْنِ،

ــ

وعبارة الكتاب فيها خلل؛ لحذف الهمزة من (أكان) والإتيان بـ (أو) موضع (أم).

قال: (فإن تلف في يده .. تعلق الضمان بذمته)؛ لأنه ثبت برضا مستحقه ولم يأذن السيد فيه، فأتبع به إذا عتق، فإن صححنا شراءه .. فالثمن في ذمته بلا خلاف؛ لرضا صاحبه وعدم إذن السيد.

قال: (أو في يد السيد .. فللبائع تضمينه)؛ لأنه وضع يده عليه.

قال: (وله) أي: للبائع (مطالبة العبد بعد العتق)؛ لتعلقه بذمته، لا قبل العتق؛ لأنه معسر، ولو أدى الثمن من مال السيد .. فله استرداده.

قال: (واقتراضه كشرائه) في الخلاف وجميع ما سبق؛ لأنه عقد معاوضة مالية فكان كالشراء، وكذلك ضمانه، وسيأتي: أن الأصح في الثلاثة: المنع.

والأصح: صحة قبوله الهبة والوصية بغير إذن السيد، فلو اشترى أو باع لغيره وكالة بغير إذن .. لم يصح في الأصح؛ لأن منافعه مستحقة للسيد، ولو أعطاه أجنبي متاعًا ليحمله بغير إذن مولاه أو استعمله في شغل بغير إذنه فهرب أو مات في الطريق .. ضمنه.

وله بإذنٍ إجارة نفسه، وكذا بيعها ورهنها في الأصح.

قال: (وإن أذن له في التجارة .. تصرف بحسب الإذن)؛ لأن المنع كان لأجل السيد وقد ارتفع بإذنه، وأما كونه بحسب الإذن .. فكالمضارب.

ويستفيد بالإذن في التجارة كل ما دخل تحت اسمها وما هو من لوازمها، كالنشر، والطي، وحمل المتاع إلى الحانوت، والرد بالعيب، وتسليم المبيع، وقبض

ص: 228

فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ .. لَمْ يَتَجَاوَزْهُ، وَلَيْسَ لَهُ النِّكَاحُ، وَلَا يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، وَلَا يَاذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا يَتَصَدَّقَ، وَلَا يُعَامِلَ سَيِّدَهُ. وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبَاقِهِ،

ــ

الثمن، والمخاصمة في العهدة، كذا ذكروه.

ويشبه أن يأتي فيه ما في عامل القراض من الخلاف.

ولا يبيع نسيئة ولا بدون ثمن المثل بقدر لا يتغابن به.

هذا إذا دفع إليه السيد مالًا، أما إذا قال: اتجر ولم يعطه مالًا .. فإنه يجوز كالوكيل، وله في هذه الحالة البيع والشراء بالنسيئة، فإن فضل في يده شيء .. كان كما لو دفع إليه المال.

قال: (فإن أذن له في نوع .. لم يتجاوزه) كعامل القراض، وكذا لو أذن له في التجارة شهرًا أو سنة .. لم يصر مأذونًا بعد تلك المدة، خلافًا لأبي حنيفة فيهما.

قال: (وليس له النكاح) كما أن المأذون له في النكاح ليس له أن يتجر؛ لأن اسم كل منهما غير متناول للآخر.

قال: (ولا يؤجر نفسه)؛ لأن مطلق الإذن في التجارة لا يتناول ذلك، أما عبيد التجارة .. فالأصح: أن له إيجارهم؛ لأن التجار يعتادون ذلك.

وأعرب الشيخ (يؤجرَ) بفتح الراء عطفًا على المصدر، وتقديره: أن ينكح ويؤجر.

قال: (ولا يأذن لعبده في التجارة) المراد: إذا اشترى المأذون عبدًا للتجارة وأراد أن يأذن له في التجارة .. لم يجز؛ لأن السيد لم يأذن فيه، وجوزه أبو حنيفة.

قال: (ولا يتصدق)؛ لأنه غير مالك ولا متبرع، وكذلك لا يتخذ دعوة للمجهزين كما يفعله التجار؛ لأنه نوع هبة، وخالف فيه أبو حنيفة أيضًا.

قال: (ولا يعامل سيده)؛ لأن تصرفه للسيد بخلاف المكاتب.

قال: (ولا ينعزل بإباقه) بل له أن يتصرف على الأصح في البلد الذي انتقل إليه؛ لأن الأصل استمرار الإذن والإباق معصية لا توجب الحجر، اللهم إلا أن يخص السيد

ص: 229

وَلَا يَصِيرُ مَاذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ عَلَى تَصَرُّفِهِ، وَيُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ. وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ عَبْدٍ .. لَمْ يُعَامِلْهُ حتَّى يَعْلَمَ الإِذْنَ بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ،

ــ

التصرف بالبلد الأول؛ فإنه لا يتصرف بغيره.

وقال أبو حنيفة: ينعزل بالإباق والخروج عن الطاعة، ووافقنا على: أنه لو أذن له في النكاح فأبق .. لا يبطل الإذن.

ولو أذن لأمته في التجارة ثم استولدها .. لم تنعزل قطعًا، خلافًا لأبي حنيفة، ووقع في (الروضة) و (الجواهر): لم تنعزل على الصحيح، فأشعر بوجه لا وجود له في شيء من كتب المذهب.

قال: (ولا يصير مأذونًا له بسكوت سيده على تصرفه) وكذا لو رآه يتزوج فسكت .. لا يكون إذنًا؛ لما اشتهر عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: لا ينسب إلى ساكت قول.

قال: (ويقبل إقراره بديون المعاملة)؛ لأنه قادر على الإنشاء سواء أقر لأبيه أو ابنه أو أجنبي.

وقال أبو حنيفة: لا يقبل إقراره لأصله وفروعه، والمصنف أعاد المسألة في (الإقرار).

قال: (ومن عرف رق عبد .. لم يعامله حتى يعلم الإذن بسماع سيده أو بينة أو شيوع بين الناس)؛ لأن الأصل عدم الإذن، فإن عامله ثم ظهر أنه مأذون .. فكما لو باع مال أبيه على ظن حياته فإذا هو ميت.

وكان ينبغي للمصنف أن يقول: ومن عرف رق شخص؛ لأن العبد معلوم الرق.

واحترز بقوله: (ومن عرف) عمن جهل رق شخص وحريته.

وفي جواز معاملته قولان: أظهرهما: الجواز؛ لأن الأصل والغالب الحرية.

ومحل هذا الخلاف في غير الغريب، فإن كان غريبًا .. جازت معاملته جزمًا؛ للحاجة.

ص: 230

وَفِي الشُّيُوعِ وَجْهٌ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ

ــ

وأطلق المصنف (العلم) ومراده: الظن الغالب، لكن عبارته تقتضي: أنه لا يجوز بخبر عدل واحد.

قال الشيخ: وينبغي أن يجوز؛ لأنه يحصل الظن وإن كان لا يكفي عند الحاكم، كما أنه يكتفى بسماعه من سيده والشيوع ولا يثبت بذلك عند الحاكم.

ولو عرف كونه مأذونًا فعامله ثم امتنع من التسليم إليه حتى يشهد على الإذن .. فله ذلك؛ خوفًا من إنكار السيد، كما لو صدق مدعي الوكالة بقبض الحق ثم امتنع من التسليم إليه حتى يشهد الوكيل على الوكالة.

قال: (وفي الشيوع وجه)؛ لأن الحجر محقق وزواله مشكوك فيه.

قال: (ولا يكفي قول العبد) أي: إنه مأذون؛ لأن الأصل عدمه، فأشبه ما إذا قال الراهن: أذن المرتهن في بيع المرهون.

ولو علمه مأذونًا، فقال العبد: حجر عليَّ سيدي .. لم تجز معاملته ولو كذبه السيد في الأصح؛ لأنه العاقد وهو يقول: العقد باطل.

ولو عزل المأذون نفسه .. لم ينعزل؛ لأن التصرف حق للسيد فلا يقدر على إبطاله، بخلاف الطلاق، فإنه يملكه؛ لأن النفع في النكاح له، وبخلاف الوكيل؛ لأنه ليس عليه طاعة الموكل وعلى العبد طاعة السيد.

ولو باع السيد العبد المأذون أو أعتقه .. فالأصح: انعزاله، وفيما إذا كاتبه وجهان.

ص: 231

فَإِنْ بَاعَ مَاذُونٌ لَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ، فَتَلِفَ فِي يَدِهِ، فَخَرَجَتِ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً .. رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِبَدَلِهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ السَّيِّدِ أَيْضًا، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ .. فَلَا. وَلَوِ اشْتَرى سِلْعَةً .. فَفِي مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِثَمَنِهَا هَذَا الْخِلَافُ. وَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِرَقَبَتِهِ، وَلَا ذِمَّةِ سِيِّدِهِ،

ــ

ولو دبره أو رهنه .. لم يبطل الإذن جزمًا.

قال: (فإن باع مأذون له وقبض الثمن، فتلف في يده، فخرجت السلعة مستحقة .. رجع المشتري ببدله) أي: ببدل الثمن (على العبد)؛ لأنه المباشر للعقد فالعهدة تتلعق به.

وقيل: لا رجوع عليه؛ لأن يده يد السيد.

وفي نسخة المصنف: ببدلها، أي: ببدل العين، وهو سهو، والذي في (المحرر) و (الروضة): ببدله، وهو الصواب.

قال: (وله مطالبة السيد أيضًا)؛ لأن العقد له، فكأنه البائع والقابض.

قال: (وقيل: لا)؛ لأن السيد جعله بالإذن مستقلًا.

قال: (وقيل: إن كان في يد العبد وفاء .. فلا)؛ لحصول غرض المشتري، وإلا .. فيطالب.

قال: (ولو اشترى سلعة .. ففي مطالبة السيد بثمنها هذا الخلاف)؛ للمعاني المذكورة.

قال: (ولا يتعلق دين التجارة برقبته)؛ لأن ما يثبت برضا المستحق لا يتعلق بالرقبة.

قال: (ولا ذمة سيده)؛ لأنه وجب بمعاوضة مقصودة أذن فيها السيد فوجب أن يكون متعلقًا بالكسب كالنفقة في النكاح.

ووقع في (الشرح) و (الروضة) و (المحرر) كما في الكتاب: أنه لا يتعلق بذمة السيد، وهو مخالف لقوله قبل هذا: إنه يطالب السيد ببدل الثمن التالف في يد

ص: 232

بَلْ يُؤَدَّى مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ، وَكَذَا مِنْ كَسْبهِ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ فِي الأَصَحِّ. وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي الأَظْهَرِ

ــ

العبد وبثمن السلعة التي اشتراها أيضًا.

قال في (المطلب): ولا يجمع بينهما بحمل الأول على مجرد المطالبة والثاني على بيان محل الدفع؛ فإن الوجه الثالث –القائل بأنه إن كان في يد العبد وفاء .. لم يطالب، وإلا .. طولب- يأبى ذلك.

قال في (المهمات): وسبب هذا التناقض: أن المذكور أولًا طريقة الإمام وهي ضعيفة، وثانيًا طريقة الأكثرين، فجمع الرافعي بينهما فلزم ما لزم.

قال: (بل يؤدى من مال التجارة) سواء فيه الربح ورأس المال؛ لاقتضاء العرف والإذن ذلك.

قال: (وكذا من كسبه باصطياد ونحوه في الأصح) كما يتعلق به المهر ومؤن النكاح، ثم ما فضل يكون في ذمته يتبع به إذا عتق.

والثاني: لا، كسائر أموال السيد.

وحيث بقي عليه شيء .. تعلق بذمته، والأصح: أنه لا يتعلق بكسبه بعد الحجر.

قال: (ولا يملك العبد بتمليك سيده في الأظهر) كما لا يملك بالإرث وتمليك غير السيد، ولأنه مملوك فأشبه البهيمة، وهذا هو الجديد، وبه قال أبو حنيفة.

والقديم: يملك، وبه قال مالك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(من باع عبدًا وله مال) فأضاف المال إليه.

ص: 233

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعن أحمد روايتان كالقولين.

فلو عبر المصنف بالجديد .. كان أولى؛ لأن مقابله قديم.

تتمة:

إذا قلنا بالقديم .. فهو ملك ضعيف لا بتجب فيه الزكاة على العبد ولا على السيد، فإن ملكه جارية وقلنا بالقديم .. فللعبد أن يطأها بإذن السيد في الأصح، وهل يحتاج إلى قبول من العبد على القول القديم؟ وجهان مبنيان على إجباره على النكاح، قاله المتولي.

* * *

خاتمة

لو قال السيد له: ملكتك ما تحتطب وتصطاد وتتهبه .. لم يملك عند وجود هذه الأسباب وإن قلنا: يملك بتمليك سيده.

وإذا مات المأذون وعليه ديون مؤجلة وفي يده مال .. حلت كما تحل بموت الحر، أفتى به القاضي حسين.

وإذا استودع بغير إذن وأتلفها .. تعلق الغرم برقبته في الأصح، ووقع في (الحاوي الصغير): أنه في كسبه كالمهر والنفقة، والله أعلم.

* * *

ص: 234