الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى نجم الدين أيّوب بن شادى والد الملوك. وملك النحاة أبو نزار الحسن بن صافى البغدادىّ بدمشق.
وأبو جعفر محمد بن الحسن الصّيدلانىّ بأصبهان، وله خمس وتسعون سنة. وصالح ابن إسماعيل أبو طالب ابن بنت معافى المالكىّ مفتى الإسكندريّة- رحمه الله.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 569]
السنة الثالثة من ولاية السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب على مصر، وهى سنة تسع وستّين وخمسمائة.
فيها كتب صلاح الدين صاحب الترجمة لنور الدين يستأذنه فى إنفاذ جيش إلى اليمن فأذن له، فبعث صلاح الدين أخاه شمس الدولة توران شاه بن أيّوب، فسار إليها، وكان فيها عبد النّبيّ بن مهدىّ من أصحاب المصريّين «1» ، وكان ظالما فاتكا، فحصره شمس الدولة توران شاه فى قصره بزبيد «2» مدّة، حتّى طلب الأمان فأمّنه؛ فلمّا نزل إليه قيّده ووكّل به، وفتح صنعاء وحصون اليمن والمدائن، يقال:
إنّه فتح ثمانين حصنا ومدينة واستولى على أموالها وذخائرها، وقتل عبد النّبيّ المذكور. وولّى على زبيد سيف الدولة مبارك بن منقذ «3» ، وعزّ الدّين عثمان بن الزّنجيلىّ «4» على باقى «5» البلاد.
وفيها قبض صلاح الدين على جماعة من أعيان الدولة العبيديّة: مثل داعى الدّعاة «1» ، وعمارة اليمنىّ وغيرهما، بلغه أنّهم يجتمعون على إثارة الفتن، واتّفقوا مع السّودان وكاتبوا الفرنج، فقتل داعى الدعاة، وصلب عمارة اليمنىّ. قال القاضى شمس الدين ابن خلّكان: هو أبو محمد عمارة بن أبى الحسن على بن زيدان «2» ابن أحمد بن محمد الحكمىّ اليمنىّ، الملقّب نجم الدين الشاعر؛ وهو من جبال «3» اليمن من مدينة مرطان «4» ، بينها وبين مكّة من جهة الجنوب أحد عشر يوما. وكان فقيها فصيحا، أقام بزبيد مدّة يقرأ عليه مذهب الشافعىّ، وله فى الفرائض مصنّف مشهور باليمن، ومدح خلفاء مصر، فقرّبوه وأعطوه الأموال، فكان عندهم بمنزلة الوزير، وكان أيضا معظّما قبل ذلك فى اليمن؛ ثم ظهرت أمور اقتضت خروجه منها، فقدم إلى مصر فى سنة خمسين وخمسمائة. وقيل: إنّ سبب قتله أنّه مدح توران شاه، وحرّضه على أخذ اليمن بقصيدة أوّلها:
العلم مذ كان محتاج إلى العلم
…
وشفرة السيف تستغنى عن القلم
إلى أن قال:
هذا ابن تومرت قد كانت بدايته
…
كما يقول الورى لحما على وضم
وكان أوّل هذا الدّين من رجل
…
سعى إلى أن دعوه سيّد الأمم
قال العماد الكاتب: اتّفقت لعمارة اتّفاقات: منها أنّه نسب إليه قول هذا البيت فكان أحد أسباب قتله؛ وأفتى قضاة مصر بقتله، وقيل: إنّه لمّا أمر صلاح الدين
بصلبه، مرّوا به على دار القاضى الفاضل، فرمى بنفسه على بابه وطلب الدخول إليه ليستجير به فلم يؤذن له، فقال:
عبد الرحيم قد احتجب
…
إنّ الخلاص من العجب
فصلب وهو صائم فى شهر رمضان.
وفيها توفّى السلطان الملك العادل نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكى بن آق سنقر صاحب الشام ومصر المعروف بنور الدين الشهيد. قال ابن عساكر: «ولد سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وكان معتدل القامة أسمر اللّون واسع الجبهة حسن الصورة، لحيته شعرات خفيفة فى حنكه، ونشأ على الخير والصلاح. وكان زنكى يقدّمه على أولاده، ويرى فيه مخايل النّجابة. وفتح فى أيام سلطنته نيّفا وخمسين حصنا» .
قلت: ومصر أيضا من جملة فتوحاته، وأيضا ما فتحه صلاح الدين من البلاد والحصون هو شريكه فى الأجر والثواب، ولولاه إيش كان صلاح الدين! حتّى ملك مصر من أيدى تلك الرافضة من بنى عبيد خلفاء مصر وقوّة بأسهم!. قلت:
وترجمة الملك العادل طويلة، يضيق هذا المحلّ عن ذكرها، وأحواله أشهر من أن تذكر. غير أنّنا نذكر مرض موته ووفاته. وكان ابتداء مرضه أنّه ختن ولده الملك الصالح إسماعيل يوم عيد الفطر، فهنّىء بالعيد والطهور، فقال العماد الكاتب- رحمه الله:
عيدان فطر وطهر
…
فتح قريب ونصر
كلاهما لك فيه
…
حقّا هناء وأجر
فمرض بعد عوده من صلاة العيد بالخوانيق، وما كان يرى الطبّ؛ على قاعدة الأتراك، فأشير عليه بالفصد فى أوّل مرضه فامتنع؛ وكان مهيبا فما روجع؛ فمات يوم الأربعاء حادى عشر شوّال، ودفن بالقلعة، ثم نقل إلى مدرسته التى أنشأها مجاورة
الخوّاصين بدمشق. وعاش ثمانيا وخمسين سنة. وكانت سلطنته ثمانيا وعشرين سنة وستة أشهر. ورثاه العماد الكاتب بعدّة مراث؛ من ذلك قوله:
يا ملكا أيّامه لم تزل
…
لفضله فاضلة فاخره
ملكت دنياك وخلّفتها
…
وسرت حتّى تملك الآخره
قال أبو اليسر «1» شاكر بن عبد الله [التّنوخىّ «2» المعرّىّ] : تعدّى بعض أمراء صلاح الدين بن أيّوب [على رجل «3» ] وأخذ ماله، فجاء إلى صلاح الدين فلم يأخذ له بيد؛ فجاء إلى قبر نور الدين وشقّ ثيابه، وحثا التراب على رأسه، وجعل يستغيث:
يا نور الدين أين أيّامك! ويبكى. فبلغ صلاح الدين فاستدعاه وأعطاه ماله، فازداد بكاؤه؛ فقال له صلاح الدين: ما يبكيك وقد أنصفناك؟ فقال: إنّما أبكى على ملك أنصفت ببركاته وبعد موته، كيف يأكله التراب ويفقده المسلمون!.
وتسلطن بعده ولده الملك الصالح إسماعيل ولم يبلغ الحلم. وقد مرّ من أخباره نبذة كبيرة فى ترجمة صلاح الدين.
الذي ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى النقيب أبو عبد الله أحمد [بن علىّ «4» ] بن المعمّر العلوىّ ببغداد فى جمادى الأولى. والحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذانىّ العطّار المقرئ فى جمادى الأولى، وله إحدى وثمانون سنة.
ودهبل بن علىّ [بن «5» منصور بن إبراهيم بن عبد الله المعروف با] بن كارة الحنبلىّ.
وناصح الدين سعيد بن المبارك بن الدهّان النحوىّ ببغداد، وله خمس وسبعون سنة.
وأبو تميم سلمان بن علىّ الرّحبىّ الخبّاز بدمشق. وعبد النبي بن المهدىّ صاحب اليمن،