الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
ويقول في موضع: إن القاضي عبد الوهاب المالكي لما سافر من بغداد إلى مصر. . . الخ، وجاء في موضع آخر "من مصر إلى بغداد. . ." على حين أن الذي قام بهذا السفر شخص واحد، والسفر أيضًا واحد، والمصدر الذي اعتمده هو "وفيات الأعيان" لابن خلكان (1) في كلا الموضعين، وهذا التناقض نتيجة للكتابة غير الواعية.
دعاو فارغة:
إن علماء الغرب وتلاميذهم معجبون -بوجه عام- بالدعاوي الفارغة، وهم يقطعون بأمر ينقصه الحجة والبرهان، ولكنهم يقدمونه كحقيقة علمية ثابتة لا تقبل الجدل والنقاش، وربما يعجب من يطلع على كتاباتهم بسعة اطلاعهم ودراستهم الواسعة.
ويمتاز مرجليوث من بين سائر المستشرقين بسعة الاطلاع والجدية، ولكنه لم يستطع أن يتجنب من تأثير البيئة التي نشأ فيها، ولذلك نجده مولعًا بالادعاء، وإليكم بعض الأمثلة من هذا القبيل:
1 -
إنه يزعم أن أسماء شعراء معرة التي وردت في كتب التاريخ قليلة جدًّا، نظرًا إلى أهميتها السياسية، وذكر في الحاشية أسماء خمسة من الشعراء (2).
وإن هذا الزعم نتيجة لقلة المعرفة وعدم العناية بالبحث والاستقصاء، لأن عدد شعراء معرة أكثر بالنسبة لأهميتها السياسية، وقد ذكرت 75 شاعرًا في كتابي "أبو العلاء وما إليه" ومن أراد التفصيل فليراجع هذا الكتاب، وهؤلاء الشعراء من بني سليمان، وبني الدويدة، وبني أبي الحصين، وبني المهناز وغيرهم من القبائل.
2 -
يقول في موضع (3): إن أبا العلاء بعد ما أصبح مكفوف البصر كان يتمتع بشيء من البصارة عدة سنوات، ويدل على ذلك وصفه للأزهار والحروف وما إلى ذلك.
(1) ابن خلكان 1/ 83 - وفي طبعة مصر (سنة 1310 هـ) 1/ 304.
(2)
م 13.
(3)
راجع التنوير 2/ 91 ونكهة الهيمان 84.
وإن هذه الدعوى لا تستند إلى دليل، ويكذبها أبو العلاء نفسه، فقد روى عنه المؤرخون أنه أصيب بالجدري في الرابعة من عمره، وقد لبس ثوبًا أحمر، وفقد بصره في تلك الحالة، ولذلك فلم يكن يعرف من الألوان سوى الأحمر، فلو كان متمتعًا بشيء من البصارة بعد إصابته بالجدري لكان يعرف الكثير من الألوان غير الأحمر أيضًا، ونجد في ديوانه "سقط الزند" قصيدة نونية في وصف النجوم، أظن أن مرجليوث لم يطلع عليها. إن هذه القصيدة تشتمل على أبيات منقطعة النظير، تبعث على الحيرة والاستعجاب، ولم يقل مثلها أحد من العميان (1) وإن الجاحظ قد أبدى إعجابه ببيتين من شعر الأعشى وبشار، وليس فيهما أيّ طرافة وإبداع، فقال الصفدي: إن الجاحظ لو سمع قصيدة نونية لأبي العلاء لقضى منها العجب.
والحقيقة أن المعري كان قويّ التصور مرهف الحس، لأن ضعيف البصر لا يستطيع أن يصف النجوم قبل هذا الوصف البارع الذي يبعث على العجب، وأما تشبيه الهلال فلا يستلزم أن يكون الشاعر بصيرًا، لأن هذا التشبيه كان معروفًا لدى الشعراء قبل أبي العلاء، ولا غرابة فيما إذا كان الأعمى يعرف أن النون مستديرة.
3 -
ويزعم (2) أن أبا العلاء لما وصل إلى بغداد خاطب الإِمام أبا حامد الإسفرائيني بإيعاز من القاضي أبي الطيب لإِنقاذ باخرته.
ولا يصدق الواقع هذه الدعوى، لأن منزلة أبي الطيب وأبي حامد كانت سواء عند أبي العلاء، لقيهما في بغداد، وكان كل واحد منهما فقيهًا ليس غير، ولو كان أحدهما أديبًا لكان ذلك سببًا لتفضيله على الآخر، وما الذي جعل القاضي أبا الطيب يحث أبا العلاء على مخاطبة الإِمام أبي حامد بقصيدته النونية؟.
4 -
ويقول: إن المجلس العلمي (3) للشريف القاضي كان قد أقيم على طراز مجلس شابور، وذكره أبو العلاء في شعره ونثره. . الخ.
والحقيقة أن أبا العلاء لم يذكر إلا دار العلم التي أنشأها شابور، ولم يكن للشريف الرضي أيّ مجلس علمي، ولم تحدثه نفسه أن يقيم مجلسًا علميًّا، وهو
(1) م 24.
(2)
م 22.
(3)
م: 24، ووقع نكلسن في نفس الخطأ، راجع كتابه تاريخ آداب اللغة العربية ص 314.
شاب يافع، وقد شهد دار العلم لشابور، والمجلس العلمي لأخيه الشريف المرتضى، فلم يشعر بحاجة إلى إنشاء مجلس جديد.
ولا يغيبنّ عن البال أن الرضيّ كان زوَّج بنت شابور، وكان مجلس الشريف المرتضى غاصًّا بالعلماء والفضلاء، وقد ذكرت في كتابي بعض طرائف مجلسه.
وقد ثبت بالمصادر الموثوق بها أن أبا العلاء كان يتردد إلى مجلس المرتضى، ولا نجد ذكر مجلس الرضي في الكتب التي بين أيدينا، وأظن أنه التبس عليه مجلس المرتضى، فكتب الرضي بدل المرتضى، كما جعله ابن تغري بردي.
5 -
يزعم (1) أن أبا أحمد عبد السلام البغدادي صديق أبي العلاء كان إمامًا في النحو والجغرافية، وأشار في الهامش إلى فهرس "معجم البلدان" الذي اعتمده.
لقد عنيت بجمع أخبار عبد السلام أكثر من أيّ عالم من علماء السير والتراجم. ولكني ما عرفت أنه اكتسب شهرة في الجغرافية، ولعل مرجليوث توهم ذلك، لمجرد أنه وجد ذكر عبد السلام في فهرس "معجم البلدان"، ولكن ماذا يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن سيدنا عيسى وموسى عليهما السلام والأعشى وامرئ القيس الذين نجد أسماءهم في معجم البلدان، هل كان هؤلاء مشهورين في الجغرافية؟ والحقيقة أن "معجم البلدان" كتاب التاريخ والأدب والأنساب أولًا، ثم هو كتاب الجغرافية.
6 -
يقول (2): إن أبا العلاء ركب السفينة إلى الموصل وهو عائد من بغداد، ثم ركب الإِبل ولا تعتمد هذه الدعوى على دليل، ويكذبها -أيضًا- ما قاله أبو العلاء وهو يودع أهل بغداد:
إذا أطّ نسع قلت الدوم كاربي
…
أجدكم لم تفهموا طرب النسع
وأتى لنا من ماء دجلة نغبة
…
على الخمس من بعد المفاوز والربع
وأغلب الظن أن أبا العلاء لم يجد سفينته حتى الآن، فكيف ركبها؟ ولو افترضنا اتخذ السفينة مركبًا له فأين تركها في الموصل، ومن احتفظ بها؟ ورسائل المعري، أيضًا -لا ترشدنا إلى نتيجة حتمية بهذا الصدد، فقد جاء فيها عن سفره
(1) م: 24.
(2)
م: 28.