المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر سلطنة الملك العادل الصغير على مصر - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ٦

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 566]

- ‌ذكر ولاية السلطان صلاح الدين على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 567]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 568]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 569]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 570]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 571]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 572]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 573]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 574]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 575]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 576]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 577]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 578]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 579]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 580]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 581]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 582]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 583]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 584]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 585]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 586]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 587]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 588]

- ‌ذكر ولاية الملك العزيز عثمان على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 589]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 590]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 591]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 592]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 593]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 594]

- ‌ذكر ولاية الملك المنصور محمد على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 595]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 596]

- ‌ذكر ولاية الملك العادل على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 597]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 598]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 599]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 600]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 601]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 602]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 603]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 604]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 605]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 606]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 607]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 608]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 609]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 610]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 611]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 612]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 613]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 614]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 615]

- ‌ذكر سلطنة الملك الكامل على مصر

- ‌ذكر أخذ دمياط

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 616]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 617]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 618]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 619]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 620]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 621]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 622]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 623]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 624]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 625]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 626]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 627]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 628]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 629]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 630]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 631]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 632]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 633]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 634]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 635]

- ‌ذكر سلطنة الملك العادل الصغير على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 636]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 637]

- ‌ذكر سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيّوب على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 638]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 639]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 640]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 641]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 642]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 643]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 644]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 645]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 646]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 647]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 648]

- ‌ذكر سلطنة الملك المعظّم توران شاه على مصر

- ‌ذكر ولاية الملكة شجرة الدّر على مصر

- ‌استدراكات

- ‌منبوبة

- ‌خليج القاهرة

- ‌قنطرة السدّ

- ‌بركة الحبش

- ‌قوص

- ‌منية ابن خصيب

الفصل: ‌ذكر سلطنة الملك العادل الصغير على مصر

‌ذكر سلطنة الملك العادل الصغير على مصر

هو السلطان الملك العادل أبو بكر ابن السلطان الملك الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبى بكر ابن الأمير نجم الدين أيّوب الأيوبىّ المصرىّ. وسبب تسلطنه وتقدّمه على أخيه الأكبر نجم الدين أيّوب أنّه لمّا مات أبوه الملك الكامل محمد بقلعة دمشق فى رجب- حسب ما ذكرناه فى أواخر ترجمته- كان ابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب- وهو الأكبر- نائب أبيه الملك الكامل على الشرق وإقليم ديار بكر، وكان ابنه الملك العادل أبو بكر هذا- وهو الأصغر- نائب أبيه بديار مصر؛ فلمّا مات الكامل قعد الأمراء يشتورون فيمن يولّون من أولاده فوقع الاتفاق بعد اختلاف كبير- نذكره من قول صاحب المرآة- على إقامة العادل هذا فى سلطنة مصر والشام، وأن يكون نائبه بدمشق ابن عمّه الملك الجواد يونس، وأن يكون أخوه الملك الصالح نجم الدين أيّوب على ممالك الشرق على حاله، فتم ذلك وتسلطن الملك العادل هذا فى أواخر سنة خمس وثلاثين وستمائة، وتمّ أمره ونعت بالعادل سيف الدين على لقب جدّه. ومولد العادل هذا بالمنصورة، ووالده الملك الكامل على قتال الفرنج بدمياط فى ذى الحجّة سنة سبع عشرة وستمائة.

وقال العلّامة شمس الدين يوسف بن قزأوغلى فى مرآة الزمان: «ذكر ما جرى بعد وفاة الملك الكامل، اجتمع الأمراء وفيهم سيف الدين [علىّ «1» ] بن قليج، وعزّ الدّين أيبك، والركن الهيجاوى، وعماد الدين وفخر الدين ابنا الشيخ، وتشاوروا وانفصلوا على غير شىء؛ وكان الناصر داود (يعنى ابن الملك المعظّم عيسى) بدار «2» أسامة، [فجاءه «3» ] الهيجاوىّ؛ وأرسل إليه عزّ الدين أيبك يقول: أخرج

ص: 303

المال وفرّقه فى مماليك أبيك المعظّم والعوامّ معك، وتملّك البلد ويبقوا فى القلعة محصورين فما اتّفق ذلك؛ وأصبحوا يوم الجمعة فى القلعة فحضر من سمّينا [بالأمس «1» ]، وذكروا الناصر والجواد- قلت: والناصر داود هو ابن المعظم عيسى، والجواد مظفّر الدين يونس هو ابن شمس الدين مودود بن العادل (أعنى هما أولاد عمّ) .

انتهى- قال: وكان أضرّ ما على الناصر عماد الدين ابن الشيخ، لأنّه كان يجرى فى مجالس الكامل مباحثات فيخطئه فيها ويستجهله فبقى فى قلبه، وكان أخوه فخر الدين يميل إلى الناصر؛ فأشار عماد الدين بالجواد، ووافقوا أمره، وأرسلوا الهيجاوىّ فى يوم الجمعة إلى الناصر، وهو فى دار أسامة، فدخل عليه وقال له: إيش قعودك فى بلد القوم؟ قم فاخرج، فقام وركب [وجميع من فى دمشق «2» من دار أسامة إلى القلعة] وما شكّ أحد أنّ الناصر لمّا ركب من دار أسامة إلّا أنّه طالع إلى القلعة، فلمّا تعدّى مدرسة العماد الكاتب وخرج من باب الدّرب عرج إلى باب الفرج، فصاحت العامّة لا لا [لا «3» ] ؛ وانقلبت دمشق وخرج الناصر من باب الفرج إلى القابون «4» ، فوقع بهاء الدين بن ملكيشوا «5» وغلمانه فى الناس بالدبابيس، فأنكوا فيهم فهربوا.

وأمّا الجواد فإنّه فتح الخزائن وأخرج المال وفرّق ستة آلاف ألف دينار، وخلع خمسة آلاف خلعة، وأبطل المكوس والخمور، ونفى الخواطىء. وأقام الناصر بالقابون أيّاما، فعزموا على قبضه، فرحل وبات بقصر «6» أمّ حكيم، وخرج خلفه أيبك الأشرفىّ ليمسكه، وعرف عماد الدّين بن موسك فبعث إليه فى السرّ، فسار فى الليل إلى عجلون»

، ووصل أيبك إلى قصر أمّ حكيم، وعاد إلى دمشق.

ص: 304

وسار الناصر إلى غزّة، فاستولى على الساحل؛ فخرج إليه الجواد فى عسكر مصر والشام، وقال للأشرفيّة: كاتبوه وأطمعوه فكاتبوه وأطمعوه فاغترّ بهم، وساق من غزّة فى سبعمائة فارس إلى نابلس بأثقاله وخزائنه وأمواله، وكانت على سبعمائة جمل، وترك العساكر منقطعة خلفه، وضرب دهليزه على سبسطية «1» ، والجواد على جيتين «2» فساقوا عليه وأحاطوا به، فساق فى نفر قليل إلى نابلس، وأخذوا الجمال بأحمالها والخزائن والجواهر والجنائب واستغنوا غنى الأبد، وافتقر هو فقرا ما افتقره أحد؛ ووقع عماد الدين بسفط صغير فيه اثنتا عشرة قطعة من الجوهر وفصوص ليس لها قيمة؛ فدخل على الجواد فطلبه منه فأعطاه إيّاه. وسار الناصر لا يلوى على شىء إلى الكرك. ثم وقع له أمور نذكر بعضها فى حوادث العادل والصالح وغيرهما» . انتهى.

ولمّا تمّ أمر العادل وتسلطن بمصر واستقرّ الجواد بدمشق على أنّه نائب العادل، وبلغ هذا الخبر الملك الصالح نجم الدين أيّوب عظم عليه ذلك، كونه كان هو الأكبر، فقصد الشام بعد أمور وقعت له مع الخوارزميّة ومع لؤلؤ صاحب الموصل؛ ثم سار الملك الصالح بعساكر الشرق حتّى وافى دمشق ودخلها فى جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وستمائة، فخرج إليه الملك الجواد والتقاه؛ واتّفق معه على مقايضة دمشق بسنجار وعانة «3» ، وسببه [ضيق «4» ] عطن الجواد، [وعجزه عن «5» القيام بمملكة الشام] فإنّه كان يظهر أنّه نائب العادل بدمشق فى مدّة إقامته، ثم خاف الجواد أيضا من العادل، وظنّ أنّه يأخذ دمشق منه، فخرج الجواد إلى البرّيّة وكاتب الملك الصالح

ص: 305

المذكور حتّى حضر، فلمّا حضر استانس به وقايضه ودخلا دمشق، ومشى الجواد بين يدى الصالح وحمل الغاشية من تحت «1» القلعة، ثمّ حملها بعده الملك المظفّر صاحب حماة من باب «2» الحديد، ونزل الملك الصالح أيّوب بقلعة دمشق، والجواد فى دار فرخشاه؛ ثم ندم الجواد على مقايضة دمشق بسنجار، واستدعى المقدّمين والجند واستحلفهم، وجمع الصالح أصحابه عنده فى القلعة، وأراد الصالح أن يرحق دار فرخشاه، فدخل ابن «3» جرير فى الوسط وأصلح الحال. ثم خرج الجواد إلى النّيرب «4» ، واجتمع الخلق عند باب النصر «5» يدعون عليه ويسبّونه فى وجهه، وكان قد أساء السّيرة فى أهل دمشق. ثم خرج الصالح من دمشق وتوجّه إلى خربة «6» اللّصوص على عزم الديار المصريّة، فكاتب عمّه صاحب بعلبكّ الملك الصالح إسماعيل بن العادل، وسار الملك الصالح نجم الدين إلى نابلس فاستولى عليها وعلى بلاد الناصر داود؛ فتوجّه الناصر داود إلى مصر داخلا فى طاعة الملك العادل، فأكرمه العادل وأقام الصالح بنابلس ينتظر مجىء عمّه الصالح إسماعيل، فلم يلتفت الملك الصالح إسماعيل إلى ابن أخيه الصالح نجم الدين أيّوب هذا؛ وتوجّه نحو دمشق وهجم عليها ومعه أسد الدين شيركوه صاحب حمص فدخلوها يوم الثلاثاء سابع عشرين صفر من سنة سبع وثلاثين؛ كلّ ذلك والصالح نجم الدين مقيم بنابلس؛ واتّفق الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبكّ، وأسد الدين شيركوه صاحب حمص على أن تكون البلاد بينهما مناصفة.

ونزل الصالح إسماعيل فى دمشق بداره بدرب الشعّارين، ونزل صاحب جمص بداره

ص: 306

أيضا، وأصبحوا يوم الأربعاء فزحفوا على القلعة ونقبوها من ناحية باب الفرج، وهتكوا حرمتها ودخلوها، وبها الملك المغيث عمر بن الملك الصالح أيّوب، فآعتقله الصالح إسماعيل فى برج، واستولى على جميع ما فى القلعة. وبلغ الملك الصالح نجم الدين أيّوب ما جرى، وقيل له فى العود إلى دمشق، فخلع الصالح أيّوب على عمّيه مجير «1» الدين وتقىّ «2» الدين وعلى غيرهم، وأعطاهم الأموال وقال لهم: ما الرأى؟

قالوا: نسوق إلى دمشق قبل أن تؤخذ القلعة. فخرجوا من نابلس فنزلوا القصير «3» فبلغهم أخذ القلعة، فنفر بنو أيّوب بأسرهم وخافوا على أولادهم وأهليهم بدمشق، وكان الفساد قد لعب فيهم، فتركوا الصالح أيّوب وتوجّهوا إلى دمشق؛ وبقى الصالح فى مماليكه وغلمانه لا غير، ومعه جاريته شجرة الدّرّ أمّ خليل؛ فرحل من القصير يريد نابلس فطمع فيه أهل الغور «4» والقبائل، وكان مقدّمهم شيخا جاهلا يقال له مسبل «5» من أهل بيسان قد سفك الدماء، فتقاتل عسكر الصالح معه حتّى كسروه؛ ثم اتّفق بعد ذلك مجىء الملك الناصر داود من مصر بغير رضا من الملك العادل صاحب مصر ووصل إلى الكرك؛ وكتب الوزيرىّ «6» إلى الناصر يخبره الخبر، فلمّا بلغ الناصر ذلك أرسل عماد الدين بن موسك والظّهير بن سنقر الحلبىّ فى ثلثمائة فارس إلى نابلس. فركب الصالح أيّوب والتقاهم فخدموه وسلّموا عليه بالسلطنة، وقالوا له:

طيّب قلبك، إلى بيتك جئت، فقال الصالح: لا ينظر ابن عمّى فيما فعلت، فلا زال الملوك على هذا؛ وقد جئت إليه أستجير به، فقالوا: قد أجارك وما عليك بأس؛

ص: 307

وأقاموا عنده أيّاما حول الدار. فلمّا كان فى بعض الليالى ضربوا بوق النّفير وقالوا: جاءت الفرنج، فركب الناس ومماليك الصالح ووصلوا إلى سبسطية، وجاء عماد الدين والظهير بالعسكر إلى الدار، وقالوا للصالح: تطلع إلى الكرك، فإنّ ابن عمّك له بك اجتماع، وأخذ سيفه. وكانت شجرة الدّرّ حاملا فسقطت، وأخذوه وتوجّهوا به إلى الكرك. واستفحل أمر أخيه الملك العادل صاحب مصر بالقبض على الصالح هذا، وأخذ وأعطى وأمر ونهى، فتغيّر عليه بعض أمراء مصر، ولكن ما أمكنهم يومئذ إلّا السّكات.

وأمّا الصالح، قال أبو المظفّر: ولمّا اجتمعت به (يعنى الصالح) فى سنة تسع وثلاثين وستمائة بالقاهرة حكى لى صورة الحال قال: أركبونى بغلة بغير مهماز ولا مقرعة، وساروا إلى الموتة «1» فى ثلاثة أيام، والله ما كلّمت أحدا منهم كلمة، ولا أكلت لهم طعاما حتى جاءنى خطيب الموتة ومعه بردة عليها دجاجة، فأكلت منها وأقاموا بى فى الموتة يومين وما أعلم إيش كان المقصود، فإذا بهم يريدون [أن] يأخذوا طالعا نحسا «2» يقتضى ألّا أخرج من حبس الكرك، ثم أدخلونى إلى الكرك ليلا على الطالع الذي كان سبب سعادتى ونحوسهم.

قلت: وأنا ممّن ينكر على أرباب التقاويم أفعالهم وأقوالهم لأنّى من عمرى أصحب أعيانهم فلم أر لما يقولونه صحّة، بل الكذب الصريح المحض، ويعجبنى قول الإمام الرّبانىّ عبد المؤمن بن هبة الله الجرجانى فى كتابه «أطباق الذهب» الذي يشتمل على مائة مقالة [واثنتين] ، والذي أعجبنى من ذلك هى المقالة الثالثة والعشرون،

ص: 308

وهى ممّا نحن فيه من علم الفلك والنجوم، قال:«أهل التسبيح والتقديس، لا يؤمنون بالتربيع والتسديس؛ والإنسان بعد علوّ النفس، يجلّ عن ملاحظة السعد والنحس؛ وإنّ فى الدين القويم، استغناء عن الزيج والتقويم؛ والإيمان بالكهانة، باب من أبواب المهانة؛ فأعرض عن الفلاسفة، وغضّ بصرك عن تلك الوجوه الكاسفة، فأكثرهم عبدة الطبع، وحرسة الكواكب السبع؛ ما للمنجم الغبىّ، والعلم الغيبىّ، [وما للكاهن «1» الأجنبىّ] ، وسرّ حجب عن النّبيّ؛ وهل ينخدع بالفال، إلّا قلوب الأطفال؛ وإنّ امرأ جهل حال قومه، وما الذي يجرى عليه فى يومه؛ كيف يعرف علم الغد وبعده، ونحس الفلك وسعده! وإنّ قوما يأكلون من قرصة الشمس لمهزولون، وإنهم عن السمع لمعزولون؛ ما السماوات إلّا مجاهل خالية، والكواكب صواها «2»

، والنجوم إلّا هياكل عالية، ومن الله قواها؛ سبعة سيّرة نيّرة، خمسة منها متحيّرة، شرّارة وخيّرة طباعها متغايرة؛ كلّ يسرى لأمر معمّى، وكلّ يجرى لأجل مسمّى!» انتهت المقالة بتمامها وكمالها. وقد خرجنا بذكرها عن المقصود، ولنرجع إلى ما نحن فيه من ترجمة العادل وأخبار أخيه الصالح.

قال: ووكّلوا بى مملوكا لهم، [فظّا غليظا «3»

] يقال له: زريق، وكان أضرّ علىّ من كلّ ما جرى، فأقمت عندهم إلى شهر رمضان سبعة أشهر، ولقد كان عندى خادم صغير فاتّفق أن أكل ليلة كثيرا فاتّخم وبال على البساط، فأخذت البساط بيدى والخادم، وقمت من الإيوان إلى قرب الدّهليز، وفى الدهليز ثمانون رجلا يحفظوننى، وقلت: يا مقدّمون، هذا الخادم قد أتلف هذا البساط، فاذهبوا به إلى الوادى

ص: 309

واغسلوه فنفر فىّ زريق، وقال: إيش جاء بك إلى هاهنا! وصاحوا علىّ فعدت إلى موضعى. انتهى.

قلت: وأمّا مماليكه وخزائنه فإنّ الوزيرىّ توجّه بهم إلى قلعة الصّلت «1»

. وأقام مماليكه بنابلس، واستمرّ الحال على ذلك إلى أن بلغ الملك العادل صاحب الترجمة ما جرى على أخيه الصالح، فأظهر الفرح ودقّت الكوسات وزيّنت القاهرة؛ ثم أرسل الملك العادل المذكور العلاء بن النّابلسىّ إلى الملك الناصر داود صاحب الكرك، يطلب الملك الصالح نجم الدين المذكور منه، ويعطيه مائة ألف دينار فما أجاب «2»

. ثم كاتبه الملك الصالح صاحب بعلبك، وصاحب حمص أسد الدين شيركوه فى إرساله إلى الملك العادل إلى مصر؛ كلّ ذلك والعادل فى قلق من جهة الصالح، فلم يلتفت الملك الناصر داود لكلامهم؛ وأقام الصالح مدّة فى الحبس حتّى أشار عماد الدين وابن قليج والظّهير على الملك الناصر بالاتّفاق مع الصالح نجم الدين أيّوب وإخراجه، فأخرجه الناصر وتحالفا واتّفقا، وذلك فى آخر شهر رمضان، وكان تحليف الناصر داود للصالح أيّوب على شىء ما يقوم به أحد من الملوك، وهو أنّه يأخذ له دمشق وحمص وحماة وحلب والجزيرة والموصل وديار بكر ونصف ديار مصر ونصف ما فى الخزائن من المال والجواهر والخيل والثياب وغيرها، فحلف الصالح على هذا كلّه وهو تحت القهر واليف. ولمّا علم الملك العادل صاحب الترجمة بخلاص أخيه الصالح اتّفق مع عمّه الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبكّ الذي ملك دمشق؛ فسار الملك العادل من مصر والملك الصالح من

ص: 310

دمشق ومعه أسد الدين صاحب حمص، ثم عزموا على قصد الناصر والصالح؛ فأوّل من برز لهم الملك العادل صاحب الترجمة بعساكر مصر، وخرج وسار حتى وصل إلى بلبيس؛ وكان قد أساء السّيرة فى أمرائه وحواشيه، فوقع الخلف بينهم وتزايد الأمر حتى قبضوا عليه، وأرسلوا إلى الصالح نجم الدين أيّوب يعرّفونه ويسألونه الإسراع فى المجىء إلى الديار المصريّة. فسار ومعه الملك الناصر داود صاحب الكرك وجماعة من أمرائه ابن موسك وغيره، فكان وصول الصالح إلى بلبيس فى يوم الأحد رابع عشرين ذى القعدة، فنزل فى خيمة العادل، والعادل معتقل فى خركاه. قال أبو المظفّر: حكى لى الصالح واقعات جرت له فى مسيره إلى مصر [منها «1»

] أنّه قال: ما قصدت بمجيء الناصر معى إلّا خوفا أن تكون معمولة علىّ، ومنذ فارقنا غزّة تغيّر علىّ، ولا شكّ أنّ بعض أعدائى أطمعه فى الملك، فذكر لى جماعة من مماليكى أنّه تحدّث معهم فى قتلى. قال: ومنها أنّه لما أخرجنى (يعنى الناصر) ندم وعزم على حبسى، فرميت روحى على ابن قليج، فقال «2»

:

ما كان قصده إلّا أن يتوجّه إلى دمشق أوّلا فإذا أخذنا دمشق عدنا إلى مصر.

قال: ومنها أنّه ليلة وصل إلى بلبيس شرب وشطح إلى العادل، فخرج له من الخركاه فقبّل الأرض بين يديه، فقال له: كيف رأيت ما أشرت عليك ولم تقبل منى! فقال: يا خوند، التوبة، فقال: طيّب قلبك، الساعة أطلقك، وجاء فدخل علينا الخيمة ووقف، فقلت: باسم الله اجلس، فقال: ما أجلس حتى تطلق العادل، فقلت: اقعد، وهو يكرّر الحديث؛ ثم سكت ونام فما صدّقت بنومه وقمت فى باقى اللّيل، فأخذت العادل فى محفة ورحلت به إلى القاهرة. ولمّا دخلنا القاهرة

ص: 311

بعثت إليه بعشرين ألف دينار، فعادت إلىّ مع غلمانى، وغضب وأرد نصف ما فى خزائن مصر.

قلت: واستولى الصالح على ملك مصر وقبض على أخيه العادل صاحب الترجمة فى يوم الاثنين خامس عشرين ذى الحجّة وحبسه عنده بالقلعة سنين.

قال سعد الدين مسعود بن حمّويه: وفى خامس شوّال سنة ستّ وأربعين وستمائة جهّز الصالح أخاه أبا بكر العادل ونفاه إلى الشّوبك، وبعث إليه الخادم محسنا يكلّمه فى السفر، فدخل عليه الحبس «1»

وقال له: السلطان يقول لك: لا بدّ من رواحك إلى الشّوبك، فقال: إن أردتم أن تقتلونى فى الشوبك فهاهنا أولى ولا أروح أبدا، فعذله محسن، فرماه بدواة كانت عنده، فخرج وعرّف الصالح أيّوب بقوله، فقال: دبّر أمره، فأخذ المحسن ثلاث مماليك ودخلوا عليه ليلة الاثنين ثانى عشر شوّال فخنقوه بشاش وعلّقوه به، وأظهروا أنه شنق نفسه وأخرجوا جنازته مثل بعض الغرباء، ولم يتجاسر أحد أن يترحّم عليه أو يبكى حول نعشه، وعاش بعده الملك الصالح عشرة أشهر رأى فى نفسه العبر من مرض تمادى به وما نفعه الاحتراز كما سيأتى ذكره فى ترجمته. إن شاء الله تعالى. وزاد ابن خلّكان «2»

فى وفاته بأن قال: ودفن فى تربة شمس الدولة خارج باب النصر- رحمه الله تعالى-.

وكان للعادل المذكور ولد صغير يقال له الملك المغيث مقيم بالقلعة فلا زال بها إلى أن وصل ابن عمّه الملك المعظم توران شاه بعد موت أبيه الصالح نجم الدين إلى المنصورة، وسيّر المغيث المذكور من هناك ونقله إلى الشّوبك؛ فلمّا جرت الكائنة على المعظّم ملك المغيث الكرك وتلك النواحى. قلت: وكانت ولاية الملك العادل

ص: 312