الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوهام المستشرقين في دراساتهم عن أبي العلاء المعري
(*)
كنت قد قرأت بيتًا من شعر المتنبي خلال دراستي لتاريخ الأندلس، يمدح فيه أحد علمائها، وذلك كما يأتي:.
كبرت حول بيوتهم لما بدت
…
منها الشموس وليس فيها المشرق
والحقيقة أن الشاعر لم يبالغ فيما رآه من أن أهل الأندلس يستحقون كل فضل وثناء، وقد مضت مآت من السنين ولكن لم يظهر أيّ شعب على مسرح العالم يعشق العلم كما كان يعشقه أهل الأندلس، ولا يرجى أن يظهر مثل هذا الشعب في المستقبل.
ولذلك فليس عجيبًا أن تطلع شمس العلم من البلاد الغربية، ولكن مما يبعث على الأسف أن هذا الوضع لم يدم، ولم يستمرّ طويلًا. فظلّت هذه الشمس تطلع من جهة الشرق، ثم تغيّر مجرى الأحداث، وامتلك الغرب زمام العلوم والفنون منذ مئة سنة تقريبًا، واستغل تلك الثروة العلمية التي خلفها سلفنا، ولم نقدر قدرها، وتخلفنا نحن المسلمين في كلا المجالين، في مجال السياسة والحكم، وفي مجال العلوم والفنون، وكان العدو نشيطًا، فكرس جهوده على إحراز الفضل والتقدم في مجال العلم والفن، حتى حقق إنجازات علمية كبيرة تبعث على الإِعجاب، ولكنها لم تستطع أن تنبهنا من الغفلة والسبات التي تعودناها منذ أمد بعيد.
وإن أوربا لم تقم بخدمة علومها فحسب، بل استولت على تلك العلوم والفنون التي تعد من ثروتنا العلمية الخاصة، وجعلتها مجالًا للبحث والدراسة، واستعرضت آلافًا من مكتبات الشرق والغرب، واستخرجت منها كثيرًا من الكتب النادرة التي لم
(*) نشر بالأردية في مجلة "معارف" أعداد سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر 1925، وقام بتعريبه ونشره آفتاب عالم الندوى في أعداد من مجلة "البعث الإسلامي"(1407 هـ).
تكن في متناول اليد، وبذلت جهودًا مضنية في ضبطها وتحقيقها وإخراجها، وأضافت إليها حواشي وتعليقات قيّمة، وقامت بنقلها إلى اللغات الأوربية.
ولكن أوربا، بالرغم من أنها قامت بخدمة جليلة للغات والعلوم الشرقية -لم تستطع أن تتجنب السلبيات التي تطرقت إلى أعمالها، ولذلك فكانت الحاجة ماسة إلى كشف ما فيها من اعوجاج وانحراف، وعرض ما قام به علماؤنا من خدمات علمية واسعة.
* * *
وتحقيقًا لهذا الهدف السامي بدأتُ كتابة مقالات حول "أبي العلاء المعري" ونشر أول مقال لي في مجلة "معارف" الأردية بعنوان "المعري ومعارضة القرآن الكريم، وقد ألف -أخيرًا- كاتب هذه السطور كتابًا حول أبي العلاء، باسم "أبو العلاء وما إليه"، ورأيت أن الأوربيين قد أعجبوا بأفكار أبي العلاء الحرة إلى درجة أنهم ألفوا العديد من الكتب باللغات المختلفة من الإنجليزية والألمانية والفرنسية وما إلى ذلك، وهي تشتمل على الغث والسمين من المعلومات عن هذا الشاعر، فكان من الواجب أن أتناول هذا الموضوع الذي طرقوه مرارًا، ولكنهم وقعوا في أخطاء شنيعة. وأرجو من القراء أن يراجعوا كتابي "أبو العلاء وما إليه" للدراسة المفصلة، وقد نشر منذ مدة.
ولا يهمني في هذه العجالة إلا تلك الأخطاء الشنيعة والتناقضات التي تعرض لها المستشرقون خلال دراسة حياة أبي العلاء، يؤسفني أني لم أتمكن من الاستفادة من الكتب التي ألفت باللغة الفرنسية والألمانية مباشرة، ولكني اطلعت على ترجماتها وعرفت ما فيها من أخطاء وتناقضات.
وأتناول أولًا الأخطاء التي صدرت من قلم مرجليوث ونكلسن، وقد تعرضت لمثلها أوربا كلها.
* * *
لقد كتب مرجليوث مقدمة مسهبة تحتوي على مواد علمية قيّمة على رسائل المعري التي طبعت في أوكسفورد سنة 1898 م، وتمتاز هذه المقدمة بالموضوعية والأسلوب العلمي الرزين، واتبع هذه الطريقة نكلسن في كتابه "تاريخ الأدب العربي" الذي تتضمنه الموسوعة الإِسلامية، وفي مقاله "دراسات حول الشعر الإِسلامي" وقد وضعت للإِشارة إلى الكتب الأربعة التي تناولتها بالدراسة والنقد أربع