الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بشار والخالديان والشارح ومعاصروه
(*)
أخبار بشار بن برد أبي المحدثين غير مجهولة، ولا أريد أن أطيل على القراء بسردها غير أن ابن النديم ذكر في فهرسته (ص 159 لبسيك) أن شعره لم يجتمع لأحد، ولا احتوى عليه ديوان، وقد رأيت منه نحو ألف ورقة منقطع (كذا) وقد اختار شعره جماعة اهـ.
ولئن كان كل شعره غير مدون فإن جله كان مجموعًا، ذكر (1) الخفاجي في شرحه على الدرة أنه وقف على ديوانه -ولكنني لم أقف بعد طول الفحص على ديوان شعره في شيء من فهارس الخزائن الموجودة في هذه الأعصار، غير مقطوعات مبعثرة مبثوثة في مطاوي الدواوين الأدبية، وغير بعض مجاميع حديثة للعصريين غير موعبة ولا مستقصاة، وقد أشرت على الأستاذ بجمعها فجمعها في أجزاء، وإن لم يكن قضى نهمته منها، غير أنها كما يقال غيض من فيض، أو برض من عدة.
والخالديان (2) هما أبو بكر محمد وهو أكبرهما، وأبو عثمان سعيد، شاعرا سيف الدولة، وخازنا دار كتبه ابنا هاشم بن وعْلة بن عُرام، يعزيان إلى الخالدية: قرية من أعمال الموصل، وأبو بكر هو المتقدم موتًا، وقد كان السري الرفاء يلهج بذمهما ويدعي عليهما السرقة، وله فيهما شعر كثير، ولكنه لم ينصفهما فيه، ويوجد من مؤلفاتهما حماسة شعر المحدثين، وتسمى الأشباه والنظائر أيضًا بدار الكتب المصرية، وهذا الاختيار من شعر بشار لم يذكره أحد ممن ترجم لهما، ولا أحال عليه أحد من متأخري المؤلفين، كما لم يقفوا على الشرح أيضًا فيما علمت، فكأن هذه درة يتيمة حجبت عن العيون، إلى أن جليت للرائين في هذه القرون، وهو أول
(*) نشر في مقدمة "شرح المختار من شعر بشار" للتجيبي: ط- ن.
(1)
ص 43.
(2)
انظر لترجمتهما الفهرست 169 واليتيمة 1/ 507 والأدباء 4/ 236 والبلدان (الخالدية) والشريشي 1/ 270 والفوات بولاق 1/ 218.
كتاب يظهر لثلاثة من خيار الرجال: بشار، والخالديين، وأبي الطاهر.
والشارح لم يترجم له فيما علمت غير ابن الأبّار (1) وهذا كلامه بغباره: إسماعيل بن أحمد بن زيادة الله التُّجيبيّ من أهل القيروان وسكن المهدية يعرف بالبرقي، ويكنى أبا الطاهر، أخذ عن (2) أبي إسحاق الحصري تآليفه، وسمع من أبي القاسم (3) سعيد بن أبي مخلد الأزدي العثماني (4) وأبي القاسم عمار [بن] محمد الإسكندراني، وأبي الحسن علي بن حُبَيش (5) الشيباني الأديب، وروى عن أبي يعقوب (6) النُّجِيرَمِي أدب الكاتب لابن قتيبة، وحدثني به من طريقه أبو عبد الله التجيبي وأبو عمر بن عات وغيرهما عن أبي الطاهر العثماني الديباجيّ، عن أبي القاسم منصور بن محمد البريدي، عن أبي علي الحسين بن زياد الرفاء عن أبي الطاهر البرقي هذا عن يعقوب بن خرّ زاد النَّجِيرَمي عن أبي الحسين علي بن أحمد (7) المهلبي عن أبي جعفر بن قتيبة عن أبيه. وكان عالما بالآداب مستبحرًا شاعرًا مجودًا من أهل التأليف والتصنيف مع جودة الضبط وبراعة الخط، دخل الأندلس بعد (8) الأربعمائة ثم صار إلى مصر وكان (9) بها في سنة خمس عشرة وأربعمائة وذكر في
(1) وفي البغية 193 نبذة يسيرة.
(2)
وذلك على ما ذكره المؤرخون أن شباب القيروان كانوا يجتمعون ببابه ويأخذون منه، وقد ذكره صاحبنا في مواضع من شرحه (ص 107 و 157 و 178 و 191 و 218) حيث أنشده الحصري أبياتًا لنفسه أو غيره.
(3)
ذكره الشارح (ص 166) وزاد بن أبي مخلد بن هرمة.
(4)
وفي الشرح العماني مصحفًا فصححه.
(5)
هو الصواب وفي الشرح حيثما ورد جيش مصحفًا فأصلحه وقد أورد الشارح كثيرًا من شعره (ص 6 و 15 و 22 و 51 و 148 - 152) وكان كلاهما يكاتب صاحبه بالأشعار ويبدي له نخيلة صدره ويجاذبه كأس الأنس والصفاء وقد أفاض الشارح في إيراد ملحه وسرد محاسن شعره في ص 148 - 153 ووصفه بالصون والظرف والتبل والكرم وكان عاشره بالإسكندرية وفي ص 153 ما يشعر بوفاته وللشارح فيه شعر (152 و 236) وذكر (147) أن بن حُبيش كتب إليه رسالة وصف فيها نزهة حضرها بمصر سنة 414 هـ.
(6)
المتوفى سنة 423 هـ له ترجمة في البغية.
واسمه يوسف بن يعقوب (م. ي.).
(7)
بالأصل المهلي مصحفًا.
(8)
مكانه بمالقة ذكره في هذا الشرح أيضًا 16 في خبر.
(9)
مكانه بمصر جاء ذكره في هذا الشرح ص 374 في خبر رائق.
الرائق بأزهار الحدائق من تأليفه وقرأت ذلك بخطه أنه كان بمالقة من بلاد الأندلس سنة ست وأربعمائة، وحكى فيه أن مؤدبه أبا القاسم عبد الرحمن بن (1) أبي البشير أنشده:
نزل المشيب بعارضيَ ولمَّتي
…
يا نفس فازدجري عن اللَّذَّاتِ
ودعي الحياة لأهلها وتجهزي
…
يا نفس ويك تَجَهُّزَ الأموات
فلقد نصحتك إن قبلت نصيحتي
…
ولقد وعظتك إن قبلت عظاتي
حدث عنه أبو مروان (2) الطُّبِي لقيه بالإسكندرية في رحلته لأداء الفريضة، وكان وقوفه في موسم سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، ووقفت من خط أبي الطاهر هذا على ما أرخه في جمادى الآخرة لسنة إحدى وأربعين وأربعمائة هـ.
قلت فكأنه عاصر ابن رشيق، وأبا العلاء، بل أبا عثمان الخالدي أيضًا شيئًا في صباه على بعد الدار.
وذكر في هذا الشرح ممن أنشده شعرًا أبا محمد الأزدي القيرواني من شعراء أنموذج ابن رشيق وله ترجمة في الفوات (3)، وإبراهيم بن يونس الأنصاري وأبا بكر محمد بن الحسن التميمي ثم الغوثي رافقه بالإسكندرية والمهدية سنة 415 هـ وأبا الحسن البصري الشريف العباسي أنشده بمصر سنة 415 هـ وأبا الحسن الطوبي الكاتب.
ويروي أبو الطاهر هذا ديوان المتنبي عن أبي عبد الله الحسين بن حاتم الأزدي عن ابن جنّي عن المتنبي، وكان يَعْرف عبد الكريم النهشلي صاحب الممتع في علم الشعر وعمله، ويذكر أنه سأل الفقيه أبا الحسن علي بن عبد الكريم الغالبي مقابلة بعض الكتب.
ومن جلة أصحابه المعاصرين أبو الحسن علي بن محمد الخياط الربعي شاعر
(1) وفي الشرح ص 232 بن أبي البشر.
(2)
له ترجمة في الصلة رقم 769 ص 354 توفي سنة 457 هـ.
(3)
الطبعة الأولى 1/ 300 الثانية 1/ 235.
إذا كان هو المعروف بالعطّار (عبد الله بن محمد الأزدي) فهو في الأنموذج المطبوع، تونس 1986، في ص 198 برقم 42 وفي الفوات، طبعة إحسان عباس 2/ 225 رقم 233 (م. ي.).
صقلية حينئذٍ وقد أكثر (1) من إنشاد غرر شعره ومن الحنين إليه وإلى مجالس أنسه حنين الواله إلى بكرها، والطير إلى وكرها، ولا غرو فإنه كان شاعر صقلية إذ ذاك حيث قضى صاحبنا مدة غير قصيرة من كهولته بعد انفصاله من مصر، ولا أستغرب إن كان بقي بها إلى ما بعد سنة 435 هـ ويذكر لنا من أمرائها الذين لابن الخياط فيهم قصائد طنانة مستخلص (2) الدولة وابنه انتصار (3) الدولة عبد الرحمن (4) وحفيدًا له ولكني لم أعرفهم فيما بيدي من تواريخ صقلية. ويذكر (5) للربعي كلمة في صمصام الدولة وأخيه مؤيد الدولة ابني مرتضى الدولة، والصمصام (6) الحسن هو أخو الأكحل وتولّى بعد مقتله سنة 427 هـ ثم قتل هو أيضًا سنة 431 هـ. ولا أعرف مؤيد الدولة إن كان غير تاج الدولة جعفر بن ثقة الدولة أبي الفتوح يوسف بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي الحسين الكلبي، ولكن التاج تولى من سنة 388 هـ إلى سنة 410 هـ ثم هاجرها إلى مصر، وأبو هؤلاء يلقب ثقة الدولة، وعند الشارح مرتضى الدولة إن كان هو هو.
وأنشد للربعي (7) أبياتًا في تأييد الدولة، وهو الأكحل أحمد بن يوسف المتقدم، ولي صقلية بعد أخيه التاج سنة 41 هـ ثم قتله عبد الله ولد المعز بن باديس صاحب المهدية سنة / 42 هـ وقد ذكر الشارح (8) نكبة التأييد سنة 427 هـ وهذا يدل على أنه ألف هذا الشرح بعد هذه السنة. وعادة ملوك الإسلام بالغرب أن يزيدوا في هذه الألقاب الفارغة تشبهًا بملوك آل عباس في ابان انثلال عروشهم وتشتت كلمتهم كما قال ابن رشيق:
مما يزهدني في أرض أندلس
…
أسماء معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مكرمة في غير موضعها
…
كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد
(1) ص 5 و 6 و 11 و 16 و 43 و 209 الخ.
(2)
ص 350 و 330.
(3)
ص 95 و 147 و 212.
(4)
ص 212.
(5)
ص 229.
(6)
مجموعة أماري الإيطالي ص 275 و 411.
(7)
ص 330.
(8)
ص 230.
ولكنني لا أعذر ابن رشيق في البقاء بصقلية إلى أن وفاه يومه، فلم يكن نصيبها من هاتيك الألقاب باقل من حظ الأندلس منها. ولهؤلاء (1) أخ رابع وهو عليّ ولكنه كان خالف على أخيه التاج سنة 405 هـ فقتله.
هذا جل ما أمكنني معرفته من أخبار ملوكها المعاصرين.
العاجز عبد العزيز الميمني
خادم العلم بجامعة عيكره (الهند)
جمادي الآخرة سنة 1353 هـ سبتمبر سنة 1934 م
(1) أماري 483.