الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العاجز عبد العزيز الميمني
(*)
أنا العاجز عبد العزيز بن الحاج عبد الكريم بن يعقوب (1) بن أباني (2) الميمني، أصل آبائِنا من بلدة بردولي في مقاطعة جام نكَر من ولاية كاتهياوار (سواراشترا الحالية). نزع أبو جدي مع جدي، شابًّا إلى معسكر راجكوت، وكان الإنجليز اختاروا هذه الولاية الصغيرة لطيب مناخها وأسكنوا بعض عساكرهم، خارج راجكوت (صدر بازار) فتعاهد جد أبي مع الانجليز لتهيئة مؤن الحياة لعساكرهم، فرغبا في سكنى راجكوت، وأخذا يشتغلان بأعمالهم. إلى أن توفي جد أبي، ولم أدركه أنا. وأما جدي أنا فقد أدركت عصره، وكان بلغ من العمر نحو تسعين عامًا، وتوفي قبل نحو 35 عامًا فيما أذكر. وخلف المرحوم من أعمامنا نحو عشرة، وكلهم كانوا من الجمال وطول القامة والقوة والصحة على درجة يغبطون عليها، وقد دعتهم رحمة الله بأسرهم، ولم يبق منهم إلا أبي (3)، وهو اليوم في الثالث والتسعين من عمره، وكان يركب قبل عام على الدرّاجة وكان رافقني على دراجته نحو عشرة أميال. ومن سوء حظنا أنه سقط من الدراجة إذ كانت تتدرج إلى حدور، فاصطدم بعض أولاد فسقط على الأرض، وأصيب في عظم أحد الوركين ولزم الفراش وقد دعاني في هذه الأيام وأنا سائر إليه في الأيام المقبلة.
(*) نشر في مجلة "الوعي" الباكستانية، العدد 31 (1958).
(1)
المتوالد عام 1815 والمتوفي سنة 1900 م.
(2)
هو الشيخ عبد الله أباني (1765 - 1845).
(3)
الحاج عبد الكريم بن الشيخ يعقوب الميمني ولد عام 1865 وتوفي رحمه الله شهر يونيو 1959 في بلدة راجكوت، الهند- وقال الشيخ عز الدين التنوخي معزيًّا:
كما عزوت أنني أعزّي
…
عبد العزيز بالأب الأعز
من جاوز التسعين عامًا في الهدى
…
عليه رحمة الإله أبدا
ورثت منه عمره العالي الأتم
…
"ومن يشابه فما ظلم"
راجع مجلة المجمع العلمي الهندي (10: 475).
وكان جدي زوّجني بنت عمتي الكبرى (1)، فولدت لي ستة من الأولاد، ثلاثة من الذكور (2) وثلاثًا من الإناث (3)، توفيت واحدة منهنَّ إلى رحمة الله (4).
أما الميمنيون -قومنا- فيقال إن أصلنا كان من السند، دخلوا في حظيرة الإسلام على يد بعض المرشدين من الطريقة الجيلانية، ولعل ذلك في القرن التاسع، وغاية ما أعرف من أوليتهم أنهم كانوا جلوا من السند إلى كاتهياوار في أيام بعض الملوك المظفرية بأحمد أباد قبل امبراطور أكبر. ولكنهم لم يكونوا من العلم والتعليم في ثبت ولا نفي، لم نر فيهم ولا سمعنا بمن نبغ منهم في لسان ما من الألسنة، ولا يوجد عندهم دفاتر أو كتب يكونون قيّدوا فيها بعض ما مرَّ بهم، وبأوليتهم، غير بعض الكتب والدفاتر في الحسابات يوجد فيها بعض ما قيّدوه من مئة عام. والذين أعرفهم في عصر قريب من عصرنا ممن زاول بعض العلوم مولانا الأستاذ سليمان من جوناكره (5) تتلمذ على يد السيد نذير حسين الدهلوي، ثم صديقنا المرحوم محمد بن إبراهيم الجوناكري، ثم الدهلوي، كان من كبار علماء الحديث، وله نحو خمسين كتابًا في الأردية.
ولعل أكثر العلماء يعرفون الشاه وليّ الله وولده الشاه. عبد العزيز ثم شاه إسماعيل الشهيد يعرفون بجنوحهم إلى طريقة السلف من دون التقيد بمذهب من المذاهب، ثم في زمن الثورة الهندية وبعدها زادت هذه الرغبة ونشا منهم شاه محمد إسحاق ثم تلميذه السيد نذير حسين الذي رأيته من سوء حظي ميتًا في الرابع عشر من عمري واشتركت في غسله (6).
كان شاب من لكنو كشميري الأصل هو عبد الخالق الكاشميري، مال إلى الحديث، فارتحل إلى باروده (كَجرات) يتعلم الحديث على بعض الأساتذة هناك
(1) اسمها زينب، توفيت رحمها الله عام 1976 في كراتشي.
(2)
وهم: الأستاذ محمد محمود الميمني المولود عام 1916، محمد سعيد الميمني المولود عام 1920 والدكتور محمد عمر الميمني المولود سنة 1939.
(3)
وهن: زبيدة خاتون ولدت عام 1918، سكينه بانو ولدت 1925 وصفية محمود ولدت عام 1929.
(4)
سكينة بانو ماتت في الهند عام 1949.
(5)
الشيخ سليمان المحدث، لم أطلع على أخباره للآن.
(6)
وكان ذلك يوم الاثنين لعشر ليال مضين من رجب سنة 1320 هـ ببلدة دهلي.
فاشتغل عليه قليلًا، إذ أدرك شيخه اليوم المحتوم ولم يكن قضى حاجته من العلم، فأشار عليه بعض أصدقائه أن يرتحل إلى جوناكَره حيث يوجد مولانا سليمان المحدث الكبير فسار إليه. واشتغل برهة إذ أدركه ذلك اليوم فلم يبق له رغبة في المقام بها. إذ زاره بعض العسكريين المقيمين براجكوت ورغبوه أن يسير إليها فسار إليها. لما كان أبي نحو العشرين من عمره أخذ يتردد إليه، ويجلس في حلقاته، فتأثر بدعايته السلفية بحيث لما تزوج، وهو في 22 من عمره عاهد الله أنه إن ولد له ولد، فإنه يخصصه لتعليم الدين، فولدت بعد عامين، فكنت بكر أولاده، ولما بلغت نحو ستة أو سبعة من الأعوام أرسلني بعد أن فرغت من القرآن وبعض مبادئ الأردية إلى جونكره حيث كانت توجد مدرسة تسمى مهاوت مدرسة، ونزلت عند عمي يوسف، وبقيت نحو ثلاثة أشهر، أتردد على هذه المدرسة، أذكر أني تعلمت فيها بعض "آمدنامه" وتعلمت خط الحروف الفارسية. ثم دعاني أبي إلى راجكوت فبقيت بها بعض أعوام، أدرس بعض الكتب الدينية بالأردية، إلى أن بلغت الثالث عشر من عمري إذ جاءه رجل من الوعاظ، حديث عهد بالإسلام، كان يدعى عبد الخالق فرفقني به والدي إلى دهلي لأتعلم هناك في صدر بازار ببعض مدارس أهل الحديث، وأذكر أنني وصلتها في آخر دسمبر سنة 1951، فبقيت هناك نحو ثلاثة أعوام أقرأ بعض علوم الصرف والنحو بالفارسية، وما كنت أتقنها، إذ دخل مدرستنا شاب كنت أذكر أني رأيته براجكوت فتقربت إليه فاستأنست به، وسألته عن مصيره إلى راجكوت فاعترف بذلك. وسألني عن مبلغ علمي، وكنت أتدارسه إذ ذلك فأخبرته بشرح الجامي والمشكاة، فتحير وقال أنا أهون منك شابًا لأني أريد أن أقرأ "بنج كنج" و"علم الصيغة" وما إلى ذلك وقال لي أنت أفضل منا وأرقى ثم سألني هل قرأت "الميزان" و"المنشعب" فأخبرته أني فرغت منهما قبل عامين فسألني عن اسمهما ووزنيهما ومعانيهما فلم أكد أن أجيبه جوابًا اعترفت بجهلي وعدم معرفتي بذلك، فعيرني أنك إذ لم تكن تعرف هاتين الصيغتين فلا أدري حاصلًا لك في الترقي إلى ما فوقها من الكتب الفخمة.
وأنا أرى كلمتَه هذه، نقطة الانتقال في حياتي العلمية، وذلك أنني بقيت في بعض زوايا المدرسة أفكر في شأني، وأنني غريب بدهلي عن الأبوين والوطن، وقد أضعت ثلاثة أعوام من دون أن أعرف الكلمة التي علمنيها الشيوخ، وقد وثقت تمام الثقة أن لن يحصل لي من هؤلاء الشيوخ كبير فائدة، وأني لن أستفيد في المستقبل
شيئًا، إلا إذا ما جعلت شيخي نفسي ولا أراجع أحدًا منهم، وأجعل حجي راية وأخطو إلى الإمام، ولن يتأتى ذلك إلا إذا ما فرغت عما أنا في صدده من جميع النواحي، فاذكر أنني انتخَبت "فصول أكبرى"(كتاب في الصرف كالشافية) وجمعت نحو ثلاثة شروح، كنت آخذ فصلًا أو بابًا من الفصول وكنت أفكر في معناه وتفسيره غاية التفكير، ثم أراجع هذه الشروح الفارسية، فإذا ما قضيت حاجتي منها أراجع هذا الباب بعضه في شافية ابن الحاجب بالعربية، وربما أزيد في ذلك بمراجعة بعض شروح الشافية أيضًا بحيث أنني كنت أرى نفسي عارفة بهذا الباب خاصة، فكنت بهذه الصورة أفرغ كل يوم من باب من الأبواب. ولعل كتابنا "فصول اكبرى" لا تزيد أبوابه ثلاثين فكأني بهذه الصورة فرغت من جميع كتب الصرف في ثلاثين يومًا ولا وقص ولا شطط ..