الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشّيبانىّ الجزرىّ المؤرّخ فى شعبان، وقد قارب ستّا وسبعين «1» سنة. وصاحب إربل مظفّر الدّين كوكبورى «2» ابن صاحب إربل أيضا زين الدين «3» علىّ بن بكتكين التّركمانىّ فى رمضان. والوزير «4» مؤيّد الدّين محمد بن محمد بن القمّىّ ببغداد. وشرف «5» الدين محمد بن نصر الله بن مكارم الدّمشقىّ الشاعر الكاتب فى شهر ربيع الأوّل.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وستّ أصابع، وطال مكثه على الأراضى. والله أعلم.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 631]
السنة السادسة عشرة من ولاية الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة إحدى وثلاثين وستمائة.
فيها اجتمع الملك الكامل صاحب الترجمة وإخوته وأسد الدين شيركوه صاحب حمص، وساروا ليدخلوا بلاد الروم من عند النهر الأزرق «6» ، فوجدوا الروم قد حفظوا الدّربند، ووقفوا على رءوس الجبال وسدّوا الطرق، فامتنعت العساكر من الدخول؛ وكان الملك الأشرف صاحب دمشق يومئذ ضيّق الصدر من أخيه الملك الكامل هذا، لأنّه طلب منه الرّقّة فامتنع؛ وقال له: ما يكفيك كرسىّ بنى أميّة! فاجتمع أسد الدين شيركوه صاحب حمص بالأشرف وقال له: إن
حكم الكامل على الروم أخذ جميع ما بأيدينا فوقع التقاعد، فلمّا رأى الكامل ذلك عبر الفرات ونزل السّويداء «1» ، وجاءه صاحب خرتبرت «2» ، وهو من بنى أرتق، وقال له: عندنا طريق سهلة تدخل منها إلى الروم. فجهّر الملك الكامل بين يديه ولده الملك الصالح نجم الدين أيّوب، وابن أخيه الملك الناصر داود بن المعظّم، والخادم صوابا، فجاءتهم عساكر الروم؛ وكان الناصر تأخّر وتقدّم صواب فى خمسة آلاف فارس، ومعه الملك المظفّر صاحب حماة، وقاتلوا الروم وانهزموا؛ فعاد الملك الكامل إلى آمد. وكان أسر صواب وجماعة من الأمراء فأطلقهم الروم بعد أن أحسنوا إليهم.
وفيها قدم رسول الأنبرور الفرنجىّ على الملك الكامل «3» بهدايا فيها دبّ أبيض، وشعره مثل شعر السّبع، ينزل البحر فيصعد بالسمك فيأكله ومعه أيضا طاوس أبيض.
وفيها توفّى الشيخ العارف المسلّك الزاهد شهاب الدين أبو حفص- وقيل أبو عبد الله- عمر بن محمد بن عبد الله بن [محمد بن عبد الله «4» ] بن عمّويه القرشىّ التّيمىّ البكرىّ السّهروردىّ الصّوفىّ. وذكر الذهبىّ وفاته فى سنة اثنتين وثلاثين وهو الأشهر.
قلت: ومولده فى شهر رجب سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بسهرورد، وقدم بغداد وهو أمرد، فصحب عمّه الشيخ أبا النّجيب «5» عبد القاهر وأخذ عنه التصوّف والوعظ
وصحب أيضا الشيخ عبد القادر «1» الجيلى، وسمع الحديث من عمّه المذكور وغيره، وروى عنه البرزالى «2» وجماعة كثيرة؛ وكان له فى الطريقة قدم ثابتة ولسان ناطق، وولى عدّة ربط للصّوفيّة، ونفّذه الخليفة إلى عدّة جهات رسولا؛ وكان فقيها عالما واعظا مفتنّا مصنّفا، وهو صاحب التصانيف المشهورة، واشتهر اسمه وقصد من الأقطار، وظهرت بركات أنفاسه على خلق من العصاة فتابوا، ووصل به خلق إلى الله تعالى، وكفّ بصره قبل موته.
قال أبو المظفّر سبط بن الجوزىّ: رأيته فى سنة تسعين وخمسمائة يعظ برباط درب المقير «3» على منبر طين، وعلى رأسه مئزر صوف؛ قال: وصنّف كتابا للصوفيّة وسمّاه «عوارف المعارف» . قال: وجلس يوما ببغداد وذكر أحوال القوم وأنشد- رحمه الله تعالى وعفا عنه-:
ما فى الصّحاب أخو وجد نطارحه
…
حديث نجد ولا صبّ نجاريه
وجعل يردّد البيت ويطرب، فصاح به شابّ من أطراف المجلس، وعليه قباء وكلوتة «4» ؛ وقال: يا شيخ، لم تسطح وتنتقص القوم! والله إنّ فيهم من لا يرضى أن يجاريك، ولا يصل فهمك إلى ما يقول، هلّا أنشدت:
ما فى الصّحاب وقد سارت حمولهم
…
إلّا محبّ له فى الرّكب محبوب
كأنّه يوسف فى كلّ راحلة
…
والحىّ فى كلّ بيت منه يعقوب!
فصاح الشيخ ونزل من على المنبر وقصده فلم يجده، ووجد موضعه حفرة بها دم ممّا فحص برجلية عند إنشاد الشيخ البيت. انتهى كلام أبى المظفّر باختصار.
وفيها توفّى الشيخ طىّ «1» المصرىّ مويد الشيخ محمد الفزارىّ، قدم الشام وأقام مدّة بزاويته، وكان يغشاه الأكابر، وانتفع بصحبته جماعة، وكان زاهدا عابدا، ودفن بزاويته بدمشق.
وفيها توفّى الشيخ عبد الله الارمنى الزاهد العابد الورع، كان رحّالا سافر إلى البلاد ولقى الأبدال وأخذ عنهم، وكان له مجاهدات ورياضات وعبادات وسياحات، وكان فى بداية أمره لا يأوى إلّا البرارى القفار ويتناول المباحات؛ قرأ القرآن وكتاب القدورى فى الفقه، وصحب رجالا من الأولياء، وكان معدودا من فقهاء الحنفية؛ وله حكايات ومناقب كثيرة. ومات فى يوم الجمعة تاسع عشرين ذى القعدة، ودفن بسفح قاسيون، وقد جاوز سبعين سنة.
وفيها توفّى العلّامة سيف الدّين علىّ بن أبى علىّ بن محمد بن سالم المعروف بالسيف الآمدىّ، كان إماما بارعا لم يكن فى زمانه من يجاريه فى علم الكلام.
قال أبو المظفّر: وكان يرمى بأشياء ظاهرها أنّه كان بريئا منها، لأنّه كان سريع الدّمعة، رقيق القلب سليم الصدر، وكان مقيما بحماة وسكن دمشق، وكان بنو العادل:
المعظّم والأشرف والكامل يكرهونه لما اشتهر عنه من الاشتغال بالمنطق وعلوم الأوائل. ثم قال أبو المظفّر بعد كلام آخر: وأقام السيف خاملا فى بيته إلى أن توفّى فى صفر، ودفن بقاسيون فى تربته.
وفيها توفّى كريم الدين الخلاطىّ الأمير، كان أديبا لطيفا حسن اللّقاء ذا مروءة خدم الأشرف والمعظّم والكامل، وحجّ بالناس أميرا من الشام، وتوفّى بدمشق ودفن بقاسيون عند مغارة الجوع.
وفيها توفّى الصلاح «1» الإربلىّ، كان أديبا فاضلا شاعرا، خدم مظفّر الدّين صاحب إربل، ثمّ انتقل إلى خدمة الملك المغيث بن العادل، ثمّ خدم الكامل وتقدّم فى دولته وصار نديمه؛ ثم سخط عليه، لأنّه بعثه رسولا إلى أخيه المعظّم فنقل عنه أنّ المعظّم استماله، فحبسه الكامل فى الجبّ «2» مدّة سنتين، ثم رضى عنه وأخرجه. ومن شعره من قصيدة:
من يوم فراقنا على التحقيق
…
هذى كبدى أحقّ بالتمزيق
لو دام لنا الوصال ألفى سنة
…
ما كان يفى بساعة التفريق
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى إسماعيل بن علىّ بن إسماعيل ابن ماتكين الجوهرىّ فى ذى القعدة، وله ثمانون سنة. ونجم الدين ثابت بن بادان «3» التّفليسى الصّوفىّ شيخ الأسديّة. وسراج الدين الحسين بن أبى بكر المبارك بن محمد الزّبيدىّ الحنبلىّ فى صفر، وله خمس وثمانون سنة. وزكريّا بن علىّ بن حسّان العلبىّ فى شهر ربيع الأوّل. والخادم طغريل أتابك الملك العزيز «4» ومدبّر دولته.
والشيخ القدوة عبد الله بن يونس الأرمنىّ «5» . والسيف الآمدىّ علىّ بن أبى علىّ بن محمد بن سالم الثّعلبى فى صفر، وله ثمانون سنة. والمحدّث أبو رشيد محمد بن أبى بكر