الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَظَرٌ لِأَنَّ إِيمَانَ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ لَا ينفع جميعهم ولا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، فَمَنْ أَحْدَثَ إِيمَانًا أَوْ تَوْبَةً يَوْمَئِذٍ لم تقبل حتى يَكُونَ مُؤْمِنًا أَوْ تَائِبًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ نُزُولِ عِيسَى فِي آخِرِ الزَّمَانِ:{وإِنْ مِنْ أهْل الْكِتَابِ إِلَاّ لَيُؤمِنَنَّ بِه قَبْلَ مَوْتهِ} .
أَيْ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى وَبَعْدَ نُزُولِهِ يُؤْمِنُ جَمِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِهِ إِيمَانًا ضَرُورِيًّا بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَتَحَقَّقُونَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَالنَّصْرَانِيُّ يَعْلَمُ كَذِبَ نَفْسِهِ فِي دَعْوَاهُ فِيهِ الرُّبُوبِيَّةَ والنبوة، وَالْيَهُودِيُّ يَعْلَمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ لا ولد ريبة كما كان المجرمون منهم يزعمون ذلك، فعليهم لعائن الله وغضبه المدرك.
ذِكْرُ الدُّخَانِ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
مدخل
…
ذِكْرُ الدُّخَانِ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي سورة الدخان بما فيه مقنع.
وَقَدْ نَقَلَ الْبُخَارِيُّ1، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ فسر ذلك بما كان لقريش من
1 الحديث رواه البخاري "6- 131-132".
شِدَّةِ الْجُوعِ بِسَبَبِ الْقَحْطِ الَّذِي دَعَا عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فكان أحدهم يرى كأن فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ غَرِيبٌ جِدًّا وَلَمْ يُنْقَلْ مِثْلُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِهِ.
وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ رَدَّ ذَلِكَ وَمُعَارَضَتَهُ بما ثبت في حديث أبي شريحة حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ:
"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تروا عشر آيات فذكر فيهن الدجال والدخان والدابة"، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:"بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ ستاً" فذكر فيهن هذه الثلاث، وَالْحَدِيثَانِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعَانِ، وَالْمَرْفُوعُ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مَوْقُوفٍ.
وَفِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ دُخَانٍ مِنَ السَّمَاءِ يَغْشَى النَّاسَ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ عَامٌّ وَلَيْسَ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ خَيَالٌ فِي أعين قريش من شدة الجوع قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخَانٍ مُبِين} .
أي واضح جلي وليس خَيَالًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ.
{رَبَّنا اكْشِفْ عَنَّا العَذابَ إِنَّا مُؤمِنُون} .
أَيْ يُنَادِي أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ رَبَّهُمْ بِهَذَا الدُّعَاءِ، يَسْأَلُونَ كَشْفَ هَذِهِ الشِّدَّةِ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ قد آمنوا وارتقبوا ما وعدوا مِنَ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الْكَائِنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَيْثُ يُمْكِنُ رَفْعُهُ، وَيُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ التَّوْبَةِ والإِنابة، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ قَالَ: يَجِيءُ دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ
كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، فَفَزِعْنَا، فَأَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: وكان متكئاً فغضب فجلس وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ به، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: الله أعلم، فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86] .
إن قريشاً أبطأوا عَنِ الْإِسْلَامِ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، وحتى كان الرجل يرى بينه وبين الأرض الدُّخَانِ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَقَوْمُكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ:
أفنكشف عنكم عذاب الآخرة إذا جاء؟ لقد كشف عنهم عذاب الدنيا ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ:
{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} .
فذلك يوم بدر، فسوف يكون لزاماً:
{الم غلِبَتِ الرُّومُ فِي أدْنَى الأرْض وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:1] .
قَدْ مَضَى، فَقَدْ مَضَتِ الْأَرْبَعُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، وَمَنْصُورٍ بِهِ نَحْوَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَقَدْ مَضَى الْقَمَرُ،