الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العباب الزاخر واللباب الفاخر وطريقة نشره المثلى
(*)
لئن كان علماء اللغة في شرقنا قد خالطوا الأعراب وجمعوا شوارد اللغة ونوادرها، وهم بعدَ الرواد الأقدمين من علماء اللغة: أبو بكر ابن دريد في جَمهرته وأبو منصور الأَزهري في تَهذيبه، فإن المغاربةَ من علماء اللغة الأندلسيين كالزُّبَيدي (1) وابن التيَّان وأبان بن السَّيِّد القرطبي لم يقصروا في خدمة اللغة فجاروا إِخوانهم المشارقة، وأنتجوا من مصنفات اللغة ما هو بالتقدير جدير.
ثم طرَّس على آثارهما الجوهري، وأحمد بن فارس وأضرابهما فحرروا المفردات وفسروها، ثم نشأ في القرن السادس ابن سيده فألف المخصَّص على الأَجناس، وهو في الحقيقة من أجلِّ ما كتب في معناه وكأنَّه جَمع في سفره هذا جميعَ مصنفات الأقدمين التي لم يستطيعوا ترتبيبها كما يجب، ثم رأى أنْ يجمع هذه المفردات المبعثرة ويرتبها ترتيبَ العين قجمع شواردها في نحو عشرين مجلدًا، ولسوء الطالع أن هذا المعجمَ الضخم وهو (المحكم) لم تصلْ أيدي المشارقة إليه إِلا في أواخر القرن السادس أو السابع ولعلَّ الإِمام الصَّاغانيّ المتوَّفي سنة 650 هـ لم تبلغه معاجمُ ابن سيدَه ولا كتابُ أبان وغيره من مُؤلَّفات الأندلسيين، كما أن ابن سيدَه البصير لم يصل إليه لسوء الحظ تهذيبُ الأزهري مِمَّا يدلُّ على أن المشارقة لم يطلعوا على ما صنف بالمغرب من أسفار اللغة إِلا آخر القرن السادس، كما أن هؤلاء الأئمةَ من المغاربة لم يَقفوا على ما كان ألفه المشارقة المحققون في ديارنا إِلا في القرن السادس.
وهذا صاحب اللسان عبد الله محمد بن المكرَّم الذي خُلِقَ بعد ابن سيده بنحو
(*) نشر في مجلة "المجمع 36/ 47 - 49.
(1)
محمد بن الحسن عبيد الله بن مسحج الزبيدي الأندلسي الأشبيلي المتوفي سنة 379 هـ.
قرنين، ومع ذلك لم يتَوَفَّقْ للاستفادة من مُحكم ابن سيده، وقد بعثَ الله بدمشق حرسها الله مَن تولى الجمعَ بين المُحكَم والتهذيب والصَّحاح في عهد الملك المعظَّم ابن الملك العادل، فجمع بين المُحكَم والتهذيب والصَّحاح، بيد أنه مع كل هذه الجهود اللغوية لم ينشأ في القرن السادس وأوائل السابع رجلٌ عُني بجمع شواردِ هذه اللغة وفرائدها من جميع الكتب التي ألفها الرُّواة الأقدمون ثم أفنى عُمْرَهُ في الاشتغال بهذا الأمر الخطير، ولم يشتغل بغيره، ووقف على خزائن دور العلم ببغداد التي كانت تجمع ما صنفه المسلمون حتى كارثة هولاكو، لم يتوفر ذلك كله لغير الإِمام الصاغاني فألَّف تكملةَ الصحاح لِلجوهريّ، جاءت في ضعفي حَجمِه وجمعها في ست مجلدات ضخمة سماها مجمع البحرين، ثم رغب إليه الوزير ابن العلقمي في تأليف كتاب جامع لما تفرَّق من شُذور اللغة وشواردها، فلبَّى الطلبَ الذي يَهواه وصنف لنا العباب الزاخر إلى أن وافاهُ يومُهُ، وقد بلغ مادة (بكم) فقال فيه بعض حساده:
إِنَّ الصَّغاني الذي
…
حاز العلومَ والحِكَمْ
كانَ قُصارَى أمرِهِ
…
أَنِ انتهى إلى (بَكَمْ)
بذلك يظهر لنا أنه ليسَ لدينا من نُعَوِّل عليه في اللغة العربية الصحيحة غيرُ الإِمام الصَّغانِي. ذلك الذي نضج علمُهُ وجمعَ شواردَ اللغة وفرائدها، لأنه كان في القرن السابع الذي لم يؤلِّف في اللغة أحدٌ مثلَه ولا من جاءَ من بعده، وهذا هو السبب الذي من أجله نعتقدُ أنه لا أنفع ولا أصلح من نشر العُباب الزاحر واللُّباب الفاخر؛ ومن يمن الطالع أن منه عدة نسخ في الخزائن ومنها ما هو بخطَّ المؤلف ولا غاية لمستزيد وراءَها، وخَطُّهُ النَّسخي جميل، كتبه بغاية الحِذْقِ والتمحيص مما لم نجد له نظيرًا، فمن واجب العرب العلمي والقوميّ بل من أجل أعمال مجمع اللغة العربية بدمشق، وقد خلق لحياةِ لسان العرب، أن يؤلف لجنةً لغوية تتالف من حُذَّاق اللغة وعُشَّاقها لتقومَ بنشر هذا السفر الجليل وبالأعمال العلمية التالية:
أن يعارَض العُباب بسائر مؤلفات الصاغاني التي منها ولله الحمد نسخٌ في الأرض جليلة ثم يعارَضُ بمحكَم ابن سيدَه ولا مناصَ من ذلك، وحينما تبلغ اللجنة اللغوية مادة (بكم) تُتِمُّ هذه المادة وما بعدها من الأحرف القليلة الباقية بالرُّجوع إلى كتابه مَجمع البحرين بعد معارضة ما فيه بالتكملة والحاشية وصلتها وبالمحكم أيضًا،
مع مراجعة لسان العرب وتاج العروس وغيره من كتب اللغة الصحيحة وتُدَوَّن الملاحظات في الحواشي، وتستمر هذه اللجنة اللغوية المباركة على عملها هذا إلى أن يَتمَّ العباب فيتم لنا بتمامه (كتاب اللغة العربية) الذي لا ينوب عنه التاج ولا اللسان ولا غيرُهما مما لم يتوفرْ لأحدٍ من أئمة اللغة المحققين الأثبات ما توفر لإمامنا الصغاني العمري الذي لم تُفتح العينُ على مثله رحمه الله، وهذا لعمري تأويلُ رؤيا المجد الذي أخذ في تأليف معجم ضخم سماه (اللامع المُعْلَم العُجاب الجامعُ بينَ المحكم والعُباب) ولم يَتسنَّ له تصنيفهُ ولم أرَ منه نسخةً أو جزءًا في الخزائن التي وقفت عليها.
عبد العزيز الميمني