الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة شعر أبي عطاء السندي
وقع فتح السند في أيام الحجاج لما ولي العراق للوليد بن عبد الملك في آخر المائة الأولى. ولم يبتدئ القرن الثاني إلا وأفواج من مسلمي السند وما صاقبها من الهند يهرعون إلى الشام ثم إلى العراق ويتغلغلون في الحواضر والبوادي.
كان مواليهم المستعربون يتقلدون أعمال السلطان ويتولون ولايات في البلاد ويأخذون من الدين والثقافة العربية بحظ لا يقل من حظ القوم أنفسهم. وأكثرهم أقاموا بين أظهرهم بحيث نسوا أوطانهم التي منها خرجوا وفيها دبّوا ودرجوا. وههنا تزاوجوا وتوالدوا إلى أن انقطعت صلتهم ببلادهم الأصلية.
إلا أن اللكنة واللثغة كانت ولا تزال تَنمَّ عن الهجنة برهة من الزمان إلى أن زالت في منتصف القرن الثاني.
نشأ منهم علماء اللسان واللغة والشعر والحديث إلى نحو من مائتي سنة. فنبغ فيهم أمثال مكحول السامي والمنتجع بن نبهان وأبي عطاء السندي وأبي ضيلَع (*) ويقول ابن النديم أن له ديوانًا في ثلثين ورقة، إلى أن كان في ساقتهم أبو جعفر الديبلي المحدث وأبو الفتح كشاجم صاحب أدب النديم وهو حفيد السندي بن شاهك ..
تفرقت أخبارهم شَذَر مَذَر في دواوين الاداب والأخبار واللغات والأنساب. ولابد أن نتلهف ونتاسف هنا على ضياع مؤلفات المدائني وغيره ممن دوّن في تاريخ بلادهم وفتوحها. وذلك لانقطاع وصلة البلاد بالخلافة العباسية بعد النَعرة الشعوبية السائرة في العجم ولا حول ولا قوة إلَّا بالله، وكنا إليها في حاجة ماسة.
(*) ترجم له ابن الجراح في الورقة رقم 151 وأراه صواب اسمه كما هو فيه وفي نسخة صحيحة بتونك سن فهرست ابن النديم وفي آثار البلاد. وأبو الأصلع تصحيفه في الحيوان.
ولكن البقية الباقية من مؤلفات أبي عثمان الجاحظ تلقي بعض ضوء على أحوال القوم وأخبارهم وتدلنا على مبلغ وصولهم إلى نواحي الثقافة العربية وأعماقها.
وكان صانع هذا الديوان صاحبنا الدكتور نبي بخش نزح إلينا بعليكَره والتحق بقسم العربية وبقي أكثر من أربع سنوات (1921 - 1925 م) حاز فيها رتبة المجستير وجمع مواد وافرة لتقديم أطروحة للدكتوراه في تاريخ الدولة العربية ببلاده (السند) إلى عهد المتوكل.
فبحث عما حصلنا عليه من الدواوين ومؤلفات اللغات والأنساب والآداب والأخبار، ونقب عنها تنقيبًا يقل نظيره واقتطف منها نتفًا متشتتة -حتى تسنى له أن يضيف إلى فتوح البلاذري والرحلات المطبوعة والتواريخ المعروفة حقائق انقبلت في عامتها وراجت أغلاطها في سوقها. وهذا عمل عظيم وجهد نبيل يقدر العارفون قدره ويعترفون بمزيته.
وبينما كنا فيما نحن بصدده إذ أشرت عليه أنه لو جمع ما انتشر من أشعارهم في المجاميع لجاء ديوانًا صغيرًا يدل على مجهود القوم ونصيبهم في الأداب العربية حتى يكون فيه سداد من عوز. واخترنا أبا عطاء. فصنع ديوانه وأنفذه للطبع إلى مجلة الثقافة الإسلامية بحيدرآباد الدكن. ثم قضى له أن غادرنا توّا إلى أميركا دون أن يشرف على طبعه.
فكتب إليّ صديقي الدكتور عبد المعيد خان مدير المجلة أن أقوم بالإشراف عليه بعد رحيل صانعه الراحل. فراجعت التجارب وأصلحت بعض أودها وكتبت عليها بعض نكت.
وهذه طبعة ثانية. وقد صدر في مدة 15 عامًا ما لا يستهان به من النوادر الأدبية ولكنها لا تحوي من شعره على ما يعظم فائدته ويزيد فيه زيادة محسوسة. تصدر من موطن أبي عطاء نفسه حيث صرنا ناقلة الهند ومعنا صانعه الدكتور وهو هندي صليبة.
وأنا أقدر مجهوده وعنايته بعمله هذا وأدعو الله له أن ينشطه لإخراج تاريخه العظيم الذي ما زلنا نرقبه منذ 15 عامًا والله يوفقه وييسر له كل ما لم يقف عليه إذ ذاك.
الداعي عبد العزيز الميمني
أول سنة 1962 ع بكراتشي