الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
***
[ما وقع من الحوادث سنة 639]
السنة الثانية من ولاية الملك الصالح نجم الدين أيّوب على مصر، وهى سنة تسع وثلاثين وستمائة.
فيها شرع الملك الصالح المذكور فى عمارة المدارس «1» ببين القصرين من القاهرة، وشرع أيضا فى بناء قلعة «2» الجزيرة، وأخذ أملاك الناس، وأخرب نيّفا وثلاثين مسجدا، وقطع ألف نخلة، وغرم عليها خراج مصر سنين كثيرة؛ فلم تقم بعد وفاته، وأخر بها مماليكه الأتراك سنة إحدى وخمسين وستمائة.
وفيها توفّى أحمد بن الحسين بن أحمد الشيخ الإمام العالم شمس الدين النحوى الإربلىّ ثم الموصلىّ الضّرير [المعروف «1» بابن الخبّاز] صاحب التصانيف. كان إماما بارعا مفتنّا عالما بالنحو واللغة والأدب. ومن شعره فى العناق:
كأنّنى عانقت ريحانة
…
تنفّست فى ليلها البارد
فلو ترانا فى قميص الدّجى
…
حسبتنا فى جسد واحد
قلت: ومثل هذا قول العلّامة أبى الحسن علىّ «2» بن الجهم- رحمه الله تعالى-:
سقى الله ليلا ضمّنا بعد هجعة
…
وأدنى فؤادا من فؤاد معدّب
فبتنا جميعا لو تراق زجاجة
…
من الخمر فيما بيننا لم تسرّب
ومثل هذا قول القائل:
لا والمنازل من نجد وليلتنا
…
بالخيف إذ جسدانا بيننا جسد
كم رام منّا الكرى من لطف مسلكه
…
نوما فما انفكّ لا خد ولا عضد
ومثل هذا أيضا قول [ابن] النّعاويذىّ «3» - رحمه الله تعالى-:
فكم ليلة قد بتّ أرشف ريقه
…
وجرت على ذاك الشّنيب المنضّد
وبات كما شاء الغرام معانقى
…
وبتّ وإيّاه كحرف مشدّد
وقد خرجنا عن المقصود ولنرجع لما نحن بصدده.
وفيها توفى موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العلّامة كمال الدين أبو الفتح الموصلىّ الشافعىّ. مولده فى صفر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بالموصل، وتفقّه على والده وغيره، وبرع فى عدّة علوم.
قال ابن خلّكان- رحمه الله: وكان الشيخ يعرف الفقه والأصلين والخلاف والمنطق والطبيعى والإلهى والمجسطى «1» وأقليدس «2» والهيئة والحساب والجبر والمقابلة والمساحة والموسيقى معرفة لا يشاركه فيها غيره. ثم قال بعد ثناء زائد إلّا أنّه كان يتّهم فى دينه لكون العلوم العقليّة غالبة عليه.
وعمل فيه العماد المغربىّ وهو عمر بن «3» عبد النور الصّنهاجى النحوىّ هجوا- رحمه الله تعالى-
أجدّك أن قد جاد بعد التعبّس
…
غزال بوصل لى وأصبح مؤنسى
وعاطيته صهباء من فيه مزجها
…
كرقّة شعرى أو كدين ابن يونس
وكان العماد المذكور قد مدحه قبل ذلك بأبيات منها:
كمال كمال الدين للعلم والعلا
…
فهيهات ساع فى مساعيك يطمع
إذا اجتمع النّظّار فى كلّ موطن
…
فغاية كلّ أن تقول ويسمعوا
فلا تحسبوهم من عناد تطيلسوا
…
ولكن حياء واعترافا تقنّعوا
ومن شعر ابن يونس ما كتبه لصاحب الموصل يشفع عنده شفاعة، وهو:
لئن شرّفت أرض بمالك قدرها «4»
…
فمملكة الدنيا بكم تتشرّف