المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر سلطنة الملك الكامل على مصر - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ٦

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 566]

- ‌ذكر ولاية السلطان صلاح الدين على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 567]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 568]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 569]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 570]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 571]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 572]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 573]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 574]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 575]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 576]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 577]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 578]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 579]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 580]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 581]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 582]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 583]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 584]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 585]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 586]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 587]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 588]

- ‌ذكر ولاية الملك العزيز عثمان على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 589]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 590]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 591]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 592]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 593]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 594]

- ‌ذكر ولاية الملك المنصور محمد على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 595]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 596]

- ‌ذكر ولاية الملك العادل على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 597]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 598]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 599]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 600]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 601]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 602]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 603]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 604]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 605]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 606]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 607]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 608]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 609]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 610]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 611]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 612]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 613]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 614]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 615]

- ‌ذكر سلطنة الملك الكامل على مصر

- ‌ذكر أخذ دمياط

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 616]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 617]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 618]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 619]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 620]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 621]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 622]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 623]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 624]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 625]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 626]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 627]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 628]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 629]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 630]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 631]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 632]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 633]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 634]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 635]

- ‌ذكر سلطنة الملك العادل الصغير على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 636]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 637]

- ‌ذكر سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيّوب على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 638]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 639]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 640]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 641]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 642]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 643]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 644]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 645]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 646]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 647]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 648]

- ‌ذكر سلطنة الملك المعظّم توران شاه على مصر

- ‌ذكر ولاية الملكة شجرة الدّر على مصر

- ‌استدراكات

- ‌منبوبة

- ‌خليج القاهرة

- ‌قنطرة السدّ

- ‌بركة الحبش

- ‌قوص

- ‌منية ابن خصيب

الفصل: ‌ذكر سلطنة الملك الكامل على مصر

‌ذكر سلطنة الملك الكامل على مصر

أعنى بذلك استقلالا بعد وفاة أبيه العادل، لأنّ الكامل هذا كان متولّى سلطنة مصر فى حياة والده العادل، لمّا قسم العادل الممالك فى أولاده من سنين عديدة؛ أعطى المعظّم عيسى دمشق، وأعطى الأشرف موسى الشرق، وأعطى الملك الكامل محمدا هذا مصر، وصار هو يتنقّل فى ممالك أولاده، والعمدة فى كلّ الممالك عليه إلى أن مات الملك العادل تفرّد الملك الكامل محمد بالخطبة فى ديار مصر وأعمالها، واستقلّ بأمورها وتدبير أحوالها، وذلك من يوم وفاة والده الملك العادل المذكور، وهو من يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة من سنة خمس عشرة وستمائة.

قلت: وقد تقدّم نسب الملك الكامل هذا فى ترجمة عمه السلطان صلاح الدين، واستوعبنا ذلك من عدّة أقوال وحررناه، فلينظر هناك.

قال أبو المظفّر: «ولد الكامل سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وكان أكبر أولاد العادل بعد مودود «1» ، وكان العادل قد عهد إليه لما رأى من ثباته وعقله وسداده.

وكان شجاعا ذكيّا فطنا يحبّ العلماء والأمائل ويلقى عليهم المشكلات، ويتكلّم على صحيح مسلم بكلام مليح، ويثبت بين يدى العدوّ. وأمّا عدله فإليه المنتهى» انتهى كلام أبى المظفّر باختصار.

وقال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبىّ فى تاريخ الإسلام: «الملك الكامل محمد السلطان ناصر الدين أبو المعالى وأبو المظفّر ابن السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد بن أيّوب بن شادى صاحب مصر. ولد بمصر سنة ست وسبعين وخمسمائة.

ص: 227

- قلت: وهذا بخلاف ما نقله أبو المظفّر فى سنة مولده، وعندى أنّ أبا المظفر أثبت لصحبته بأخيه المعظم عيسى، وكونه أيضا عصرى الملك الكامل هذا-.

والله أعلم.

قال (أعنى الذهبىّ) : وأجاز له العلّامة عبد الله «1» بن برّى، وأبو عبد الله ابن صدقه «2» الحرّانىّ، وعبد الرحمن بن الخرقىّ، قرأت بخطّ ابن مسدىّ «3» فى معجمه. كان الكامل محبّا للحديث وأهله، حريصا على حفظه ونقله، وللعلم عنده شرف؛ خرّج له أبو القاسم «4» بن الصّفراوىّ أربعين حديثا، وسمعها جماعة.

وحكى لى عنه مكرم الكاتب أنّ أباه العادل استجاز له السّلفىّ قبل موت السّلفىّ بأيّام، قال ابن المسدىّ: ثم وقفت أنا على ذلك وأجاز لى [و] لابنى. قال الذهبىّ:

وتملّك الديار المصريّة أربعين سنة، شطرها فى أيّام والده. وقيل: بل ولد فى ذى القعدة سنة خمس وسبعين. قلت: وهذا قول ثالث فى مولده.

ص: 228

وقال الحافظ عبد العظيم «1» المنذرىّ استادار الحديث بالقاهرة (يعنى بذلك المدرسة «2» الكامليّة ببين القصرين) . قال: وعمّر القبّة «3» على ضريح الشافعىّ، وأجرى الماء من بركة الحبش «4» إلى حوض السّبيل «5» والسّقاية، وهما على باب القبّة المذكورة،

ص: 229

ووقف غير ذلك من الوقوف على أنواع من أعمال البر بمصر وغيرها. وله المواقف المشهودة فى الجهاد بدمياط المدّة الطويلة، وأنفق الأموال الكثيرة، وكافح العدوّ المخذول برّا وبحرا ليلا ونهارا. يعرف ذلك من مشاهده. ولم يزل على ذلك حتّى أعزّ الله الإسلام وأهله، وخذل الكفر وأهله. وكان معظّما للسّنّة النبويّة وأهلها، راغبا فى نشرها والتمسّك بها، مؤثّرا الاجتماع مع العلماء والكلام معهم حضرا وسفرا.

انتهى كلام المنذرى باختصار.

وقال القاضى شمس الدين ابن خلّكان فى تاريخه بعد ما ساق نسبه وذكره نحوا ممّا ذكرناه حتّى قال: «ولمّا وصل الفرنج إلى دمياط كما تقدّم ذكره، كان الملك الكامل فى مبدأ استقلاله بالسلطنة، وكان عنده جماعة كثيرة من أكابر الأمراء:

منهم: عماد الدين أحمد بن المشطوب، فاتّفقوا مع أخيه الملك الفائز سابق الدين إبراهيم ابن الملك العادل، وانضموا إليه، فظهر للملك الكامل منهم أمور تدلّ على أنّهم عازمون على تفويض الملك إليه وخلع الكامل، واشتهر ذلك بين الناس؛ وكان الملك الكامل يداريهم لكونه فى قبالة العدوّ ولا يمكنه المقاهرة «1» ، وطوّل روحه معهم، ولم يزل على ذلك حتّى وصل إليه أخوه الملك المعظّم عيسى صاحب دمشق يوم الخميس تاسع عشر ذى القعدة من سنة خمس عشرة وستمائة، فأطلعه الكامل فى الباطن على صورة الحال، وأنّ رأس هذه الطائفة ابن المشطوب، فجاءه يوما على غفلة فى خيمته واستدعاه فخرج إليه، فقال [له «2» ] : أريد أن أتحدّث [معك «3» ] سرّا فى خلوة، فركب فرسه (يعنى [ابن] المشطوب) . وسار معه جريدة، وقد جرّد المعظّم جماعة ممّن يعتمد عليهم ويثق إليهم، وقال لهم: اتّبعونا، ولم يزل المعظّم يشغله

ص: 230

بالحديث ويخرج معه من شىء إلى شىء حتّى أبعد عن المخيّم، ثم قال له: يا عماد الدين هذه البلاد لك، [و «1» ] نشتهى أن تهبها لنا، ثم أعطاه شيئا من النفقة، وقال لأولئك المجرّدين: تسلّموه حتّى تخرجوه من الرمل، فلم يسعه إلا الامتثال لانفراده وعدم القدرة على الممانعة فى تلك الحال؛ ثم عاد المعظّم إلى أخيه الملك الكامل وعرّفه صورة ما جرى. ثم جهّز أخاه الملك الفائز المذكور إلى الموصل لإحضار النجدة منها [و «2» ] من بلاد الشرق فمات بسنجار «3» . وكان ذلك خديعة لإخراجه من البلاد. فلمّا خرج هذان الشخصان من العسكر تحلّلت عزائم من بقى من الأمراء الموافقين لهما، ودخلوا فى طاعة الملك الكامل كرها لا طوعا. وجرى فى قصّة دمياط ما هو مشهور فلا حاجة للإطالة فى ذكره.

ولمّا ملك الفرنج دمياط وصارت فى أيديهم خرجوا منها قاصدين القاهرة ومصر [و «4» ] نزلوا فى رأس الجزيرة «5» التى دمياط فى برّها، وكان المسلمون قبالتهم فى القرية المعروفة بالمنصورة «6» ، والبحر حائل بينهم، وهو بحر «7» أشموم، ونصر الله- سبحانه وتعالى بمنّه

ص: 231

وجميل لطفه المسلمين عليهم كما هو مشهور؛ ورحل الفرنج عن منزلتهم ليلة الجمعة سابع رجب سنة ثمانى عشرة وستمائة، وتمّ الصلح بينهم وبين المسلمين فى حادى عشر الشهر المذكور، ورحل الفرنج عن البلاد فى شعبان من السنة المذكورة، وكانت مدّة إقامتهم فى بلاد الإسلام «1» ما بين الشام والديار المصريّة أربعين شهرا وأربعة عشر يوما؛ وكفى الله- تعالى- المسلمين شرّهم والحمد لله على ذلك.

- قلت ونذكر أمر دمياط من كلام أبى المظفّر فى آخر هذه الترجمة بأوسع من ذلك، لأنّه معاصر الكامل وصاحب المعظّم، فهو أجدر بهذه الواقعة-.

فلمّا استراح خاطر الملك الكامل من جهة هذا العدوّ تفرّغ للأمراء الذين كانوا متحاملين «2» عليه فنفاهم عن البلاد وبدّد شملهم وشرّدهم، ودخل القاهرة وشرع فى عمارة البلاد واستخراج الأموال من جهاتها، وكان سلطانا عظيم القدر جميل الذكر محبّا للعلماء متمسّكا بالسّنة، حسن الاعتقاد معاشرا لأرباب الفضائل حازما فى أموره لا يضع الشيء إلّا فى مواضعه من غير إسراف ولا إقتار، وكان يبيت عنده كلّ ليلة [جمعة «3» ] جماعة من الفضلاء يشاركهم فى مباحثهم، ويسألهم عن المواضع المشكلة فى كلّ فنّ، وهو معهم كواحد منهم، وكان- رحمه الله يعجبه هذان البيتان وينشدهما كثيرا وهما:

ص: 232

ما كنت [من] قبل ملك قلبى

تصدّ عن مدنف حزين

وإنّما قد طمعت لمّا

حللت فى موضع حصين

قال: ولمّا مات أخوه الملك المعظّم عيسى صاحب الشام، وقام ابنه الملك الناصر صلاح الدين دواد مقامه، خرج الملك الكامل من الديار المصريّة قاصدا أخذ دمشق منه؛ وجاءه أخوه الملك الأشرف مظفّر الدين موسى، واجتمعا على أخذ دمشق بعد فصول يطول شرحها. وملك الكامل دمشق فى أوّل شعبان سنة ست وعشرين وستمائة، وكان يوم الاثنين؛ فلمّا ملكها دفعها لأخيه الملك الأشرف، وأخذ عوضها من بلاد الأشرف: حرّان والرّها وسروج والرّقّة ورأس «1» العين؛ وتوجّه إليها بنفسه فى تاسع شهر رمضان من السنة. قال ابن خلّكان: واجتزت بحرّان فى شوّال سنة ستّ وعشرين وستمائة والملك الكامل مقيم به بعساكر الديار المصريّة؛ وجلال الدين خوارزم شاه يوم ذاك محاصر لخلاط، وكانت لأخيه الملك الأشرف. ثم رجع إلى الديار المصريّة؛ ثم تجهّز فى جيش عظيم، وقصد آمد فى سنة تسع وعشرين وستمائة فأخذها مع حصن كيفا والبلاد من الملك المسعود بن الملك الصالح أبى الفتح «2» محمود بن نور الدين محمد بن فخر الدين قرا أرسلان بن ركن الدولة داود بن قطب «3» الدين سقمان؛ ويقال سكمان بن أرتق، قال: ثمّ مات أخوه الملك الأشرف وجعل ولىّ عهد أخاه الملك الصالح إسماعيل بن العادل، فقصده الملك الكامل أيضا، وانتزع منه دمشق بعد مصالحة جرت بينهما فى التاسع من جمادى

ص: 233

الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة، وأبقى له بعلبكّ وأعمالها، وبصرى وأرض السّواد «1» وتلك البلاد. ولمّا ملك البلاد المشرقيّة: آمد وتلك النواحى استخلف فيها ولده الملك الصالح نجم الدين أيّوب، واستخلف ولده الأصغر الملك العادل سيف الدين أبا بكر بالديار المصريّة. وقد تقدّم فى ترجمة الملك العادل أنّه سيّر ولده الملك المسعود أقسيس «2» إلى اليمن، وكان أكبر أولاد الملك الكامل. وملك الملك المسعود مكّة- حرسها الله تعالى- وبلاد الحجاز مضافة إلى اليمن، وكان رحيل الملك المسعود من الديار المصريّة متوجّها إلى اليمن فى يوم الاثنين سابع عشر رمضان سنة إحدى عشرة وستمائة، ودخل مكّة فى ثالث ذى القعدة من السنة، وخطب له بها وحجّ؛ ودخل زبيد وملكها مستهلّ المحرّم سنة اثنتى عشرة وستمائة. ثم ملك مكّة فى شهر ربيع الآخر سنة عشرين وستمائة، أخذها من الشريف حسن بن قتادة الحسبنىّ.

قلت: وقد ذكرنا خروج الملك المسعود إلى اليمن من وقته فى ترجمة جدّه الملك العادل. وتوفّى الملك المسعود فى حياة والده الملك الكامل بمكّة فى ثالث جمادى الأولى سنة ست وعشرين وستمائة. وكان مولده فى سنة سبع «3» وتسعين وخمسمائة وأظنّه أكبر أولاد الكامل. والله أعلم.

قال ابن خلّكان: واتّسعت المملكة للملك الكامل، ولقد حكى لى من حضر الخطبة يوم الجمعة بمكّة أنّه لمّا وصل الخطيب إلى الدعاء للملك الكامل قال: سلطان مكّة وعبيدها، واليمن وزبيدها ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين وربّ العلامتين وخادم الحرمين الشريفين الملك الكامل

ص: 234

أبو المعالى ناصر الدين محمد خليل أمير المؤمنين. قال: ولقد رأيته بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة عند رجوعه من بلاد المشرق، واستنقاذه إيّاها من الأمير علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود [بن قليج أرسلان «1» ] بن سليمان [بن قتلمش «2» ] بن إسرائيل بن سلجوق بن دقماق السّلجوقىّ صاحب الروم.

وهى وقعة مشهورة يطول شرحها؛ وفى خدمته يومئذ بضعة عشر ملكا، منهم:

[أخوه «3» ] الملك الأشرف، ولم يزل فى علوّ شأنه وعظيم سلطانه إلى أن مرض بعد أخذه دمشق ولم يركب، وكان ينشد فى مرضه كثيرا:

يا خليلىّ خبّرانى بصدق

كيف طعم الكرى فإنّى نسيته

ولم يزل كذلك إلى أن توفّى يوم الأربعاء بعد العصر، ودفن بالقلعة بمدينة دمشق يوم الخميس الثانى والعشرين من رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة، وأنا بدمشق يومئذ، وحضرت الصّيحة يوم السبت فى جامع دمشق، لأنّهم أخفوا موته إلى وقت صلاة الجمعة، فلمّا دنت الصلاة قام «4» بعض الدّعاة [على العريش الذي] بين يدى المنبر وترحّم على الملك الكامل، ودعا لولده الملك العادل صاحب مصر، وكنت حاضرا فى ذلك الوقت، فضجّ الناس ضجّة واحدة، وكانوا قد أحسّوا بذلك، لكنهم لم يتحقّقوا إلّا ذلك الوقت، وترتّب ابن أخيه الملك الجواد مظفّر الدين يونس ابن شمس الدين مودود بن الملك العادل فى نيابة السلطنة بدمشق عن الملك العادل بن الكامل صاحب مصر باتفاق الأمراء الذين كانوا حاضرين ذلك الوقت بدمشق؛ ثم بنى له تربة مجاورة للجامع، ولها شبّاك إلى الجامع، ونقل إليها. قال: وأمّا ولده الملك العادل [فإنه «5» ] أقام فى المملكة إلى يوم الجمعة ثامن ذى الحجة من سنة سبع وثلاثين وستمائة،

ص: 235

فقبض عليه أمراء دولته بظاهر بلبيس» . انتهى كلام ابن خلّكان على جليّته.

ونذكر أيضا من أحوال الكامل نبذة جيّدة من أقوال غيره من المؤرّخين. إن شاء الله تعالى.

قال بعضهم: كان الملك الكامل فاضلا عالما شهما مهيبا عاقلا محبّا للعلماء، وله شعر حسن، واشتغال فى العلم. قيل: إنّه شكا إليه ركبدار أستاذه بأنّه استخدمه ستة أشهر بلا جامكيّة، فأنزل أستاذه من فرسه وألبسه ثياب الركبدار، وألبس الركبدار ثيابه، وأمره بخدمة الركبدار وحمل مداسه ستة أشهر حتّى شفع فيه.

وكانت الطرق آمنة فى زمانه. ولمّا بعث ابنه الملك المسعود أقسيس وافتتح اليمن والحجاز ثم مات قبله كما ذكرناه ورث منه أموالا عظيمة، ففرّق غالبها فى وجوه البرّ والصدقات. وكانت راية الملك الكامل صفراء. وفيه يقول البهاء زهير:

- رحمه الله تعالى-.

بك «1» اهتزّ عطف الدّين فى حلل النّصر

وردّت على أعقابها ملّة الكفر

وأقسم إن ذاقت بنو الأصفر الكرى

لما حلمت إلّا بأعلامك الصفر

ثلاثة أعوام أقمت وأشهرا

تجاهد فيهم لا بزيد ولا عمرو

وليلة غزو «2» للعدوّ كأنّها

بكثرة من أرديته ليلة النّحر

فياليلة قد شرّف الله قدرها

فلا غرو إن سمّيتها ليلة القدر

وقال: وكان فيه جبروت مع سفك الدماء.

وذكر الشيخ شمس «3» الدين محمد بن إبراهيم الجزرىّ: أنّ عماد الدين يحيى البيضاوىّ الشريف قال: حكى لى الخادم الذي للكامل قال: طلب منّى الكامل

ص: 236

طستا حتّى يتقيّأ فيه فأحضرته، وكان الملك الناصر داود على الباب، جاء ليعود عمّه الكامل؛ فقلت: داود على الباب، فقال: ينتظر موتى! فانزعج، فخرجت وقلت: ما ذاك وقتك السلطان منزعج، فنزل إلى داره؛ ودخلت إلى السلطان فوجدته قد قضى والطست بين يديه وهو مكبوب على المخدّة.

وقال ابن واصل: حكى لى طبيبه قال: أصابه لمّا دخل قلعة دمشق زكام، فدخل الحمّام وصبّ على رأسه ماء شديد الحرارة، اتّباعا لقول محمد «1» بن زكريّا الرازىّ فى كتاب سمّاه «طبّ ساعة «2» » ؛ قال فيه: من أصابه زكام يصبّ على رأسه ماء شديد الحرارة انحلّ زكامه لوقته، وهو لا ينبغى أن يعمل على إطلاقه؛ قال الطبيب: فانصبّ من «3» دماغه إلى فم معدته فتورّمت، وعرضت له حمّى شديدة، وأراد القىء فنهاه الأطبّاء، وقالوا: إن تقيّأ هلك، فخالفهم وتقيّأ فهلك لوقته.

قال ابن واصل: وحكى لى الحكم رضىّ الدين قال: عرضت له خوانيق، وتقيّأ دما كثيرا ومدّة؛ فأراد القىء أيضا فنهاه موفّق الدين إبراهيم، وأشار عليه بعض الأطباء بالقىء فتقيّأ، فانصبّت بقيّة المادة إلى قصبة الرئة وسدّتها فمات.

وقال ابن واصل: وكان ملكا جليلا حازما، سديد الآراء حسن التدبير لممالكه عفيفا حليما؛ عمّرت فى أيّامه الديار المصريّة عمارة كبيرة، وكان عنده مسائل غريبة من الفقه والنحو يوردها، فمن أجابه حظى عنده.

ص: 237