الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
بَاعَ خَلًّا وَخَمْرًا، أَوْ عَبْدَهُ وَحُرًّا، أَوْ وعَبْدَ غَيْرهِ، أَوْ مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إِذْنِ الآخَرِ .. صَحَّ فِي مِلْكِهِ فِي الأَظْهَرِ،
ــ
و (العربون) أعجمي معرب، وفيه ست لغات: أفصحهن: فتح العين والراء، وضم العين وإسكان الراء، وعُرْبان بالضم والإسكان أيضًا، وإبدال العين همزة مع الثلاثة.
ومن لحن العوام (عَرْبون) بفتح العين وإسكان الراء.
تتمة:
يحرم الاحتكار والتسعير على الأصح فيهما.
فـ (الاحتكار): أن يشتري القوت وقت الغلاء ليبيعه فيه بأزيد مما اشتراه به، ولا بأس أن يشتري به وقت رخصه ليبيعه وقت الغلاء، ولا أن يمسك غلة ضيعته ليبيعها وقت الغلاء، لكن الأولى أن يبيع ما فضل عن كفايته، فإن كان بالناس ضرورة وعنده ما يفضل عن قوته وقوت عياله سنة .. وجب عليه بيع الفضل، فإن لم يفعل .. أجبر عليه.
و (التسعير): بأن يأمر الإمام أو نائبه أهل السوق أن لا يبيعوا بضائعهم إلا بكذا.
وقيل: يكره ذلك.
وقيل: يجوز بزمن الغلاء دون الرخص، ويلحق بالأقوات علف الدواب في الأظهر وإذا سعر فخالف وباع .. عزر، وفي صحة البيع وجهان، حكاهما المتولي.
قال المصنف: قلت: الأصح: صحة البيع.
وإنما لم يذكر المصنف تحريم الاحتكار والتسعير؛ لأن كلامه في العقد المنهي عنه، والنهي فيهما ليس راجعًا إلى العقد.
قال: (فصل:
باع خلًا وخمرًا، أو عبده وحرًا، أو وعبد غيره، أو مشتركًا بغير إذن الآخر .. صح في ملكه في الأظهر) ضمن المصنف هذا الفصل حكم تفريق الصفقة، وهي اسم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للعقد، وتفريقها على ثلاثة أقسام:
الأول: في الابتداء، ومنه الأمثلة التي ذكرها المصنف.
والثاني: في الدوام، كما إذا تلف أحد العبدين قبل القبض.
والثالث: في اختلاف الأحكام، كالجمع بين البيع والإجارة.
فابتدأ بالتفريق في الابتداء، فإذا باع ما يملكه وما لا يملكه .. صح في ملكه في الأظهر؛ قصرًا للفساد على الفاسد، وهذا هو العدل، كمن باع شقصًا وسيفًا تثبت الشفعة في الشقص إفرادًا لكل واحد بحكمه، وإلى هذا ذهب المزني.
والثاني: يبطل فيهما، والأصح في تعليله: أن اللفظة الواحدة جمعت حرامًا وحلالًا فغلب الحرام، وهذا القول صححه الربيع وقال: إنه آخر قولي الشافعي.
وقال في (المهمات): إنه المعتمد المفتى به، وإن الذي صححه الشيخان من الصحة خلاف مذهب الشافعي.
وصورة المسألة: أن يقول: بعتك هذين الخلين أو العبدين أو هذين، فلو قال: بعتك هذا الخل والخمر أو العبد والحر .. بطل جزمًا، واختار الشيخ أنه لا فرق.
تنبيهات:
أحدها: أقرب صور الكتاب إلى الصحة الأخيرة، إذا قيل: يصح فيها قطعًا، ثم التي قبلها، ثم التي قبلها، وأبعدها الأولى: لأن الخمر لا تقوم إلا بتقدير تغيير في خلقها.
وقيل: لا يصح في الأوليين قطعًا، ولهذا رتبها المصنف كذلك.
الثاني: خلاف تفريق الصفقة يجري في كثير من أبواب البياعات والإجارات والأنكحة والشهادات، وغيرها مما ليس مبنيًا على السراية والتعليق، فأما ما كان مبنيًا
فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إِنْ جَهِلَ، فَإِنْ أَجَازَ .. فَبِحِصَّتِهِ مِنَ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا،
ــ
على ذلك كالطلاق والعتق .. فيصح بلا خلاف، فلو طلق امرأته أربعًا أو أعتقها هي وأجنبية .. نفذ في الذي يملكه بالإجماع.
الثالث: يستثنى ما إذا أجر الراهن العين المرهونة مدة تزيد على محل الدين.
وإذا استعار شيئًا ليرهنه بدين فزاد عليه .. فالأصح فيهما: البطلان في الجميع.
وإذا فاضل في الربويات، أو زاد في خيار الشرط على ثلاثة أيام، أو في العريا على القدر الجائز .. بطل في الجميع جزمًا.
وإذا أوصى من لا وارث له بأكثر من الثلث .. صحت في الثلث من غير تخريج على الخلاف.
قال: (فيتخير المشتري إن جهل)؛ لتبعيض الصفقة عليه، وهذا الخيار على الفور؛ لأنه خيار نقص، قاله ابن الرفعة.
واحترز عما إذا كان عالمًا؛ فإنه لا خيار له، وفيما يلزمه القولان الآتيان، وقيل: يجب الجمع قطعًا.
قال: (فإن أجاز .. فبحصته من المسمى باعتبار قيمتهما)؛ لأنه جعل الثمن في مقابلتهما فيقدر الحر عبدًا قطعًا، والخنزير شاة على الأصح، والخمر خلًّا كما صححه في زوائد (الروضة)، وقيل: عصيرًا، وهو الأشهر في (شرح المهذب).
فإن كان المملوك يساوي مئة والآخر يساوي مئتين .. فالمجموع ثلاث مئة، حصة المملوك منها الثلث، فيؤخذ ثلث المسمى في العقد، فإن كان اشتراهما بمئة وخمسين .. أوجبنا خمسين، وإن اشتراهما بست مئة .. أوجبنا مئتين.
وأشار بقوله: (باعتبار قيمتهما) إلى أن المسألة مفروضة فيما إذا كان الذي لا يصح فيه العقد له قيمة عند بعض الناس؛ بأن يكون مقصودًا كالخمر، فإن لم يكن مقصودًا كالدم والحشرات .. كانت الإجازة بالجميع.
وَفِي قَوْلٍ: بِجَمِيِعِهِ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ .. لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الآخَرِ عَلَى الْمذْهَبِ، بَلْ يَتَخَيَّرُ
ــ
قال: (وفي قول: بجميعه)؛ لأنه لغا ذكر المضموم فيقع في مقابلة الصحيح.
وفي قول ثالث: إن كان المبيع مما يتقسط الثمن على أجزائه كالمشترك .. وجب القسط، وإن تقسط على قيمته كالعبدين .. وجب المسمى.
وفي رابع: إن كان الآخر له قيمة كعبد الغير .. وجب القسط، وإن لم يكن كالخمر .. وجب المسمى؛ لعدم إمكان التوزيع.
تنبيه:
أطلق المصنف الخلاف، ومحله في غير الربوي، أما الربوي، فإذا خرج بعض أحد العوضين فيه مستحقًا وصححنا العقد في الباقي .. فالواجب حصته بلا خلاف؛ لأن الفضل بينهما حرام.
قال: (ولا خيار للبائع)؛ لتفريطه حيث باع ما لا يملك وطمع في استحقاق ما لا يستحق، وقيل: يثبت له الخيار إذا أوجبنا القسط.
قال: (ولو باع عبديه فتلف أحدهما قبل قبضه .. لم ينفسخ في الآخر على المذهب) هذا هو القسم الثاني من تفريق الصفقة وهو تفريقها في الدوام، وإنما لم ينفسخ العقد في الثاني؛ لأنه لم يجمع بين حلال وحرام.
والطريق الثاني: يتخرج على القولين فيما إذا باع ما يملكه وما لا يملكه؛ تنزيلًا للطارئ قبل القبض منزلة المقارن للعقد كما سوينا بينهما في الرد بالعيب.
قال: (بل يتخير) كما في الابتداء؛ لفوات مقصوده، وهذا راجع إلى الصور الثلاث.
هذا إذا كان الآخر في يد البائع أو يد المشتري باقيًا، فإن كان في يده تالفًا ..
فَإِنْ أَجازَ .. فَبِالْحِصَّةِ قَطْعًا. وَلَوْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ مْخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ كَإِجَارَةٍ وَبَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ .. صَحَّا فِي الأَظْهَرِ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَتِهِمَا،
ــ
فالأصح في (تعليق القاضي): أنه لا خيار له.
فعلى هذا: عليه حصته من الثمن.
والثاني: له الفسخ ويرد قيمته.
قال: (فإن أجاز .. فبالحصة قطعًا)؛ لأن الثمن قد يوزع عليهما في الابتداء.
وقوله: (قطعًا) تبع فيه (المحرر)، وكان الصواب: أن يعبر بالمذهب؛ لأن الشيخ أبا إسحاق المروزي طرد فيها القولين في عبده وعبد غيره.
قال: (ولو جمع في صفقة مختلفي الحكم كإجارة وبيع أو سلم .. صحا في الأظهر، ويوزع المسمى على قيمتهما) هذا تفريق الصفقة في اختلاف الأحكام.
مثال الإجارة والبيع: أجرتك داري شهرًا وبعتك عبدي هذا بكذا.
ومثال الإجارة والسلم: أجرتك داري شهرًا وبعتك صاع قمح في ذمتي سلمًا بكذا.
فهذه العقود مختلفة الحكم؛ لأن التأقيت في الإجارة شرط وهو في البيع مبطل، والسلم يشترط فيه قبض رأس المال في المجلس دون البيع.
ونظير ذلك: البيع والصرف؛ لأن التفرق قبل التقابض يبطل الصرف دون البيع.
وكذلك البيع والنكاح؛ لأن النكاح لا يفسد بفساد العوض بخلاف البيع.
إذا تقرر هذا: فوجه الصحة القياس على ما إذا باع ثوبًا وشقصًا من دار؛ فإنه يجوز وإن اختلفا في حكم الشفعة واحتجنا إلى التقويم بسببها.
ووجه البطلان: أن اختلاف الأحكام قد يعرض بسببه ما يوجب الفسخ فيحوج إلى التوزيع وتلزم منه الجهالة.
وأشار المصنف بـ (الإجارة والسلم) إلى أن شرط العقدين أن يكونا لازمين، فلو
أَوْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ .. صَحَّ النِّكَاحُ، وَفِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ. وَتَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَن كَبِعْتُكَ ذَا بِكَذَا، وَذَا بِكَذَا، وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ،
ــ
جمع بين بيع وجعالة .. لم يصح قطعًا.
ولم يعبر المصنف بعقدين مختلفي الحكم كما في (المحرر) و (الشرح) و (الروضة) و (التنبيه)؛ لئلا يرد عليه البيع والصرف، وما إذا باع عبدين وشرط الخيار في أحدهما دون الآخر، أو شرط في أحدهما يومًا وفي الآخر يومين؛ فإن ذلك كله عقد واحد، ومع ذلك فيه القولان لاختلاف الحكم.
قال: (أو بيع ونكاح .. صح النكاح)؛ لأنه لا يفسد بفساد الصداق، وهذه مكررة في (الصداق).
وصورتها: أن يتحد المستحق؛ بأن يقول: زوجتك بنتي وبعتك عبدها بكذا، إذا كانت تحت حجره أو وكلته في البيع، أو زوجتك أمتي وبعتك عبدي بكذا، إذا كان ممن تحل له الأمة.
قال: (وفي البيع والصداق القولان) أصحهما: الصحة، فيوزع على قيمة المبيع ومهر المثل كما سيأتي في (الصداق).
وإن قلنا: لا يصحان .. سقط جميع المسمى ووجب في النكاح مهر المثل.
وإن جمع بين بيع وخلع .. صح الخلع، وفي المسمى والبيع القولان.
قال: (وتتعدد الصفقة بتفصيل الثمن، كبعتك ذا بكذا، وذا بكذا) سواء فصل المشتري القبول كذلك أم لا على المذهب، فإن فصل الثمن كتفصيل البائع .. صح قطعًا؛ لانتفاء الجهالة، وإن قال: قبلتهما .. فهي متحدة.
قال: (وبتعدد البائع) كما إذا قالا: بعناك ذا بكذا، فإن قبل نصيبهما جملة .. صح قطعًا، وإن قبل نصيب أحدهما واقتصر عليه .. لم يصح في الأصح عند
وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ وَكَّلَاهُ أَوْ وَكَّلَهُمَا .. فَالأَصَحُّ: اعْتِبَارُ الْوَكِيلِ
ــ
الرافعي؛ لاقتضائه جوابهما، وصحح الشيخ الصحة تبعًا للمتولي، ولم يترددوا في التعدد بتعدد البائع، وحكوا وجهين في أنه: هل لأحدهما أن ينفرد بأخذ شيء من ثمنه؟ أصحهما: نعم.
ولو اشترى شقصين من اثنين .. فللشفيع أخذ نصيب أحدهما في الأصح.
ولو اشترى في العريا تسعة أوسق من اثنين .. صح في الأصح.
قال: (وكذا بتعدد المشتري في الأظهر) كقوله: بعتكما هذا بكذا، فتتعدد الصفقة قياسًا على تعدد البائع.
والثاني: لا تتعدد، كما ليس لأحدهما إفراد حصته بالرد، فأما إذا قلنا بالتعدد فقبل أحدهما دون الآخر .. لم يصح على الأصح عند الشيخين والبغوي؛ لعدم المطابقة.
والذي جزم به الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي والبندنيجي والجرجاني، ورجحه المتولي والإمام والغزالي والروياني وابن الرفعة والشيخ: الصحة؛ لأنه لو توقفت صحة قبول أحدهما على الآخر .. لما صح العقد.
ولو اشترى اثنان من اثنين .. فهو في حكم أربعة عقود.
ولا يخفى: أن الصفقة في العرايا والشفعة تتعدد بتعدد المشتري قطعًا وبتعدد البائع على الأصح، عكس المقرر هنا.
قال: (ولو وكلاه أو وكلهما .. فالأصح: اعتبار الوكيل)؛ لأن أحكام العقد من اشتراط الرؤية وثبوت خيار المجلس وغيرهما تتعلق به لا بالموكل.
والثاني: الاعتبار بالمعقود له؛ لأن مرجع أمر العقد إليه، وهذا هو الأصح في (الوجيز) وبعض نسخ (المحرر).
وقد اعتذر المصنف عنه في (الدقائق).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثالث: أن النظر في جانب الشراء إلى الوكيل، وفي جانب البيع إلى الموكل.
والرابع: عكسه.
كل هذا في غير الشفعة والرهن؛ ففيهما الاعتبار بالموكل لا بالوكيل.
تتمة:
من المناهي الداخلة في هذا القسم: مبايعة من في يده الحلال والحرام كالظلمة والمكاسين والمنجمين والذي يضرب بالشعير والحصى والرمل والمشعبذ، فكل ما يأخذه هؤلاء بهذا الفعل حرام.
وتكره مبايعتهم سواء كان الحرام أكثر أم الحلال، فإن استويا .. صح، وإن تحقق أن ما يأخذه حرام .. لم تصح المبايعة، وإن تحقق حله .. لم يكره.
وخصص الشيخ عز الدين الكراهة بما إذا كان ذلك من جنس الحرام الذي يكتسبه، فإن كان من غيره .. فلا بأس به وإن تردد في أنه اشتراه به.
وحرم مالك رضي الله عنه معاملة من أكثر ماله حرام؛ لما في (البيهقي) وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يبال من أين مطعمه ولا من أين مشربه .. لم يبال الله به من أي أبواب جهنم أدخله).
وقال: (ملاك دينكم الورع).
وقال في (الإحياء): يحرم أخذ المال من السلطان إذا كان أكثر ما في بيت المال حرامًا كما هو الغالب.
قال المصنف: وهذا شاذ ليس مذهبنا، بل المذهب الكراهة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خاتمة
إذا نهب متاع مخصوص فصادف الشخص من ذلك النوع شيئًا يباع، واحتمل أن يكون من المنهوب .. فتركه ورع.
والورع لمن اشترى شيئًا للأكل أو غيره: أن يشتريه بثمن في ذمته، فإنه يملكه قطعًا، بخلاف ما إذا اشتراه بالعين؛ فإنه لا يقطع بأنه ملكه.
* * *