الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا: "وسمرت عن بغداد. . . سيرًا تخط إبله وتئط نسوعه، وتوقع الغرق سفنه (1). . ." الخ.
7 -
ويدعي (2) أن المحققين القدامى لم يستطيعوا البحث عن قبر المعري، على أن وجود قبره في معرة أمر لا يشك فيه، يقول سائج قام بزيارة معرة في عام 1905 م أن قبره يقع في ركن من أركان البلد ينظر إليه الناس بنظرة الإِجلال والتكريم، ووضعت عليه لوحة مكتوبة بالخط الكوفي، وبجواره قبر أحد تلاميذه، ويقع أمامهما ضريح الشيخ محمد الغباري داخل قبة، وأرسل إلى أحد أصدقائي رسالة يقول فيها: إنه قد نشرت جريدة العمران المصرية أن أمير معرة نورس باشا قام بإصلاح قبر المعري، وأنشأ هناك كتابًا للأطفال.
نتائج قصور التفكير والكتابة السهلة:
قد تعرض أحيانًا لأوهام عجيبة لقصور التأمل وعدم الدقة في التفكير، وفيما يلي بعض الأمثلة من هذا القبيل:
1 -
إنه يقول (3): ما عثرت قط على أخويه: أبو الهيثم و (أبو المجد) محمد في رسائله وغيرها من تأليفاته.
والحقيقة أن أبا الهيثم لم يرد ذكره في تأليفاته قط دون محمد حيث نجد ذكره، راجعوا الرسائل (4) حيث يذكره بقوله:"وأما سيدي أبو المجد فشغله من قلة الفائدة يكاد يمنع نومه" إلخ، ومن الغريب أن ينفي ذكره من قام بترجمة رسائله وطباعتها ونشرها، يبدو أن هذه الغفلة ترجع إلى وجهين:
(ألف) لا يعلم مرجليوث أن محمدًا المذكور أعلاه كنيته أبو المجد، رغم أن هذا التصريح قد ورد في "الأدباء" و"خريدة القصر".
(ب) يزعم أن أبا المجد (5) هو مستمل (كاتب) ولكنه لا يعتمد على دليل، لأنه لا تقتضي أيّ مناسبة ذكر المستملي في رسائل المأمون، ثم إن ذكره بلفظ
(1) ص 32.
(2)
م: 43.
(3)
ص 112.
(4)
م، 43.
(5)
م، ص 34.
"سيدي" غير ملائم بكثير، وينطبق ذلك كله على محمد أبي المجد تمامًا، لأنه كان أخًا كبيرًا له.
2 -
يقول: (1) علاقاته مع المغربي وأبي القاسم قد مهدت له الطريق للدخول في بغداد سريًّا.
حاولت كثيرًا لكنني لم أقف على أن ابن جلبات حيّ إلى ذلك الحين، ولا يوجد ذكره إلا في "ميمية مسقط" ويذكر في "يتيمة الدهر" أنه كان شاعرًا في مجلس شابور، بينما تفيدنا "الميمية" أن عضد الدولة كان قد ولاه منصبًا جليلًا في بغداد، وتمَّ إقصاؤه عن هذا المنصب بعد ما توفي عضد الدولة ولأجل ذلك أظن أنه لازم بيته (في معرة).
وقد تعرض مرجليوث لأخطاء كثيرة عن المغربي، وهو لم يعرف أن هناك مغربيين، أحدهما أب وهو أبو الحسن علي، وآخرهما ابن وهو أبو القاسم حسين الذي كان صديقًا حميمًا لأبي العلاء ومقرًا بفضله وثنائه، ولم يكن آنذاك وصل أبو القاسم إلى بغداد، لما أنه ولد في الشام وغادر مع أبيه إلى مصر في عنفوَان شبابه حيث قضى بقية أيام شبابه، ثم وصل فارًّا إلى حسان بن مفرج بعدما قتل الحاكم العلوي والده سنة 400 هـ وظل يبّيت المؤامرة ضده عدة أعوام، ثم وصل بعد 400 هـ بسنين إلى نواحي بغداد، هذا ما تواردت عليه جميع التواريخ العربية مثل ابن القلانسي وابن الأثير وغيرهما.
3 -
يدعي (2): أن الجيوش المصرية لما فرضت الحصار على "حلب" أرسل المغربي إلى جماهير "معرة" رسالة سياسية كان من تأثيرها أن جماهير "معرة" بأسرهم انحازوا إلى المصريين: حتى أن المصريين جاؤوا للدفاع عن أهل المعرة وإنقاذهم عندما نفذ الحلبيون (آل حمدان) الهجوم عليهم.
يرجع هذا الخطأ إلى أوهام تالية:
(ألف) إنه لم يفرق بين المغربيين إذ كان المولع بالسياسة فيهما أبو الحسن،
(1) م، ص 25.
(2)
ترجمة "الرسائل" وفوجئت فيما بعد بأن "نكلسن" هو أيضًا يدعي ذلك في دائرة المعارف ص 75.
وأما الذي كتب الرسالة فهو أبو القاسم، ولم يكن أهلًا بالمساهمة في السياسة لصغر سنه، راجعوا "وفيات الأعيان".
(ب) أرسل أبو القاسم هذه الرسالة من مصر دون حلب، راجعوا رد المعري المعروف بـ "رسالة المنيح" ص 9.
(ج) ولا يستند إلى دليل القول بأن أهل المعرة خذلوا الحمدانيين وساندوا المصريين، لأن أبا العلاء قرض أول قصيدته اللامية في هذا الزمان نفسه يمدح فيها سعيد الدولة حفيد سيف الدولة، ومما يؤيده أيضًا أن أبا العلاء أنشد عشرات من الأبيات أبدى فيها كرهه واستنكاره للمصريين، وإليكم بعض الأبيات من هذا القبيل:
يقولون في المصر العدول وإنما
…
حقيقة ما قالوا العدول عن الحق
ولست بمختار لقومي كونهم
…
قضاة ولا وضع الشهادة في رق
كما أنه يذكر علاقته وميله إلى الحمدانيين ويقول (1):
لا تأمنن فوارسًا من عامر
…
إلا بذمة فارس من وائل
يقول التبريزي إن ملوك حلب هم من آل وائل، وملوك العراق والجزيرة هم من آل عامر بن صعصعة، فكأنه يشكو عامرًا ويشكر وائلًا، كما أن ذلك يشير إلى أن راكبًا لوائل يعادل عدة فرسان عامر.
(د) رسالة أبي العلاء المعروفة برسالة المنيح لا تمت إلى السياسة بصلة ما وقد تناولنا مادته بالبحث والدراسة في كتابنا.
وقد حاول طه حسين الرد على مرجليوث ولكنه وقع بنفسه في غلطة الخلط بين اسمي الوالد والولد (2).
4 -
يزعم: أن أبا أحمد عبد السلام كان قد شهد محاضرات ابن السيرافي واستمع إليها، وهو من يسميه بالسيرافي الصغير.
(1) سقط 1 - 157.
(2)
ذكرى أبي العلاء.
فهذا لا يمت إلى الصحة بصلة لأن أبا أحمد كان من تلاميذ السيرافي دون ابن السيرافي، كما تدل عليه الحكاية الآتية (1) بوضوح:
يروي عن "إصلاح المنطق" أن أبا العلاء يقول: إن عبد السلام البصري الذي كان أمين مكتبة دار العلم ببغداد وصديقًا مخلصًا لي، كنت ذات مرة في مجلس أبي سعيد السيرافي إذ مرّ القارئ بالبيت التالي، وكان يقرأ أمامه "إصلاح المنطق" لابن السكيت.
ومطوية الأقراب أما نهارها
…
فسكيت وأما ليلها فذميل
فقال له أبو سعيد اجعل "المطوية" مجرورة لأن الواو واو رب، قلت:
أيها الشيخ! لكن البيت الأول يدل على أنها مرفوعة والبيت الأول كما يلي:
أتاك بي الله الذي أنزل الهدى
…
ونور وإسلام عليك دليل
فأمره بالرفع، وكان يشهد المجلس ابنه أبو محمد (ابن السيرافي) فأثار ذلك غضبه وحفيظته حتى قام من المجلس وباع دكانه للسمن، شد مئزره وانقطع لطلب العلم، وما زال يواصل جهده حتى أحرز الفضل وبرع فيه وتمكن من القيام بشرح "إصلاح المنطق" هذا. وعبد السلام وابن السيرافي متقاربان في السن، مما يتضح به أن عبد السلام كان تلميذًا للسيرافي دون ابنه أبي محمد (ابن السيرافي).
5 -
يقول (2): لما كان أبو العلاء في بغداد كتب إليه خاله أبو طاهر يأمره بأن ينقل "شرح كتاب سيبويه" للسيرافي. (3)
هذا من أشنع أخطائه شوه به صورة الجزء العاشر للرسائل والجزء العشرين للسير والتراجم، ولذلك هو يعد أبا بكر أحمد الصابوني (3). والصحيح أنه محمد، (راجعوا الرسائل ص 45) من أصدقاء أبي العلاء ببغداد، وكذلك هو تعرض لخطأ فاحش في ترجمة 11، 10، و 15 من الرسائل، ومما يستغرب أن الأديب الفاضل المصري طه حسين أيضًا، قد أغفل هو الأخير هذه الغلطات الكبيرة وتابع مرجليوث
(1) ابن خلكان (2: 35).
(2)
م، ص 35.
(3)
م، ص 26.
بدون بصيرة وقلده تقليدًا أعمى (1).
لعل هذا الخطأ نشأ من عدم فهمه لعنوان الرسالة العاشرة الذي ألفاظه، حسب ما يلي:"وكتب إلى أبي طاهر المشرف بن أبي سبيكة وهو ببغداد يذكر له أمر شرح السيرافي وما جرى فيه من التعب" ويمكن أن يكون مصدر هذا الخطأ جامع الرسائل، ولكن مرجليوث أحق بأن ينسب إليه هذا الخطأ لأنه اعتبر عن خطأ مرجع ضمير "له" أبا العلاء بصرف النظر عن الدلائل الظاهرة.
وما أحسن قول النحاة: إن الضمائر من المبهمات، وإني أرى أن تعد من النكرات بدلًا من المعارف لكيلا يقع في مثل هذا الخطأ من هو قليل البضاعة في العلم، وقد وقع مرجليوث في هذا الخطأ، لأن أبا العلاء قد تحققت رحلته إلى بغداد، ومما يبعث على الاستعجاب أن مرجليوث لم يدرك أن هذه الرسائل الأربع التي تتعلق بشرح 10، 11، 12، 13 من الرسائل إنما هي منخرطة في سلك واحد، كما أن عنوان الرسالة يشير إلى أن أبا طاهر هو الذي رجع من بغداد، وأما مرجليوث فهو يزعم أن أبا طاهر كان حينئذٍ في حلب، وكتب من هناك إلى أبي العلاء -ببغداد يأمره بنقل الشرح، معنى ذلك أنه لم يعتن بالمواد إطلاقًا، فإن أبا العلاء يكتب في رسالته العاشرة "وفهمت ما ذكره من أمر النسخة المحصلة وهو أدام الله عزه الكريم المتكرم وأنا المثقل المبرم، جرى بي التفضل على الرسم وألححت إلحاح الوسم، فأما الشرح، إن سمح القدر وإلا فهو هدر". وفي الرسالة نفسها ورد ذكر أبي عمرو استرآبادي الذي كتبت إليه الرسالة الحادية عشرة تحقيقا لهذا الغرض، ولو كان أبو العلاء بنفسه موجودًا في بغداد لما كتب الرسالة إلى أبي عمرو، ويستطرد في رسالته العاشرة يقول:"وإنا نهدي إلى الشيخ سيدي وإلى جميع أصدقائه سلامًا تتأرج الكتب بحمله وتروض المجدبة من سبله". هنا أسأل مرجليوث هذه "السبل المجدبة" تختص بالمقيم أو بالمسافر؟ ويكتب في رسالته الثانية عشرة التي عنوانها يشير إلى عودة أبي طالب من بغداد بوضوح: "وبقي للعارفة من أن تكمل تعريفي من غير نقيمة، ما وزن في القيمة لأبادر بإنفاذه، فلو حضرت لم أبلغ ما بلغه، ولا سوغت من قضاء المأربة ما سوغه".
(1) ذكرى ص 132.
رغم أن هذه الرسائل كلها تشير إلى عودة أبي طاهر من بغداد كيف يدعي مرجليوث أن أبا العلاء هو الذي كان في بغداد، وقد ركب أبو العلاء على باخرة خاصة وهو عائد من بغداد مما يدل على أنهم كانوا يضعون دائمًا باخرة خاصة تتفرد بشؤنهم التجارية بنهر الفرات، وظن مرجليوث عن خطأ أن هذه الباخرة أعدت لأبي العلاء خاصة مما لا يستند إلى أيّ دليل كما لا يقبل المنطق والبداهة أيضًا أن يأمر أحد بإعداد باخرة لسفره الذي لا يرجو العودة منه، وهو واقع يعترف به مرجليوث نفسه.
ينشد أبو العلاء وهو يذكر الطبيعة السياحية لخاله:
كأن بني سبيكة فوق طير
…
يجوبون الغواشر والنجادا
أبِالإسْكندر الملك اقتديتم
…
فما تضعون في بلد وسادا
ومما يهم ذكره أن البائس الفقير أبا طاهر لم يكن شغله إلا التجارة، فأين هو من شرح السيرافي الذي هو أصل مهم من أصول النحو، لا شك أن أبا العلاء كانت له حاجة ماسة إليه بما أنه صدر جديدًا ولم تتوفر نسخهُ في الشام، فكان يتحتم عليه أن يطلب منه الشرح قبل عودته من بغداد، أما بعد عودته فقد توفر له بعدد وفير، كما ذكره بنفسه (1)، ومما يؤكد ذلك أيضًا أنه لم يعد يعشق كتب النحو بعد عودته من بغداد كما كان يعشقها قبل كما ذكر في اللزوم، وأما كيف يمكن أن يكلفهم بالحصول على الشرح من غير لقاء مسبق فمعلوم أن أبا العلاء كان يتمتع بعلاقات ودية مع أهل بغداد قبل المغادرة إليها (2)، وله مراسلات عديدة إليهم، وقد اعترف مرجليوث نفسه أنه كان لأبي طاهر أصدقاء في بغداد وكان يكتب إليهم لحسن السلوك مع أبي العلاء، وإكرامه، ويؤكد ذلك أن أبا طاهر كان يتردد إلى بغداد.
6 -
يدعي: أن أبا العلاء لما ركب السفينة في نهر الفرات في طريقه إلى بغداد وصلت السفينة سالمة إلى "أنبار" حيث ينبثق نهر آخر ينصب في نهر دخلة وينتهي إلى بغداد، لكن حالة الجو منعت مواصلة السفر بهذا الطريق فوصلت بطريق آخر، إلى القادسية.
(1) الرسائل ص 38، "إذ كانت عند طلاب العلم بمدينة السلام كشجر العرى لا يسقط ورقه".
(2)
راجع رسالته إلى القاضي أبي الطيب.
قد لا يوجد في بحث مرغليوث خطأ أكبر من هذا الخطأ الذي وقع فيه والذي يبعث على الدهشة والاستغراب، بل السخرية، فما صلة القادسية التي تقع في البادية على مسافة بعيدة من الكوفة بالسفينة، فإن الطريق لا يزال بريًّا ولو افترضنا أنها جرت على البر بمساعد [ة] الرافعات الأوربية، فمن أين جاء جباة المكوس؟ فإنهم لا يعينون إلا على المواني، فهل علم مرغليوث بالجهاز اللاسلكي أن سفينة أبي العلاء جرت على البرِّ بصورة معجزة؟ والصواب في "القادسية" أنها "الفارسية" بالفاء والراء، وهي قرية تقع على شاطئ "نهر عيسى" بعد "محول" على مسافة فرسخين من بغداد، كما يفيدنا بذلك شرح التبريزي المسمى بـ "إيضاح السقط وضوئه" كما لا يمكن أن تعني بالقادسية "القرية التي تقع على نهر "دجيل" قريبًا من "سامراء" فإنه كان يمكنه أن ينزل بمحطة قريبة لبغداد، ومن المؤسف أن الدكتور طه حسين أيضًا قلد مرغليوث في هذا الرأي أيضًا تقليدًا أعمى (1).
يرجع الالتباس في هذا الأمر إلى البيتين التاليين من "السقط":
سارت فزارت بنا الأنبار سالمة
…
تزجى وتدفع في موج ودفاع
والقادسية أدتها إلى نفر
…
طافوا بها فأناخوها بجعجاع
توافقت جميع النسخ "للسقط" وطبعة "تنوير" أيضًا على كلمة "القادسية" وهذا التصحيف ليس جديدًا، فقد تعرض له الشيخ برهان الدين أبو المظفر ناصر الدين بن أبي المكارم عبد السلام المطرزي قبل ثمانية قرون ونصف، وقد نبهه على خطائه باحث من الباحثين لكنه لم يصحح وظل عليه قائمًا، فذهب به الباحث إلى عالم جليل. بخوارزم قضى بالفارسية دون القادسية.
7 -
ومما لا مراء فيه أن أبا العلاء كان يتمتع بعلاقات ودية مع أمين مكتبة يعرف بأبي منصور، وتشهد بذلك الرسالة رقم 19، وهذه الرسالة لا تلقي الضوء على الأحاديث المسهبة للشوق والحنين فحسب بل تشير إلى أن أبا العلاء قد أرسل إليه قصيدة لزومية في البحر الطويل ولم يبلغه أنه تسلمها أم لا.
قد وضع ياقوت وابن حجر كلاهما ترجمة لأبي منصور محمد بن الطاهر بن
(1) ذكرى ص 130.
حمد الخازن الذي كان من تلاميذ التنوخي الصغير، وإنه ولد في سنة 418 هـ وتوفي في سنة 510 هـ، روى ياقوت عن "غرس النعمة" حكاية عجيبة مفادها أن مكتبة شابور بن أردشير وزير بهاء الدولة الديلمي كان يشغل وظيفة أمانتها رجل يعرف بأبي منصور، بعدما توفي شابور تولى إدارتها الشريف مرتضى الذي أضاف أبا عبد الله بن حمد بجانب أبي منصور، وكان أبو عبد الله رجلًا مزاحًا، كثيرًا ما يتناول أبا منصور بالمزاح والدعابة، حتى قال ذات مرة لأبي منصور "أسفًا فقد تلفت المكتبة وضاعت الكتب"! دهش بذلك أبو منصور وسأله عن السبب، قال: خباثة البراغيث، فعليك بالأدوية للقضاء عليها وهي تتوفر دائمًا عند الشريف مرتضى، فأسرع أبو منصور إليه وذكر له قصة، ففطن لذلك الشريف مرتضى ونصحه بأن لا يسمع منه شيئًا فإنه رجل مزاح ذو تهكم ودعابة.
أبدى ياقوت استعجابه على أن ابن حمد ذكرت كنيته في هذه الرواية أبو عبد الله بينما هي أبو منصور، وعلى أنه ولد في سنة 418 هـ وتوفي المرتضى في سنة 436 هـ فكيف يمكن أن يفوز ابن حمد بهذا المنصب الجليل وهو ابن ثلاث عشرة سنة؟.
إليكم الآن الدعاوى الأربع لمرجليوث، التي لا نظير لها في إثارة الدهشة والاستعجاب.
(أ) القصيدة الطائية (1) للسقط التي عنوانها "إلى أمين مكتبة دار العلم ببغداد" لا تخاطب إلا إياه سوى الرسالة التاسعة عشرة.
(ب) القصيدة التي ذكر إرسالها في الرسالة 19 (2) هي نفس القصيدة الطائية.
(ج) أبو منصور (3) الذي كانت معه علاقات أبي العلاء إنما هو الذي وضع ياقوت ترجمته باسم محمد بن أحمد الخ.
(د) شك ياقوت (4) على تعدد كنية ابن أحمد إنما هو وهم لا أساس به.
هذه هي دعاويه الفارغة التي لم يستخدم العلم فيها ولم يعمل الفكر، ومن العجيب أنه يرى بنفسه في "الأدباء" أن أبا العلاء ولد سنة 418 هـ، ثم يكتب هو
(1) الحاشية 4 في ترجمة الرسالة 19.
(2)
أيضًا.
(3)
حاشية معجم الأدباء (6: 358).
(4)
أيضًا (4: 306).
نفسه في المقدمة أن أبا العلاء لقي أبا منصور سنة 399 هـ أي قبل ولادته بتسع عشرة سنة فكيف أمكن أن أقام علاقاته الودية كشاب يافع، إن هذا إلا اختلاق، ما له من فواق. .
وكيف يمكن أن تكون القصيدة الطائية للسقط من الرسالة 19 للزومية فإن الطائية من السقط، ولا يوجد في السقط بيتان من اللزوم.
وأما أمر كون مخاطب الطائية فإن أبا أحمد عبد السلام أحق بأن يكون مخاطبها بدلًا من أبي منصور وهو أقرب إلى الفهم منطقيًّا وقد ورد ذكره في تأليفات أبي العلاء مرارًا.
وما نسبه مرجليوث من الوهم إلى ياقوت فإنما هو دعوى فارغة لا دليل عليها.
والآن أتصدى لتبديد السحب التي أثاروها على بعض الحقائق منذ تسع مئة سنة ولله الحمد على ذلك.
إن هناك ثلاث شخصيات تاريخية:
(أ) صديق أبي العلاء أبو منصور، أمين مكتبة دار الكتب القديمة المعروف بأبي العلاء محمد على، الذي كان يختلف إلى مجالس الصاحب إسماعيل، وكان أديبًا فذًا ولغويًّا بارعًا، صنف في اللغة كتابه المعروف بـ "الشامل" وقد قرئ عليه في سنة 416 هـ، والحقيقة أنه كان من مواطني "الري" ولكنه عاش في اصفهان مدة من حياته، وهو الذي عُنِي بأبي منصور في رواية "غرس النعمة".
(ب) وأما أبو منصور بن حمد الذي وضع ترجمته ياقوت وابن حجر فلم يكن له أيّ صلة شخصية بأبي العلاء، على أننا نعترف بأن ورود اسمه مصحوبًا بمحمد ومقرونًا بالخازن كان السبب في إثارة هذا الوهم، ولا نستطيع أن نجزم بأن أيّ مكتبة كان خازنًا لها أو إن نسبة الخازن إليه وهم من الأوهام.
(ج) ومن المصادفات الغريبة أن أبا غالب بن حمد الخازن أخا أبي منصور بن حمد اسمه أيضًا محمد، وتوجد نسخة عتيقة جدًّا لشعر أبي دهبل الجمحي في مكتبة جامعة "لبزيك" يتفرد ورقها الأول والآخر بالرسائل السماعية للأئمّة العديدين، وعندما قرأ أبو غالب الخازن الديوان المذكور أعلاه أمام القاضي التنوخي الصغير
سجل فيها أسماء جميع العلماء الذين ساهموا في الدرس، وفيها اسم أخيه أبي منصور بن حمد ولكنه بدون لفظة "الخازن" أفلا يمكن إذًا أن يكون أبو غالب هو الخازن فحسب دون أبي منصور حسبما يوجد في هذه الرسائل وإنما قرن الخازن باسمه عن خطأ لاتحاد اسمه مع الذي سبقه، ولعل أبا عبد الله بن حمد الذي ورد ذكره في "غرس النعمة" هو أبو غالب هذا، وثمة مظاهر من لهجة أبي غالب تشير إلى أنه الأخ الكبير لأبي منصور بن حمد، إذًا يمكن أن تكون له كنيتان -أبو عبد الله بن حمد وأبو غالب- وبذلك يندفع ما اعترض عليه ياقوت من صغر سنه، لأننا علمنا فيما مضى أن الخازن الآخر مع أبي منصور صاحب أبي العلاء كان أبا غالب الأخ الصغير لابن أحمد، راجعوا (ج. ر. ا. س) / 1017، 1075 سنة 1910، للوقوف على صور هذه الرسائل السماعية.
8 -
يقول (1): إن أبا العلاء أقام بمنطقة قديمة في بغداد تعرف بـ "سويقة ابن غالب".
يحمل هذا التصريح شيئًا كثيرًا من الغموض والإِبهام وقد زاد من غموضه ما كتبه في الحاشية، قد تناولنا سويقة بن غالب بالضبط والتصحيح فيما مضى، وحققنا أنه سويقة غالب، لا شك أنه أقام بـ"سويقة غالب" فور وصوله إلى بغداد، كما ورد فيما حكاه أبو الطيب (2) ولكنه انتقل إلى مكتبة دار العلم لسابور التي تتصل بدار الكتب القديمة وتقع في "قطيعة الفقهاء" بكرخ في بغداد والدليل على ما نقول البيتان لمهيار الديلمي:
نزلنا في بني ساسان دورًا
…
بها تسلى بيوتك في قضاعه
إذا ما الضيم رابك فاستجيزي
…
ذرى سابور وانتجعي بقاعه
ومما يؤكد ما نقول الأبيات التالية لأبي العلاء نفسه وقد أنشدها في بغداد:
وغنت لنا في دار سابور قينة
…
من الورق مطراب الأصائل ميهال
ويكتب إلى القاضي التنوخي بعد عودته منها:
أيام واصلتني ودًّا وتكرمةً
…
وبالقطيعة داري تحفر النهر
(1) م ص 22.
(2)
وفيات (1: 233).